أنوار التنزيل وأسرار التأويل - ج ٣

عبدالله بن عمر بن محمد الشيرازي الشافعي البيضاوي

أنوار التنزيل وأسرار التأويل - ج ٣

المؤلف:

عبدالله بن عمر بن محمد الشيرازي الشافعي البيضاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٩

تَظْلِمْ مِنْهُ) ولم تنقص من أكلها. (شَيْئاً) يعهد في سائر البساتين فإن الثمار تتم في عام وتنقص في عام غالبا. (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) ليدوم شربهما فإنه الأصل ويزيد بهاؤهما ، وعن يعقوب (وَفَجَّرْنا) بالتخفيف.

(وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) أنواع من المال سوى الجنتين من ثمر ماله إذا كثره. وقرأ عاصم بفتح الثاء والميم ، وأبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم والباقون بضمهما وكذلك في قوله (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) (فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ) يراجعه في الكلام من حار إذا رجع. (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) حشما وأعوانا. وقيل أولادا ذكورا لأنهم الذين ينفرون معه.

(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً)(٣٦)

(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) بصاحبه يطوف به فيها ويفاخره بها ، وإفراد الجنة لأن المراد ما هو جنته وما متع به من الدنيا تنبيها على أن لا جنة له غيرها ولا حظ له في الجنة التي وعد المتقون ، أو لاتصال كل واحدة من جنتيه بالأخرى ، أو لأن الدخول يكون في واحدة واحدة. (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) ضار لها بعجبه وكفره (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ) أن تفنى. (هذِهِ) الجنة. (أَبَداً) لطول أمله وتمادي غفلته واغتراره بمهلته.

(وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) كائنة. (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) بالبعث كما زعمت. (لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها) من جنته ، وقرأ الحجازيان والشامي «منهما» أي من الجنتين. (مُنْقَلَباً) مرجعا وعاقبة لأنها فانية وتلك باقية ، وإنما أقسم على ذلك لاعتقاده أنه تعالى إنما أولاه ما أولاه لاستئهاله واستحقاقه إياه لذاته وهو معه أينما تلقاه.

(قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً)(٣٨)

(قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) لأنه أصل مادتك أو مادة أصلك. (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) فإنها مادتك القريبة. (ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) ثم عدلك وكملك إنسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال. جعل كفره بالبعث كفرا بالله تعالى لأن منشأه الشك في كمال قدرة الله تعالى ، ولذلك رتب الإنكار على خلقه إياه من التراب فإن من قدر على بدء خلقه منه قدر أن يعيده منه.

(لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) أصله لكن أنا فحذفت الهمزة بنقل الحركة أو دونه فتلاقت النونان فكان الإدغام ، وقرأ ابن عامر ويعقوب في رواية بالألف في الوصل لتعويضها من الهمزة أو لإجراء الوصل مجرى الوقف ، وقد قرئ «لكنا أنا» على الأصل وهو ضمير الشأن وهو بالجملة الواقعة خبرا له خبر «أنا» أو ضمير (اللهُ) و (اللهُ) بدله وربي خبره والجملة خبر «أنا» والاستدراك من أكفرت كأنه قال : أنت كافر بالله لكني مؤمن به ، وقد قرئ «لكن هو الله ربي ولكن أنا لا إله إلا هو ربي».

(وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً)(٣٩)

(وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ) وهلا قلت عند دخولها. (ما شاءَ اللهُ) الأمر ما شاء أو ما شاء كائن على أن ما موصولة ، أو أي شيء شاء الله كان على أنها شرطية والجواب محذوف إقرارا بأنها وما فيها بمشيئة الله إن شاء أبقاها وإن شاء أبادها. (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) وقلت لا قوة إلا بالله اعترافا بالعجز على نفسك والقدرة لله ، وإن ما تيسر لك من عمارتها وتدبير أمرها فبمعونته وإقداره. وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من رأى شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره». (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) يحتمل أن يكون فصلا وأن يكون

٢٨١

تأكيدا للمفعول الأول ، وقرئ «أقل» بالرفع على أنه خبر (أَنَا) والجملة مفعول ثاني ل (تَرَنِ) ، وفي قوله (وَوَلَداً) دليل لمن فسر النفر بالأولاد.

(فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً)(٤١)

(فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) في الدنيا أو في الآخرة لإيماني وهو جواب الشرط. (وَيُرْسِلَ عَلَيْها) على جنتك لكفرك. (حُسْباناً مِنَ السَّماءِ) مرامي جمع حسبانة وهي الصواعق. وقيل هو مصدر بمعنى الحساب والمراد به التقدير بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة. (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) أرضا ملساء يزلق عليها باستئصال نباتها وأشجارها.

(أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً) أي غائرا في الأرض مصدر وصف به كالزلق. (فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) للماء الغائر ترددا في رده.

(وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً)(٤٣)

(وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) وأهلك أمواله حسبما توقعه صاحبه وأنذره منه ، وهو مأخوذ من أحاط به العدو فإنه إذا أحاط به غلبه وإذا غلبه أهلكه ، ونظيره أتى عليه إذا أهلكه من أتى عليهم العدو إذا جاءهم مستعليا عليهم. (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) ظهرا لبطن تلهفا وتحسرا. (عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) في عمارتها وهو متعلق ب (يُقَلِّبُ) لأن تقليب الكفين كناية عن الندم فكأنه قيل : فأصبح يندم ، أو حال أي متحسرا على ما أنفق فيها. (وَهِيَ خاوِيَةٌ) ساقطة. (عَلى عُرُوشِها) بأن سقطت عروشها على الأرض وسقطت الكروم فوقها عليها. (وَيَقُولُ) عطف على (يُقَلِّبُ) أو حال من ضميره. (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) كأنه تذكر موعظة أخيه وعلم أنه أتى من قبل شركه فتمنى لو لم يكن مشركا فلم يهلك الله بستانه ، ويحتمل أن يكون توبة من الشرك وندما على ما سبق منه.

(وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) وقرأ حمزة والكسائي بالياء لتقدمه. (يَنْصُرُونَهُ) يقدرون على نصره بدفع الإهلاك أو رد المهلك أو الإتيان بمثله. (مِنْ دُونِ اللهِ) فإنه القادر على ذلك وحده. (وَما كانَ مُنْتَصِراً) وما كان ممتنعا بقوته عن انتقام الله منه.

(هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً)(٤٤)

(هُنالِكَ) في ذلك المقام وتلك الحال. (الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) النصرة له وحده لا يقدر عليها غيره تقديرا لقوله (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ) أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة كما نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن ويعضده قوله : (هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً) أي لأوليائه. وقرأ حمزة والكسائي بالكسر ومعناها السلطان والملك أي هنالك السلطان له لا يغلب ولا يمنع منه ، أو لا يعبد غيره كقوله تعالى (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فيكون تنبيها على أن قوله (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ) كان عن اضطرار وجزع مما دهاه. وقيل (هُنالِكَ) إشارة إلى الآخرة وقرأ أبو عمرو والكسائي الحق بالرفع صفة للولاية ، وقرئ بالنصب على المصدر المؤكد ، وقرأ عاصم وحمزة (عُقْباً) بالسكون ، وقرئ «عقبى» وكلها بمعنى العاقبة.

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ

٢٨٢

الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) (٤٥)

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا) واذكر لهم ما يشبه الحياة الدنيا في زهرتها وسرعة زوالها أو صفتها الغريبة. (كَماءٍ) هي كماء ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا ل (اضْرِبْ) على أنه بمعنى صير. (أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) فالتفت بسببه وخالط بعضه بعضا من كثرته وتكاثفه ، أو نجع في النبات حتى روي ورف وعلى هذا كان حقه فاختلط بنبات الأرض لكنه لما كان كل من المختلطين موصوفا بصفة صاحبه عكس للمبالغة في كثرته. (فَأَصْبَحَ هَشِيماً) مهشوما مكسورا. (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) تفرقه ، وقرئ «تذريه» من أذرى والمشبه به ليس الماء ولا حاله بل الكيفية المنتزعة من الجملة ، وهي حال النبات المنبت بالماء يكون أخضر وارفا ثم هشيما تطيره الرياح فيصير كأن لم يكن. (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الإنشاء والإفناء. (مُقْتَدِراً) قادرا.

(الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً)(٤٦)

(الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) يتزين بها الإنسان في دنياه وتفنى عنه عما قريب. (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) وأعمال الخيرات التي تبقى له ثمرتها أبد الآباد ، ويندرج فيها ما فسرت به من الصلوات الخمس وأعمال الحج وصيام رمضان وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والكلام الطيب. (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ) من المال والبنين. (ثَواباً) عائدة. (وَخَيْرٌ أَمَلاً) لأن صاحبها ينال بها في الآخرة ما كان يؤمل بها في الدنيا.

(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(٤٧)

(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) واذكر يوم نقلعها ونسيرها في الجو ، أو نذهب بها فنجعلها هباء منبثا. ويجوز عطفه على (عِنْدَ رَبِّكَ) أي الباقيات الصالحات خير عند الله ويوم القيامة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر تسير بالتاء والبناء للمفعول وقرئ «تسير» من سارت. (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) بادية برزت من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها ، وقرئ «وترى» على بناء المفعول. (وَحَشَرْناهُمْ) وجمعناهم إلى الموقف ، ومجيئه ماضيا بعد (نُسَيِّرُ وَتَرَى) لتحقق الحشر أو للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير ليعاينوا ويشاهدوا ما وعد لهم ، وعلى هذا تكون الواو للحال بإضمار قد. (فَلَمْ نُغادِرْ) فلم نترك. (مِنْهُمْ أَحَداً) يقال غادره وأغدره إذا تركه ومنه الغدر لترك الوفاء والغدير لما غادره السيل ، وقرئ بالياء.

(وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً(٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(٤٩)

(وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ) شبه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان لا ليعرفهم بل ليأمر فيهم. (صَفًّا) مصطفين لا يحجب أحد أحدا. (لَقَدْ جِئْتُمُونا) على إضمار القول على وجه يكون حالا أو عاملا في يوم نسير. (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) عراة لا شيء معكم من المال والولد كقوله (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) أو أحياء كخلقتكم الأولى لقوله : (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) وقتا لإنجاز الوعد بالبعث والنشور وأن الأنبياء كذبوكم به ، وبل للخروج من قصة إلى أخرى.

(وَوُضِعَ الْكِتابُ) صحائف الأعمال في الأيمان والشمائل أو في الميزان وقيل هو كناية عن وضع

٢٨٣

الحساب. (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ) خائفين. (مِمَّا فِيهِ) من الذنوب. (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا) ينادون هلكتهم التي هلكوها من بين الهلكات. (ما لِهذَا الْكِتابِ) تعجبا من شأنه. (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً) هنة صغيرة. (وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) إلا عددها وأحاط بها. (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) مكتوبا في الصحف. (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) فيكتب عليه ما لم يفعل أو يزيد في عقابه الملائم لعمله.

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)(٥٠)

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) كرره في مواضع لكونه مقدمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحال ، وها هنا لما شنع على المفتخرين واستقبح صنيعهم قرر ذلك بأنه من سنن إبليس ، أو لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار بها حب الشهوات وتسويل الشيطان. زهدهم أولا في زخارف الدنيا بأنها عرضة الزوال والأعمال الصالحة خير وأبقى من أنفسها وأعلاها ، ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة وهكذا مذهب كل تكرير في القرآن. (كانَ مِنَ الْجِنِ) حال بإضمار قد أو استئناف للتعليل كأنه قيل : ما له لم يسجد فقيل كان من الجن. (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) فخرج عن أمره بترك السجود والفاء للسبب ، وفيه دليل على أن الملك لا يعصى البتة وإنما عصى إبليس لأنه كان جنيا في أصله والكلام المستقصى فيه في سورة «البقرة». (أَفَتَتَّخِذُونَهُ) أعقيب ما وجد منه تتخذونه والهمزة للإنكار والتعجب. (وَذُرِّيَّتَهُ) أولاده أو أتباعه ، وسماهم ذرية مجازا. (أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي. (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) من الله تعالى ، إبليس وذريته.

(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) (٥١)

(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ). نفي إحضار إبليس وذريته خلق السموات والأرض وإحضار بعضهم خلق بعض ليدل على نفي الاعتضاد بهم في ذلك كما صرح به بقوله : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) أي أعوانا ردا لاتخاذهم أولياء من دون الله شركاء له في العبادة ، فإن استحقاق العبادة من توابع الخالقية والاشتراك فيه يستلزم الاشتراك فيها ، فوضع (الْمُضِلِّينَ) موضع الضمير ذما لهم واستبعادا للاعتضاد بهم. وقيل الضمير للمشركين والمعنى : ما أشهدتهم خلق ذلك وما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو آمنوا تبعهم الناس كما يزعمون ، فلا تلتفت إلى قولهم طمعا في نصرتهم للدين فإنه لا ينبغي لي أن أعتضد بالمضلين لديني. ويعضده قراءة من قرأ (وَما كُنْتُ) على خطاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقرئ «متخذا المضلين» على الأصل و «عضدا» بالتخفيف و «عضدا» بالاتباع و «عضدا» كخدم جمع عاضد من عضده إذا قواه.

(وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً)(٥٢)

(وَيَوْمَ يَقُولُ) أي الله تعالى للكافرين وقرأ حمزة بالنون. (نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) أنهم شركائي وشفعاؤكم ليمنعوكم من عذابي ، وإضافة الشركاء على زعمهم للتوبيخ والمراد ما عبد من دونه ، وقيل إبليس وذريته. (فَدَعَوْهُمْ) فنادوهم للإغاثة. (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) فلم يغيثوهم. (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) بين الكفار وآلهتهم. (مَوْبِقاً) مهلكا يشتركون فيه وهو النار ، أو عداوة هي في شدتها هلاك كقول عمر رضي الله عنه : لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا. وموبقا اسم مكان أو مصدر من وبق يوبق وبقا إذا هلك. وقيل البين الوصل أي وجعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة.

٢٨٤

(وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣) وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً)(٥٤)

(وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا) فأيقنوا. (أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) مخالطوها واقعون فيها. (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) انصرافا أو مكانا ينصرفون إليه.

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) من كل جنس يحتاجون إليه. (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ) يتأتى منه الجدل. (جَدَلاً) خصومة بالباطل وانتصابه على التمييز.

(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً)(٥٥)

(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) من الإيمان. (إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) وهو الرسول الداعي والقرآن المبين.

(وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) ومن الاستغفار من الذنوب. (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) إلا طلب أو انتظار أو تقدير أن تأتيهم سنة الأولين ، وهي الاستئصال فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ) عذاب الآخرة. (قُبُلاً) عيانا. وقرأ الكوفيون (قُبُلاً) بضمتين وهو لغة فيه أو جمع قبيل بمعنى أنواع ، وقرئ بفتحتين وهو أيضا لغة يقال لقيته مقابلة وقبلا وقبلا وقبليا ، وانتصابه على الحال من الضمير أو (الْعَذابُ).

(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً)(٥٦)

(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) للمؤمنين والكافرين. (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ) باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات ، والسؤال عن قصة أصحاب الكهف ونحوها تعنتا. (لِيُدْحِضُوا بِهِ) ليزيلوا بالجدال. (الْحَقَ) عن مقره ويبطلوه ، من إدحاض القدم وهو إزلاقها وذلك قولهم للرسل (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) ونحو ذلك. (وَاتَّخَذُوا آياتِي) يعني القرآن. (وَما أُنْذِرُوا) وإنذارهم أو والذي أنذروا به من العقاب. (هُزُواً) استهزاء. وقرئ «هزأ» بالسكون وهو ما يستهزأ به على التقديرين.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً)(٥٨)

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ) بالقرآن. (فَأَعْرَضَ عَنْها) فلم يتدبرها ولم يتذكر بها. (وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) من الكفر والمعاصي ولم يتفكر في عاقبتهما. (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) تعليل لإعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم. (أَنْ يَفْقَهُوهُ) كراهة أن يفقهوه ، وتذكير الضمير وإفراده للمعنى. (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) يمنعهم أن يستمعوه حق استماعه. (وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) تحقيقا ولا تقليدا لأنهم لا يفقهون ولا يسمعون وإذا كما عرفت جزاء وجواب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على تقدير قوله ما لي لا أدعوهم ، فإن حرصه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على إسلامهم يدل عليه.

(وَرَبُّكَ الْغَفُورُ) البليغ المغفرة. (ذُو الرَّحْمَةِ) الموصوف بالرحمة. (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ) استشهاد على ذلك بإمهال قريش مع إفراطهم في عداوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) وهو يوم

٢٨٥

بدر أو يوم القيامة. (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) منجأ ولا ملجأ ، يقال وأل إذا نجا ووأل إليه إذا لجأ إليه.

(وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) (٥٩)

(وَتِلْكَ الْقُرى) يعني قرى عاد وثمود وأضرابهم ، (وَتِلْكَ) مبتدأ خبره. (أَهْلَكْناهُمْ) أو مفعول مضمر مفسر به ، و (الْقُرى) صفته ولا بد من تقدير مضاف في أحدهما ليكون مرجع الضمائر. (لَمَّا ظَلَمُوا) كقريش بالتكذيب والمراء وأنواع المعاصي. (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) لإهلاكهم وقتا لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون ، فليعتبروا بهم ولا يغتروا بتأخير العذاب عنهم ، وقرأ أبو بكر (لِمَهْلِكِهِمْ) بفتح الميم واللام أي لهلاكهم ، وحفص بكسر اللام حملا على ما شذ من مصادر يفعل كالمرجع والمحيض.

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً)(٦٠)

(وَإِذْ قالَ مُوسى) مقدر باذكر. (لِفَتاهُ) يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف عليهم الصلاة والسلام فإنه كان يخدمه ويتبعه ولذلك سماه فتاه وقيل لعبده. (لا أَبْرَحُ) أي لا أزال أسير فحذف الخبر لدلالة حاله وهو السفر وقوله : (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) من حيث إنها تستدعي ذا غاية عليه ، ويجوز أن يكون أصله لا يبرح مسيري حتى أبلغ على أن حتى أبلغ هو الخبر ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فانقلب الضمير والفعل وأن يكون (لا أَبْرَحُ) هو بمعنى لا أزول عما أنا عليه من السير والطلب ولا أفارقه فلا يستدعي الخبر ، و (مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق وعد لقاء الخضر فيه. وقيل البحران موسى وخضر عليهما الصلاة والسلام فإن موسى كان بحر علم الظاهر والخضر كان بحر علم الباطن. وقرئ «مجمع» بكسر الميم على الشذوذ من يفعل كالمشرق والمطلع (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) أو أسير زمانا طويلا ، والمعنى حتى يقع إما بلوغ المجمع أو مضي الحقب أو حتى أبلغ إلا أن أمضي زمانا أتيقن معه فوات المجمع ، والحقب الدهر وقيل ثمانون سنة وقيل سبعون. روي : أن موسى عليه الصلاة والسلام خطب الناس بعد هلاك القبط ودخوله مصر خطبة بليغة فأعجب بها فقيل له : هل تعلم أحدا أعلم منك فقال : لا ، فأوحى الله إليه بل أعلم منك عبدنا الخضر وهو بمجمع البحرين ، وكان الخضر في أيام أفريدون وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر وبقي إلى أيام موسى. وقيل إن موسى عليه‌السلام سأل ربه أي عبادك أحب إليك قال الذي يذكرني ولا ينساني ، قال فأي عبادك أقضى ، قال الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى ، قال فأي عبادك أعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ، فقال إن كان في عبادك أعلم مني فادللني عليه ، قال أعلم منك الخضر قال : أين أطلبه ، قال على الساحل عند الصخرة ، قال كيف لي به قال تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك ، فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان.

(فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً)(٦٢)

(فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما) أي مجمع البحرين و (بَيْنِهِما) ظرف أضيف إليه على الاتساع أو بمعنى الوصل. (نَسِيا حُوتَهُما) نسي موسى عليه الصلاة والسلام أن يطلبه ويتعرف حاله ، ويوشع أن يذكر له ما رأى من حياته ووقوعه في البحر. روي : أن موسى عليه‌السلام رقد فاضطرب الحوت المشوي ووثب في البحر معجزة لموسى أو الخضر. وقيل توضأ يوشع من عين الحياة فانتضح الماء عليه فعاش ووثب في الماء. وقيل نسيا تفقد أمره وما يكون منه أمارة على الظفر بالمطلوب (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) فاتخذ الحوت

٢٨٦

طريقه في البحر مسلكا من قوله (وَسارِبٌ بِالنَّهارِ). وقيل أمسك الله جرية الماء على الحوت فصار كالطاق عليه ، ونصبه على المفعول الثاني وفي البحر حال منه أو من السبيل ويجوز تعلقه باتخذ.

(فَلَمَّا جاوَزا) مجمع البحرين. (قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا) ما نتغدى به. (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) قيل لم ينصب حتى جاوز الموعد فلما جاوزه وسار الليلة والغد إلى الظهر ألقي عليه الجوع والنصب. وقيل لم يعي موسى في سفر غيره ويؤيده التقييد باسم الإشارة.

(قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً)(٦٣)

(قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا) أرأيت ما دهاني إذ أوينا. (إِلَى الصَّخْرَةِ) يعني الصخرة التي رقد عندها موسى. وقيل هي الصخرة التي دون نهر الزيت. (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) فقدته أو نسيت ذكره بما رأيت منه. (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان فإن (أَنْ أَذْكُرَهُ) بدل من الضمير ، وقرئ «أن أذكركه». وهو اعتذار عن نسيانه بشغل الشيطان له بوساوسه ، والحال وإن كانت عجيبة لا ينسى مثلها لكنه لما ضرى بمشاهدة أمثالها عند موسى وألفها قل اهتمامه بها ، ولعله نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار وانجذاب شراشره إلى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة ، وإنما نسبه إلى الشيطان هضما لنفسه أو لأن عدم احتمال القوة للجانبين واشتغالها بأحدهما عن الآخر يعد من نقصان. (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) سبيلا عجبا وهو كونه كالسرب أو اتخاذ عجبا ، والمفعول الثاني هو الظرف وقيل هو مصدر فعله المضمر أي قال في آخر كلامه ، أو موسى في جوابه عجبا تعجبا من تلك الحال. وقيل الفعل لموسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا.

(قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)(٦٥)

(قالَ ذلِكَ) أي أمر الحوت. (ما كُنَّا نَبْغِ) نطلب لأنه أمارة المطلوب. (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما) فرجعا في الطريق الذي جاءا فيه. (قَصَصاً) يقصان قصصا أي يتبعان آثارهما اتباعا ، أو مقتصين حتى أتيا الصخرة.

(فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا) الجمهور على أنه الخضر عليه‌السلام واسمه بليا بن ملكان ، وقيل اليسع ، وقيل إلياس. (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) هي الوحي والنبوة. (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) مما يختص بنا ولا يعلم إلا بتوفيقنا وهو علم الغيوب.

(قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً)(٦٦)

(قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ) على شرط أن تعلمني ، وهو في موضع الحال من الكاف. (مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) علما ذا رشد وهو إصابة الخير ، وقرأ البصريان بفتحتين وهما لغتان كالبخل والبخل ، وهو مفعول (تُعَلِّمَنِ) ومفعول (عُلِّمْتَ) العائد المحذوف وكلاهما منقولان من علم الذي له مفعول واحد ، ويجوز أن يكون رشدا علة لأتبعك أو مصدرا بإضمار فعله ، ولا ينافي نبوته وكونه صاحب شريعة أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطا في أبواب الدين ، فإن الرسول ينبغي أن يكون أعلم ممن أرسل إليه فيما بعث به من أصول الدين وفروعه لا مطلقا ، وقد راعى في ذلك غاية التواضع والأدب ، فاستجهل نفسه واستأذن أن يكون تابعا له ، وسأل منه أن يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه.

٢٨٧

(قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)(٦٨)

(قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد كأنها مما لا يصح ولا يستقيم وعلل ذلك واعتذر عنه بقوله.

(وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) أي وكيف تصبر وأنت نبي على ما أتولى من أمور ظواهرها مناكير وبواطنها لم يحط بها خبرك ، وخبرا تمييز أو مصدر لأن لم تحط به بمعنى لم تخبره.

(قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩) قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً)(٧٠)

(قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) معك غير منكر عليك. (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) عطف على صابرا أي ستجدني صابرا وغير عاص ، أو على ستجدني. وتعليق الوعد بالمشيئة إما للتيمن وخلفه ناسيا لا يقدح في عصمته أو لعلمه بصعوبة الأمر ، فإن مشاهدة الفساد والصبر على خلاف المعتاد شديد فلا خلف ، وفيه دليل على أن أفعال العباد واقعة بمشيئة الله تعالى.

(قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) فلا تفاتحني بالسؤال عن شيء أنكرته مني ولم تعلم وجه صحته. (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) حتى أبتدئك ببيانه ، وقرأ نافع وابن عامر (فَلا تَسْئَلْنِي) بالنون الثقيلة.

(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً)(٧٢)

(فَانْطَلَقا) على الساحل يطلبان السفينة ، (حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها) أخذ الخضر فأسا فخرق السفينة بأن قلع لوحين من ألواحها. (قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها) فإن خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضي إلى غرق أهلها. وقرئ «لتغرّق» بالتشديد للتكثير. وقرأ حمزة والكسائي «ليغرق أهلها» على إسناده إلى الأهل. (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) أتيت أمرا عظيما من أمر الأمر إذا عظم.

(قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) تذكير لما ذكره قبل.

(قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً)(٧٣)

(قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) بالذي نسيته أو بشيء نسيته ، يعني وصيته بأن لا يعترض عليه أو بنسياني إياها ، وهو اعتذار بالنسيان أخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها. وقيل أراد بالنسيان الترك أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة. وقيل إنه من معاريض الكلام والمراد شيء آخر نسيه. (وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) ولا تغشني عسرا من أمري بالمضايقة والمؤاخذة على المنسي ، فإن ذلك يعسر على متابعتك و (عُسْراً) مفعول ثان لترهق فانه يقال : رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه ، وقرئ (عُسْراً) بضمتين.

(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً)(٧٤)

(فَانْطَلَقا) أي بعد ما خرجا من السفينة. (حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ) قيل فتل عنقه ، وقيل ضرب برأسه الحائط ، وقيل أضجعه فذبحه والفاء للدلالة على أنه كما لقيه قتله من غير ترو واستكشاف حال ولذلك : (قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) أي طاهرة من الذنوب ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ورويس عن يعقوب «زاكية» والأول أبلغ ، وقال أبو عمرو الزاكية التي لم تذنب قط والزكية التي أذنبت ثم غفرت ، ولعله اختار

٢٨٨

الأول لذلك فإنها كانت صغيرة ولم تبلغ الحلم أو أنه لم يرها قد أذنبت ذنبا يقتضي قتلها ، أو قتلت نفسا فتقاد بها ، نبه به على أن القتل إنما يباح حدا أو قصاصا وكلا الأمرين منتف ، ولعل تغيير النظم بأن جعل خرقها جزاء ، واعتراض موسى عليه الصلاة والسلام مستأنفا في الأولى وفي الثانية قتله من جملة الشرط واعتراضه جزاء ، لأن القتل أقبح والاعتراض عليه أدخل فكان جديرا بأن يجعل عمدة الكلام ولذلك فصله بقوله : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) أي منكرا ، وقرأ نافع في رواية قالون وورش وابن عامر ويعقوب وأبو بكر (نُكْراً) بضمتين.

(قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً)(٧٦)

(قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) زاد فيه (لَكَ) مكافحة بالعتاب على رفض الوصية ، ووسما بقلة الثبات والصبر لما تكرر منه الاشمئزاز والاستنكار ولم يرعو بالتذكير أول مرة حتى زاد في الاستنكار ثاني مرة.

(قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي) وإن سألت صحبتك ، وعن يعقوب «فلا تصحبني» أي فلا تجعلني صاحبك. (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) قد وجدت عذرا من قبلي لما خالفتك ثلاث مرات. وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «رحم الله أخي موسى استحيا فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب». وقرأ نافع (مِنْ لَدُنِّي) بتحريك النون والاكتفاء بها عن نون الدعامة كقوله : قدني من نصر الحبيبين قدى. وأبو بكر (لَدُنِّي) بتحريك النون وإسكان الضاد من عضد.

(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً)(٧٧)

(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) قرية أنطاكية وقيل أبلة البصرة. وقيل باجروان أرمينية. (اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) وقرئ (يُضَيِّفُوهُما) من أضافه يقال ضافه إذا نزل به ضيفا وأضافه وضيفه أنزله ، وأصل التركيب للميل يقال ضاف السهم عن الغرض إذا مال. (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) يداني أن يسقط فاستعيرت الإرادة للمشارفة كما استعير لها الهم والعزم قال :

يريد الرّمح صدر أبي براء

ويعدل عن دماء بني عقيل

وقال :

إنّ دهرا يلمّ شملي بجمل

لزمان يهمّ بالإحسان

وانقض انفعل من قضضته إذا كسرته ، ومنه انقضاض الطير والكواكب لهويه ، أو أفعل من النقض.

وقرئ «أن ينقض» و «أن ينقاص» بالصاد المهملة من انقاصت السن إذا انشقت طولا. (فَأَقامَهُ) بعمارته أو بعمود عمده به ، وقيل مسحه بيده فقام. وقيل نقضه وبناه. (قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) تحريضا على أخذ الجعل لينتعشا به ، أو تعريضا بأنه فضول لما في (لَوْ) من النفي كأنه لما رأى الحرمان ومساس الحاجة واشتغاله بما لا يعنيه لم يتمالك نفسه ، واتخذ افتعل من تخذ كاتبع من تبع وليس من الأخذ عند البصريين ، وقرأ ابن كثير والبصريان «لتخذت» أي لأخذت وأظهر ابن كثير ويعقوب وحفص الدال وأدغمه الباقون.

(قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)(٧٨)

(قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) الإشارة إلى الفراق الموعود بقوله (فَلا تُصاحِبْنِي) أو إلى الاعتراض

٢٨٩

الثالث ، أو الوقت أي هذا الاعتراض سبب فراقنا أو هذا الوقت وقته ، وإضافة الفراق إلى البين إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع ، وقد قرئ على الأصل. (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) بالخبر الباطن فيما لم تستطع الصبر عليه لكونه منكرا من حيث الظاهر.

(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً)(٧٩)

(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) لمحاويج ، وهو دليل على أن المسكين يطلق على من يملك شيئا إذا لم يكفه. وقيل سموا مساكين لعجزهم عن دفع الملك أو لزمانتهم فإنها كانت لعشرة إخوة خمسة زمنى وخمسة يعملون في البحر. (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) أن أجعلها ذات عيب. (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) قدامهم أو خلفهم وكان رجوعهم عليه ، واسمه جلندى بن كركر ، وقيل منوار بن جلندي الأزدي. (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) من أصحابها. وكان حق النظم أن يتأخر قوله (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) عن قوله (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) لأن إرادة التعيب مسببة عن خوف الغصب وإنما قدم للعناية أو لأن السبب لما كان مجموع الأمرين خوف الغصب ومسكنة الملاك رتبه على أقوى الجزأين وأدعاهما وعقبه بالآخر على سبيل التقييد والتتميم ، وقرئ «كل سفينة صالحة» والمعنى عليها.

(وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً)(٨١)

(وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما) أن يغشيهما. (طُغْياناً وَكُفْراً) لنعمتهما بعقوقه فيلحقهما شرا ، أو يقرن بإيمانهما طغيانه وكفره فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر ، أو يعديهما بعلته فيرتدا بإضلاله ، أو بممالأته على طغيانه وكفره حبّا له. وإنما خشي ذلك لأن الله تعالى أعلمه. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أن نجدة الحروري كتب إليه كيف قتله وقد نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل الولدان ، فكتب إليه إن كنت علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل. وقرئ «فخاف ربك» أي فكره كراهة من خاف سوء عاقبته ، ويجوز أن يكون قوله (فَخَشِينا) حكاية قول الله عزوجل.

(فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ) أن يرزقهما ولدا خيرا منه. (زَكاةً) طهارة من الذنوب والأخلاق الرديئة. (وَأَقْرَبَ رُحْماً) رحمة وعطفا على والديه. قيل ولدت لهما جارية فتزوجها نبي فولدت له نبيا هدى الله به أمة من الأمم ، وقرأ نافع وأبو عمرو (يُبْدِلَهُما) بالتشديد وابن عامر ويعقوب وعاصم (رُحْماً) بالتخفيف ، وانتصابه على التمييز والعامل اسم التفضيل وكذلك (زَكاةً).

(وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)(٨٢)

(وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ) قيل اسمهما أصرم وصريم ، واسم المقتول جيسور. (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) من ذهب وفضة ، روي ذلك مرفوعا والذم على كنزهما في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) لمن لا يؤدي زكاتهما وما تعلق بهما من الحقوق. وقيل من كتب العلم. وقيل كان لوح من ذهب مكتوب فيه : عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ، وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب ،

٢٩٠

وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل ، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح ، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ، لا إله إلا الله محمد رسول الله. (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) تنبيه على أن سعيه ذلك كان لصلاحه. قيل كان بينهما وبين الأب الذي حفظا فيه سبعة آباء وكان سياحا واسمه كاشح. (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) أي الحلم وكمال الرأي. (وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) مرحومين من ربك ، ويجوز أن يكون علة أو مصدرا لأراد فإن إرادة الخير رحمة. وقيل متعلق بمحذوف تقديره فعلت ما فعلت رحمة من ربك ، ولعل إسناد الإرادة أولا إلى نفسه لأنه المباشر للتعييب وثانيا إلى الله وإلى نفسه لأن التبديل بإهلاك الغلام وإيجاد الله بدله ، وثالثا إلى الله وحده لأنه لا مدخل له في بلوغ الغلامين. أو لأن الأول في نفسه شر ، والثالث خير ، والثاني ممتزج. أو لاختلاف حال العارف في الالتفات إلى الوسائط. (وَما فَعَلْتُهُ) وما فعلت ما رأيته. (عَنْ أَمْرِي) عن رأيي وإنما فعلته بأمر الله عزوجل ، ومبني ذلك على أنه إذا تعارض ضرران يجب تحمل أهونهما لدفع أعظمهما ، وهو أصل ممهد غير أن الشرائع في تفاصيله مختلفة. (ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) أي ما لم تستطع فحذف التاء تخفيفا.

ومن فوائد هذه القصة أن لا يعجب المرء بعلمه ولا يبادر إلى إنكار ما لم يستحسنه ، فلعل فيه سرا لا يعرفه ، وأن يداوم على التعلم ويتذلل للمعلم ، ويراعي الأدب في المقابل وأن ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق إصراره ثم يهاجر عنه.

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً)(٨٣)

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) يعني إسكندر الرومي ملك فارس والروم. وقيل المشرق والمغرب ولذلك سمي ذا القرنين ، أو لأنه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها ، وقيل لأنه انقرض في أيامه قرنان من الناس ، وقيل كان له قرنان أي ضفيرتان ، وقيل كان لتاجه قرنان. ويحتمل أنه لقب بذلك لشجاعته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح أقرانه. واختلف في نبوته مع الاتفاق على إيمانه وصلاحه ، والسائلون هم اليهود سألوه امتحانا أو مشركو مكة. (قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) خطاب للسائلين والهاء لذي القرنين. وقيل لله.

(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً)(٨٤)

(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) أي مكنا له أمره من التصرف فيها كيف شاء فحذف المفعول. (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أراده وتوجه إليه. (سَبَباً) وصلة توصله إليه من العلم والقدرة والآلة.

(فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً)(٨٦)

(فَأَتْبَعَ سَبَباً) أي فأراد بلوغ المغرب فأتبع سببا يوصله إليه ، وقرأ الكوفيون وابن عامر بقطع الألف مخففة التاء.

(حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) ذات حمأ من حمئت البئر إذا صارت ذات حمأة. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر «حامية» أي حارة ، ولا تنافي بينهما لجواز أن تكون العين جامعة للوصفين أو «حمية» على أن ياءها مقلوبة عن الهمزة لكسر ما قبلها. ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء ولذلك قال (وَجَدَها تَغْرُبُ) ولم يقل كانت تغرب. وقيل إن ابن عباس سمع معاوية يقرأ «حامية» فقال «حمئة» فبعث معاوية إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب قال في ماء وطين كذلك نجده في التوراة (وَوَجَدَ عِنْدَها) عند تلك العين. (قَوْماً) قيل كان لباسهم جلود

٢٩١

الوحش وطعامهم ما لفظه البحر ، وكانوا كفارا فخيره الله بين أن يعذبهم أو يدعوهم إلى الإيمان كما حكى بقوله (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) أي بالقتل على كفرهم. (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) بالإرشاد وتعليم الشرائع. وقيل خيره الله بين القتل والأسر وسماه إحسانا في مقابلة القتل ويؤيده الأول قوله :

(قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً)(٨٨)

(قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) أي فاختار الدعوة وقال : أما من دعوته فظلم نفسه بالإصرار على كفره أو استمر على ظلمه الذي هو الشرك فنعذبه أنا ومن معي في الدنيا بالقتل ، ثم يعذبه الله في الآخرة عذابا منكرا لم يعهد مثله.

(وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) وهو ما يقتضيه الإيمان. (فَلَهُ) في الدارين. (جَزاءً الْحُسْنى) فعلته الحسنى. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص (جَزاءً) منونا منصوبا على الحال أي فله المثوبة الحسنى مجزيا بها ، أو على المصدر لفعله المقدر حالا أي يجزي بها جزاء أو التمييز ، وقرئ منصوبا غير منون على أن تنوينه حذف لالتقاء الساكنين ومنونا مرفوعا على أنه المبتدأ و (الْحُسْنى) بدله ، ويجوز أن يكون (أَمَّا) و (أَمَّا) للتقسيم دون التخيير أي ليكن شأنك معهم إما التعذيب وإما الإحسان ، فالأول لمن أصر على الكفر والثاني لمن تاب عنه ، ونداء الله إياه إن كان نبيا فبوحي وإن كان غيره فبإلهام أو على لسان نبي. (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا) بما نأمر به. (يُسْراً) سهلا ميسرا غير شاق وتقديره ذا يسر ، وقرئ بضمتين.

(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً)(٩١)

(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) ثم أتبع طريقا يوصله إلى المشرق.

(حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ) يعني الموضع الذي تطلع الشمس عليه أولا من معمورة الأرض ، وقرئ بفتح اللام على إضمار مضاف أي مكان مطلع الشمس فإنه مصدر. (وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) من اللباس أو البناء ، فإن أرضهم لا تمسك الأبنية أو أنهم اتخذوا الأسراب بدل الأبنية.

(كَذلِكَ) أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك ، أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار. ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد أو (نَجْعَلْ) أو صفة قوم أي على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم الشمس في الكفر والحكم. (وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ) من الجنود والآلات والعدد والأسباب. (خُبْراً) علما تعلق بظواهره وخفاياه ، والمراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير.

(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً)(٩٣)

(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) يعني طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب آخذا من الجنوب إلى الشمال.

(حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) بين الجبلين المبني بينهما سده وهما جبلا أرمينية وأذربيجان. وقيل جبلان منيفان في أواخر الشمال في منقطع أرض الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب (بَيْنَ السَّدَّيْنِ) بالضم وهما لغتان. وقيل المضموم لما خلقه الله تعالى والمفتوح لما عمله الناس لأنه في الأصل مصدر سمي به حدث يحدثه الناس. وقيل بالعكس وبين ها هنا مفعول به

٢٩٢

وهو من الظروف المتصرفة. (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم. وقرأ حمزة والكساء «لا يفقهون» أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لتلعثمهم فيه.

(قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً)(٩٦)

(قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ) قال مترجمهم وفي مصحف ابن مسعود قال «الذين من دونهم». (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) قبيلتان من ولد يافث بن نوح ، وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجبل. وهما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف. وقيل عربيان من أج الظليم إذا أسرع وأصلهما الهمز كما قرأ عاصم ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث. (مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) أي في أرضنا بالقتل والتخريب وإتلاف الزرع. قيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا احتملوه ، وقيل كانوا يأكلون الناس. (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) جعلا نخرجه من أموالنا. وقرأ حمزة والكسائي «خراجا» وكلاهما واحد كالنول والنوال. وقيل الخراج على الأرض والذمة والخرج المصدر. (عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) يحجز دون خروجهم علينا وقد ضمه من ضم (السَّدَّيْنِ) غير حمزة والكسائي.

(قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) ما جعلني فيه مكينا من المال والملك خير مما تبذلون لي من الخراج ولا حاجة بي إليه. وقرأ ابن كثير «مكنني» على الأصل. (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) أي بقوة فعلة أو بما أتقوى به من الآلات. (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) حاجزا حصينا وهو أكبر من السد من قولهم ثوب مردم إذا كان رقاعا فوق رقاع.

(آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) قطعه والزبرة القطعة الكبيرة ، وهو لا ينافي رد الخراج والاقتصار على المعونة لأن الإيتاء بمعنى المناولة ، ويدل عليه قراءة أبي بكر ردما ائتوني بكسر التنوين موصولة الهمزة على معنى جيئوني بزبر الحديد ، والباء محذوفة حذفها في أمرتك الخير ولأن إعطاء الآلة من الإعانة بالقوة دون الخراج على العمل. (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) بين جانبي الجبلين بتنضيدها. وقرأ ابن كثير وابن عامر والبصريان بضمتين ، وأبو بكر بضم الصاد وسكون الدال ، وقرئ فتح الصاد وضم الدال وكلها لغات من الصدف وهو الميل لأن كلا منهما منعزل عن الآخر ومنه التصادف للتقابل. (قالَ انْفُخُوا) أي قال للعملة انفخوا في الأكوار والحديد. (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ) جعل المنفوخ فيه. (ناراً) كالنار بالإحماء. (قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) أي آتوني قطرا أي نحاسا مذابا أفرغ عليه قطرا ، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه. وبه تمسك البصريون على أن إعمال الثاني من العاملين المتوجهين نحو معمول واحد أولى ، إذ لو كان قطرا مفعول آتوني لأضمر مفعول أفرغ حذرا من الإلباس. وقرأ حمزة وأبو بكر قال أتوني موصولة الألف.

(فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً)(٩٧)

(فَمَا اسْطاعُوا) بحذف التاء حذرا من تلاقي متقاربين. وقرأ حمزة بالإدغام جامعا بين الساكنين على غير حده. وقرئ بقلب السين صادا. (أَنْ يَظْهَرُوهُ) أن يعلوه بالصعود لارتفاعه وانملاسه. (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) لثخنه وصلابته. وقيل حفر للأساس حتى بلغ الماء ، وجعله من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى ساوى أعلى الجبلين ، ثم وضع المنافيخ حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا. وقيل بناه من الصخور مرتبطا بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها.

٢٩٣

(قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا)(٩٨)

(قالَ هذا) هذا السد أو الأقدار على تسويته. (رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) على عباده. (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج ، أو بقيام الساعة بأن شارف يوم القيامة. (جَعَلَهُ دَكًّا) مدكوكا مبسوطا مسوى بالأرض ، مصدر بمعنى مفعول ومنه جمل أدك لمنبسط السنام. وقرأ الكوفيون دكاء بالمد أي أرضا مستوية. (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) كائنا لا محالة وهذا آخر حكاية قول ذي القرنين.

(وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً)(١٠١)

(وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) وجعلنا بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون مما وراء السد يموجون في بعض مزدحمين في البلاد ، أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى ويؤيده قوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) لقيام الساعة. (فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) للحساب والجزاء.

(وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً) وأبرزناها وأظهرناها لهم.

(الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) عن آياتي التي ينظر إليها فأذكر بالتوحيد والتعظيم. (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) استماعا لذكري وكلامي لإفراط صممهم عن الحق ، فإن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء كأنهم أصمت مسامعهم بالكلية.

(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً)(١٠٢)

(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أفظنوا والاستفهام للإنكار. (أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي) اتخاذهم الملائكة والمسيح. (مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) معبودين نافعهم ، أو لا أعذبهم به فحذف المفعول الثاني كما يحذف الخبر للقرينة ، أوسد أن يتخذوا مسد مفعوليه وقرئ «أفحسب الذين كفروا» أي أفكافيهم في النجاة ، وأن بما في حيزها مرتفع بأنه فاعل حسب ، فإن النعت إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل أو خبر له. (إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً) ما يقام للنزيل ، وفيه تهكم وتنبيه على أن لهم وراءها من العذاب ما تستحقر دونه.

(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(١٠٤)

(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) نصب على التمييز وجمع لأنه من أسماء الفاعلين أو لتنوع أعمالهم.

(الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ضاع وبطل لكفرهم وعجبهم كالرهابنة فإنهم خسروا دنياهم وأخراهم ، ومحله الرفع على الخبر المحذوف فإنه جواب السؤال أو الجر على البدل أو النصب على الذم. (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) بعجبهم واعتقادهم أنهم على الحق.

(أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً)(١٠٦)

(أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) بالقرآن أو بدلائله المنصوبة على التوحيد والنبوة. (وَلِقائِهِ) بالبعث على ما هو عليه أو لقاء عذابه. (فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) بكفرهم فلا يثابون عليها. (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ

٢٩٤

وَزْناً) فنزدري بهم ولا نجعل لهم مقدارا واعتبارا ، أو لا نضع لهم ميزانا يوزن به أعمالهم لانحباطها.

(ذلِكَ) أي الأمر ذلك وقوله : (جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ) جملة مبينة له ويجوز أن يكون (ذلِكَ) مبتدأ والجملة خبره والعائد محذوف أي جزاؤهم به ، أو جزاؤهم بدله و (جَهَنَّمُ) خبره أو (جَزاؤُهُمْ) خبره و (جَهَنَّمُ) عطف بيان للخبر. (بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً) أي بسبب ذلك.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً)(١٠٨)

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) فيما سبق من حكم الله ووعده ، و (الْفِرْدَوْسِ) أعلى درجات الجنة ، وأصله البستان الذي يجمع الكرم والنخل.

(خالِدِينَ فِيها) حال مقدرة. (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) تحولا إذ لا يجدون أطيب منها حتى تنازعهم إليه أنفسهم ، ويجوز أن يراد به تأكيد الخلود.

(قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً)(١٠٩)

(قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً) ما يكتب به ، وهو اسم ما يمد الشيء كالحبر للدواة والسليط للسراج. (لِكَلِماتِ رَبِّي) لكلمات علمه وحكمته. (لَنَفِدَ الْبَحْرُ) لنفد جنس البحر بأمره لأن كل جسم متناه. (قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) فإنها غير متناهية لا تنفد كعلمه ، وقرأ حمزة والكسائي بالياء. (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ) بمثل البحر الموجود. (مَدَداً) زيادة ومعونة ، لأن مجموع المتناهين متناه بل مجموع ما يدخل في الوجود من الأجسام لا يكون إلا متناهيا للدلائل القاطعة على تناهي الأبعاد ، والمتناهي ينفد قبل أن ينفد غير المتناهي لا محالة. وقرئ «ينفد» بالياء و «مددا» بكسر الميم جمع مدة وهي ما يستمده الكاتب ومدادا. وسبب نزولها أن اليهود قالوا في كتابكم (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) وتقرؤون (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً).

(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(١١٠)

(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) لا أدعي الإحاطة على كلماته. (يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وإنما تميزت عنكم بذلك. (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) يؤمل حسن لقائه أو يخاف سوء لقائه. (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) يرتضيه الله. (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) بأن يرائيه أو يطلب منه أجرا. روي أن جندب بن زهير قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني لأعمل العمل لله فإذا أطلع عليه سرني فقال : «إن الله لا يقبل ما شورك فيه». فنزلت تصديقا له وعنه عليه الصلاة والسلام «اتقوا الشرك الأصغر» قالوا وما الشرك الأصغر قال «الرياء». والآية جامعة لخلاصتي العلم والعمل وهما التوحيد والإخلاص في الطاعة. وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من قرأها عند مضجعه كان له نورا في مضجعه يتلألأ إلى مكة حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم ، فإن كان مضجعه بمكة كان له نورا يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ». وعنه عليه الصلاة والسلام «من قرأ سورة الكهف من آخرها كانت له نورا من قرنه إلى قدمه ، ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض إلى السماء».

٢٩٥
٢٩٦

محتوى الجزء الثالث من تفسير البيضاوي

تفسير سورة الأعراف............................................................. ٥

بيان أن الوزن في الآخرة هل هو لصحائف الأعمال أم للأشخاص؟..................... ٦

بيان غلط إبليس في دعواه الأفضلية على آدم........................................ ٧

بيان ما استدلّ به على أن الملائكة أفضل من الأنبياء والجواب عنه...................... ٨

بيان معنى السرف المذموم........................................................ ١١

بيان معنى إخراج الغل من صدور أهل الجنة......................................... ١٣

بيان الأعراف وأهلها............................................................ ١٤

بيان الإبداع الذي تفرّد به الباري في مخلوقاته....................................... ١٥

بيان نسب نوح عليه‌السلام........................................................... ١٧

بيان نسب هود عليه‌السلام........................................................... ١٨

بيان ما فعل الله بعاد وما فعلوا.................................................... ١٩

بيان نسب صالح عليه‌السلام.......................................................... ٢٠

بيان ما فعلت ثمود وما فعل بهم................................................... ٢١

قوم لوط وعملهم............................................................... ٢٢

بيان نسب مدين وشعيب عليه‌السلام.................................................. ٢٢

بيان حال عصا موسى حين ألقاها عند فرعون...................................... ٢٧

بيان ما أرسل على قوم فرعون من الآيات.......................................... ٣٠

بيان الدليل على جواز رؤية الله تعالى.............................................. ٣٣

بيان ما فعله السامري من صوغ العجل............................................ ٣٤

بيان أن بعثته صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى كافة الثقلين................................................ ٣٧

بيان القرية التي أهلكت بسبب الصيد في السبت................................... ٣٩

بيان ما عذب به أهل القرية من المسخ............................................. ٤٠

بيان أخذ الله الميثاق على بني آدم وما قيل في ذلك.................................. ٤١

بيان الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها وكيفية ضلاله................................. ٤٢

بيان ما فعله إبليس مع حواء حين حملت والطعن في ذلك............................ ٤٥

تفسير سورة الأنفال............................................................. ٤٩

بيان السبب في غزوة بدر........................................................ ٥١

بيان محاصرة بني قريظة........................................................... ٥٦

٢٩٧

بيان قسمة المغانم وما فيها من الخلاف............................................. ٦٠

بيان ما فعله إبليس مع قريش حين أرادوا غزوة بدر.................................. ٦٢

بيان ما فعله النبي مع عمه العباس حين دفعه الفداء في غزوة بدر...................... ٦٧

تفسير سورة براءة............................................................... ٧٠

بيان غزوة حنين وما أصاب المؤمنين فيها........................................... ٧٦

بيان الجزية ومن تؤخذ منه........................................................ ٧٧

بيان التشديد على منع الزكاة..................................................... ٧٩

بيان الغار الذي ذهب إليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما فعله المشركون.................................. ٨١

بيان الأصناف الذين تصرف إليهم الزكاة وذكر الخلاف في تعميمهم.................. ٨٥

بيان الصدقات التي تصدق بها المؤمنون وعابهم عليها المنافقون........................ ٩٠

بيان مسجد الضرار وما بني لأجله................................................ ٩٧

بيان الدليل على أن أخبار الآحاد حجة......................................... ١٠٢

تفسير سورة يونس............................................................ ١٠٤

بيان جملة ما احتوى عليه القرآن................................................. ١٠٧

بيان الدليل على أن للعبد كسبا................................................. ١١٣

بيان أن الإنسان وإن عظم شأنه بعيد عن مظان الربوبية............................ ١٢٢

بيان بعث يونس عليه‌السلام إلى أهل نينوى وما فعلوه................................... ١٢٤

تفسير سورة هود.............................................................. ١٢٧

بيان حكم التعليق بشرطين..................................................... ١٣٣

بيان ما أبداه هود عليه‌السلام من المعجزة.............................................. ١٣٨

بيان أن حال أهل الموقف لا يخلو عن السعادة والشقاوة وربما اجتمع الأمران لواحد..... ١٤٨

تفسير سورة يوسف عليه‌السلام...................................................... ١٥٤

بيان جهة البئر الذي رمي به يوسف عليه‌السلام....................................... ١٥٦

بيان ما كان عليه يوسف عليه‌السلام من الحسن........................................ ١٦٢

بيان ما كان عليه يوسف عليه‌السلام من معرفة اللغات.................................. ١٦٧

بيان ما كان عليه يوسف عليه‌السلام من كرم الأخلاق.................................. ١٧٥

تفسير سورة الرعد............................................................. ١٨٠

بيان ما فعله أربد وعامر بن الطفيل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما فعل بهما.................. ١٨٣

بيان ما اقترحته قريش على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الآيات.................................. ١٨٨

تفسير سورة إبراهيم عليه‌السلام...................................................... ١٩٢

بيان حال هاجر أمّ إسماعيل عليه‌السلام............................................... ٢٠١

تفسير سورة الحجر............................................................ ٢٠٦

٢٩٨

بيان قبول المواد للجمع والإحياء................................................. ٢٠٩

بيان ما ورد في فضل من أوتي القرآن............................................. ٢١٧

تفسير سورة النحل............................................................ ٢١٩

بيان ما يعتري الحبة عند بذرها مما يدل على عجيب صنع الحكيم جل شأنه........... ٢٢١

بيان حال الغذاء بعد استقراره في الجوف إلى أن يكون دما ولبنا..................... ٢٣١

بيان ما فعلته قريش من التعذيب لعمار وأبويه..................................... ٢٤١

بيان حصر المحرمات في أجناس أربعة وما ضم إليها................................. ٢٤٣

تفسير سورة بني إسرائيل (الإسراء)............................................... ٢٤٧

بيان ما فعله بختنصر ببني إسرائيل............................................... ٢٤٧

بيان حجة من منع التقليد والرد عليه............................................. ٢٥٥

بيان حجة من قال : إن الإسراء كان مناما والردّ عليه.............................. ٢٥٨

بيان ما قالته ثقيف للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأباه.............................................. ٢٦٢

بيان أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة........................................... ٢٦٤

تفسير سورة الكهف........................................................... ٢٧٢

بيان من دخلوا غارا فسد عليهم وخلصوا بتوسلهم بأعمالهم الصالحة.................. ٢٧٣

بيان ما طلبته صناديد قريش من إبعاد فقراء المهاجرين عن مجلس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم............ ٢٧٩

بيان حال الأخوين اللذين مات والدهما وافترق حالهما في اليسار والفقر............... ٢٨٠

بيان الذي دعا موسى عليه‌السلام إلى سؤاله الاجتماع بالخضر........................... ٢٨٦

تم بحمد الله وحسن توفيقه طبع الجزء الثالث

من تفسير البيضاوي في مطابع دار إحياء التراث

العربي ـ بيروت الزاهرة أدامها الله لطبع المزيد من الكتب النافعة

ويليه الجزء الرابع وأوله سورة مريم ولله الحمد والمنة

٢٩٩