الأقسام في القرآن الكريم

الشيخ جعفر السبحاني

الأقسام في القرآن الكريم

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-69-X
الصفحات: ٢٠٠

والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون ، في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم.

ثمّ إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف ، بيان ذلك أنّ فيها من المهموسة نصفها : الصاد والكاف والهاء والسين والحاء.

ومن المهجورة نصفها : الألف واللام والميم والراء والعين والطاء والقاف والياء والنون.

ومن الشديدة نصفها : الألف والكاف والطاء والقاف.

ومن الرخوة نصفها : اللام والراء والصاد والهاء والعين والسين والحاء والياء والنون.

ومن المطبقة نصفها : الصاد والطاء.

ومن المنفتحة نصفها : الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والعين والسين والحاء والقاف والياء والنون.

ومن المستعلية نصفها : القاف والصاد والطاء.

ومن المنخفضة نصفها : الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والياء والعين والسين والحاء والنون.

ومن حروف القلقلة نصفها : القاف والطاء.

ثمّ إذا استقريت الكلم وتراكيبها رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها ، فسبحان الذي دقت في كلّ شيء حكمته وقد علمت أنّ معظم الشيء وجلّه ينزل منزلة كله وهو المطابق للطائف

٦١

التنزيل.

فكأنّ الله عزّاسمه عدّد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم وإلزام الحجة إيّاهم. (١)

ومن المتأخرين من بيّن هذا الوجه ببيان رائع ألا وهو المحقّق السيد هبة الدين الشهرستاني (١٣٠١ ـ ١٣٨٦ ه‍) قال ما هذا نصّه :

إنّ القرآن مجموعة جمل ليست سوى صبابة أحرف عربية من جنس كلمات العرب ومن يسير اعمال البشر وقد فاقت مع ذلك عبقرية ، وكلما كان العمل البشري أيسر صدوراً وأكثر وجوداً ، قلّ النبوغ فيه وصعب افتراض الإعجاز والإعجاب منه ، فإذا الجمل القرآنية ليست سوى الحروف المتداولة بين البشر ، فهي عبارة عن «الم» و «حمعسق» فلماذا صار تأليف جملة أو جمل منه مستحيل الصدور؟ هذا ونجد القرآن يكرر تحدي العرب وغير العرب بإتيان شيء من مقولة هذا السهل الممتنع كالطاهي يفاخر المتطاهي بأنّه يصنع الحلوى اللذيذة من أشياء مبذولة لدى الجميع كالسمن واللوز ودقيق الرز ، بينما المتطاهي لا يتمكن من ذلك مع استحضاره الأدوات ، وكذلك الكيمياوي الماهر يستحضر المطلوب المستجمع لصفات الكمال ، وغيره يعجز عنه مع حضور جميع الأدوات والأجزاء ، وكذلك القرآن يقرع ويسمع قومه بأنّ أجزاء هذا المستحضر القرآني موفورة لديكم من ح وم ول ورو ط وه وأنتم مع ذلك عاجزون. (٢)

ويؤيد هذا الرأي أنّ أكثر السور التي صدرت بالحروف المقطعة جاء بعدها ذكر القرآن الكريم بتعابير مختلفة ، ولم يشذَّ عنها إلّا سور أربع ، هي : مريم

__________________

(١) الكشاف : ١ / ١٧ ، ط دار المعرفة.

(٢) المعجزة الخالدة : ١١٥ ـ ١١٦.

٦٢

والعنكبوت والروم والقلم ، ففي غير هذه السور أردف الحروف المقطعة بذكر الكتاب والقرآن ، وإليك نماذج من الآيات :

(الم* ذلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فيهِ هُدىً لِلْمُتَّقين). (١)

(الم ... نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ بِالْحَقّ مُصدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوراةَ وَالإِنْجِيل). (٢)

(المص* كِتابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ في صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ). (٣)

(الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الحَكيم). (٤)

إلى غير ذلك من السور ما عدا الأربع التي أشرنا إليها.

ثمّ إنّ هذا الوجه هو الوجه العاشر في كلام الرازي ونسبه إلى المبرد ، وإلى جمع عظيم من المحقّقين وقال : إنّ الله إنّما ذكرها احتجاجاً على الكفار ، وذلك أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما تحدّاهم أن يأتوا بمثل القرآن ، أو بعشر سور ، أو بسورة واحدة ، فعجزوا عنه ، أنزلت هذه الحروف تنبيهاً على أنّ القرآن ليس إلّامن هذه الحروف وأنتم قادرون عليها ، وعارفون بقوانين الفصاحة ، فكان يجب أن تأتوا بمثل هذا القرآن ، فلما عجزتم عنه دلّ ذلك على أنّه من عند الله لا من عند البشر. (٥)

هذا هو الرأي المختار وقد عرفت برهانه.

وثمة رأي آخر أقل صحة من الأوّل ، وحاصله : انّ كلّ واحد منها دال على

__________________

(١) البقرة : ١ ـ ٢.

(٢) آل عمران : ١ ـ ٣.

(٣) الأعراف : ١ ـ ٢.

(٤) يونس : ١.

(٥) تفسير الفخر الرازي : ٢ / ٦.

٦٣

اسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته.

قال ابن عباس في (الم) : الألف إشارة إلى أنّه تعالى أحد ، أوّل ، آخر ، أزلي ، أبدي ، واللام إشارة إلى أنّه لطيف ، والميم إشارة إلى انّه ملك ، مجيد ، منّان.

وقال في (كهيعص) : إنّه ثناء من الله تعالى على نفسه ، والكاف يدل على كونه كافياً ، والهاء يدل على كونه هادياً ، والعين يدل على العالم ، والصاد يدل على الصادق.

وذكر ابن جرير عن ابن عباس انّه حمل الكاف على الكبير والكريم ، والياء على أنّه يجير ، والعين على العزيز والعدل. (١)

ونقل الزنجاني في تأييد ذلك الوجه ما يلي :

وفي الحديث : «شعاركم حم لا ينصرون» ، قال الأزهري : سئل أبو العباس ، عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حم لا ينصرون.

فقال : معناه والله لا ينصرون.

وفي لسان العرب في حديث الجهاد : «إذا بُيّتم فقولوا حاميم لا ينصرون» قال ابن الأثير : معناه اللهم لا ينصرون. (٢)

إذا عرفت هذه الأُمور ، فلنرجع إلى تفسير الآيات التي حلف فيها سبحانه بالقرآن والكتاب ، وإليك البيان :

١. (يس* والْقُرآن الحَكيم* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرسَلين) فالمقسم به هو القرآن ، والمقسم عليه قوله : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرسَلين) ، والصلة بين القرآن وبين كونه من المرسلين واضحة ، لأنّ القرآن أداة تبليغه ورسالته ومعجزته الخالدة.

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي : ٢ / ٦.

(٢) تاريخ القرآن : ١٠٥.

٦٤

وأمّا وصف القرآن بالحكيم ، فلأنّه مستقرٌ فيه الحكمة ، وهي حقائق المعارف وما يتفرع عليها من الشرائع والعبر والمواعظ. (١)

٢. (ص* والقُرآن ذي الذِّكر* بَلِ الَّذينَ كَفَرُوا في عِزَّة وَشقاق* كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوا وَلاتَ حينَ مَناص)

وصف القرآن بكونه (ذي الذكر) كما وصفه في الآية السابقة بكونه (حكيماً) ووصفه تارة ثالثة ب (المجيد) ، والمراد بالذكر هو ذكر ما جُبل عليه الإنسان من التوحيد والمعاد.

قال الطبرسي : فيه ذكر الله وتوحيده وأسماؤه الحسنى وصفاته العلى ، وذكر الأنبياء ، وأخبار الأُمم ، وذكر البعث والنشور ، وذكر الأحكام وما يحتاج إليه المكلّف من الأحكام ويؤيده قوله : (ما فَرَّطنا في الكتاب من شيء). (٢)

قال الطباطبائى في تفسيره : المراد بالذكر ذكر الله تعالى وتوحيده وما يتفرّع عليه من المعارف الحقّة من المعاد والنبوة وغيرهما.

ويؤيد ذلك إضافة الذكر في غير واحد من الآيات إلى لفظ الجلالة ، قال سبحانه : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله) (٣) وقال : (استَحْوَذَ عَلَيهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكرَ الله) (٤) إلى غير ذلك.

وأمّا المقسم عليه : فمحذوف معلوم من القرينة ، هو أنّك لمن المنذرين ، ويدل على ذلك التنديد بالذين كفروا وانّهم في عزّة وشقاق ، أي في تكبّر عن قبول

__________________

(١) تفسير الميزان : ١٧ / ٦٢.

(٢) مجمع البيان : ٨ / ٤٦٥.

(٣) الحديد : ١٦.

(٤) المجادلة : ١٩.

٦٥

الحق وحمية جاهلية ، وشقاق أي عداوة وعصيان ومخالفة ، لأنّهم يأنفون عن متابعة النبي ويصرّون على مخالفته ، ثمّ خوّفهم الله سبحانه ، فقال : كم أهلكنا من قبلهم من قرن بتكذيبهم الرسل فنادوا عند وقوع الهلاك بهم بالاستغاثة ولات حين مناص.

والصلة بين المقسم به (القُرآن ذي الذِّكر) والمقسم عليه المقدّر «إِنَّكَ لَمِنَ الْمُنْذَرين» واضحة ، لأنّ القرآن من أسباب انذاره وأدوات تحذيره.

٣. (ق والقُرآنِ المَجِيد* بَلْ عَجبوا انْ جاءَهم مُنْذِر مِنْهُمْ فَقالَ الكافِرونَ هذا شَيءٌ عَجيب). (١)

المقسم به هوالقرآن ووصفه بالمجيد ، قال الراغب : المجد السعة في المقام والجلال ، وقد وصف به القرآن الكريم ، فلأجل كثرة ما يتضمن من المكارم الدنيوية والأُخروية ، فالمجيد مبالغة في المجد.

وقال الطبرسي : المجيد أي الكريم على الله ، العظيم في نفسه ، الكثير الخير والنفع. (٢)

والمقسم عليه : محذوف تدل عليه الجمل التالية ، والتقدير : والقرآن المجيد انّك لمن المنذرين ، أو أنّ البعث حق والإنذار حق.

وقد ركزت السورة على الدعوة إلى المعاد ووبّخت المشركين باستعجالهم على إنكاره ونقد زعمهم.

والصلة بين المقسم به وجواب القسم واضحة ، سواء أقلنا بأنّ المقسم عليه إِنّك مِنَ المنذرين أو انّ البعث والنشر حقّ ، أمّا على الأوّل فلأنّ القرآن أحد

__________________

(١) ق : ١ ـ ٢.

(٢) مجمع البيان : ٩ / ١٤١.

٦٦

أدوات الإنذار ، وأمّا على الثاني فلأنَّ القرآن يتضمن شيئاً كثيراً عن الدعوة إلى المعاد.

ثمّ إنّ القرآن في الأصل مصدر نحو رجحان ، قال سبحانه : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرآنهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فاتَّبع قُرآنه) (١) قال ابن عباس : إذا جمعناه وأثبتناه في صدرك فاعمل به.

وقد خص بالكتاب المنزل على نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصار له كالعلم ، كما أنّ التوراة لما أُنزل على موسى عليه‌السلام ، والإنجيل لما أُنزل على عيسى عليه‌السلام ، قال بعض العلماء : تسمية هذا الكتاب قرآناً من بين كتب الله لكونه جامعاً لثمرة كتبه ، بل لجمعه ثمرة جميع العلوم ، كما أشار تعالى إليه بقوله : (وَتَفصيلاً لكلّ شيء) (٢) ، وعلى هذا فالقرآن من قرأ بمعنى جمع ، ولكن يحتمل أن يكون بمعنى القراءة ، كما في قوله سبحانه : (وَقُرآنَ الفَجْر) (٣) أي قراءته.

الحلف بالكتاب

حلف سبحانه بالكتاب مرتين ، وقال :

١. (حم* والكتابِ المُبِين* إِنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرين). (٤)

٢. (حم* وَالكتابِ المُبِين* إِنّا جَعَلْناهُ قُرآناً عَرَبياً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون). (٥)

__________________

(١) القيامة : ١٧ ـ ١٨.

(٢) الأنعام : ١٥٤.

(٣) الإسراء : ٧٨.

(٤) الدخان : ١ ـ ٣.

(٥) الزخرف : ١ ـ ٣.

٦٧

فالمقسم به هو الكتاب ، والمقسم عليه في الآية الأُولى قوله : (إِنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَة مُباركة) ، والصلة بينهما واضحة ، حيث يحلف بالكتاب على أنّه منزل من جانبه سبحانه في ليلة مباركة.

كما أنّ المقسم به في الآية الثانية هو ا لكتاب المبين ، والمقسم عليه هو الحلف على أنّه سبحانه جعله قرآناً عربياً للتعقل ، والصلة بينهما واضحة.

ووصف الكتاب بالمبين دون غيره ، لأنّ الغاية من نزول الكتاب هو إنذارهم وتعقّلهم كما جاء في الآيتين ، حيث قال : (إِنّا كُنّا مُنذرين) وقال : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون) ، وهذا النوع من الغاية أي الإنذار والتعقل يطلب لنفسه أن يكون الكتاب واضحاً مفهوماً لا مجهولاً ومعقداً.

والكتاب في الأصل مصدر ، ثمّ سمّي المكتوب فيه كتاباً.

إلى هنا تمّ الحلف بالقرآن والكتاب.

بقي هنا الكلام في عظمة المقسم به ويكفي في ذلك أنّه فعله سبحانه حيث أنزله لهداية الناس وإنقاذهم من الضلالة.

وقد تكلّم غير واحد من المفكرين الغربيين حول عظمة القرآن ، والأحرى بنا أن نرجع إلى نفس القرآن ونستنطقه حتى يبدي رأيه في حق نفسه.

أ : القرآن نور ينير الطريق لطلاب السعادة : قال سبحانه : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِين). (١)

ب : انّه هدى للمتَّقين : قال سبحانه : (هُدىً لِلْمُتَّقين). (٢)

__________________

(١) المائدة : ١٥.

(٢) البقرة : ٢.

٦٨

فهو وإن كان هدى لعامة الناس ، إلّاأنّه لا يستفيد منه إلّاالمتقون ، ولذلك خصّهم بالذكر.

ج : هو الهادي إلى الشريعة الأقوم : قال سبحانه : (إِنَّ هذا القُرآنَ يَهدِي لِلَّتي هِي أَقْوم). (١)

د : الغاية من إنزاله قيام الناس بالقسط : قال سبحانه : (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالقِسْطِ). (٢)

ه : لا يتطرق إليه الاختلاف في فصاحته وبلاغته ولا في مضامينه ولا محتواه : قال سبحانه : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللهِ لوَجَدُوا فِيهِ اختلافاً كَثِيراً). (٣)

و : يحث الناس إلى التدبر والتفكّر فيه (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُباركٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ). (٤)

ز : تبيان لكلّ شيء : (وَنَزلْنا عَليْكَ الكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيء). (٥)

ح : نذير للعالمين : (تَبارَكَ الَّذي نَزَّل الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً). (٦)

ط : فيه أحسن القصص : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَص). (٧)

__________________

(١) الإسراء : ٩.

(٢) الحديد : ٢٥.

(٣) النساء : ٨٢.

(٤) ص : ٢٩.

(٥) النحل : ٨٩.

(٦) الفرقان : ١.

(٧) يوسف : ٣.

٦٩

ي : ضُرب فيه للناس من كلّ مثل : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا في هذا الْقُرآنِ لِلنّاسِ من كُلِّ مَثَل). (١)

هذه نماذج من الآيات التي تصف القرآن ببعض الأوصاف.

وللنبي والأئمة المعصومين كلمات قيّمة حول التعريف بالقرآن ننقل شذرات منها :

قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً ، فقال : «أيّها الناس انّكم في دار هدنة وأنتم على ظهر سفر ، والسير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان ، كلّ جديد ، ويقرّبان كلّ بعيد ، ويأتيان بكلّ موعود ، فأعدوا الجهاز لبعد المجاز».

فقام المقداد بن الأسود ، وقال : يا رسول الله وما دار الهدنة؟ قال : «دار بلاغ وانقطاع.

فإذا التبست عليكم الفتن كقطع اللّيل المظلم فعليكم بالقرآن ، فإنّه شافع مشفّع وماحل مصدَّق ، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ، ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدل على خير سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفصل ليس بالهزل ، وله ظهر وبطن ، فظاهره حكم وباطنه علم ، ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ، ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة ، فليجل جال بصره ، وليبلغ الصفة نظره ، ينج من عطب ، ويتخلص من نشب ، فإنّ التفكّر حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور ، فعليكم بحسن التخلص وقلة التربص». (٢)

__________________

(١) الكهف : ٥٤.

(٢) الكافي : ٢ / ٥٩٩ ، كتاب فضل القرآن.

٧٠

وقال الإمام علي أمير المؤمنين عليه‌السلام في وصف القرآن :

«ثمّ أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبو توقّده ، وبحراً لا يدرك قعره ، فهو ينابيع العلم وبحوره ، وبحر لا ينزفه المستنزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها الواردون». (١)

إلى غير ذلك من الخطب والكلم حول التعريف بالقرآن الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام.

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٨.

٧١

الفصل الخامس

القسم بالعصر

حلف سبحانه بالعصر مرّة واحدة دون أن يقرنه بمقسم به آخر ، وقال : (وَالعَصْر* إِنّ الإِنْسانَ لَفي خُسْر). (١)

تفسير الآيات :

العصر يطلق ويراد منه تارة الدهر ، وجمعه عصور.

وأُخرى العشيّ مقابل الغداة ، يقال : العصران : الغداة والعشي ، والعصران الليل والنهار ، كالقمرين للشمس والقمر.

وثالثة بمعنى الضغط فيكون مصدر عصرت. والمعصور الشيء العصر ، والعُصارة نفاية ما يُعصر ، قال سبحانه : (أَراني أَعْصِرُ خَمراً) (٢) ، وقال : (وفيهِ يَعْصِرُون) (٣) ، وقال : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً) (٤) أي السُّحُب التي تعتصر بالمطر.

ورابعة بمعنى ما يثير الغبار ، قال سبحانه : (فَأَصابَها إعصار) (٥). (٦) والمراد من الآية أحد المعنيين الأوّليين.

__________________

(١) العصر : ١ ـ ٢.

(٢) يوسف : ٣٦.

(٣) يوسف : ٤٩.

(٤) النبأ : ١٤.

(٥) البقرة : ٢٦٦.

(٦) مفردات القرآن ، مادة عصر ومجمع البيان : ٥ / ٥٣٥.

٧٢

الأوّل : الدهر والزمان.

الثاني : العصر مقابل الغداة.

ولا يناسب المعنى الثالث ، أعني : الضغط ، ولا الرابع كما هو واضح.

وإليك بيان المعنيين الأوّلين.

١. العصر : الدهر ، وإنّما حلف به لأنّ فيه عبرة لذوي الأبصار من جهة مرور الليل والنهار ، وقد نسب ذلك ا لقول إلى ابن عباس والكلبي والجبائي.

قال الزمخشري : وأقسم بالزمان لما في مروره من أصناف العجائب. (١)

ولعلّ المراد من الدهر والزمان اللّذين يفسرون بهما العصر هو تاريخ البشرية ، وذلك لأنّه سبحانه جعل المقسم عليه كون الإنسان لفي خسر إلّاطائفة خاصة ، ومن المعلوم أنّ خسران الإنسان انّه هو من تصرم عمره ومضي حياته من دون أن ينتفع بأغلى رأس مال وقع في يده ، وقد نقل الرازي هنا حكاية طريفة نأتي بنصها :

قال : وعن بعض السلف ، تعلمت معنى السورة من بائع الثلج كان يصيح ، ويقول : ارحموا من يذوب رأس ماله ، ارحموا من يذوب رأس ماله ، فقلت : هذا معنى أنّ الإنسان لفي خسر يمرّ به العصر فيمضي عمره ولا يكتسب فإذا هو خاسر. (٢)

٢. العصر : أحد طرفي النهار ، وأقسم بالعصر كما أقسم بالضحى ، وقال : (والضحى * واللَّيل إذا سَجى) (٣) كما أقسم بالصبح ، وقال : (والصُّبح إِذا

__________________

(١) الكشاف : ٣ / ٣٥٧.

(٢) تفسير الفخر الرازي : ٣٢ / ٨٥.

(٣) الضحى : ١ ـ ٢.

٧٣

أَسفَر) (١) ، وإنّما أقسم بالعصر لأهميته ، إذ هو في وقت من النهار يحدث فيه تغيير في نظام المعيشة وحياة البشر ، فالأعمال اليومية تنتهي ، والطيور تعود إلى أوكارها ، وتبدأ الشمس بالميل نحو الغروب ، ويستولي الظلام على السماء ، ويخلد الإنسان إلى الراحة.

وهناك قولان آخران :

أ : المراد عصر الرسول ، ذلك لما تضمنته الآيتان التاليتان من شمول الخسران للعالم الإنساني ، إلّالمن اتبع الحقّ وصبر عليه ، وهم المؤمنون الصالحون عملاً ، وهذا يؤكد على أن يكون المراد من العصر عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو عصر بزوغ نجم الإسلام في المجتمع البشري وظهور الحقّ على الباطل.

ب : المراد به وقت العصر ، وهو المروي عن مقاتل ، وإنّما أقسم بها ، لفضلها بدليل ، قوله : (حافِظُوا عَلى الصَّلواتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطى) (٢) ، كما قيل أنّ المراد من قوله تعالى : (تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) (٣) ، هو صلاة العصر.

أضف إلى ذلك انّ صلاة العصر يحصل بها ختم طاعات النهار ، فهي كالتوبة يختم بها الأعمال.

ولا يخفى انّ القول الأخير في غاية الضعف ، إذ لا صلة بين القسم بصلاة العصر والمقسم عليه ، أعني (الإِنْسان لفي خُسر) على أنّه لو كان المقسم به هو صلاة العصر ، لماذا اكتفى بالمضاف إليه ، وحذف المضاف مع عدم توفر قرينة عليه ، ومنه يظهر حال الوجه المتقدّم عليه.

__________________

(١) المدثر : ٣٤.

(٢) البقرة : ٢٣٨.

(٣) المائدة : ١٠٦.

٧٤

والظاهر أنّ الوجه الأوّل هو الأقوى ، حيث إنّ الحلف بالزمان وتاريخ البشرية يتناسب مع الجواب ، أي خسران الإنسان في الحياة ، كما سيوافيك بيانه.

وأمّا المقسم عليه ، فهو قوله سبحانه : (إِنَّ الإِنْسانَ لَفي خُسْر) والمراد من الخسران هو مضي أثمن شيء لديه وهو عمره ، فالإنسان في كلّ لحظة يفقد رأس ماله بنحو لا يُعوَّض بشيء أبداً ، وهذه هي سنة الحياة الدنيوية حيث ينصرم عمره ووجوده بالتدريج ، كما تنصرم طاقاته إلى أن يهرم ويموت ، فأي خسران أعظم من ذلك.

وأمّا الصلة بين المقسم به والمقسم عليه فأوضح من أن يخفى ، لأنّ حقيقة الزمان حقيقة متصرّمة غير قارة ، فهي تنقضي شيئاً فشيئاً ، وهكذا الحال في عمر الإنسان فيخسر وينقص رأس ماله بالتدريج.

ثمّ إنّه سبحانه استثنى من الخسران من آمن وعمل صالحاً وتواصى بالحق وتواصى بالصبر.

ووجه الاستثناء واضح. لأنّه بدّل رأس ماله بشيء أغلى وأثمن ، يستطيع أن يقوم مقام عمره المنقضي فهو بإيمانه وعمله الصالح اشترى حياة دائمة ، حافلة برضوانه سبحانه ، ونعمه المادية والمعنوية.

يقول سبحانه : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلُونَ في سَبيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتلونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوراةِ وَالإِنْجيلِ وَالقُرآنِ وَمَنْ أَوفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوزُ الْعَظيم). (١)

__________________

(١) التوبة : ١١١.

٧٥

الفصل السادس

القسم بالنجم

وردت كلمة النجم في القرآن الكريم أربع مرّات في أربع سور ، (١) وحلف به مرة واحدة ، وقال : (وَالنَّجمِ إِذا هَوى * ما ضَلَ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهوى * إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحى) (٢) وهي من السور المكية.

تفسير الآيات

النجم في اللغة : الكوكب الطالع ، وجمعه نجوم ، فالنجوم مرّة اسم كالقلوب والجيوب ، ومرّة مصدر كالطلوع والغروب.

وأمّا «هوى» في قوله : (إِذا هَوى) فيطلق تارة على ميل النفس إلى الشهوة ، وأُخرى على السقوط من علو إلى سفل.

ولكن تفسيره بسقوط النجم وغروبه ، لا يساعده اللفظ ، وإنّما المراد هو ميله ، وسيوافيك وجه الحلف بالنجم إذا هوى أي إذا مالَ.

ثمّ إنّ المراد من النجم أحد الأمرين :

أ : أمّا مطلق النجم ، فيشمل كافة النجوم التي هي من آيات عظمة الله سبحانه ولها أسرار ورموز يعجز الذهن البشري عن الإحاطة بها.

__________________

(١) وهي : النحل : ١٦ ، النجم : ١ ، الرحمن : ٦ ، الطارق : ٣.

(٢) النجم : ١ ـ ٤.

٧٦

ب : المراد هو نجم الشعرى الذي جاء في نفس السورة ، قال سبحانه : (وَانَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعرى). (١)

ونظيره القول بأنّ المراد هو الثريا ، وهي مجموعة من سبعة نجوم ، ستة منها واضحة وواحد خافت النور ، وبه يختبر قوة البصر.

وربما فسر بالقرآن الذي نزل على قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة ٢٣ سنة لنزوله نجوماً. (٢) لكن لفظ الآية لا يساعد على هذا المعنى.

فالله سبحانه إمّا أن يحلف بعامة النجوم أو بنجم خاص يهتدي به السائر ، ويدل على ذلك أنّه قيد القسم بوقت هويه ، ولعل الوجه هو أنّ النجم إذا كان في وسط السماء يكون بعيداً عن الأرض لا يهتدي به الساري ، لأنّه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشمال ، فإذا زال ، تبيّن بزواله جانب المغرب من المشرق. (٣)

وأمّا المقسم عليه : فهو قوله سبحانه : (ما ضَلَّ صاحِبكُمْ وَما غوى * وما ينطق عن الهَوى* إِنْ هُوَ إِلّاوَحيٌ يُوحى).

جمع سبحانه هناك بين الضلال والغي فنفاهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والقرآن يستعمل الضلالة في مقابل الهدى ، يقول سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذا اهْتَدَيْتُمْ) (٤).

كما يستعمل الغي في مقابل الرشد ، يقول سبحانه : (وَإِنْ يَرَوا سَبيلَ الرُّشْدِ

__________________

(١) النجم : ٤٩.

(٢) انظر الميزان : ١٩ / ٢٧ ؛ مجمع البيان : ٥ / ١٧٢.

(٣) تفسير الفخر الرازي : ٢٨ / ٢٧٩.

(٤) المائدة : ١٠٥.

٧٧

لا يَتَّخذوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوا سَبيلَ الغَىّ يَتَّخِذُوهُ سَبيلاً). (١)

والمهم بيان الفرق بين الضلالة والغواية ، فنقول :

ذكر الرازي أنّ الضلال أن لا يجد السالك إلى مقصده طريقاً أصلاً ، والغواية أن لا يكون له طريق مستقيم إلى المقصد ، يدلّك على هذا انّك تقول للمؤمن الذي ليس على طريق السداد ، انّه سفيه غير رشيد ، ولا تقول إنّه ضال. والضال كالكافر والغاوي كالفاسق. (٢)

وإلى ذلك يرجع ما يقول الراغب : الغيّ جهل من اعتقاد فاسد ، وذلك أنّ الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقاداً لا صالحاً ولا فاسداً ، وقد يكون من اعتقاد شيء ، وهذا النحو الثاني ، يقال له : غيّ. (٣)

وعلى هذا فالآية بصدد بيان نفي الضلالة والغي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وردّ كلّ نوع من أنواع الانحراف والجهل والضلال والخطأ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليردّ به التهم الموجهة إليه من جانب أعدائه.

وأمّا بيان الصلة بين المقسم به والمقسم عليه فواضح ، لما ذكرنا من أنّ النجم عند الهوي والميل يهتدي به الساري كما أنّ النبي يهتدي به الناس ، أي بقوله وفعله وتقريره.

فكما أنّه لا خطأ في هداية النجم لأنّها هداية تكوينية ، وهكذا لا خطأ في هداية الوحي الموحى إليه ، ولذلك قال : (إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحى).

__________________

(١) الأعراف : ١٤٦.

(٢) تفسير الفخر الرازي : ٢٨ / ٢٨٠.

(٣) مفردات الراغب : ٣٦٩.

٧٨

الفصل السابع

القسم بمواقع النجوم

حلف سبحانه وتعالى في سورة الواقعة بمواقع النجوم ، وقال : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُوم* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظيم* إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيم* فِي كِتابٍ مَكْنُون* لا يَمَسُّهُ إِلّاالمُطَهَّرُون). (١)

تفسير الآيات

المراد من مواقع النجوم مساقطها حيث تغيب.

قال الراغب : الوقوع ثبوت الشيء وسقوطه ، يقال : وقع الطائر وقوعاً ، وعلى ذلك يراد منه مطالعها ومغاربها ، يقال : مواقع الغيث أي مساقطه. (٢)

ويدل على أنّ المراد هو مطالع النجوم ومغاربها أنّ الله سبحانه يقسم بالنجوم وطلوعها وجريها وغروبها ، إذ فيها وفي حالاتها الثلاث آية وعبرة ودلالة ، كما في قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* الجَوارِ الكُنَّس) (٣) ، وقال : (وَالنَّجْم إِذا هَوى) وقال : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِب) ويرجح هذا القول أيضاً ، انّ النجوم حيث وقعت في القرآن فالمراد منها الكواكب ، كقوله تعالى : (وَإدْبار

__________________

(١) الواقعة : ٧٥ ـ ٧٩.

(٢) مفردات الراغب : ٥٣٠ ، مادة وقع.

(٣) التكوير : ١٥ ـ ١٦.

٧٩

النُّجوم) (١) ، وقوله : (وَالشَّمْسُ وَالْقَمرُ وَالنُّجُوم) (٢).

وأمّا المقسم عليه : فهو قوله سبحانه : (إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَريم* في كِتابٍ مَكْنُون* لا يَمَسُّهُ إِلّا الْمُطَّهَرُون) وصف القرآن بصفات أربع :

أ : (لقرآن كريم) ، والكريم هو البهي الكثير الخير ، العظيم النفع ، وهو من كلّ شيء أحسنه وأفضله ، فالله سبحانه كريم ، وفعله أعني القرآن مثله.

وقال الأزهري : الكريم اسم جامع لما يحمد ، فالله كريم يحمد فعاله ، والقرآن كريم يحمد لما فيه من الهدى والبيان والعلم والحكمة.

ب : (في كتاب مكنون) ولعل المراد منه هو اللوح المحفوظ ، بشهادة قوله : (بَلْ هُوَ قُرآنٌ مَجيد* في لَوحٍ مَحْفُوظ) (٣) ويحتمل أن يكون المراد الكتاب الذي بأيدي الملائكة ، قال سبحانه : (في صُحُفٍ مُكَرَّمَة* مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرة* بِأَيدِي سَفَرَة* كِرامٍ بَررَة). (٤)

ج : (لا يَمَسُّه إِلّاالمُطهّرون) فلو رجع الضمير إلى قوله : (لقرآن كريم) ، كما هو المتبادر ، لأنّ الآيات بصدد وصفه وبيان منزلته فلا يمس المصحف إلّاطاهر ، فيكون الإخبار بمعنى الإنشاء ، كما في قوله سبحانه : (وَالمُطلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء). (٥)

ولو قيل برجوع الضمير إلى (كتاب مكنون) فيكون المعنى لا يمس

__________________

(١) الطور : ٤٩.

(٢) الحج : ١٨.

(٣) البروج : ٢١ ـ ٢٢.

(٤) عبس : ١٣ ـ ١٦.

(٥) البقرة : ٢٢٨.

٨٠