الأقسام في القرآن الكريم

الشيخ جعفر السبحاني

الأقسام في القرآن الكريم

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-69-X
الصفحات: ٢٠٠

٢. الحلف بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيه فصلان :

أ. بعمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ب. شاهد

٣. الحلف بالقرآن ، وفيه فصلان :

أ. بالقرآن

ب. بالكتاب

٤. الحلف بالملائكة ، وفيه أربعة فصول :

أ. الصافات ، الزاجرات ، التاليات.

ب. الذاريات ، الحاملات ، الجاريات ، المقسمات.

ج. المرسلات ، العاصفات ، الناشرات ، الفارقات ، الملقيات

د. النازعات ، الناشطات ، السابحات ، السابقات ، المدبرات.

٥. الحلف بالقلم وفيه فصلان :

أ. القلم

ب. وما يسطرون

٦. الحلف بالقيامة ، وفيه ثلاثة فصول :

أ. القيامة

ب. اليوم الموعود

ج. مشهود

٢١

٧. الحلف بالنفس

٨. الحلف بالشفع والوتر

٩. الحلف بالولد والوالد.

١٠. الحلف بالأمكنة ، وفيه ثلاثة فصول :

أ. الحلف بالبلد الأمين

ب. الحلف بطور سينين

ج. الحلف بالبيت المعمور

١١. الحلف بالأزمنة ، وفيه ثمانية فصول :

أ. الحلف بالصبح

ب. الحلف بالفجر

ج. الحلف باليوم

د. الحلف بالضحى

ه. الحلف بالنهار

و. الحلف بالشفق

ز. الحلف بالليل

ح. الحلف بالعصر

١٢. الحلف بالأرض والأجرام السماوية ، وفيه ثمانية فصول :

أ. الحلف بالشمس وضحاها

٢٢

ب. الحلف بالكواكب.

ج. الحلف بالنجم

د. الحلف بمواقع النجوم

ه. الحلف بالأرض

و. الحلف بالقمر

ز. الحلف بالخنس الجوار

ح. الحلف بالطارق

١٣. الحلف بالظواهر الجوية ، وفيه أربعة فصول :

أ. الحلف بالسماء

ب. الحلف بالذاريات

ج. الحلف بالحاملات

د. الحلف بالجاريات

ج : أن نتناولها حسب السور القرآنية ، فنفسر ما ورد من الأقسام في سورة الشمس مرة واحدة ، أو نفسر ما ورد في سورة الفجر أو البلد في مكان واحد ، وعلى ذلك يجب عقد عدة فصول حسب عدد السور التي ورد فيها الحلف.

وقد سلك ابن قيم الجوزية (المتوفّى ٧٥١ ه‍) هذا المنهج ، فراح يبحث عن أقسام القرآن حسب السور.

فابتدأ بتفسير الأقسام الواردة بالنحو التالي :

١. القيامة ، ٢. الشمس ، ٣. الفجر ، ٤. البلد ، ٥. التين ، ٦. الليل ،

٢٣

٧. الضحى ، ٨. العاديات ، ٩. العصر ، ١٠. البروج ، ١١. الطارق ، ١٢. الانشقاق ، ١٣. التكوير ، ١٤. النازعات ، ١٥. المرسلات ، ١٦. القيامة ، ١٧. المدثر ، ١٨. الحاقة ، ١٩. المعارج ، ٢٠. القلم ، ٢١. الواقعة ، ٢٢. النجم ، ٢٣. الطور ، ٢٤. الذاريات ، ٢٥. ق ، ٢٦. يس ، ٢٧. الصافات ، ٢٨. الحجر ، ٢٩. النساء.

فقد عقد ٢٩ فصلاً حسب عدد السور التي ورد فيها الأقسام ، وهذا المنهج لا يخلو من مناقشة ، لأنّه سبحانه ربما حلف بالرب في سور مختلفة ، فلو كان محور البحث هو السور يلزم عليه تكرار البحث حسب تعدد وروده في السور المختلفة ، وهذا بخلاف ما إذا جمع الآيات التي حلف فيها القرآن بربوبيته ، ويبحث فيها دفعة واحدة ، فهذا النوع من البحث يكون خالياً عن التكرار والتطويل.

مضافاً إلى أنّه لم يراع ترتيب السور حتى فيما اختاره من ذكر السور القصيرة متقدمة على السور الطويلة.

والعجب أنّه بحث عن الحلف الوارد في سورة القيامة مرّتين. (١)

د : وهناك منهج رابع سلكه ولدنا الروحاني الشهيد الشيخ أبو القاسم الرزاقي (قدس الله سره) فقد أفرد لكلّ قَسَمٍ فصلاً خاصاً.

ويؤخذ على هذا المنهج أنّه سبحانه حلف في بعض السور بموضوعات مختلفة ، كسورة الشمس حيث حلف فيها بالشمس والقمر وفي الوقت نفسه بالنفس الإنسانية وجعل للجميع جواباً واحداً.

وبما انّ من البحوث المهمة في أقسام القرآن هو بيان الصلة بين المقسم به

__________________

(١) تارة في ص ٣٥ من كتابه المعروف «التبيان في أقسام القرآن» تحت عنوان فصل «القسم في سورة القيامة» ، وأُخرى بنفس العنوان في ص ١٤٧ ، فلاحظ.

٢٤

والمقسم عليه ، فعلى ذلك المنهج يجب أن يتكرر البحث في أكثر الفصول بالنسبة إلى أُمور حلف بها سبحانه مرّة واحدة وذلك كالشمس والقمر والنفس الإنسانية ، وهذا مستلزم للإطناب.

ومن أجل أن نتلافى هذه المشكلة ، نقول :

إنّ أقسام القرآن على قسمين :

الأوّل : ما نطلق عليه الحلف المفرد ، والمراد منه ما إذا حلف سبحانه بشيء مفرد ولم يضم إليه حلفاً آخر ، سواء تكرر في سور أُخرى أو لا ، مثلاً : حلف بعمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحياته مرة واحدة ولم يقرن به حلفاً آخر ، بخلاف لفظ الرب فقد حلف به مفرداً ولكنّه تكرر في بعض السور.

الثاني : ما نطلق عليه الحلف المتعدد ، والمراد منه ما إذا حلف سبحانه بأُمور مختلفة جمعها في آية واحدة أو آيتين ، وجعل للجميع جواباً واحداً ، كالحلف بالشمس والقمر إلى أن يصل إلى النفس الإنسانية.

فنعقد لكلّ حلف مفرد فصلاً على حدة ، سواء تكرر بهذا النحو في سور أُخرى أو لا ، مراعين في ذلك الأفضل فالأفضل فنقدم الحلف بالله والرب على حياة النبي وعمره وهو على الملائكة.

وأمّا الحلف المتعدد فنعقد لكلّ سورة تضم ذلك الحلف فصلاً ، كما عقدنا لسورة الشمس فصلاً ، ولسورة الليل فصلاً آخر ، وإن تكرر فيه المحلوف فيه أعني الليل ، وبذلك يمتاز هذا المنهج عن سائر المناهج المذكورة ، ويجمع كافة محاسنها ، ويصان عن المؤاخذات التي ربما تطرح على المنهجين الأخيرين.

وأخذنا بتقسيم الكتاب إلى قسمين وخصصنا القسم الأوّل بالأحلاف المفردة ، والثاني بالأحلاف المتعددة ، وإليك إجمال فصول القسمين :

٢٥

القسم الأوّل ، وفيه فصول :

الفصل الأوّل : القسم بلفظ الجلالة.

الفصل الثاني : القسم بالربِّ.

الفصل الثالث : القسم بعمر النبي.

الفصل الرابع : القسم بالقرآن الكريم.

الفصل الخامس : القسم بالعصر.

الفصل السادس : القسم بالنجم.

الفصل السابع : القسم بمواقع النجوم.

الفصل الثامن : القسم بالسماء ذات الحبك.

القسم الثاني ، وفيه فصول :

الفصل الأوّل : القسم في سورة الصافات

الفصل الثاني : القسم في سورة الذاريات.

الفصل الثالث : القسم في سورة الطور.

الفصل الرابع : القسم في سورة القلم.

الفصل الخامس : القسم في سورة الحاقة.

الفصل السادس : القسم في سورة المدثر.

الفصل السابع : القسم في سورة القيامة.

الفصل الثامن : القسم في سورة المرسلات.

٢٦

الفصل التاسع : القسم في سورة النازعات.

الفصل العاشر : القسم في سورة التكوير.

الفصل الحادي عشر : القسم في سورة الانشقاق.

الفصل الثاني عشر : القسم في سورة البروج.

الفصل الثالث عشر : القسم في سورة الطارق.

الفصل الرابع عشر : القسم في سورة الفجر.

الفصل الخامس عشر : القسم في سورة البلد.

الفصل السادس عشر : القسم في سورة الشمس.

الفصل السابع عشر : القسم في سورة الليل.

الفصل الثامن عشر : القسم في سورة الضحى.

الفصل التاسع عشر : القسم في سورة التين.

الفصل العشرون : القسم في سورة العاديات.

٢٧
٢٨

القسم الأوّل : القسم المفرد

وفيه فصول :

الفصل الأوّل :

القسم بلفظ الجلالة

حلف سبحانه تبارك وتعالى بلفظ الجلالة مرّتين ضمن آيتين من سورة النحل ، وهو أعظم قسم ورد في القرآن الكريم.

قال سبحانه :

أ : (وَيَجْعَلُونَ لما لا يَعْلَمُونَ نَصيباً مِمّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَ عَمّا كُنْتُمْ تَفْتَرُون). (١)

ب : (تَاللهِ لَقَدْأَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزيَّنَ لَهُمُ الشَّيطانُ أَعْمالُهُمْ فَهُوَ وَليُّهُمُ الْيَومَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ). (٢)

تفسير الآية الأُولى

دلّت الآية الأُولى على جهل المشركين ، حيث كانوا يجعلون نصيباً مما رزقوا للأصنام التي لا تضر ولا تنفع ويتقربون بذلك إليهم ، وقال سبحانه : (وَيَجْعَلُونَ لما لا يَعْلَمونَ نَصيباً مِمّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لتسئلنَّ عَمّا كُنْتُمْ تفتَرون)

__________________

(١) النحل : ٥٦.

(٢) النحل : ٦٣.

٢٩

وقد حكى سبحانه عملهم هذا في سورة الأنعام ، وقال : (وَجَعَلُوا للهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا للهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلى اللهِ وَما كانَ للهِ فَهُو يَصِلُ إِلى شُركائِهِمْ ساءَما يَحْكُمُون). (١)

فالكفار لأجل جهلهم بمبدأ الفيض كانوا يتقرّبون إلى الآلهة الكاذبة ـ أعني : الأصنام والأوثان ـ بتخصيص شيء مما رزقوا لها ، مع أنّه سبحانه هو الأولى بالتقرّب لا غير ، لأنّه مبدأ الفيض وما سواه ممكن محتاج في وجوده وفعله ، فكيف يتقربون إليه؟!

والعجب أنّهم يجعلون نصيباً لله ونصيباً لشركائه ، فما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ، وما كان لشركائهم لا يصل إلى الله سبحانه ، وقد حكاه سبحانه في سورة الأنعام ، وقال : (وَجَعَلُوا للهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا للهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلى اللهِ وَما كانَ لله فَهُو يَصِلُ إِلى شُركائِهِمْ ساءَما يَحْكُمُون). (٢)

وحاصل الآية : أنّهم كانوا يجعلون من الزرع والمواشي حظاً لله وحظاً للأوثان ، وقد أسماها سبحانه (شركائهم) ، لأنّهم جعلوا الأوثان شركاءهم ، حيث جعلوا لها نصيباً من أموالهم ينفقونه عليها فشاركوها في نعمهم.

وقد ذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى (فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلى اللهِ وَما كانَ لله فَهُو يَصِلُ إِلى شُركائِهِم) وجوهاً : (٣)

أوّلها : انّهم كانوا يزرعون لله زرعاً وللأصنام زرعاً ، فكان إذا زكا الزرع الذي

__________________

(١) الأنعام : ١٣٦.

(٢) الأنعام : ١٣٦.

(٣) لاحظ مجمع البيان : ٢ / ٣٧٠.

٣٠

زرعوه لله ولم يزك الزرع الذي زرعوه للأصنام جعلوا بعضه للأصنام وصرفوه إليها ، ويقولون إنّ الله غنيّ والأصنام أحوج ؛ وإن زكا الزرع الذي جعلوه للأصنام ولم يزك الزرع الذي زرعوه لله لم يجعلوا منه شيئاً لله ، وقالوا : هو غني ؛ وكانوا يقسمون النعم فيجعلون بعضه لله وبعضه للأصنام فما كان لله أطعموه الضيفان ، وما كان للصنم أنفقوه على الصنم ، وهذا هو المرويّ عن الزجاج وغيره.

ثانيها : انّه كان إذا اختلط ما جُعل للأصنام بما جُعل لله تعالى ردّوه ، وإذا اختلط ما جعل لله بما جُعل للأصنام تركوه ، وقالوا : الله أغنى ، وإذا تخرق الماء من الذي لله في الذي للأصنام لم يسدُّوه ، وإذا تخرق من الذي للأصنام في الذي لله سدّوه ، وقالوا : الله أغنى. عن ابن عباس وقتادة ، وهو المروي عن أئمتنا عليهم‌السلام.

وثالثها : انّه كان إذا هلك ما جعل للأصنام بدَّلوه مما جعل لله ، وإذا هلك ما جعل لله لم يبدّلوه مما جعل للأصنام. عن الحسن والسدي. (١)

وفي الحقيقة انّ هذا النوع من العمل ، أي توزيع القربان بين الله والآلهة ، كان تزييناً من شركائهم وهم الشياطين أو سدنة الأصنام حيث زينوا لهم هذا العمل وغيره من الأعمال القبيحة ، قال تعالى : (وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِكَثيرٍ مِنَ الْمُشْرِكينَ قَتْلَ أَولادِهِمْ شُركاؤُهم لِيُرْدُوهُمْ) (أي ليهلكوهم بالإغواء) (وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَو شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ). (٢)

تفسير الآية الثانية

يقول سبحانه : (تَاللهِ لَقَدْأَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزيّنَ لَهُمُ الشَّيطان

__________________

(١) مجمع البيان : ٢ / ٣٧٠.

(٢) الأنعام : ١٣٧.

٣١

أَعمالَهُمْ) فهؤلاء كفروا وضلّوا وكذّبوا الرسل وقد زيّن الشيطان أعمالهم (فهو وليّهم اليوم) أي الشيطان الذي زين لهم أعمالهم فهو أيضاً يقوم بنفس هذا العمل فالولي واحد وإن كان المتولى عليه مختلفاً ، وبالتالي انّ الشيطان وليهم اليوم في الدنيا يتولونه ويتبعون إغواءه (ولهم عذاب أليم)

إلى هنا انتهينا من تفسير الآيتين ، فلنذكر المقسم به ، وجواب القسم ، وما هي الصلة بينهما.

المقسم به

المقسم به في الآيتين هو لفظ الجلالة الذي جاء ذكره في القرآن الكريم حوالي ٩٨٠ مرة.

وقد ذهب غير واحد من أصحاب المعاجم إلى أنّ أصله ، إله ، فحذفت همزته وأدخل عليه الألف واللام فخص بالباري تعالى ، قال تعالى : (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً). (١)

ثمّ إنّ «إله» إما من أله يأله فهو الإله بمعنى المعبود ، أو من أله ـ بالكسر ـ أي تحير ، لتحير العقول في كنهه.

أقول : سيوافيك بأنّ الإله ليس بمعنى المعبود ، وأنّ من فسره به فقد فسره بلازم المعنى ، وعلى فرض ثبوته فلفظ الجلالة علم بالغلبة وليس فيه إشارة إلى هذه المعاني من العبادة والتحيّر ، وقد كان مستعملاً دائراً على الألسن قبل نزول القرآن تعرفه العرب في العصر الجاهلي ، يقول سبحانه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَ

__________________

(١) مريم : ٦٥.

٣٢

الله). (١) فقد أشار بلفظ الجلالة إلى خالق السماوات والأرض دون تبادر مفهوم العبادة أو التحير منه.

وممّا يدل على كونه علماً انّه يوصف بالأسماء الحسنى وسائر أفعاله المأخوذة من تلك الأسماء من دون عكس ، فيقال الله الرحمن الرحيم ، أو يقال علم الله ورزق الله ، ولا يقع لفظ الجلالة صفة لشيء منها ، ولا يؤخذ منه ما يوصف به شيء منها ، وهذا يدل على أنّه علم وليس بوصف ، فيكون اسماً للذات الواجبة الوجود المستجمعة لجميع صفات الكمال ، ولهذا اللفظ في جميع الألسنة معادل كلفظة" خدا" في لغة الفرس و"" في لغة الافرنج و" تاري" في لغة الترك. (٢)

جواب القسم

أمّا جواب القسم في الآية الأُولى ، فهو عبارة عن قوله : (لتسئلن عمّا كنتم تفترون)

كما أنّ جوابه في الآية الثانية ، هو قوله : (لَقَدْأرْسلنا إِلى أُمم من قَبْلك).

فقد أقسم سبحانه في هاتين الآيتين بلفظ الجلالة لغاية التأكيد على أمرين :

أ : انّهم مسؤولون يوم القيامة عن افترائهم الكذب.

ب : انّه سبحانه لم يترك الخلق سدى بل أرسل إليهم رسلاً ، لكن الشيطان حال بينهم وبين أُممهم ، وتشهد على ذلك سيرة عاد وثمود بل اليهود والنصارى والمجوس.

__________________

(١) الزخرف : ٨٧.

(٢) انظر الميزان : ١ / ١٨.

٣٣

ما هي الصلة بين المقسم به والمقسم عليه؟

هذا هو المهم في أقسام القرآن ، وقد أُهمل في كثير من التفاسير ، ويمكن أن يقال :

أمّا الآية الأُولى ، فالقسم بلفظ الجلالة لأجل أنّ المشركين كانوا يجعلون لله نصيباً مما زرعوا من الحرث والأنعام ، وكانوا يقولون : هذا لله ، فناسب أن يقسم به لأجل أنّه افتراء عظيم.

وأمّا الآية الثانية ، فلأنّه جاء في ذيل جواب القسم ولاية الشيطان ، كما قال : (فهو وليّهم اليوم) وبما انّ الولاية لله سبحانه كما قال تعالى : (هنالِكَ الولايةُ للهِ الحق) (١) ناسب الحلف بالله الذي هو الوليّ دونَ الشيطان ، كما عليه المشركون.

__________________

(١) الكهف : ٤٤.

٣٤

الفصل الثاني

القسم بالربِ

أقسم سبحانه بلفظ «رب» بصور مختلفة :

تارة حلف به بلفظ «فلا وربك»

وأُخرى حلف به مقروناً بلفظ (لا) وقال : «فلا أُقسم».

وثالثة حلف به بلفظ «فوربّك».

ورابعة بلفظ «بلى وربّي».

وخامسة بلفظ «اي وربي».

وسادسة بلفظ «فوربّ السماء والأرض».

وعلى أية حال فالمقسم به هو الرب ، وإليك الآيات :

١. (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْليماً). (١)

٢. (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِب إِنّا لَقادِرُونَ* عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحنُ بِمَسْبُوقينَ). (٢)

٣. (فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطين). (٣)

__________________

(١) النساء : ٦٥.

(٢) المعارج : ٤٠ ـ ٤١.

(٣) مريم : ٦٨.

٣٥

٤. (فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعينَ* عَمّا كانُوا يَعْمَلُون). (١)

٥. (وَقالَ الَّذينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السّاعَةُ قُلْ بَلى وَربّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِم الْغَيب). (٢)

٦. (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بلى وَربّي لَتُبعثُنّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤنَّ بما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلى اللهِ يَسير). (٣)

٧. (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إي وَرَبّي انّهُ لحقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزين). (٤)

٨. (فَوَرَبِّ السَّماءِ وَالأَرْضِ إنّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أنّكُمْ تَنْطِقُون). (٥)

تفسير الآيات

تشير الآية الأُولى إلى مقام من مقامات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانّ له ـ حسب ما دلّ عليه الكتاب والسنة في إدارة رحى المجتمع ـ مقامات ثلاثة :

أ : السياسية وتدبير الأُمور : يقول سبحانه : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاة وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوا عَنِ الْمُنْكَرِوَللهِ عاقِبَةُ الأُمور). (٦) ويقول في حقّ النبي خاصة : (النَّبِيُّ أَولَى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (٧) وليس الأولى بالمؤمنين من أنفسهم فضلاً عن أموالهم غير السائس الحاكم العام.

__________________

(١) الحجر : ٩٢ ـ ٩٣.

(٢) سبأ : ٣.

(٣) التغابن : ٧.

(٤) يونس : ٥٣.

(٥) الذاريات : ٢٣.

(٦) الحج : ٤١.

(٧) الأحزاب : ٦.

٣٦

ب : القضاء وفضُّ الخصومات : يقول سبحانه في حقّ داود : (يا داوُدُ إِنّا جَعلْناكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالحَقّ ولا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلّكَ عَنْ سَبيلِ اللهِ إِنّ الّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَديدٌ بِما نَسُوا يَومَ الْحِساب) (١) وفي حقّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطينَ). (٢)

ج : الإفتاء وبيان الأحكام : يقول سبحانه : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَة) (٣) وقد كان الرسول ـ بنص هذه الآيات ـ جامعاً لهذه المقامات الثلاثة فكان سائساً وحاكماً ، وقاضياً وفاضّاً للخصومات ، ومفتياً ومبيّناً للأحكام.

ومن الواضح بمكان أنّ فضّ الخصومات لا يتحقق إلّابقضاء قاض مطاع رأيه ونافذ فصله ، وقد كان بعض المنتمين إلى الإسلام لم يعيروا أهمية لقضائه ، فنزلت الآية تأمر أوّلاً بإطاعته وانّ كلّ رسول واجب الطاعة. يقول سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلّا لِيُطاع بِإِذْنِ الله). (٤)

ثمّ تشير الآية التالية إلى أنّ الإيمان لا يكتمل إلّابالانصياع والتسليم القلبي لما يقضي به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن شهد الشهادتين وأذعن بهما ، ومع ذلك يجد في نفسه حرجاً في قضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمره فليس بمؤمن ، يقول سبحانه : (فَلا وَرَبّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْليماً). (٥) فالآية تدل على أنّ الإيمان لا يكتمل بنفس الإذعان

__________________

(١) ص : ٢٦.

(٢) المائدة : ٤٢.

(٣) النساء : ١٧٦.

(٤) النساء : ٦٤.

(٥) النساء : ٦٥.

٣٧

واليقين بالتوحيد والرسالة مالم ينضم إليه التسليم القلبي ، ولذلك ترى أنّ أمير المؤمنين علياً عليه‌السلام يصف الإسلام بالنحو التالي ، ويقول : «لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي : الإسلام هو التسليم». (١)

وتشير الآية الثانية إلى أنّه سبحانه قادر على أن يهلك المشركين ويأتي بقوم آخرين (خيراً منهم) ، من دون أن يكون مغلوباً ، قال : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِب إِنّا لَقادِرُونَ* عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحنُ بِمَسْبُوقينَ).

فجواب القسم قوله (إِنّا لَقادِرُون) وقوله (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقين) عطف على جواب القسم ، والمراد بالسبق الغلبة ، أي وما نحن بمغلوبين ويمكن أن يكون السبق بمعناه والمراد : وما نحن بمسبوقين بفوت عقابنا إياهم فإنّهم لو سبقوا عقابنا لسبقونا.

والتعبير بالمشارق والمغارب لأجل أنّ للشمس في كل يوم من أيام السنة الشمسية مشرقاً ومغرباً لا تعود إليهما إلى مثل اليوم من السنة القابلة ، كما أنّه من المحتمل أن يكون المراد بها مشارق جميع النجوم ومغاربها.

ومن عجيب الأمر أنّ في الآية على قصرها وجوهاً من الالتفات.

ففي قوله : (فلا أُقْسِم) التفات من التكلم مع الغير الوارد في قوله : (إِنّا خَلَقْناكُمْ) إلى التكلم وحده ، والوجه فيه تأكيد القسم باسناده إلى الله نفسه.

وفي قوله : (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِب) التفات من التكلم وحده إلى الغيبة ، والوجه فيه الإشارة إلى صفة من صفاته تعالى هي المبدأ في خلق الناس جيلاً بعد جيل ، وهي ربوبيته للمشارق والمغارب ، فانّ الشروق بعد الشروق ، والغروب بعد الغروب ، يلازم مرور الزمان الذي له مدخلية تامّة في تكوّن الإنسان

__________________

(١) نهج البلاغة : قسم الحكم ، الحكمة ١٢٥.

٣٨

جيلاً بعد جيل وسائر الحوادث العرضية المقارنة له.

وفي قوله : (إِنّا لَقادِرُون) التفات (١) من الغيبة إلى التكلم مع الغير ، والوجه فيه الإشارة إلى العظمة المناسبة لذكر القدرة ، وفي ذكر ربوبيته للمشارق والمغارب إشارة إلى تعليل القدرة ، وهو أنّ الذي ينتهي إليه تدبير الحوادث في تكوّنها لا يعجزه شيء من الحوادث التي هي أفعاله ، عن شيء منها ، ولا يمنعه شيء من خلقه من أن يبدله بخير منه ، وإلّا شاركه المانع في أمر التدبير ، والله سبحانه لا شريك له في أمر التدبير. (٢)

وأمّا الآية الثالثة : فلما ذكر سبحانه الوعد والوعيد والبعث والنشور أردفه بقول منكر البعث ورد عليهم بأوضح بيان وأجلى برهان ، وقال : (أوَ لا يَذْكُرُ الإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) (٣) والمراد أو لا يذكر أنّ النشأة الأُولى دليل على إمكان النشأة الثانية ، ثمّ أكده بقوله : «فوربك» يا محمد «لنحشرنّهم والشياطين» أي لنجمعنهم ولنبعثنهم من قبورهم مقرنين بأوليائهم من الشياطين.

وأمّا الآية الرابعة : فسياق الآية يندد بالمقتسمين ، ويقول : (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمين) (٤) ثمّ يصفهم بقوله : (الّذِينَ جَعَلُوا الْقُرآنَ عِضِين) (٥) والعضين

__________________

(١) الالتفات في علم البيان عبارة عن الانتقال من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ، ومن الغيبة إلى التكلم كما في قوله سبحانه : «مالِكِ يَوم الدِّين * إِيّاكَ نَعْبُد» وقوله سبحانه : «حَتّى إِذا كُنْتُمْ في الفلك وجرين بهم» وقوله سبحانه : «وَاللهُ الذي أَرسل الرياح فتثير سَحاباً فَسُقْناهُ» ففي الآية الأُولى عدول من الغيبة إلى الخطاب ، وفي الثانية من الخطاب إلى الغيبة ، وفي الثالثة من الغيبة إلى التكلم.

(٢) الميزان : ٢٠ / ٢٢.

(٣) مريم : ٦٧.

(٤) الحجر : ٩١.

(٥) الحجر : ٩٠.

٣٩

جمع عضّة والتعضية التفريق ، فهم الذين جزّأوا القرآن أجزاء فقالوا تارة : سحر ، وأُخرى : أساطير الأوّلين ، وثالثة : مفترى ، وبذلك صدّوا الناس عن الدخول في دين الله ، وعلى ذلك يكون المراد من المقتسمين هم كفار قريش.

ويحتمل أن يكون المراد هم اليهود والنصارى الذين فرّقوا القرآن أجزاء وأبعاضاً ، وقالوا : نؤمن ببعض ونكفر ببعض.

وعلى أيّة حال الذين كانوا بصدد إطفاء نور القرآن بتبعيضه أبعاض ليصدوا عن سبيل الله فهؤلاء هم المقصودون ، ثمّ حلف سبحانه وقال : (فَوَرَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعينَ* عَمّا كانُوا يَعْمَلُون) من تبعيض القرآن وصد الناس عن الإيمان به.

وأمّا الآية الخامسة : فتذكر إنكار المشركين لإتيان الساعة ويوم القيامة ، وهم ينكرونه مع ظهور عموم ملكه سبحانه وعلمه بكلّ شيء.

وقد كان سبب إنكارهم هو زعمهم أنّ الإنسان يبلى جسده بعد الموت وتختلط أجزاؤه بأجزاء أبدان أُخرى على نحو لا تتميز ، فكيف يمكن إعادته؟ فأجاب سبحانه في الآية مشيراً إلى علمه الواسع ، ويقول : (وَقالَ الَّذينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا الساعَةُ قُلْ بَلى وَرَبّي لتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الغَيْبِ لا يَعزبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ في السَّماواتِ وَلا فِي الأَرْضِ ولا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلّا في كِتابٍ مُبين). (١)

فقوله : (لا تَأْتِينَا السّاعَة) حكاية لقول المشركين.

وقوله : (قل بلى وربّي) أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يجيبهم بأنّ إتيان الساعة أمر قطعي.

__________________

(١) سبأ : ٣.

٤٠