هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

في الملك ، وإن حكم بملكيّته (١) للمشتري بعد ذلك (*).

______________________________________________________

بترتب آثار الملكية عليها في حال تكوّن الولد.

ففي معتبرة محمّد بن مارد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الرجل يتزوّج الأمة ، فتلد منه أولادا ، ثم يشتريها ، فتمكث عنده ما شاء الله ، لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها ، ثم يبدو له في بيعها. قال : هي أمته ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك ، وإن شاء أعتق» (١). فإن قوله عليه‌السلام : «هي أمته ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك» ـ أي بعد ما ملكها ـ كالصريح في اشتراط صيرورتها أمّ ولد بحدوث الولد في ملكه. وهذا لا يصدق على من لم تكن ملكا للواطى حين الحمل ، وإنّما صارت ملكه بعد تحقق الإجازة كما في مورد البحث.

(١) أي : بملكية الولد بعد صدور الإجازة من المالك الأصيل ، لأنّه حينئذ نماء ملكه.

__________________

(*) لا يخفى أنّه بناء على جميع وجوه الكشف تصير الأمة أمّ ولد ، لأنّها وإن لم تكن ملكا للمشتري حال الوطء بناء على الكشف الانقلابي والحكمي ، لكنها لصيرورتها بعد إجازة عقد الفضولي ملكا حقيقة أو حكما للمشتري ـ الذي اشتراها من الفضولي ـ صارت أمّ ولد للمشتري.

وأمّا سائر وجوه الكشف الحقيقي الستة التي ذكرناها في مرحلة الثبوت ، فتفصيله : أنّه مع العلم بحصول الإجازة من المالك يجوز التصرف لكل منهما قبل صدور الإجازة واقعا وظاهرا على الوجه الأوّل والثاني والثالث والخامس والسادس ، لوجود الشرط فيها حين العقد.

أمّا على الوجه الأوّل والخامس ـ وهما شرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخر ـ فلوجود المشروط فعلا ، إذ المفروض جواز تقدم المشروط على الشرط العقلي في الأوّل ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٨٩ ، الباب ٨٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١ ، والظاهر تمامية السند وإن كان يخدش فيه في بعض الكلمات من جهة ضعف إسناد الشيخ الى ابن محبوب بابن بطة. وجه الصحة شهادة الشيخ في الفهرست بأنّ له سندا صحيحا إلى جميع كتب ابن محبوب ورواياته.

ولا إشكال من جهة سائر الرواة كما لا يخفى على من راجع تراجمهم.

٨١

.................................................................................................

__________________

والشرعي في الخامس الذي ارتضاه صاحب الجواهر قدس‌سره ، فيجوز التصرف لكليهما قبل حصول الإجازة.

وكذا على الوجه الثاني الذي يكون الشرط فيه وصف التعقب بناء على كونه وصفا مقارنا للعقد. والوجه الثالث الذي يكون الشرط فيه الرضا التقديري. والوجه السادس الذي يكون الإجازة فيه مجرّد العلامة والأمارة على حصول النقل والانتقال بنفس العقد ، إذ بناء على الوجوه الثلاثة يكون العقد من حين وقوعه تامّا مؤثرا.

وأمّا الكشف الانقلابي والحكمي فقد عرفت صيرورة الأمة أمّ ولد فيهما بعد الإجازة. هذا كلّه بحسب الحكم الواقعي.

وأمّا الحكم الظاهري فهو عدم جواز التصرف في جميع أنحاء الكشف ، لأصالة عدم الإجازة ، إذ مع عدم العلم بلحوق الإجازة يكون مقتضى الأصل عدم جواز التصرف.

وأمّا مع العلم بلحوقها فلا إشكال في جواز التصرّف في صورتي شرطية التعقب وشرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخّر ، وفي صورتي شرطية الرضا التقديري ، وأمارية الإجازة على تأثير العقد ، وحصول النقل والانتقال من دون دخل للإجازة في تأثير العقد.

وأمّا الكشف الانقلابي والحقيقي الذي تقدّم من صاحب الجواهر فلا يكفي العلم بوجود الإجازة فيما بعد ، إذ المفروض دخل الإجازة بوجودها الخارجي في الملكية التي يترتّب عليها جواز التصرف ، والعلم تعلّق بما يصير بعد ذلك سببا لجواز التصرف. وهذا لا يكفي في فعلية سبب جواز التصرف حتى يصير مسبّبه فعليا.

ثم إنّه قد يمنع ما أفاده المصنف قدس‌سره ـ من صيرورة الأمة أمّ ولد بناء على الكشف الحكمي ـ بما في تقرير السيد المحقق الخويي قدس‌سره من : أنّ الشارع وإن حكم بعد إجازة المالك بكون الأمة ملكا للمشتري من الفضولي ، وأنّ الولد تكوّن في ملكه ، إلّا أنّ ظاهر الأدلة المتكفلة لأحكام أمّ الولد ـ كحرمة بيعها ـ هو حدوث الولد في ملك الواطى ، والمفروض أنّ هذه الأمة لم تكن ملكه حين الوطي ، وإنّما صارت ملكه بقاء أي بعد إجازة المالك ، فلم يتحقق الاستيلاد في ملك المشتري ، ومثلها غير مشمول لتلك الأدلة.

وهذا نظير أخبار مبطلية الزيادة ، فإنّها مختصة بما إذا اتصف الفعل ـ كقراءة الآية أو

٨٢

ولو نقل المالك الولد [أمّ (١) الولد] من ملكه

______________________________________________________

(١) وهي التي بيعت فضولا. وهذا إشارة إلى ثمرة ثانية ـ بين الكشف الحقيقي والحكمي ـ تظهر في بيع جارية الغير فضولا ، التي أولدها المشتري. بأن باعها الفضولي في الساعة الاولى ، ثم أخرجها السيد عن ملكه في الساعة الثانية ، ثم أجاز بيعها فضولا في الساعة الثالثة.

__________________

السورة ـ بأنّه زائد حين وقوعه ، لا ما إذا اتصف به بعد وقوعه ، لظهور الدليل في أحداث الزائد ، لا جعل الحادث سابقا زائدا بعد حدوثه (١).

أقول : ولعلّ من هذا الباب حكمه قدس‌سره باعتبار خروج البدن كلّا أو بعضا من الماء في الغسل الارتماسي ، وعدم كفاية الارتماس لغرض آخر ، ثم نية الغسل في هذه الحالة ، فإنّ المراد من الاغتسال إحداثه وإيجاده ، ولا يصدق عند كونه مرتمسا (٢).

وكيف كان ، فيمكن منع ما أفاده قدس‌سره. أمّا في مبطلية الزيادة فلأنّ دعوى اختصاصها بقصد الزيادة من حين الشروع في الزائد محل تأمل ، لإطلاق «من زاد» الدال على إخلال الزيادة العمدية في الصلاة. فلو شرع في سورة ثم عدل عنها إلى أخرى ، صدق عنوان الزائد على الاولى ، لكنها مغتفر فيها ، للنص الدال على جواز العدول إلى سورة أخرى قبل بلوغ النصف ، لا لعدم صدق الزائد على المأتيّ به أوّلا ، فإنّ الزيادة المخلّة تتوقف على قصد الجزئية ، والمفروض تحققه في مثل السورة. لكن لا بدّ من تقييد إطلاق «من زاد». ودعوى الانصراف الى خصوص الزيادة الحدوثية ممنوعة أيضا.

كما أنّه يمكن التأمل في وجوب إخراج معظم البدن من الماء في الغسل ، بدعوى : أنّ المكث فيه بقصد الغسل فعل اختياري يتعلق به قصد امتثال الأمر. ولو شك في اعتبار أمر زائد عليه ينفى بالأصل. هذا في المقيس عليه.

وأمّا الأمة فالظاهر أنّها محكومة بكونها أمّ ولد بمقتضى الكشف الحكمي والانقلابي كما تقدم. هذا كله بحسب القاعدة. ولكن يمكن استفادة اعتبار ملكيّتها في منع بيعها من معتبرة محمّد بن مارد المتقدمة في التوضيح.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ٤ ، ص ١٥٧ و ١٥٨.

(٢) منهاج الصالحين ، ج ١ ، ص ٥٦ ، المسألة : ١٥٣ من كتاب الطهارة.

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وينبغي التنبيه على أمر قبل توضيح الثمرة ، وهو : أنّ الموجود في كثير من نسخ الكتاب ـ حتى النسخة المصححة التي نعتمد عليها ـ هو : «ولو نقل المالك الولد من ملكه» وكذا بتذكير الضمير فيما سيأتي من قوله : «وعلى المجيز قيمته» لكن كتب فوق كلمة «الولد» كلمة «أمّ» مع علامة «ظاهرا». ولم يتّضح أنّ الصادر من قلم شيخنا الأعظم قدس‌سره هو «نقل الولد» أو «نقل أمّ الولد».

واختلفت أنظار أعلام الشراح والمحشين في ما هو الأرجح في ضبط العبارة. فمنهم من اعتمد على نسخة «ولو نقل المالك أمّ الولد» فشرح العبارة أو اعترض عليها (١). ومنهم من جعل الأنسب بما ذكره المصنف قدس‌سره في ضابط الكشف الحكمي هو نسخة «ولو نقل المالك الولد» (٢).

وكيف كان فينبغي توضيح المتن بناء على كلتا النسختين ، ثم التعرض في التعليقة لما يظهر بالتأمل في كلمات المصنف ، فنقول وبه نستعين :

أمّا بناء على نسخة «أمّ الولد» فتظهر الثمرة بين الكشف الحقيقي والحكمي ، لو نقل السّيد أمّ الولد عن ملكه ببيع أو هبة قبل أن يجيز عقد الفضولي ، ثم أجازه. فبناء على الكشف الحقيقي يحتمل كل من صحة هذا النقل وبطلانه ، وبناء على الكشف الحكمي يصح نقلها كما يصح بيعها فضوليا بالإجازة.

وليعلم ـ قبل تقريب الصحة والبطلان ـ أنّ محلّ الوجوه المزبورة هو جهل سيّد الأمة ـ حين نقل أمته ـ بأنّها بيعت فضولا ، إذ لو كان عالما ببيعها فضولا كان نقلها إلى الغير بهبة أو ببيع ردّا لذلك البيع الفضولي.

وبعد وضوح محل النزاع نقول : بناء على الكشف الحقيقي يحتمل أمران بطلان النقل وصحته.

__________________

(١) لاحظ : غاية الآمال ، ص ٣٨٠ ، حاشية السيد ، ج ١ ، ص ١٥٤ ، منية الطالب ، ج ٢ ، ص ٢٤٣ ، واحتمل الميرزا النسخة الأخرى ، لكن المستفاد منه ترجيح كون المنقول هو الأم ، حاشية المكاسب للمحقق الايرواني ، ج ١ ، ص ١٢٩.

(٢) حاشية السيد الاشكوري ، ج ١ ، ص ٨٦ ، حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني ، ج ١ ، ص ١٥١

٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الاحتمال الأوّل وهو بطلان النقل ، فلأنّ الإجازة المتأخرة كشفت عن دخول أمّ الولد في ملك من اشتراها من الفضولي من حين بيعها منه ، فنقل السيد لها نقل لمال الغير ، وهو غير نافذ إلّا بإجازته.

وأمّا الاحتمال الثاني ـ وهو صحة نقل السيد لامّ الولد ، وبطلان الإجازة المتأخرة ـ فلأنّ الأمة تكون ملكا لسيّدها قبل إجازة بيعها فضولا ، ولم يتعلّق بها بعد حقّ مانع من نفوذ نقله ، فلا يبقى موضوع للإجازة ، لما سيأتي في ثالث تنبيهات الإجازة (في ص ١٨١) من توقف تأثير الإجازة على عدم تخلّل ردّ المالك بين العقد الفضولي وبين إجازته. كما سيأتي أيضا في أحكام الرّد إنشاء الرّد بكلّ من القول والفعل. فراجع (ص ٤٤٥ ـ ٤٤٦).

وبناء عليه يحتمل كون نقل أمّ الولد ردّا لذلك البيع الفضولي ومفوّتا لمحلّ الإجازة ، ومن المعلوم أنّ الرّد الفعلي كالقولي في عدم بقاء موضوع الإجازة. هذا بناء على الكشف الحقيقي.

وأمّا بناء على الكشف الحكمي فيصحّ نقل أمّ الولد. لبقائها على ملك سيّدها ، فإذا أجاز بيعها فضولا فقد تملّك ثمنها بإجازته ، فيتحقق عقدان صحيحان. ولمّا لم يتمكن السيد من الوفاء بكلا العقدين ـ لكون المنقول والمبيع واحدا شخصيا وهو الأمة ـ تعيّن تسليم العين للمشتري من الفضولي ، ودفع قيمتها إلى من نقلها السيد اليه.

أمّا تسليم الأمة للمشتري من الفضولي فلأنّه مقتضى تنفيذ بيع الفضولي بإجازته ، وصيرورة ذلك البيع مضافا إلى نفس السيد بالإجازة المتأخرة.

وأمّا تسليم القيمة إلى الثاني ، فلكونه مقتضى صحة نقله الواقع قبل حكم الشارع بصيرورة الأمة ملكا للمشتري من الفضولي ، ومن المعلوم أنّه عند تعذر تسليم العين لصاحبها يلزم ردّ البدل وهو المثل في المثلي والقيمة في القيمي.

ونظير هذه المسألة ـ من الحكم بصحة البيع الفضولي ونقل المالك ، وتسليم العين لأحد المشتريين والبدل إلى الآخر ـ هو تصرّف من عليه الخيار في المبيع الخياري بناقل لازم إذا فسخ ذو الخيار بعد ذلك ، حيث إنّهم حكموا بصحة ذلك التصرف الناقل كحكمهم بصحة الفسخ ، واشتغال ذمة من عليه الخيار بالبدل ، وسيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.

هذا توضيح الثمرة بناء على كون المنقول هو الأمّ المبيعة فضولا.

٨٥

قبل الإجازة (١) ، فأجاز ، بطل (٢) النقل على الكشف الحقيقي ، لانكشاف وقوعه (٣) في ملك الغير. مع احتمال (٤) كون النقل بمنزلة الرد. وبقي (٥) صحيحا على الكشف

______________________________________________________

وأمّا بناء على نسخة «ولو نقل الولد» فتوضيح الثمرة : أنّه بناء على الكشف الحقيقي يبطل نقل الولد ، إذ الإجازة المتأخرة كشفت عن كون الأمة وولدها ملكا للمشتري من الفضولي ، لتبعية النماء للعين ، فهو ملك الغير ، ونقل مالك الأمة له ـ قبل الإجازة ـ تصرّف في ملك الغير.

وبناء على الكشف الحكمي يصحّ نقل الولد ، لأنّه نماء ملكه ، ولم يتعلق به حق أحد بعد. ولكن حيث أجاز البيع الأمة فضولا فقد أتلف على المشتري نماءها ، فيضمن المالك بدله ، فيجب دفع قيمة الولد إلى المشتري من الفضولي.

فإن قلت : لم لا يكون نقل الولد ردّا فعليا لبيع الأمة؟ حتى لا يبقى محل لإجازة البيع ، ولا موضوع لدفع البدل إلى المشتري.

قلت : لا يكون نقل الولد منافيا لإجازة بيع الأمة ، لأنّ مصبّ البيع الفضولي هو نفس الأمة لا نماؤها ، فالإجازة والردّ يتعلقان بمورد ذلك البيع ، لا بما هو خارج عنه. وعليه فنقل الولد لا يزاحم إجازة بيع الامّ ، ويتجه حينئذ وجوب دفع قيمته إلى المشتري ، فيمكن الالتزام بصحتهما معا.

(١) أي : قبل أن يجيز المالك بيع أمته فضولا.

(٢) جواب «ولو نقل» أي : بطل النقل الذي أنشأه مالك الأمة بناء على الكشف الحقيقي. والمراد بالبطلان كونه فضوليا موقوفا على إجازة المشتري من الفضولي ، وليس المراد بطلان النقل رأسا وخروجه عن قابلية الصحة حتى لو أجاز المشتري.

(٣) أي : وقوع نقل السيد ـ للأمة ـ في ملك الغير ، وهذا الغير هو المشتري من الفضولي.

(٤) تقدم توضيح هذا الاحتمال بقولنا : «ويحتمل كون نقل الامّ ردّا لذلك البيع الفضولي ..».

(٥) معطوف على «بطل» يعني : أنّ النقل الصادر من المالك باطل على الكشف الحقيقي وصحيح على الكشف الحكمي ، لبقاء المال المبيع فضولا على ملكه ، فوقع النقل في ملكه.

٨٦

الحكمي ، وعلى المجيز (١) قيمته (٢) [قيمتها] لأنّه (٣) مقتضى الجمع (*) بين جعل

______________________________________________________

(١) وهو المالك الأصيل المجيز لبيع الفضولي بعد نقل أمّ الولد عن ملكه إلى الغير.

(٢) اختلفت النسخ في ضبط هذه الكلمة أيضا ـ كما أشرنا إليه ـ ففي كثير منها «قيمته» وهو يناسب كون مصبّ الثمرة نقل الولد. لكنها صحّحت ب «قيمتها» ليناسب كون المنقول هو الامّ ، لا الولد.

(٣) أي : لأنّ ثبوت قيمة أمّ الولد على المالك هو مقتضى الجمع بين جعل عقد الفضولي ماضيا ونافذا من حين وقوعه ، وبين صحة نقل المالك الأصيل أمّ الولد الذي وقع قبل حكم الشارع بنفوذ بيع الفضولي ، فإنّ مقتضى الجمع بين صحة عقد الفضولي وبين صحة النقل المزبور هو تسليم أمّ الولد إلى المشتري الثاني الذي

__________________

(*) هذا التعليل يناسب كون المنقول هو الأمّ ، فإنّ الولد وإن كان تابعا لأمّه في الملكية ـ لتبعية النماء للعين ـ إلّا أنّ الجمع بين مقتضى الكشف الحكمي وصحة النقل يقتضي كون موضوع البيع الفضولي ونقل المالك واحدا حتى يجمع بينهما ، إذ لو كان المنقول هو الولد ، والمجاز بيع امّه ، لم يكن تناف بينهما ، بل المتعين دفع قيمة الولد ، لكون نقله إتلافا له على مالكه.

وكذا ما تقدم من قوله : «مع احتمال كون النقل بمنزلة الردّ» يلتئم أيضا مع كون المنقول هو الامّ ، لما سيأتي بعد أسطر من أنّ التصرف المنافي للبيع الفضولي المفوّت لمحلّ الإجازة يكون ردّا فعليا للعقد ، ومن المعلوم أنّ مورد الإجازة والرد هو بيع الأمة ، فلو كان المنقول هو الولد لم يكن منافيا لبيع الامّ ، وإنّما يجب عليه البدل ، لكون هذا النقل إتلافا لنماء العين التي تترتب عليها أحكام الملك من زمان العقد. ولو كان المنقول هو الامّ كان ردّا لبيع الفضول.

ولعلّ الأكثر لأجل هاتين الجملتين التزموا بأنّ المنقول هو الأمّ.

إلّا أن الظاهر من التعليل الآتي في قوله : «وضابط الكشف الحكمي ..» كون المنقول هو الولد لا الام. قال المحقق الأصفهاني قدس‌سره : «وهذا ـ أي كون المنقول الولد ـ هو الأنسب بما صرّح به على الكشف الحكمي من أنّه لا موقع للإجازة وترتيب الأثر مع تفويت محلّ

٨٧

العقد ماضيا من حين وقوعه (١) ، وبين مقتضى صحّة النقل الواقع قبل

______________________________________________________

اشترى أمّ الولد من مالكها الأصيل ، وإعطاء قيمتها إلى المشتري الذي اشتراها من البائع الفضولي.

وما نحن فيه نظير بيع من عليه الخيار ـ كمن يشتري دكّانا مثلا بثمن معيّن ـ مع جعل الخيار للبائع في مدة معينة ، ثم يبيع المشتري ـ الذي عليه الخيار المجعول للبائع ـ ذلك الدّكان في زمان الخيار بيعا لازما ، فإنّ على المشتري الذي عليه الخيار أن يدفع قيمة الدكان الذي باعه ، إلى من له الخيار ، لأنّ بيع من عليه الخيار المتعلق الخيار إتلاف له على من له الخيار ، فعليه دفع قيمته إلى ذي الخيار.

هذا وجه صحة كلّ من البيع الفضولي بالإجازة ، ونقل المالك للأمّ إلى شخص آخر ، ووجوب دفع قيمتها إلى الأوّل.

وإن كان المنقول هو الولد فوجوب دفع قيمته أوضح وجها ، وقد تقدم بيانه (في ص ٨٦) بقولنا : «وبناء على الكشف الحكمي يصح نقل الولد ، لأنه نماء ملكه .. إلخ».

(١) لا يخفى اقتضاء جميع أقسام الكشف جعل العقد ماضيا من حين وقوعه ، في

__________________

الإجازة شرعا أو عقلا ، فإنّ الجارية محلّ الإجازة ومورد العقد ، فلا ملك للمجيز حال إجازته حتى يجيز ، ويجب ترتيب آثار العقد الصحيح من الأوّل. بخلاف نقل الولد أو مطلق نمائه ، فإنّه ليس مصبّا للعقد وموردا للإجازة ، فتصحّ الإجازة ، ويرجع بالإضافة إلى منافعه ونمائه إلى البدل. ومن المعلوم أنّ مورد الكشف الحقيقي والحكمي أمر واحد ، وليس هو إلّا الولد ..» (١).

وما أفاده قدس‌سره ـ من اقتضاء كلام المصنف في ضابط الكشف الحكمي كون المنقول هو الولد ـ متين جدّا ولا غبار عليه. إلّا أنّه لا يلتئم مع الجملتين المتقدمتين الظاهرتين في كون المنقول هو الأمّ. فالإنصاف عدم خلوّ العبارة في بيان هذه الثمرة ـ من تشويش ، وهو أعلم بما أفاد.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٥١.

٨٨

حكم الشارع (١) بهذا الجعل. كما في الفسخ بالخيار مع انتقال متعلّقه بنقل لازم (٢) (*).

______________________________________________________

قبال النقل. ولمّا كان المقصود ترتيب الثمرة على الكشف الحكمي ، فلا بدّ من أن يراد من قوله : «جعل العقد ماضيا من حين وقوعه» الحكم بترتيب آثار الملكية من حين العقد ، في قبال الكشف الحقيقي الموجب لاعتبار نفس الملكية من زمان العقد.

(١) إذ لو وقع النقل بعد حكم الشارع بنفوذ عقد الفضولي فلا إشكال في بطلانه ، لوقوعه في ملك الغير ، حيث إنّ الإجازة ـ سواء أكانت كاشفة بأنحاء الكشف ، أم ناقلة ـ أوجبت ملكية المبيع فضولا لمن اشتراه من البائع الفضولي ، فالمالك الأصيل صار أجنبيا عن المبيع ، بحيث لا سلطنة له على نقله إلى الغير.

(٢) إذ لو كان بنقل جائز جاز لذي الخيار فسخه ، لأنّ النقل الجائز لا يسقط الخيار.

__________________

(*) الظاهر صحة النقل حتى على الكشف بجميع أنحائه ، إلّا بناء على كفاية الرضا التقديري وكون الإجازة كاشفة عنه.

توضيحه : أنّه بناء على النقل وقع نقل المالك الأصيل في ملكه ، فلا مانع من صحته ، إذ بيع الفضولي لا يترتب عليه أثر قبل إجازة المالك ، والمفروض عدم حصولها قبل النقل ، فيصحّ نقل المالك ، لوقوعه في ملكه ، ويكون رافعا لموضوع الإجازة.

وبناء على الكشف بأقسامه ـ سوى كفاية الرضا التقديري ـ يصح أيضا نقل المالك ، وذلك لأنّ صحة عقد الفضولي منوطة بإجازة المالك المنوط نفوذها ببقاء مالكيته حين الإجازة. وحيث إنّ النقل لم يكن نفوذه مشروطا بشي‌ء ، فحين وقوعه أثّر وخرج المبيع عن ملكه ، ولا يبقى معه موضوع للإجازة.

وإن شئت فقل : إنّ نفوذ عقد الفضولي مشروط بالإجازة من مالك أمر هذا العقد ، ونقل المالك الأصيل للمبيع فضولا إلى غير من اشتراه من البائع الفضولي أخرجه عن ملكه ، وجعله أجنبيا عن المبيع ، فلو أجاز بعد هذا النقل وقع هذه الإجازة في غير ملكه ، فلا تنفذ ، وتكون كالعدم.

والحاصل : أنّ صحة عقد الفضولي معلّقة على تقدير ، ونقل المالك يهدم ذلك

٨٩

.................................................................................................

__________________

التقدير ، وهو إجازته حين كونه مالكا ، فإنّ نقله ـ حيث إنّه مطلق غير معلّق على شي‌ء ـ أوجب خروج المبيع عن ملكه ، ودخوله في ملك من اشتراه منه ، وعدم صلاحيته لأن يصير ملكا لمن اشتراه من البائع الفضولي.

نعم بناء على كفاية الرضا التقديري ـ وجعل الإجازة طريقا محضا إلى ذلك الرضا ـ يشكل صحة نقل المالك الأصيل ، إذ المفروض انتقال المبيع فضولا إلى من اشتراه من العاقد الفضولي ، فيقع نقل المالك في غير محلّه ، لوقوعه في غير ملكه.

لكن المبنى فاسد ، لما مرّ سابقا ، كفساد طريقية الإجازة وأماريتها على الرضا وطيب النفس من دون دخل لنفس الإجازة ، إذ لازمه خروج صورة العلم برضا المالك عن عقد الفضولي ، وهو خلاف مذهبهم من كونه من صغريات عقد الفضولي.

وقد ظهر ممّا ذكرنا ـ من رافعية نقل المالك الأصيل للمبيع فضولا لموضوع الإجازة ـ عدم اجتماع عقدين وتزاحمهما حتى نحتاج إلى الجمع بينهما بتسليم عين الأمة إلى من اشتراها من مالكها ، ودفع قيمتها إلى من اشتراها من الفضولي.

وبالجملة : تصرف المالك الأصيل في ماله الذي بيع فضولا قبل إجازته رافع لموضوع الإجازة ، حيث إنّ الإجازة منوطة بمالكية المجيز لأمر العقد ردّا وإجازة حين الإجازة ، وتصرفه فيه قبل الإجازة رافع لموضوعها.

وقياس المقام بفسخ من له الخيار لمتعلّق العقد الخياري ـ بعد نقل من عليه الخيار ـ في غير محلّه ، لأنّ لذي الخيار حقّا في متعلقة ، فليس لمن عليه الخيار نقله ، فإذا نقله فقد أتلف متعلق حق ذي الخيار ، فيضمن بدله. وهذا بخلاف المقام ، فإنّ المالك مسلّط على ماله ، فتصرفه فيه نافذ بلا مانع.

هذا مضافا الى ما أفيد من «أن الفسخ متعلق بالعقد من حينه لا من حين العقد ، والإجازة متعلقة به من حينه على الكشف ، لا من حينها» (١).

وحاصل الكلام : أنّ النقل إمّا يقع قبل الإجازة ، وإمّا يقع بعدها. وعلى التقديرين إمّا تكون الإجازة كاشفة أو ناقلة.

__________________

(١) نهج الفقاهة ، ص ٢٣٧.

٩٠

وضابط (١) الكشف الحكمي الحكم بعد الإجازة بترتّب آثار ملكية المشتري من حين العقد ، فإن ترتّب شي‌ء من آثار ملكية المالك قبل إجازته ـ

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّه قدس‌سره أراد من بيان هذا الضابط ـ مع عدم كونه من الثمرات المترتبة على الكشف والنقل ـ تعليل ما ذكره من الحكم بصحة البيع الفضولي والنقل بناء على الكشف الحكمي. وبيانه : أنّ تصرف المالك قبل الإجازة يكون على صورتين :

إحداهما : أن لا يكون التصرف منافيا لإجازة البيع الفضولي. ومثّل له بإتلاف نماء

__________________

فإن وقع النقل بعد الإجازة ، فلا أثر له أصلا ، سواء أكانت الإجازة كاشفة أم ناقلة كما هو واضح.

وإن وقع النقل قبل الإجازة ، فإن قلنا بناقليتها فلا ينبغي الإشكال في جواز النقل تكليفا ووضعا ، لوقوعه في ملكه.

وإن قلنا بكاشفيتها ، فالمصنف قدس‌سره ذهب إلى الجمع بين نقل المالك وبين مقتضى الإجازة بالرجوع إلى البدل ، فإنّ صحة النقل والإجازة تقتضي الرجوع إلى بدل الأمة لمن اشتراها من الفضولي ، لأنّ مالكها الأصيل جعلها بسبب نقلها كالتالف ، فيضمن المالك قيمتها له ، ويدفع الأمة إلى المشتري الذي اشتراها من نفسه. نظير بيع من عليه الخيار للمبيع في زمن الخيار ، في لزوم دفع قيمة المبيع إلى ذي الخيار.

لكن قد عرفت في صدر التعليقة صحة النقل الواقع قبل الإجازة مطلقا.

أمّا بناء على النقل فواضح ، لوقوع النقل في ملك مالكه لأذى له سلطنة تامة على ماله. وأمّا على الكشف بأقسامه سوى كفاية الرضا التقديري ـ فلتوقف تأثير الإجازة في العقد وتنفيذها له على اعتبارها المنوط بعدم تصرف المالك في المال الذي وقع عليه عقد الفضولي. ومع تصرّفه فيه لا يبقى موضوع للإجازة ، سواء التفت المالك إلى عقد الفضولي أم لا. غاية الأمر أنّ تصرفه فيه مع الالتفات ردّ لعقد الفضولي ، وبدون الالتفات مفوّت لموضوع الإجازة ورافع له.

نعم في صورة كفاية الرضا التقديري في الكشف لا يصحّ النقل ، لوقوعه في ملك الغير ، وهو من اشتراه من العاقد الفضولي.

٩١

كإتلاف (١) النماء ونقله ولم يناف الإجازة ـ جمع (٢) بينه (٣) وبين مقتضى الإجازة

______________________________________________________

المبيع ، وبنقله إلى الغير ، ثم تنفيذ البيع الفضولي. وفي هذه الصورة يجمع بين صحة البيع والتصرف في النماء ، فتترتب بالإجازة آثار ملكية المشتري من الفضولي من حين شراء الأمة ، ويحكم بتبعية النماء للعين ، وبصحة نقل النماء أيضا ، ويضمن قيمته للمشتري من الفضولي ، لكون نقله بحكم الإتلاف.

وثانيتهما : أن يكون تصرف المالك منافيا لإجازة البيع الفضولي ، كما إذا تصرّف في نفس المبيع ، بأن أعتق الأمة أو باعها من شخص آخر ، فإنّ هذا النحو من التصرف مزيل لموضوع الإجازة ومفوّت لمحلّها ، فيبطل البيع الفضولي ، ويصح تصرف المالك بالنقل أو بالعتق.

وهذا التفصيل بين الصورتين قد أفاده في مباحث الرد كما سيأتي إن شاء الله تعالى في (ص ٤٤٦) وهو يناسب كون المنقول هو الولد لا الامّ.

والوجه في كون هذا التفصيل أنسب بنسخة «ولو نقل المالك الولد» هو : أنّه بناء على الكشف الحكمي لا منافاة بين تصرف المالك في نماء المبيع فضولا وبين إجازة البيع ، فيصحّ بيع الامّ ، ويصح نقل الولد أيضا ، لكنه يوجب الانتقال إلى البدل. بخلاف التصرف في نفس المبيع ، فإنّه مفوّت لمحل الإجازة ومبطل للعقد الفضولي رأسا.

وبناء على الكشف الحقيقي لا يصح نقل الولد ، لأنّ الإجازة اللّاحقة كشفت عن كونه ملكا للمشتري الأوّل تبعا للأمة ، فنقله إلى الثاني تصرف في مال الأوّل ، فإن أجاز صحّ ، وإلّا وقع باطلا. هذا توضيح ما أفاده في ضابط الكشف الحكمي.

(١) يعني : أنّ إتلاف نماء الملك ونقل النماء إلى الغير يكون جائزا لكلّ مالك بمقتضى سلطنته على شؤون ماله ، وهذا المقدار غير مناف لإجازة بيع العين فضولا ولا مفوّت لمحلّها.

(٢) جواب الشرط في قوله : «فإن ترتّب شي‌ء». ووجه تعيّن الجمع بين صحّة بيع العين وجواز تصرف المالك في النّماء هو : إعمال كلّ من دليل نفوذ البيع الفضولي بالإجازة ، ودليل سلطنة المالك ، وقاعدة الضمان بالإتلاف وشبهه.

(٣) أي : بين الشي‌ء الذي هو من آثار ملكية المالك الأصيل ـ كإتلاف النماء ونقله ببيع وصلح ونحوهما ـ وبين مقتضى الإجازة.

٩٢

بالرجوع (١) إلى البدل. وإن (٢) نافى الإجازة ـ كإتلاف العين عقلا أو شرعا كالعتق ـ فات (٣) محلّها (*).

______________________________________________________

(١) متعلق ب «جمع» يعني : أنّ الرجوع ببدل المنقول هو مقتضى الجمع بين صحة النقل والإجازة.

(٢) معطوف على «لم يناف» يعني : وإن ترتّب شي‌ء من آثار ملكية المالك ونافى ذلك الترتب إجازة المالك لبيع الفضولي ، فقد فات محلّ الإجازة ، ويبطل البيع.

ومثال التصرّف المفوّت لمحلّ الإجازة إتلاف العين المبيعة فضولا ، إمّا إتلافا حقيقيا بإعدامها عن صفحة الوجود. وإمّا إتلافا شرعيا ، ومثّل له المصنف هنا بعتق المملوك ، لامتناع ردّه إلى الرقية بعد تحرّره. ولكن لا خصوصية في العتق ، بل المراد من التصرف المفوّت لمحلّ الإجازة ـ كما صرّح به في مباحث الردّ ـ هو كلّ فعل مخرج عن ملكه كالبيع والهبة.

وكذا الفعل المنافي لتأثير الإجازة في صحة العقد من حينه ، كما إذا بيعت أمته فضولا ، ثمّ زوّجها المالك ، ثمّ أجاز ذلك البيع ، فإنّ التزويج وإن لم يكن إخراجا عن الملك لكنه ينافي انتقال الأمة إلى المشتري من حين العقد.

ولا بدّ أن يكون مراده هنا من الإتلاف الشرعي ما يعمّ مثل البيع والهبة ، إذ الكلام في صحة نقل المالك ، ومنافاته للإجازة.

وقد تحصل ممّا أفاده بقوله : «وضابط الكشف الحكمي» أنّ تصرف المالك إن كان في نماء المبيع فضولا ، لم يكن منافيا لإجازة بيع العين ذات النماء. وإن كان في نفس العين المبيعة فضولا كان ردّا فعليا للبيع ، ورافعا لموضوع الإجازة.

(٣) جواب الجملة الشرطية ، وهي «وإن نافى».

__________________

(*) أورد غير واحد على جعل إتلاف العين عقلا أو شرعا منافيا للإجازة : بأنّه ما الفرق بين إتلافها كذلك ، وبين نقل المالك العين عن ملكه قبل الإجازة ، حيث حكم هناك بصحة الإجازة واستحقاق المشتري للبدل ، وحكم هنا ببطلان الإجازة ، وجعل استحقاق البدل احتمالا (١).

__________________

(١) حاشية السيد الطباطبائي ، ج ١ ، ص ١٥٤ ، حاشية المكاسب للمحقق الايرواني ، ج ١ ، ص ١٢٩.

٩٣

مع احتمال (١) الرجوع إلى البدل ،

______________________________________________________

(١) يعني : كما تقدم من تعيّن الرجوع إلى بدل النماء ، فكذلك يحتمل الرجوع إلى

__________________

أقول : المناقشة بالتنافي بين كلامي المصنف قدس‌سره قد أوردها الفقيه المامقاني قدس‌سره على المتن أيضا ، لكنه دفعها ببيان الفارق بين نقل الأمة إلى الغير وبين عتقها ، بمنع كون البيع إتلافا شرعا ، لإمكان إعادة المبيع إلى الملك بالفسخ والإرث والنقل الجديد كالهبة والشراء ، ونحوها ، فلا يكون نقلها إتلافا. بخلاف العتق ، لعدم كونه مجرّد إخراج العين عن الملك حتى يتحد حكمه مع البيع ، بل فيه زيادة عليه ، وهي امتناع إعادة المعتق إلى الرّقيّة شرعا ، فلذا يكون عتق الأمة إتلافا مفوّتا لمحلّ الإجازة. بخلاف نقلها ، لإمكان الجمع بين تنفيذ البيع الفضولي ونقلها إلى الآخر بتسليم العين إلى المشتري من المالك ، وتسليم البدل إلى المشتري من الفضولي ، هذا (١).

لكن الظاهر عدم اندفاع التهافت بين كلامي المصنف بهذا البيان ، وذلك لأنّه ـ مضافا إلى تصريح المصنف قدس‌سره في أحكام الردّ بأنّ وزان البيع والهبة وزان العتق في تفويت محلّ الإجازة ، ومنافاة كل منها لصحة البيع الفضولي ـ ينافي تنظيره وجوب دفع القيمة بناء على الكشف الحكمي بالفسخ بالخيار مع انتقال متعلقة بعقد لازم ، فإنّ هذا التنظير قرينة على أنّ مراده بالإتلاف الشرعي ليس خصوص العتق ، بل كل ما يخرج المبيع فضولا عن الملك ، وإلّا لم يكن وجه للانتقال إلى البدل ، إذ لو أجاز المالك بيع أمته فضولا لم تصل النوبة إلى دفع بدلها إلى المشتري ، بل أمكن تكليف المالك بفسخ النقل الثاني ، بالإقالة أو الاتّهاب ، أو شرائها منه ليسلّمها إلى المشتري من الفضولي.

فحكمه قدس‌سره بصحّة النقل ، والانتقال إلى البدل ، وعدم إلزامه بإعادتها في ملكه لا يتمشّى إلا بجعل الإتلاف أعمّ من العتق ومن النقل اللازم.

وعليه فالظاهر عدم خلوّ كلمات المصنف قدس‌سره من التهافت ، ولذلك قلنا إنّ ما أفاده في دفع القيمة يناسب كون النسخة «نقل الامّ» وما أفاده بقوله : «وضابط الكشف الحكمي ..» يناسب نقل الولد. وهو أعلم بما قال.

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٣٨٠.

٩٤

وسيجي‌ء (١).

ثم إنّهم ذكروا للثمرة بين الكشف والنقل مواضع (٢):

______________________________________________________

البدل في التصرف المنافي للإجازة. وعليه فيصح نقل المالك في كلتا الصورتين ، وهما التصرف في العين والنماء ، ولا يفوت محلّ الإجازة لو تصرف في العين ، بل يرجع إلى البدل.

ولا يخفى أنّ هذا الاحتمال غير معتنى به ، ولذا لم يذكره في مباحث الرد ، وجزم هناك بانّ التصرف في العين ردّ فعليّ للبيع الفضولي.

(١) يعني : وسيجي‌ء في أحكام الرد تفصيل الكلام في التصرف المنافي المفوّت لمحلّ الإجازة ، حيث قال : «وكذا يحصل ـ يعني الردّ ـ بكلّ فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف وشبههما كالعتق والبيع والهبة والتزويج ونحو ذلك .. وأمّا التصرف غير المخرج عن الملك كاستيلاد الجارية وإجارة الدار وتزويج الأمة فهو وإن لم يخرج الملك عن قابلية وقوع الإجازة عليه ، إلّا أنه مخرج له عن قابلية وقوع الإجازة من زمان العقد .. إلخ» فراجع (ص ٤٤٦ و ٤٤٧).

وكيف كان فلم يتعرّض المصنف هناك لاحتمال الرجوع إلى البدل ، بل جزم بكون التصرف المنافي ردّا فعليا لعقد الفضولي.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية المتكفلة للثمرة بين الكشف الحقيقي والحكمي. وسيأتي الكلام في الثمرة بين الكشف والنقل.

ثمرات الكشف والنقل

(٢) ذكرنا في (ص ٧٥) أنّ المقام الثاني من مباحث الإجازة ـ يتكفل بيان ثمرات الكشف والنقل ، وتقدم الكلام في جهتين ، وهما ثمرة قسمي الكشف الحقيقي ، وثمرة الكشف الحقيقي والحكمي. ويقع الكلام في الجهة الثالثة ، وهي ثمرات الكشف ـ مطلقا ـ والنقل ، وجملتها مذكورة في الجواهر وفي شرح القواعد أيضا. وقدّم المصنف قدس‌سره ثمرات ثلاث معروفة ، ثم تعرض لثمرات اخرى ذكرها كاشف الغطاء قدس‌سره وتبعه في أنوار الفقاهة وكشف الظلام.

٩٥

منها (١) : النماء ، فإنّه على الكشف بقول مطلق (٢) لمن انتقل إليه العين ، وعلى النقل لمن انتقلت عنه (٣).

وللشهيد الثاني في الروضة عبارة (٤) ،

______________________________________________________

الاولى : النماء

(١) أي : من تلك المواضع التي ذكروها للثمرة بين الكشف والنقل.

(٢) أي : بأقسامه الثلاثة المذكورة سابقا في كلام المصنف قدس‌سره من الكشف الحقيقي ، مع كون الشرط فيه نفس الإجازة بناء على إمكان الشرط المتأخر. ومن الكشف الحقيقي مع كون الشرط فيه الوصف المنتزع وهو التعقب. ومن الكشف الحكمي الذي هو نقل حقيقي وكشف حكمي ، أعني به القول بانتقال النماء إلى المشتري ، مع القول ببقاء الملك على ملك مالكه إلى زمان الإجازة.

ومحصل هذه الثمرة هو : أنّ النماء على القول بالكشف ـ مطلقا ـ يكون لمن انتقل إليه العين بالعقد الفضولي.

وعلى القول بالنقل يكون لمن انتقل عنه وهو المالك الأصلي ، إذ لم يترتب أثر على العقد الفضولي حتى يكون النماء لمن انتقل إليه.

(٣) لأنّه نماء ملكه.

(٤) مبتدء مؤخر ، وخبره «وللشهيد الثاني» وعبارة الرّوضة هي «وتظهر الفائدة في النماء. فإن جعلناها كاشفة فالنماء المنفصل المتخلل بين العقد والإجازة الحاصل من المبيع للمشتري ، ونماء الثمن المعين للبائع. ولو جعلناها ناقلة فهما للمالك المجيز» (١).

ولمّا كان قوله : «فهما للمالك المجيز» مخالفا لما تسالموا عليه ـ من أنّ نماء كل واحد من العوضين تابع لأصله ، وهو لمالكه ـ فلذا أشار إليه المصنف قدس‌سره ، وأنّه لا بدّ من توجيهه بما يطابق القاعدة. وقد وجّهه المحقق الخوانساري قدس‌سره بوجوه ثلاثة ، حكم على الأوّل منها بالتكلف ، على الثاني بالبعد ، وعلى الثالث بالإشكال. ووجّهه السيد الفقيه العاملي قدس‌سره بوجه آخر.

__________________

(١) الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وينبغي نقل كلام الفقيهين ، ثم النظر في أولوية أحدهما من الآخر ، فنقول : قال المحقق الخوانساري ـ بعد شرح عبارة الروضة ـ ما لفظه : «فقوله : ـ فهما للمالك المجيز ـ كما ترى ، إلّا أن يفرض كون العقد فضوليا من الطرفين ، ويكون المراد بكونهما للمالك المجيز كون كل منهما لمالك أصله المجيز. وفيه تكلف.

أو يقال : إنّ المراد أن كلّا منهما للمالك المجيز ولو في صورتين. فنماء المبيع للبائع عند كونه فضوليا من قبله ، ونماء الثمن للمشتري إذا كان فضوليا من قبله. ولم يتعرّض لنماء الطرف الآخر ، لظهوره بالمقايسة. ولا يخفى بعده.

ويمكن أن يقال في صورة كون أحد الطرفين فضوليا : إنّ الطرف الآخر قد رضي وأجاز من حين العقد ، فوقع الانتقال من طرفه ، وإنّما يبقى التزلزل من الطرف الآخر ، فلا ينتقل منه إلّا بعد الإجازة ، وحينئذ فيكون نماء كل منهما قبل الإجازة للمالك المجيز. وفيه إشكال .. إلخ» (١).

وقال السيد العاملي بعد نقل عبارة الروضة : «وفيه خفاء. أمّا نماء المبيع فظاهر. وأمّا الثمن فلأنّه انتقل عن المشتري من حين العقد بقبوله. وتصرف المشتري في ملكه لا يتوقف على إجازة غيره» (٢).

وهذا البيان قريب من الوجه الثالث المتقدم في عبارة المحقق الخوانساري.

وكيف كان فغرض المصنف قدس‌سره ترجيح أوّل الوجوه الثلاثة التي أفادها المحقق الخوانساري ، وهو : أنّ المراد بالمالك كلّي المجيز الذي له فردان ، مع فرض الكلام في كون كلا الطرفين فضوليا. فالنتيجة حينئذ : أنّ نماء المبيع لمالكه الذي من شأنه الإجازة إذا كان الفضولي من طرفه ، ونماء الثمن للمالك الذي من شأنه الإجازة إذا كان الفضولي من طرفه.

والحاصل : أنّ نماء المبيع المتكوّن بين زمان العقد والإجازة ـ بناء على ناقلية الإجازة ـ يكون للبائع الذي هو المالك المجيز إذا كان الفضولي من طرفه. ونماء الثمن

__________________

(١) حاشية الفقيه المحقق جمال الدين على الروضة ، ص ٣٥٨ ، وتجدها أيضا في هامش شرح اللمعة ، طبعة عبد الرحيم ١٣٠٩ ، ج ١ ، ص ٣١٢.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٠.

٩٧

توجيه (١) المراد منها ـ كما فعله بعض ـ أولى من توجيه حكم ظاهرها ، كما تكلّفه (٢) آخر (٣) (*).

______________________________________________________

كذلك يكون للمشتري الذي هو المالك المجيز إذا كان الفضولي من طرفه ، وهذا التوجيه على طبق القاعدة ، إذ بناء على ناقلية الإجازة يكون كل من العوضين مع نمائهما باقيا على ملك مالكه إلى زمان صدور الإجازة.

وأمّا كون هذا التوجيه خلاف ظاهر عبارة الروضة ، فلأنّ ظاهرها كون النماءين كليهما ـ بناء على النقل ـ للمالك المجيز. وهذا الظاهر خلاف القاعدة المقتضية لبقاء كلّ من النماءين ـ تبعا لنفس العوضين ـ على ملك مالكه إلى صدور الإجازة.

(١) مبتدء وخبره «أولى» والجملة صفة للعبارة.

(٢) أي : تكلّف التوجيه بعض آخر وضميرا «منها ظاهرها» راجعان إلى العبارة.

(٣) وهو صاحب مفتاح الكرامة ومن تبعه ، ومحصل ما أفاده في ذلك : أنّه فسّر المالك المجيز بالبائع ، وقال في وجه كون نماء المبيع له «انّه ظاهر» حيث إنّه لم ينقل البائع قبل الإجازة المبيع إلى غيره ، فهو وما يتبعه من النماء باق على ملكه إلى أن يجيز. وأمّا وجه كون نماء الثمن له ، فلأنّ المشتري الذي هو مالك الثمن قد سلّط البائع عليه وعلى ما يتبعه من النماء ، كتسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن مع علم المشتري بغاصبية البائع ، في أنّه هو المسلّط للغاصب على إتلاف الثمن بدون الضمان.

وهذا التوجيه وإن كان إبقاء لظاهر عبارة الشهيد «فهما للمالك المجيز» على حالها ، لكن إرادة رضى المشتري بتصرف البائع في الثمن ونمائه مشكلة ، فإنّ السبب الناقل لم يتم بعد بالنسبة إلى الثمن ، فكيف بنمائه؟ لأنّ قبول المشتري لا يترتب عليه أثر ما لم تتحقق

__________________

(*) ومن الثمرات التي لم يتعرّض لها المصنف ما أفاده الفاضل المامقاني قدس‌سره من : لزوم المعاطاة ، ولغوية رجوع أحد المتعاطيين فيها بناء على كاشفية الإجازة ، وصحة رجوعه وعدم لغويته بناء على ناقليتها (١).

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٣٨٩.

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الإجازة المتأخرة ، والمفروض أنّ الرضا الموجود حين العقد هو الرضا المعاملي ، لا مطلق الرضا بالتصرف ، فتسليم الثمن إلى البائع الفضولي يكون بعنوان الوفاء بالمعاملة.

مضافا إلى : ما أورده المحقق القمي قدس‌سره (١) عليه بأنّه أخصّ من المدّعى من جهتين :

إحداهما : عدم جريانه فيما كان المشتري فضوليا أيضا ، إذ لا أثر لرضاه بالتصرّف في الثمن ونمائه ، ثم أجاز المالكان.

وثانيتهما : اختصاص فرض رضا المشتري بعلمه بكون البائع فضوليا ، إذ يقال بأنّه نقل الثمن إليه مجّانا. ولا يتم في المشتري الجاهل بفضولية البائع ، فإنّه لا ينقل المال إليه إلّا

__________________

توضيح ذلك : أنّه لو اشترى زيد في الساعة الاولى من عمرو بالبيع المعاطاتي ، ثم باع بكر فضولا في الساعة الثانية ذلك الكتاب من بشر ، ثم رجع عمرو في الساعة الثالثة إلى المبيع ، وهو ذلك الكتاب ، ثم أجاز زيد المشتري هذا البيع الفضولي في الساعة الرابعة.

فعلى القول بالكشف صار الكتاب ملكا لبشر في الساعة الثانية قبل رجوع عمرو ، فيلغو رجوعه ، لوقوعه بعد التصرف الملزم للمعاطاة ، وهو بيع بكر فضولا في الساعة الثانية الذي أجازه زيد.

وعلى القول بالنقل يصح رجوع عمرو إلى المبيع ، لوقوع رجوعه قبل التصرّف الملزم للمعاطاة ، لوقوع الإجازة الناقلة للعين بعد رجوع عمرو ، فينحل به البيع المعاطاتي ، ولا أثر للإجازة.

والحاصل : أنّ البيع المعاطاتي يلزم بناء على كاشفية الإجازة ، لصيرورة بيع الفضولي ـ بسبب إجازة زيد المشتري للكتاب بالمعطاة له ـ بيعا لازما ، وتصرفا ملزما موجبا للزوم المعاطاة ، ولغوية رجوع عمرو ، لوقوعه بعد التصرف الناقل الذي هو أحد ملزمات المعاطاة.

وبناء على ناقلية الإجازة يصح الرجوع ، وتنحلّ به المعطاة ، لوقوع إجازة عقد الفضولي بعد بطلان المعاطاة ، وانفساخها برجوع عمرو الذي هو أحد المتعاطيين أي بائع الكتاب.

__________________

(١) جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٥٦ (الطبعة الحجرية) وج ٢ ، ص ٢٨١ الطبعة الحجرية.

٩٩

ومنها (١) : أنّ فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل له (٢) على القول بالنقل دون الكشف (*) بمعنى : أنّه (٣) لو جعلناها ناقلة كان فسخ

______________________________________________________

على وجه المعاوضة التي لم تتحقق بعد ، فالثمن ونماؤه باقيان على ملك المشتري واقعا ، ولا رضا إلّا بالمعاوضة المنتفية حسب الفرض.

فتحصّل مما ذكرناه : أنّه لا بدّ من التصرّف في كلام الشهيد الثاني قدس‌سره ليخرج عن مخالفة المتسالم عليه بينهم من «أنّ نماء المبيع للبائع ، ونماء الثمن للمشتري بناء على كون الإجازة ناقلة».

والأولى حمل العبارة على خلاف ظاهرها بدعوى : أنّ المراد الجدّي هو كون كلا المتعاملين فضوليا. ولولاه يلزم التكلف في إبقاء العبارة على ظاهرها ، مع عدم تمامية توجيه هذا الظاهر في نفسه. هذا تمام الكلام في الثمرة الاولى من ثمرات الكشف والنقل.

الثانية : جواز فسخ الأصيل ، بناء على النقل

(١) أي : ومن المواضع التي ذكروها للثمرة بين الكشف والنقل : أنّ فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر ـ فيما إذا كان أحد المتعاقدين فضوليّا ـ يوجب بطلان العقد بناء على النقل ، دون الكشف ، لأنّه بناء على النقل يكون فسخه مبطلا للعقد ، لما حكي من الإجماع على جواز إبطال أحد المتعاقدين لإنشائه قبل إنشاء الآخر ، بل قبل تمامية شرائط صحة العقد كالقبض في المجلس فيما يعتبر فيه القبض.

وبناء على الكشف لا يكون فسخه مبطلا للعقد ، لكون العقد تامّا من طرف الأصيل وإن كان الآخر مسلّطا على فسخه.

(٢) أي : للعقد ، وضمير «جعلناها» راجع إلى الإجازة.

(٣) الضمير للشأن ، وغرضه من قوله : «بمعنى» تفسير النقل.

__________________

(*) لا يخفى أنّ المسلّم من جواز الإبطال قبل إنشاء الآخر إنّما يكون في مورد عدم صدق العقد عليه ، كإبطال الإيجاب قبل تحقق القبول. وأمّا مع صدق العقد فجواز إبطال إنشائه لفقدان شرط من شرائط الصحة غير معلوم ، لأنّه خلاف إطلاق أدلة الصحة واللزوم ، حيث إنّ إطلاقها الأحوالي يقتضي عدم بطلان إنشاء الأصيل بفسخه قبل إجازة الآخر.

١٠٠