هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّد الانبياء والمرسلين محمّد وآله الطيبين الطاهرين ، لا سيّما الإمام المبين وغياث المضطر المستكين عجّل الله تعالى فرجه الشريف واللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.

٣
٤

القول في الإجازة والرّد (١)

أمّا الكلام في الإجازة فيقع تارة في حكمها وشروطها ، وأخرى في المجيز ، وثالثة في المجاز.

أمّا حكمها فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي ـ بعد اتفاقهم على توقفها

______________________________________________________

القول في الإجازة والرّد

(١) لا يخفى أنّ ما تقدم من مباحث البيع الفضولي ، والقول بصحته ، وتوقفه على الإجازة ناظر إلى تمامية المقتضي لصحته ، في قبال القائلين ببطلانه رأسا ، ولغوية إنشائه. ومن المعلوم توقف صحته الفعلية على إجازة من بيده أمر العقد ، ولذلك تصل النوبة إلى المباحث المتعلقة بالإجازة والرّد. فعلى تقدير الإجازة تنتهي الصحة الاقتضائية إلى الفعلية ، وعلى تقدير الرّد يصير العقد كالعدم.

وقدّم المصنف قدس‌سره الكلام في الإجازة ، وعقد مواضع ثلاثة لاستقصاء جهات البحث فيها ، ففي الموضع الأوّل تعرّض لكونها كاشفة أو ناقلة ، وما يترتب على كل منهما من ثمرات. وفي الموضع الثاني تكلّم عمّا يتعلّق بالمجيز وما يعتبر فيه ، وفي الموضع الثالث بحث عن المجاز عند ما تتعدّد العقود الفضولية على الثمن أو المثمن أو كليهما. وسيأتي الكلام في كلّ منها مفصّلا إن شاء الله تعالى.

وما أفاده في الموضع الأوّل يتضمن مقامات ثلاثة ، أوّلها في حكمها من حيث كونها كاشفة أو ناقلة ، ثانيها في الثمرة بين أنحاء الكشف ، وبين الكشف والنقل ، ثالثها في تنبيهات الإجازة ، وسيأتي البحث عنها بالترتيب إن شاء الله تعالى. والكلام فعلا في المقام الأوّل.

٥

على (١) الإجازة ـ في (٢) كونها كاشفة (٣) بمعنى (٤) أنّه يحكم بعد الإجازة بحصول آثار العقد من حين وقوعه حتّى كأنّ الإجازة وقعت مقارنة للعقد ،

______________________________________________________

الإجازة كاشفة أو ناقلة

(١) هذا من قيود موضوع الإجازة ، إذ لو لم تكن الإجازة مؤثّرة في صحة العقد ـ بأن كان عقد الفضولي باطلا ، وغير قابل للإجازة ـ لم يبق موضوع لهذا البحث. ولذا قال المصنف قدس‌سره : «فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي».

ثمّ إنّ مرجع كاشفية الإجازة إلى اتصال الإجازة المتأخرة بالعقد كاتصال الاذن به ، وإلى فرض تخلّل الزمان بينها وبين العقد كالعدم. ومرجع ناقلية الإجازة إلى اتصال العقد بها.

فالإجازة بناء على الكشف متصلة بالعقد حدوثا كاتصال الإذن به ، فيقع العقد حال الإجازة كوقوعه حال الإذن. وعلى النقل متصلة به بقاء ، فكأنّ الإجازة وقعت حال العقد.

(٢) متعلق بقوله : «اختلف».

(٣) وهو المشهور ، على ما حكي ، وسيظهر قريبا إن شاء الله تعالى.

ثم إن المراد بالإجازة هنا ما يقابل الإذن الذي هو الترخيص في إيجاد فعل من الأفعال التي يترتب عليها أحكام وآثار ، فالإجازة تنفيذ لما وقع سابقا ، فهي متأخرة. وإن كانت قد تستعمل بمعنى الإذن في بعض الموارد ، كما في إجازات نقل الروايات مثل «أجزت له أن يروي عنّي» فإنّ معناه «أذنت له».

وكيف كان فالإجازة والرّد يردان على ما يقبل كليهما ، وهو العقد الصادر من الفضولي

(٤) هذا هو الكشف الحقيقي المترتب على تنزيل الإجازة منزلة الإذن المقارن للعقد ، فكأنّ الإجازة وقعت كالإذن مقارنة للعقد ، فأثّر العقد من حين وقوعه. بخلاف النقل ، حيث إنّ العقد كأنّه وقع حال الإجازة المتأخّرة زمانا ، ولذا يؤثّر من حين حصول الإجازة.

والثمرة بين الكشف والنقل تظهر في النماءات الحاصلة في الزمان المتخلل بين

٦

أو ناقلة (١) ـ بمعنى ترتّب آثار العقد من حينها حتى كأنّ العقد وقع حال الإجازة ـ على (٢) قولين. فالأكثر على الأوّل (٣) (*).

______________________________________________________

صدور العقد والإجازة. فعلى القول بالكشف تكون نماءات كل من الثمن والمثمن لصاحبيهما ، بمعنى كون نماءات المثمن للمشتري ، ونماءات الثمن للبائع ، لصيرورتهما ملكا لهما تبعا للعين حين صدور العقد. وعلى القول بالنقل يكون نماء المثمن للبائع ، ونماء الثمن للمشتري ، تبعا للعينين اللّتين هما باقيتان على ملك البائع والمشتري إلى زمان وقوع الإجازة.

(١) معطوف على «كاشفة». والقائلون بالنقل جماعة ، منهم فخر المحققين والمحقق الأردبيلي والفاضل النراقي قدس‌سرهم ، فإنّهم التزموا بالنقل بعد التنزّل عن مختارهم من بطلان بيع الفضولي رأسا. قال فخر المحققين ـ بعد نقل دليل الكشف والنقل ـ ما لفظه : «والأخير ـ أي النقل ـ هو الأجود إن قلنا بصحة بيع الفضولي ، ومنعه عندي أشبه» (١).

وكذلك اختاره الفاضل الأصفهاني في نكاح الفضولي بقوله : «بل هو ـ أي الإجازة ـ أحد جزئي علّة الإباحة» (٢).

(٢) متعلق بقوله : «اختلف وضمير «حينها» راجع إلى الإجازة.

(٣) وهو الكشف ، بل هو المشهور على ما حكي. وهو «مذهب جماعة» كما حكي عن فخر المحققين (٣) ، أو «مذهب الأكثر» كما في المتن وفاقا للمحقق الأردبيلي وموضع من

__________________

(*) ينبغي التكلم هنا في مقامين : أحدهما : ثبوتي ، والآخر : إثباتي.

أمّا المقام الأوّل فمحصله : أنّه قيل بامتناع كل من الكشف والنقل.

أمّا الأوّل فلاستلزامه كون الإجازة شرطا متأخرا ، وهو محال ، ضرورة كون الشرط من

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤٢٠ ، مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٥٩ ، مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٨٤.

(٢) كشف اللثام ، ج ١ ، كتاب النكاح ، ص ١٧ ، السطر ٢٧ (الطبعة الحجرية).

(٣) نسبه إليه في المناهل ، ص ٢٩٠

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

جامع الشتات (١). أو «أنه الأشهر» كما في الرياض وموضع آخر من جامع الشتات (٢). قال السيد العاملي قدس‌سره : «كما هو ظاهر جماعة وصريح الدروس وحواشي الكتاب واللمعة والتنقيح وجامع المقاصد وإيضاح النافع والميسية والمسالك والروضة والرياض ..» (٣).

__________________

أجزاء العلّة الّتي تقدّمها على المعلول من الواضحات ، وإلّا يلزم تأخّر ماله دخل في وجود المعلول عن المعلول ، وليس هذا إلّا التناقض ، لأنّه يلزم دخل الشرط في وجود المشروط ، وعدم دخله فيه.

وبالجملة يلزم بناء على الكشف وجود المعلول ـ وهو النقل والانتقال في بيع الفضولي ـ قبل شرطه ، وهو الإجازة.

وأمّا الثاني فلاستلزامه تأثير المعدوم ـ وهو العقد ـ في الموجود أعني به الملكية أو النقل. أمّا انعدام العقد حال الإجازة فلكونه متصرم الوجود. وأما تأثيره في الوجود فلأنّ المفروض حصول الأثر وهو النقل والانتقال حال الإجازة الواقعة بعد انعدام العقد. ولا يعقل تأثير العدم في الوجود ، لعدم السنخيّة بينهما.

وهذا من غير فرق بين كون العقد تمام السبب المؤثر في النقل والانتقال ، وبين كونه جزء السبب ، إذ لا بدّ في وجود الأثر من وجود المؤثر مطلقا ، سواء أكان تمام السبب أم جزئه.

ولازم امتناع كل من الكشف والنقل الالتزام ببطلان عقد الفضولي ، وعدم إمكان تصحيحه بالإجازة ، هذا.

ولكن ادّعي وقوع كليهما ـ والوقوع أدلّ دليل على الإمكان ـ فيقع الكلام هنا تارة في الشرط المتأخر ، واخرى في تأثير المعدوم في الموجود.

أمّا الأوّل فحاصل البحث فيه : أنّه قد ادّعي وقوعه في موردين :

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٥٩ ، جامع الشتات (الطبعة الحجرية) ، ج ١ ، ص ١٦٤.

(٢) رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١٣ ، جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٥٥.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٩.

٨

.................................................................................................

__________________

أحدهما : الإجزاء ، كأجزاء العبادات الارتباطية كالصلاة ، فإنّ كلّ واحد من أجزائها جزء في نفسه وشرط لغيره من الأجزاء المتقدمة عليه والمتأخرة عنه. فتكبيرة الإحرام مثلا جزء في نفسها وشرط لما يتعقّبه من الأجزاء. كما أنّ التشهد أيضا جزء في نفسه ، وشرط لما سبقه ويلحقه من الأجزاء. ففي المركبات العبادية الارتباطية يكون كلّ من الشرط المتقدم والمتأخر والوجوب المعلّق موجودا.

وثانيهما : الشرائط ، كشرطية غسل المستحاضة بعد الفجر للصوم ، فإنّ جزءا من صوم النهار يقع قبل الغسل الذي هو شرط ، فيتحقق الشرط بعد المشروط. بل كغسلها الليلي أيضا لصوم النهار الماضي كما عن بعض ، وإن كان هذا القول شاذّا.

وكيف كان فيمكن أن تكون الإجازة في عقد الفضولي من هذا القبيل. وعليه فليست كاشفية الإجازة من المحالات.

أقول : منشأ الإشكال في الشرط المتأخر هو حصول المشروط قبل تحقق شرطه ، بحيث يصح المشروط ويسقط أمره لتحقق المشروط قبل الشرط. وهذا الاشكال لا يندفع مع فرض كون الشرط من أجزاء العلة التي تقدمها رتبة بجميع أجزائها وشرائطها على المعلول من البديهيات. من دون فرق في ذلك بين كون المشروط أمرا خارجيا تكوينيا وأمرا اعتباريا تشريعيا ، مع فرض كون الشرط مؤثّراً في وجود المشروط ، إذ لا يعقل تأخر المؤثر عن المتأثر الضعيف الوجود الذي هو من رشحات فيض وجود المؤثّر. واعتبارية المتأثر لا تسوّغ تأخر المؤثر ، وإلّا يلزم الخلف والمناقضة.

فإذا أناط الشارع وجوب زكاة الأنعام بمضيّ عام عليها اقتضت هذه الإناطة عدم الوجوب قبل مضيّها ، لأنّ تشريع الوجوب قبله يوجب الخلف أي خلاف فرض شرطية مرور العام ، والمناقضة ، وهي دخل الحول في الوجوب وعدم دخله فيه.

والحاصل : أنّ امتناع الشرط المتأخر من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص. ولذا التجأ جماعة إلى جعل الشرط عنوان التعقب ، فالتكبيرة التي يتعقبها القراءة والركوع وغيرهما واجبة ، فالشرط لحوقها بالتكبيرة لا أنفسها. وقالوا : إنّ اللحوق شرط مقارن لا متأخر.

٩

.................................................................................................

__________________

ولعلّ هذا أيضا مقصود صاحب الجواهر من قوله : «ان الشروط الشرعية ليست كالعقلية». لا أنّ الشروط الشرعية يمكن جعلها متأخرة عن المشروطات ، فإنّ ذلك ممّا لا يليق صدوره من هذا العلّامة الكبير.

لكن فيه : أنّ شرطية عنوان اللحوق خلاف ظاهر الأدلة.

إلّا أن يقال : إنّ دلالة الاقتضاء ألجأتهم إلى الالتزام بذلك.

لكن جعل الشرط عنوان التعقب ليس دافعا للإشكال ، بل هو اعتراف به ، والتزام بامتناع تأخر الشرط عن المشروط. فليس الالتزام بجعل الشرط وصف التعقب دافعا لإشكال الشرط المتأخر ، بل هو اعتراف به.

كما التجأ غير واحد أيضا إلى دفع إشكال الشرط المتأخر بجعل الشرط هو اللحاظ لا وجوده الخارجي ، فلحاظ الإجازة شرط في صحة عقد الفضولي ، ولحاظ الغسل الليلي شرط في صحة صوم المستحاضة ، لا نفس الإجازة والغسل بوجودهما العيني الخارجي.

وهذا أيضا كسابقه في الضعف ، حيث إنّ الشرط وجوده العيني دون اللحاظي ، ضرورة أن الإجازة بوجودها الخارجي شرط للحكم الوضعي وهو الملكية. وكذا شرائط الحكم التكليفي كالاستطاعة التي هي شرط وجوب الحج. وكذا شرائط المأمور به ، كغسل المستحاضة في الليل لصوم يومها الماضي ، فإنّ الغسل بوجوده العيني شرط لصحة صومها لا بوجوده اللحاظي.

نعم لحاظ الشرائط والعلم بها شرط لتحقق الداعي إلى تشريع الحكم وإنشائه. وأمّا فعلية الحكم فهي منوطة بوجود موضوعه خارجا بجميع ما يعتبر فيه شطرا وشرطا. فشروط إنشاء الحكم المسمّى بالجعل هي اللحاظ والوجود العلمي ، وشرائط المجعول ـ أعني به فعلية الحكم من التكليفي والوضعي ـ هي الأمور التي تكون بوجوداتها الخارجية دخيلة في الحكم ، كالإجازة في عقد الفضولي ، فإنّها بوجودها العيني شرط في تأثير عقده. ولا أثر لوجودها اللحاظي في تأثير العقد في النقل أصلا.

وكذا لا يندفع إشكال الشرط المتأخر بما أفاده سيّدنا الأستاد الشاهرودي قدس‌سره في مجلس الدرس من «أن امتناع تخلف المعلول عن العلة إنّما يكون في المؤثر والمتأثر

١٠

.................................................................................................

__________________

الحقيقيين ، دون الأحكام الشرعية التي هو أمور اعتبارية مجعولة لموضوعاتها ، وليست رشحات لها ، لما ثبت في محله من امتناع جعل السببية. فكلّ من الدلوك والعقد ونحوهما موضوع للوجوب والملكية والزوجية ، لا سبب وعلّة لها ، إذ لو كانت أسبابا لم تكن الأحكام أفعالا اختيارية للشارع ، بل كانت من رشحات أسبابها ، كالمعلولات التكوينية التي هي رشحات عللها التكوينية. فالشروط دخيلة في موضوع الحكم الشرعي ، ولا تأخر لشي‌ء من الشروط عن الحكم حتى يقال بامتناعه ، إذ لا يحكم الشارع بحكم فعلي إلّا بعد تمامية موضوعه مع فرض كون كلّ شرط موضوعا» (١).

وجه عدم اندفاع إشكال الشرط المتأخر بما أفاده قدس‌سره : أن مرجع هذا الوجه إلى إنكار الشرط المتأخر ، لا إلى دفع إشكاله مع تسليم وجوده. ولكنه متين في نفسه ، لتوقف الحكم على موضوعه كتوقف المعلول على علّته. ولا محيص عن الالتزام بإناطة فعلية كل حكم بفعلية موضوعه.

وعليه فالنقل والانتقال في عقد الفضولي لا يتحقّق إلّا بعد حصول جميع شرائطه الّتي منها إجازة المالك. وكذا الحال في أجزاء العبادات والشروط كغسل المستحاضة ، فإنّ الحكم بصحة كل جزء من أجزاء العبادات وسقوط أمره الضمني منوط بوجود غيره من الأجزاء. ومحذور الشرط المتأخر لا يلزم إلّا على القول بصحة كلّ جزء ، وامتثال أمره بمجرد وجوده مع البناء على شرطية ما يلحقه من الأجزاء.

والحاصل : أنّ غائلة الشرط المتأخر لا تندفع بشي‌ء من الوجوه المذكورة في الكتب الأصولية. وقد تعرضنا لجلّها في الجزء الثاني من شرحنا على الكفاية مع بعض ما يتعلّق بها (٢).

وقد تحصل من جميع ما ذكرناه في المقام الأوّل ـ المتكفل لامتناع الكاشفية والناقلية وإمكانهما ـ استحالة كاشفية الإجازة ، وعدم صحة ما استدلّ به على وقوع الشرط المتأخّر في أجزاء العبادات الارتباطية كالصلاة ، والشرائط كالأغسال الليلية للمستحاضة

__________________

(١) نتائج الأفكار ، وهو تقرير بحث الأصول للسيد الشاهرودي قدس‌سره.

(٢) راجع منتهى الدراية ، ج ٢ ، ص ١٣٧ ـ ١٤٤.

١١

.................................................................................................

__________________

الكثيرة لصحة صوم يومها الماضي ، هذا.

وأما ناقلية الإجازة فلا وجه لاستحالتها عدا ما يتوهم من صغرويتها لكبرى تأثير المعدوم في الموجود ، حيث إنّ المؤثّر في النقل والانتقال ـ وهو العقد ـ معدوم حال الإجازة التي هي ظرف تأثير العقد ، وتأثير العدم في الوجود محال.

لكنه مدفوع بأنّ المعدوم هو ألفاظ العقد التي هي من متصرمات الوجود ، دون ما يوجد بها في وعاء الاعتبار ، إذ العاقد الفضولي يوجد بالعقد النقل والانتقال في عالم الاعتبار ، والمالك يجيز ما أنشأه العاقد ، والإجازة والرد كالفسخ ترد على الشي‌ء الموجود لا المعدوم ، فإنّ حقيقة الإجازة تنفيذ ما وقع ووجد ، فلا يلزم تأثير المعدوم في الموجود. وعليه فلا ينبغي الارتياب في إمكان ناقلية الإجازة.

فتلخص ممّا ذكرناه في المقام الأوّل استحالة كاشفية الإجازة ، وإمكان ناقليتها ، هذا.

وأمّا المقام الثاني ـ وهو مرحلة الإثبات والاستظهار من أدلة صحة عقد الفضولي ـ فمحصل البحث فيه : أنّه قد تقدم في المقام الأوّل امتناع كاشفية الإجازة ، لابتنائها على الشرط المتأخر ، ولذا التزم غير واحد كصاحب الفصول وأخيه والمحقق النائيني قدس‌سرهم بكون الشرط هو التعقب ، لكونه مقارنا للعقد كما قيل ، لا نفس الإجازة ، حتى تندرج في الشرط المتأخر المحال.

ولكن فيه ما لا يخفى ، إذ عنوان السبق واللحوق والتقدم والتأخر ـ مضافا إلى كونها خلاف ظاهر الأدلة ـ من الأمور المتضايفة ، فلا يتصف العقد فعلا بالملحوقية ، إذ الاتصاف بها كذلك منوط بتحقق الإجازة خارجا ، كما أنّ اتصاف الإجازة بالمسبوقية منوط بوجودها فعلا في زمان متأخر عن زمان العقد ، فيعود إشكال الشرط المتأخر.

ولا يندفع بجعل الشرط اللحوق ، حيث إنّ السبق واللحوق متضايفان ، فهما متكافئان في القوة والفعلية ، فقبل حصول الإجازة لا يعقل اتصاف العقد فعلا بالملحوقية ، كما لا يتصف الإجازة قبل وجودها باللاحقية كذلك.

وعليه فلا يكون التعقب شرطا مقارنا للعقد حتى يندفع به محذور الشرط المتأخر.

وقيل : إنّ دلالة الاقتضاء دعت جماعة إلى رفع اليد عن ظاهر ما دلّ على شرطية نفس

١٢

.................................................................................................

__________________

الإجازة المتأخرة عن العقد ، والالتزام بكون الشرط هو التعقب.

لكن لا حاجة إلى هذا التمحّل غير المفيد وارتكاب خلاف الظاهر ، مع إمكان الأخذ بظاهر الأدلة ، وهو كون الشرط نفس الإجازة ، لا عنوان التعقب. ولا جعل الإجازة كاشفة عن الرّضا التقديري ، كما عن المحقق الرّشتي قدس‌سره ، لما فيه من المنع صغرى وكبرى.

أمّا الصغرى فلعدم كلّيتها ، إذ قد لا يرضى المالك حين العقد لو التفت ، لعدم المصلحة في ذلك الوقت. وأمّا الكبرى فلعدم دليل على اعتبار الرضا التقديري.

وذلك لما مرّ آنفا من امتناع جعل السببية ، وكون الشروط راجعة إلى الموضوع ، ومن المعلوم أنّ فعلية الحكم إنّما تكون بفعلية موضوعه. فالحكم لا يصير فعليا إلّا بوجود الموضوع وشرائطه التي منها الإجازة في عقد الفضولي ، فلا يحكم بتأثير العقد في الملكية إلّا بعد الإجازة. وإشكال الشرط المتأخر أجنبي عن الإجازة ، إذ مورده تأثير الشرط قبل وجوده في المشروط. وليس المقام كذلك ، إذ المفروض أنّ الأثر الشرعي وهو النقل لا يترتب على عقد الفضولي إلّا بعد حصول الإجازة.

فالصواب ما أفاده سيّدنا الأستاذ المتقدم قدس‌سره من عدم كون الشروط الشرعية كالشروط الحقيقية مؤثّرة في وجود المشروط ، بل هي دخيلة في موضوع الحكم الشرعي ، لدخلها في الملاك الداعي إلى الجعل والتشريع.

والعجب من المحقق النائيني قدس‌سره أنّه ـ مع التزامه برجوع كل شرط إلى الموضوع ـ ذهب إلى شرطية التعقب دون نفس الإجازة (١). مع أنّ مقتضى رجوع كل شرط الى الموضوع هو كون نفس الإجازة شرطا ، والالتزام بناقليتها.

وكيف يلتزم هو قدس‌سره بشرطية التعقب دون نفس الإجازة؟ مع أنّه أولا : خلاف مبناه من رجوع كل شرط الى الموضوع.

وثانيا : أنّ التعقب عنوان انتزاعي لا يقوم به الملاك الداعي إلى التشريع.

وثالثا : أنّ التعقب كما مرّ آنفا من الأمور المتضايفة ، فلا يتصف العقد بالملحوقية فعلا قبل تحقق الإجازة ، لأنّ المتضايفين متكافئان فعلا وقوة.

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٢٢٨.

١٣

واستدل عليه (١) ـ كما عن جامع المقاصد والروضة ـ

______________________________________________________

ما استدل به على القول بالكشف

(١) أي : واستدلّ على الكشف ، وينبغي تمهيد أمر قبل توضيح الدليل ، وهو : أنه لا ريب في امتناع تخلف المسبب عن سببه التام من المقتضي والشرط وعدم المانع ، سواء أكان تخلفه عنه بتقدمه عليه زمانا أم بتأخره عنه كذلك. وكذا يمتنع تخلف الحكم عن موضوعه التام. كما لا ريب في أنّ النقل البيعي منوط بوجود المقتضي ، وهو العقد ، وبوجود شرطه كرضا المالك ، وانتفاء المانع كالحجر. فإن اجتمعت أجزاء العلة التامة امتنع انفكاك الأثر عنها.

وعلى هذا فإن كان العاقد هو المالك المختار ترتّب النقل على العقد ، لاستحالة تخلف الحكم عن موضوعه ، وإن كان العاقد هو الفضولي لم يترتب أثره عليه ، لفقد الشرط أعني به رضا مالك أمر العقد.

وحينئذ فإن قيل بأن الإجازة ناقلة للملك من حينها لم يلزم إشكال ، إذ بانضام الشرط إلى المقتضي يتمّ موضوع الأثر. وإن قيل بأنّ الإجازة كاشفة عن حصول الأثر

__________________

وعليه فلا يكون التعقب شرطا مقارنا ، بل يكون كنفس الإجازة متأخرا ، لا مقارنا للعقد ، حتى لا يرد عليه محذور الشرط المتأخر.

وكيف كان فالمظنون قوّيا أنّ مراد صاحب الجواهر بقوله : «إن الشروط الشرعية ليست كالعقلية» هو ما أفاده سيّدنا الأستاد ، لا أنّ مراده جواز ترتيب الأمور الاعتبارية ـ ومنها الأحكام الشرعية ـ قبل تحقق شروطها ، وأنّ عدم جواز ترتيب الأثر قبل شرطه مختص بالشروط العقلية ، فإنّ هذا المعنى ممّا لا يليق بعلوّ مقامه العلمي. فإنّ ملاك الإشكال في الشرط المتأخر هو تحقق المشروط قبل شرطه بناء على جعل السببية ، أو فعلية الحكم قبل وجود موضوعه بناء على جعل الحكم عند تحقق موضوعه ، فإنّ الشرط دخيل في موضوع الحكم ، وقبل حصوله لا يتمّ الموضوع حتى يصير حكمه فعليا.

فالإجازة بنفسها شرط ، ومقتضى شرطيتها عدم ترتب الأثر على عقد الفضولي إلّا بعد الإجازة ، فلا محيص عن الذهاب إلى ناقلية الإجازة.

١٤

بأنّ (١) العقد سبب تامّ في الملك ، لعموم (*) قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وتمامه (٢) في الفضولي إنّما يعلم بالإجازة ،

______________________________________________________

من حين العقد لزم ترتب المشروط على العقد قبل وجود شرطه. وهذا المحذور دعا القائلين بالكشف تقرير الدليل بنحو يسلم من الإشكال.

إذا اتضح هذا قلنا : إنّ المصنف قدس‌سره نقل وجوها ثلاثة للقول بالكشف ، ثم ناقش فيها كما سيظهر إن شاء الله تعالى.

والدليل الأوّل حكاه السيد المجاهد وغيره عن المحقق والشهيد الثانيين قدس‌سرهم (١) ، وتقريبه : أنّ العقد بنفسه ـ بدون ضمّ ضميمة ـ سبب أي موضوع تامّ للملكية ، لكونه تمام الموضوع لوجوب الوفاء بمقتضى قوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وينكشف تماميته في عقد الفضولي بإجازة ولىّ أمر البيع ، فإذا أجاز علم وجوب الوفاء به ، ولزم ترتيب الآثار على صحته ، إذ لو لم يترتب عليه الأثر لزم أن لا يكون موضوع وجوب الوفاء نفس العقد فقط ، بل هو مع شي‌ء آخر ، وذلك خلاف الفرض.

(١) متعلق ب «استدل» وهذا أوّل وجهي الاستدلال ، وقد أوضحناه بقولنا «ان العقد بنفسه .. إلخ».

(٢) مبتدء ، وخبره «إنّما يعلم» وضميره راجع إلى العقد ، والأولى أن يقال : «وتماميته» يعني : وتمامية العقد إنّما تعلم بالإجازة. وقوله : «يعلم» ظاهر في كون الإجازة أمارة كاشفة عن تمامية العقد ، من دون أن تكون مؤثّرة في سببيّة العقد.

__________________

(*) هذا لا يخلو من إشكال التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، إذ تمامية العقد الموجبة لاندراج عقد الفضولي في العموم المزبور أوّل الكلام ، لاحتمال اعتبار مقارنة الرضا للعقد في موضوعيته لوجوب الوفاء به كما هو ظاهر التجارة عن تراض.

__________________

(١) المناهل ، ص ٢٩٠ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٤ و ٧٥ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٢٩ وحكاه السيّد العاملي عن القائلين بالكشف في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٩.

١٥

فإذا أجاز تبيّن (١) كونه تامّا يوجب ترتّب الملك (٢) عليه ، وإلّا لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصّة ، بل به مع شي‌ء آخر.

وبأنّ (٣) الإجازة متعلّقة بالعقد ،

______________________________________________________

(١) هذا كالصريح ـ بل نفسه ـ في تمامية العقد قبل الإجازة ، وكون الإجازة كاشفة عنها ، وإلّا كان اللازم أن يقول : «فإذا أجاز صار العقد تامّا» أو : «فإذا أجاز فقد تمّ العقد». وهذا ينطبق على الكشف الحقيقي.

(٢) لعلّ الأولى إبدال «الملك» بالتبديل ، لأنّه أشمل ، بل هو نفس مفهوم البيع كما تقدم في تعريف البيع بأنه «مبادلة مال بمال».

نعم لا بأس به على مبنى المحقق الثاني قدس‌سره في تعريف البيع ب «نقل الملك بالصيغة المخصوصة».

(٣) معطوف على قوله : «بأن العقد» وهذا إشارة إلى ثاني وجهي الاستدلال على كاشفية الإجازة ، استدلّ به صاحب الرياض والمحقق القمي قدس‌سرهما (١). وهو مؤلّف من أمور ثلاثة :

أحدها : أنّ متعلق الإجازة كالرد والفسخ هو العقد.

ثانيها : أنّ مضمون العقد المنشأ من الفضولي هو النقل من زمان وقوعه.

ثالثها : أنّ الإجازة رضا بمضمون العقد.

ومقتضى هذه الأمور نفوذ العقد من زمان وقوعه ، والحكم بتحقق مضمونه ـ أعني نقل العوضين ـ من حين إنشاء البيع ، لأنّ متعلق إجازة المالك وإمضاء الشارع هو إنشاء الفضولي لا أمر آخر ، فالإجازة تصحّح استناد البيع إلى المالك المجيز ، ويضاف إليه بها ، ويصير موضوعا لخطاب الشارع «أيّها الملاك أوفوا بعقودكم». ومن المعلوم أنّ ما أنشأه الفضولي هو النقل حال العقد ، لا النقل المتأخر عن العقد ، فلا بدّ أن تكون إجازة المالك منفّذة لذلك النقل المقيد ، وإمضاء الشارع ممضية له أيضا ، وهذا هو الكشف المدّعى.

ثم إنّ هذا الدليل مبيّن لوجه كون عقد الفضولي سببا تامّا كما ادّعاه جامع المقاصد

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١٣ ، جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٥٥ (الطبعة الحجرية).

١٦

فهي (١) رضا بمضمونه ، وليس إلّا نقل العوضين من حينه.

وعن فخر الدين في الإيضاح : الاحتجاج لهم (٢) «بأنّها لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود ، لأنّ العقد حالها (٣) عدم» انتهى.

______________________________________________________

والروضة في الدليل الأوّل. فالدليل الأوّل بمنزلة المدّعى ، والدليل الثاني بمنزلة برهانه ، لأنّه يثبت تقيد النقل والانتقال بزمان وقوع العقد.

(١) أي : فالإجازة متعلقة بالعقد ، ونتيجة تعلقها بالعقد هي كونها رضا بمضمونه وتنفيذا له ، والمفروض أنّ مضمونه ليس إلّا نقل العوضين من حين وقوع العقد.

(٢) أي : للقائلين بالكشف ، مضافا إلى الدليلين المتقدمين. والحاكي هو السيّد المجاهد قدس‌سره ، قال : «ومنها : ما حكى الاحتجاج به فخر الإسلام عن القائلين بأنّ الإجازة كاشفة من أنّها لو لم تكن كاشفة ..» (١) إلى آخر ما في المتن. وظاهره : أن القائل بالكشف احتج بهذا الوجه الثالث ، لا أنّ فخر المحققين احتجّ لهم به كما هو ظاهر المتن.

قال في الإيضاح : «احتج القائلون بكونها كاشفة بأنه لولاه لزم تأثير المعدوم في الموجود .. إلخ» (٢). وعليه فكان الأحسن أن يقال : «وعن فخر الدين في الإيضاح حكاية احتجاجهم بأنّها ..».

وكيف كان فمحصّل هذا الوجه الثالث هو : أنّه لو لم تكن الإجازة كاشفة عن تأثير العقد من زمان وقوعه ، وكان تأثيره من زمان وقوع الإجازة ، لزم تأثير المعدوم ـ وهو العقد الزماني المتصرم ـ في الموجود وهو النقل والانتقال ، ضرورة أنّ العقد حال تأثيره ـ وهو زمان الإجازة ـ معدوم ، ومن المعلوم أنّ العدم ليس ، فكيف يترشح منه الأيس؟

(٣) هذا الضمير وضمير «بأنّها» راجعان إلى الإجازة.

هذا ما نقله المصنف عن القائلين بالكشف من وجوه ثلاثة ، وستأتي المناقشة فيها.

__________________

(١) المناهل ، ص ٢٩٠ ، ونقله السيّد العاملي من دون إسناده إلى فخر المحققين ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٠.

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٩.

١٧

ويرد على الوجه الأوّل (١) : إنّه (٢) إن أريد (*) بكون العقد سببا تامّا كونه (٣) علّة تامّة للنقل إذا صدر عن رضا المالك ،

______________________________________________________

المناقشة في ما استدل به على القول بالكشف

(١) أي : أوّل وجوه الاستدلال على الكشف ، وهو قول الثانيين قدس‌سرهما : «أنّ العقد سبب تام في الملك .. إلخ» ومحصل إشكال المصنف قدس‌سره عليه هو : أنّه إن كان المراد «بكون العقد سببا تاما» كونه علّة تامّة للنقل والانتقال إذا صدر عن رضا المالك ، فذاك مسلّم. إلّا أنّ مجرد ذلك لا يجدي في المقام ما لم تدلّ الإجازة على تحقق ذلك السبب التام ، ولا تدلّ عليه ، إلّا إذا دلّت على حصول العقد مقارنا للرضا الفعلي ، ولا تدلّ على ذلك أصلا ، خصوصا مع عدم اطلاعه على هذا العقد ، لغيبته أو سفره أو جنونه. الّا أنّ أدلّة صحة عقد الفضولي تنزّل عقده منزلة العقد المقارن للرضا ، فللإجازة دخل في هذا التنزيل ، فقبل حصول الإجازة لا يتحقق هذا التنزيل ، فلا يترتب الأثر على العقد.

والحاصل : أنّ أدلة صحة الفضولي تقيم الإجازة مقام شرط تأثير العقد ، وهو مقارنة الرضا للعقد ، فترتّب الأثر على عقد الفضولي مشروط بالإجازة ، فلا وجه لترتب الأثر على العقد قبلها ، فلا بدّ حينئذ من الالتزام بناقلية الإجازة.

وإن أريد بكون العقد سببا تامّا كونه علّة تامة للنقل ـ ولو لم يحرز رضا المالك ـ فهو ممنوع ، لمنافاته لما يعترف به الكلّ من دخل رضا المالك في تأثير العقد في النقل والانتقال.

وبهذا ظهر بطلان الوجه الأوّل المتقدم عن المحقق والشهيد الثانيين قدس‌سرهما.

(٢) الضمير للشأن ، والجملة فاعل لقوله : «يرد».

(٣) نائب فاعل «أريد».

__________________

(*) لا يخفى : أنّ قول المصنف قدس‌سره : «إن أريد بكون العقد سببا تامّا .. إلخ» يقتضي أن يكون له عدل ، ولم يذكره في الكلام ، ولا بدّ أن يكون عدله هذا : «وإن أريد كون العقد بمجرده علّة تامة للتبديل من دون رضا المالك ، فهو مناف لشرطية الرضا المدلول عليها بقوله عليه‌السلام : لا يحل مال امرء مسلم إلّا عن طيب نفسه».

١٨

فهو (١) مسلّم ، إلّا أنّ بالإجازة لا يعلم (٢) تمام ذلك السبب ، ولا يتبيّن كونه (٣) تامّا ، إذ الإجازة لا تكشف عن مقارنة الرضا. غاية الأمر أنّ لازم صحّة عقد الفضولي كونها قائمة مقام الرضا المقارن (٤) (*) ، فيكون لها دخل [مدخل] في تماميّة السبب كالرضا المقارن ، فلا معنى لحصول الأثر قبلها (٥).

______________________________________________________

(١) أي : فكون الإجازة كاشفة مسلّم. والجملة جواب الشرط في «إن أريد».

(٢) في العبارة مسامحة ، والأولى أن يقال : «لا يعلم أنّه ..» حتى يكون اسما مؤخّرا ل «أنّ».

(٣) أي : ولا يعلم كون العقد سببا تامّا.

(٤) تقوم الإجازة مقام الرضا المقارن في كفايتها في صحة العقد وتأثيره بعد حصولها ، لا في جعل العقد مؤثرا من حين وقوعه كما ادّعاه المحقق الكركي قدس‌سره. فدليل صحة عقد الفضولي حاكم على دليل اعتبار مقارنة الرضا للعقد حكومة موسّعة ، فالشرط مطلق الرضا وإن تأخّر عن العقد.

(٥) هذا الضمير وضميرا «كونها ، لها» راجعة إلى الإجازة.

__________________

(*) لا يخفى أنّه ـ بناء على اعتبار مقارنة الرضا في صحة العقد ، وبناء على كون البيع بمعناه المصدري ـ يكون عقد الفضولي حينئذ على خلاف القاعدة. وأمّا بناء على معناه الاسم المصدري يكون الرضا مقارنا دائما ، من غير فرق فيه بين عقد الأصيل والفضولي.

فقوله : «ان لازم صحة عقد الفضولي .. إلخ» غير ظاهر بنحو الإطلاق ، إذ لا يتمّ إلّا بناء على اعتبار مقارنة الرضا لنفس العقد ، لا لأثره الذي لا ينفك عنه أصلا في شي‌ء من الموارد من الأصيل المكره والفضولي وغيرهما ، إذ الأثر ـ وهو النقل والانتقال ـ يترتب دائما على الرضا ، ولا يتأخر الرّضا عنه.

ولا يبعد حكومة دليلي صحة عقدي المكره والفضولي بعد حصول الطيب والإجازة حكومة شارحة لما دلّ بظاهره على اعتبار مقارنة الرضا ، كآية التجارة عن تراض ، بأن يقال : إنّهما يدلّان على تحقق المقارنة بين الرضا وبين نقل العوضين الذي هو المعنى الاسم المصدري ، فلا يلزم تخصيص في أدلة اعتبار المقارنة ، ولا تصرّف في معنى التجارة ،

١٩

ومنه (١) يظهر فساد

______________________________________________________

(١) يعني : وممّا أوردناه على أوّل وجهي استدلال المحقق والشهيد الثانيين على الكشف يظهر فساد .. إلخ. والظاهر أنّ مقصود المصنف ممّن قرّر دليل الكشف بما في المتن هو الشيخ الفقيه الشيخ محسن الأعسم قدس‌سره في شرحه على الشرائع الموسوم بكشف الظلام ، على ما حكاه العلّامة الشهيدي (١) قدس‌سره عن بعض ، وليس المراد من هذا المقرّر الشهيد الثاني في الروضة وإن كان أصل الدليل مذكورا فيها ، لأنّ الموجود في الروضة وجه واحد ، وقد أشار إليه المصنف في أوّل الاستدلال بقوله : «واستدل عليه كما في جامع المقاصد والروضة» فينبغي أن يراد تقرير الدليل بوجه آخر.

وكيف كان فالأولى نقل جملة من كلام الشيخ الأعسم وقوفا على حقيقة مرامه ، فإنّه قدس‌سره جمع وجوها سبعة للقول بالكشف ، وقال : «احتج الكاشفون بأمور : الأوّل : أن السبب الناقل للملك هو العقد المشروط بشرائط ، وكلّها حاصلة إلّا رضى المالك ، فإذا حصل الشرط عمل السبب التام. واشتراط المقارنة في تأثير العقد محتاج إلى الدليل بعد عموم الأمر بالوفاء بالعقود. فلو توقف العقد على أمر آخر لزم أن [لا] يكون الوفاء بالعقد خاصة ، بل هو مع الأمر الآخر.

فإن قلت : إنما أمر بالوفاء بالعقود المرضية عند المتعاقدين لا مطلقا. وحينئذ فلا يتوجه الأمر بالوفاء به إلى المالك إلّا بعد الإجازة الواقعة بعد العقد. فالآية إنّما أمرت بالعقد المقيّد على أنه جزء من الملك أو شرط فيه وإن كان مستفادا من خارج الآية من آية أخرى وغيرها.

__________________

فإنّ معناها عرفا هو النقل والتبديل ، والقول والفعل آلة الإنشاء لا نفس التجارة. فمقتضى هذه الحكومة اعتبار مقارنة الرضا للتجارة بمعناها العرفي أي الاسم المصدري ، وهو انتقال العوضين. والمقارنة بهذا المعنى موجودة في جميع موارد انتقال الأموال ، سواء أكان المتعاملان أصيلين أم وليّين أم وكيلين أم فضوليين.

__________________

(١) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب ، ص ٢٨٦ ، ويستظهر هذا التقرير من الفاضل النراقي ، فراجع : مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٨٣

٢٠