هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

.................................................................................................

__________________

إلى صاحب مفتاح الكرامة قدس‌سره حيث جعل الإجازة شرطا للعلم بانتقال المال ، لا شرطا لنفس الانتقال ، قال قدس‌سره : «إنّ العقد سبب تام مع الإجازة وإن تأخّرت عنه فعلا ، فهو مراعى لا موقوف ، فإن حصلت كشفت عن تأثيره من حين وقوعه .. وفي جامع المقاصد ما يشير إلى هذا الجواب» (١).

واحتمله بعض معاصريه أيضا في شرحه على اللمعة من أن الإجازة تكون نظير التبادر علامة كاشفة عن وضع اللفظ للمعنى المتبادر منه ، وكعلامات البلوغ (٢).

وأشار إلى هذا القول في الجواهر أيضا ، فراجع (٣).

والظاهر رجوع هذا الوجه السادس إلى الوجه الثالث ، بل هو عينه.

وعليه فتكون الإجازة طريقا إلى العلم بتحقق النقل من دون دخل ثبوتي فيه.

وإن شئت فقل : إنّ الإجازة علّة للعلم بحصول النقل.

لكن الحق بطلان هذا القول ، لأنّ مقتضى مثل قوله تعالى (إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) ولا يحل مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه وغيرهما من الأدلة دخل الرضا في الحلّ ، وعدم كونه مجرّد علامة.

سابعها : الكشف الحكمي ، وهو إجراء أحكام الكشف بقدر الإمكان. هذا تمام الكلام في مقام الثبوت.

وأمّا مقام الإثبات ، فيبحث فيه تارة عما يقتضيه الأدلة العامة ، واخرى عمّا تقتضيه الأدلة الخاصة.

أمّا البحث الأوّل فمحصّله : أنّ العمومات «ك (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) ولا يحل مال امرء إلا بطيبة نفسه» ونحوها ـ الظاهرة في شرطية الرضا في صحة المعاملة ـ تقتضي ناقلية الإجازة الكاشفة عن الرضا وطيب النفس ، حيث إنّ العناوين المأخوذة في

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٠.

(٢) شرح اللمعة (مخطوط) للشيخ جواد ملّا كتاب. وهو من تلامذة الشيخ الأكبر كاشف الغطاء قدس‌سرهما. لاحظ : الذريعة ، ج ١٤ ، ص ٤٧.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٨٨.

٦١

أحدها : ـ وهو المشهور ـ الكشف الحقيقي (١) ، والتزام كون الإجازة فيها (٢)

______________________________________________________

(١) وهو ـ كما تقدم آنفا ـ كشف الإجازة عن تأثير العقد من حين وقوعه ، وحصول الملك من زمان تحققه.

(٢) أي : في كاشفيتها. وقوله : «والتزام» معطوف على «الكشف».

__________________

الخطابات الشرعية ظاهرة عرفا في الفعلية ، دون التقديرية التي هي معدومة حال إنشاء المعاملة ، ودون الطريقية والأمارية ، لظهور العناوين في الموضوعية.

وعليه فصحة المعاملات الفضولية منوطة بطيب النفس فعلا ، ومع هذه الإناطة لا محيص عن الالتزام بناقلية الإجازة.

وأمّا البحث الثاني ـ وهو مقتضى الأدلّة الخاصّة ـ فيرجع فيه إلى ما أفاده المصنف قدس‌سره ، فلاحظ.

أقول : لا يبعد استفادة قاعدة كلية من عزل الإرث للجارية بعد بلوغها وحلفها كما في صحيح أبي عبيدة الذي سيشير إليه في المتن. وكذا من عزل الإرث للحمل.

والمراد بتلك القاعدة هو جعل الاحتياط في كلّ مورد وجد فيه مقتضي الحكم الشرعي التكليفي كوجوب الحج ، والوضعي كملكية المال في الإرث ، أو في حيازة المباحات ، كما إذا حجّر أرضا ميتة ، فإنّ احتمال إحيائها الموجب لملكيتها أوجب له حقّ الاختصاص ، بحيث يحرم على غيره مزاحمته في ذلك.

وكذا في الاستطاعة المالية إذا كان للمستطيع مانع عن الحج مباشرة ، ولو كان غير المرض الذي لا يرجى زواله ، فإنّه يجب عليه الاستنابة.

والحاصل : أنّ وجود المقتضي للحكم مع احتمال حصول شرطه يوجب الاحتياط. وهذا مقدّم على أصالة عدم المانع ، وإن كانت قاعدة المقتضي والمانع حجة. كما أنّ هذا الاحتياط يقدّم على أصالة عدم الإجازة في باب عقد الفضولي. ولا غرو في تشريع الاحتياط في موارد وجود المقتضي للحكم مع احتمال حصول شرطه ، كما شرّع في الموارد الثلاثة الدماء والأعراض والأموال.

٦٢

شرطا متأخّرا (١). ولذا (٢) اعتراضهم جمال المحقّقين في حاشيته على الروضة : «بأنّ الشرط لا يتأخّر» (١) (٣).

الثاني : الكشف الحقيقي ، والتزام كون الشرط تعقّب العقد بالإجازة لا نفس الإجازة (٤) فرارا (*) عن لزوم تأخّر الشرط عن المشروط ،

______________________________________________________

(١) إذ الالتزام بدخل الإجازة في الملكية ـ مع فرض تأثير العقد من حين وقوعه ـ يوجب لا محالة كون الإجازة شرطا متأخرا.

(٢) أي : ولأجل كون الإجازة في الكشف الحقيقي شرطا متأخّرا اعترض عليهم المحقق الخوانساري قدس‌سره.

(٣) وجه عدم تأخر الشرط عن المشروط هو كون الشرط من أجزاء علته التي يكون تقدمها رتبة على المشروط من البديهيات.

ثم إن العبارة المذكورة في المتن نقل بالمعنى ، إذ الموجود في حاشية الروضة معترضا على الشارح هو قوله : «لا يخفى أنه إذا اعترف بأنّ رضاء المالك من الشرائط ، فإذا حصل عمل السبب التام أثره ، فيلزم أن لا يتحقق أثره ـ وهو نقل الملك ـ إلّا عند حصوله. وهذا دليل على نقيض ما رامه. وكأنّه زعم أنّ الشرط ما يتوقف عليه التأثير ، ولكن ليس جزء المؤثر ، بل تحققه يوجب تحقق تأثير السبب في وقت وإن كان قبل تحقق الشرط بخلاف الجزء ، فإنّه لا بدّ من مقارنته ومدخليّته في التأثير. وهذا كما ترى .. إلخ».

(٤) هذا هو الفارق بين هذا الكشف والكشف الحقيقي المتقدّم ، بعد اشتراكهما في ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه. وحاصل الفرق بينهما هو : أنّ الشرط في الكشف الحقيقي الأوّل نفس الإجازة بنحو الشرط المتأخر ، وفي الكشف الحقيقي الثاني وصف التعقب الذي هو شرط مقارن لا متأخّر ، على ما قيل.

__________________

(*) قد عرفت في (ص ١٣ و ٢٧) أنّ جعل الشرط وصف التعقب ـ فرارا عن محذور الشرط المتأخر ـ ليس بسديد ، لأنّ وصف التعقب لا يعرض العقد إلّا بعد صدور الإجازة من

__________________

(١) حاشية الروضة ، ص ٣٥٨ وهو موجود في هامش الروضة طبعة عبد الرحيم ، ج ١ ، ص ٣١٢.

٦٣

والتزم (١) (*) بعضهم بجواز التصرّف قبل الإجازة لو علم تحقّقها فيما بعد.

الثالث : الكشف الحكمي ، وهو إجراء أحكام الكشف بقدر الإمكان (٢) ، مع عدم تحقّق الملك في الواقع إلّا بعد الإجازة.

وقد تبيّن من تضاعيف كلماتنا (٣) أنّ الأنسب بالقواعد والعمومات هو النقل (٤).

______________________________________________________

(١) الملتزم به صاحب الجواهر ، وتقدم نصّ كلامه في (ص ٣١). إذ مراده من قوله : «كفى ذلك في ترتب الآثار الآن عليه» هو مثل جواز تصرف الأصيل في ما اشتراه من الفضولي ، بعد العلم بلحوق إجازة المالك.

(٢) كانتقال النماء إلى المشتري حين العقد بعد صدور الإجازة ، وإن كان أصل ملك العين قبل الإجازة للمالك ، فانتقال النماء يكون من حين العقد ، وانتقال العين بعد صدور الإجازة.

(٣) أي : من ردّ دليل المحقق الثاني قدس‌سره في كاشفية الإجازة ، ومن ردّ من استدلّ على القول بالكشف بآية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وآية (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ).

(٤) أي : النقل الحقيقي ، وذلك لأنّ مقتضى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» و «التجارة عن تراض» وعموم «عدم حلّ مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه» ونحوها من

__________________

المالك ، ضرورة أنّ التعقب من الأمور المتضايفة ، ومن المعلوم تكافؤ المتضايفين قوة وفعلا ، فلا يتصف العقد فعلا بكونه متعقبا بالإجازة إلّا بعد صدورها من المالك. كما أنّ الإجازة لا تتصف بكونها متأخرة عن العقد إلّا بعد صدورها منه.

(*) هذا الالتزام وجيه بناء على كون وصف التعقب الذي جعل شرطا حاصلا للعقد حين تحققه بحيث يكون شرطا مقارنا له.

لكنه ليس كذلك ، لما تقدّم في التعليقة السابقة وغيرها ، فلاحظ. ومجرّد العلم بحصول الإجازة فيما بعد لا يوجب فعلية التعقب وكونه وصفا مقارنا للعقد ، بل يوجب العلم باتصاف العقد فيما بعد بهذا الوصف. وهذا لا يكفي في جواز التصرف فعلا ، لعدم تحقق الشرط وهو التعقب الذي أنيط به تأثير العقد في النقل والانتقال.

٦٤

ثمّ بعده الكشف الحكمي (١).

وأمّا الكشف الحقيقي ـ مع كون نفس الإجازة من الشروط (٢) ـ فإتمامه بالقواعد في غاية الإشكال (٣). ولذا (٤) استشكل فيه العلّامة في القواعد ، ولم يرجّحه (٥) المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد ، بل عن الإيضاح اختيار خلافه (٦) تبعا للمحكيّ عن كاشف الرموز (٧) (١).

______________________________________________________

الأدلة هو دخل الرضا في الحلّ ، فبدونه لا يحلّ التصرف في مال الغير. ومع دخل الرضا في صحة المعاملة كيف يحكم بكون الإجازة معرّفة لتمامية المعاملة؟ والمفروض أنّ تماميتها منوطة بالرضا.

(١) جمعا بين ما دلّ على ترتيب أحكام النقل والانتقال قبل صدور الإجازة من المالك ، وبين ما دلّ على شرطية الرضا في الانتقال ، الموجبة لتوقفه على وجود الرضا ، فيقال : بترتب أحكام النقل قبل الإجازة ، وحصول النقل بعد الإجازة.

(٢) أي : من شروط العقد على حدّ سائر الشروط.

(٣) لأنّ الإجازة حينئذ من أجزاء العقد الذي هو علّة للنقل والانتقال ، ولا بدّ من تقدم أجزاء العلة على المعلول ، فكيف يمكن حصول المشروط قبل وجود شرطه؟ فإشكاله إشكال الشرط المتأخر.

(٤) أي : ولأجل أنّ إتمام الكشف الحقيقي بالقواعد مشكل استشكل العلّامة قدس‌سره في الكشف في القواعد (٢) ، لقوله فيها : «وفي زمان الانتقال إشكال» وكذا لم يرجّح الكشف المحقق الثاني قدس‌سره في حاشية الإرشاد (٣).

(٥) وإن رجّحه في جامع المقاصد.

(٦) أي : خلاف الكشف ، وهو النقل ، وتقدم كلامه في (ص ٧) فراجع.

(٧) حيث إن الفاضل الآبي جعل الإجازة عقدا مستقلّا ومستأنفا ، بناء على إرادة

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤٢٠ ، كشف الرموز ، ج ١ ، ص ٤٤٥ ـ ٤٤٦ ، والحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٨٩.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩.

(٣) حاشية الإرشاد ، مخطوط ، الورقة ٢١٩.

٦٥

وقوّاه (١) في مجمع البرهان (١) ، وتبعهم كاشف اللّثام في النكاح (٢).

هذا (٢) بحسب القواعد والعمومات.

وأمّا الأخبار (٣) ، فالظاهر من صحيحة محمّد بن قيس (٤) الكشف ، كما صرّح به في الدروس (٣) ، وكذا (٥) الأخبار التي بعدها.

______________________________________________________

النقل من هذا التعبير ، وإلّا فظاهره قول ثالث مقابل الكشف والنقل ، وتقدم تفصيله في بيع الغاصب لنفسه ، فراجع (٤).

(١) أي : وقوّى مختار صاحب الإيضاح المحقق الأردبيلي قدس‌سره في شرح الإرشاد.

(٢) أي : عدم القول بالكشف الحقيقي إنّما هو بحسب القواعد والعمومات الدالة على اعتبار الرضا وطيب النفس في التجارة.

(٣) يعني : وأمّا بحسب الأخبار ، فظاهر بعضها ـ وهو صحيحة محمّد بن قيس ـ الكشف.

(٤) وجه ظهور الصحيحة في الكشف هو : أنّ الحكم بأخذ المشتري للولد بدون دفع قيمته إلى مالك الجارية يلائم تكوّن الولد في ملكه ، لا في ملك سيّدها. وهذا ينطبق على الكشف ، إذ على القول بالنقل يكون الولد لمالك الجارية ، لأنّه نماء ملكه. وعلى المشتري دفع قيمة الولد إليه لو وطأ الجارية شبهة.

(٥) معطوفة على «فالظاهر من صحيحة» وضمير «بعدها» راجع إلى «صحيحة».

وقد تقدم ذكر هذه الأخبار ـ استدلالا وتأييدا واستيناسا ـ في اولى مسائل البيع الفضولي فراجع (٥).

فمنها : ما دلّ على صحة نكاح الفضولي في الحرّ والعبد بعد لحوق الإجازة ، فإنّها

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٥٩.

(٢) تقدم تخريجه في ص ٧ ، فراجع.

(٣) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ٢٣٣.

(٤) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٥٦٩.

(٥) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٤٠٧ الى ص ٤٦٨.

٦٦

لكن لا ظهور فيها (١) للكشف بالمعنى المشهور (٢) ، فتحتمل الكشف الحكمي (٣) (*).

______________________________________________________

ظاهرة في صحته من حين العقد ، لا من حين الإجازة ، كقوله عليه‌السلام في نكاح العبد : «فإذا أجاز جاز» أي : نفذ العقد.

ومنها : ما دلّ على تقسيم الربح بين ربّ المال وبين العامل في باب المضاربة إذا خالف العامل ما اشترط عليه ـ بناء على كونه من موارد الفضولي ، وتوقف ملك ربّ المال للربح على إجازته ، لا للتعبد على ما سبق تفصيله هناك ـ فإنّ ظاهره كون الإجازة كاشفة عن صحة معاملات العامل ، وترتب الأثر عليها من حين وقوعها ، وأنّ حصّة كل واحد منهما من الربح كانت له من حين ظهوره ، وهو زمان البيع والشراء برأس المال ، لا من حين الإجازة.

ومنها : ما ورد في اتجار غير الولي بمال اليتيم ، بناء على حملها على صورة إجازة الولي حتى يندرج موضوعا في باب الفضولي. وتقريب الكشف كما تقدم آنفا. وهكذا سائر الأخبار الخاصة المذكورة في المسألة الأولى ، فراجع.

(١) أي : في الأخبار المذكورة بعد صحيحة محمّد بن قيس.

(٢) وهو الكشف الحقيقي المعتمد على شرطية نفس الإجازة بنحو الشرط المتأخر.

(٣) لصلاحية ما ذكر فيها من الأحكام لكلّ من الكشف الحقيقي والحكمي.

__________________

(*) بل لا يبعد الكشف الانقلابي. ولا يخفى أنه لا مانع من طروء عنوان على شي‌ء وجد مجرّدا عن عنوان كعقد الفضولي ، فإنّه وجد مجرّدا عن صفة المؤثرية ، فيمكن حينئذ أن يطرء عليه عنوان كإجازة المالك الأصيل لهذا العقد ، الموجبة لصيرورته مرتبطا بالمالك وعقدا له. وهذا العنوان يوجب كون العقد مؤثرا من حين وقوعه.

فالإشكال عليه تارة بعدم المعقولية «لأنّ العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير له» إلى آخر ما أفاده المصنف قدس‌سره في (ص ٥٥). واخرى بلزوم اجتماع مالكين على مال واحد في زمان واحد ، وهو ما بين زماني تحقق العقد وصدور الإجازة.

مندفع في الأوّل بما مرّت الإشارة إليه من أنّ الاستحالة المزبورة إنّما هي في

٦٧

.................................................................................................

__________________

الأعراض الخارجية ، لاستحالة انقلاب بياض الجسم الذي كان ملوّنا به من طلوع الفجر إلى الزوال مثلا إلى السّواد في ذلك الزمان المتخلل بين طلوع الفجر والزوال. لا في الأمور الاعتبارية التي منها الملكية ، فإنّ للملكية أثرا حاليا واستقباليا كما لا يخفى.

وفي الثاني بعد لزوم اجتماع المالكين ، بل المالك واحد ، وهو المجيز إلى زمان الإجازة ، وبسبب الإجازة ينقلب مالكيته الثابتة له فيما قبل الإجازة إلى مالكية شخص آخر ، وهو المجاز له في ما قبل الإجازة ، فإنّ اختلاف العناوين الطارئة على شي‌ء يوجب اختلاف الاعتبار ، فإنّ طروء الإجازة على العقد أوجب اعتبار المؤثرية له من حين وقوعه. ولا غرو في اختلاف الاعتبار الناشئ من اختلاف الطوارئ. فإنّ أجزاء العبادات كذلك ، ضرورة أنّ أجزاء الصلاة مثلا لا تتّصف حين وجودها بالجزئية ، بل بعد وجود تمام الصلاة بشرائطها تتصف بها ، لأنّ جزئية كل من الأجزاء مشروطة بوجود الجزء الآخر. فالتكبيرة مثلا لا تعنون بالجزئية إلّا بعد الإتيان بسائر الأجزاء. وكذا سائر المركبات التدريجية الارتباطية كالحج.

ونظير ذلك الصوم ، فإنّ المكلف إذا أمسك بدون نية الصوم ، ثم نوى الصوم قبل الزوال في الواجب غير المعيّن ، أو قبل الغروب في الصوم المندوب ، كفى وإن لم يكن الزمان السابق على النية معنونا بعنوان الصوم ، لكنّه صار معنونا بعنوانه بسبب النيّة المتأخرة عنه.

ومن هذا القبيل ثبوت طهارة ماء أو ثوب في الساعة الاولى من النهار ، مثلا بقاعدة الطهارة ، وقيام بينة بعد ذلك على نجاسته قبل الساعة الاولى من النهار ، فإنّ الاستصحاب يقتضي نجاسته في الساعة الاولى ، مع أنّه كان محكوما فيها بالطهارة لقاعدتها. وليس اختلاف الحكم إلّا لأجل اختلاف الطواري.

وقد ظهر ممّا ذكرنا : أنّ الأوفق بالفهم العرفي هو الكشف الحقيقي الانقلابي ، إذ الإجازة تتعلق بمضمون العقد ـ وهو الانتقال حين وقوعه ـ وإن لم يكن زمان إنشاء العقد قيدا له ، بل كان ظرفا له ، لكن العرف يحكم بأن مضمون العقد والمسبب عنه كالمسببات الحقيقية المترتبة على أسبابها في المقارنة وعدم الانفكاك زمانا عن أسبابها. وهذا الحكم الارتكازي العرفي قرينة على حمل العمومات على تنفيذ عقد الفضولي المجاز من حين وقوعه.

٦٨

نعم (١) صحيحة أبي عبيدة (٢) ـ الواردة في تزويج الصغيرين فضولا ،

______________________________________________________

(١) استدراك على ما أفاده آنفا من عدم دلالة الأخبار ـ المستدل بها على صحة البيع الفضولي ـ على خصوص الكشف الحقيقي ، لاحتمال الكشف الحكمي فيها.

وأمّا صحيحة أبي عبيدة فظاهرة في خصوص الكشف الحقيقي ، كما سيأتي ان شاء الله تعالى.

(٢) وهي ما رواه أبو عبيدة ، قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية

__________________

وقد ظهر ممّا ذكرنا : أنّ الأقرب من أقسام الكشف الحقيقي هو الانقلابي ، لا الحكمي ، إذ مع فرض عدم المعقولية يخرج عن العمومات خروج الفرد عن حيّز العموم ، لا أنّه يحمل على النفوذ الحكمي ، لأنّه تصرف غير عرفي في العام من دون قرينة عليه. هذا بالنسبة إلى العمومات.

وأمّا بالنسبة إلى الأخبار الخاصة ، فرواية عروة ـ بعد فرض دلالتها على كون موردها عقد الفضولي ـ ظاهرة في الكشف الحقيقي ، لا الانقلابي ولا الحكمي ، لأنّه تصرف تصرفا خارجيا من قبض الدينار وإقباض الشاة ، فهذا يناسب اعتبار الملكية قبل حصول الإجازة. وهذا هو الكشف الحقيقي غير الانقلابي ، كما لا يناسب الكشف الحكمي فضلا عن النقل.

وصحيحة محمّد بن قيس ظاهرة في الكشف من غير ظهور لها في أحد أقسامه ، في مقابل النقل ، لأنّه على تقدير النقل يلزم أخذ الولد الذي هو نماء ملك السيد الأوّل مجّانا ، لعدم وقوع الوطي في ملكه حقيقة أو حكما. كما لا تصير الجارية أمّ ولد ، ولا يلحق به الولد ، لأنه زان.

وصحيحة أبي عبيدة الواردة في نكاح الصغيرين ـ إذا مات أحدهما قبل أن يجيز الآخر ـ ظاهرة بل صريحة في الكشف ، إذ لا معنى لناقلية الإجازة مع موت أحد الزوجين. لكن لا يظهر أنّه أيّ قسم من أقسام الكشف.

وبالجملة : فلو لم يثبت كون الإجازة كاشفة بأنحاء الكشف المتقدمة ، أو ناقلة ، ووصلت النوبة إلى الأصل العملي ، فمقتضى أصالة الفساد عدم ترتيب آثار صحة العقد إلّا بعد الإجازة ، وهذا ينطبق على ناقليتها ، فإنّ استصحاب الملكية إلى زمان الإجازة جار بلا مانع ، فمالكية المالك الأصيل باقية إلى زمان الإجازة.

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

زوّجهما وليّان لهما ، وهما غير مدركين؟ قال : فقال : النكاح جائز ، أيّهما أدرك كان له الخيار ، فإن ما تا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلّا أن يكونا قد أدركا ورضيا.

قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال : يجوز ذلك عليه ، إن هو رضي.

قلت : فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية ، أترثه؟ قال : نعم ، يعزل ميراثها منه حتى تدرك وتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر.

قلت : فإن ماتت الجارية ولم يكن إدراك ، أيرثها الزوج المدرك؟ قال : لا ، لأنّ لها الخيار إذا أدركت.

قلت : فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟ قال : يجوز عليها تزويج الأب ، ويجوز على الغلام ، والمهر على الأب للجارية» (١).

ومحصّل مدلول الصحيحة : أنّ أبا عبيدة الحذّاء سأل الإمام أبا جعفر الباقر عليه الصلاة والسلام عن حكم تزويج الصغيرين بأن يزوّج وليّ الصغيرة صغيرا ، فيقبل وليّه. وللسؤال موردان يختلف حكمهما ، فتارة يكون الوليّ هو الأب ، ولا يتوقف تزويجه على إجازة الصبي أو الصبية بعد البلوغ ، واخرى يكون المزوّج وليا شرعا كالوصي والحاكم الشرعي ممّن ليس له ولاية على نكاح الصغير. والمراد بالولي في صدر الرواية هو هذا بقرينة ذيل الرواية من نفوذ تزويج الأب.

وعليه فإذا زوّج الحاكم الشرعي مثلا طفلة من طفل ، توقّفت صحته على إجازة كل منهما بعد بلوغه ، فإن أجازاه فهو ، وإن لم يجزه أحدهما بطل.

ومن فروع المسألة أن يدرك الزوج قبل أن تدرك الزوجة الصغيرة ، فأجاز الرجل العقد ومات. فأجاب عليه الصلاة والسلام بأنّه يجب عزل نصف المهر وحصّة الزوجة من الإرث ، وينتظر بلوغها ، فإن ردّت العقد بطل النكاح ، ولم يكن لها شي‌ء من أموال الزوج ولا المهر. وإن رضيت بعقد النكاح الواقع حال صغرها طلب منها الحلف على أنّ الداعي إلى إظهار قبول النكاح هو الرضا بكونه زوجا لها لو كان حيّا لا الطمع في أمواله.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٥٢٧ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث ١.

٧٠

الآمرة (١) بعزل الميراث من الزوج المدرك الذي أجاز فمات ـ للزوجة (٢) غير المدركة حتّى تدرك ، وتحلف ، ظاهرة (٣) في قول الكشف (٤).

______________________________________________________

فإن حلفت كان لها نصف المهر ونصيبها من الإرث ، هذا.

والشاهد في ظهور حكمه عليه الصلاة والسلام بعزل نصيبها ـ إلى أن تدرك وتجيز العقد الفضولي ـ في كون الإجازة كاشفة حقيقة ، وأنّ الزوجة صارت مالكة للمهر ، وتحققت زوجيتها حال العقد. مع أنّ موت أحد المتعاقدين قبل القبول مبطل للعقد.

ولولا كاشفية الإجازة لم يتجه أمره عليه‌السلام بالعزل مطلقا ، بل كان اللازم تقييده بما إذا رضي ورثة الزوج بإفراز مقدار من أمواله حتى تبلغ زوجته الصغيرة ، كي تجيز أو تردّ. فالأمر بالعزل بقول مطلق شاهد على أنّ الزوجة ورثت كسائر الورثة من زمان العقد ، وهذا هو الكشف الحقيقي.

(١) هذا و «الواردة» نعتان للمبتدء وهو «صحيحة». والأمر بالعزل يستفاد من الجملة الخبرية في مقام الإنشاء ، وهي قوله عليه‌السلام : «نعم يعزل ميراثها».

(٢) متعلق ب «عزل» وقوله : «حتى تدرك» قيد للعزل.

(٣) خبر قوله : «صحيحة أبي عبيدة».

(٤) أي : في الكشف الحقيقي المثبت للزوجية حين العقد ، لأنّها هي التي توجب الإرث. والاستدلال بهذه الصحيحة على الكشف الحقيقي منوط بمقدمتين :

الاولى : بقاء عموم قاعدة السلطنة على حالها ، وعدم ورود تخصيص عليها ، إذ لو قلنا بتخصيص هذا العموم لا يبقى مجال لاستظهار الكشف الحقيقي.

وبيانه : أنّ قاعدة الإرث المستفادة من قوله عليه‌السلام : «ما تركه الميت فلوارثه» تقتضي انتقال جميع أموال الزوج إلى ورثته الموجودين حال الموت ، وهم ما عدا هذه الزوجة الصغيرة التي لم يعلم كونها زوجته واقعا. ومقتضى قاعدة السلطنة استقلال الورثة بجميع ما تركه الزوج ، وعدم جواز مزاحمتهم فيه.

إلّا أنّ صحيحة أبي عبيدة أمرت بعزل نصيب الزوجة من الميراث ، إلى أن تدرك ، فإن أجازت العقد كان لها نصيبها من الإرث ، وإن ردّته كان المال المعزول

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

لسائر الورثة. وهذا الأمر بالعزل يحتمل فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون تخصيصا لعموم قاعدة السلطنة ، بأن يقال : إنّ المال المعزول ملك للورثة ، إلّا أنّهم محجورون عن التصرف فيه ، نظير حجر الملّاك عن أموالهم كالصبي والمجنون ونحوهما ممّن لا سلطنة له على التصرف في ملكه. وبناء على هذا الاحتمال لا تصلح الصحيحة لإثبات الكشف ، لفرض انتقال المال إلى الورثة بمجرّد الموت ، واستحقاق الزوجة لنصيبها بالإجازة لا يدلّ على الكشف الحقيقي حينئذ ، وإنّما يجب على الورثة تسليم حصّتها من الإرث ، وهو يناسب الكشف الحكمي والنقل.

ثانيهما : أن يكون حرمة تصرف الورثة في حصة الزوجة ـ وهو المال المعزول ـ أجنبيّا عن تخصيص قاعدة السلطنة ، لكونه من باب التخصّص ، بأن تتلقّى الزوجة المهر ـ وحصّتها من الإرث ـ من الزوج بمجرّد موته ، فلم ينتقل حصّتها إلى الورثة بالموت ، حتى يكون المنع من التصرف فيه تخصيصا لقاعدة السلطنة. يعني : أنّ الزوجة الصغيرة استحقّت هذا المال المعزول من حين موت الزوج ، فكأنّها كانت زوجة كبيرة ورثت زوجها بموته.

وبناء على هذا الاحتمال تدل الصحيحة على الكشف الحقيقي ، لكشف الإجازة عن ثبوت الزوجية من زمان العقد ، وترتب آثارها من حينه.

فإن قلت : بعد تكافؤ احتمالي التخصيص والتخصّص في قاعدة السلطنة لا سبيل لاستظهار الكشف الحقيقي ، لاحتمال الكشف الحكمي ، بأن يكون الأمر بالعزل تخصيصا في قاعدة السلطنة ، فالمال بتمامه ملك الورثة ، ولكنّه يحرم عليهم التصرف في بعضه وهو حصة الزوجة ، ولا معيّن لاحتمال التخصّص حتى يستفاد الكشف الحقيقي منه.

قلت : إنّ عموم قاعدة السلطنة وإن كان قابلا للتخصيص شرعا كما خصّص في موارد حجر الملّاك ، إلّا أنّ المتعيّن في المقام هو الالتزام بأنّ منع الورثة عن المال المعزول خارج عن قاعدة السلطنة موضوعا ، وذلك لما قرّره المصنف قدس سرّه في الأصول من حجية أصالة العموم في إحراز حال الفرد غير المحكوم بحكم العام ، لو تردّد أمره بين الخروج موضوعا أو حكما ، وأنّه يحكم على الفرد بخروجه تخصّصا عن العموم.

٧٢

إذ (١) لو كان مال الميّت قبل إجازة الزوجة باقية (٢) على ملك سائر الورثة ، كان (٣) العزل مخالفا لقاعدة تسلّط الناس على أموالهم. فإطلاق (٤) الحكم بالعزل

______________________________________________________

ومثّل له هناك بطهارة الغسالة ، ودورانها بين تخصيص «كل نجس منجس» يعني أنّها نجس غير منجّس ، وبين طهارتها واقعا وعدم مصداقيتها لخطاب «النجس منجّس».

وبناء على هذا الأصل المقرّر يقال في المقام : إنّ الورثة ممنوعون من التصرف في المال المعزول ، وهذا المنع مردّد بين كون المال لهم وحجرهم عنه حتى تخصّص قاعدة السلطنة. وبين كون المال أجنبيّا عنهم وأنّه للزوجة ، فحرمة تصرفهم فيه ليس للحجر ، بل لعدم كونه مملوكا لهم. ويتعيّن الاحتمال الثاني ، لحجية أصالة العموم لإحراز حال الفرد ، هذا.

المقدّمة الثانية : إلغاء احتمال خصوصيّة المورد ، فإنّ الصحيحة وإن دلّت على الكشف الحقيقي ، لكن يحتمل اختصاصه بموردها وهو نكاح الصغيرة ، أو مطلق النكاح. فالتعدّي منه إلى العقود المالية الفضولية منوط بإسقاط خصوصية المورد ، إمّا لمساواتهما ملاكا ، وإمّا لأهميّة الأعراض من الأموال.

وهذه المقدمة الثانية وإن لم يصرّح بها في المتن ، لكنها تستفاد من نصوص نكاح العبد وغيره مما تقدّم في أدلّة صحّة البيع الفضوليّ ، فراجع.

(١) هذا تقريب دلالة الصحيحة على كاشفية الإجازة ، وحاصله : أنّه لو كان مال الميت باقيا على ملك سائر الورثة قبل الإجازة ـ كما هو مقتضى ناقلية الإجازة ـ كان العزل مخالفا لقاعدة تسلط الناس على أموالهم ، إذ للورثة المنع عن هذا العزل.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب «باقيا» ، لكونه خبر «مال».

(٣) جواب الشرط في قوله : «لو كان».

(٤) هذا منشأ الحكم بكاشفية الإجازة كشفا حقيقيا ، وحاصله : أنّ إطلاق الحكم بالعزل وعدم تقييده برضا الورثة وإذنهم ـ مع حفظ عموم قاعدة سلطنة الناس على أموالهم ، وعدم تخصيصه ـ يقتضي أن يكون العزل لاحتمال صحة النكاح وصيرورة الصغيرة زوجة من حين وقوع العقد ، ووارثة في الواقع كما هو مقتضى الكشف الحقيقي.

٧٣

منضمّا (١) إلى عموم الناس مسلّطون على أموالهم (*) يفيد (٢) أنّ العزل لاحتمال كون الزوجة المدركة وارثة في الواقع ، فكأنّه (٣) احتياط في الأموال قد غلّبه الشارع على أصالة عدم الإجازة ، كعزل نصيب الحمل (٤) وجعله (٥) أكثر ما يحتمل.

______________________________________________________

فهذا الاحتمال أوجب الاحتياط في الأموال ، وحكّمه على أصالة عدم الإجازة المقتضية لعدم تحقق الزوجية.

وهذا العزل نظير عزل نصيب الحمل في الزوجة الحامل التي مات زوجها ، فإنّه يحتاط في الإرث ، ويعزل للحمل نصيب ذكرين احتياطا ، على التفصيل المحرّر في كتاب الميراث.

(١) حال ل «إطلاق» يعني : مع التحفظ على عموم قاعدة السلطنة ، وعدم تخصيصه بهذه الصحيحة. والوجه في عدم التخصيص عند دوران الأمر بينه وبين التخصّص ما تقرّر في الأصول من حجية أصالة العموم لإحراز حال الفرد غير المحكوم بحكم العام.

(٢) خبر قوله : «فإطلاق» ، وقوله : «لاحتمال» خبر : «ان العزل».

(٣) أي : فكأنّ العزل احتياط في الأموال.

(٤) المماثلة تكون في مراعاة الاحتمال ، فكما أنّ احتمال تولد الحمل حيّا أوجب الاحتياط بعزل نصيب ذكرين له من تركة الميت ، فكذلك احتمال حصول الزوجية في المقام أوجب الاحتياط بعزل نصيب الزوجية حتى يتبين الحال.

(٥) معطوف على «عزل» أي : وكجعل نصيب الحمل أكثر من نصيب ذكر ، حيث

__________________

(*) مخالفة قاعدة السلطنة منوطة بدخول المال المعزول في ملك الورثة ، حتى يكون تلقّي الزوجة لنصيبها منهم مخالفا لقاعدة سلطنتهم على أموالهم. وأمّا بناء على عدم دخوله في ملكهم فلا يلزم إلّا مخالفة قاعدة «ما تركه الميت فلوارثه».

هذا مضافا إلى منافاة استظهار الكشف الحقيقي من هذه الصحيحة لما تقدّم منه في (ص ٥٥) من كونه غير معقول ، فلا بدّ من توجيه الصحيحة على الوجه المعقول ، وهو الكشف الحكمي أو الانقلابي.

وإلى : أن مبنى الكشف الحقيقي هو التحفظ على عموم قاعدة السلطنة. مع أن المبنى ممنوع ، كما قرر في الأصول.

٧٤

بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته (١) والنقل ، فنقول :

أمّا الثمرة على الكشف الحقيقي (٢) بين كون نفس الإجازة شرطا ، وكون الشرط تعقّب العقد بها ، ولحوقها له ، فقد (٣) يظهر في جواز تصرّف كلّ منهما (٤) فيما انتقل إليه بإنشاء الفضولي إذا علم (٥) إجازة المالك

______________________________________________________

إنّه يعزل له نصيب ذكرين كما مرّ آنفا.

وقد تحصّل ممّا أفاده المصنف في المقام الأوّل : دلالة صحيحة أبي عبيدة على الكشف الحقيقي ، هذا.

الثمرة بين أنحاء الكشف

(١) الثلاثة المتقدمة في مقام الثبوت. وهذا شروع في المقام الثاني ، وهو ثمرة القولين ، ولكنّه بيّن أوّلا الثمرة بين أقسام الكشف ، ثمّ بين الكشف والنقل. فتارة يبحث عن الثمرة بين قسمي الكشف الحقيقي ، واخرى بين الكشف الحقيقي والحكمي ، وثالثة بين الكشف والنقل ، فهنا جهات ثلاث.

الثمرة بين قسمي الكشف الحقيقي

(٢) هذه هي الجهة الاولى ، وهي الثمرة المختصة بكلا قسمي الكشف الحقيقي المذكورين في المتن ، وهما : كون نفس الإجازة شرطا ، وكون الشرط تعقب العقد بالإجازة. وتظهر الثمرة بينهما في جواز تصرف كل منهما فيما انتقل إليه بإنشاء الفضولي إذا علم إجازة المالك فيما بعد بناء على شرطية التعقب ، وعدم الجواز بناء على شرطية نفس الإجازة بوجودها الخارجي حتى مع العلم بصدور الإجازة من المالك فيما بعد.

(٣) جواب «أمّا» والتعبير ب «قد» ـ الظاهر في التقليل ـ إنّما هو لاحتمال كون التعقب وصفا للعقد مطلقا ، أو حين حصول الإجازة ، أو العلم بتحققها فيما بعد. وإلّا فمع توقف وصف التعقب على وجود الإجازة خارجا تنتفي الثمرة بين شرطية نفس الإجازة وشرطية التعقب ، لعدم حصول شرط الملكيّة ـ وهو الإجازة أو التعقّب ـ حتّى يجوز التصرف.

(٤) أي من المتعاقدين.

(٥) كما صرّح به صاحب الجواهر في عبارته المتقدمة في (ص ٣١).

٧٥

فيما بعد (*) (١).

______________________________________________________

(١) لا تخلو العبارة من قصور ، فلا بدّ أن ينضمّ إلى المتن جملة «بناء على الثاني دون الأوّل».

أقول : إنّ ترتب هذه الثمرة على القسمين المذكورين منوط بكون وصف التعقب ثابتا للعقد بنحو الشرط المقارن. وهذا مشكل كما ذكرناه في التعليقة.

وعليه فالإجازة والتعقب بوزان واحد من حيث الشرطية. فالملكية التي هي موضوع جواز التصرف منوطة بوجود الإجازة خارجا ، سواء أكان الشرط نفس الإجازة أم التعقب ، لحصول كليهما بصدور الإجازة.

فالمتحصل : عدم جواز التصرف قبل وجود الإجازة مطلقا ، سواء أكان الشرط

__________________

(*) ينبغي أن يقال : إنّ الكشف الحقيقي تارة يكون بشرطية التعقب بالإجازة ، مع الالتزام بكون التعقب وصفا مقارنا للعقد. فالعلم بحصول الإجازة فيما بعد علم بتحقق الشرط فعلا ، وهو التعقب ، والعلم به علم بالمشروط فعلا وهو الملكية ، فيجوز التصرف حينئذ أي قبل حصول الإجازة ، لفعلية الشرط الموجبة لفعلية المشروط.

واخرى يكون بشرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخر المصطلح عليه. ووزان هذه الصورة وزان شرطية التعقب في فعلية الشرط والمشروط ، إذ مع فرض جواز الشرط المتأخر يكون كل من الشرط والمشروط مع العلم بحصول الإجازة فعليّا ، فلا مانع من التصرف.

وثالثة يكون بشرطية الإجازة المتأخرة الموجبة للانقلاب. ومن المعلوم أنّ العلم بحصول سبب الانقلاب ـ وهو الإجازة فيما بعد ـ لا يكون علما بالانقلاب فعلا حتى يترتب عليه الملك الذي هو سبب جواز التصرف.

وقد ظهر من هذا البيان ترتب الثمرة على هذه الأقسام من الكشف الحقيقي ، لجواز التصرف قبل صدور الإجازة في القسمين الأوّلين ، لفعلية الشرط والمشروط في كليهما على التفصيل المتقدم. بخلاف القسم الثالث ، ضرورة أنّ الإجازة بوجودها الخارجي سبب للانقلاب ، فالعلم بصدورها فيما بعد علم بحصول السبب فيما بعد ، وذلك ليس علما بفعلية سبب الانقلاب حتى يترتب عليه الملكية التي أنيط بها جواز التصرف.

٧٦

وأمّا الثمرة بين الكشف الحقيقي (١) والحكمي مع كون نفس الإجازة شرطا ، [فإنّه] (٢) يظهر في مثل ما إذا وطأ المشتري الجارية قبل إجازة مالكها ، فأجاز

______________________________________________________

نفس الإجازة أم التعقب. والثمرة المذكورة ليست ثمرة للكشف الحقيقي المعتمد على شرطية نفس الإجازة أو التعقب.

الثمرة بين الكشف الحقيقي والحكمي

(١) وهو كون الشرط نفس الإجازة بنحو الشرط المتأخر أو تعقب العقد بها ، وهذا شروع في الجهة الثانية ، وهي الثمرة المترتبة على كلّ من الكشف الحقيقي ـ بكلا قسميه ـ والحكمي.

(٢) محصّل الثمرة المستفادة من كلام المصنف قدس‌سره هو : أنه إن اشترى شخص من البائع الفضولي جارية ، وتصرّف فيها قبل المراجعة إلى المالك ليظهر أنه يجيز البيع أو يردّه ، ثم أجاز المالك. فيقع الكلام في جواز استمتاعه بها ، ثم فيما يتفرع عليه من فرعين :

أحدهما : صيرورة الجارية أمّ ولد.

وثانيهما : فيما إذا نقل المالك هذه الجارية ـ التي استولدها المشتري ـ إلى الغير ببيع أو هبة مثلا قبل أن يجيز بيع الفضولي.

أمّا ظهور الثمرة في حكم الاستمتاع بها قبل إجازة المالك ، فبيانه : أنّه بناء على كون الإجازة ناقلة لا يجوز التصرف قبل الإجازة واقعا وظاهرا. وكذا بناء على الكشف الحكمي مع شرطية نفس الإجازة ، سواء أكان عالما بلحوق الإجازة أو بعدمه ، أم كان شاكّا في لحوقها.

أمّا على الأوّل فلعدم تحقق سبب الجواز فعلا. والعلم بتحققه فيما بعد لا يوجب فعلية السبب. وأمّا على الثاني فلأصالة عدم الإجازة. وهذا حكم ظاهري ، فيكون تصرفه تجريا ، لحرمته ظاهرا وإن كان حلالا واقعا.

وأمّا بناء على الكشف الحقيقي ـ مع كون وصف التعقب شرطا ـ فمع العلم

٧٧

فإنّ (١) الوطء على الكشف الحقيقي حرام ظاهرا ، لأصالة عدم الإجازة ، وحلال

______________________________________________________

بلحوق الإجازة يجوز التصرف (*) ، لحصول انتزاع وصف التعقب بالعلم بحصول الإجازة.

وأمّا مع كون الشرط نفس الإجازة ، فظاهر المصنف قدس‌سره عدم الجواز ظاهرا كالنقل ، سواء أكان عالما بتحقق الإجازة أم شاكّا فيه.

إذ على الأوّل ليس السبب كاملا وإن علم باستكماله فيما بعد ، لكنه لا يجدي في جواز التصرف قبل استكمال السبب كما في النقل.

وعلى الثاني يستند عدم الجواز إلى أصالة عدم تحقق الإجازة.

وأمّا الحكم الواقعي فهو الجواز مع فرض تحقق الإجازة.

ويترتب على الجواز الواقعي والمنع الظاهري ما يترتب عليهما من الأحكام. فالمتصرف ـ بناء على عدم الجواز ظاهرا ـ فاسق ، فيستحقّ التعزير والعقاب بناء على القول بثبوته على المتجري.

كما أنّ الولد حرّ وملحق به ، لأنّ الرقية ـ كوجوب الحد ـ من آثار عدم الجواز الظاهري والواقعي معا. فلو جاز أحدهما كان كافيا في الحرية والإلحاق وسقوط الحد ، فالولد حرّ وملحق به على احتمالات الكشف.

نعم على القول بالنقل يكون رقّا ، لعدم جواز الوطي ظاهرا ، وعدم صيرورته ملكا له قبل الإجازة. بل يجب عليه الحد أيضا. هذا حكم غير الاستيلاد. وأمّا الاستيلاد فسيأتي حكمه.

(١) تعليل لقوله : «يظهر» وبيان للفارق ـ بين الكشف الحقيقي والحكمي ـ في شراء الجارية فضولا.

__________________

(*) بل لا يجوز التصرف ، لعدم كفاية العلم بحصول الإجازة في انتزاع وصف التعقب ، لأنّ منشأ انتزاع هذا الوصف هو وجود الإجازة خارجا ، دون العلم بوجودها فيما بعد ، كما مرّ سابقا.

٧٨

واقعا ، لكشف الإجازة (١) عن وقوعه (٢) في ملكه.

ولو أولدها (٣) صارت أمّ ولد على الكشف الحقيقي والحكمي ،

______________________________________________________

(١) أي : الإجازة الصادرة من المالك ، فإنّها كاشفة عن وقوع الوطء في ملكه.

(٢) يعني : عن وقوع الوطء في ملك المشتري ، وهذا بخلاف الكشف الحكمي ، حيث إنّ الوطي حرام ، لوقوعه في غير ملكه.

فعلى القول بإجراء الأحكام الممكنة ـ كما مرّ في كلام المصنف قدس‌سره ـ لا يمكن إجراؤها هنا ، لعدم إمكان الحلّ في التصرف الواقع في ملك الغير (*).

(٣) أي : ولو أولد المشتري الجارية صارت أمّ ولد ، ولا يجوز بيعها حينئذ. وهذا شروع في أوّل الفرعين المترتبين على وطي الجارية ـ المشتراة فضولا ـ قبل إجازة المالك.

وينبغي تقديم أمر قبل توضيح المتن ، وهو : أنّهم حكموا في كتاب الاستيلاد بأنّ أمّ الولد مملوكة ، ولكن لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيّا ، إلّا في بعض الموارد. فإن مات مولاها ـ وولدها حيّ ـ جعلت في نصيب ولدها وعتقت عليه (١).

واشترطوا في صيرورتها أمّ ولد أن تحمل من حرّ ، وأن تكون مملوكة له حال الوطء ، سواء أكان الوطء مباحا ، أم محرّما كالوطء في حال الحيض وشبهه. فلو حملت ـ وهي غير مملوكة له ـ لم تكن أمّ ولد ، سواء حملت من مملوك بالزنا أم من حرّ غير مالك لها واقعا كالمغرور ، والمشتري لجارية ظهرت مستحقّة للغير.

قال المحقق قدس‌سره : «فلو أولد أمة غيره مملوكا ، ثم ملكها لم تصر أمّ ولده ولو أولدها حرّا ثم ملكها ، قال الشيخ : تصير أمّ ولده. وفي رواية ابن مارد : لا تصير أمّ ولده» (٢).

__________________

(*) لكن الحق بناء على الكشف الحكمي حلّيّة الوطي ، لأنّ مقتضى تنزيل غير الملك منزلة الملك هو حلية الوطي ، فإنّ دليل التنزيل حاكم على ما دلّ على اعتبار الملك في حلية الوطي ، أو كونه موجبا لصيرورة الأمة أمّ ولد لواطئها ، كسائر التنزيلات الشرعية كالاستطاعة البذلية والمسافة التلفيقية.

__________________

(١) راجع : شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١٣٩.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١٣٨ ، ولاحظ جواهر الكلام ، ج ٣٤ ، ص ٣٧٢ و ٣٧٣.

٧٩

لأنّ (١) مقتضى جعل الواقع ماضيا ترتّب (٢) حكم وقوع الوطء في الملك.

ويحتمل (٣) عدم تحقّق الاستيلاد على الحكمي ، لعدم (٤) تحقّق حدوث الولد

______________________________________________________

والمستفاد منه أنّ ترتب أحكام أمّ الولد على الأمة منوط بكون ولدها حرّا ، وحرّيّته تتوقف على الملك ، سواء أكان الوطء مباحا أم حراما لعارض ، فلو لم تكن مملوكة للواطي كان ولدها مملوكا تابعا لامّه ، ولا تصير محكومة بأحكام أمّ الولد.

ويقع الكلام في أنّ الملكية المستكشفة بإجازة المالك كافية في صدق «أمّ الولد» عليها ، أم لا بدّ من الملكية الثابتة قبل المباشرة ، فنقول : إنّ حاصل ما أفاده قدس‌سره : انّه لا إشكال في تحقق الاستيلاد بناء على الكشف الحقيقي ، لكشف الإجازة عن وقوع الوطء في ملك الواطئ ، فتصير الأمة أمّ ولد له. كما لا ينبغي الإشكال في عدم صيرورتها أمّ ولد للمشتري بناء على ناقلية الإجازة ، لوقوع الوطي في ملك الغير.

وأمّا على القول بالكشف الحكمي ففيه وجهان :

أحدهما : الاستيلاد ، نظرا إلى لزوم ترتيب أحكام الملكية السابقة التي منها صيرورة الأمة أمّ ولد للمشتري.

ثانيهما : عدم الاستيلاد ، لوقوع الوطي في ملك الغير الذي هو محكوم بالبقاء إلى أن تصدر الإجازة من مالك الأمة ، فلا تصير حينئذ أمّ ولد للمشتري.

(١) تعليل لصيرورتها أمّ ولد بناء على الكشف الحكمي ، لأنّ قوله قدس‌سره : «ترتب حكم وقوع الوطي في الملك» كالصريح في عدم وقوع الوطي في الملك حقيقة ، بل نزّل منزلة وقوعه في الملك ، فحكمه حكم الوطي الواقع في الملك حقيقة في كونه موجبا لصيرورة الأمة أمّ ولد.

(٢) خبر قوله : «لأنّ» أي : مقتضى جعل العقد الفضولي نافذا هو ترتب .. إلخ.

(٣) هذا إشارة إلى الوجه الثاني الذي تعرضنا له بقولنا : «ثانيهما : عدم الاستيلاد .. إلخ».

(٤) تعليل لعدم تحقق الاستيلاد بناء على الكشف الحكمي ، لظهور بعض النصوص في أنّ صيرورة الأمة أمّ ولد منوطة بحدوث الولد في الملك ، أي كونها مملوكة للسيد حين تكوّن الولد ، فلو لم تكن مملوكة لسيدها في تلك الحالة لم تصر أمّ ولد ، وإن حكم الشارع

٨٠