هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

.................................................................................................

__________________

وقد تلخص ممّا ذكرناه أمور.

الأوّل : أنّ ضمان كلّ من الضامنين ممّن يجوز للمالك الرجوع إليه ـ وأخذ عين ماله أو بدله منه ـ لأجل وقوع يد كلّ منهم على ماله.

الثاني : جواز رجوع السابق إلى اللاحق ، إذا دفع البدل إلى المالك إن لم يكن السابق غارّا له ، وإلّا فليس له الرجوع إليه ، لقاعدة الغرور. وليس للّاحق الرجوع إلى السابق إذا دفع اللاحق البدل إلى المالك ، لأنّ اللّاحق متعهد لما في ذمة السابق بعد وصول العين منه ، دون العكس ، فليتأمل.

(وجهه : ما ظهر من مطاوي البيانات السابقة من عدم كون اتصاف المال بعهدة الضامن السابق من الصفات الدخيلة في المالية حتى يكون مضمونا على الضامن اللّاحق).

مضافا إلى : عدم وقوع البدل تحت يد اللاحق حتى يضمنه للسابق ، ضرورة أنّ البدل الثابت في ذمة السابق لم يقع في يد اللّاحق حتى يضمنه لأجل قاعدة اليد.

ومضافا إلى : عدم تقدم ضمان السابق على اللاحق ، وذلك لأنّ سبب الضمان ـ وهو التلف ـ بالنسبة إلى جميع الضمناء في رتبة واحدة ، ولا تقدم لبعضها على الآخر حتى يجوز رجوع السابق إلى اللّاحق.

نعم يجوز لمن دفع البدل إلى المالك أن يرجع إلى من تلفت العين بيده ، لأنّ قرار الضمان عليه ، حيث إنّ بناء العقلاء على وقوع المعاوضة القهرية بين العين التالفة وبين البدل الذي يدفعه من تلف عنده المال. وهذا وجه استقرار الضمان عليه.

وأمّا رجوع بعض الضمناء إلى البعض الآخر ـ غير من تلف مال المالك عنده ، بعد تساوي نسبة اليد العادية إلى جميع الضمناء ـ فلم يظهر له وجه. ومجرّد سبق بعضهم زمانا على الآخر في وضع اليد على عين مال الغير لا يجدي في جواز رجوع بعضهم على الآخر ، إذ ليس ذلك مناطا للضمان ، بل مناطه تلف العين كما مرّت الإشارة إليه. وهو يوجب ضمان الكلّ في رتبة واحدة لمالك العين التالفة من دون تقدم لأحدهم على الآخر. فقبل التلف لا ضمان على أحد ممّن وقعت يده على العين إلّا على نحو التعليق. وثبوته غير معلّق منوط بالشرط المتأخر ، لكنه بعد تسليم إمكانه غير ظاهر من أدلة الضمان.

٥٨١

.................................................................................................

__________________

والحاصل : أنّه أوّلا لأسبق ولا لحوق في الضمانات.

وثانيا : ـ على فرض السبق واللحوق ـ أنّ المضمون ليس المال بوصف كونه مضمونا على الضامن السابق ، بل هذا الوصف عنوان مشير إلى ما هو الموضوع ، لا أنّه دخيل في الموضوع.

فاتّضح أنّه لا وجه لرجوع بعض الضمناء إلى بعضهم إلّا إلى خصوص من تلف المال بيده. وأمّا إلى غيره فلا وجه له ، فإنّ «على اليد» يثبت جواز رجوع المالك إلى أيّ واحد شاء من الغاصبين.

وأمّا رجوع بعض الغاصبين إلى البعض الآخر منهم ، فلا يدل على ذلك ، لأنّ المأخوذ ـ أو بدله ـ لا بدّ أن يؤدّى إلى مالكه ، لا إلى غاصبه الآخر ، فإنّ الغاصب ضامن للمالك لا لغاصب آخر ، فإنّ نفس التأدية تدلّ على اعتبار كون المؤدى إليه هو المالك ، لأنّ التأدية عبارة عن إيصال الحق إلى صاحبه ، فإنّ أداء دين زيد لا يصدق إلّا على إيصاله إلى الدائن ، لا إلى غيره من الأجانب.

الثالث : أنّ ضمان الغاصبين يكون بعد تلف العين كما أفاده المصنف في كلامه الذي نقلناه عنه آنفا ، إذ مع بقاء العين لا خسارة على المالك ، والمفروض أنّ الضمان عبارة عن تدارك الخسارة الواردة على المالك من ناحية تلف ماله ، فضمان البدل مترتب على تلف المبدل ، فالبدل طولي ، لا عرضي كخصال كفارة إفطار صوم شهر رمضان ، حيث إنّها أبدال عرضيّة.

فالغاصب مكلّف أوّلا بوجوب ردّ العين المضمونة إلى مالكها. فإنّ تلفت وجب عليه تسليم بدلها إليه. فالضمان بالنسبة إلى الجميع تعليقي ، وفعليته منوطة بتلف العين.

وعلى فالتخيير بين دفع المبدل والبدل ـ كما هو ظاهر المتن ـ غير ظاهر ، بل بدليّة بدل مال المالك طولية ، نظير الكفارات المرتبة ـ ككفارة الظهار وقتل الخطاء ، فإنّه يجب فيهما عتق رقبة ، فإن عجز صام شهرين متتابعين ، فان عجز أطعم ستين مسكينا ـ ضرورة أنّ ضمان البدل مترتب على تعذر المبدل وتلفه ، فلا تخيير بين المبدل والبدل.

ثمّ إنّ هنا فروعا مترتبة على الضمان الطولي :

٥٨٢

.................................................................................................

__________________

الأوّل : أنّه لو رجع المالك إلى أحد الضمناء ، وأخذ منه عوض ماله ، لم يكن له الرجوع إلى سائر الضمناء ، وذلك لوحدة الحقّ ، وعدم اشتغال ذمتين عرضيتين بمال واحد ، سواء أكان المؤدّي أوّل السلسلة أم غيره من الضمناء ، وسواء أكان من تلف عنده المال أم غيره.

الثاني : أنّ السابق إذا أدّى مال المالك جاز له أن يرجع إلى اللاحق ، لأنّه باستيلاء يده على المال ضمن ما كان مضمونا على السابق. وهذا بخلاف ما إذا أدّى اللاحق المال إلى المالك ، فإنّه لا يرجع إلى السابق ، لأنّ السابق لم يضمن المال بوصف كونه مضمونا على اللاحق ، فتأمل.

الثالث : أنّ جواز رجوع السابق إلى اللاحق وأخذ المال منه منوط بدفع السابق المال إلى المالك ، لأنّ ما يدفعه اللاحق إلى السابق إنّما هو من باب الغرامة وتدارك خسارة المالك ، وليس من قبيل العوض لما في ذمة السابق. فوزان الضامن اللّاحق مع الضامن السابق وزان الضامن للدّين مع المضمون عنه في الضمان العقدي في عدم استحقاق الضامن الرجوع إلى المضمون عنه وأخذ المال منه إلّا بعد أداء الدّين إلى المضمون له.

وبالجملة : ليس ما في ذمة اللّاحق ملكا للسابق حتى يجب على اللاحق دفع المال إليه مطلقا وإن لم يدفع السابق المال إلى المالك ، بل يكون ما في ذمة اللّاحق ملكا للمالك.

الرابع : لو أبرأ المالك جميع الضمناء فلا إشكال في سقوط حقه رأسا. وأمّا إذا أبرء أحد الضمناء ، ففي اختصاص الإبراء به ، أو عمومه لجميع آحاد السلسلة ، أو عمومه له ولسابقه دون لاحقه؟ وجوه ، أقواها هو الثاني ، لأنّه مقتضى وحدة الحق وطوليّة الضمانات ، فإنّ موضوع جميعها وجود حقّ المالك ، فإذا سقط حقّه الذي هو مدار الضمانات لم يبق موضوع للضمان أصلا ، حيث إنّ لمال المالك بدلا واحدا ، وقد سقط ذلك بالإبراء الذي هو بمنزلة الاستيفاء.

٥٨٣

.................................................................................................

__________________

نعم بناء على عرضية الضمانات يتجه الوجه الأوّل ، وهو اختصاص الإبراء بمن أبرأه المالك ، دون غيره ممّن سبقه ولحقه. لكنك عرفت عدم صحة الضمان العرضي ، بل عدم معقوليته.

الخامس : أنّه إذا أسقط المالك حقّ المطالبة عن بعض الضمناء ، فالظاهر أنّه إسقاط لحق المطالبة الذي هو من حقوق المالك ، وإسقاطه لا يستلزم براءة ذمة الضامن عن المال ، فإنّ إسقاطه لازم أعمّ من ذلك ، لإمكان سقوطه مع بقاء المال في ذمة الضامن. كجواز تأجيل الدّين بالاشتراط في ضمن عقد ، فإنّ هذا الشرط صحيح مع بقاء الدين بحاله.

ففيما نحن فيه يمكن إسقاط حق المطالبة مع بقاء المال على عهدة الضامن. وليس لإسقاط حق المطالبة ظهور عرفي في إبراء الذمة. فلو فرض شك في بقاء المال على عهدته فلا مانع من استصحابه.

السادس : لو صالح المالك مع أحد الضمناء لم يكن له الرجوع إلى أحد من السابقين واللّاحقين ، لذهاب حقّه بالصلح.

إنّما الكلام في حكم المتصالح مع الضمناء ، فهل يجري الصلح مجرى الإبراء حتى لا يجوز له الرجوع إليهم؟ أم يجوز ذلك. الظاهر هو الثاني ، لأنّ جواز مطالبة المالك كان مبنيا على بقاء حقه ، وبعد الصلح تبدل المالك مع بقاء الحق الموجب لجواز المطالبة. فللمتصالح مطالبة أيّ من الضمناء. فليس الصلح كالإبراء ، لأنّ الصلح نقل الحق إلى الغير ، والإبراء إسقاط الحق الذي هو موضوع المطالبة.

إلّا أن يقال : إنّ الملك آنا ما ليس موضوعا للمطالبة. وهذا الملك يتعقبه الإبراء ، فليس موضوعا لجواز المطالبة ، كملكية العمودين المترتب عليها الانعتاق. وهذا الملك التطرقي لا أثر له إلا مثل الإبراء والانعتاق.

هذا إذا كان المتصالح أحد السلسلة. وأمّا إذا كان أجنبيّا ، فجواز مطالبته الضمناء واضح.

٥٨٤

وأمّا (١) حال بعضهم بالنسبة إلى بعض ، فلا ريب في أنّ اللّاحق إذا رجع عليه (٢) لا يرجع إلى السابق ما لم يكن السابق موجبا لإيقاعه في خطر الضمان. كما لا ريب في أنّ السابق إذا رجع عليه (٣) وكان غارّا للاحقه لم يرجع إليه ، إذ (٤) لا معنى لرجوعه عليه بما لو دفعه اللّاحق ضمنه (٥) له (٦).

______________________________________________________

حكم الأيادي المتعاقبة بعضها مع بعض

(١) هذه هي الجهة الرابعة الراجعة إلى حال بعض ذوي الأيدي ـ المستولية على المبيع فضولا ـ بالنسبة إلى البعض الآخر منهم ، وبه ينحلّ الإشكال المتقدم من : أنّه لو رجع المالك إلى البائع وطالبه ببدل ماله التالف بيد المشتري ، جاز للبائع الرجوع إلى المشتري.

ولأجل تحرير محل البحث نبّه المصنف على فرعين قبل حلّ الإشكال.

أحدهما : أنّه لا ريب في عدم رجوع الضامن اللاحق إلى الضامن السابق إذا رجع المالك على اللاحق وأخذ منه بدل ماله ، إلّا إذا كان السابق سببا لوقوعه في خطر الضمان ، كالبائع الفضول العالم بكونه غاصبا للمبيع ، فإنّه غرّ المشتري ، فإذا رجع المالك على المشتري ، وأخذ منه بدل ماله ، رجع المشتري إلى البائع ، لصدق الغرور.

ثانيهما : أنّه لا ريب في أنّ السابق ـ كالبائع ـ إذا رجع عليه المالك ، وأخذ منه بدل ماله ، وكان غارا للاحقه ـ وهو المشتري ـ لم يرجع إلى اللّاحق المغرور.

(٢) أي : على اللاحق ، وهذا إشارة إلى الفرع الأوّل.

(٣) أي : على السابق ، وهذا إشارة إلى الفرع الثاني.

(٤) تعليل لعدم رجوع السابق الغارّ ـ وهو البائع العالم بكونه غاصبا ـ إلى اللّاحق المغرور ، وحاصله : أنّه لا معنى لرجوع السابق إلى اللّاحق بمال لو دفعه اللّاحق كان السابق ضامنا له ، كما إذا كانت قيمة المبيع السوقية ثلاثين دينارا ، وكان الثمن المسمّى عشرين ، ورجع المالك إلى البائع وأخذ منه الثلاثين ، فليس له أن يأخذ ما زاد على العشرين ـ وهي العشرة ـ لأنّه بقاعدة الغرور ليس على المشتري ، بل على البائع الغارّ.

(٥) أي : ضمن السابق المال. وضميرا «للاحقه ، لرجوعه» راجعان إلى السابق.

(٦) هذا الضمير وضميرا «إليه ، عليه» راجعة إلى اللّاحق.

٥٨٥

فالمقصود بالكلام (١) ما إذا لم يكن غارّا له.

فنقول (٢):

إنّ الوجه في رجوعه (٣) هو أنّ السابق اشتغلت ذمّته بالبدل قبل اللاحق ، فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل ، فهذا الضمان (٤) يرجع إلى ضمان واحد من البدل والمبدل على (٥) سبيل البدل ، إذ (٦) لا يعقل ضمان المبدل معيّنا من دون البدل ، وإلّا (٧) خرج بدله عن كونه بدلا.

______________________________________________________

(١) يعني : فالمقصود من كلامنا في رجوع السابق ـ إذا رجع عليه المالك ـ إلى اللّاحق هو السابق الذي لا يكون غارّا للّاحق ، وإلّا فليس له الرجوع إلى اللّاحق أصلا.

(٢) هذا شروع في توجيه رجوع السابق إلى اللّاحق الذي تلف المال عنده.

(٣) أي : السبب في رجوع السابق على اللّاحق ـ إذا لم يكن السابق غارّا للّاحق ـ هو : أنّ اللّاحق يضمن العين مع أوصافها ، ومن المعلوم أنّ العين بعد استيلاء السابق ـ كالبائع ـ عليها صارت ذات بدل ، وبهذا الوصف وقعت تحت يد اللّاحق. فالثابت على السابق هو بدل نفس العين ، والثابت على اللّاحق هو بدل بدل العين.

وبعبارة أخرى : اللّاحق ضمن شيئا له البدل ، فيكون ضمان اللّاحق في طول ضمان السابق ومتعلّقا بالعين وبدلها على البدل ، بخلاف ضمان السابق.

(٤) أي : ضمان اللاحق يرجع إلى ضمان بدل بدل العين ، ولا يمكن ضمان العين بدون وصفها وهو كونها ذات بدل ، فإنّها مع هذا الوصف تعلّق ضمان اللّاحق بها.

(٥) متعلق ب ـ «ضمان واحد» يعني : أنّ ضمان البدل ـ بمقتضى بدليته ـ يكون في طول ضمان المبدل.

(٦) تعليل لكون ضمان اللّاحق لأحد الأمرين ـ من المبدل والبدل ـ على سبيل البدلية ، ومحصله : أنّه لو كان ضامنا لخصوص المبدل ـ كالسابق ـ لخرج بدله عن كونه بدلا ، لعدم تعهّده حسب الفرض لهذا البدل.

(٧) أي : وإن كان اللّاحق ضامنا لخصوص المبدل معيّنا لزم خروج البدل عن كونه

٥٨٦

فما (١) يدفعه الثاني فإنّما هو تدارك لما استقرّ تداركه في ذمّة الأوّل ، بخلاف ما يدفعه الأوّل ، فإنّه تدارك نفس العين معيّنا ، إذ لم يحدث له تدارك آخر (٢) بعد ، فإن أدّاه (٣) إلى المالك سقط تدارك الأوّل له (٤). ولا يجوز (٥) دفعه إلى الأوّل قبل دفع الأوّل إلى المالك ، لأنّه (٦) من باب الغرامة والتدارك ، فلا اشتغال

______________________________________________________

بدلا عن العين ، وصيرورته أجنبيا عنه ، وهو خلاف الفرض.

(١) هذه نتيجة ضمان الثاني كالمشتري فيما نحن فيه ، فإنّ ما يدفعه الثاني تدارك لما استقرّ في ذمة الأوّل وهو البائع. بخلاف ما يدفعه الأوّل وهو البائع ، فإنّه تدارك نفس العين معيّنا ، إذ المفروض أنّه أوّل غاصب استولت يده على المال ، ولم يسبقه يد عادية حتى يحدث للأوّل تدارك آخر غير تدارك العين.

(٢) أي : غير تدارك الأوّل إلى الآن ، ولعدم حصول تدارك آخر يكون التدارك بنفس العين معيّنا. وضمير «له» راجع إلى الأوّل.

(٣) يعني : فإن أدّى الثاني البدل إلى المالك سقط تدارك الأوّل لما استقرّ في ذمته ، فليس للمالك الرجوع إلى الأوّل وأخذ البدل منه.

(٤) أي : لما استقرّ في ذمته.

(٥) يعني ولا يجوز للثاني أن يدفع البدل إلى الأوّل قبل دفع الأوّل البدل إلى المالك.

(٦) هذا تعليل لقوله : «ولا يجوز» وحاصله : أنّ ما يدفعه الثاني إلى الأوّل إنّما هو من باب الغرامة ، وليس من قبيل العوض لما في ذمة الأوّل حتى يجب على اللاحق دفع البدل إلى السابق مطلقا سواء دفع السابق المال إلى المالك أم لا.

وعليه فحال الضامن الأوّل مع الضامن الثاني حال الضامن مع المديون المضمون عنه في أنّ الضامن لا يستحق الدفع من المضمون عنه إليه إلّا بعد أداء الضامن الدّين إلى المضمون له ان كان الضمان بإذنه ، وإلّا فلا يستحق شيئا من المديون المضمون عنه ، لكون الضامن متبرعا حينئذ.

٥٨٧

للذمّة قبل فوات المتدارك (١) [قبل حصول التدارك] (*) وليس (٢) من قبيل العوض لما في ذمّة الأوّل.

فحال الأوّل مع الثاني كحال الضامن مع المضمون عنه في أنّه (٣) لا يستحقّ

______________________________________________________

(١) كذا في نسختنا ، وبعض النسخ ، وفي بعضها «قبل حصول التدارك» وهو أولى.

(٢) أي : وليس ما يدفعه اللّاحق إلى السابق عوضا عمّا في ذمة السابق ، بل هو غرامة ، وهي تتوقف على أن يدفع السابق بدل العين التالفة إلى المالك.

(٣) يعني : في أنّ الضامن لا يستحقّ الأخذ من المضمون عنه إلّا بعد أداء الدّين إلى المضمون له ، كما هو كذلك في الضمان العقدي.

__________________

(*) لا يخفى أنّ قوله : «فلا اشتغال للذمة قبل حصول التدارك» ينافي بدوا ما تقدم في أوّل كلام المصنف قدس‌سره من قوله : «فإذا فرض أيد متعددة يكون العين الواحدة في عهدة كلّ من الأيادي» وجه التنافي : دلالة كلامه السابق على حصول الضمان بمجرّد وضع اليد على مال الغير. والالتزام بالضمان ينافي عدم اشتغال ذمة اللّاحق بالبدل قبل أداء السابق الغرامة إلى المالك ، إذ معناه كون الضمان الفعلي على ذمّة السابق خاصة ، ويتوقف ضمان اللّاحق فعلا على دفع السابق الغرامة إلى المالك.

لكن الظاهر عدم التنافي بين الكلامين ، لما أفاده المحقق الأصفهاني قدس‌سره من : أنّ اليد وإن اقتضت الضمان ، إلّا أنّ ضمان اللّاحق للبدل لمّا كان معنونا بعنوان التدارك ، فلا محالة يكون له مرحلتان :

إحداهما : مرحلة اشتغال ذمة الأوّل للمالك ببدل العين ، وتداركه بقيام ما في ذمة الثاني ـ مقام ما ملكه المالك في ذمة السابق ـ بعنوان كونه بدلا عنه.

ثانيتهما : مرحلة التدارك الخارجي ، بأن يدفع السابق مثل العين التالفة بيد الثاني أو قيمتها إلى المالك ، حتى يتداركه الثاني بالبدل الذي يدفعه إلى السابق.

فالسّرّ في عدم جواز مطالبة السابق من اللّاحق البدل قبل إيصال بدل العين إلى المالك هو تعنون ما يدفعه الثاني بعنوان الغرامة والتدارك ، وعدم كونه كسائر ما يملكه الإنسان في ذمة الغير بلا وصف ولون. هذا (١).

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٩٧.

٥٨٨

الدفع إليه إلّا بعد الأداء.

والحاصل (١) : أنّ من تلف المال في يده ضامن لأحد الشخصين على البدل من المالك ومن سبقه في اليد ، فيشتغل [ويشتغل] ذمّته (٢) إمّا بتدارك العين ، وإمّا بتدارك ما تداركها. وهذا (٣) اشتغال شخص واحد بشيئين (٤) لشخصين على البدل ، كما كان في الأيدي المتعاقبة اشتغال ذمّة إشخاص (٥) على البدل بشي‌ء واحد لشخص واحد.

وربما يقال (٦) في وجه رجوع غير من تلف المال في يده إلى من تلف في يده

______________________________________________________

(١) يعني : وحاصل ما ذكر ـ في رجوع الضامن السابق كالبائع الفضول إلى الضامن اللّاحق كالمشتري مع عدم كونه غارّا للاحق ـ هو : أنّ الذي تلف المال عنده ضامن لأحد شخصين على البدل ، وهما المالك والضامن السابق وهو البائع ، فتشتغل ذمّته إمّا بتدارك العين ، وإمّا بتدارك بدله الذي استقرّ في ذمة الضامن السابق.

(٢) هذا الضمير والضمير البارز في «سبقه» راجعان إلى الموصول في «من تلف».

(٣) أي : واشتغال ذمّته ـ إمّا بتدارك العين وإمّا بتدارك بدلها ـ يكون اشتغال شخص واحد .. إلخ.

(٤) وهما بدل العين وبدل بدلها.

(٥) كما إذا باع الفضولي متاع زيد على عمرو ، وباع عمرو ذلك المتاع على بكر ، ثم باع بكر ذلك المتاع على بشر ، وتلف المتاع عند بشر ، فهذا المتاع الواحد قد اجتمعت عليه الأيدي الأربع ، فيملك المالك ما في ذمّة كلّ واحد منهم على البدل ، بمعنى أنّه إذا استوفى المالك ما في ذمة واحد منهم سقط ما في ذمة الباقي. فاشتغال ذمم عديدة بمال واحد على سبيل البدل لشخص واحد ممّا لا مانع منه.

(٦) القائل صاحب الجواهر قدس‌سره ، ومحصل ما أفاده في وجه رجوع غير من تلف المال بيده إلى من تلف بيده ـ لو رجع المالك إلى غير من تلف بيده ـ هو : أنّ الذمة المشغولة بالمال المغصوب التالف واحدة ، وهي ذمّة من تلف بيده. وأمّا غيره من الغاصبين فلا تشتغل ذمته بمال المالك ، وإن كان استيلاء يده العادية على المال موجبا لأن يصير مخاطبا بلزوم ردّ المغصوب إلى مالكه ، ولذا جاز رجوع المالك إلى كلّ من استولى

٥٨٩

لو رجع عليه (١) : إنّ (٢) ذمّة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل ، وإن جاز له (٣) إلزام غيره ـ باعتبار (٤) الغصب ـ بأداء (٥) ما اشتغل ذمّته به. فيملك حينئذ (٦) من أدّى بأدائه ما للمالك في ذمّته بالمعاوضة الشرعية القهريّة. قال (٧) : «وبذلك اتّضح

______________________________________________________

على ماله ، والمطالبة بأخذ المال منه. لكنه خطاب تكليفي محض لا يستبتع وضعا ، كخطاب الإنفاق على الأقارب ، فإنّه ليس إلّا وجوب إعطاء نفقتهم ، من دون اشتغال ذمّة المخاطب بنفقتهم.

بخلاف وجوب إعطاء بدل مال المالك على من تلف المال بيده ، فإنّه خطاب تكليفي مستتبع للوضع ، كوجوب الإنفاق على الزوجة ، فإنّ ذمة الزوج تشتغل بنفقة الزوجة.

وكذلك ذمّة من تلف المال بيده ، فإنّ خطابه بدفع بدل المال إلى مالكه تكليفي ووضعي.

(١) أي : رجع المالك إلى غير من تلف المال عنده.

(٢) هذا مقول قوله : «يقال» وقد مرّ توضيحه بقولنا : «ان الذمة المشغولة بالمال .. إلخ».

(٣) يعني : وإن جاز للمالك إلزام غير من تلف المال عنده ـ من الغاصبين ـ بأداء ما اشتغلت ذمّة من تلف المال عنده من بدل مال المالك.

(٤) متعلّق ب ـ «جاز» وعلة له ، يعني : أنّ سبب جواز إلزام المالك غير من تلف عنده هو اعتبار الغصب.

(٥) متعلق ب ـ «إلزام» وضمير «به» راجع إلى الموصول المراد به المال.

(٦) يعني : فيملك غير من تلف المال عنده ـ بسبب أدائه لبدل التالف ـ ما للمالك في ذمة الضامن الذي تلف عنده المال بالمعاوضة الشرعية القهرية التي لا تتوقف على القصد والإنشاء.

(٧) يعني قال صاحب الجواهر قدس‌سره : وبذلك ـ أي : وباشتغال ذمة من تلف المال عنده دون غيره من الضامنين ـ اتّضح الفرق بين من تلف المال في يده من الضمناء ، وبين غيره منهم. والفرق بينهما إنّما هو في أنّ الخطاب بالنسبة إلى من تلف المال بيده تكليفي ووضعي ، وبالإضافة إلى غيره تكليفي فقط.

٥٩٠

الفرق بين من تلف المال في يده ، وبين غيره الذي خطابه بالأداء شرعيّ (١) لا ذمّي ، إذ (٢) لا دليل على شغل ذمم متعدّدة بمال واحد ، فحينئذ يرجع عليه ، ولا يرجع هو» انتهى (١).

وأنت (٣) خبير بأنّه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده وخطاب غيره ، بأنّ (٤) خطابه ذمّيّ وخطاب غيره شرعيّ ، مع كون دلالة «على اليد ما أخذت» بالنسبة إليهما على السواء. والمفروض أنّه لا خطاب بالنسبة إليهما غيره (٥).

______________________________________________________

(١) أي : تكليف محض ، لا ذميّ ، أي : لا يثبت شيئا في الذمة حتى يدلّ على الوضع أيضا.

(٢) تعليل لعدم كون خطاب غير من تلف بيده ذميّا أي وضعيا ، وحاصله : أنّه لا دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد ، فيرجع على من تلف في يده ، ولا يرجع هو على غيره ، وهذا معنى قرار الضمان عليه.

(٣) هذا كلام المصنف قدس‌سره. وقد أورد على كلام الجواهر بوجوه خمسة :

الأوّل : أنّه لا وجه للتفكيك بين خطابي من تلف بيده وغيره ، بحمل خطاب الأوّل على التكليفي والوضعي ، وحمل خطاب غيره على التكليفي فقط ، مع كون الدليل ـ وهو : على اليد ما أخذت ـ مساويا بالنسبة إليهما.

(٤) متعلّق بالفرق ، وبيان للفرق بين الخطابين ، يعني : خطاب من تلف بيده ، وغيره.

(٥) أي : غير «على اليد ما أخذت» غرضه : أنّه مع وحدة الدليل من أين جاء هذا الفرق بين خطابي من تلف المال بيده وغيره؟ فقوله : «مع كون دلالة على اليد ما أخذت» من تتمة الجواب الأوّل ، وليس جوابا على حدة يعني : كيف يستظهر من دليل واحد معنيان متغايران مع عدم قرينة على هذا الاستظهار؟

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ٣٤.

٥٩١

مع (١) أنّه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب بالأداء والخطاب الذمّي.

مع (٢) أنّه لا يكاد يعرف خلاف من أحد في كون كلّ من ذوي الأيدي مشغول (٣) الذمّة بالمال فعلا ما لم يسقط بأداء أحدهم ، أو إبراء المالك. نظير (٤)

______________________________________________________

(١) هذا هو الثاني من تلك الوجوه ، وحاصله : أنّه لا يجدي الفرق بين التكليف والوضع في صحة رجوع صاحب الخطاب التكليفي إلى صاحب الخطاب الوضعي ، وعدم صحة العكس. بل قاعدة الغصب الجارية في حقّ كلّ من الغاصبين تقتضي عدم رجوع واحد منهم إلى الآخر ، من غير فرق بين كون الخطابين تكليفيين ووضعيين ومختلفين ، وإلّا فالفرق بين التكليف والوضع واضح.

(٢) هذا هو الثالث من تلك الوجوه ، ومحصله : أنّ تخصيص اشتغال الذمّة بخصوص من تلف المال بيده خلاف ما عرف من عدم خلاف من أحد في اشتغال ذمّة كلّ واحد من ذوي الأيدي الغاصبة بالمال ، وأنّه لا يسقط إلّا بأداء أحدهم ، أو بإبراء المالك.

وهذا الوجه الثالث ناظر إلى قول صاحب الجواهر قدس‌سره : «إذ لا دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد» فإنّ هذا الكلام مخالف للإجماع ـ ونفي الخلاف عن أحد ـ في اشتغال ذمّة كلّ من ذوي الأيدي العادية بالمال فعلا ، ولذا تجري أحكام الدّين على ما بذمة السابق أيضا.

والمذكور في المتن أحكام أربعة ثابتة للدّين ، وهي تجري في المقام من تعاقب الأيدي. فالغرض من التنظير إثبات الحكم الوضعي واشتغال ذمة الأيدي ، ونفي ما أفاده صاحب الجواهر من أنّ خطاب من تلفت عنده العين وضعي ، وخطاب من عداه تكليفي.

وسيأتي بيان تلك الأحكام الثابتة للدين.

(٣) خبر «كون» وقوله : «ما لم يسقط» متعلق ب ـ «مشغول الذمة».

(٤) يعني : أنّ اشتغال ذمة كلّ من الضمناء ـ بالمال المغصوب ـ يكون نظير الاشتغال بغيره من الديون.

٥٩٢

الاشتغال بغيره (١) من الديون في إجباره (٢) على الدفع أو الدفع عنه من ماله ، وتقديمه (٣) على الوصايا ، والضرب (٤) فيه مع الغرماء ،

______________________________________________________

(١) أي : بغير المال المذكور وهو المغصوب.

(٢) متعلق ب ـ «نظير» وهذا أوّل الأحكام الأربعة الثابتة للدّين ، وهو : أنّه يجوز إجبار المديون على أداء الدين. ولو امتنع من الأداء ، رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه به ، لأنّه وليّ الممتنع. فإن أدّى فهو ، وإلّا دفع الحاكم عنه من ماله ، والمستفاد من كلامهم جواز استيفاء حقه بنفسه عند تعذر الوصول إلى الحاكم.

والغرض ثبوت هذا الحكم في ما نحن فيه بالنسبة إلى كلّ واحد من الأيدي ـ حتى من لم يتحقق التلف عنده ـ ممّا يكشف عن اشتغال الذمة ، وعدم كون الخطاب تكليفيا محضا كما زعمه صاحب الجواهر قدس‌سره.

(٣) معطوف على «إجباره» والضمير راجع الى الدين. وهذا ثاني الأحكام الثابتة للديون ، وبيانه : أنّ الآية المباركة قدّمت إخراج الديون من تركة الميّت على وصاياه. وكذا دلّت الرواية عليه.

فلو أوصى بعض ذوي الأيدي فمات ، جاز للمالك مطالبة ورثته ببدل العين المضمونة حتى لو تلفت بيد شخص آخر ، ولزمهم أداء هذا الدّين أوّلا ، ثم تنفيذ الوصية. وهذا كاشف عن الضمان واشتغال العهدة ، لا مجرّد وجوب الأداء تكليفا.

(٤) معطوف على «إجباره» وهذا ثالث آثار الدين ـ على ما ذكروه في المفلّس ـ من : أنّ الغريم لو وجد عين ماله جاز له أخذها حتى لو لم يكن سواها ، كما جاز له أن يضرب مع الغرماء بدينه ، بأن يجعلها بين جميع الغرماء حتى يستوفي كل منهم حقّه بنسبة حصّته.

ويثبت هذا الحكم في المقام ، فلو رجع المالك إلى بعض الأيدي ، ووجده قد أفلس ، وليس عنده إلّا العين المضمونة ، جاز له الضّرب مع الغرماء ، بأن يجعل ما وجد عند المفلّس مالا مشتركا بين الدّيّان ، فيأخذ كلّ منهم حصّته منه.

قال المحقق قدس‌سره : «ومن وجد منهم عين ماله كان له أخذها ، ولو لم يكن سواها. وله أن يضرب مع الغرماء بدينه ، سواء كان وفاء أو لم يكن ، على الأظهر» (١).

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٩٠ ، ونحوه كلام العلامة في قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٤٧.

٥٩٣

ومصالحة (١) المالك عنه مع آخر. إلى غير ذلك من أحكام ما في الذمّة (٢).

مع (٣) أنّ تملّك غير من تلف المال بيده لما في ذمّة من تلف المال بيده بمجرّد (٤) دفع البدل لا يعلم (٥) له سبب اختياري ولا قهري ، بل المتّجه على ما ذكرنا (٦) سقوط

______________________________________________________

(١) معطوف على «إجباره» وهذا رابع آثار الدين ، وهو : أنّه يجوز للدائن أن يتصالح مع المديون على ما في ذمّته ، إمّا بعوض أو مجانا ، كي تبرأ ذمة المديون. فلو كان زيد مديونا لعمرو بألف درهم جاز التصالح عليه بأقلّ منه أو بلا عوض.

وهذا الحكم ثابت في المقام ، بأن يصالح المالك مع أحد الغاصبين بعوض أو مجّانا. فإذا تعاقبت أيدي زيد وعمرو وبكر على مال بشر ، صحّت مصالحة عمرو مع زيد على ما في ذمته لبشر ، وكذا صحّت مصالحة بشر عن زيد مع عمرو ، ونتيجة هذه المصالحة فراغ ذمة زيد.

وجواز هذه المصالحة للمالك ـ وهو بشر ـ شاهد على كونه مالكا لما في ذمة المتصالح عنه ، وهو زيد.

وعليه فاليد في كلّ منهم ضامنة ، وليس مجرد خطاب تكليفي.

(٢) كجواز بيع الدين من المديون ومن غيره ، سواء أكان الثمن مساويا أم أقلّ منه. وكوجوب السعي على المديون لأداء دينه. وكحرمة مطالبة المعسر وحبسه. وكوجوب عزل الدّين عند وفاته لو غاب الدائن ، وغيرها من الأحكام.

(٣) هذا هو الرابع من وجوه الإيراد على صاحب الجواهر قدس‌سره وحاصله : أنّ ما أفاده ـ من تملك الضامن السابق لما في ذمّة الضامن الذي تلف المال بيده بمجرّد دفع بدل العين التالفة إلى المالك ـ لم يعلم له سبب صحيح اختياري ، كالمعاوضة الاختيارية مع المالك ، أو القهرية. والأوّل منتف ، والثاني لا دليل عليه. واحتمال سببية مجرّد دفع البدل شرعا للتمليك لا يثبت ما هو مجد في المقام من التشريع الفعلي للسببية.

(٤) هذا وقوله : «لما في الذمة» متعلقان ب ـ «تملّك». وقوله : «لا يعلم» خبر «أنّ تملك».

(٥) خبر «أنّ تملك».

(٦) وهو قوله : «وحيث انّ الواجب هو تدارك الفائت الذي يحصل ببدل واحد لا أزيد ، كان معناه تسلّط المالك على مطالبة كلّ منهم بالخروج عن العهدة ، فهو يملك ما في ذمّة كلّ منهم على البدل» فراجع (ص ٥٧١).

٥٩٤

حقّ المالك عمّن تلف في يده بمجرّد أداء غيره ، لعدم (١) تحقّق موضوع التدارك بعد تحقّق التدارك.

مع (٢) أنّ اللازم ممّا ذكره أن لا يرجع الغارم فيمن [بمن] لحقه في اليد [الأيدي] العادية إلّا إلى من [بمن] تلف في يده. مع أنّ الظاهر خلافه (٣) ، فإنّه يجوز له (٤) أن يرجع إلى كلّ واحد ممّن بعده.

نعم (٥) لو كان غير من تلف بيده ، فهو يرجع إلى أحد لواحقه إلى أن يستقرّ على من تلف في يده.

هذا (٦) كلّه إذا تلف المبيع في يد المشتري.

______________________________________________________

والحاصل : أنّ المتّجه ـ بناء على هذه العبارة ـ سقوط حقّ المالك عن الضامن الذي تلف المال بيده بمجرّد أداء غيره.

(١) تعليل للسقوط ، وحاصله : انتفاء موضوع التدارك عمّن تلف المال بيده ، فلا يبقى موضوع لحقّ المالك بعد تحقق التدارك ببدل واحد.

(٢) هذا هو الخامس من تلك الوجوه ، وحاصله : أنّ لازم ما ذكر ـ من تملك السابق لما في ذمة من تلف المال في يده ـ عدم رجوع السابق بعد أداء بدل التالف إلّا إلى خصوص من تلفت العين بيده ، لا إلى كل غاصب ممّن تسلّم المغصوب منه وإن لم يتلف عنده. مع أنّ الظاهر خلاف ذلك ، وجواز رجوع مؤدّى البدل إلى كلّ واحد من الغاصبين بعده.

(٣) أي : خلاف اللازم المزبور.

(٤) أي : يجوز لمؤدّي البدل إلى المالك أن يرجع إلى كلّ ممّن بعده من ذوي الأيدي.

(٥) يعني : لو كان واحد ممّن بعده ـ وهو الذي رجع إليه مؤدّى البدل إلى المالك ـ غير من تلف المال بيده ، فهو يرجع إلى أحد لواحقه من الغاصبين ، إلى أن يستقرّ الضمان على من تلفت العين في يده.

وبالجملة : فيرجع الغارم إلى كلّ من تسلّم المال منه من الغاصبين بعده حتى ينتهي إلى من تلف عنده. هذا ما يتعلق بكلام صاحب الجواهر.

(٦) يعني : أنّ موضوع الحكم بضمان كلّ واحد من الغاصبين لبدل العين المغصوبة ، ورجوع المالك على السابق مطلقا ـ وإن تلفت العين عند اللاحق ـ هو صورة تلف العين

٥٩٥

وقد عرفت (١) الحكم أيضا في صورة بقاء العين ، وأنّه (٢) يرجع المالك بها على من في يده ، أو من جرت يده عليها (٣).

فإن لم يكن انتزاعها (٤) ممّن هي في يده غرم (٥) للمالك بدل الحيلولة ، وللمالك استردادها (٦) [استرداده] فيردّ بدل الحيلولة.

ولا ترتفع (٧) سلطنة المالك

______________________________________________________

في يد المشتري. وبهذا ينتهي البحث عن ضمان الأيدي في فرض تلف العين عند أحدهم.

حكم بقاء العين عند بعض الأيدي المتعاقبة

(١) حيث قال في (ص ٤٧١) : «لو لم يجز المالك ، فإن كان المبيع في يده فهو ، وإلّا فله انتزاعه ممّن وجده في يده مع بقائه».

(٢) معطوف على «الحكم» والضمير للشأن ، أي : وقد عرفت رجوع المالك .. إلخ. وغرضه أنّه مع بقاء العين المغصوبة يرجع المالك على من تكون العين في يده فعلا ، أو من كانت العين تحت يده سابقا. هذا إذا أمكن انتزاع العين ممّن هي في يده. وإن لم يمكن انتزاع العين ممّن هي في يده ، غرم للمالك من جرت يده على العين بدل الحيلولة.

(٣) هذا الضمير وضمير «بها» راجعان إلى «العين».

(٤) أي : لم يمكن انتزاع العين لمن جرت يده عليها ممّن هي في يده فعلا.

(٥) يعني : غرم من جرت يده سابقا على العين كالمشتري الأوّل ، فإنّه يغرم بدل الحيلولة. ولكن للمالك حقّ استرداد العين ممّن هي في يده فعلا. فإذا استردّ المالك وأخذ العين ممّن كانت تحت يده ردّ بدل الحيلولة إلى من أخذه منه.

(٦) أي : استرداد العين ، فلا يسقط حق المالك عن العين ببدل الحيلولة ، فبمجرّد وصول العين إليه يردّ بدل الحيلولة إلى من أخذه منه.

هذا بناء على كون النسخة «استردادها» كما هو الظاهر. وبناء على ما في بعض النسخ من «استرداده» فلا بدّ من إرجاع الضمير إلى الموصول في «من هي في يده» أي : يجوز للمالك استرداد من في يده العين ، فالمعنى أنّ للمالك مطالبة الردّ ممّن تكون العين في يده. ولكن الأقرب بسلاسة العبارة تأنيث الضمير لرجوعه إلى العين.

(٧) غرضه أنّ مجرّد تمكن المالك من استرداد العين من الضامن الثاني لا يرفع سلطنة المالك على مطالبة الضامن الأوّل ، وذلك لأنّ ضمان العين على الضامن الأوّل ،

٥٩٦

على مطالبة الأوّل (١) بمجرّد تمكّنه من الاسترداد من الثاني ، لأنّ (٢) عهدتها على الأوّل ، فيجب عليه تحصيلها وإن بذل (٣) ما بذل.

نعم (٤) ليس للمالك (*) أخذ مئونة الاسترداد ، ليباشر بنفسه.

______________________________________________________

فيجوز للمالك مطالبته ، ويجب على الضامن تحصيلها.

(١) أي : الضامن الأوّل كالمشتري الأوّل ، والمراد من الثاني الضامن الثاني.

(٢) تعليل لقوله : «ولا ترتفع» وقد ذكر توضيحه بقولنا : «وذلك لأنّ ضمان العين .. إلخ».

(٣) يعني : وإن بذل الضامن الأوّل في تحصيل العين ـ وأخذها من الثاني ـ ما بذل من المال.

(٤) غرضه أنّ سلطنة المالك على مطالبة الضامن الأوّل باقية ، لكنّها لا تقتضي أخذ مئونة الاسترداد من الضامن الأوّل ليباشر المالك أخذ العين منه بنفسه ، إذ الواجب على الغاصب ردّ العين المغصوبة ، لا دفع مئونة الاسترداد.

وعليه فلا موجب لجواز أخذ المالك مئونة الاسترداد من الضامن الأوّل ، لأنّ ردّ المغصوب وإيصاله إلى المالك وظيفة الغاصب ، وهو مختار في كيفيات الردّ ، وليس للمالك اختيار كيفية من كيفيات الرّد.

__________________

(*) قد يقال : بأنّه لا يبعد أن يكون للمالك ذلك فيما إذا لم تكن الأجرة المأخوذة زائدة على اجرة المثل ، لأنّ العين للمغصوب منه ، ولا يجوز للآخرين التصرف فيها ولو بالاسترداد المزبور. وعمل المالك محترم ، فيستحق الأجرة عليه ، هذا.

ويتوجه عليه : أنّ ردّ المغصوب إلى مالكه وظيفة الغاصب ، ومن المعلوم أنّ الردّ متوقف على التصرف ، لعدم تحقق الرد بدونه ، فجواز هذا التصرف ممّا يقتضيه نفس وجوب الرد. وعمل المالك إن كان برضا الغاصب فهو محترم يجوز أخذ الأجرة عليه ، وإلّا فلا.

ويظهر ممّا ذكرنا : أنّه مع تمكن الغاصب من ردّ العين بدون صرف المال وطلب المالك اجرة ، لم يجب على الغاصب قبول ذلك ، لأنّ الرّدّ بشؤونه وظيفة الغاصب ، والتخلص عن الغصب ليس بحكم الغصب ، خصوصا مع التوبة.

٥٩٧

ولو لم يقدر (١) على استردادها إلّا المالك ، وطلب من الأوّل (٢) عوضا (٣) عن الاسترداد ، فهل يجب عليه (٤) بذل العوض ، أو ينزّل (٥) منزلة التعذّر ،

______________________________________________________

(١) محصّله : أنّه لو لم يقدر أحد من استرداد العين المغصوبة إلّا المالك الذي لم يأخذ من أحد من الضامنين بدل الحيلولة ، وطلب من الضامن الأوّل أجرة لاسترداد العين ، ففي حكم هذا البذل وجوه ثلاثة.

الأوّل : وجوب بذل مئونة الاسترداد على الضامن.

الثاني : عدم وجوب البذل ، لأنّه ينزّل عدم القدرة على الاسترداد منزلة التعذر ، فيأخذ من الغاصب الأوّل بدل الحيلولة.

الثالث : التفصيل بين الأجرة المتعارفة للاسترداد ، فيجوز أخذها منه ، وبين الأجرة الزائدة على المتعارفة المجحفة على الغاصب الأوّل ، فلا يأخذ المالك عند استرداده العين الأجرة الزائدة على الأجرة المتعارفة.

(٢) أي : من الغاصب الأوّل.

(٣) أي : أجرة للاسترداد.

(٤) أي : على الغاصب الأوّل ، وهذا هو الاحتمال الأوّل ، ووجه وجوب بذل العوض إلى المالك : أنّه مع فرض بقاء العين تجب المبادرة إلى ردّها إلى المالك ، وحيث إنّ إقدامه باسترداد ماله عمل محترم استحقّ الأجرة عليه ، فيجب على الضامن دفعها إليه ، سواء أكانت الأجرة متعارفة أم أزيد منها ، إذ لا ينتقل إلى بدل الحيلولة إلّا بامتناع الوصول الى نفس العين المضمونة ، فمع تمكّن المالك من ذلك يتعيّن تمهيد مقدمته وهي بذل الأجرة إلى المالك.

ولا مجال للتمسك بحديث نفي الضرر لو كانت الأجرة زائدة على اجرة المثل حتى ينتقل إلى بدل الحيلولة.

وجه عدم المجال : اختصاص قاعدة نفي الضرر بالأحكام التي لا تكون ضررية بطبعها ، وإنّما يترتب الضرر على إطلاقها. وهذا بخلاف مثل وجوب رد العين المضمونة إلى مالكها ، فإنّ أصل الحكم ضرري ، فلا يرتفع بقاعدة نفي الضرر.

مضافا إلى قصور المقتضي ، وهو إناطة جريان القاعدة بالامتنان ، والمفروض في المقام عدمه ، لاستلزامه حرمان المالك من الوصول إلى عين ماله.

(٥) أي : ينزّل عدم القدرة على الاسترداد ـ إلّا للمالك ـ منزلة التعذر.

٥٩٨

فيغرم (١) بدل الحيلولة ، أو يفرّق (٢) بين الأجرة المتعارفة للاسترداد ، وبين الزائد عليها ممّا يعدّ إجحافا على الغاصب الأوّل؟ وجوه (٣).

هذا (٤) كلّه مع عدم تغيّر العين. وأمّا إذا تغيّرت فيجي‌ء صور كثيرة لا يناسب المقام التعرّض لها ، وإن كان كثير ممّا ذكرنا أيضا ممّا لا يناسب ذكره إلّا في

______________________________________________________

(١) يعني : فيغرم الغاصب الأوّل بدل الحيلولة. وهذا هو الاحتمال الثاني ، ووجهه : أنّ المخاطب بردّ العين هو الضامن. فإن تمكّن من الرّد فهو ، وإن عجز سقط عنه ، ووجب عليه بدل الحيلولة. فلا تكليف له بردّ العين حتى يجب عليه بذل الأجرة من باب المقدمة.

(٢) بأن يقال : بوجوب بذل الأجرة المتعارفة ، وبالانتقال إلى بدل الحيلولة لو طالبه المالك بأجرة مجحفة زائدة عن اجرة المثل. وهذا هو الاحتمال الثالث.

ووجه هذا التفصيل واضح ، لما تقدّم في الوجهين السابقين. فإن كانت الأجرة متعارفة فللمقدمية. وإن كانت مجحفة فلقاعدة نفي الضرر ، فإن أصل وجوب الردّ وإن كان ضرريا ، لكن قد يتأمّل في الأخذ بإطلاقه من جهة انصراف وجوب الردّ عمّا إذا استلزم بذل مال كثير غير متعارف.

الّا أن يتمسك في خصوص الغاصب بما روي من «أنه يؤخذ بأشق الأحوال» لكنه ممنوع سندا ودلالة ، وقد أشار إلى ذلك في بحث بدل الحيلولة ، فراجع (١).

(٣) مبتدء مؤخّر ، وخبره «فيه» مقدّرا المدلول عليه بقوله : «فهل يجب» والجملة بتمامها جواب الشرط في قوله : «ولو لم يقدر».

(٤) أي : ما ذكرناه ـ من رجوع المالك على الغاصب الأوّل ، وأخذ العين المغصوبة منه مع التمكن ، أو أخذ بدله بدون التمكن من أخذها وانتزاعها ممّن هي في يده ـ إنّما هو في صورة عدم تغيّر العين.

وأمّا إذا تغيرت ـ مع فرض بقائها ـ فتجي‌ء فيه صور كثيرة مذكورة في كتاب الغصب ، كما إذا باع الفضول قماشا مملوكا لزيد ، وسلّمه للمشتري ، ففصّله ثوبا أو قباء ، وقد تغيّرت قيمته مخيطا عمّا كان عليه ، فهل يرجع المالك على الفضولي أم على المشتري

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٦٠٦ ـ ٦٠٧.

٥٩٩

باب الغصب. إلّا أنّ الاهتمام بها دعاني إلى ذكرها في المقام بأدنى مناسبة (١) ، اغتناما للفرصة ، وفّقنا الله لما يرضيه عنّا من العلم والعمل ، إنّه غفّار الزّلل.

______________________________________________________

منه ، الذي حدث التغيير بيده؟ وهل ضمان التفاوت على البائع أو على المشتري؟ ولو فرض كون القماش قيميّا ، فهل المناط قيمته يوم وقوعه تحت يد البائع أم المشتري ، أم قيمة يوم التغيير؟

وكذا لو باع الفضولي العصير العنبي ، فأغلاه المشتري ، فنقص وزنه ، فهل تضمن النقيصة في الوزن أم لا؟

وعلى تقدير الضمان ، فهل قرار الضمان على البائع أو على المشتري؟

ولو ارتفعت قيمته السوقية فهل تضمن أم لا؟

وعلى تقدير الضمان ، فهل العهدة على الفضولي أم الثاني؟

وتتكثّر فروض المسألة لو تعاقبت أيدي أخرى على المبيع فضولا.

وهناك فروع كثيرة موضوعها تغيير المغصوب إمّا بفعل الغاصب ، وإمّا بفعل من تسلّمه منع ببيع أم بغصب أم بغيرهما ، وتحقيقها موكول إلى كتاب الغصب. وكان المقصود الإشارة إلى ما أفاده المصنف قدس‌سره من كثرة فروع التغيير.

هذا تمام الكلام في ما إذا ردّ المالك البيع الواقع على ماله فضولا ، وبذلك تمت أحكام البيع الفضولي.

(١) وهي كون المبيع فضولا محكوما بحكم الغصب إذا ردّ المالك البيع ، فإنّه وإن لم تصدق اليد العدوانية بالنسبة إلى المشتري الجاهل ، إلّا أنّ إطلاق «على اليد» شامل له كالغاصب ، فيتجه البحث عن أحكامه.

٦٠٠