هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

ـ على ما تقدّم (١) سابقا ـ أنّ سبب الضمان في العقد الفاسد هو القبض الواقع لا على وجه الاستيمان ، وأنّ (٢) ليس الإقدام على الضمان علّة له مع عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان ، وإن استدل به (٣) الشيخ وأكثر من تأخّر عنه. وقد ذكرنا في محلّه (٤) توجيه ذلك بما يرجع إلى الاستدلال باليد ، فراجع (٥).

وكيف كان (٦) فجريان قاعدة الغرور

______________________________________________________

السابق ناظر إلى وجود المقتضي لضمان البائع لتمام القيمة ، لكن إقدام المشتري على ضمان الثمن المسمّى مانع عن ضمان البائع الغارّ لتمام القيمة.

(١) حيث قال : «وأما العقد الفاسد فلا يكون علّة تامّة أبدا ، بل يفتقر في ثبوت الضمان إلى القبض ، فقبله لا ضمان» (١).

(٢) معطوف على «أنّ سبب».

(٣) أيّ : استدلّ بالإقدام على الضمان الشيخ الطوسي قدس‌سره وأكثر من تأخّر عنه كابن إدريس والعلامة والمحقق والشهيد الثانيين (٢).

(٤) أشار بهذا إلى ما أفاده في مسألة المقبوض بالبيع الفاسد من قوله : «ثم إنّه لا يبعد أن يكون مراد الشيخ قدس‌سره ومن تبعه من الاستدلال على الضمان بالاقدام والدخول عليه بيان أنّ العين والمنفعة اللّذين تسلّمهما الشخص لم يتسلّمهما مجانا أو أمانة. فليس دليل الإقدام دليلا مستقلا ، بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضى اليد في الأموال واحترام الأعمال» (٣).

(٥) يعني : فراجع ما استدل به على قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» من مباحث المقبوض بالبيع الفاسد (٤).

(٦) يعني : سواء كان التوجيه المزبور وجيها أم لا.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٩٩ و ١٠٠.

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصادر الكلمات في ص ٤٨٥.

(٣) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ١٣٠ ـ ١٣١.

(٤) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ١١٤.

٥٦١

فيما نحن فيه (١) أولى منه (٢) فيما حصل في مقابلته نفع.

هذا (٣) إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد. ولو تجدّدت (٤) بعده فالحكم

______________________________________________________

(١) وهي الغرامة التي اغترمها المشتري للمالك من دون حصول نفع له في مقابلها ، كالمال المصروف في عمارة المبيع ، أو نفقته كتعليف الدابة.

(٢) يعني : أولى من جريانها في القسم الثاني من أقسام الغرامات ، وهو ما حصل للمشتري بإزاء الغرامات نفع.

وجه الأولويّة هو : أن صدق الغرور فيما إذا وصل إلى المشتري نفع في مقابل ما اغترمه للمالك يقتضي ـ بالفحوى ـ صدق الغرور فيما لم يصل إليه نفع في مقابل الغرامات ، إذ لو نوقش في صدق الغرور في صورة استيفاء المشتري للمنافع ـ كما عن صاحب الرياض ـ لم يكن مجال للمناقشة في صدقه على الغرامة التي لم يصل في مقابلها نفع إلى المشتري. فصدق الغرور هنا أولى من صدقه على ما إذا وصل إلى المشتري نفع.

(٣) يعني : أنّ الحكم برجوع المشتري إلى البائع الفضول بالعشرة الزائدة على الثمن المسمّى في عقد الفضول إنّما هو فيما إذا كانت زيادة القيمة ثابتة في حال عقد الفضول.

وأمّا إذا كانت القيمة السوقية مساوية للثمن المسمى ـ وهو العشرة ـ وحصلت زيادة القيمة على الثمن المسمّى عند المشتري ، فصارت قيمته السوقية عند المشتري عشرين بعد أن كانت عشرة ، فالحكم بالرجوع في هذه الزيادة التي أخذها المالك من المشتري إلى البائع أولى ، لأنّ المشتري لم يقدم على ضمان تلك الزيادة الحاصلة بعد العقد.

إمّا لاحتمال عدم ارتفاع القيمة بعد العقد حتى يشمله إقدام المشتري على الضمان المانع عن رجوعه إلى البائع بالزيادة المتجددة.

وإمّا لاحتمال فساد العقد.

وبالجملة : صدق قاعدة الغرور على الزيادة المتجددة أولى من صدقها على الزيادة الموجودة حال العقد ، لاحتمال إقدام المشتري في الزيادة الموجودة حال العقد دون المتجددة بعده.

(٤) يعني : تجدّدت زيادة قيمة المبيع فضولا بعد العقد.

٥٦٢

بالرجوع فيه أولى (١).

هذا كلّه فيما يغرمه المشتري بإزاء نفس العين التالفة. وأمّا ما يغرمه بإزاء أجزائه التالفة (٢) ، فالظاهر (٣) أنّ حكمه حكم المجموع في أنّه (٤) يرجع

______________________________________________________

(١) قد مرّ آنفا توضيح الأولوية بقولنا : «لأنّ المشتري لم يقدم على ضمان تلك الزيادة الحاصلة بعد العقد .. إلخ».

هذا تمام الكلام في المقام الأول ، وهو حكم تلف تمام المبيع. وسيأتي الكلام في حكم تلف بعض أجزائه ، ويبحث فيه تارة عن انعدام نفس الجزء ، واخرى عن انعدام وصف قائم بالمبيع.

ما يغرمه المشتري بإزاء الجزء التالف

(٢) كما إذا كان المبيع كتابين مثلا ، والثمن عشرين دينارا ، وتلف أحد الكتابين ، وأخذ المالك من المشتري الكتاب الموجود مع تمام العشرين.

(٣) جواب «وأمّا» وهذا حكم تلف الجزء ، وحاصله : أنّ حكمه حكم تلف المجموع في أنّ المشتري يرجع إلى البائع الفضول فيما زاد على الثمن. فإذا كانت قيمة المبيع التالف عشرين دينارا ، وكان الثمن عشرة دنانير ، وأخذ المالك من المشتري تمام العشرين ، رجع المشتري إلى البائع بالعشرة الزائدة على الثمن الذي هو عشرة دنانير أيضا ، إذ المفروض أنّ الزائد على الثمن عشرة دنانير. وأمّا نفس الثمن فليس للمشتري الرجوع به إلى البائع ، لعدم تغريره بالنسبة إلى الثمن الذي أقدم المشتري على دفعه إلى المالك عوضا عن المبيع. وتغرير البائع مختص بما زاد على الثمن من قيمته الواقعية وهو العشرة. هذا حكم تلف مجموع الأجزاء.

وأمّا حكم تلف بعض أجزاء المبيع كالمثال المذكور ـ وهو بيع الكتابين ـ فهو عدم رجوع المشتري إلى البائع بما يقابل ثمن التالف وهو العشرة ، لإقدام المشتري عليها ، ورجوعه إلى البائع في الزائد على عشرة الثمن ، وهو العشرة أيضا.

(٤) : أي : أنّ المشتري ، وضمير «حكمه» راجع إلى «ما» في قوله «وأمّا ما يغرمه». ومراده أنّ المشتري يرجع في الزائد على ثمن الجزء التالف ، ولا يرجع في مقدار ثمن التالف وهو العشرة ، فإنّ ثمن الجزء التالف ـ كالجزء الموجود ـ عشرة دنانير ، والمشتري

٥٦٣

في الزائد (١) على ما يقابل ذلك الجزء ، لا فيما (٢) يقابله على ما اخترناه. ويجي‌ء على القول الآخر (٣) عدم الرجوع في تمام ما يغرمه.

وأمّا ما يغرمه (٤) بإزاء أوصافه ، فإن كان (*) ممّا لا يقسط عليه الثمن

______________________________________________________

يرجع بالعشرة الزائدة على عشرة الثمن ، لا بمقدار الثمن.

(١) يعني : يرجع في الزائد على مقدار ثمن الجزء التالف ، والمراد بهذا الثمن هو العشرة.

(٢) معطوف على «في الرائد» يعني : يرجع المشتري على البائع في الزائد على ثمن التالف ، وهو على الفرض عشرة دنانير. ولا يرجع إلى البائع فيما يقابله من الثمن وهي عشرة دنانير.

والحاصل : أنّ المشتري يرجع إلى البائع في الزائد على الثمن ، لا في مقدار الثمن ، بناء على ما اختاره في (ص ٥٥٦) من قوله : «فإنّه لا يرجع بعشرة الثمن ، وإلّا لزم ..».

(٣) الذي تعرّض له في (ص ٥٥٧) بقوله : «ما ذكر في وجه عدم الرجوع من أنّ المشتري إنما ..».

ما يغرمه المالك بإزاء تلف الوصف

(٤) معطوف على «وأمّا ما يغرمه» يعني : وأمّا ما يغترمه المشتري للمالك بإزاء أوصاف المبيع ، فإن كان الوصف المفقود وصفا لا يقابل بالمال ، ولا يقسّط عليه الثمن ، وإن كان موجبا لزيادة المالية ـ كما عدا وصف الصحة من أوصاف المبيع ، كوصف الكتابة

__________________

(*) لم يذكر له عدل ، مع وضوح اقتضاء السياق لأن يكون له عدل ، وهو : أن يكون الوصف ممّا يقسّط عليه الثمن.

وكيف كان ، فإن كان الوصف ممّا يقسّط عليه الثمن ـ كوصف الصحة ـ جرى عليه حكم الجزء ، فيتدارك الوصف الفائت باسترداد ما قابله من الثمن.

وإن كان الوصف ممّا لا يقسّط عليه الثمن رجع المشتري بغرامته إلى البائع ، لعدم إقدامه على ضمان الأوصاف حتى لا يرجع إلى البائع ، هذا.

٥٦٤

كما عدا وصف الصحّة من الأوصاف التي يتفاوت بها القيمة ، كما لو كان عبدا كاتبا فنسي الكتابة عند المشتري ، فرجع المالك عليه (١) بالتفاوت ـ فالظاهر (٢) رجوع المشتري على البائع ، لأنّه (٣) لم يقدم على ضمان ذلك (٤).

ثمّ إنّ (٥) ما ذكرنا كلّه من رجوع المشتري على البائع بما يغرمه إنّما هو إذا كان

______________________________________________________

والخياطة ونحوهما ، وانتفاء ذلك الوصف عند المشتري كنسيان العبد المبيع فضولا للكتابة أو الخياطة أو غيرهما عند المشتري ـ فالظاهر رجوع المشتري على البائع الفضول بما اغترمه للمالك من التفاوت بين واجد الوصف وفاقده. كما إذا كانت قيمة العبد الواجد للكتابة عشرة دنانير ، وقيمة العبد الفاقد لها خمسة دنانير ، فيرجع المشتري بخمسة التفاوت إلى البائع.

(١) أي : فرجع المالك على المشتري بالتفاوت بين واجد الوصف وفاقده.

(٢) جواب الشرط في قوله : «فإن كان».

(٣) تعليل لرجوع المشتري على البائع ، وحاصله : أنّ المشتري لم يقدم على ضمان ما يغرمه بإزاء الأوصاف حتى لا يرجع على البائع ، وإنّما أقدم على ضمان الثمن الذي هو بإزاء العين دون الأوصاف.

(٤) أي : ما يغرمه بإزاء الأوصاف.

(٥) الغرض من هذا الكلام تعيين مورد رجوع المشتري إلى البائع الفضول بالغرامات التي اغترمها للمالك ، في تمام الأقسام ، سواء أكانت الغرامة في قبال الثمن ، أو ما استوفاه من منفعة ، أو ما لم ينتفع به ، أو في قبال فوات الوصف.

ومحصل ما أفاده في ذلك : أن مورد رجوع المشتري إلى البائع بالغرامات هو البيع الذي يكون فساده من ناحية عدم مالكية البائع للمبيع ، وعدم إذن المالك في البيع حتى

__________________

لكن الحق عدم تقسيط الثمن على الأوصاف مطلقا حتى وصف الصحة ، ولذا ذكروا أنّ الأرش في مورد خيار العيب ليس جزءا من الثمن ، وإنّما هي غرامة على البائع.

وبالجملة : فالأوصاف مطلقا ـ وإن كانت دخيلة في الصحة ـ لا يقسّط عليها الثمن ، وغراماتها تكون على البائع ، لعدم إقدام المشتري عليها.

٥٦٥

البيع المذكور (١) صحيحا من غير جهة كون البائع غير مالك. أمّا لو كان فاسدا من جهة أخرى (٢) فلا رجوع على البائع ، لأنّ (٣) الغرامة لم تجي‌ء من تغرير البائع في دعوى الملكيّة ، وإنّما جاءت من جهة فساد البيع. فلو (٤) فرضنا البائع صادقا في دعواه لم تزل الغرامة ، غاية الأمر كون المغروم له (٥) هو البائع (٦) على تقدير الصدق ، والمالك على تقدير كذبه ، فحكمه (٧) حكم نفس الثمن في التزام المشتري به على

______________________________________________________

يتحقق غرور البائع الموجب لوقوع المشتري في الغرامات.

وأمّا إذا كان البيع في نفسه فاسدا ـ كمجهولية المبيع وعدم بلوغ أحد المتعاقدين ونحوهما ـ فلا يرجع المشتري في الغرامات إلى البائع ، لعدم تسبب تلك الغرامات عن تغرير البائع وكذب دعوى مالكيته للمبيع. فلو باع الفضولي متاعا مجهولا غير موصوف حين العقد ـ بوصف رافع للجهالة ـ واستولت عليه يد المشتري ، وتلف عنده ، ورجع المالك بقيمته السوقية عليه ، لم يرجع المشتري بشي‌ء من الغرامات على البائع.

(١) وهو بيع الفضول صحيحا أي جامعا للشرائط عدا مالكية البائع.

(٢) أي : غير مالكية البائع. ومثال هذا الغير فقد بعض شرائط العوضين.

(٣) تعليل لعدم رجوع المشتري إلى البائع بالغرامات ، وحاصله : عدم تسبب الغرامات عن تغرير البائع ، كما مر آنفا بقولنا : «لعدم تسبب تلك الغرامات عن تغرير ..».

(٤) هذا متفرع على كون الغرامة ناشئة من فساد البيع ، وحاصله : أنّ البائع لو كان صادقا في ادّعاء ملكية المبيع له ، وكان فساد البيع لجهالة المبيع مثلا ـ كما إذا باع المالك متاعا مجهولا بعشرين ، وكانت قيمته حال البيع ثلاثين ، وتلف عند المشتري ، ثم ظهر فساد البيع لجهالة المبيع ـ لم ترتفع الغرامة عن المشتري. بل عليه إمّا أن يدفع إلى البائع المالك الثلاثين ، ويستردّ الثمن المسمّى ، لأنّه مع فرض بطلان البيع لم يخرج الثمن عن ملك المشتري. وإمّا أن يدفع الثلاثين إلى مالك المتاع على تقدير كذب البائع.

(٥) وهو الذي يدفع إليه الغرامة من البائع إن كان صادقا في دعوى ملكية المبيع له ، أو المالك إن كان البائع كاذبا في دعوى الملكية.

(٦) خبر «كون» ، وقوله : «المالك» معطوف على «البائع».

(٧) أي : حكم الغرامات التي يغترمها المشتري للمالك ـ وهو البائع على تقدير

٥٦٦

تقديري صدق البائع وكذبه.

ثم إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا (١) أنّ كلّ ما يرجع المشتري به على البائع إذا رجع عليه ، فلا يرجع (٢) البائع به (٣) على المشتري إذا رجع عليه ، لأنّ (٤) المفروض قرار الضمان على البائع.

وأمّا (٥) ما لا يرجع المشتري به على البائع كمساوي الثمن من القيمة ،

______________________________________________________

صدق دعوى الملكية له ، أو غيره على تقدير كذبها في صورة كون فساد البيع لجهة أخرى غير الفضولية ـ حكم نفس الثمن الذي يلتزم المشتري بمقتضى الضمان المعاوضي بدفعه مطلقا ، من غير فرق في ذلك بين صدق البائع في دعواه وكذبه فيها.

(١) أي : وقد ظهر ممّا ذكرنا ـ من أن كل ما يغترمه المشتري للمالك ممّا كان بإزاء العين ، كزيادة قيمتها السوقية على الثمن المسمى في عقد الفضول ، أو بإزاء المنافع المستوفاة ، أو غير المستوفاة ، أو بإزاء الأجزاء أو الأوصاف ، ويرجع به إلى البائع لقاعدة الغرور ـ أنّ قرار الضمان على البائع ، فإذا رجع المالك على المشتري بالغرامات رجع المشتري بها على البائع. وإذا رجع المالك على البائع لم يرجع البائع على المشتري.

(٢) خبر «أنّ كلّ» ودخول الفاء عليه لتضمّنه معنى الشرط.

(٣) هذا الضمير وضمير «به» المتقدم راجعان إلى الموصول المراد به الغرامة.

(٤) تعليل لعدم رجوع البائع على المشتري ، ومحصل التعليل هو : تغرير البائع ، وقاعدة الغرور تقتضي قرار الضمان على الغارّ ، وهو البائع.

(٥) هذا في مقابل قوله : «انّ كل ما يرجع المشتري به على البائع» وحاصله : أنّ هنا موردا لا يرجع المشتري فيه على البائع ، بل يرجع البائع فيه على المشتري ، وهو ما إذا باع الفضولي مال غيره بعشرين دينارا مثلا ، مع كون قيمته السوقية ثلاثين دينارا ، وتلف ذلك المال عند المشتري ، فرجع المالك إلى البائع ، وأخذ منه ثلاثين دينارا بدلا عن المبيع التالف ، فإنّ البائع يرجع حينئذ إلى المشتري ، ويأخذ منه مقدار الثمن المسمّى ، وهو العشرون من القيمة الواقعية للمبيع ، ولا يأخذ العشرة الزائدة على الثمن المسمّى ، لأنّ هذه الزيادة ناشئة عن تغرير البائع ، فضمانها عليه لا على المشتري.

٥٦٧

فيرجع (١) البائع به على المشتري إذا غرمه للمالك (٢). والوجه في ذلك (٣) حصول التلف في يده.

فإن قلت (٤) : إنّ كلّا من البائع والمشتري يتساويان في حصول العين في يدهما العادية التي هي سبب الضمان ، وحصول (٥) التلف في يد المشتري لا دليل

______________________________________________________

(١) هذا جواب «وأمّا» وضمير «به» راجع إلى «ما» الموصول في قوله : وأمّا ما لا يرجع.

(٢) بأن رجع إليه المالك ، وأخذ منه القيمة الواقعية وهي الثلاثون.

(٣) أي : في رجوع البائع على المشتري بمساوئ الثمن ، وحاصل هذا الوجه : أنّ قرار الضمان على المشتري ، لحصول التلف في يده ، وعدم جريان قاعدة الغرور فيه.

(٤) الغرض من هذا الإشكال إثبات الضمان على البائع ، وعدم كون المشتري ملزما بدفع ما ساوى الثمن ـ من القيمة الواقعية للمبيع ـ إلى البائع. ومحصله : أنّ علّة الضمان ـ وهي اليد العدوانية ـ مشتركة بين البائع والمشتري ، ولذا يجوز الرجوع للمالك ، إلى أيّهما شاء. ويبقى وجه رجوع البائع إلى المشتري في صورة رجوع المالك إلى البائع ، حيث إنّه لا دليل على كون تلف المال بيد المشتري موجبا لرجوع البائع عليه.

وبعبارة أخرى : هذا الاشكال ناظر إلى استبعاد ضمان الأيدي المتعاقبة لمضمون واحد ، مع أنّ العين الواحدة لو تلفت لها بدل واحد مثلا أو قيمة ، فكيف تستقر في ذمم أشخاص وضعوا أيديهم عليها؟ ومع فرض تعدد الضامن ما الوجه في استقرار الضمان على من تلفت عنده العين؟ حتى يجوز لغير من تلفت عنده الرجوع عليه لو طالب المالك البدل ممّن لم تتلف عنده.

(٥) اختلفت نسخ الكتاب في ضبط هذه الجملة ، ففي نسختنا المصححة «وحصول التلف في يد المشتري لا دليل ..» فبناء على هذا يكون «حصول التلف» مبتدء ، وخبره «لا دليل». وقريب منها ما في بعض النسخ من قوله : «وحصول التلف في يد المشتري لا وجه له ، ولا دليل ..» حيث يكون «وحصول» مبتدء ، وخبره «لا وجه له» وجملة «لا دليل» إشارة إلى الدليل.

ولكن في بعض النسخ «وحصول .. ولا دليل» إذ يتعيّن قراءته بالجرّ معطوفا

٥٦٨

على كونه سببا لرجوع البائع عليه (١).

نعم (٢) لو أتلف بفعله رجع (٣) ، لكونه سببا لتنجّز الضمان على السابق (٤).

قلت (٥) : توضيح ذلك (٦) يحتاج إلى الكشف عن كيفيّة اشتغال ذمّة كلّ من

______________________________________________________

على «حصول العين». وعلى كلّ لا يختلف مفاد العبارة باختلاف النسخ ، فلاحظ.

(١) أي : على المشتري ، وضمير «كونه» راجع إلى حصول التلف بيد المشتري.

(٢) استدراك على قوله : «وحصول التلف .. لا دليل» وحاصله : أنّه إذا أتلف المشتري المبيع بفعله ، اتّجه رجوع البائع عليه فيما إذا دفع بدل المبيع التالف إلى المالك ، وذلك لأنّ إتلاف المشتري للمبيع كما أنّه إتلاف العين على المالك ، كذلك إتلاف للغرامة الثابتة على البائع بسبب يده العادية.

ففرق بين التلف والإتلاف ، حيث إنّ الأوّل لا يوجب رجوع البائع على المشتري ، بخلاف الإتلاف ، فإنّه يوجب رجوع البائع عليه في مساوي الثمن ، لأنّه إتلاف للغرامة وسبب لتنجز الضمان على البائع ، إذ لو لم يتلفها المشتري لم يتنجّز ضمان على البائع ، لإمكان ردّ العين حينئذ إلى المالك. فإتلافها سبب فعلية ضمان السابق ، فجاز له الرجوع على المشتري من جهة هذا التسبيب.

وعليه فالضمان اليدي وإن كان متحققا فيهما ، إلّا أنّ على المشتري ضمانا بسبب الإتلاف أيضا ، فيستقر الضمان عليه.

(٣) أي : رجع البائع على المشتري ، وضمير «لكونه» راجع إلى إتلاف المشتري.

(٤) وهو البائع.

كيفية ضمان ذمم متعددة لمال واحد

(٥) هذا دفع الاشكال المذكور بقوله : «فان قلت» والغرض من هذا الدفع إثبات رجوع البائع إلى المشتري ، وبيان وجه رجوعه إليه.

(٦) أي : وجه رجوع البائع إلى المشتري ، وتوضيح وجهه يحتاج إلى بيان كيفية اشتغال ذمّة كل من البائع والمشتري ببدل التالف ، فينبغي التكلم في جهات :

٥٦٩

اليدين ببدل التالف ، وصيرورته في عهدة كلّ منهما ، مع أنّ الشي‌ء الواحد لا يقبل (١) [لا يعقل] الاستقرار إلّا في ذمّة واحدة ، وأنّ (٢) الموصول في قوله عليه‌السلام : «على اليد ما أخذت» شي‌ء واحد كيف يكون على كلّ واحدة من الأيادي المتعدّدة؟

______________________________________________________

الاولى : أنّه هل يعقل ضمان شخصين أو أكثر في آن واحد لمال واحد بالاستقلال ، بحيث تكون عهدة كلّ منهما أو منها ظرفا للمال مع الغضّ عن الأخرى ، كالتكاليف الاستقلالية في العامّ الاستغراقي ، أم لا؟

لا ينبغي الإشكال في امتناع ذلك وعدم معقوليته ، لأنّ الذمة في وعاء الاعتبار كالأين الخارجي ، فكما لا يعقل استقرار شي‌ء خارجي ـ ككتاب ونحوه ـ في زمان واحد في مكانين ، فكذلك لا يعقل استقرار مال في ذمة شخص واستقراره في ذمة شخص آخر في آن واحد. وهذا هو الضمان العرضي الذي يقول به أكثر علماء العامة في ضمان الدين عن المديون ، لبنائهم على أن الضمان ضمّ ذمة إلى ذمّة أخرى ، لا نقل الدّين عن ذمة المديون إلى ذمة الضامن كما يقول به الخاصة وبعض العامة.

وبالجملة : فالضمان العرضي غير معقول.

الجهة الثانية : أنّه بناء على عدم معقولية الضمان العرضي ثبوتا لا محيص عن التصرف في الأدلة إذا كانت ظاهرة في إمكان الضمان العرضي في مرحلة الإثبات ، بحملها على الضمان الطولي.

(١) أشار بهذا إلى الجهة الاولى ، وهي مقام الثبوت ، الذي هو عدم معقولية الضمان العرضي.

(٢) بيان لوجه امتناع اشتغال ذمم متعددة بإبدال لمبدل واحد ، ومحصله : أنّ دليل الضمان في المقام وضع اليد على مال الغير بدون رضاه ، ومن المعلوم أنّ المراد بالموصول في «ما أخذت» هو المبيع الشخصي الواحد التالف بيد المشتري مثلا. ولا ريب في اقتضاء وحدة المبدل التالف وحدة البدل ، إذ ليس للواحد إلّا بدل واحد ، فكيف يتعدد هذا الواحد باستقراره في ذمم متعددة؟

وقد أفادوا لحلّ هذا الاشكال وجوها ، والمذكور منها في المتن اثنان ، أحدهما ما اختاره المصنف قدس‌سره ، والآخر ما أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره ، وسيأتي توضيح كل منهما.

٥٧٠

فنقول (١) : معنى كون العين المأخوذة على اليد كون عهدتها ودركها بعد التلف عليه (٢) ، فإذا فرضت أيد متعدّدة تكون العين الواحدة في عهدة كلّ من الأيادي ، لكن ثبوت الشي‌ء الواحد في العهدات المتعدّدة معناه (٣) لزوم خروج كلّ منها عن العهدة عند تلفه. وحيث (٤) إنّ الواجب هو تدارك الفائت الذي يحصل ببدل واحد لا أزيد ، كان معناه تسلّط المالك على مطالبة كلّ منهم بالخروج (٥) [الخروج] عن العهدة عند تلفه ، فهو (٦) يملك ما في ذمّة كلّ منهم على البدل ، بمعنى أنّه إذا استوفى أحدها سقط الباقي [إذا استوفى من أحدهم سقط من الباقي] لخروج الباقي (٧) عن كونه [كونها] تداركا ، لأنّ المتدارك لا يتدارك.

______________________________________________________

(١) هذا تقريب ضمان الأيدي المتعاقبة للمبيع التالف عند بعض الأيدي ، وحاصله : تعهّد كل واحد منهم بتدارك التالف ببدله بمجرّد وضع اليد عليه. لكن لا بدّ من الجمع بين هذا وبين ما يدلّ عليه «على اليد» من اقتضاء وحدة المبدل وحدة بدله.

(٢) أي : على ذي اليد ، وإلّا كان المناسب تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى اليد.

(٣) أي : معنى ثبوت الشي‌ء الواحد في العهدات المتعددة هو لزوم .. إلخ.

(٤) هذا شروع في الجهة الثالثة ، وهي حكم المالك مع الضامنين ، أعني به جواز مطالبة المالك كلّ واحد من الضامنين.

(٥) متعلق ب ـ «مطالبة» وبناء على ما في بعض النسخ من قوله : «الخروج» فهو مفعول ثان للمطالبة.

(٦) أي : المالك ، وقوله : «فهو» نتيجة قوله : «وحيث إنّ الواجب» وحاصله : أنّه ـ بناء على كون الواجب تدارك الفائت ببدل واحد ـ يكون لازمه مالكية المالك لما في ذمة كلّ واحد من الضامنين على البدل لا على الاستقلال ، وإلّا يلزم أن يكون لشي‌ء واحد أبدال متعددة ، مع كون المبدل المتدارك واحدا.

(٧) أي : باقي الأبدال ، فإنّ حصول تدارك الفائت ببدل واحد يقتضي سقوط وجوب التدارك عن باقي الضامنين ، لحصول التدارك بواحد من الأبدال ، ولا يتدارك المبدل المتدارك ثانيا. ولا يتصف ما عدا البدل ـ الذي حصل به التدارك ـ بكونه تداركا للفائت.

٥٧١

والوجه (١) في سقوط حقّه بدفع بعضهم عن الباقي أنّ مطالبته (٢) ما دام لم يصل إليه المبدل ولا بدله ، فأيّهما (٣) [فأيّها] حصل في يده لم يبق له استحقاق بدله ، فلو بقي شي‌ء له (٤) في ذمّة واحد [واحدة] لم يكن بعنوان البدليّة ، والمفروض عدم ثبوته بعنوان آخر.

ويتحقّق ممّا ذكرنا (٥) أنّ المالك إنّما يملك البدل على سبيل البدليّة ، ويستحيل اتّصاف شي‌ء منها (٦) بالبدليّة بعد صيرورة أحدها بدلا عن التالف واصلا إلى المالك.

ويمكن أن يكون نظير ذلك (٧) ضمان المال على طريقة الجمهور ، حيث إنّه ضمّ

______________________________________________________

(١) محصّل هذا الوجه : انتفاء موضوع المطالبة ، وهو عدم وصول ماله من المبدل والبدل إليه ، فللمالك استحقاق المطالبة ما لم يصل إليه شي‌ء من المبدل وبدله. فإذا وصل إليه أحدهما فلا يبقى موضوع لاستحقاق المطالبة. فلو بقي شي‌ء له في ذمة شخص لم يكن ذلك بعنوان البدلية ، والمفروض أنّه لم يثبت شي‌ء للمالك في الذمم إلّا بعنوان البدلية.

(٢) أي : مطالبة المالك منوطة بعدم وصول المبدل وبدله إليه ، فقوله : «ما دام ..» خبر «أن مطالبته» وهي خبر «والوجه».

(٣) الضمير راجع إلى المبدل والبدل. وبناء على نسخة «فأيّها» فالضمير راجع إلى الأبدال المستفاد من العبارة.

(٤) أي : للمالك ، وحاصله : أنّه لو بقي شي‌ء للمالك في ذمة شخص لم يكن ذلك بعنوان البدليّة.

(٥) أي : يظهر ـ من كون المالك مالكا لما في ذمّة كلّ منهم على البدل ـ أنّ المالك إنّما يملك البدل على سبيل البدلية ، ومن المعلوم استحالة اتّصاف شي‌ء بالبدلية بعد صيرورة أحد الأبدال بدلا عن التالف واصلا إلى المالك ، فلا يبقى حينئذ مجال لاتّصاف غيره بالبدلية بعد فرض أنّه ليس لمبدل واحد إلّا بدل واحد.

(٦) أي : من الأبدال.

(٧) أي : ثبوت شي‌ء واحد في ذمم وعهدات متعددة. وقوله : «ويمكن» إشارة إلى إشكال ودفعه.

أمّا الإشكال فهو : أنّه لا دليل على شغل ذمم عديدة بمال واحد حتى في تعاقب

٥٧٢

ذمّة إلى ذمّة أخرى. وضمان (١) عهدة العوضين لكلّ من البائع والمشتري

______________________________________________________

الأيدي الغاصبة ، حيث إنّ الذمة المشغولة بالمغصوب واحدة ، وهي ذمّة من تلف المال بيده ، وإن جاز للمالك الرّجوع إلى كلّ واحد من الغاصبين.

وهذا الإشكال من صاحب الجواهر قدس‌سره حيث إنّه ذهب تارة إلى امتناع ضمان ذمّتين لمال واحد ثبوتا كما في كتاب الضمان في الإيراد على كلام الجمهور من كون الضمان ضمّ ذمة إلى ذمة أخرى (١). واخرى إلى امتناعه إثباتا بمعنى عدم الدليل على ذلك (٢).

والمقصود فعلا ما أفاده في منع تصور ضمان شخصين لمال واحد. وسيأتي في (ص ٥٩١) نقل كلامه في جواز مطالبة البدل من كلّ واحد من الضمناء.

وأمّا دفع الاشكال فهو ما أفاده المصنف بقوله : «ويمكن» وغرضه الاستشهاد بموارد أربعة على إمكان شغل ذمم متعدّدة بشي‌ء واحد ، وعدم استحالته.

فالمورد الأوّل : ضمان الدين ، على مذهب العامة القائلين بأنّ الضمان ضمّ ذمة الضامن إلى ذمة المديون ـ لا نقل ما في ذمة إلى ذمة أخرى ـ فيكون الدين في ذمّتي المديون والضامن. بخلاف الضمان عند الخاصة ، فإنّه عندهم نقل الدين عن ذمة المديون إلى ذمة الضامن.

(١) معطوف على «ضمان المال» وهذا إشارة إلى المورد الثاني ، وهو ضمان عهدة العوضين لكلّ من البائع والمشتري. كما إذا ضمن شخص للبائع عهدة الثمن عند ظهور كون الثمن لغير المشتري ، أو انكشاف بطلان البيع ، وضمن للمشتري عن البائع عهدة المبيع إن ظهر كونه للغير ، أو انكشف بطلان البيع ، فحينئذ تجتمع ذمّتان : إحداهما ذمّة الضامن ، والأخرى ذمّة البائع ، أو ذمّة المشتري ، مع وحدة المال المضمون به ، فيجوز للبائع الرجوع إلى الضامن وإلى المشتري. وكذا يجوز للمشتري الرجوع إلى الضامن وإلى البائع.

وبالجملة : تشتغل ذمّتان لمال واحد.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٦ ، ص ١١٣.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ٣٤.

٥٧٣

«عندنا» (١) كما في الإيضاح.

وضمان (٢) الأعيان المضمونة على ما استقربه في التذكرة ،

______________________________________________________

(١) هذه الكلمة ظاهرة في إجماع الإمامية على صحّة ضمان العهدة لكلّ من البائع والمشتري. ولكن لم أظفر بكلمة «عندنا» في ضمان الإيضاح ، ولم ينقله عنه في مفتاح الكرامة والجواهر (١) ، وإنّما هو موجود في التذكرة في مسألة ما لو باع شيئا ، فخرج المبيع مستحقا لغير البائع ، حيث يجب على البائع ردّ الثمن ، فقال : «وإن ضمن عنه ضامن ليرجع المشتري عليه بالثمن لو خرج مستحقا فهو ضمان العهدة ، ويسمّى أيضا ضمان الدرك .. وهذا الضمان عندنا صحيح إن كان البائع قد قبض الثمن ..» (٢).

ولعلّ المصنف أتّكل في نسبة الإجماع إلى فخر الدين على كلام شيخه في المناهل ، حيث قال في الأمور التي نبّه عليها في ضمان العهدة : «هل هذا القسم ناقل أيضا ، أو لا ، بل هو ضمّ ذمّة ، إلى ذمّة صرّح بالأوّل في التحرير .. وصرّح بالثاني في الإيضاح والتنقيح ، وهو ظاهر مجمع الفائدة ، بل نبّه الأوّل على دعوى الاتفاق عليه ، قائلا : ضمان العهدة ضمّ عندهم» (٣).

(٢) معطوف على «ضمان» وهذا ثالث الموارد المشار إليها ، وهو ضمان الأعيان المضمونة ، كما إذا ضمن شخص لمستعير الذهب والفضة ، فإنّه يجتمع هنا ذمّتان مشغولتان بمال واحد ، فيجوز للمالك المعير الرجوع إلى كلّ من المستعير والضامن.

وتقييد الأعيان ب ـ «المضمونة» لإخراج غير المضمونة ، كالأمانات من الوديعة وعارية غير الذهب والفضة ، ومال المضاربة والشركة ، والمال في يد الوكيل ، ونحوها ، لدعوى الاتفاق على عدم جواز ضمانها ، لكونه من ضمان ما لم يجب.

ولضمان الأعيان المضمونة ـ كما أفاده العلّامة قدس‌سره في التذكرة ـ صورتان :

الاولى : أن يضمن وجوب ردّها إلى المالك إن كانت باقية.

__________________

(١) لاحظ : مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٣٧٣ ، جواهر الكلام ، ج ٢٦ ، ص ١٣٥.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٩١ ، السطر ٣٤.

(٣) المناهل ، ص ١٣٩ ، السطر ٢ ـ ٥.

٥٧٤

وقوّاه (١) في الإيضاح وضمان (٢) (*) الاثنين لواحد ، كما اختاره ابن حمزة.

______________________________________________________

الثانية : أن يضمن ردّ قيمتها إليه لو تلفت بيد المضمون عنه. وقال بصحة كلتا الصورتين ، فراجع (١).

(١) هذه النسبة كسابقتها مما لم أظفر بها في الإيضاح ، بل كلامه في هذه المسألة ظاهر في خلاف النسبة ، حيث إنّه ـ بعد بيان وجهي الإشكال المذكور في القواعد ـ قال : «والأصح أنّه لا يصحّ» (٢). وكذا نقله السيد العاملي عنه ، فراجع.

نعم استقرب العلّامة جواز هذا الضمان بقوله : «وفي ضمان الأعيان المضمونة والعهدة إشكال ، أقربه عندي جواز مطالبة كل من الضامن والمضمون عنه بالعين المغصوبة .. إلخ» (٣).

(٢) معطوف على «ضمان» وهذا رابع الموارد ، وهو ضمان شخصين لواحد ، كما إذا ضمن شخصان دين مديون ، فإنّ ذمّتها تشتغل بدينه ، فيجوز للدائن الرجوع إلى أيّ منهما شاء.

__________________

(*) إن أريد ضمانهما دفعة وفي زمان واحد ـ بأن يكون كلّ منهما ضامنا بالاستقلال ـ فهو ممتنع ، ولا يشمله دليل مشروعية الضمان. وإن أريد ضمانهما على التعاقب كان الضمان الثاني باطلا ، لأنّه بالضمان الأوّل لا يبقى شي‌ء في ذمة المديون حتى يضمنه الضامن الثاني.

وعلى هذا لا يتحقق ضمان الاثنين لواحد مطلقا ، من غير فرق في ذلك بين الدفعي والتعاقبي. فما عن العلامة قدس‌سره في درسه من نفي المنع عن ضمان الاثنين على وجه الاستقلال لا يخلو من غموض.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٩٠ ، السطر ٢٩ و ٣٥.

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٨٥ ، مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٣٧٢.

(٣) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٩٢ ، السطر ٢٤.

٥٧٥

وقد حكى فخر الدين والشهيد عن العلّامة في درسه : أنّه نفى المنع عن ضمان الاثنين على وجه الاستقلال (١).

______________________________________________________

(١) بأن يضمن كلّ من الشخصين للدائن ماله الذي في ذمة المديون في عرض الآخر ، لا في طوله بأن يكون أحدهما ضامنا للمالك ، والآخر ضامنا للضامن.

والأقوال في هذه المسألة ثلاثة ، واستشهاد المصنف قدس‌سره مبني على قول ابن حمزة الذي نفى العلّامة قدس‌سره بعده. ولا بأس بتوضيح أصل المسألة ـ على ما ذكره السيد العاملي قدس‌سره ـ ثم الإشارة إلى الأقوال ، فنقول وبه نستعين :

إنّ ضمان الاثنين لما في ذمة شخص ـ كالدّين المستقر في عهدة زيد لعمرو ـ إمّا أن يكون على التعاقب ، بأن يضمنه بكر في الساعة الاولى ، وبشر في الساعة الثانية. وإمّا أن يكون دفعة.

فعلى الأوّل ينفرد أحدهما بكونه ضامنا ، وهو من رضي المضمون له بضمانه ، سواء أكان هو السابق أو اللاحق ، ويبطل ضمان الآخر. كأن يقول : «رضيت بضمان بشر مثلا» ولو قال : «رضيت بضمان كلّ واحد منكما» كان الضامن هو الأوّل ، لأنّ رضاه بضمان كل واحد يوجب انتقال المال إلى من تعهّد أوّلا ، فلا يبقى موضوع لضمان الثاني.

وعلى الثاني ـ وهو كون الضمانين دفعيّا ـ فإن قال المضمون له : «رضيت بضمان بكر مثلا» انتقل كل المال إلى ذمّته ، وبطل ضمان الآخر. وإن قال : «رضيت بضمانكما» كان هو مورد البحث ، وفيه أقوال ثلاثة :

الأوّل : قول أبي علي ابن الجنيد ، وهو تقسيط المال على الضامنين ، فيضمن ـ في المثال ـ كل واحد منهما نصف المال.

الثاني : التخيير في مطالبة من شاء منهما ، ومطالبتهما معا ، ويسمّى ضمان الاشتراك والانفراد معا ، وقد جزموا به في باب الديات في ما إذا قال : «ألق متاعك ، وعلى كلّ واحد منّا ضمانه» ، وهو قول ابن حمزة في المقام. ويكون المضمون له بالخيار في مطالبة المال من أيّهما شاء على الانفراد ، وعلى الاجتماع (١).

__________________

(١) الوسيلة ، ص ٢٨١.

٥٧٦

قال (١) : «ونظيره في العبادات : الواجب الكفائي (*) ، وفي الأموال (٢) : الغاصب من الغاصب».

هذا (٣) حال المالك بالنسبة إلى ذوي الأيدي (**).

______________________________________________________

وهذا القول مورد استشهاد المصنف على اشتغال ذمم متعددة بمال واحد. وانتصر العلّامة قدس‌سره له بنظيرين :

أحدهما : الحكم التكليفي ، وهو الواجب الكفائي ، حيث إنّ المخاطب بالتكليف عامّة المكلفين ، ويسقط بامتثال أحدهم.

وثانيهما : الحكم الوضعي ، وهو ضمان الغاصب من الغاصب.

القول الثالث : البطلان ، وهو قول معظم الأصحاب كما في الإيضاح (١).

(١) يعني : قال العلامة قدس‌سره : ونظيره ـ أي : ونظير ضمان الاثنين بنحو الاستقلال ـ الواجب الكفائي في العبادات كغسل الميت وصلاته ، فإنّه يجب على كل واحد من المكلّفين القيام بأمور الميّت ، ولكن يسقط الوجوب بقيام بعض عن الآخرين.

(٢) يعني : ونظير ضمان الاثنين عن واحد على وجه الاستقلال ـ في الأموال ـ ضمان الغاصب من الغاصب ، كما إذا غصب زيد مالا من عمرو ، ثم غصب بكر ذلك المال من زيد ، فحينئذ تشتغل كلتا ذمتي الغاصبين لشخص واحد ـ وهو عمرو ـ بمال واحد.

(٣) أي : ما ذكرناه من قولنا : «قلت : توضيح ذلك» هو حال المالك بالنسبة إلى البائع الفضول والمشتري من الأيدي المستولية على مال المالك الذي بيع فضولا.

__________________

(*) يشكل هذا النظير بأنّ لازمه استحقاق المالك لجميع الأبدال إذا دفعت إليه في آن واحد ، كامتثال الجميع في صورة إتيانهم بالواجب الكفائي دفعة واحدة ، مع القطع بعدم استحقاق المالك إلّا لبدل واحد من تلك الأبدال ، وتعيينه بالقرعة.

(**) ينبغي لتحقيق حال المالك بالنسبة إلى ذوي الأيدي التعرض لمقامين :

الأوّل الثبوت ، والثاني الإثبات.

__________________

(١) الحاكي لكلامي الفخر والشهيد من النسبة إلى مجلس درس العلامة هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٥ ، ص ٣٩٣ ، ولاحظ إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ٨٩ ، جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ٣٤١.

٥٧٧

.................................................................................................

__________________

أمّا المقام الأوّل ففي بيان محتملات دليل الضمان ، وهو «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».

أوّلها : أن يراد به خصوص الغاصب الذي أخذ المال بلا واسطة من الغاصبين ، فللمالك أن يرجع إلى مبدء سلسلة الغاصبين ، دون غيره منهم.

ويمكن استظهار ذلك من كلمة «حتى تؤدي» لرجوع الضمير المستتر في «تؤدّي» إلى اليد ، فمعناه حينئذ : على اليد ما أخذت حتى تؤدّي تلك اليد المستولية ما أخذته. وظاهر الإسناد إلى اليد هو خصوص اليد المستولية مباشرة على المال.

ثانيها : ضمان جميع الأيدي المستولية على المال لشخص المالك فقط ، فله الرجوع إلى كلّ منهم ، وليس لأحد منهم الرجوع إلى بعضهم ، لعدم ضمانهم بالنسبة إلى أنفسهم ، وإنّما ضمانهم بالنسبة إلى شخص المالك دون غيره.

ويمكن استظهار هذا الوجه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حتى تؤدّيه» لأنّ التأدية لا بدّ أن تكون إلى من أخذ منه المال حقيقة أو حكما ، لأنّ الكلام في أخذ مال الغير لا في المباحات الأصلية ، فلا بدّ أن يكون التأدية إلى من أخذ منه المال ، أو من هو بمنزلته. فإذا ردّ المال إلى غير المأخوذ منه لم تصدق التأدية.

ثالثها : أن يراد به ضمان كلّ آخذ لمن أخذ المال منه ، فالمالك يرجع الى مبدء السلسلة فقط ، وهو يرجع إلى الآخذ الثاني ، وهو إلى الثالث ، وهو إلى الرابع ، وهكذا.

وهنا احتمالات اخرى ، ولكن المهمّ الاستظهار من الدليل كما سيأتي.

وأمّا المقام الثاني ـ وهو مقام الإثبات بحسب فهم العرف ـ فنقول : إنّ النبوي المذكور في مقام بيان حكم اليد الآخذة ، والظاهر أنّ للنبوي إطلاقا بالنسبة إلى كلّ آخذ بأيّ نحو حصل ، سواء أكان الأخذ من المالك بلا واسطة أم معها ، وسواء أكان الآخذ بائعا صورة أم مشتريا ، فالآخذ مطلقا يكون ضامنا للمالك.

وبالجملة : فضمان كل آخذ للمالك ـ بمعنى جواز رجوع المالك إلى كل من استولى على ماله ـ ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

وإنّما الكلام في تضمين بعض الضمناء لبعضهم ، كأن يكون الضامن الثاني ضامنا

٥٧٨

.................................................................................................

__________________

لما ضمنه الضامن الأوّل ، والضامن الثالث ضامنا لما ضمنه الغاصب الثاني ، وهكذا ، كما هو المشهور في الأيدي المتعاقبة ، بأن يقال : إنّ الضامن الأوّل ضامن للمالك قيمة ماله ، والضامن الثاني ضامن للضامن الأوّل ما ضمنه للمالك ، فعليه تدارك ضمان الضامن على تقدير وقوع الخسارة عليه. والضامن الثالث ضامن للثاني ما ضمنه للأوّل الذي هو ضامن للمالك.

والحاصل : أنّ المشهور ـ على ما قيل ـ جواز رجوع المالك على كلّ واحد من الضمناء ، ورجوع كلّ سابق منهم إلى لاحقه لو لم يكن مغرورا من سابقه. ودليل كل ذلك هو النبوي المشهور «على اليد ما أخذت حتى تؤدي».

أمّا رجوع المالك إلى كلّ واحد من الضمناء ، فلأنّ يد كلّ منهم على مال المالك عادية ، وذلك بمقتضى عموم أو إطلاق «على اليد» سبب للضمان.

وأمّا ضمان بعضهم بالنسبة إلى بعضهم الآخر فلأنّ الضامن الثاني أخذ المال من الضامن الأول بما كان له من الخصوصية ، وهي كونه مضمونا على الضامن الأوّل. وكذا من بعده من الضامن الثالث والرابع ، فإنّ كلّا منهم استولى على مال المالك بوصف كونه مضمونا على سابقه ، ولذا يرجع السابق على اللاحق إذا رجع المالك على السابق ، وأخذ المال منه ، إن لم يكن السابق غارّا ، وإلّا فليس له الرجوع إلى اللّاحق. فإنّ الحكم يثبت لموضوعه بخصوصيته ، والمفروض أنّ كل لاحق أخذ المال من سابقه بخصوصية كونه مضمونا على سابقه ، فإنّه مقتضى انحلال «على اليد» إلى قضايا متعددة على حسب تعدد الموضوعات. وهذا معنى طولية الضمانات.

وتجريد الموضوع عن الخصوصية منوط بالدليل ، وهو مفقود.

مضافا إلى : أنّ تجريده عنها مستلزم لعرضية الضمانات ، وقد تقدم امتناعها.

وهذا بخلاف ضمان الضامن الأوّل الذي أخذ المال من المالك ، فإنّه ضامن له من دون خصوصية كونه مضمونا على أحد ، بل هو ضامن للمال مجرّدا عن هذه الخصوصية.

والحاصل : أنّ دليل الضمان ـ وهو قاعدة اليد ـ يثبت كلا الأمرين ، وهما : جواز رجوع المالك إلى كل واحد من الضمناء ، لوقوع ماله تحت يد كلّ واحد منهم. وجواز رجوع كل

٥٧٩

.................................................................................................

__________________

سابق منهم إلى لاحقه ، لوقوع المال تحت يده مضمونا على السابق ، فيجتمع ضمانات الضمناء طولا في زمان واحد مع وحدة المرتبة ، وهي التلف.

لكن الحق أنّ التلف الموجب للضمان علّة لضمان جميع ذوي الأيدي العادية لبدل مال المالك ، فجميع هؤلاء يضمن بدل العين بسبب التلف للمالك طولا ، لا عرضا حتى يلزم المحال. ولا وجه لمراعاة خصوصية كونه مضمونا على السابق بعد كون كل واحد من ذوي الأيدي ـ بمقتضى انحلال عموم «على اليد» ـ مشمولا لقاعدة اليد ، فإنّ كل خصوصية من خصوصيات المال ليست مضمونة على ذي اليد العادية ، بل خصوص الأوصاف الدخيلة في ماليّة المال ، والمضمون على الأيدي اللّاحقة نفس بدل مال المالك ، لا البدل الموصوف بكونه مضمونا على السابق ، فإنّ هذا الوصف من الأوصاف التي لا يضمنها الضامن ، ولا يتوقف ضمان اللّاحق على اعتبار كون المال مضمونا على السابق ، إذ ليس هذا الوصف موجبا لازدياد المالية.

والحاصل : أنّ الضمان معلّق على تلف العين ، لأنّه مع بقاء العين لا ضمان ، إذ اللازم حينئذ وجوب ردّ العين إلى المالك. ولا ضمان على أحد ، لأنّ الضمان ـ بمعنى تدارك الخسارة الواردة على المالك ـ لا يتصوّر مع بقاء العين ، إذ لا خسارة على المالك مع بقاء عين ماله ، فإنّ عهدتها ودركها بعد التلف ، كما أفاده المصنف قدس‌سره في (ص ٥٧١) بقوله : «معنى كون العين المأخوذة على اليد كون عهدتها ودركها بعد التلف عليه» وفي (ص ٤٩٤) بقوله : «الضمان كون الشي‌ء في عهدة الضامن وخسارته عليه» فإنّهما يدلّان على كون الضمان جبران الخسارة الواردة على المال بسبب تلف ماله.

فعليه يكون ضمان كلّ من وقع المال تحت يده تعليقيا ، وفعليته منوطة بالتلف. فالجزء الأخير لعلّة الضمان للكلّ هو التلف. فكلّ واحد من الضامنين يضمن للمالك بدل ماله في رتبة واحدة ، لا أنّ غير الضامن الأوّل يضمن ما ضمنه الضامن السابق ، فإنّه بعيد عن أذهان العرف. فلا يكون «على اليد» ظاهرا فيه. بل ظاهره كون مال المالك بعهدة كلّ من ذوي الأيدي العادية.

٥٨٠