هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

فالضمان (١) أو قرار الضمان (٢) فيه (٣) يحتاج إلى دليل مفقود (٤). فلا بدّ (٥) من الرجوع بالأخرة إلى قاعدة الضرر ، أو الإجماع المدّعى في الإيضاح على تقديم السبب إذا كان أقوى ،

______________________________________________________

مفقود هنا ، إذ لا دليل على ضمان السبب الذي لا يستند التلف عرفا إليه.

(١) أي : بأن يكون البائع هو الضامن دون المشتري المغرور ، فلا يصح رجوع المالك إلى المغرور أصلا.

(٢) بأن تكون ذمة كلّ من الغارّ والمغرور مشغولة للمالك ، لكن الضمان مستقرّ على الغارّ ، فيجوز للمالك الرجوع إلى المغرور ، فيرجع هو على الغارّ.

(٣) أي : في السبب الذي ليس بمتلف ، كالبائع ، فإنّ تلف المنافع مستند إلى المشتري الذي استوفاها مختارا ومن غير إكراه.

(٤) إذ المفروض عدم كون السبب ـ الذي لا يستند إليه التلف ـ موجبا للضمان.

(٥) هذه نتيجة قوله : «فالضمان» الذي هو جواب «أمّا» وحاصله : أنّه بعد فقد الدليل الخاصّ على ضمان البائع الغارّ ـ الذي هو السبب لتلف المنافع ، لكنّ سببيّته لتلفها ليس بمثابة يستند التلف إليه كما فيما نحن فيه ، وهو القسم الثاني ـ فلا بدّ في إثبات ضمان السبب وهو البائع مع عدم استناد التلف إليه عرفا من التمسك بأحد الأمور الأربعة :

أحدها : قاعدة الضرر.

ثانيها : الإجماع المدّعى في الإيضاح على تقدّم السبب إذا كان أقوى. قال فخر المحققين فيه ـ فيما لو اشترى دارا أو أرضا من غاصب ، وبنى فيه ، فقلع المالك بناءه ، وأنّ الأقرب رجوع المشتري على البائع ـ ما لفظه : «وجه القرب : أنّ البائع سبب ، والمشتري ذو يد كالمباشر ، والسبب هنا أقوى من المباشر. وكلّما كان السبب أقوى من المباشر فالضمان على السبب. أمّا الأولى فلأنّه إنّما شرع في العقد والتصرفات بظنّ السلامة ، وسبب هذا الظن تغرير البائع إياه ، فصار هذا السبب أقوى. وأما الثانية فإجماعية» (١).

وليس مراده بقوّة السبب قوّته الخاصة التي يستند الفعل إلى السبب دون المباشر ، بل مراده بقرينة تطبيقه على الغرور هو الأعم ، يعني سواء أكان استناد الفعل إلى السبب

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ١٩١.

٥٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

أقوى من استناده إلى المباشر كما في المكره ، أم كان استناده إلى كلّ منهما على السواء ، بل يصدق حتى مع قوة استناده إلى المباشر وضعف استناده إلى السبب كما في المغرور ، لكونه مختارا في فعله. ولكن الوجه في ضمان البائع الغارّ هو الدليل التعبدي أعني به الإجماع ، حيث يكفي في صدق التسبيب اعتماد المغرور على ظنّ سلامة المبيع له ليتصرف فيه.

ثالثها : الأخبار المتفرقة ، والظاهر أنّ مقصوده منها ما ورد في التدليس في النكاح ممّا يشتمل على التعليل. ويمكن أن يريد أيضا مثل خبري زرارة وجميل المتقدمين في الجارية المسروقة.

فممّا ورد في النكاح ، خبر إسماعيل بن جابر ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته ، فسأل عنها ، فقيل : هي ابنة فلان ، فأتى أباها ، فقال : زوّجني ابنتك ، فزوّجه غيرها ، فولدت منه. فعلم بها بعد أنّها غير ابنته ، وأنّها أمة. قال : تردّ الوليدة على مواليها ، والولد للرجل ، وعلى الّذي زوّجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة ، كما غرّ الرجل وخدعه» (١).

فإن قوله عليه‌السلام : «كما غرّ الرجل وخدعه» ظاهر ـ بل صريح ـ في عليّة الغرور لكون الأب المزوّج ضامنا لقيمة الولد. ومقتضى التعليل الحكم بضمان الغارّ في غير الولد ممّا يكون في باب النكاح كالمهر ، وكذا في غير النكاح كالمقام.

واحتمال اختصاص الرجوع على الغارّ بمورد الرواية ـ وهو ضمان قيمة الولد ـ غير ظاهر ، لما تقرّر من عدم الفرق في التعدي عن مورد التعليل بين أن يقال : «لا تشرب الخمر ، لإسكاره» أو «لأنه مسكر» لعدم اقتضاء الإضافة في التعبير الأوّل دوران الحرمة مدار إسكار الخمر خاصة ، بل يؤخذ بعموم العلّة في سائر الموارد.

وكذا يستفاد الحكم ممّا رواه رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «وسألته عن البرصاء. فقال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة زوّجها وليّها وهي برصاء : أنّ المهر لها بما استحلّ من فرجها ، وأنّ المهر على الذي زوّجها. وإنّما صار عليه المهر لأنّه دلّسها» الحديث (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٦٠٢ ، الباب ٧ من أبواب العيوب والتدليس ، ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٩٦ ، الباب ٢ من أبواب العيوب والتدليس ، ح ٢ ، رواه الكليني عن العدة عن سهل عن أحمد بن محمّد عن رفاعة بن موسى. ورواه ابن إدريس في المستطرفات عن نوادر البزنطي عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، السرائر ، ج ٣ ، ص ٥٦٢. وقد ورد ضمان المهر بالتدليس في الحديث ١ و ٤ و ٧ و ٨ من نفس الباب ، وح ١ من الباب ٩ ص ٦٠٤ ، وغيرها.

٥٤٢

أو بالأخبار (١) الواردة في الموارد المتفرّقة ، أو كون الغارّ سببا في تغريم المغرور ، فكان (٢) كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ لشهادته.

ولا ريب في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه.

أمّا الأخير (٣) فواضح.

______________________________________________________

فإنّ تعليل استقرار المهر على الولي بالتدليس كالصريح في عدم خصوصية للمورد ، وأنّ المقصود تطبيق الكبرى الكلّية على بعض صغرياتها.

رابعها : كون الغارّ سببا لتغريم المغرور ، كسببية شاهد الزور لضمان ما يؤخذ باستناد شهادته ، وقد دلّ عليه نصوص عديدة سيأتي ذكر بعضها في (ص ٥٤٧).

وهذه الوجوه الأربعة ثابتة فيما نحن فيه ، وهو ما اغترمه المشتري للمالك بإزاء ما استوفاه من منافع المبيع له فضولا.

(١) معطوف على «قاعدة الضرر» والأولى إسقاط حرف الجرّ أو تبديله ب «إلى» ليستقيم العطف ، فكأنّه قال : «فلا بدّ من الرجوع إلى الأخبار الواردة ..».

ثم إن ظاهر العبارة كون هذه الأخبار المتفرقة دليلا ثالثا على الضمان ، كما أنّ ما ورد في شاهد الزور دليل رابع عليه.

ولكن الظاهر أن قوله :«بالأخبار الواردة في الموارد المتفرقة» يعمّ ما ورد في شاهد الزور أيضا ، لما سيأتي بعد أسطر بقوله :«وأما الإجماع والأخبار ، فهما وإن لم يردا في خصوص المسألة .. إلى أن قال : ورجوع المحكوم عليه إلى شاهدي الزور مورد الأخبار ..».

وعلى هذا فالعبارة لا تخلو من مسامحة ، لكون الأدلة هي قاعدة الضرر والإجماع والأخبار المتفرقة التي يستفاد من بعضها سببية الغارّ.

(٢) يعني : فكان البائع الفضول كشاهد الزور في ضمانه لما يؤخذ بشهادته.

(٣) وهو كون البائع الفضول سببا لتغريم المغرور وهو المشتري ، فبيعه كشهادة شاهد الزور في السببية للتغريم ، فثبوت الوجه الأخير ـ وهو الوجه الرابع فيما نحن فيه ـ واضح كما في المتن.

٥٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فإن قلت : إنّ وضوح سببية الغار لتغريم المغرور ينافي ما أفاده في ردّ كلام الجواهر بقوله : «وأما قوة السبب على المباشر فليست بنفسها دليلا على رجوع المغرور ..» إذ لو كانت قوة السبب مضمّنة للسبب دون المباشر لم تتّجه المناقشة في كلام الجواهر. وإن لم تكن موجبة لضمان السبب لم تنفع في ضمان الغارّ لما اغترمه المشتري.

قلت : لا منافاة ظاهرا بين الكلامين ، إذ المقصود بقوة السبب ـ التي منعها أوّلا ـ هو التسبيب على الموضوع أي الفعل المترتب عليه الضمان ، حيث لا ضمان على المباشر كالمكره ، وإنّما تكون الغرامة على السبب باعتبار قوّته الموجبة لإسناد التلف إليه. ومن المعلوم انتفاء التسبيب بهذا المعنى في مورد الغرور ، لكونه متصرّفا بإرادته.

كما أنّ المقصود بالتسبيب الذي جعله دليلا على ضمان الغارّ هو التسبيب على الضمان ، نظير استقرار الضمان على من يقدّم طعام الغير إلى ضيفه ، فإنّ الأكل فعل اختياري للآكل موضوع للضمان ، ولكن الموقع له في الضمان هو المقدّم. فإذا غرّم المالك الآكل رجع هو على المقدّم. فكذا يرجع المشتري ـ في ما اغترمه على المبيع فضولا ـ على البائع الغارّ.

وضمان السبب في هذا القسم منوط بدليل تعبدي ، ولذا تصدّى المصنف قدس‌سره لإثباته بالتمسك بمثل ما ورد في ضمان شاهد الزور.

هذا بيان الفارق بين التسبيبين على ما أفاده شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدس‌سره (١) ، وإن شئت مزيد بيان له فراجع التعليقة (*).

__________________

(*) وتوضيحه على ما في تقرير بحثه الشريف : أنّ ما يطلق عليه السبب على أقسام ، فتارة يكون الضمان على السبب ابتداء ، ولا يضمن المباشر أصلا. واخرى يضمن المباشر ابتداء ، ولكن قرار الضمان على السبب ، فيرجع المباشر إليه. وثالثة يضمن المباشر دون السبب.

والقسم الأوّل هو قاعدة الضمان بالتسبيب على الفعل ، بأن كان السبب مقدمة أخيرة من علّة وجود المسبب ، بحيث لم يتخلّل بين السبب والمسبب فعل فاعل مختار أصلا ، كما إذا حفر بئرا ، فعثر العابر ووقع فيه فمات ، حيث لم يتخلل بين التلف والحفر فعل إرادي.

__________________

(١) المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ٢٧٦.

٥٤٤

.................................................................................................

__________________

ومرور العابر وإن كان فعله الاختياري ، لكن عثرة وسقوطه في البئر غير اختياري. ونظيره ضمان فاتح قفص الطائر.

وكذا الحال لو تخلّلت إرادة المختار ، ولكنها ضعيفة بحيث كان استناد الأثر إلى السبب أقوى منه إلى المباشر ، كما إذا وقف الطفل أو المجنون على البئر ، فسقط فيه.

وكذا لو كان الفعل صادرا بإرادة المباشر ، لكنه غير مستقل في فعله ، بل هو ملزم به ، ومقهور لغيره عقلا أو شرعا كالمكره. وكالحاكم الذي شهد عنده شهود زور بمال في ذمة زيد لعمرو ، فحكم بأخذ المال من المحكوم عليه ، فإنّ قيام البيّنة عند الحاكم توجب لا بدّيّة الحكم على طبقها ، فلا يضمن عند تبيّن فساد المستند ، وإنّما يضمن شاهد الزور كما نطقت به الأخبار.

والمقام ليس من هذا القسم ، ضرورة عدم كون البيع ولا تسليط البائع على المبيع سببا لتلف مال المشتري ممّا صرفه على المبيع ، لعدم ترتب هذه الخسارة على البيع ، ولا فيه إحداث الداعي على الإتلاف والتصرف. نعم لولا البيع لم يقع البائع في الغرامة ، ولكنه ليس بمناط سببيته لها ، بل البيع محقّق لموضوع لما اغترمه ، كسائر موارد وجود الموضوع الذي هو أجنبي عن باب التسبيب ، فإنّه لولا وجود المقتول لم يتحقق القتل ، وهل يصح عدّه سببا للقتل؟

والقسم الثاني هو الضمان بالتسبيب على الضمان لا على الفعل المضمّن ، بأن يتوسّط فعل اختياري بين المعدّ وبين المسبب ، وأقدم الفاعل على الضمان لأجل ذلك المعدّ ، بحيث يستند الضمان إلى السبب ، فيتعلق الضمان بالمباشر أوّلا ، ثم بالسبب برجوع المباشر إليه ، ويتحقق في موردين :

أحدهما : أن يستدعي المديون من شخص أن يضمن عن دينه ، فيضمنه ويرجع به إلى المستدعي بعد أداء الدين.

ثانيهما : أن يكون فعل السبب موجبا لضمان شخص آخر بإرادته ، كمقدّم طعام الغير إلى ضيفه ليأكله مجّانا ، فتبيّن عدم كون الطعام له. وعلى هذا القسم ينطبق قاعدة الغرور. فإنّ الآكل مغرور بفعل المقدّم ، فيرجع عليه.

وممّا ذكر يظهر أنّ مسألة الرجوع إلى شاهد الزور لا تناسب باب الغرور ، إذ المفروض في قاعدة الغرور ضمان المغرور ثم رجوعه على الغارّ. وهذا مفقود في المثال ،

٥٤٥

وأمّا الأوّل (١) فقد عرفته ، وأمّا الإجماع والأخبار فهما وإن لم يردا في خصوص المسألة (٢) ، إلّا أنّ تحقّقهما (٣) في نظائر المسألة (٤) كاف ، فإنّ (٥) رجوع آكل

______________________________________________________

(١) وهو قاعدة الضرر ، فقد عرفته في (ص ٥٣٤) بقوله : «ويؤيده قاعدة نفي الضرر ، فإنّ تغريم من أقدم على إتلاف شي‌ء من دون عوض مغرورا من آخر .. إلخ».

(٢) وهي رجوع المشتري على البائع الفضول بما اغترمه للمالك ، في مقابل المنافع التي استوفاها المشتري من المبيع الفضولي.

(٣) أي : تحقق الإجماع والأخبار في نظائر المسألة كاف في الحكم برجوع المشتري.

(٤) وهي رجوع المشتري على البائع الفضولي فيما اغترمه المشتري للمالك ، في مقابل ما استوفاه من منافع المبيع فضولا.

(٥) بيان لتحقق الإجماع والأخبار في نظائر المسألة المبحوث عنها ، وهي رجوع المشتري إلى البائع الفضول. ومن تلك النظائر مثال زيد الآكل لطعام عمرو بتغرير بكر له ، بدعوى أنّ الطعام له ، ثم بان أنّ الطعام ملك عمرو ، وليس ملكا لبكر ، فإنّه قام

__________________

إذ لا يضمن الحاكم ، لكونه مسلوب الاختيار بعد قيام البينة عنده ، فيرجع المحكوم عليه إلى الشهود ابتداء.

والقسم الثالث ما إذا كان أثر السبب مجرّد إحداث الداعي للمباشر من دون أن يستند الفعل إلى السبب ، فيضمن المباشر خاصة ، ولا يرجع إلى ذلك الطرف أصلا ، وذلك كما إذا أمر شخص غيره بقتل آخر ، أو علّمه طريقة سرقة الأموال ، فجنى باختياره.

وكذا يخرج عن مورد قاعدة التسبيب ـ بكلا إطلاقيها المتقدمين ـ ما إذا وقف شخصان على شفير بئر ، فدفع أحدهما الآخر ، فسقط فيه ، فليس الضمان على الحافر ، لفرض توسط فعل فاعل مختار بين الحفر والهلاك.

وبالجملة فإن كان الفعل مستندا إلى السبب كان هو الضامن دون المباشر. وإن كان الفعل مستندا إلى المباشر ، ولم يقدم على ما يترتب عليه من الضمان كآكل طعام الغير بتغرير المقدّم له مجانا ، أو أقدم على الضمان بإزاء عوض ، كان المباشر هو الضامن ، ويرجع إلى السبب بعد أداء الغرامة (١).

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٢٩٤ ـ ٢٩٦ ، المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ٢٧٢ ـ ٢٧٦ وص ٢٨٩.

٥٤٦

طعام الغير إلى (١) من غرّه ـ بدعوى (٢) : تملّكه وإباحته له ـ مورد (٣) الإجماع ظاهرا. ورجوع (٤) المحكوم عليه إلى شاهد الزور مورد الأخبار (٥) ،

______________________________________________________

الإجماع ظاهرا على رجوع آكل الطعام إلى من غرّه ـ وهو بكر ـ بما اغترمه الآكل لمالك الطعام.

(١) متعلّق ب ـ «رجوع».

(٢) متعلق ب ـ «غرّه» وضميرا «تملكه ، إباحته» راجعان إلى الطعام ، وضمير «له» إلى الآكل.

(٣) خبر قوله : «فان رجوع» وتقدم في (ص ٥٣٤) حكاية الإجماع عن غير واحد ، فراجع.

(٤) معطوف على «رجوع» في قوله : «فان رجوع» وهذا هو المورد الثاني من نظائر مسألتنا ـ وهي رجوع المشتري إلى البائع بالغرامات التي اغترمها لمالك المبيع الفضولي ، ومحصّل هذا النظير هو رجوع المحكوم عليه بغرامات ـ باستناد الحاكم إلى شهادة شاهد الزور ـ إلى شاهد الزور ، وأخذ ما اغترمه المحكوم عليه من شاهد الزور وهذا النظير مورد الأخبار.

(٥) التي منها رواية جميل المتقدمة في (ص ٥٢٠).

ومنها : رواية جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في شاهد الزور ، قال : «إن كان الشي‌ء قائما بعينه ردّ على صاحبه. وإن لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرّجل» (١).

ومنها : معتبرة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنّه طلّقها ، فاعتدّت المرأة وتزوّجت. ثم إن الزوج الغائب قدم ، فزعم أنّه لم يطلّقها ، وأكذب نفسه أحد الشاهدين. فقال : لا سبيل للأخير عليها ، ويؤخذ الصداق عن الذي شهد ورجع ، فيردّ على الأخير ، ويفرّق بينهما ، وتعتدّ من الأخير ، ولا يقربها الأوّل حتى تنقضي عدّتها» (٢). ونحوهما أخبار أخر (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٢٣٩ ، الباب ١١ من أبواب الشهادات ، ح ٣.

(٢) المصدر ، ص ٢٤٢ ، الباب ١٣ ، ح ٣.

(٣) المصدر ، الباب ١٤ ، الحديث ١ و ٢ و ٣.

٥٤٧

ولا يوجد (١) فرق بينهما (٢) وبين ما نحن فيه (٣) أصلا.

وقد ظهر ممّا ذكرنا (٤) فساد منع الغرور فيما نحن فيه ، كما في كلام بعض (٥) ،

______________________________________________________

ودلالتها على المقام مبنية على كون الرجوع إلى الشاهد لمجرّد الغرور ، لا لأجل ضمان السبب من جهة كونه سببا.

(١) بعد أن ذكر هذين النظيرين أراد أن يبيّن أنّ حكمهما جار في مسألتنا أيضا ، لأنّ كلّا منها مصداق لكبرى الغرور ، فلا يكون قيسا حتى لا يجري حكم الموردين المذكورين فيه.

(٢) الضمير راجع إلى رجوع آكل الطعام ورجوع المحكوم عليه.

(٣) وهو رجوع المشتري الجاهل على البائع الفضول بكل ما اغترمه المشتري للمالك.

(٤) أي : ظهر من جريان قاعدتي الغرور والضرر هنا والأخبار ـ كخبري جميل وشاهد الزور ـ فساد منع صدق الغرور على ما نحن فيه ، وهو رجوع المشتري على البائع الفضولي بما اغترمه للمالك كما عن بعض.

(٥) وهو صاحب الجواهر قدس‌سره ، حيث إنه ناقش في ما ادعاه صاحب الرياض قدس‌سره من عدم الدليل على كبرى قاعدة الغرور لو لم يلحق الضرر بالمغرور ، فإنّ صاحب الجواهر أثبت هذه الكلية ، لكنه منع صدق الغرور في الغرامات التي بذلها المشتري في مقابل النفع الواصل إليه ، وقال : «لكن لعلّ خلافهم هنا يومي إلى عدم تحقق قاعدة الغرور في المقام .. إلى أن قال : نعم إنّما المتجه ما ذكرناه من منع تحقق الغرور ، الذي يترتب عليه الضمان ، إذ المسلّم منه ما يترتب فعل الغير على فعله من حيث المجانية ابتداء ، كالإباحة والهبة والعارية ونحوها. بخلاف ترتب فعل المشتري هنا على زعم كونه مالكا ، الحاصل من وقوع عقد البيع مع البائع ، خصوصا مع جهل البائع بالحال كالمشتري ، فتأمّل» (١).

ومحصّل إيراد المصنف عليه : ما مرّ آنفا من صدق قاعدتي الغرور والضرر فيما

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٨٣.

٥٤٨

حيث عدل (١) في ردّ مستند المشهور عمّا في الرياض ـ من منع الكبرى (٢) ـ إلى (٣) منع الصغرى (٤) ، فإنّ (٥) الإنصاف أنّ مفهوم الغرور الموجب للرجوع في باب

______________________________________________________

نحن فيه.

وخلاصة الكلام : أنّ مستند المشهور في رجوع المشتري إلى البائع الفضول هو : أنّ المشتري مغرور ، وكل مغرور يرجع إلى من غرّه ، فالنتيجة : أنّ المشتري يرجع إلى من غرّه ، وهو البائع. فمستند المشهور هو قاعدة الغرور.

وصاحب الرياض قدس‌سره يمنع الكبرى ـ وهي كل مغرور يرجع إلى من غرّه ـ ويقول : انّ الكبرى هي كلّ مغرور متضرّر يرجع إلى من غرّه ، لا كلّ مغرور وإن لم يكن متضرّرا. وهذه الكبرى لا تنطبق على المشتري ، لأنّه وإن كان مغرورا ، لكنّه ليس بمتضرّر ، فلا يرجع المشتري إلى البائع الفضول بقاعدة الغرور.

وصاحب الجواهر قدس‌سره عدل عما أفاده سيّد الرياض ـ من منع الكبرى ـ إلى منع الصغرى ، وقال : إنّ المشتري فيما نحن فيه ليس مغرورا حتى يرجع إلى البائع ، لعدم كون السبب هنا أقوى من المباشر ، وبدون أقوائية السبب وهو البائع هنا من المباشر ـ وهو المشتري ، لأنّه بالإرادة والاختيار تصرّف في المبيع الفضولي ـ لا يعدّ المشتري مغرورا ، فلا يرجع إلى البائع.

(١) أي : عدل صاحب الجواهر في ردّ مستند المشهور ، وهو قاعدة الغرور.

(٢) وهي : كل مغرور يرجع إلى من غرّه.

(٣) هذا وقوله : «عمّا» متعلقان ب ـ «عدل».

(٤) وهي : عدم أقوائية السبب ـ وهو البائع ـ من المباشر أعني به المشتري.

(٥) تعليل لفساد منع الغرور من ناحية الصغرى ، وحاصل وجه المنع هو : أنّ مفهوم الغرور وإن كان غير منقّح ، لعدم وضوح دليله ، إلّا أن المتيقن من مفهومه هو إتلاف المغرور لمال الغير لا بعنوان أنّه مال الغير ، بل بعنوان مال نفسه ، أو بعنوان من أباح له الإتلاف ، فلا يكون قاصدا لإتلاف مال الغير. نظير المكره في عدم القصد إلى الفعل المكره عليه.

فان قلت : إنّ عدم قصده إلى إتلاف مال الغير لا يجدي في نفي الضمان عن المغرور ، وذلك لأنّ سببيّة اليد والإتلاف للضمان غير منوطة بقصد كون المال المستولي عليه أو

٥٤٩

الإتلاف وإن (١) كان غير منقّح (*) ، إلّا أنّ المتيقّن منه ما كان إتلاف المغرور لمال

______________________________________________________

المتلف مالا للغير ، بل وضع اليد كيفما اتفق مضمّن. وكذا الإتلاف. وعلى هذا ينبغي ضمان المغرور من جهة قاعدتي اليد والإتلاف. هذا

قلت : نعم لا دخل للقصد في التضمين باليد والإتلاف ، إلّا أنّ مقصود المصنف قدس‌سره من قوله : «بل قصده ..» بيان محقّق عنوان الغرور. يعني : أنّ المتلف لمال الغير إن كان قاصدا لإتلافه بما أنّه مال الغير لم يصدق عليه «المغرور». وإن كان غير قاصد لهذا العنوان ـ بأن قصد إتلاف مال نفسه ، فتبيّن كونه للغير ـ صدق عنوان الغرور ، فيرجع إلى من غرّه. وعلى هذا فعدم القصد إلى عنوان «إتلاف مال الغير» محقّق مفهوم الغرور.

(١) الجملة خبر قوله : «أن مفهوم» ، وضمير «منه» راجع إلى «مفهوم الغرور».

__________________

(*) يمكن أن يقال : إنّ مفهوم «الغرور» المناسب لمعناه اللغوي ـ المذكور في المجمع بقوله : «وغرّه غرّا وغرورا وغرّة بالكسر فهو مغرور : خدعه ، وأطمعه بالباطل ، فاغترّ هو» (١) ـ هو الذي يكون داعيا إلى صدور الفعل من المغرور ، ومؤكّدا له ، كداعوية الإرادة التي هي الشوق المؤكّد لصدور الفعل من فاعله. ولا يوجب الغرور ـ كالشوق المؤكّد ـ خروج الفعل عن الفعل الإرادي حتى يكون كالآلة ، مثل النار للإحراق والسّكّين للقطع ، والسّمّ للقتل ، فإنّ هذه آلات ، والتعبير عنها بالآلات صحيح. وهذا بخلاف أكل المغرور لطعام الغير ، فإنّه فعل اختياري له ، والتعبير عن المغرور بالآلة غير صحيح ، لأنّه ليس كالنار والسّمّ والسّكّين ونحوها ممّا ليس له إرادة واختيار.

فالغرور ـ على هذا ـ من مبادئ صدور الفعل من الفاعل المختار ، كما يظهر من أمثلتهم ، كتشبيه البائع الفضول بشاهد الزور ، وكمقدّم طعام الغير إلى شخص ليأكله ، فإنّ الأكل فعل اختياري للآكل. وليس كالإيجار في الحلق في عدم كون الفعل اختياريا.

ويظهر ممّا ذكرنا عدم إناطة قاعدة الغرور بقاعدة الضرر ، ولا بقاعدة السبب والمباشر ، فتجري قاعدة الغرور ولو لم يكن هناك ضرر ولا قوّة السبب على المباشر.

ثمّ إنّ الغرور هل هو من العناوين القصدية كالصوم والصلاة والغسل والوضوء؟

__________________

(١) مجمع البحرين ، ج ٣ ، ص ٤٢٢.

٥٥٠

الغير وإثبات يده (١) عليه لا بعنوان أنّه مال الغير ، بل قصده إلى إتلافه [إتلاف] مال نفسه (٢) أو مال من أباح له (٣) الإتلاف ، فيكون غير قاصد لإتلاف مال الغير ، فيشبه المكره في عدم القصد (٤) (*).

______________________________________________________

(١) أي : يد المغرور ، وضميرا «عليه ، وأنّه» راجعان إلى المال.

(٢) كما في ما نحن فيه ، فإنّ المشتري يستوفي منافع المبيع بعنوان كونه مال نفسه لأجل ابتياعه.

(٣) هذا الضمير والمستتر في «فيكون» راجعان إلى المغرور ، والضمير المستتر في «أباح» راجع الى الموصول المراد به البائع الفضول.

(٤) أي : في عدم القصد إلى الفعل المكره عليه. فإنّ المغرور أيضا لا يقصد إتلاف

__________________

أمّ لا؟ بل الغرور بلا قصد يتحقق ، ولا يتقوم بالقصد كالأكل والشرب ، فإنّهما يتصفان بهذين العنوانين حتى مع الغفلة عنهما ، فإنّ عنوان الأكل والشرب ذاتي لهما ، ولذا لا يتوقف صدق هذين العنوانين عليهما على القصد والالتفات.

فإذا قدّم زيد طعاما يعتقد أنّه ملكه ـ أو ملك من أباح له إتلافه ـ إلى عمرو فأكله ، فتبيّن أنه لم يكن له ولا لمن أباح له ، ولا يرضى بالأكل المزبور ويطالب بدله ، فالظاهر أنّ الآكل مغرور ، ومقدّم الطعام غارّ.

وإذا شكّ في اعتبار القصد والالتفات في مفهوم الغرور فلا دليل ولا أصل على شي‌ء من الاعتبار وعدمه فيه ، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل الحكمي ، وهو أصالة عدم الضمان.

(*) هذا مناف لما تكرر منه في مسألتي اعتبار القصد والاختيار في المتعاقدين من كون المكره قاصدا للمعاملة ، وأنّ المفقود فيه هو طيب النفس ، كقوله : «.. مما يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد ومضمونه في الواقع ، وعدم طيب النفس به ، لا عدم إرادة المعنى من الكلام» (١). ومن المعلوم أنه لا فرق في حصول القصد بين الفعل الإنشائي والخارجي. فالمكره على الفعل الخارجي كالأكل والإتلاف كالمكره على الفعل الإنشائي.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ١٨٥

٥٥١

هذا (١) كلّه مضافا (٢)

______________________________________________________

مال غيره ، بل يقصد إتلاف مال نفسه ، أو مال من أباح له إتلافه.

فإن قلت : لا وجه لتشبيه المغرور بالمكره ، للفرق بينهما ، فإنّ المكره لا يخاطب بالضمان ، من جهة قوة السبب وضعف المباشر كما صرّح به في (ص ٥٤٠) بقوله : «والمتجه في مثل ذلك عدم الرجوع إلى المباشر أصلا ، كما نسب إلى ظاهر الأصحاب في المكره» وهذا بخلاف المغرور ، إذ لا كلام في جواز رجوع المالك عليه بالغرامة ، ولكنّه لمكان الغرور يرجع إلى الغارّ. فالفرق بين المكره والمغرور ثابت.

قلت : ليس المقصود من التشبيه إثبات وحدة حكم المكره والمغرور حتى يقال بالفرق بينهما. بل المراد من التشبيه اشتراكهما في الجهة المحقّقة لموضوع الغرور والإكراه مع الغضّ عن حكم رجوع المالك على المغرور دون المكره ، وتلك الجهة الجامعة بينهما عدم استقلالهما في القصد إلى عنوان التصرّف في مال الغير أو إتلافه. إذ بملاحظة انتفاء هذا القصد صار المكره مكرها والمغرور مغرورا.

وبيانه : أنّ المكره يكون كالآلة للمكره من أجل اللّابدّية الناشئة من التحميل ، فلا يستقل في قصد عنوان «التصرف أو إتلاف مال الغير». وكذلك المغرور ، فإنّه وإن كان مختارا في فعله ومستقلّا في أصل القصد ، ولكنه لجهله بالحال لا يقصد العنوان المزبور ، وإنّما مقصوده التصرف في مال نفسه ، وهو المبيع المنتقل إليه بالبيع.

وحيث تحققت الجهة المشتركة بين الإكراه والتغرير منعت من استقرار الضمان على المتلف لمال الغير.

هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدس‌سره في وجه الشباهة بتوضيح وتصرف (١).

(١) أي : ما ذكرناه ـ من أدلة ضمان البائع الفضولي من قاعدتي الضرر والغرور وبعض الأخبار ، كخبر شاهد الزور إذا رجع عن شهادته ـ ثابت.

(٢) غرضه أنّ لنا دليلا آخر على الضمان مضافا إلى الأدلّة السابقة ، وهو ما قيل من دلالة رواية جميل المتقدمة في (ص ٥٢٠) على الضمان. لكن دلالتها على الضمان مبنيّة على كون حرّية الولد منفعة عرفا لوالده المشتري للجارية التي ولدته ، حتى يندرج في القسم الثاني ، وهو ما اغترمه المشتري للمالك في مقابل المنافع التي استوفاها من

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٩٢ و ١٩٣.

٥٥٢

إلى ما قد يقال (١) : من دلالة رواية جميل المتقدّمة ، بناء (٢) على أنّ حرّيّة الولد منفعة راجعة إلى المشتري ، وهو (٣) الذي ذكره المحقّق احتمالا في الشرائع (٤) في باب

______________________________________________________

المبيع فضولا. وإن لم تكن حرّيّة الولد منفعة عرفا ، لكونه حرّا ، والحرّ ليس مالا ولا ملكا لأحد. فيندرج في القسم الثالث من الغرامات التي لم يصل إلى المشتري نفع في مقابلها ، وتكون رواية جميل أجنبية عن المقام حينئذ.

(١) القائل هو الفقيه الكبير الشيخ كاشف الغطاء قدس‌سره ويستفاد من كلام جماعة من تلامذته كأصحاب مفتاح الكرامة (١) وكشف الظلام والجواهر قدس‌سرهم (٢). ففي الجواهر : «أما فيه ـ أي في ما حصل للمشتري نفع في مقابل ما غرمه للمالك ـ فالمشهور أنه كذلك أيضا ، للقاعدة المزبورة ـ وهي قاعدة الغرور .. وفي شرح الأستاد : أنّ في خبر جميل دلالة عليه» وظاهر سكوت صاحب الجواهر عن المناقشة فيه ارتضاؤه له.

ويستفاد استدلال السيد العاملي بهذه الموثقة من ضمّ كلاميه في البيع والغصب ، فاستدلّ في بيع الفضولي بها على ضمان المشتري لما انتفع به ، ورجوعه على البائع بما غرمه للمالك ، فقال : «ويدل على بعض هذه الأحكام خبر جميل» .. يريد منه ـ أي من قيمة الولد ـ القيمة التي أعطاها للمالك لفكّ ولده ، لأنّه حرّ وقال في الغصب : «ان فحوى الرجوع بقيمة الولد مع حصول النفع العظيم له في مقابل القيمة تدلّ ..».

(٢) قيد ل ـ «دلالة» يعني : أنّ دلالة رواية جميل على المقصود مبنيّة على كون حرّيّة الولد منفعة عائدة إلى المشتري.

(٣) يعني : وكون حرّيّة الولد منفعة هو الذي ذكره المحقق قدس‌سره احتمالا.

(٤) قال المحقق قدس‌سره ـ في ما لو اشترى جارية من الغاصب جاهلا بغصبيتها فأولدها ـ ما لفظه : «ولو أولدها المشتري كان حرّا ، وغرم قيمة الولد ، ويرجع بها على البائع. وقيل في هذه : له مطالبة أيّهما شاء. لكن لو طالب المشتري رجع على البائع.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٩ وج ٦ ، ص ٣٠١.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠١ ، واستدل صاحب الجواهر بهذه الموثقة على ضمان قيمة الولد في باب الغصب ، لكنه غير مبني على كون الولد منفعة عائدة إلى المشتري فراجع. ج ٣٧ ، ص ١٨١ و ١٨٣ ، كشف الظلام (مخطوط) ، بحث البيع الفضولي.

٥٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولو طالب البائع لم يرجع على المشتري. وفيه احتمال آخر» (١).

ومورد كلام المحقق قدس‌سره هو ما لم يحصل في مقابل غرامة المشتري نفع له ، بقرينة قوله بعده : «أما ما حصل للمشتري في مقابلته نفع .. إلخ».

واختلف نظر الشهيد الثاني وصاحب الجواهر قدس‌سرهما في ما أراده المحقق من قوله : «وفيه احتمال آخر» فالشهيد الثاني جعل مراده كون قيمة الولد خارجة عن مورد كلامه من اغترام المشتري فيما لم ينتفع به ، وأنّ هذه القيمة مندرجة في القسم الآخر ، وهو ما حصل نفع للمشتري فيه. فقال في المسالك : «ويحتمل إلحاق عوض الولد بما حصل له في مقابلته نفع كالمهر ، لأنّ نفع حريّة الولد يعود إليه. وهذا هو الاحتمال الذي أشار إليه ، فيجري فيه الوجهان ، إلّا أنّ الأشهر الأول» (٢). أي : كون قيمة الولد مما لم ينتفع به المشتري.

وصاحب الجواهر قدس‌سره جعل مراد المحقق من هذا الاحتمال أمرا آخر أقرب بحسب سياق الكلام ، وهو : عدم تخيير المالك ـ في أخذ الغرامة ـ بين الرجوع إلى البائع أو المشتري ، بل يتعيّن الرجوع على البائع ، قال بعد بيان كلام المسالك : «ويمكن أن يريد به احتمال عدم التخيير ، بل يتعيّن رجوع المالك ابتداء على البائع بناء على كونه الغارّ ..» (٣).

وبناء على هذا الاحتمال يتحصّل في رجوع المالك وجوه ثلاثة :

أوّلها : كون المشتري ضامنا ابتداء ، فلو دفع الغرامة إلى المالك جاز له مطالبتها من البائع.

وثانيها : تخيير المالك في الرجوع إلى أيّهما شاء بلا طوليّة بينهما.

وثالثها : تعيّن رجوع المالك على البائع ، وعدم جواز مطالبة الغرامة من المشتري.

وبناء على ما احتمله صاحب الجواهر تندرج غرامة قيمة الولد في القسم الثالث وهو ما لم يحصل فيه نفع للمشتري ، وتكون أجنبيّة عن محلّ الكلام ، وهو انتفاع المشتري به في قبال العوض.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ٢٤٦.

(٢) مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ٢٢٨.

(٣) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٨٢.

٥٥٤

الغصب ، بناء على تفسير المسالك (١). وفيه (٢) تأمّل.

ثم إنّ ممّا ذكرنا في حكم هذا القسم (٣) يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين من

______________________________________________________

(١) لا بناء على تفسير الجواهر ، وقد تقدم وجه هذا البناء.

(٢) يحتمل رجوع الضمير إلى ما احتمله الشهيد الثاني قدس‌سره من كون حرّية الولد من المنافع الراجعة إلى المشتري ، فيكون وجه التأمل فيه : أنّ المقصود بالنفع هي المنافع المعدودة أموالا عرفا كسكنى الدار والكسب في الدّكان وركوب الدابة وثمرات الأشجار. وعليه تكون عبارة الشرائع أجنبية عمّا نحن فيه من ضمان بدل المنفعة المستوفاة.

وربما يشهد له كلام المصنف في بحث المقبوض بالبيع الفاسد من «أنّ الولد وإن كان نماء للأمة ، لكن المشتري لم يستوفه» وتقدّم بعض الكلام هناك ، فراجع (١).

وعليه فضمان قيمة الولد تعبّد ، وليس لأجل ضمان منفعة المبيع فضولا.

ويحتمل رجوع ضمير «فيه» إلى ما احتمله صاحب الجواهر من «تعيّن رجوع المالك ابتداء على البائع الغارّ» ووجه التأمل حينئذ : أنّ مورد قاعدة الغرور ضمان المغرور للمالك ، لاستناد التلف إليه ، ثم رجوعه على الغارّ ، وليس هذا من التسبيب في الفعل حتى يكون الضمان على السبب دون المباشر.

(٣) وهو القسم الثاني من الغرامات التي يصل في مقابلها نفع إلى المشتري ، فإنّه يظهر من حكم هذا القسم الثاني ـ الذي مستنده قاعدة الغرور ـ حكم ما يغرمه المشتري من دون حصول نفع له في مقابل ما يغرمه ، كزيادة قيمة عين المبيع على الثمن المعيّن حين عقد الفضول ، كما إذا كان الثمن المسمّى عشرة دراهم ، وكانت قيمة المبيع السوقية حال العقد عشرين درهما ، وتلف المبيع ، فأخذ المالك من المشتري عشرين درهما ، فهل يرجع المشتري بتمام العشرين على البائع أم بخصوص العشرة التي سلّمها المشتري إليه؟

والكلام في حكم زيادة القيمة على الثمن عند تلف المبيع يقع في مقامين : أحدهما : تلف المبيع بتمامه ، وثانيهما : في تلف بعض أجزائه. والكلام فعلا في المقام الأوّل ، وإن لم يكن فرق في حكم التلف بين الكل والجزء.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٥٠.

٥٥٥

زيادة القيمة على الثمن الحاصلة (١) وقت العقد (٢) ، كما لو باع ما يسوى عشرين بعشرة ، فتلف (٣) ، فأخذ منه المالك عشرين ، فإنّه (٤) لا يرجع بعشرة الثمن ، وإلّا (٥) لزم تلفه من كيس البائع من دون أن يغرّه في ذلك (٦) ، لأنّه لو فرض صدق البائع في دعوى الملكيّة لم يزل غرامة المشتري للثمن بإزاء المبيع التالف. فهذه الغرامة

______________________________________________________

٣ ـ حكم ما اغترمه المشتري في قبال العين

(١) صفة للقيمة ، وقوله : «على الثمن» متعلق ب ـ «زيادة».

(٢) هذا هو القسم الأوّل الذي ذكره المصنف قدس‌سره في (ص ٥١٤) بقوله : «إنّ المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن ، فإمّا أن يكون في مقابل العين كزيادة القيمة على الثمن إذا رجع المالك بها على المشتري ..».

(٣) ضمير الفاعل راجع إلى الموصول في «ما يسوى» المراد به المبيع.

(٤) جواب الشرط في قوله : «لو باع» يعني : فإنّ المشتري لا يرجع إلى البائع بالثمن المسمى وهو العشرة من العشرين التي أخذها المالك من المشتري. وجه عدم الرجوع في عشرة الثمن هو : ضمان المشتري لها بإزاء المبيع ، لأنّ هذا الضمان المعاوضي نشأ من إقدام المشتري من دون أن يكون مغرورا من ناحية البائع ، بل الغرور إنّما يكون بالعشرة الزائدة على العشرة المسمّاة في العقد. والحكم بضمان البائع تابع للغرور ، فإنّ الضرورات تتقدر بقدرها.

والشاهد على ضمان المشتري للثمن المسمّى ـ أعني به العشرة ـ هو : أنّه مع فرض صدق دعوى البائع للملكية يكون المشتري ضامنا لهذا الثمن المسمى دون غيره.

والحاصل : أنّ الغرور حاصل بالنسبة إلى العشرة الزائدة على الثمن ، فتؤخذ من البائع. وأمّا عشرة الثمن فهي داخلة في إقدام المشتري وخارجة عن دائرة الغرور.

(٥) يعني : وإن رجع المشتري إلى البائع بالثمن ـ أعني به العشرة ـ يلزم أن يكون تلفها من كيس البائع من دون وجه ، إذ المفروض أنّ البائع لم يغرّ المشتري بالنسبة إلى عشرة الثمن حتى يكون غارّا وضامنا من حيث الغرور.

(٦) أي : في عشرة الثمن ، لأنّه على فرض صدق دعوى البائع ملكية المبيع كانت غرامة المشتري ثابتة قطعا ، لأنّ هذه الغرامة مقتضى المعاوضة التي أقدم المشتري عليها.

٥٥٦

للثمن لم تنشأ عن كذب البائع ، وأمّا العشرة الزائدة (١) فإنّما جاءت غرامتها من كذب البائع في دعواه ، فحصل الغرور (٢) ، فوجب الرجوع (٣).

وممّا ذكرنا (٤) يظهر اندفاع ما ذكر في وجه

______________________________________________________

فهذه الغرامة المعاوضيّة مستندة إلى إقدام المشتري ، لا إلى تغرير البائع وكذبه ، فلا وجه لتغريم البائع بالنسبة إلى الثمن المسمّى ، بل تغريمه مختص بزائد الثمن المسمّى.

(١) أي : الزائدة على الثمن الذي هو عشرة أيضا في مثال المتن.

(٢) يعني : فحصل الغرور من البائع ، لكذبه بالنسبة إلى العشرة الزائدة على الثمن المسمّى ، فالمشتري مغرور بالنسبة إليها فقط ، دون نفس الثمن.

(٣) يعني : فوجب رجوع المشتري إلى البائع الفضول بالعشرة الزائدة على الثمن المسمّى ، لأنّها مورد الغرور.

وبالجملة : فضمان البائع تابع لصدق الغرور.

(٤) أي : ومن كون الغرور سببا لضمان البائع الفضول لما اغترمه المشتري للمالك ـ من العشرة الزائدة على الثمن المسمّى ـ يظهر اندفاع .. إلخ. وهذا إشارة إلى إيراد أورد على رجوع المشتري إلى البائع بالزائد على الثمن المسمّى.

وحاصل الإيراد : أنّ المشتري وإن أقدم على ضمان العين التالفة بالثمن المسمّى فقط ، كما هو مقتضى المعاوضة البيعية ، إلّا أنّه لمّا لم يسلم المبيع شرعا للمشتري بذلك الثمن المسمّى ـ لفرض بطلان البيع ـ انتقل الضمان المعاوضي إلى الضمان الواقعي اليدي الموجب لانتقال ضمان الثمن المسمّى إلى القيمة السوقية ، كما هو شأن كل بيع فاسد. ومع إقدام المشتري لا ضمان على البائع أصلا ، إذ لا يكون حينئذ غرور ، وإلّا كان على البائع ضمان الثمن المسمّى أيضا.

والوجه في عدم الغرور مع إقدام المشتري على الضمان المعاملي هو تباين الغرور والإقدام ، ولذا لا يرجع على البائع بالمسمّى من جهة إقدامه عليه.

ثم إنّ هذا الاشكال نقله صاحب الجواهر عن المسالك لبيان وجه عدم الرجوع ، والأصل فيه كلام العلّامة في التذكرة ، حيث ذكره وجها لعدم الرجوع بهذه الزيادة ، ثم أجاب عنه ، قال قدس‌سره : «إذا تلفت العين المغصوبة عند المشتري ضمن قيمتها أكثر ما كانت

٥٥٧

عدم الرجوع (١) من (٢) : أنّ المشتري إنّما أقدم على ضمان العين ، وكون (٣) تلفها منه ، كما هو شأن فاسد كلّ عقد يضمن بصحيحه ، ومع الإقدام (٤) لا غرور ، ولذا (٥) لم يقل به (٦) في العشرة المقابلة للثمن.

توضيح (٧) الاندفاع :

______________________________________________________

من يوم القبض إلى يوم التلف. ولا تضمن الزيادة التي كانت في يده أكثر قيمة ، ولا يرجع بما يضمنه عالما كان أو جاهلا ، لأنّ الشراء عقد ضمان ، وقد شرع فيه على أن يكون العين من ضمانه وإن كان الشراء صحيحا. ولقائل أن يقول .. إلخ» (١).

(١) أي : عدم رجوع المشتري على البائع.

(٢) بيان ل ـ «ما» الموصول ، وقد تقدم توضيحه آنفا بقولنا : «وحاصل الإيراد».

(٣) معطوف على «ضمان» يعني : أنّ المشتري إنّما أقدم على كون تلف العين منه ، كما هو شأن فاسد كلّ عقد يضمن بصحيحه. وهذا إشارة إلى دليل القائل بعدم الرجوع.

(٤) يعني : ومع إقدام المشتري على هذا الضمان المعاوضي ـ المنتقل إلى الضمان الواقعي بسبب فساد العقد ـ لا يصدق «الغارّ» على البائع حتى يضمن العشرة الزائدة على عشرة الثمن المسمى ، بل لا يضمن البائع شيئا ، لا الثمن ولا الزائد عليه ، لعدم الغرور.

(٥) أي : ولأجل إقدام المشتري على الضمان المعاوضي لا غرور من البائع بالنسبة إلى عشرة الثمن ، ولذا لم يقل أحد بضمان البائع لها ، وإنّما يضمن البائع العشرة الزائدة لأجل الغرور بالنسبة إليها.

(٦) أي : بالضمان.

(٧) يعني : توضيح ما أشار إليه بقوله : «وممّا ذكرنا يظهر وجه اندفاع». وهذا توضيح ردّ الإيراد المذكور ، وهو عدم ضمان البائع لما اغترمه المشتري من قيمة العين التالفة لمالكها. وقد ردّه بوجهين.

ومحصّل ما أفاده في الوجه الأوّل : أنّ القبض في البيع الفاسد وإن كان مقتضيا

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٣٩٨ ، السطر ٨ ، مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ٢٢٥ ، جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٧٩.

٥٥٨

أنّ الإقدام (١) إنّما كان على ضمانه بالثمن ، إلّا أنّ الشارع جعل القبض على هذا النحو من الإقدام ـ مع فساد العقد وعدم إمضاء الشارع له ـ سببا (٢) لضمان المبيع بقيمته الواقعية (٣) ، فالمانع (٤) من تحقّق الغرور وهو الإقدام لم يكن إلّا في مقابل الثمن. والضمان (٥) المسبّب عن هذا الإقدام لمّا كان لأجل فساد العقد المسبّب (٦) عن تغرير البائع ، كان (٧) المترتّب عليه من ضمان العشرة الزائدة مستقرّا على الغارّ ،

______________________________________________________

لانتقال الضمان المعاوضي إلى الضمان الواقعي ، لكنّه مشروط بأن لا يكون هناك مانع عن الضمان بالقيمة الواقعية. والمانع فيما نحن فيه ـ وهو إقدام البائع على الثمن المسمّى دون الزائد عليه ـ موجود ، لأنّه مورد غرور البائع ، فإنّ إقدام المشتري مختص بالثمن المسمّى فقط ، فضمانه بالقيمة الواقعية يمنعه غرور البائع. ومقتضى قاعدة الغرور وقوع ضمان الزائد على الثمن المسمّى على البائع الفضول.

(١) أي : إقدام المشتري ، فإنّه كان على ضمانه المعاوضي بالثمن المسمّى دون غيره.

(٢) مفعول ثان ل ـ «جعل» ، وقوله : «عدم إمضاء» عطف تفسير للفساد.

(٣) التي هي من مقتضيات ضمان اليد.

(٤) يعني : فالمانع من تحقق غرور البائع الفضول ـ الموجب لضمانه لما اغترمه المشتري للمالك ـ مختص بما يقابل الثمن المسمى ، دون غيره كالقيمة السوقية.

(٥) يعني : أنّ الضمان الواقعي المسبّب عن هذا الإقدام ـ أي إقدام المشتري على الضمان المعاملي ـ وإن كان فساد عقده مقتضيا لضمان المشتري لتمام قيمة العين التالفة عنده ، لكنّه لمّا كان فساد العقد مسبّبا عن تغرير البائع ، كان ضمان العشرة الزائدة على الثمن المسمى مستقرّا على البائع.

وبالجملة : فعدم ضمان المشتري لتمام قيمة العين التالفة عنده ـ مع كونه ممّا يقتضيه فساد عقد البيع كسائر موارد فساد عقده ـ إنّما هو لأجل كون فساده ناشئا من تغرير البائع.

(٦) صفة ل ـ «فساد» يعني : أنّ فساد العقد ناش عن تغرير البائع وعدّ نفسه مالكا.

(٧) جواب «لمّا» والمجموع خبر «والضمان» وغرضه أنّه لمّا كان فساد العقد مسبّبا عن تغرير البائع الفضول ، كان ضمان بعض قيمة العين التالفة وهو مقدار الغرور ـ أعني به

٥٥٩

فغرامة (١) العشرة الزائدة وإن كانت مسبّبة عن الإقدام (٢) ، إلّا (٣) أنّها ليست مقدما عليها.

هذا كلّه مع (٤) أنّ التحقيق

______________________________________________________

العشرة الزائدة في المثال على الثمن المسمى ـ ثابتا على البائع الفضول ومستقرّا عليه ، لأنّه غارّ ، فيضمن بمقدار ما يغرّ المشتري به.

(١) غرضه أنّه لا يتوهّم أنّ غرامة العشرة الزائدة على الثمن المسمّى مسبّبة عن إقدام المشتري على الضمان المعاوضي ، فلا بدّ أن تكون تلك العشرة الزائدة أيضا على المشتري كعشرة الثمن.

(٢) أي : إقدام المشتري على الضمان المعاوضي ، وكان هذا التسبب مستلزما لضمان المشتري لجميع قيمة العين التالفة ، لا خصوص الثمن المسمّى في العقد الفضولي ، وهو العشرة في المثال.

(٣) هذا دفع التوهم المزبور ، ومحصّله : أنّ المشتري الجاهل بالغصب لم يقدم في عقد البيع الفضولي على ضمان تمام القيمة وهي العشرون ، بل أقدم على العشرة المسمّاة في العقد.

(٤) هذا وجه آخر لاندفاع ما ذكر في وجه عدم رجوع المشتري على البائع بقوله : «من أنّ المشتري إنّما أقدم على ضمان العين .. إلخ» فراجع (ص ٥٥٨).

ومحصّل هذا الوجه لدفع الإيراد المزبور هو : أنّ الموجب للضمان والمقتضي له في العقد الفاسد هو اليد التي لا استيمان فيها ، لا مالكيّا ولا شرعيّا. وهذا يوجب ضمان المشتري للعين بتمام قيمتها السوقية ، كما زعمه القائل بضمان المشتري ، وعدم رجوعه إلى البائع. إلّا أنّه لمكان غروره بالنسبة إلى ما زاد على الثمن المسمى يرجع المشتري بما زاد عليه من العشرة في مثال المتن إلى البائع.

فالغرور مانع عن ضمان المشتري الزائد على الثمن المسمّى ، فاليد المقتضية لضمان تمام القيمة على المشتري مقرونة بالمانع ، وهو تغرير البائع بالنسبة إلى الزائد على الثمن المسمّى. فلم يقدم المشتري على ضمان تمام قيمة المبيع الفضولي التالف ، بل خصوص الثمن المسمّى.

ثم إنّ الفرق بين هذا الوجه والوجه السابق هو : أنّ هذا الوجه ناظر إلى وجود المانع عن ضمان المشتري لتمام القيمة ، مع ثبوت المقتضي له وهو اليد بلا ايتمان. والوجه

٥٦٠