هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

ولأجل ما ذكرنا (١) أيضا (٢) لا يكون فسخ العقد إلّا انحلاله من زمانه (٣) ، لا من زمان العقد ، فإنّ الفسخ نظير الإجازة ، والرد (٤) لا يتعلّق إلّا بمضمون العقد ، وهو النقل من حينه (٥). فلو كان زمان وقوع النقل مأخوذا في العقد على

______________________________________________________

زمان الإيجاب. فليكن الأمر في عقد الفضولي كذلك ، أي : حصول الملك من حينها لا من زمان العقد.

هذا تمام الكلام في النقض بالقبول ، واتحاد حكمه مع الإجازة في عدم كاشفيتهما عن ترتب الأثر قبل تحققهما.

(١) أي : ولأجل ما ذكرنا ـ من فرض مقتضى العقد مركّبا من نقل في زمان ورضا بذلك النقل ، وكون مقتضى العقد الملك بعد الإيجاب ـ لا يكون فسخ العقد إلّا انحلاله من زمان الفسخ.

وغرضه إقامة شاهد آخر على عدم سببية العقد للملكية المقيّدة بحصولها من حين العقد حتى تكون الإجازة كاشفة عنها ، وبيان هذا الشاهد : انّهم قالوا بكون الفسخ في العقد الخياري حلّا للعقد من زمان الفسخ ، حيث إنّ الفسخ في مقابل الإجازة. فكما أنّ الإجازة تثبت العقد وتوجب الملك من حين الإجازة ، فكذلك الفسخ ينفي العقد ويزيله من حين تحقق الفسخ.

فلو كان الزمان دخيلا في مفهوم العقد لزم كون الفسخ مزيلا للملك الحاصل بالعقد ، فكأنّه لم يوجد العقد أصلا ، مع أنّهم جعلوا الفسخ انحلالا له من حينه ، لا من حين العقد. وهذا كاشف عن عدم كون العقد مملّكا من حينه بنحو التقييد ، وإنّما هو سبب للملكية المرسلة المعرّاة عن اعتبار الزمان ، فكذلك لا تكون الإجازة كاشفة عن حصول الملك حال العقد.

(٢) يعني : كما لا يكون القبول قبولا للملك من حين الإيجاب ، فكذا الفسخ .. إلخ.

(٣) أي : من زمان الفسخ.

(٤) مبتدء ، و «لا يتعلق» خبره ، و «من حينه» متعلق «بمضمون». يعني : والرّد لا يتعلق بشي‌ء إلّا بمضمون العقد من حين الرّد ، لا من حين إنشاء العقد.

(٥) يعني : بنحو القضية الحينية لا على وجه القيدية ، إذ لو كان الزمان قيدا للنقل كان الفسخ موجبا لنفي الآثار والأحكام من حين العقد. مع أنّه ليس كذلك ، إذ المسلّم

٤١

وجه القيديّة لكان ردّه وحلّه موجبا للحكم بعدم الآثار من حين العقد.

والسّرّ في جميع ذلك (١) ما ذكرنا من عدم كون زمان النقل إلّا ظرفا ، فجميع ما يتعلّق بالعقد من الإمضاء والرّد والفسخ إنّما يتعلّق بنفس المضمون (٢) ، دون المقيّد بذلك الزمان.

والحاصل (٣) : أنّه لا إشكال في حصول الإجازة بقول المالك : «رضيت بكون مالي لزيد بإزاء ماله» أو «رضيت بانتقال مالي إلى زيد»

______________________________________________________

عند الأصحاب كون الفسخ حلّا للعقد وقاطعا لاستمراره من حين حصول الفسخ ، لا حلّا لأصل العقد من حين وقوعه ، فالمقابل للفسخ هو إبقاء العقد والالتزام به.

(١) أي : من عدم تعلق الإجازة بمضمون العقد من زمان وقوع العقد ، ومن كون الفسخ انحلال العقد من زمان الفسخ ، ومن أنّ الرّد لا يتعلّق إلّا بمضمون العقد من حين الرد.

ومحصل الوجه في جميع ذلك هو عدم تقيد مضمون العقد بالزمان بحيث لا يكون زمان إنشاء العقد قيدا له ، بل ظرفا له ، فلا محالة يتعلق الإمضاء والرد والفسخ بنفس مضمون العقد مجرّدا عن الزمان.

(٢) أي : بدون ملاحظة تقيده بزمان وقوع العقد.

(٣) أي : حاصل ما تقدم ـ من عدم قيدية الزمان للنقل ، ومن عدم قيدية الزمان لمفهوم الإيجاب ـ هو : أنّه لا إشكال .. إلخ. وهذا الحاصل يتضمن نقضا ثالثا على أخذ الزمان قيدا في العقد.

وبيانه : أنه سيأتي في ثاني تنبيهات الإجازة جواز إنشائها بكلّ ما يدلّ على الرضا بنفس العقد الفضولي أو بنتيجته ، فيجوز تنفيذ العقد بمثل قوله : «أجزت أو رضيت بالعقد». ويجوز تنفيذ نتيجة العقد إمّا بالقول كأن يقول : «رضيت بكون مالي لزيد بكذا» أو «رضيت بانتقال مالي لزيد». أو بالفعل الدال عليه ، بأن يسلّم المبيع إلى المشتري ، أو بتمكين المرأة ـ المزوّجة فضولا ـ نفسها من الزوج. فإنّ الفعل كاشف عن الرضا بأثر العقد ، لا بنفسه حتى يدلّ على اجازة العقد المقيّد بالزمان.

وبناء على هذا نقول : لو كان الزمان ملحوظا قيدا في العقد لزم أحد أمرين

٤٢

وغير (١) ذلك من الألفاظ (٢) التي لا تعرّض فيها لإنشاء الفضولي فضلا عن زمانه (٣).

كيف (٤)؟ وقد جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها إجازة منها.

______________________________________________________

لا سبيل للالتزام بشي‌ء منهما :

الأوّل : إنشاء الإجازة بخصوص الألفاظ الدالة على تنفيذ العقد الفضولي مثل «أجزت أو أنفذت العقد» حتى يكون مفاده الرضا بالنقل المقيّد بزمان عقد البيع ، فلا يجوز إنشاء الإجازة بما يدلّ على قبول نتيجة العقد.

الثاني : التفصيل في ألفاظ الإجازة ، بأن يقال : بجواز إنشائها بكل ما يقتضي الرضا بالعقد وبأثره ، لكنها إن تعلّقت بالعقد كقوله : «أجزت العقد» كانت كاشفة عن النقل المقيّد بزمان العقد. وإن تعلّقت بنتيجة العقد كقوله : «رضيت بكون مالي لزيد بكذا» لم تكشف عن النقل المقيّد ، بل تكشف عن نفس النقل.

وكلا الأمرين ممنوع. أمّا الأوّل فلتصريحهم بجواز إنشاء الإجازة بالفعل كالتمكين ممّا لا يكشف إلّا عن الرضا بمضمون العقد.

وأمّا الثاني فلأنّ القائل بكاشفية الإجازة لم يفرّق بين ألفاظها من حيث ظهور اللفظ في إمضاء العقد أو أثره.

وببطلان الأمرين يظهر عدم صحة المبنى ، وهو كون العقد سببا للنقل المقيّد بزمانه.

(١) معطوف على «قول المالك» أي : وبغير «رضيت» من ألفاظ الإجازة التي لا تتعرّض لإنشاء الفضولي.

(٢) مثل «قبلت نقل مالي إلى زيد بكذا» حيث إنه غير متعرض لتنفيذ إنشاء الفضولي حتى يدل على زمان حصول النقل.

(٣) أي : زمان الإنشاء.

(٤) يعني : كيف يمكن اعتبار دلالة ألفاظ الإجازة على زمان إنشاء العقد؟ مع أنّ الفقهاء جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها إجازة منها لعقد نكاحها ، مع أنّ التمكين فعل

٤٣

ونحو (١) ذلك. ومن المعلوم أنّ الرضا يتعلّق بنفس نتيجة (٢) العقد من غير ملاحظة زمان نقل الفضولي.

______________________________________________________

لا يدلّ على الرضا بالنكاح المقيّد بوقوعه في زمان كذا.

قال المحقق قدس‌سره ـ فيما لو زوّج الأخوان أختهما من دون أن توكّلهما في ذلك ـ ما لفظه : «وإن لم تكن أذنت لهما أجازت عقد أيّهما شاءت. وبأيّهما دخلت قبل الإجازة كان العقد له».

وقال الشهيد الثاني في شرح المسألة : «ويعلم من ذلك أنّ الإجازة تصحّ أن تكون فعلية. فلو تصرّف المالك في ثمن ما بيع من ماله فضولا بعد علمه بالحال ، أو في المثمن المشتري له كذلك ، كان إجازة بطريق أولى ، لأنّ النكاح أولى بمراعاة جانب الاحتياط ، وصيانة تصرف المسلم عن المحرّم مشترك بينهما» (١).

والمقصود أنّ الأخ لمّا لم يكن له ولاية على تزويج أخته كان العقد فضوليا ، والمفروض أنّ كلّ واحد من الأخوين زوّج أخته من رجل ، فلها إجازة أيّهما شاءت ، أو ردّهما معا ، فإن أجازت بقولها : «أجزت عقد الأخ الأكبر» مثلا فلا كلام.

وإن مكّنت نفسها من أحد الزوجين كان تمكينها إجازة فعليّة. وغرض المصنف من التعرض لهذا الفرع الاستشهاد به على كفاية إمضاء نتيجة العقد في الإجازة ، وعدم اعتبار تنفيذ الزوجية المنشئة بالعقد من حينه.

(١) معطوف على «تمكين» أي : ونحو التمكين ، كسكوتها إذا عقد عليها من دون إذنها السابق ، فإنّه يكفي هذا السكوت في الإمضاء ، ولا حاجة الى الإجازة القولية. قال المحقق قدس‌سره : «ويقتنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها» (٢).

(٢) وهي معنى الاسم المصدري ، كانتقال كلّ من العوضين عن صاحبه إلى الآخر.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، مسالك الأفهام ، ج ٧ ، ص ١٩٤ ، ولا حظ أيضا جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٢٣٢ ، ونحوه كلامه في ص ٢٣٧.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٧٨.

٤٤

وبتقرير آخر (١) (*) : أنّ الإجازة من المالك قائمة مقام رضاه وإذنه المقرون بإنشاء الفضولي ، أو مقام نفس إنشائه ، فلا يصير المالك بمنزلة العاقد إلّا

______________________________________________________

(١) محصل هذا التقرير ـ المغاير للتقرير الأوّل الذي مناطه عدم قيدية الزمان لمضمون العقد ـ هو : أنّ إجازة المالك قائمة مقام رضا المالك وإذنه المقرون بإنشاء الفضولي ، وموجبة لصيرورة المالك منزلة العاقد. فالإجازة إمّا شرط للعقد ، لكونها قائمة مقام الإذن الذي هو شرط للعقد. وإما جزء سبب الملك ، لكونها قائمة مقام إنشاء نفس المالك بناء على كون الإجازة عقدا جديدا ولو من حيث الإيجاب على ما عن بعض.

فهذا التقريب ملزوم التقريب السابق ، لأنّ بناء هذا التقريب على شرطية الإجازة للعقد ، كشرطية الإذن والرضا له ، أو على جزئيتها للعقد.

وبناء التقريب السابق على ظرفية الزمان للنقل لا قيديته له ، ومقتضاه وقوع النقل من زمان الإجازة. ووقوعه من حين الإجازة من لوازم دخل الإجازة جزءا أو شرطا في العقد ، إذ لو لم يكن للإجازة دخل أصلا ـ لا جزءا ولا شرطا ـ كان وقوع النقل قبل الإجازة.

__________________

(*) لا يخفى أنّ السيد قدس‌سره أورد على هذا التقرير بأنّه وجه آخر ، وليس له ، ربط بالتقرير الذي مناطه عدم دخل الزمان في مفهوم العقد ، حيث إنّه يجتمع مع فرض دخل الزمان في مفهومه. فهذا التقرير وجه آخر وجواب مستقل عن دليل المحقق الثاني قدس‌سره هذا (١).

لكن الظاهر اتّحاد التقريرين ، ورجوع الثاني إلى الأوّل ، لكون الثاني ملزوما للأوّل ، حيث إنّ دخل الإجازة في تأثير العقد ـ لكونها جزء السبب أو شرطا اصطلاحيا له ـ يوجب إناطة المشروط أو المسبب بها ، وامتناع حصوله قبل الإجازة ، وإلّا لزم الخلف ، ولازم هذه الإناطة عدم أخذ الزمان دخيلا في مفهوم العقد ، وإلّا كانت الإجازة كاشفة عن تحقق أثر العقد حين صدوره من الفضولي ، لا مؤثرة فيه بسببيتها أو شرطيتها.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٥١.

٤٥

بعد الإجازة ، فهي (١) إمّا شرط أو جزء سبب للملك.

وبعبارة أخرى : المؤثّر هو العقد المرضيّ به ، والمقيّد من حيث إنّه مقيّد لا يوجد إلّا بعد القيد (٢) ، ولا يكفي في التأثير وجود ذات المقيّد (٣) المجرّدة عن القيد.

وثانيا (٤) : أنّا [فلأنّا] لو سلّمنا عدم كون الإجازة

______________________________________________________

(١) أي : الإجازة إمّا شرط أو جزء سبب الملك كما مرّ آنفا.

(٢) وهو رضا المالك ، والمراد بالمقيّد هو العقد المرضي به.

(٣) وهي عقد الفضولي ، فإنّه لا يؤثر بدون قيده وهو رضا المالك.

(٤) معطوف على قوله : «أوّلا : أنّ الإجازة وإن كانت رضا بمضمون العقد ، إلّا أنّ مضمون العقد .. إلخ» وهذا ثاني الوجوه الثلاثة التي أجاب بها عن ثاني الأدلة على كاشفية الإجازة.

__________________

والحاصل : أنّ دخل الإجازة ـ التي هي كالإذن ـ في تأثير العقد يكشف عن كون مضمون العقد هو صرف النقل ونتيجته من دون تقيّده بزمان.

وبهذا البيان يرجع قوله قدس‌سره : «وبتقرير آخر ان الإجازة من المالك» إلى الوجه الأوّل ، ويصير بيانا آخر له ، لا جوابا مستقلّا ، فتدبّر.

ويمكن أن يكون التقرير الآخر بيانا ثانيا لما ذكره بقوله : «والحاصل» لا تقريرا لأصل الإيراد المتقدم بقوله : «أوّلا». وبيانه ـ على ما أفاده المحقق الأصفهاني قدس‌سره ـ : أن الإجازة لمّا كانت جزء السبب المؤثر أو شرطه امتنع تعلّقها بنفس العقد الذي مدلوله النقل المقيّد بالزمان ، بل لا بدّ من تعلّقها بنتيجة العقد ، وهي الملكية الخالية عن اعتبار الزمان ، لئلّا يلزم محذور تأخر العلّة عن معلولها ، وذلك لأنّ الإجازة إن أثّرت في حصول الملكية المقيدة لزم تأخر العلة عن معلولها. وإن أثّرت في حصول الملكية حال الإجازة لزم عدم كونها إجازة لمضمون العقد ، الذي فرض تقيده بزمان العقد ، بل كانت إجازة لبعض مضمونه وهو أصل الملكية ، مع أنّه لا وجه لهذا التبعيض. فيتعيّن تعلق الإجازة دائما بنتيجة العقد ، وهي معرّاة عن اعتبار زمان خاصّ (١).

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٤٧

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا الوجه الثاني ناظر إلى منع الأمر الثاني من الأمور الثلاثة التي تألّف منها دليل المحقق القمي ، وذلك الأمر هو قوله قدس‌سره (في ص ١٦ و ١٧) : «فهي رضا بمضمونه ، وليس إلّا نقل العوضين من حينه» ولكنه ببيان آخر كما سيتّضح إن شاء الله تعالى.

وينبغي قبل توضيح أصل الإيراد تقديم أمر يتضمن بيان كيفية دخل الإجازة في العقد ، وأنّه بنحو الاشتراط أو الانقلاب ليمتاز مبنى هذا الإيراد عمّا كان عليه الإيراد الأوّل ، فنقول وبه نستعين : إنّ الإجازة تارة تكون بنفسها وبوجودها المتأخر ـ عن وجود العقد ـ دخيلة دخل الشرط في حصول المشروط. وقد تقدم في الإيراد الأوّل امتناعه ، لاستحالة تأخر المشروط عن الشرط. واخرى لا تكون الإجازة شرطا لحصول الملكية ، لفرض كون السبب المؤثر فيه نفس العقد ، ولكن الإجازة متمّمة للعقد الذي هو السبب المستقل في التأثير ، فهي تجعله سببا تامّا.

وهذا يتصور على نحوين : فتارة تكون الإجازة علّة لتمامية العقد من حين صدوره ، بحيث تستند تماميته في السببية إلى الإجازة المتأخرة ، وهذا أيضا ممتنع بمناط استحالة تأخر العلة التامة عن معلولها وهو الملكية. واخرى يكون العقد علّة ناقصة إلى زمان الإجازة ، ولا يترتب الملكية عليه. ولكن بمجرد تحققها ينقلب العقد عمّا وقع عليه ـ من صفة عدم التأثير ـ ويترتب الملك عليه من حينه ، لا من حين الإجازة.

وهذا النحو من الكشف الانقلابي جعله المصنف قدس‌سره محورا للايرادين ، فأورد عليه باستحالته ثبوتا كما سيأتي في قوله : «وثالثا» ، وبعدم وفاء مقام الإثبات به ، كما أفاده في قوله : «وثانيا .. لكن نقول ..»

ومن هنا يظهر أنّ المناسب تقديم المحذور الثبوتي على الإثباتي ، لتقدمه عليه طبعا ، بأن يذكر في الإيراد الثاني امتناعه ثبوتا ، فيبطل أساس القول بالكشف بعد استقصاء أنحاء دخل الإجازة. وأن يذكر في الإيراد الثالث قصور مقام الإثبات. وهذا غير مهم ، إنّما اللازم تحقيق أصل المطلب.

إذا عرفت ما ذكرناه من مبنى هذا الإيراد الثاني فنقول : محصّل ما أفاده المصنف قدس‌سره فيه : أنّا وإن سلّمنا كون مضمون العقد هو النقل المقيّد بالزمان ، وسلّمنا أيضا تعلق الإجازة بهذا المضمون. إلّا أنّه لا يترتّب عليه الملكية الشرعية ، لتوقفها على

٤٧

اصطلاحيا (١) ـ ليؤخذ فيه تقدّمه على المشروط ، ولا جزء (٢) سبب ، وإنّما (٣) هي من المالك محدثة للتأثير في العقد السابق ، وجاعلة له سببا تامّا حتّى كأنّه وقع (٤) مؤثّرا ، فيتفرّع عليه (٥) أنّ مجرّد رضا المالك بنتيجة العقد أعني محض الملكيّة

______________________________________________________

إمضاء الشارع ، ومن المعلوم أنّ هذا الإمضاء يتوقف على إجازة المالك حتى يصير عقد الفضولي عقده كي يشمله مثل عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فالملكية الشرعية تحدث في زمان الإمضاء ، لا في زمان الإنشاء ، فكيف تكون الإجازة كاشفة عن حصول النقل حال العقد؟

(١) حتى يتوقف وجود المشروط على تقدم وجود الشرط عليه عقلا. وهذا هو أوّل أنحاء دخل الإجازة في سببية العقد للملكية ، وهو مبنى الإيراد الأوّل.

(٢) معطوف على «شرطا» وليس المراد بجزء السبب ما هو ظاهره من كون الإجازة ناقلة ، لكونها بعض المؤثر ، وبعضه الآخر هو العقد ، بل المراد به ما يلتئم مع كاشفية الإجازة ، وهو النحو الثاني المتقدم بيانه آنفا ، أعني به كون سبب الملكية هو العقد فحسب ، ولكن الإجازة المتأخرة متمّمة لسببيته من حين صدوره.

وقلنا باستحالته لامتناع تأخر العلّة التامة ـ أي العقد الذي تؤثر الإجازة في تمامية عليته للملكية ـ عن معلولها.

(٣) أي : وإنّما الإجازة محدثة للتأثير وجاعلة له سببا تامّا من حين صدوره ، بعد أن كان سببا ناقصا إلى زمان الإجازة فبالإجازة تتقلب العلة الناقصة إلى التامّة. وهذا ثالث أنحاء دخل الإجازة بنحو الكشف ، وهو مبنى هذا الإيراد الثاني كما تقدّم آنفا.

(٤) يعني : وقع العقد مؤثّرا من زمان وقوعه.

(٥) أي : فيتفرّع على القول بأنّ الإجازة تكون محدثة للتأثير في العقد السابق : أنّ مجرّد الرضا .. إلخ. وغرض المصنف قدس‌سره بيان لازم ثالث أنحاء دخل الإجازة في العقد.

وتقريبه : أنّ كون الإجازة موجبة لانقلاب العقد الناقص بالتام يتوقف على إجازة نفس العقد بأن يقول المجيز : «نفّذت عقد الفضولي» ونحوه. ولا يكفي إنشاء الرضا بأثر العقد بأن يقول : «رضيت بأن يكون مالي لزيد بكذا» وجه عدم الكفاية : أن المقصود من الإجازة تتميم السبب الناقص بالانقلاب ، والسبب هو العقد لا نتيجته ، فالرضا بالنتيجة لا ينفع القائل بكاشفية الإجازة.

٤٨

من (١) غير التفات إلى وقوع عقد سابق ، ليس (٢) بإجازة ، لأنّ (٣) معنى إجازة العقد : جعله جائزا نافذا ماضيا (٤) ـ لكن (٥) نقول : لم يدلّ دليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك على هذا الوجه (٦) (*).

______________________________________________________

ولا يخفى أنه قد تقدم (في ص ٤٤ ـ ٤٢) في ردّ ثاني وجهي الكشف فساد التفصيل بين تعلق الإجازة بالعقد وبين تعلقه بنتيجته ، وهو كاف لبطلان ما نحن فيه أعني به كون الإجازة جاعلة للعقد سببا تامّا مؤثرا من حين وقوعه.

(١) متعلق برضا المالك بنتيجة العقد ، بأن لا تكون الإجازة رضا بالعقد.

(٢) خبر قوله : «انّ مجرّد».

(٣) تعليل لعدم كون الرضا بالنتيجة إجازة مفيدة ، فلا يترتب أثر الصحة على العقد الفضولي الذي تعلقت إجازة المالك بنتيجة العقد.

(٤) مع أنّه لا وجه للالتزام به ، لتصريحهم بكفاية إظهار الرضا بالعقد أو بأثره.

(٥) استدراك على قوله : «فلأنّا لو سلّمنا» وهذا هو الإيراد الثاني ، ومحصله : أنه ـ بعد تسليم كون مضمون العقد مقيدا بالزمان ، وأنّ الإجازة متمّمة لسببية العقد ـ أنه لا يمكن القول بترتب الملكية الشرعية من زمان العقد حتى يجب على المالك المجيز الوفاء بالعقد ، وذلك لأنّ الملكية الشرعية منوطة بإمضاء الشارع ، وهو متوقف على إجازة المالك ، حتى يصير العقد بسببها عقد المالك ، لأنّ المخاطب بوجوب الوفاء هو المالك الذي أضيف إليه العقد ، ومن المعلوم إناطة هذه الإضافة بالإجازة ، وبإجازته يتحقق موضوع إمضاء الشارع.

ولا دليل على كون إمضاء الشارع لإجازة المالك موجبا للملكية الشرعية من زمان العقد ، بل هو موجب للملكية الشرعية بعد إجازة المالك.

وبالجملة : فتقيد مضمون العقد بالزمان وعدم كون الإجازة شرطا اصطلاحيا لا يوجبان كاشفية الإجازة.

(٦) أي : جعل العقد السابق ماضيا ونافذا من حين حدوثه.

__________________

(*) يكفي في دلالة دليل الإمضاء على جعل العقد السابق نافذا من حين حدوثه كون إنشاء الملك من العاقد الفضولي في زمان ، وتعلّق الإجازة بذلك الإنشاء دون غيره ، إذ

٤٩

لأنّ (١) وجوب الوفاء بالعقد تكليف يتوجّه إلى العاقدين ، كوجوب الوفاء بالعهد

______________________________________________________

(١) تعليل لعدم إمضاء الشارع إجازة المالك على هذا الوجه ، ومحصله : أنّ فعلية كل حكم منوطة بوجود موضوعه ، ومن المعلوم أنّ وجوب الوفاء بالعقد حكم تكليفي منوط بوجود موضوعه وهو العاقد. ولا ريب في أنّ المالك الأصيل لا يصير عاقدا ـ حتى يشمله عموم وجوب الوفاء بالعقود ـ إلّا بعد أن يجيز عقد الفضولي ، إذ الإجازة توجب إضافة العقد إليه ، وصحة حمل «العاقد» عليه ، وتوجّه وجوب الوفاء بالعقد إليه ، وانتزاع الملك الشرعي من هذا الحكم الشرعي وهو وجوب الوفاء.

وبالجملة : فالملكية الشرعية الفعلية مترتبة على الحكم التكليفي أعني به وجوب الوفاء الذي موضوعه العاقد الذي هو صفة المالك بالإجازة. وهذه السلسلة المترتبة تقضي بتوقف الملكية الفعلية الشرعية على الإجازة. وعليه فلا ملكية قبل الإجازة حتى تكون الإجازة كاشفة عن تحققها بالعقد حين صدوره من الفضولي.

__________________

المفروض وجود المعلول بمجرد وجود علّته ، وعدم إمكان إهمال المعلول وهو الملكية الإنشائية. وحيث إنّ هذه الملكية هي الملكية المرضية للمالك الممضاة شرعا فلا مانع من اعتبار الملكية الشرعية أيضا من حين حدوث العقد.

ولا غرو في كون الاعتبار متأخّرا والمعتبر متقدّما ، فإنّ الأمر الاعتباري الذي لا وعاء له إلّا عالم الاعتبار يوجد في وعائه بنفس الاعتبار. فقد يكون زمان الاعتبار والمعتبر ومتعلقة متّحدا كوجوب الصلاة عند الدلوك ، فإنّ زمان الاعتبار والمعتبر ـ وهو الحكم ـ وزمان المتعلق وهو الصلاة واحد ، لكون زمان جميعها ـ وهو الزمان المتخلل بين الزوال والغروب ـ متحدا.

وقد يكون زمان الاعتبار متقدما وزمان المعتبر متأخرا ، كالوصية ، فإنّ الموصى يعتبر فعلا مالكية الموصى له للمال بعد موته ، فالإعتبار قبل الموت فعلي ، والمعتبر وهو الملكية تعليقي ، ولا يصير فعليّا إلّا بعد الموت.

والفرق بين الوصية والواجب التعليقي هو : أن المعتبر ـ وهو الوجوب في الواجب التعليقي ـ فعليّ ، ومتعلّقه أمر متأخر استقبالي ، ولذا يجب تحصيل مقدمات الواجب

٥٠

والنذر ، ومن المعلوم أنّ المالك لا يصير عاقدا أو بمنزلته إلّا بعد الإجازة ، فلا يجب الوفاء إلّا بعدها. ومن المعلوم أنّ الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي ، فما لم يجب الوفاء فلا ملك (١) (*).

وممّا ذكرنا (٢) يعلم عدم صحّة الاستدلال للكشف بدليل وجوب الوفاء

______________________________________________________

(١) إذ المفروض ترتبه على وجوب الوفاء المتوقف على الإجازة. فقبل الإجازة لا ملك حتى تكشف هي عنه ، لعدم وجود منشأ لانتزاعه وهو الحكم التكليفي.

(٢) أي : ومن تبعية الملك الشرعي للحكم الشرعي ـ وهو وجوب الوفاء ـ يعلم عدم صحة الاستدلال ـ كما عن جماعة لكاشفية الإجازة ـ بدليل وجوب الوفاء بالعقود ،

__________________

المعلّق ، بخلاف باب الوصيّة ، فإنّ المعتبر ـ وهو ملكية المال للموصى له فيه ـ غير فعلي ومتأخر عن الاعتبار ، لإناطته بالموت.

وقد يكون الاعتبار متأخرا والمعتبر متقدما ، فيعتبر في هذا الآن الملكية قبل شهر مثلا. ومع إمكان هذا الاعتبار لا مانع من الالتزام بذلك في عقد الفضولي ، والقول بحصول اعتبار الملكية حين تحقق عقد الفضولي بعد صدور الإجازة من المالك.

أقول : هذا الذي أفاده سيدنا الخويي قدس‌سره ـ على ما في تقرير بحثه الشريف (١) ـ متين في نفسه. لكن تطبيقه في المقام مشكل ، إذ المفروض دخل رضا المالك في اعتبار الملكية جزءا أو شرطا ، فإذا كان اعتبار الملكية منوطا برضاه ، فكيف يصح اعتبارها في الأزمنة السابقة على رضاه؟ فإنّ لازم صحة اعتبار الملكية في الزمان المتقدم على الرضا هو إلغاء دخل الرضا في اعتبار الملكية. وهذا خلاف ما فرضناه من دخل الرضا في اعتبارها بنحو من أنحاء الدخل ، فيلزم تقدم الحكم على الموضوع ، وهو في الاستحالة كتقدم المعلول على علته التكوينية.

(*) إذ الملكية بناء على ما أفاده قدس‌سره منتزعة من الحكم التكليفي. وفيه بحث مذكور في الأصول.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ، ج ٤ ، ص ١٤١ ـ ١٤٣.

٥١

بالعقود ، بدعوى (١) «أنّ الوفاء بالعقد والعمل بمقتضاه هو الالتزام بالنقل من حين العقد».

وقس (٢) على ذلك ما لو كان دليل الملك عموم (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) فإنّ (٣) الملك ملزوم (*) لحلّية التصرّف ، فقبل الإجازة لا يحلّ التصرّف ، خصوصا (٤)

______________________________________________________

وتقدّم الاستدلال بهذه الآية على الكشف في ما نقله عن جامع المقاصد والروضة وغيرهما.

(١) متعلق ب «الاستدلال» وتقريب له ، وحاصله : أنّ الوفاء بالعقد الواقع من الفضولي بعد حصول الإجازة من المالك يتحقق بالالتزام بالنقل من حين وقوع العقد لا من حين الإجازة.

(٢) هذا الكلام من المصنف قدس‌سره ، يعني : وقس على الاستدلال بآية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ـ على كاشفية الإجازة ـ ما لو كان دليل الملك عموم (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ).

(٣) هذا وجه عدم الاستدلال بآية (أَوْفُوا) ونظائرها ، وحاصله : أنّ الملك يتبع التكليف وهو الحلّ الذي يتوقف على الإجازة ، فقبل الإجازة لا ملكية حتى تكون الإجازة كاشفة عنها ، خصوصا مع العلم بعدم رضا المالك ، فإنّه لا إباحة أيضا للتصرف ، لانتفائها مع العلم بعدم الرضا ، أو مع التردد في الفسخ والإمضاء ، إذ لا بدّ في جواز التصرف من إحراز الرضا.

(٤) الوجه في الخصوصية واضح ، إذ المستفاد من مثل «لا يحل لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» هو اعتبار إحراز الإذن بإظهاره بقول أو فعل. نعم لو علم رضا المالك بالتصرف فيما اشتراه من الفضولي أمكن القول بخروجه موضوعا عن عقد الفضولي ، على ما تقدّم تفصيله في أوّل المسألة ، أو القول بجواز التصرف للعلم برضاه. وأما إذا علم كراهته لما صنعه الفضولي أو علم تردّده بين فسخه وإمضائه لم تبق ذريعة للتصرف في ماله ، لكفاية حديث الحلّ في إثبات حرمته.

__________________

(*) الظاهر أن الأولى إبداله ب «لازم» بناء على ما تقدّم منه قدس‌سره من أنّ الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي.

٥٢

إذا علم عدم رضا المالك باطنا ، أو تردّده في الفسخ والإمضاء.

وثالثا (١) : سلّمنا دلالة الدليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك على طبق مفهومها (*) اللغوي والعرفي أعني جعل العقد السابق جائزا ماضيا ،

______________________________________________________

(١) معطوف على قوله : «أوّلا : بأن الإجازة وإن كانت رضا بمضمون العقد .. إلخ» وهذا ثالث الوجوه الثلاثة التي أجاب بها عن ثاني أدلة الكشف المتقدم في (ص ١٦). وهذا الوجه الثالث ناظر إلى ردّ ثالث الأمور التي تألّف منها هذا الدليل.

ومحصله : أنّه ـ بعد تسليم كون مورد إمضاء الشارع العقد المجاز ، وأنّ مفهوم الإجازة جعل العقد السابق ماضيا ونافذا من حين وقوعه ، كما هو مقتضى كلام المحقق القمي : «وليس إلّا نقل العوضين من حينه» وأنّ معنى الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضاه بمعنى ترتيب الأثر عليه من زمان صدوره من العاقد الفضولي ـ نقول : فيه أوّلا : أنّ الإجازة وإن كانت موجبة لنفوذ العقد السابق ، لكنّها لا توجب نفوذه من حين وقوعه. كما أنّ مفهوم القبول مع كونه رضا بمفهوم الإيجاب لا يوجب ترتب الأثر عليه من زمان الإيجاب.

وثانيا : أنّه لو كانت الإجازة موجبة لنفوذ العقد من حين وقوعه ، فلا بدّ من رفع اليد عن هذا الظهور ، لكونه غير معقول ، لاستحالة انقلاب الشي‌ء عمّا وقع عليه ، فإنّ عقد الفضولي لم يقع حين حدوثه مؤثّرا ، فكيف يصير مؤثرا بعد ذلك من زمان وقوعه؟

وبالجملة : فدلالة الاقتضاء تصرفه إلى ما يمكن الالتزام به من ترتيب آثار الملك على العقد المجاز كما سيتضح ذلك عند تعرض المصنف له.

__________________

(*) لا يخفى أنّ المستدلّ لم يدّع دلالة إجازة المالك على تأثير العقد من حين وقوعه ، حتى يدل دليل الإمضاء على إمضاء ما يدلّ عليه الإجازة. بل ادّعى أنّ مضمون نفس العقد هو تأثيره من حين وقوعه. لا أن مفهوم الإجازة ذلك ، ووقع إمضاء الشارع على طبق مفهوم الإجازة. فجوابه حينئذ ما تقدّم سابقا من منع قيدية الزمان للعقد.

نعم قوله : «سلّمنا دلالة الدليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك» وارد على الاستدلال على الكشف بدليل وجوب الوفاء بالعقود ، بدعوى : أنّ الوفاء بالعقد هو الالتزام بالنقل من حين العقد.

٥٣

بتقريب (١) أن يقال : إنّ معنى الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه ومؤدّاه العرفي (٢) ، فإذا صار العقد بالإجازة (٣) كأنّه (٤) وقع مؤثّرا ماضيا ، كان (٥) مقتضى العقد المجاز عرفا ترتّب (٦) الآثار من حينه (٧) ، فيجب شرعا العمل به على هذا الوجه (٨). لكن نقول : ـ بعد الإغماض (٩) عن أنّ مجرّد كون الإجازة بمعنى جعل العقد السابق جائزا نافذا لا يوجب (١٠) كون مقتضى العقد ومؤدّاه العرفي

______________________________________________________

(١) هذا التقريب هو مدّعى القائل بالكشف ، وقد تقدم آنفا بقوله : «بدعوى أن الوفاء بالعقد ، والعمل بمقتضاه .. إلخ».

(٢) وهو النقل المجرّد عن لحاظ زمان وقوعه.

(٣) الباء للسببيّة ، يعني : إذا صار العقد بسبب الإجازة كأنّه وقع مؤثرا ماضيا ـ بعد أن لم يكن في نفسه مؤثرا ـ كان مقتضى العقد المجاز ترتيب الآثار من حين وقوعه.

(٤) جملة «كأنّه وقع مؤثرا ماضيا» خبر قوله : «صار العقد».

(٥) جواب الشرط في قوله : «فإذا صار» غرضه أنّ مؤثرية العقد من حين حدوثه ناشئة من الإجازة العارضة له ، لما مرّ آنفا من كون الزمان ظرفا للعقد ، لا قيدا له ، وتقيده بالزمان نشأ من ناحية الإجازة الموجبة لكون العقد مؤثّرا من زمان حدوثه.

(٦) خبر قوله : «كان مقتضى».

(٧) أي : من حين العقد ، لأنّ الإجازة جعلته مؤثرا من حينه ، على ما ادّعاه المستدلّ.

(٨) أي : جعل العقد السابق المجاز ماضيا مؤثّرا من حين صدوره من الفضولي.

(٩) هذا إشارة إلى الجواب الأوّل الذي بيّناه بقولنا : «فيه أوّلا : أنّ الإجازة وإن كانت موجبة لنفوذ العقد السابق .. إلخ» وهو نقض الإجازة بالقبول ، وقد تقدم تفصيله في (ص ٣٤) عند مناقشة دليل الكشف ، فراجع.

(١٠) خبر «أن مجرّد» ووجه عدم الإيجاب هو : أن معنى الإجازة لغة وعرفا ليس ترتب الأثر من حين العقد. كما أنّ العقد أيضا ليس الزمان قيدا له ، والمفروض أنّ ترتب الأثر من حين وقوع العقد منوط بأحد الأمرين ، وهما قيدية الزمان للعقد ، ودخله في مفهوم الإجازة لغة أو عرفا.

٥٤

ترتّب (١) الأثر من حين العقد ، كما أنّ كون مفهوم القبول رضا بمفهوم الإيجاب وإمضاء له لا يوجب ذلك (٢) حتّى يكون مقتضى الوفاء بالعقد ترتيب الآثار من حين الإيجاب ، فتأمّل (٣) ـ إنّ (٤) هذا المعنى (٥) على حقيقته (٦) غير معقول ، لأنّ (٧) العقد الموجود على صفة عدم التأثير (٨)

______________________________________________________

(١) خبر قوله : «كون مقتضى».

(٢) أي : لا يوجب ترتب آثار العقد من حين الإيجاب ، بأن تكون الملكية مثلا حاصلة من الإيجاب.

(٣) لعلّه إشارة إلى الفرق بين الإيجاب الملحق به القبول ، وبين العقد الملحق به الإجازة ، حيث إنّ الإيجاب المجرّد عن القبول لا يحصل به الأثر كالملكية. بخلاف العقد ، فإنّه صالح لذلك ، غاية الأمر أنّه مشروط بإجازة المالك.

وإن شئت فقل : إنّ الإيجاب كالقبول جزء المقتضي ، والعقد مقتض للتأثير ، والإجازة شرط له.

(٤) مقول لقوله : «لكن نقول بعد الإغماض» وهذا إشارة إلى الجواب الثاني الذي تقدم بقولنا : «وثانيا : أنّه لو كانت الإجازة موجبة لنفوذ العقد .. إلخ» وهذا الامتناع الثبوتي هو المقصود بيانه في الإيراد الثالث ، كما أشرنا إليه (في ص ٤٧) من استحالة الانقلاب.

(٥) وهو ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه.

(٦) وهي ترتب الأثر ـ كنفس الملكية ـ على العقد ، وهو الكشف الحقيقي ، لا ترتب أثر الملكية وحكمها وهو الكشف الحكمي على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

(٧) تعليل لعدم معقولية ترتب أثر العقد عليه حقيقة حين صدوره من العاقد الفضولي ، ومحصل وجه عدم المعقولية هو : خروج الشي‌ء عمّا وقع عليه ، فإنّ المفروض وقوع العقد غير مؤثر ، فكيف ينقلب إلى المؤثرية من حين وقوعه؟ وليس ذلك إلّا التناقض ، إذ مقتضى ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه بعد تحقق إجازة المالك له كون العقد حين وقوعه مؤثّرا وغير مؤثر ، وهذا تناقض مستحيل.

(٨) خبر قوله : «لأن العقد» وجه الاستحالة عدم وجود شرط التأثير ـ وهو رضا المالك ـ حين وقوع العقد.

٥٥

يستحيل لحوق صفة التأثير له (١) ، لاستحالة خروج الشي‌ء عمّا وقع عليه (٢). فإذا (٣) دلّ الدليل الشرعي على إمضاء الإجازة على هذا الوجه غير المعقول ، فلا بدّ (٤) من صرفه بدلالة الاقتضاء (٥) إلى (٦) إرادة معاملة العقد (*) بعد الإجازة معاملة (٧) العقد الواقع مؤثّرا من حيث ترتّب الآثار الممكنة ،

______________________________________________________

(١) أي : للعقد ، بأن يتصف بالسببيّة التامة ـ من زمان وقوعه ـ بلحوق الإجازة.

(٢) من عدم كونه مؤثرا ، لفقدان شرط تأثيره وهو رضا المالك الأصيل.

(٣) هذه نتيجة الاستحالة المزبورة ، وحاصل ذلك : أنّه مع فرض دلالة دليل إمضاء إجازة المالك على هذا الوجه المستحيل ، فلا بدّ ـ صونا لكلام الحكيم عن اللغوية ـ من صرف هذه الدلالة إلى ترتيب آثار صحة العقد ـ مثل أحكام الملك ـ بقدر الإمكان ، لا البناء على ثبوت نفس الملك.

ومراد المصنف قدس‌سره بالدليل هو الأدلة الخاصة مثل صحيحة محمّد بن قيس وأبي عبيدة الآتيتين في (ص ٦٦ و ٧٠) وظاهرهما الكشف الحقيقي ، وترتب البيع والنكاح على العقدين الفضوليين. ويتعيّن صرفهما عن ظاهرهما إلى ترتيب خصوص ما يمكن ترتيبه على العقد ، لا جعل نفس العقد سببا تامّا من حين وقوعه.

(٤) جواب الشرط في قوله : «فإذا دلّ».

(٥) وهي التي تلجئنا إلى صرف الدليل عن ظاهره المستحيل إلى معنى يمكن الالتزام به ، وهو ما عرفته من ترتيب آثار الملك ـ لا نفسه ـ بمقدار الإمكان.

(٦) متعلق ب «صرفه».

(٧) مفعول به ل «إرادة».

__________________

(*) بل لا بد من طرحه والرجوع إلى القواعد ، لأنّ الظاهر لا يصادم حكم العقل الضروري. لا حمله على معنى ، فإنه حمل تبرعي خارج عن طريقه الاستدلال. فاستظهار الكشف الحكمي من عدم معقولية ترتب الأثر على العقد من زمان وقوعه مشكل جدا. ولا يمكن أن يكون الحمل التبرعي الناشئ عن عدم معقولية ظاهر الدليل دليلا على الكشف الحكمي ، هذا.

٥٦

فإذا (١) أجاز المالك حكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد إلى المشتري وإن كان أصل الملك قبل الإجازة للمالك (٢) ، ووقع (٣) النماء في ملكه.

والحاصل (٤) : أنّه يعامل بعد الإجازة معاملة (٥) العقد الواقع مؤثّرا من حينه (٦) بالنسبة إلى من أمكن من الآثار (٧).

______________________________________________________

(١) هذا بيان لترتيب الآثار الممكنة.

(٢) لتوقف انتقال الملك عنه إلى غيره على إجازته التي لم تكن حاصلة حين العقد.

هذا تمام ما أفاده المصنف في الإيراد الثالث على ثاني دليلي الكشف ، وغرضه فيما يأتي تقريب الكشف الحكمي الذي قال به أستاده شريف العلماء المازندراني قدس‌سره.

(٣) ولو قال : «ووقوع النماء» لكان أحسن ، ليكون معطوفا على «أصل» من عطف المفرد على المفرد.

(٤) يعني : وحاصل المعنى الذي تقتضيه دلالة الاقتضاء ـ التي هي قرينة عقلية على صرف دليل الإمضاء شرعا عن ظاهره المستحيل ـ هو تنزيل العقد الذي لم يكن مؤثرا حين وقوعه منزلة العقد المؤثر من زمان حدوثه في الآثار التي يمكن ترتيبها ، كالحكم بأنّ النماءات الحاصلة ـ بين زماني حدوث العقد وصدور الإجازة من المالك الأصيل ـ إن كانت نماءات المبيع فهي للمشتري ، وإن كانت نماءات الثمن فهي للبائع. وإن كانت نفس المثمن والثمن باقيتين على ملك البائع والمشتري إلى زمان صدور الإجازة.

ولذا لو تصرّف مالك المبيع في ماله ببيعه من شخص آخر أو هبته له أو وقفه ، كان صحيحا وموجبا لردّ العقد الفضولي ، وهذا دليل على بقاء رقبة المال على ملكه.

ولكنه لو لم يتصرف فيه بهذا النحو والتفت إلى وقوع عقد عليه فضولا وأجازه ، أمكن الالتزام بالكشف الحكمي أي ترتيب بعض آثار صحة العقد دون بعض. وهذا المعنى من الكشف معقول ممكن في نفسه ، ولكن الالتزام به منوط بمساعدة الدليل عليه.

(٥) مفعول مطلق نوعي لقوله : «يعامل».

(٦) أي : من حين العقد.

(٧) كالنماءات التي توجد في المدة المتخللة بين زماني وقوع العقد وصدور الإجازة كما مرّ آنفا.

٥٧

وهذا (١) نقل حقيقي (٢) في حكم الكشف من بعض الجهات (٣) ، وستأتي الثمرة بينه (٤) وبين الكشف الحقيقي (٥). ولم أعرف من قال بهذا الوجه من الكشف (٦) إلّا الأستاد شريف العلماء قدس‌سره فيما عثرت عليه من بعض تحقيقاته.

وإلّا فظاهر كلام القائلين بالكشف أنّ (٧) الانتقال في زمان العقد ، ولذا (٨)

______________________________________________________

(١) يعني : أنّ معاملة عقد الفضولي بعد الإجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا وماضيا ـ من حين وقوعه ـ نقل حقيقي ، إذ المفروض حصول الملكية بالنسبة إلى كل من العوضين بالإجازة ، وبقاء كل من المالين على ملك صاحبه حتى تصدر الإجازة.

(٢) لما مرّ من توقف انتقال كل من المالين عن مالكه إلى الآخر على الإجازة ، وهذا نقل حقيقي.

(٣) للحكم بانتقال نماء المثمن إلى المشتري ، ونماء الثمن إلى البائع قبل الإجازة ، ونشأ هذا التفكيك بين العين والنماء من اقتضاء الأدلة الخاصة للقول بالكشف ، وليس هذا كشفا حقيقيا ، وإنما هو حكمي.

(٤) أي : بين هذا النقل الحقيقي الذي هو بحكم الكشف ، وسيأتي بيان الثمرة في (ص ٧٧).

(٥) وهو الكشف عن وقوع الملك وآثاره للمشتري ، وكذا للبائع من حين وقوع العقد ، بعد صدور الإجازة من المالك الأصيل.

(٦) وهو الكشف الحكمي الذي هو نقل حقيقي وكشف حكمي.

(٧) خبر قوله : «فظاهر» أي : الانتقال مطلقا ، من نفس العوضين ونماءاتهما ، وهو الكشف الحقيقي ، لا انتقال خصوص نماءاتهما المتخللة بين زماني صدور العقد والإجازة ، وانتقال العينين بعد الإجازة الذي هو الكشف الحكمي. وظاهر كلمات القائلين بالكشف هو الكشف الحقيقي الذي تقدّم امتناعه ثبوتا وإثباتا.

(٨) أي : ولأجل ظهور كلمات القائلين بالكشف في الانتقال من زمان صدور العقد ، عنون العلّامة قدس‌سره الخلاف بينهم في الكشف والنقل بقوله : «وفي وقت الانتقال إشكال ، ويترتب النماء» (١) ، فإنّ هذا العنوان ظاهر في إرادة الكشف الحقيقي ، لأنّ انتقال العين

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩ ، طبعة مركز مؤسسة النشر الإسلامي بقم المقدسة.

٥٨

عنوان العلّامة رحمه‌الله في القواعد مسألة الكشف والنقل بقوله : «وفي زمان الانتقال إشكال» فجعل النزاع في هذه المسألة نزاعا في زمان الانتقال (١).

وقد تحصّل ممّا ذكرنا (٢) : أنّ كاشفية الإجازة على وجوه ثلاثة (*) قال بكلّ منها قائل :

______________________________________________________

ونماءها إنّما يتّجه بناء على الكشف الحقيقي.

(١) غرضه : أنّ النزاع في زمان الانتقال يكشف عن كون مرادهم بالكشف هو الكشف الحقيقي ، لأنّ انتقال ملك العينين ونمائهما في زمان صدور العقد لا ينطبق إلّا على الكشف الحقيقي ، فمن قال به جعل زمان الانتقال زمان العقد ، ومن قال بالنقل جعله زمان الإجازة.

(٢) أي : في حكم الإجازة بقوله : «أمّا حكمها فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي بعد اتفاقهم على توقفها على الإجازة .. إلخ» إلى هنا. حيث إنّه تعرّض لنقل أدلة ثلاثة على الكشف ، وناقش في اثنين منها بالتفصيل ، وفي أثناء الإيراد على الدليل الأوّل تعرّض للكشف الحقيقي بمناط شرطيّة التعقب الذي التزم به جماعة. وفي ذيل الإيراد الثالث على الدليل الثاني تعرّض لكلام أستاده الشريف من القول بالكشف الحكمي.

ويتحصّل من المجموع وجوه ثلاثة من القائلين بالكشف.

أحدها : المشهور ، وهو الكشف الحقيقي.

وثانيها : قول جماعة من معاصري المصنف وغيرهم ، وهو الكشف التعقبي.

وثالثها : الكشف الحكمي ، وهو المعزيّ إلى المحقق شريف العلماء

__________________

(*) بل خمسة :

أحدها : الكشف الحقيقي المعتمد على شرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخر. وهو المنسوب إلى المشهور كما في المتن.

ثانيها : الكشف الحقيقي المعتمد على شرطية وصف التعقب ، بزعم كونه شرطا مقارنا للعقد. وقد ذهب إليه جمع من المحققين كصاحب الفصول وأخيه والمحقق النائيني قدس‌سرهم.

ثالثها : الكشف الحقيقي المعتمد على كفاية الرضا التقديري ، بمعنى : أنّ المالك

٥٩

.................................................................................................

__________________

لو التفت لكان راضيا ، والإجازة كاشفة عنه ككشف شاهد الحال عنه. وقد ذهب إليه المحقق الرشتي في كتاب الإجارة.

وهذه الوجوه الثلاثة مشتركة في دلالتها على انتقال المال عن مالك العوض حين تحقق العقد.

رابعها : الكشف الحقيقي الانقلابي المعتمد على كون الإجازة رضا بمضمون العقد ، وتأثيره من حين صدوره بناء على دخل الزمان في مضمون العقد ، وتقيد النقل به.

ولا محذور فيه إلّا محذور الانقلاب ، فإنّ الشي‌ء الزماني لا يمرّ عليه الزمان مرّتين حتى يتصف تارة بصفة التأثير واخرى بصفة عدم التأثير.

ولكن فيه ما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى.

وهذا الوجه يفترق عن الوجوه الثلاثة المتقدمة في أنّها توجب الانتقال حين حدوث العقد قبل تحقق الإجازة. بخلاف هذا الوجه الرابع ، فإنّ الانتقال فيه يكون بسبب الإجازة ، فقبل الإجازة يكون كل واحد من العوضين باقيا على ملك مالكه الأصلي ، وبسبب الإجازة تنقلب الملكية ، وتنتقل ملكية العوض إلى من اشتراه من حين العقد. وبهذه المناسبة يسمّى بالكشف الانقلابي.

وقيل : إنّ هذا الكشف يستفاد من ثاني أدلة الكشف الذي نقله المصنف في (ص ١٦) بقوله : «وبأن الإجازة متعلقة بالعقد ، فهي رضا بمضمونه ، وليس إلّا نقل العوضين من حينه».

خامسها : الكشف الحقيقي الذي يظهر من عبارة الجواهر ، وهو : أنّ الشرط نفس الإجازة وإن كانت متأخرة ، لأنّ امتناع تأخر الشرط عن المشروط في العلل العقلية لا يقتضي امتناعه في العلل الشرعية.

وبعبارة أخرى : لا يراد بالشرط الشرعي معناه الاصطلاحي.

سادسها : الكشف الحقيقي ، وجعل الإجازة طريقا وواسطة في العلم بحصول النقل ، من دون دخل للإجازة في تأثير العقد في النقل.

وإن شئت فقل : إنّ الإجازة أمارة وعلامة على حصول النقل. وقد نسب هذا القول

٦٠