هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

إليه المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه» (١). فإنّ (١) حرّيّة (*) ولد المشتري إمّا أن تعدّ نفعا عائدا إليه (٢) أو لا ، وعلى التقديرين (٣)

______________________________________________________

لأنّ المشتري إذا كان مع وصول النفع إليه مستحقا للرجوع إلى البائع ، كان استحقاقه للرجوع إليه مع عدم وصول النفع إليه بطريق أولى.

وإن لم يعدّ الولد الحرّ نفعا عائدا إلى المشتري كانت دلالة الرواية على ما نحن فيه من باب الظهور اللفظي ، إذ المفروض عدم كون الولد الحرّ نفعا عائدا إلى المشتري في مقابل غراماته كما هو المفروض.

وبالجملة : فهذه الرواية تدلّ بالظهور أو الفحوى على رجوع المشتري على البائع الفضول بالغرامات التي لم يصل في مقابلها نفع إلى المشتري.

(١) هذا تقريب الاستدلال بالرواية ، وقد مرّ آنفا.

(٢) أي : إلى المشتري.

(٣) وهما : كون الولد الحرّ نفعا عائدا إلى المشتري ، وعدم كونه نفعا عائدا إليه.

__________________

(*) لا يخفى أنّ الولد الحرّ ليس مالا مملوكا ، لا عرفا ولا شرعا. وعدم جواز بيع الحرّ من أمارات عدم ملكيته ، فالحكم بإعطاء قيمة الولد تعبد محض.

فيحتمل أن يكون رجوع المشتري إلى البائع بتلك القيمة التي أخذها المالك من المشتري حكما تعبديا آخر. فلا وجه للتعدي عن مورده إلى الموارد الأخر ، وأخذ المشتري غير الثمن من غراماته من البائع. وقد تقدم بعض الكلام في وجه ضمان قيمة الولد في بحث المقبوض بالبيع الفاسد ، فراجع (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٩٢ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ٥ ، رواه معاوية بن حكيم عن محمّد بن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٥٣ ـ ٥٥.

٥٢١

يثبت المطلوب (١). مع أنّ (٢) في توصيف قيمة الولد بأنّها «أخذت منه» نوع إشعار لعلّيّة الحكم (٣) ، فيطّرد في سائر ما أخذت منه (٤).

وأمّا السكوت (٥) (*) عن رجوع المشتري إلى البائع في بعض الأخبار ،

______________________________________________________

(١) وهو رجوع المشتري على البائع في الغرامات التي لم يحصل في مقابلها نفع للمشتري.

(٢) هذا وجه آخر لرجوع المشتري على البائع ، وحاصله : أنّ تعليق الحكم على الوصف مشعر بعليته للحكم ، وتوصيف قيمة الولد في الرواية بأنّها «أخذت» منه يشعر بعليّة الأخذ من المشتري للحكم برجوع المشتري على البائع ، فهذا التعليق يقتضي اطّراد حكم رجوع المشتري على البائع في كلّ ما يؤخذ منه ، سواء وصل إليه نفع في مقابل ما يغرمه ، كما في القسم الثاني ، أم لا كما في القسم الثالث الذي هو مورد البحث.

(٣) وهو جواز رجوع المشتري إلى البائع.

(٤) كذا في نسخ الكتاب ، والمناسب «ما أخذ منه».

(٥) هذا إشارة إلى ما اختاره صاحب الحدائق من اختصاص ضمان البائع الفضول ـ لما اغترمه المشتري ـ بالثمن دون سائر الغرامات ، سواء وصل بإزائها نفع إلى المشتري ، كما إذا استوفى منافع المبيع كاللبن والصوف ، أم لا كعمارته وتنقية أنهاره.

واستدلّ المحدّث البحراني على مختاره بسكوت بعض الأخبار عن رجوع المشتري ـ في غير الثمن ـ إلى البائع ، مع كونه في مقام البيان. وتوضيحه : أنّه رحمه‌الله نقل عن الأصحاب : رجوع المشتري على البائع بالثمن وبما اغترمه على المبيع من

__________________

(*) يمكن أن يكون السكوت عن رجوع المشتري إلى البائع لأجل الجهل بالبائع ، وعدم معرفته. ومع الغضّ عنه ـ وتسليم كون السكوت في مقام البيان من هذه الجهة ـ يقال : إنّ غايته أن يكون ظاهرا في ذلك ، والأدلة الدالة على جواز الرجوع إلى البائع إمّا نصّ في جواز الرجوع ، وإمّا أظهر من ظهور السكوت في عدمه. ومقتضى حمل الظاهر على النص أو الأظهر هو تقييد الإطلاق ، والحكم بجواز رجوع المشتري على البائع الفضولي بجميع الغرامات الواردة عليه من ناحية بيع الفضول.

٥٢٢

فهو (١) لعدم كونه (٢) مسوقا لذلك (٣) ، كرواية زرارة «في رجل اشترى من سوق المسلمين جارية ، فخرج بها (٤) إلى أرضه ، فولدت منه أولادا ، ثمّ أتاها من يزعم

______________________________________________________

نفقة ونحوها. ثم اعترض عليهم بقوله : «وأنت خبير بأنّ رواية زريق المتقدمة قد صرّحت بأنّ الرجوع بما غرمه على ذلك المبيع إنّما هو على المالك ، لا على البائع ، وإنّما يرجع بالثمن خاصة».

ثم نقل المحدث البحراني كلام الشهيد الثاني ـ القائل بالرجوع على البائع بما أنفق على المبيع من دون أن ينتفع به ـ واعترض عليه بقوله : «وفيه : أنّ المستفاد من الخبر المذكور ، وقوله فيه : ـ تصنع أن ترجع بمالك على الورثة ، وتردّ المعيشة على صاحبها ـ أنّ الرجوع على البائع إنّما هو بالثمن خاصة. والمقام مقام بيان ، مع حكمه عليه‌السلام في الخبر برجوع المالك على المشتري بعوض المنافع. فلو كان للمشتري الرجوع بها على البائع ، لذكره عليه‌السلام ، مع ذكره أخيرا أنّ المشتري يرجع بما أنفقه على المالك ، لا على البائع» (١).

ومحصّله : أنّ السكوت عن ضمان البائع لما أنفقه المشتري على المبيع ـ مع كون الامام عليه‌السلام في مقام البيان ـ دليل على عدم ضمانه له ، فلا وجه لحكمهم بجواز رجوع المشتري على البائع الفضولي في تلك النفقة.

(١) هذا جواب «وأمّا» وردّ لما اختاره في الحدائق ، وحاصله : أنّه ليست روايتا زرارة وزريق في مقام بيان وظيفة المشتري مع البائع ، بل في مقام بيان وظيفة المشتري مع المالك ، فلا تدلّان على عدم جواز رجوع المشتري إلى البائع حتى يقال : بعدم رجوع المشتري إلى البائع إلّا في خصوص الثمن ، دون سائر الغرامات التي يتحمّلها المشتري.

فسكوت الروايتين ـ يعني عدم تعرضهما لجواز رجوع المشتري إلى البائع ـ إنّما هو لعدم كونهما في مقام البيان من هذه الجهة. ولو فرض إطلاقهما يرفع اليد عنه بتقييده بسائر الروايات الدالّة على ضمان البائع الفضولي لغرامات المشتري.

(٢) أي : لعدم كون بعض الأخبار مسوقا .. إلخ.

(٣) أي : لرجوع المشتري إلى البائع الفضولي.

(٤) أي : بالجارية ، وضميرا «أرضه ، منه» راجعان إلى «رجل».

__________________

(١) الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٢٩٣ و ٢٩٤.

٥٢٣

أنّها له ، وأقام على ذلك البيّنة. قال (١) : يقبض ولده ، ويدفع إليه الجارية ، ويعوّضه من قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها» (١).

ورواية زريق ، قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام يوما إذ دخل عليه رجلان ، فقال : أحدهما : إنّه كان عليّ مال لرجل من بني عمّار ، وله بذلك ذكر حقّ (٢) وشهود ، فأخذ المال ، ولم أسترجع (٣) عنه الذكر بالحقّ ، ولا كتبت عليه كتابا ، ولا أخذت منه براءة بذلك. وذلك (٤) لأنّي وثقت به ، وقلت له : مزّق الذّكر بالحقّ الذي عندك.

فمات (٥) وتهاون بذلك ولم يمزّقه (٦). وعقيب (٧) هذا طالبني بالمال ورّاثه ، وحاكموني وأخرجوا بذلك ذكر الحقّ (٨) ، وأقاموا العدول ، فشهدوا عند الحاكم ،

______________________________________________________

(١) أي : قال الامام الصادق عليه‌السلام : يقبض الرجل المشتري ولده ، لأنّه حرّ ، ويدفع الجارية إلى من يزعم أن الجارية له ، ويدفع إليه أيضا قيمة ما أصاب المشتري من لبن الجارية وخدمتها.

(٢) هذه الكلمة كناية عن مكتوب يكون وثيقة وحجة على ثبوت المال بعهدة الرجل المديون.

(٣) في الوسائل : «ولم استرجع منه» يعني : ولم أستردد من الدائن ذلك المكتوب ، حتى يكون حجة لي على أداء الدين.

(٤) يعني : أنّ سبب عدم استرداد المكتوب وعدم أخذ وثيقة من الدائن ـ على وصول حقّه إليه ـ هو وثوقي واعتمادي عليه بأنّه يمزّق ذلك المكتوب ويعدمه.

(٥) كذا في نسخ الرواية ، والمناسب : «فتهاون بذلك ولم يمزقه ومات».

(٦) في الوسائل : «ولم يمزقها ، وعقب هذا إن طالبني ..».

(٧) منصوب على الظرفيّة يعني : وفي عقيب موت الدائن طالبني بذلك المال ورّاث الدائن ، وأخرجوا ذكر الحقّ لأجل إثبات مطالبتهم.

(٨) في الوسائل : «بذلك الذّكر بالحقّ».

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٩٢ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ٤.

٥٢٤

فأخذت بالمال ، وكان المال كثيرا ، فتواريت (١) عن الحاكم ، فباع عليّ قاضي الكوفة معيشة لي ، وقبض القوم المال. وهذا رجل من إخواننا ابتلي بشراء معيشتي من القاضي.

ثمّ إنّ ورثة الميّت أقرّوا أنّ أباهم (٢) قد قبض المال ، وقد سألوه أن يردّ عليّ معيشتي ، ويعطونه الثمن (٣) في أنجم معلومة ، فقال (٤) : إنّي أحبّ أن تسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذا.

فقال الرجل ـ يعني المشتري ـ : كيف أصنع؟ جعلت فداك. قال (٥) : تصنع أن ترجع بمالك على الورثة ، وتردّ المعيشة إلى صاحبها وتخرج يدك عنها».

قال (٦) : فإذا فعلت ذلك ، له أن يطالبني بغير هذا؟ قال : نعم ، له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلّة (٧) من (٨) ثمن الثمار ، وكلّ ما كان مرسوما (٩) في المعيشة يوم

______________________________________________________

(١) هذا هو الصحيح ، كما حكاه مصحّح الوسائل عن المجالس والأخبار ، لا ما في الوسائل من قوله : «فتوارثت من الحاكم».

(٢) في الوسائل : «أن المال كان أبوهم قد قبضه».

(٣) هذه الكلمة غير مذكورة في الوسائل.

(٤) يعني : فقال الرجل الذي اشترى المعيشة : إنّي أحبّ .. إلخ.

(٥) في الوسائل : «جعلني الله فداك : كيف أصنع؟ فقال : تصنع ..».

(٦) وفي الوسائل : «فإذا أنا فعلت» يعني : قال مشتري المعيشة : فإذا فعلت ذلك ـ أي : رددت المعيشة على صاحبها ـ هل له أن يطالبني بغير ردّ المعيشة؟ قال الإمام عليه‌السلام : نعم ، له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلّة.

(٧) بفتح الغين : الدخل ، من كراء وأجر غلام وفائدة أرض ، ونحو ذلك (١).

(٨) لفظة «من» غير مذكورة في الوسائل.

(٩) يعني : يجب ردّ كل ما كان ثابتا وموجودا في المعيشة يوم الاشتراء.

__________________

(١) مجمع البحرين ، ج ٥ ، ص ٤٣٧.

٥٢٥

اشتريتها ، يجب أن تردّ ذلك ، إلّا (١) ما كان من زرع زرعته أنت (٢) ، فإنّ للزارع إمّا قيمة الزرع ، وإمّا أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع. فإن لم يفعل (٣) كان ذلك له ، وردّ عليك القيمة ، وكان الزرع له.

قلت : جعلت فداك ، فإن كان هذا (٤) قد أحدث فيها بناء أو غرسا (٥)؟ قال : (٦) له قيمة ذلك ، أو يكون ذلك المحدث (٧) بعينه يقلعه ويأخذه.

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّه ـ بناء على كون الأصل في الاستثناء الاتّصال ـ استثناء من «ما» في قوله عليه‌السلام : «ما أخذت من الغلّة» فالمراد : أنّ لصاحب المعيشة أن يأخذ منك كلّ ما أخذته من الغلّة ، إلّا ما كان من زرع زرعته.

ويحتمل كونه استثناء من : «ذلك» في قوله عليه‌السلام : «يجب أن تردّ ذلك» حتى يكون استثناء منقطعا. لكنّه بعيد ، لكونه خلاف الأصل ومحتاجا إلى القرينة. والأقربيّة في العبارة لا تكون قرينة على ارتكاب خلاف الأصل.

(٢) المراد بالمخاطب هو الرجل المشتري للمعيشة ، وزرعه يكون بعد الاشتراء.

(٣) كذا في الوسائل أيضا ، وفي نسخ الكتاب «فإن لم يفعل ذلك كان ذلك» يعني : فإن لم يصبر صاحب المعيشة إلى وقت الحصاد ـ حتى يكون الزرع لزارعه وهو مشتري المعيشة ـ كان ذلك أي : عدم الصبر حقّا لصاحب المعيشة ، ولكن عليه حينئذ ردّ قيمة الزرع على المشتري الزارع ، ويصير الزرع ملكا لصاحب المعيشة.

والحاصل : أنّه مع صبر مالك المعيشة إلى زمان الحصاد يبقى الزرع على ملك المشتري الزارع. ومع عدم صبر المالك إلى زمان الحصاد يردّ قيمة الزرع على المشتري ، ويصير صاحب المعيشة مالكا للزرع.

(٤) يعني : إن كان المشتري قد أحدث في المعيشة بناء أو غرسا ، فهل يكون مضمونا على المالك أم لا؟

(٥) في الوسائل : «فيها بناء أو غرس» والأولى ما في المتن.

(٦) يعني : قال الامام عليه‌السلام : للمشتري قيمة ذلك البناء أو الغرس على صاحب المعيشة ، أو قلع المشتري نفس البناء أو الغرس ، وأخذه.

(٧) الظاهر أنّه اسم مفعول ، يعني : أنّ للمشتري أخذ القيمة ، أو قلع العين وأخذها.

٥٢٦

قلت (١) : أرأيت إن كان فيها غرس أو بناء ، فقلع الغرس وهدم البناء؟ فقال : يردّ ذلك إلى ما كان ، أو يغرم القيمة لصاحب الأرض.

فإذا (٢) ردّ جميع ما أخذ من غلّاتها على (٣) صاحبها ، وردّ البناء والغرس وكلّ محدث إلى ما كان ، أو ردّ القيمة كذلك ، يجب (٤) على صاحب الأرض [أن يردّ عليه] (٥) كل ما خرج منه في إصلاح المعيشة ، من (٦) قيمة غرس ، أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة ، ودفع النوائب.

______________________________________________________

(١) هذا كلام صاحب المعيشة ، وغرضه استعلام حكم قلع الغرس وهدم البناء ، مع استلزامهما لحفرة الأرض أو وقوع التراب وغيرهما. فأجاب عليه‌السلام : بأنّ المشتري يردّ ذلك إلى حالتها الأوّليّة ، أو يغرم أجرة إصلاح الأرض لصاحب المعيشة.

(٢) يعني : فإذا ردّ المشتري جميع ما أخذه من عائدات المعيشة على صاحبها ، وردّ البناء والغرس وكلّ محدث أحدثه صاحب المعيشة قبل زمان الاشتراء ، أو ردّ قيمة الغرس والبناء ونقص الأرض الحاصل بهما ، وجب على صاحب الأرض أيضا أن يردّ على المشتري جميع ما صرفه في إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء ، أو نفقة في إصلاح المعيشة كبناء قنطرة أو تنقية نهر ، ورفع موانع الزرع والشجر من أعداد الأرض لهما كقتل الحيوانات المؤذية ونحو ذلك. فإنّ كل هذه الخسارات مردودة إلى المشتري.

لكن هذا مقيّد بأن لا يكون عالما بعدم مالكية الورّاث البائعين للمعيشة ، إذ مع العلم ببطلان البيع لا يستحقّ ما خرج منه في إصلاح المعيشة إلّا عين ماله ، دون عمله الذي أوجب زيادة قيمة المعيشة كتهذيب الأرض ورفع موانع الزرع ، كما قرّر ذلك في كتاب الغصب.

(٣) في الوسائل : «إلى صاحبها» وهو متعلق ب «ردّ».

(٤) جواب «فإذا» وضمير «عنه» راجع إلى المشتري.

(٥) كذا في نسخ الكتاب ، والأولى ما في الوسائل من قوله عليه‌السلام : «أن يرد عليه كما [كلّ ما] خرج ..».

(٦) بيان للموصول في قوله «ما خرج».

٥٢٧

كلّ ذلك (١) مردود إليه» (١).

وفيه (٢) ـ مع أنّا نمنع ورودهما (٣) إلّا في مقام حكم المشتري مع المالك ـ أنّ (٤) السكوت في مقام البيان لا يعارض الدليل.

______________________________________________________

(١) في الوسائل : «كل ذلك فهو ..» يعني : كلّ ما خرج من المشتري مردود إليه ، بشرط جهله ببطلان البيع كما مرّ آنفا.

والاستشهاد بهذه الرواية إنّما هو بعدم تعرّضها لرجوع المشتري إلى البائع في ما اغترمه المشتري للمالك ، وسكوتها عنه.

(٢) هذا جواب عمّا أفاده صاحب الحدائق ، وقد أجاب عنه بوجوه ، بعضها مشترك بين روايتي زرارة وزريق ، وبعضها مختص بإحداهما ، كما سيظهر.

الأوّل : أنّا نمنع ورود الروايات في مقام بيان حكم المشتري مع البائع ، حتى يكون السكوت بيانا ودالّا على عدم الرجوع إليه في غير الثمن من الغرامات ، بل هي في مقام بيان حكم المشتري مع المالك.

(٣) كذا في النسخة المصحّحة المعتمد عليها ، فمرجع الضمير روايتا زرارة وزريق. وفي كثير من النسخ بأفراد الضمير ، فمرجعه الرواية. والأولى بملاحظة ما يأتي من قوله : «مع أن رواية زرارة» تثنية الضمير ، لتختص رواية زرارة بالإشكال الآتي.

(٤) هذا هو الوجه الثاني ، ومحصله : أنّه بعد تسليم كون السكوت هنا في مقام البيان من هذه الجهة ـ أي : حكم المشتري مع البائع ـ نقول : إنّ السكوت لا يعارض الدليل ، لأنّ بيانية السكوت منوطة بجريان مقدمات الحكمة فيه ، التي منها عدم البيان على خلاف ما يقتضيه السكوت ، ومع وجود البيان على خلافه لا يكون السكوت بيانا. فحينئذ لا مانع من دلالة ما دلّ على ضمان البائع الغرامات المشتري التي لم يصل إليه في مقابلها نفع.

وهذا الجواب يستفاد من صاحب الجواهر أيضا في مقام الإيراد على صاحب الحدائق ، حيث قال : «وأعمية مثل هذا الاقتصار فيه ـ أي في خبر زريق ـ من عدم

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٢٥٣ ، الباب ٣ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ١ ، رواه عن شيخ الطائفة في المجالس والأخبار بإسناده عن زريق ، راجع الأمالي ، ص ٧٠٧.

٥٢٨

مع أنّ (١) رواية زرارة ظاهرها عدم التمكّن من الرجوع إلى البائع.

مع أنّ (٢) البائع في قضيّة زريق هو القاضي ، فإن كان قضاؤه صحيحا لم يتوجّه إليه غرم ، لأنّ الحاكم من قبل الشارع ليس غارّا من جهة حكمه على طبق البيّنة المأمور بالعمل بها (*).

______________________________________________________

الرجوع» (١).

(١) هذا وجه ثالث لردّ كلام الحدائق ، وحاصله : أنّه يمكن أن يكون وجه السكوت في رواية زرارة عدم تمكّن المشتري من الرجوع إلى البائع ، لعدم معرفته. حيث إنّه اشترى الجارية من سوق المسلمين ، ولم يظهر مالكها إلّا بعد مدّة ولدت الجارية فيها من المشتري أولادا. ولعلّ ذلك البائع الفضولي لم يكن من أهل سوق ذلك البلد ، وكان من خارج ذلك القطر ، فمعرفة البائع بعد هذه المدة الطويلة مشكلة وغير ميسورة عرفا. ولذا سكت الإمام عليه‌السلام عن الرجوع إلى البائع. ومن المعلوم أنّ مثل هذا السكوت ليس بيانا للوظيفة ، وهي عدم الرجوع إلى البائع.

(٢) هذا وجه رابع لتضعيف كلام الحدائق ومختص برواية زريق ، وحاصله : أنّ البائع في قضية زريق هو القاضي ، إذ فيها «فباع عليّ قاضي الكوفة معيشتي». وحينئذ فإن كان قضاء ذلك القاضي صحيحا ـ أي مطابقا لموازين القضاء ـ لم تتوجّه عليه غرامة ، إذ المفروض أنّ حكمه وقع على طبق البينة التي أمر بالعمل بها في مسألة القضاء ، فلا يكون غارّا.

__________________

(*) إن لم يتوجّه عليه غرم من جهة عدم كونه غارّا ، على ما قيل. وإن لم يخل عن إشكال ، لعدم ثبوت اعتبار علم الغارّ بكون ما يدفعه إلى الغير ملكا لغيره. ولذا لم يفصّلوا في مسألة من قدّم طعام الغير للآخر ليأكله ، وقالوا بضمان المقدّم إذا رجع المالك إلى الآكل ، فإنّ الأكل يرجع إلى المقدم ، من غير تفصيل بين علم المقدم بأنّ الطعام ملكه أو ملك غيره ، وبين عدم علمه بذلك.

بل عن بعضهم التصريح بالتعميم ، وعدم الفرق في ضمان المقدّم بين علمه بكون الطعام مال نفسه ومال غيره. قال المحقق قدس‌سره في ما لو قدّم الغاصب المأكول المغصوب إلى

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠٣.

٥٢٩

وإن كان قضاؤه باطلا كما هو الظاهر (١) ، فالظاهر (٢) علم المشتري ببطلان قضاء المخالف وتصرّفه في أمور المسلمين ، فهو عالم بفساد البيع (*)

______________________________________________________

وإن كان قضاؤه باطلا كما هو الظاهر ، لأنّه من قضاة خلفاء الجور الغاصبين لحقوق الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، فالظاهر أنّ المشتري عالم بفساد البيع ، لبطلان قضاء قاضي المخالفين ، فلا رجوع له على البائع.

وقد نبّه في الجواهر على أوّل شقّي هذا الجواب ـ وهو أهلية القاضي للترافع إليه ـ فقال بعد نقل الخبر : «وهو كما ترى لا غرور فيه ، ضرورة معذورية القاضي والشهود والورثة ، وأقصاه ظهور الخطأ في حكم القاضي الذي قد باشر البيع ، وهو لا يقضي بتغريمه» (١).

(١) لما مرّ آنفا من أن القضاة في ذلك العصر كانوا منصوبين من قبل خلفاء الجور.

(٢) جواب قوله : «وان كان».

__________________

غير المالك ليأكله : «وإن أطعمه غيره ، قيل : يغرّم أيّهما شاء ، لكن إن أغرم الغاصب لم يرجع إلى الآكل. وإن أغرم الآكل رجع الآكل على الغاصب ، لغروره. وقيل : يضمن الغاصب من رأس» ).

وكيف كان فالحاكم ضامن ، وإن لم يكن من جهة الغرور ، بل من حيث إنّ خطأ القضاة في بيت مال المسلمين. فمجرّد مطابقة حكم القاضي لموازين القضاء لا يرفع ضمانه ، غاية الأمر أن ضمانه ليس في كيسه ، بل في بيت مال المسلمين.

(*) لكن يشكل مع هذا العلم أن يحكم على مالك المعيشة بجبر ما اغترمه المشتري في إصلاحها وإعدادها للزرع ، لأنّه مع العلم ببطلان البيع يكون غاصبا للمعيشة ، وليس له الرجوع إلى المالك بأخذ ما صرفه في إصلاحها ، إذ ليس لعرق الظالم حقي. فجواز رجوع المشتري على مالك المعيشة بأخذ ما صرفه في إصلاحها قرينة جليّة على جهل المشتري ببطلان البيع ، ولذا دلّت الرواية على جواز رجوع المشتري على المالك ، وأخذ ما صرفه في إصلاح المعيشة من مالكها.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠٣.

(٢) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ٢٤٢ ، جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٤٥.

٥٣٠

فلا (١) رجوع له.

وأمّا الثاني (٢) ـ وهو ما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه من (٣) المنافع والنماء ـ ففي الرجوع بها (٤) خلاف (٥) ، أقواها (٦) الرجوع ، وفاقا للمحكيّ (٧) عن

______________________________________________________

(١) هذه نتيجة علم المشتري بفساد البيع ، إذ مع هذا العلم لا وجه لرجوعه إلى البائع الذي هو شخص القاضي. وضميرا «فهو ، له» راجعان إلى المشتري.

٢ ـ ما يغرمه المشتري قبال المنافع المستوفاة

(٢) لمّا انتهى بحث القسم الثالث من الغرامات ـ وهو الغرامات التي يغترمها المشتري للمالك من دون حصول نفع له في مقابلها ـ شرع في بيان حكم القسم الثاني ، وهو ما يحصل للمشتري نفع في مقابل تلك الغرامات ، كانتفاعه باللبن والصوف ونحوهما. ففي رجوع المشتري بها إلى البائع خلاف بين الفقهاء قدس‌سرهم.

ويعتبر في هذا البحث ما تقدّم الإشارة إليه في صدر المسألة ـ عند ما يردّ المالك هذا البيع الفضولي ولم يجزه ـ من جهل المشتري بعدم مالكية البائع للمبيع.

(٣) بيان للنفع الواصل إلى المشتري ، وضمير «إليه» راجع الى المشتري.

(٤) أي : ففي الرجوع على البائع الفضولي بالغرامات التي اغترمها المشتري للمالك في مقابل النفع الواصل إليه خلاف.

(٥) مبتدء مؤخر ، وخبره : «ففي الرجوع» والجملة جواب الشرط في قوله : «وأمّا الثاني».

(٦) المذكور في النسخ التي ظفرت بها «أقواها» بالضمير المؤنث ، لكن قيل : «إنّ الصواب «أقواهما» بضمير التثنية ، لما يقال من : أنّ في المسألة قولين لا أكثر.

وفيه ما ذكرناه في التعليقة ، فراجع.

(٧) الحاكي هو السيد العاملي قدس‌سره ، وقد نقل قولين عن المبسوط ، أحدهما : عدم رجوع المشتري بما اغترم في قبال منفعة استوفاها من المبيع. والآخر : الرجوع.

فقال في شرح عبارة القواعد : «وفي رجوع المشتري بقيمة منفعة استوفاها خلاف» ما لفظه : «فالشيخ في الخلاف والمبسوط في موضع منه ، والآبي في كشف الرموز ،

٥٣١

المبسوط والمحقّق والعلّامة في التجارة (١) ، والشهيدين ،

______________________________________________________

وشيخنا في الرياض ، وظاهر السرائر : أنّه لا يرجع» (١) الى أن قال : «والشيخ في المبسوط في موضع آخر ، والمحقق في تجارة النافع ، وظاهر تجارة الشرائع وفخر الإسلام في الإيضاح وشرح الإرشاد ، والشهيدان في الدروس والمسالك والروضة ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ، والمقدس الأردبيلي ، والمصنف في ظاهر تجارة الكتاب ، والمقداد ، وأبو العباس في المقتصر .. أنه يرجع به. وفي التنقيح : أنّ عليه الفتوى. وهو قضية إطلاق الباقين» (٢) إلى أن قال : «ولا ترجيح في غصب النافع والتذكرة والتحرير والتبصرة ، والمهذب البارع ، والمسالك ، والكفاية. ولا في تجارة التذكرة والتحرير ونهاية الأحكام والإرشاد».

ونقل هذين القولين عن الشيخ فخر المحققين والفاضل المقداد أيضا (٣).

أمّا قول الشيخ بعدم الرجوع فمصرّح به في موضعين من المبسوط. وأمّا قوله بالرجوع فلم أظفر به بعد ملاحظة كتابي البيع والغصب بتمامهما. لكن نسبه إليه صاحب كشف الظلام كما في مفتاح الكرامة أيضا. وقد نسب جمع القول بعدم الرجوع إلى الشيخ كالعلامة والشهيد الثاني وأصحاب الكفاية والرياض والمستند (٤).

(١) التقييد بالتجارة لأجل اختلاف نظر العلّامة ـ وكذا المحقق ـ في كتابي التجارة

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٣٠١ ، ونحوه في ج ٤ ، ص ١٩٩ ، ولاحظ : المبسوط ، ج ٣ ، ص ٦٩ و ٧١ وأحال على هذين الموضعين في ص ١٠٢ ، وكذلك في الخلاف ، ج ٣ ، ص ٤٠٣ ، ووافقه ابن إدريس في السرائر ، ج ٢ ، ص ٣٢٥ و ٤٩٣ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ، ج ٢ ، ص ٣٨٤ ، والسيد الطباطبائي في رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٣٠٧.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٣٠١ ، ولاحظ : شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٤ ، إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ١٩١ ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١١٥ ، جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٢٣٦ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٠ ، وج ١٢ ، ص ٢٢٧ و ٢٢٨ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٣٨ ، مجمع الفائدة والبرهان ، ج ٨ ، ص ١٦٤ ، التنقيح الرائع ، ج ٤ ، ص ٧٥ ، ولم أجده في ظاهر تجارة المختصر النافع ، ولا بد من مزيد التتبع والتأمّل.

(٣) إيضاح الفوائد ، ج ٢ ، ص ١٩١ ، التنقيح الرائع ، ج ٤ ، ص ٧٥.

(٤) لاحظ المختلف ، ج ٥ ، ص ٥٦ ، مسالك الأفهام ، ج ١٢ ، ص ٢٢٧ ، كفاية الأحكام ، ص ٢٠ ، رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٣٠٧ ، مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٩٦.

٥٣٢

والمحقّق الثاني وغيرهم (١). وعن التنقيح : «أنّ عليه (٢) الفتوى» (*) لقاعدة الغرور (٣) المتّفق عليها ظاهرا

______________________________________________________

والغصب ، قال في غصب القواعد : «ويرجع المشتري الجاهل على الغاصب بما يغرمه ممّا ليس في مقابلته نفع .. وفي رجوعه بما حصل له نفع في مقابلته .. نظر ، ينشأ من ضعف المباشر بالغرور ، ومن أولوية المباشر» (١).

لكنه في كتاب البيع حكم برجوع المشتري على البائع بالغرامة ، وظاهر إطلاقه جواز الرجوع في كلا القسمين أي ما انتفع به وما لم ينتفع. قال قدس‌سره : «ويرجع المشتري على البائع بما دفعه ثمنا ، وما اغترمه من نفقة أو عوض عن اجرة أو نماء ، مع جهله ..» (٢)

وقد أشار السيد العاملي قدس‌سره إلى اختلاف رأي المحقق أيضا في عبارته المتقدمة ، فلاحظها.

(١) كفخر المحققين والفاضل المقداد والمحقق الأردبيلي وابن فهد ممّن أشير إليه في عبارة السيد العاملي قدس‌سرهم.

(٢) أي : أنّ على الرجوع الفتوى. وهذا ظاهر في الإجماع ، فكأنّ عدم الرجوع غير معهود وممّا لم يفت به أحد. هذا ما نسبوه إلى التنقيح ، والموجود فيه بيان وجهين لقولي الشيخ قدس‌سره ثم قال : «فالفتوى على الثاني» (٣) ، ودلالته على الإجماع غير واضحة.

(٣) فإنّ «الغارّ» يصدق على البائع الفضول ، كصدقه على مقدّم طعام غيره لآخر

__________________

(*) وهذا قول ثالث للفاضل النراقي قدس‌سره ، وهو التفصيل بين علم البائع بأنّ المبيع ملك الغير ، فيرجع المشتري بالغرامات عليه. وبين جهله به فلا يرجع بها على البائع (٤).

ويظهر من وجود هذا القول صحة قول المصنف قدس‌سره : «أقواها» بالضمير المؤنث ، لا الضمير المثنّى. لكنّه مع ذلك لا تخلو العبارة من المسامحة ، فلعلّ الأولى أن يقال : «أقواه» أي : أقوى الخلاف ، لذكر المرجع حينئذ صريحا.

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٢٣٨ و ٢٣٩.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩ ، شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٤ وج ٣ ، ص ٢٤٦ بناء على وجود جملة «وهو أشبه» ولولاها كان المحقق قدس‌سره مترددا في باب الغصب كتردده في المختصر النافع ، ص ٢٧٥ ، فلاحظ.

(٣) التنقيح الرائع ، ج ٤ ، ص ٧٥.

(٤) مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٩٦.

٥٣٣

في من قدّم مال الغير إلى غيره الجاهل ، فأكله (١).

ويؤيّده (٢) قاعدة نفي الضرر ، فإنّ (٣) تغريم من أقدم على إتلاف شي‌ء من

______________________________________________________

جاهل بالحال. ومقتضى إطلاقهم ـ بل تصريح بعضهم ـ عدم اعتبار علم الغارّ بكون المال الذي يصرفه المغرور ملكا لغير الغارّ ، فيجوز لمالك الطعام الرجوع إلى المقدّم أو الآكل ، وإذا رجع إلى الآكل رجع هو إلى المقدّم.

(١) ظاهر عبارة التذكرة الإجماع على ضمان الغاصب دون الآكل الجاهل بالغصب ، لقوله فيما إذا قدّم الغاصب الطعام إلى غير المالك ، فأكله ـ بعد نقل قولين من العامة ـ «والثانية : يستقرّ الضمان على الغاصب ، لأنّه غرّه ، وأطعمه على أن لا يضمنه. وهو الّذي يقتضيه مذهبنا» (١).

وقال السيد العاملي قدس‌سره : «فالضمان على الغاصب بلا خلاف منّا فيما أجد ..» (٢).

(٢) يعني : وتؤيّد قاعدة الضرر رجوع المشتري على البائع بما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه.

(٣) هذا تقريب التأييد ، وهو مؤلّف من مقدّمات تنتج ضمان البائع الفضولي استنادا إلى قاعدة نفي الضرر.

الاولى : أنّ المشتري المستوفي لمنفعة المبيع مغرور ، قد غرّه البائع ، حيث مكّنه من الانتفاع بنماء المبيع بزعم كون النماء للمشتري مجانا.

الثانية : أنّ المفروض تسالمهم على ضمان المشتري لمالك المبيع عوض المنفعة المستوفاة ، وليس للمشتري التفصّي منه بجعل البائع ضامنا للمالك.

الثالثة : أنّ الحكم بتحمّل المشتري للغرامة ـ مع عدم جواز رجوعه على البائع الغارّ في ما اغترمه للمالك ـ ضرر عظيم عليه.

وبما أنّ الضرر منفي في الشريعة المقدسة ، فالمتعيّن الحكم بضمان البائع الفضولي ، وجواز مطالبة بدل تلك الغرامة منه حتى لا يتضرّر المشتري.

فإن قلت : لا موضوع لقاعدة نفي الضرر في المقام ، لأنّ مفروض الكلام في القسم

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ٢ ، ص ٣٧٨ ، السطر ١٤.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٦ ، ص ٢٣٠.

٥٣٤

دون عوض مغرورا (١) من آخر ـ بأنّ (٢)

______________________________________________________

الثاني هو انتفاع المشتري بنماء المبيع كسكنى الدار ، ولبن الشاة وصوفها ، ومن المعلوم أنّ دفع بدلها إلى المالك لا يوجب نقصا في مال المشتري حتى يتمسّك بقاعدة نفي الضرر لتضمين البائع الفضولي.

قلت : بل يصدق الضرر حتى مع فرض وصول عوض تلك الغرامة إلى المشتري باستيفاء منفعة المبيع. والوجه في صدق الضرر أنّ المشتري لو كان عالما بأنّ هذا الانتفاع يستتبع غرامة لم يقدم عليه. وعليه فلا يندفع ضرر المشتري إلّا بالرجوع إلى البائع الغارّ. هذا تقريب التأييد.

ولعلّ وجه التعبير بالتأييد دون الدلالة ـ مع فرض صدق الضرر العظيم على ما اغترمه المشتري ـ هو : أنّ الاستدلال بقاعدة نفي الضرر والضرار يتوقف على أمرين ، كلاهما غير ثابت.

الأوّل : كون القاعدة مشرّعة للضمان ، بأن يقال : انّ مفاد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا ضرر» نفي الضرر والإضرار في وعاء التشريع. وصدق هذا النفي كما يكون منوطا بنفي الحكم الضرري ، بتقييد إطلاق الأدلة فيما ترتّب الضرر على الحكم كوجوب الوضوء ولزوم البيع الغبني ، فكذا يكون منوطا بعدم تجويز إلقاء الغير في الضرر من دون جبرانه ببدل ، إذ لو جاز الإضرار بالغير بلا تدارك لم يصدق نفي الضرر شرعا بقول مطلق ، لكونه موجودا حسب الفرض ، وإعدام الضرر شرعا موقوف على جعل الضمان.

وهذا الأمر قد تقدّم منعه في قاعدة لا ضرر ، وأنّها نافية للحكم ، وليست مثبتة له.

الثاني : كون الغار سببا للخسارة الواردة على المغرور ، حتى يجوز الرجوع بها على البائع بمناط تسبيبه لتضرر المشتري. وهذا أيضا محل تأمل ، لعدم ترتب الغرامة على نفس البيع ، وليس المقام نظير تقديم الطعام المغصوب إلى شخص جاهل بالحال ، وسيأتي توضيح ضابطة ضمان التسبيب ، فانتظر.

(١) حال من فاعل «أقدم» والمراد بالمقدّم هو المشتري.

(٢) متعلق ب «مغرورا» وضمير «له» راجع الى «من» في قوله «من أقدم» المراد به المشتري.

٥٣٥

له ذلك (١) مجّانا ، من دون (٢) الحكم برجوعه إلى من غرّه في ذلك (٣) ـ ضرر (٤) عظيم (*). ومجرّد (٥) رجوع عوضه (٦) إليه لا يدفع الضرر (٧).

وكيف كان فصدق الضرر وإضرار الغارّ به ممّا لا يخفى (٨). خصوصا (٩) في بعض الموارد.

______________________________________________________

(١) أي : له ذلك الشي‌ء مجّانا ، من دون الحكم برجوع المغرور ـ وهو المشتري ـ إلى من غرّه وهو البائع.

(٢) متعلق ب «تغريم» أي : تغريم المشتري من دون الحكم بجواز رجوعه .. إلخ.

(٣) أي : في إتلاف شي‌ء من دون عوض ضرر عظيم.

(٤) خبر قوله : «فإنّ تغريم».

(٥) مبتدء ، خبره قوله : «لا يدفع الضرر» وهذا إشارة إلى وهم ودفعه ، وقد تقدم توضيحهما بقولنا : «فإن قلت .. قلت» فراجع.

(٦) أي : عوض ما اغترمه المشتري للمالك ، والمراد بالعوض هو منفعة المبيع ، كالثمرة التي أكلها المشتري ، أو اللّبن الذي شربه ، أو سكنى الدار ، فإنّها عوض الغرامة التي اغترمها للمالك.

(٧) وهو ما اغترمه المشتري للمالك بإزاء ما استوفاه من منافع المبيع.

(٨) إذ لو لم يبع البائع الفضول لم يقع المشتري في الغرامات والخسارات.

(٩) كما إذا استوفى المشتري منافع المبيع فضولا في غير مهمّات معاشه وضروريّاته ، كما إذا ركب السيارة أو الدابة دائرا بهما في الأراضي والبساتين للتنزّه واستنشاق الهواء

__________________

(*) إن كان هذا ضررا عظيما فهو دليل على المطلب ، لا مؤيّد له. وإن لم يكن ضررا فلا وجه لكونه مؤيّدا ، لعدم ارتباطه بالموضوع. والحقّ عدم صدق الضرر مع استيفاء المشتري منافع المبيع فضولا.

نعم يصدق التغرير العظيم ، لا الضرر العظيم الذي هو النقص ، لوضوح عدم النقص المالي بعد فرض استيفاء المنافع ، فيقع التعاوض القهري بين ما استوفاه المشتري من المنافع ، وبين المال الذي أخذه مالك المبيع من المشتري بدلا عن المنافع. فالغرور يوجب عملا لو لم يكن غرور لم يقع ذلك العمل في الخارج ، سواء ترتب ضرر على هذا الغرور أم لا.

٥٣٦

فما في الرياض من (١) «أنّه لا دليل على قاعدة الغرور إذا لم ينطبق مع قاعدة نفي الضرر المفقود في المقام ، لوصول العوض إلى المشتري (١)» لا يخلو (٢) عن شي‌ء.

مضافا إلى ما قيل عليه : من (٣) منع مدخليّة الضرر في قاعدة الغرور ، بل هي

______________________________________________________

السالمة عن القذارات ، لا في مهمات أموره وأصول معاشه وقضاء حوائجه ، فإنّ صدق الضرر حينئذ ضروري ، لعدم بذل المال غالبا بإزاء التصرفات غير المقوّمة للمعاش ، فيعدّ بذل المال حينئذ ضررا. بخلاف ما إذا استفاد من المبيع فضولا ما صرفه في أصول معاشه ، ككراء الدابة والسيارة لأجل صرف أجرتهما في ضروريات معاشه ، فلا يعدّ أخذ عوضها ـ بدون إرجاعه إلى الغارّ ـ ضررا.

(١) بيان ل «ما» الموصول ، والفاء للتفريع ، وغرضه الإشكال على السيد صاحب الرياض قدس‌سره ، وحاصل ما أفاده السيد هو : عدم دليل على قاعدة الغرور إن لم تنطبق على قاعدة نفي الضرر الذي هو مفقود في المقام ، إذ المفروض وصول العوض ـ وهو المنفعة ـ إلى المشتري ، لأنّه استوفاها من المبيع الفضولي بإزاء الغرامة التي اغترمها للمالك ، فلا موضوع هنا لقاعدة الضرر ، إذ لا يعدّ إعطاء مال عوضا عن المنفعة التي استوفاها المعطي ضررا. فلا تجري أيضا قاعدة الغرور.

(٢) خبر «ما» الموصول في قوله : «فما في الرياض» وجواب عن إشكال صاحب الرياض ، ومحصل الجواب : وجود كلتا قاعدتي الغرور والضرر هنا. أمّا قاعدة الغرور فلاتّفاق الفقهاء على كون المشتري مغرورا فيما نحن فيه.

وأمّا قاعدة الضرر فلأنّ إتلاف مال الغير مجّانا بسبب تغرير شخص آخر ـ بأن يقول له : تصرّف فيه ، فإنّه لي ، ثم انكشف أنّه للغير ، فطلب ماله وأخذه منه ـ يوجب عدّ هذا الشخص متضرّرا.

فالنتيجة : جواز رجوع المشتري إلى البائع.

(٣) بيان ل «ما» الموصول ، وهذا إشكال آخر من صاحب الجواهر على

__________________

(١) رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٣٠٧ و ٣٠٨.

٥٣٧

مبنيّة على قوّة السبب على المباشر (١).

لكنّه (١) لا يخلو من نظر ، لأنّه إنّما يدّعي اختصاص دليل الغرور من

______________________________________________________

سيد الرياض قدس‌سرهما. وغرض المستشكل إثبات الضمان هنا.

وحاصل الاشكال : أنّ قاعدة الغرور ليست مبنيّة على قاعدة الضرر حتى يقال : انّه لا ضرر هنا ، فلا تجري قاعدة الغرور. بل هي مبنيّة على قاعدة قوّة السبب على المباشر ، والسبب ـ وهو البائع في ما نحن فيه ـ أقوى من المباشر وهو المشتري ، فيرجع على البائع بما اغترمه للمالك عوضا عن منافع المبيع فضولا التي استوفاها ، لأنّه وإن كان مباشرا لما استوفاه من المنافع ، لكنّ البائع الذي هو السبب أقوى من المباشر ، فيرجع المشتري إليه فيما اغترمه للمالك عوضا عن المنافع.

فصاحب الجواهر قدس‌سره قائل بضمان البائع لما اغترمه المشتري بإزاء ما استوفاه من منافع المبيع فضولا ، وردّ هو رحمه‌الله على سيّد الرياض قدس‌سره المنكر لضمان البائع لما اغترمه المشتري للمالك بإزاء المنافع ، استنادا إلى عدم جريان قاعدة الغرور ، لابتنائها على قاعدة الضرر المفقود هنا ، لأنّ غرامة المشتري تكون بإزاء المنافع ، فهذه الغرامة ليست ضررا حتى تجري فيها قاعدة الغرور المبنيّة على الضرر.

(١) أي : لكن ما قيل في الجواهر ردّا على كلام الرياض لا يخلو من نظر وإشكال. توضيحه : أنّ صاحب الرياض لا يدّعي ابتناء قاعدة الغرور على قاعدة الضرر ، حتى يقال : بعدم جريانها في المقام ، لعدم تضرر المشتري ، لوصول عوض غرامته وهو المنافع إليه. وإنّما يدّعي أنّ إهمال دليل قاعدة الغرور ـ أعني به النصوص الخاصة والإجماع ـ يقتضي الاقتصار على القدر المتيقن منهما ، وهو صورة الضرر ، لعدم دلالتهما صريحا على ضمان البائع لجميع ما اغترمه المشتري للمالك.

والأولى نقل كلام الرياض ، فإنّه قدس‌سره بعد حكاية عدم الرجوع عن الشيخ والحلّي ، قال : «وهو أوفق بالأصل ، مع عدم معلومية صلوح المعارض للمعارضة بناء على عدم وضوح دليل على ترتب الضمان على الغارّ بمجرد الغرور وإن لم يلحقه ضرر كما في ما نحن

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٨٣.

٥٣٨

النصوص الخاصّة والإجماع بصورة الضرر. وأمّا (١) قوّة السبب على المباشر ، فليست بنفسها دليلا على رجوع المغرور ، إلّا (٢) إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفا إليه كما في المكره (٣) ،

______________________________________________________

فيه بمقتضى الفرض ، لاستيفائه المنفعة في مقابلة ما غرمه. والإجماع على هذه الكلية غير ثابت ، بحيث يشمل نحو مفروض المسألة».

(١) هذا إشكال على صاحب الجواهر المدّعي لضمان البائع لما اغترمه المشتري للمالك ، تمسكا بدليل آخر على الضمان ، وهو قوة السبب على المباشر ، حيث قال ـ بعد المناقشة المتقدمة في كلام صاحب الرياض ـ : «بل هو ـ أي ضمان الغارّ ـ من باب قوّة السبب على غيره ولو المباشرة» (١).

وحاصل إشكال المصنف عليه : أنّ قوّة السبب على المباشر بنفسها لا تصلح لأن تكون دليلا على الضمان ، إلّا إذا كان السبب بمثابة يصحّ أن يستند التلف إليه عرفا.

(٢) فحينئذ تكون قوّة السبب دليلا على الضمان ، لاستناد التلف إلى السبب ، فيكون سبب الضمان على هذا قاعدة الإتلاف.

(٣) فإنّ المكره وإن كان مباشرا للفعل ، لكنه يسند عرفا إلى المكره ، لأنّ التحميل والإكراه أوجبا ضعف استناد الفعل إلى المباشر ، بل لا يصحّ إسناده إلى المكره في بعض الصور كالملجأ ، فيستند الفعل إلى المكره خاصة.

قال في الجواهر ـ في مقام الفرق في استناد الفعل الى المغرور دون المكره ـ ما لفظه : «ولعلّه لعدم صدق (أخذت) الظاهر في الاختيارية عليه ـ أي على المكره ـ بخلاف المغرور. مضافا إلى ظهور رجوع المغرور ـ أي قوله عليه‌السلام : المغرور يرجع على من غرّه ـ في ضمانه وإن رجع هو ..» (٢).

ولعلّ مراد المصنف قدس‌سره من التنظير بالمكره ـ بقرينة المثالين الآخرين ـ هو خصوص الملجإ المسلوب الاختيار. ويحتمل أن يكون مراده مطلق المكره ، فإنّ الفعل

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ١٨٣.

(٢) المصدر ، ص ٥٧.

٥٣٩

وكما في الريح العاصف الموجب للإحراق (١) ، والشمس (٢) الموجبة لإذابة الدهن وإراقتها.

والمتّجه في مثل ذلك (٣) عدم الرجوع إلى المباشر أصلا (٤) كما نسب إلى ظاهر الأصحاب في المكره ، لكون المباشر بمنزلة الآلة (٥). وأمّا في غير ذلك (٦)

______________________________________________________

وإن كان صادرا منه باختياره ، لكن الإكراه يوجب استناده الى المكره ، لقوته ، لا إلى المكره لضعفه.

(١) كما إذا أجّج النار في جهة هبوب الريح العاصف ، فأطارتها الريح إلى دور الجيران ، فأحرقت بعض أموالهم ، فإنّ الإحراق وإن كان فعل النار ، لكنّه يسند إلى المؤجّج الذي هو السبب.

(٢) يعني : وكالشمس ، كما إذا وضع شخص الدّهن الجامد ـ الذي هو مملوك لغيره ـ في الشمس ، فذاب وأريق ، كما إذا كان الدهن الجامد في الظرف المثقوب ، فأذابته الشمس وإراقته. فإنّ الإذابة والإراقة وإن كانتا فعل الشمس ، لكنّهما تسندان إلى واضع الدهن في الشمس. وهذه الأمثلة من صغريات قوّة السبب على المباشر ، بحيث لا يعدّ الفعل من أفعال المباشر ، بل يعدّ من أفعال السبب.

(٣) ممّا يعدّ الفعل من أفعال المباشر دون السبب.

(٤) لعدم كون الفعل مسندا إلى المباشر حتى يكون عليه ضمان.

(٥) في عدم الإرادة والاختيار كالسّكين ، فإنّه وإن كان قاطعا ، لكنّه لمّا كان بغير إرادة وشعور لم يستند الفعل إليه.

والناسب إلى ظاهر الأصحاب صاحب الجواهر في شرح قول المحقق قدس‌سره : «ولا يضمن المكره المال وإن باشر الإتلاف. والضمان على من أكرهه ، لأنّ المباشرة ضعفت مع الإكراه ، فكان ذو السبب هنا أقوى» (١) فراجع.

(٦) يعني : في غير موارد استناد التلف إلى السبب ، واستناده إلى المباشر مثل ما نحن فيه أي القسم الثاني ، وهو أن تكون الغرامة في مقابل ما استوفاه المشتري بإرادته من منافع المبيع فضولا ، كسكنى الدار وركوب الدابة والسيّارة مثلا ، فضمان البائع ـ الذي هو سبب لوقوع المشتري في ما اغترمه للمالك ـ لتلك الغرامات محتاج إلى دليل

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٧ ، ص ٥٧ ، شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ٢٣٧.

٥٤٠