هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

لعدم قبول العوض (*) للملك كالخمر والخنزير والحرّ ، قوي (١) اطّراد ما ذكرنا فيه من (٢) عدم ضمان عوضها (٣) المملوك (٤) مع علم المالك (٥) بالحال ، كما صرّح (٦) به شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد ، هذا.

______________________________________________________

ليست مالا شرعا حتى تقبل الملكية ، فضمانه ليس ضمانا شرعيا.

فإذا باع شاة بخمر مثلا ، وتلفت الشاة عند المشتري ، لا يرجع البائع إليه بقيمة الشاة ، لأنّ تضمين بائع الشاة المشتري بالخمر غير صحيح ، لأنّه تضمين بما لا يقبل الملك. وكذا الحال إذا كان الثمن غير مال شرعا.

(١) جواب «لو» يعني : يقوى اطّراد ما ذكرنا في صورة علم المشتري بغاصبيّة البائع من عدم الضمان.

(٢) بيان للموصول ، وضمير «فيه» راجع إلى «ما نحن فيه» من فرض علم المشتري بالغصب.

(٣) أي : عوض الخمر والخنزير والحرّ.

(٤) صفة للعوض ، كما إذا كان عوضها مالا مملوكا كالفلوس.

(٥) أي : علم مالك العوض المملوك بالحال ، أو علمه بكون المعوّض غير مملوك كالخمر.

(٦) أي : صرّح شيخ مشايخنا ـ وهو كاشف الغطاء قدس‌سره ـ بعدم الضمان في صورة فساد البيع لأجل عدم مملوكية العوض ، كعدم الضمان في صورة علم المشتري بغصبية المبيع. قال : «ويقوى تسوية الحكم في المقامين إلى كلّ ما دفع من غير مقابل ، أو بمقابل غير قابل» (١).

__________________

(*) ينبغي تقييده بما إذا لم يكن العوض قابلا شرعا وعرفا للملكية كالحشرات ، فإنّ التسليط حينئذ يكون مجانيا ، إذ عدم مالية العوض قرينة على مجانية التسليط. وأمّا إذا كان قابلا عرفا للملكية فمجانية التسليط غير معلومة.

__________________

(١) شرح القواعد ، مخطوط ، الورقة : ٦٨ ، وحكاه صاحب الجواهر عنه في ج ٢٢ ، ص ٣٠٧.

٥٠١

ولكن (١) إطلاق قولهم : «إنّ كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» يقتضي الضمان فيما نحن فيه (٢) وشبهه (٣) ، نظرا (٤) إلى أنّ البيع الصحيح يقتضي الضمان ، ففاسده كذلك.

إلّا (٥) أن يفسّر بما أبطلناه

______________________________________________________

(١) هذا استدراك على ما تقدم في (ص ٤٨٢) من قوله : «وأمّا لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري .. إلخ» ، وهذا عدول عما أفاده من عدم الضمان فيما نحن فيه ـ وهو علم المشتري بغاصبية البائع ـ إلى القول بالضمان فيه استنادا إلى إطلاق القضية المعروفة ، وهي «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» فإنّ إطلاق الفاسد يقتضي الضمان في بيع الغاصب مع علم المشتري بالغصبيّة.

(٢) وهو علم المشتري بغاصبيّة البائع. وقوله : «يقتضي» خبر «إطلاق».

(٣) والمراد بشبهه بيع ما ليس قابلا للملكيّة ، كبيع الخمر والخنزير والحرّ مع علم المشتري بعدم قابليّتها للملكيّة.

(٤) هذا تقريب الاستدلال بالقضيّة المذكورة ، وهو : أنّ للبيع صحيحا وفاسدا ، وصحيحه يقتضي الضمان ، وكذا فاسده ، فبيع المغصوب مع علم المشتري بالغصبية فاسد ، فيقتضي الضمان.

(٥) هذا عدول عن الضمان ـ الذي أثبته بقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» فيما نحن فيه ، وهو علم المشتري بغاصبية البائع ـ إلى ما أفاده سابقا من عدم الضمان ، وأراد إثبات عدم الضمان بنفس هذه القاعدة ، بناء على تفسيرها بعقد واحد شخصي إذا فرض تارة صحيحا ، واخرى فاسدا ، فصحيحة لا يضمن وكذا فاسده. فإذا فرض تارة صحة البيع بلا ثمن ، واخرى فساده ، فلا ضمان في صحّته ، وكذا في فاسده.

وقد تقدّم في بحث المقبوض بالبيع الفاسد نقل هذا الاحتمال عن صاحب الجواهر قدس‌سره. ومبناه جعل العموم في «كل عقد» بلحاظ الأفراد الخارجية ، لا أنواع العقود ، ولا أصناف كل واحد منها ، فراجع تفصيل الكلام هناك (١).

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٣ ، ص ٩١ ـ ٩٥.

٥٠٢

سابقا (١) من أنّ كلّ عقد يضمن على فرض صحّته يضمن على فرض فساده. ولا ريب أنّ العقد فيما نحن فيه (٢) وفي مثل البيع [المبيع] بلا ثمن والإجارة بلا اجرة إذا فرض (٣) صحيحا لا يكون فيه ضمان ، فكذلك مع الحكم بالفساد.

لكنّك (٤) عرفت ضعف هذا المعنى فيما ذكرناه سابقا (٥) في توضيح هذه القضيّة (٦) ، فإنّ معناه (٧) : أنّ كلّ عقد تحقّق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان

______________________________________________________

(١) حيث قال هناك : «وربما يحتمل في العبارة أن يكون معناه أنّ كلّ شخص من العقود يضمن به لو كان صحيحا يضمن به مع الفساد» إلى أن قال : «ويضعّف بأنّ الموضوع هو العقد الذي وجد له بالفعل صحيح وفاسد ، لا ما يفرض تارة صحيحا واخرى فاسدا .. إلخ».

(٢) وهو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته.

(٣) يعني : إذا فرض العقد في البيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة صحيحا لم يكن فيه ضمان ، وكذا لا ضمان فيه إذا فرض فاسدا. فعلى هذا المعنى في قضية «ما يضمن بصحيحه» يكون كل من الصحة والفساد فرضيّا ، ويصحّ الحكم بالضمان في بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته ، لأنّه إذا فرض صحيحا لا يكون فيه ضمان ، فكذا إذا فرض فاسدا.

(٤) غرضه تضعيف التفسير المذكور لقضية «ما يضمن» وعدم صلاحيته للاستناد إليه في إثبات الضمان في بيع الفضولي الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته.

وحاصله : أنّا قد ذكرنا سابقا ضعف هذا المعنى ، فلا يصحّ أن يكون دليلا على عدم الضمان في بيع الغاصب مع علم المشتري بالغصب.

(٥) قد نقلنا بعض عبارته قبل أسطر ، فلاحظ.

(٦) وهي : كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

(٧) يعني : معنى «كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» ، ومحصّل ما أفاده في معنى هذه القضيّة هو : أنّ كل عقد ثبت الضمان شرعا في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه ، كالبيع غير الربويّ والبيع الربويّ ، فإنّ الأوّل هو الفرد الصحيح من البيع ، والثاني هو الفرد الفاسد من البيع. فهذان الفردان الفعليّان للبيع يكون أحدهما الصحيح موردا للضمان ، والآخر الفاسد أيضا موردا للضمان. وليس فرد واحد شخصي يفرض تارة صحيحا واخرى فاسدا ، فإنّ لفظ «يضمن» الذي هو نعت لكلمة «عقد»

٥٠٣

في الفرد الفاسد منه (١) ، فيختصّ موردها (٢) بما إذا كان للعقد فردان فعليّان ، لا الفرد الواحد المفروض تارة صحيحا واخرى فاسدا.

نعم (٣) يمكن تطبيق المعنى

______________________________________________________

ظاهر في الاتصاف الفعلي بالضمان.

(١) هذا الضمير وضمير «منه» المذكور قبله راجعان إلى «عقد».

(٢) يعني : يختص مورد قضية «كل عقد يضمن بصحيحه» بالعقد الذي له فردان فعليّان ثبت الضمان شرعا في صحيحهما وفاسدهما ، لا الفرد الواحد الشخصي الذي. يفرض تارة صحيحا ، واخرى فاسدا كما هو المعنى الذي أبطلناه سابقا.

(٣) استدراك على الاستدلال على نفي الضمان بقضية «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» بناء على تفسيرها الباطل ، وهو إرادة فرض الصحة والفساد في عقد واحد شخصي.

وحاصل الاستدراك : أنّه يمكن الاستدلال على عدم الضمان فيما نحن فيه ـ وهو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبية البائع ـ بقاعدة «ما يضمن بصحيحه» بالمعنى الذي اختاره المصنّف قدس‌سره في (ص ٥٠٣) بقوله : «فإن معناه : أنّ كل عقد تحقق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه» بأن يقال : إنّ المراد بالعقد في قاعدة «كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» ليس خصوص النوع المتعارف كالبيع والصلح من أنواع العقود ، كما كان ذلك ظاهر المعنى المختار ، بل المراد ما هو أعم من ذلك.

يعني : أنّ المقصود بالعقد هو العقد المملّك للأموال ممّا يكون له فردان صحيح كالبيع غير الربوي ، وفاسد كالبيع الربوي ، سواء أكان من النوع المتعارف كالبيع الذي هو مبادلة مال بمال ، والهبة غير المعاوضة التي هي من التمليك المجاني ، أم كان من النوع غير المتعارف كالبيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة ، وكتسليط المشتري البائع الفضول على الثمن. بلا عوض من مال البائع.

ففي التمليك المعاوضي يكون الضمان في صحيحه وفاسده ، وفي التمليك غير المعاوضي أيضا صحيح كالهبة غير المعوّضة ، وفاسد كتسليط المشتري الغاصب على الثمن بدون عوض من ماله ، وكالإجارة بلا اجرة والبيع بلا ثمن. وفي صحيح هذا العقد غير المعاوضي ـ كالهبة غير المعوضة ـ لا ضمان ، وكذا في فاسده ، كبيع الغاصب بدون عوض من ماله.

٥٠٤

المختار (١) فيما نحن فيه وشبهه (٢) ، بأن (٣) لا يكون المراد من العقد في موضوع القضيّة خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود كالبيع والصلح ، بل يراد مطلق المعاملة الماليّة التي يوجد لها فردان صحيح وفاسد ، فيقال : إنّ ما نحن فيه (٤) والبيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة تمليك بلا عوض من مال الآخر. والفرد (٥) الصحيح من هذه المعاملة (٦) ـ وهي (٧) الهبة غير المعوّضة ـ لا ضمان فيها ،

______________________________________________________

(١) وهو الذي أفاده بقوله : «فان معناه أنّ كلّ عقد تحقق الضمان» إلى آخر ما نقلناه آنفا.

(٢) كبيع ما ليس قابلا للملكية مع علم المشتري بعدم قبوله للملكية.

(٣) هذا و «فيما نحن فيه» متعلقان ب ـ «تطبيق» ، وهذا تقريب إمكان تطبيق المعنى المختار على ما نحن فيه من بيع الغاصب مع علم المشتري.

(٤) وهو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته ودفع الثمن إليه ، ومحصّله : أنّ المراد بالموصول في قضية «ما لا يضمن» هو المعاملة المالية الّتي لها فردان صحيح وفاسد. سواء أكانت تمليكا مع العوض كالبيع ، أم بدون العوض كالهبة غير المعوضة. وللتمليك مع العوض فرد صحيح ، كالبيع غير الربويّ ، وفرد فاسد كالبيع الربوي. وللتمليك غير المعاوضي أيضا فرد صحيح كالهبة غير المعوّضة ، وفرد فاسد كالبيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة ، وتسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن.

وهذا التعميم لكلّ معاملة ماليّة يشمل ما نحن فيه ، لأنّ التسليط المزبور تمليك مجّاني ، لعدم كون هذا التسليم بعوض من مال الغاصب ، فيدلّ على عدم ضمان البائع الغاصب للثمن ، كعدم ضمان الفرد الصحيح من التمليك المجّاني وهو الهبة غير المعوّضة ، فيكون «ما لا يضمن بصحيحه» دليلا على عدم ضمان البائع الغاصب للثمن الذي سلّمه المشتري إليه.

(٥) معطوف على الموصول في «ما نحن فيه» وخبره قوله : «لا ضمان».

(٦) أي : معاملة التمليك بلا عوض.

(٧) أي : الفرد الصحيح. وتأنيث الضمير باعتبار الخبر. والمراد بقوله : «هذه المعاملة» هو التمليك بلا عوض ، الذي له فرد صحيح كالهبة غير المعوضة ، وفرد فاسد كالبيع بلا ثمن ، والإجارة بلا اجرة.

٥٠٥

ففاسدها (١) كذلك ، فتأمّل (٢).

وبالجملة : فمستند المشهور (٣) في مسألتنا (٤) لا يخلو من غموض ، ولذا (٥) لم يصرّح أحد بعدم الضمان في «بعتك بلا ثمن» (*) مع اتّفاقهم عليه (٦) [هنا].

______________________________________________________

(١) أي : الفرد الفاسد من هذه المعاملة المالية لا ضمان فيها أيضا ، فالمعاملة المجانية ـ مثل ما نحن فيه والبيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة ـ لا ضمان فيها.

(٢) لعله إشارة إلى : أنّ المعنى المذكور ـ وهو إرادة مطلق المعاملة المالية من الموصول في قضية «ما يضمن بصحيحه» ـ وإن كان صحيحا في نفسه ، لكنه ليس ظاهر القضية المذكورة بحيث ينسبق إليه الذهن ، بل إرادته محتاجة إلى القرينة. فظاهر الموصول هو كلّ نوع من أنواع العقد كالبيع والصلح ونحوهما.

أو إشارة إلى : أنّ المعاملة المالية عنوان انتزاعي لا يصلح لأن يكون موضوعا للحكم.

(٣) القائلين بعدم رجوع المشتري إلى البائع بالثمن في صورة التلف. وجه غموض المستند هو : أنّ مقتضى ما ذكروه من التسليط المجاني عدم الضمان ، لكن مقتضى قاعدة «ما يضمن بصحيحه» هو الضمان ، ولذا اتفقوا على الضمان في «بعتك بلا ثمن».

(٤) وهي بيع الغاصب مع علم المشتري بكونه غاصبا.

(٥) أي : ولعدم خلوّ مستند المشهور ـ النافين لرجوع المشتري إلى البائع ـ عن الغموض والإشكال ، لم يصرّح أحد بعدم الضمان في «بعتك بلا ثمن» مع اتفاق الأصحاب على عدم الضمان هنا ، أي : في تسليط المشتري البائع الغاصب.

هذا بناء على وجود كلمة «هنا». وأمّا بناء على عدمها فمرجع ضمير «عليه» هو الضمان ، يعني : لم يصرّح أحد بعدم الضمان في «بعتك بلا ثمن» بل اتفقوا على الضمان فيه.

(٦) أي : على عدم الضمان هنا ، أي : في بيع الغاصب مع علم المشتري بغصبية المبيع.

__________________

(*) لا يخلو منافاة دعوى عدم التصريح بعدم الضمان لما تقدم في (ص ٤٨٨) من قوله : «فهو يشبه الهبة الفاسدة والبيع بلا ثمن والإجارة بلا أجرة ، التي قد حكم الشهيد وغير واحد بعدم الضمان فيها» وتقدّم هناك أنّ عدم الضمان مختار غير واحد ، فراجع ما نقلناه من الكلمات.

٥٠٦

وصرّح (١) بعضهم بضمان المرتشي مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه (٢).

نعم (٣) ذكر الشهيد رحمه‌الله وغيره عدم الضمان في الإجازة بلا اجرة.

______________________________________________________

(١) غرضه من ذكر هذا الفرع تأييد ما أفاده من غموض مستند المشهور ، إذ لو لم يكن في مستندهم غموض لزم التصريح بعدم ضمان المرتشي للرشوة التالفة عنده ، لأنّ الراشي سلّط المرتشي على الرشوة بلا عوض ، كتسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن مجانا ، مع أنّهم صرّحوا بضمان المرتشي. فلا بدّ من الحكم بضمان البائع الغاصب أيضا ، لوحدة الطريق في المسألتين. فهذا الاختلاف في الضمان في نظائر مسألتنا كاشف عن غموض دليل عدم الضمان فيما نحن فيه.

والمصرّح بالضمان جماعة كالمحقق والعلامة والشهيدين وغيرهم ، بل في الجواهر : «وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في بقاء الرشوة على ملك المالك ، كما هو مقتضى قوله : إنّها سحت ، وغيره من النصوص الدالة على ذلك. وأنّ حكمها حكم غيرها ممّا هو كان من هذا القبيل. نعم قد يشكل الرجوع بها مع تلفها وعلم الدافع بالحرمة باعتبار تسليطه. والتحقيق فيه ما مرّ في نظائره» (١).

وقال في القضاء : «وكيف كان فلو تلفت ـ أي الرشوة ـ قبل وصولها إليه ضمنها له ، لعموم على اليد ، وغيره ممّا تقدم .. إلخ» (٢).

نعم استشكل الفاضل النراقي في الضمان على تقدير التلف لو كان دفع الرشوة برضا الراشي (٣). والظاهر أنّ قول صاحب الجواهر : «قد يشكل» إشارة إلى خلاف الفاضل. ولكنه كما ترى.

(٢) وهو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته.

(٣) استدراك على عدم التصريح بعدم الضمان في «البيع بلا ثمن ، والإجارة بلا اجرة» لكونهما متحدين حكما. وحاصل الاستدراك وجود المصرّح بعدم الضمان في مسألة

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ١٤٩.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٤٠ ، ص ١٣٣ وراجع : شرائع الإسلام ، ج ٤ ، ص ٧٨ ، قواعد الأحكام ، ج ٣ ، ص ٤٢٩ ، الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٧٦ ، مسالك الأفهام ، ج ١٣ ، ص ٤٢٢ و ٤٢٣.

(٣) مستند الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٧٤.

٥٠٧

ويؤيّد ما ذكرنا (١) ما دلّ من الأخبار (٢) على كون ثمن الكلب والخمر سحتا. وإن أمكن (٣) الذبّ عنه بأنّ المراد التشبيه

______________________________________________________

الإجارة ، وهو الشهيد قدس‌سره وغيره ، وقد تقدم كلامه في (ص ٤٨٩) فراجع.

والمراد بالإجارة بلا اجرة أن يقع العقد على تمليك منفعة من دون اجرة ، كأن يقول مالك الدار : «آجرتك هذه الدار شهرا بلا اجرة» ثم يستوفي المستأجر منفعة دار المؤجر مدة بلا اجرة يضمنها المستأجر للموجر عوض المنفعة التي استوفاها.

(١) وهو قوله في (ص ٥٠٢) : «ولكن إطلاق قولهم : إن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده يقتضي الضمان فيما نحن فيه وشبهه».

تقريب التأييد ـ بعد تشبيه المبيع المغصوب بالكلب والخنزير وكون ثمنه سحتا ـ أنّ عدم جواز التصرف في السّحت يستلزم الضمان ، فيجب ردّ عينه إن كان باقيا ، وردّ بدله إن كان تالفا ، لأنّ أكل مال الغير سحت ، فيجب ردّه إلى مالكه إن كان باقيا ، وبدله إن كان تالفا حتى تبرء ذمته.

(٢) مثل ما ورد في وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ عليه‌السلام ، قال : «يا علي! من السحت ثمن الميتة وثمن الكلب ، وثمن الخمر ، ومهر الزانية ، والرشوة في الحكم ، وأجر الكاهن» (١).

والمراد بالكلب ما ليس صيودا ، بقرينة ما ورد في أخبار أخر ، مثل ما رواه أبو عبد الله العامري عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : سألته عن ثمن الكلب الذي لا يصيد. فقال : سحت. وأما الصيود فلا بأس» (٢).

(٣) هذا ردّ التأييد ، والأولى أن يقال : «وإن أمكن ذبّه» أي دفعه ، وأمّا الذّب عن الشي‌ء فهو حفظه.

وكيف كان فغرضه الخدشة في التأييد المزبور بمنع الملازمة بين حرمة التصرف والضمان ، وحاصله : أنّ التشبيه بالسّحت يكون في الحكم التكليفي ، وهو حرمة التصرف فقط ، دون الحكم الوضعي وهو الضمان ، لعدم التلازم بين التكليف والوضع ، كحرمة التصرف في الأوقاف العامة كالمساجد ، فإذا سكن في بعض بيوت المسجد بدون مجوّز ارتكب محرّما ، وليس عليه ضمان.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٦٣ ، الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به ، ح ١.

(٢) المصدر ، ص ٨٣ ، الباب ١٤ ، ح ١.

٥٠٨

في التحريم (*) ، فلا ينافي عدم الضمان مع التلف ، كأصل السحت (١).

ثمّ (٢) إنّ مقتضى

______________________________________________________

(١) وهو الكلب والخنزير ، فإنّ إتلافهما أو تلفهما لا يوجب الضمان إلّا كلب الصيد ، فإنّ فيه أربعين درهما ، أو قيمته ، على الخلاف. وكذا كلب الغنم والحائط وكلب الزرع ، فإنّ في هذه الثلاثة قيمتها.

(٢) كان الكلام إلى هنا فيما إذا باع البائع الفضولي لنفسه ، والآن يشرع في حكم ما إذا باع الفضولي للمالك ، ودفع المشتري ثمن المبيع إلى البائع للإيصال إلى المالك ، فتلف الثمن في يد البائع.

وملخّص ما أفاده في حكمه : أنّ مقتضى ما تقدّم في وجه عدم رجوع المشتري بالثمن إلى البائع ـ من تسليطه البائع على الثمن بلا عوض ـ هو ثبوت الرجوع بالثمن على البائع فيما إذا باع الفضولي للمالك ، وقبض الثمن من المشتري للدفع إلى المالك ، فتلف عنده ، إذ المشتري لم يسلط البائع ولا أذن له في التصرف فضلا عن إتلافه ، فقاعدة اليد تقتضي الضمان ، ولا مخصّص لها هنا.

وما أفاده المصنف قدس‌سره ـ من جواز رجوع المشتري بالثمن على البائع ـ قد نبّه عليه الفاضل النراقي قدس‌سره أيضا بقوله : «نعم لو كان البيع فضولا لأجل المالك ، وسلّم المشتري الثمن إلى البائع ليسلّمه المالك لو أجاز ، وأتلفه البائع ، فالوجه الرجوع إليه. والوجه ظاهر ..» (١).

__________________

(*) لا يخفى أنّه لو كان هناك دليل لفظي على تنزيل ثمن المال المغصوب ـ مع علم المشتري بالغصب ـ منزلة ثمن الخنزير والكلب ، اقتضى إطلاقه التنزيل بالنسبة إلى الحكمين التكليفي والوضعي.

لكنه ليس في البين دليل لفظي على التنزيل ، ولا دليل لبّيّ كالإجماع حتى يؤخذ بالقدر المتيقن منه ، وهو الحرمة.

__________________

(١) مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٩٥.

٥٠٩

ما ذكرناه (١) في وجه عدم الرجوع بالثمن ، ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضوليّ غير (٢) بائع لنفسه ، بل باع عن المالك ، ودفع المشتري الثمن إليه ، لكونه (٣) واسطة في إيصاله (٤) إلى المالك ، فتلف (٥) في يده ، إذ (٦) لم يسلّطه عليه ولا أذن له في التصرّف فيه فضلا (٧) عن إتلافه.

ولعلّ (٨) كلماتهم ومعاقد اتّفاقهم (٩) تختصّ بالغاصب البائع لنفسه ، وإن كان

______________________________________________________

(١) أي : ما ذكرناه في (ص ٤٨٤) من «أنّه سلّطه على ماله بلا عوض ..».

(٢) حال من «البائع» ولو قيل ـ كما في نظائره ـ : «إذا باع البائع الفضولي عن المالك» لدلّ على المقصود باختصار.

(٣) هذا الضمير وضمير «إليه» راجعان إلى البائع.

(٤) أي : في إيصال الثمن إلى المالك.

(٥) يعني : فتلف الثمن في يد البائع.

(٦) تعليل لثبوت رجوع المشتري بالثمن على البائع لا لنفسه ، بل للمالك. وحاصل التعليل : أنّ المشتري ، لم يسلّط البائع على الثمن ، ولم يأذن له في التصرف في الثمن فضلا عن إتلافه ، حتى يسلب احترام ماله ، ويخصّص قاعدة اليد.

(٧) يعني : فضلا عن إذنه في إتلافه الثمن ، فلا إذن في شي‌ء من التصرف والإتلاف.

(٨) إشارة إلى إشكال ، وهو : أنّ كلمات الأصحاب في عدم رجوع المشتري على البائع بالثمن مطلقة ، فتشمل كلتا صورتي بيع الغاصب لنفسه وللمالك.

وقد دفعه بقوله : «ولعل كلماتهم .. إلخ» ومحصله : أنّ إطلاق كلمات العلماء لعلّه يختصّ بالغاصب البائع لنفسه ، لما مرّ من عدم تسليط المشتري البائع على التصرّف في الثمن في صورة بيع الغاصب للمالك ، فقاعدة اليد الموجبة للضمان جارية في هذه الصورة بلا مانع.

(٩) تقدم في (ص ٤٨٣) التنبيه على كلمات جمع ممّن ادّعى الإجماع على عدم ضمان البائع الغاصب مع علم المشتري بالغصب لو تلف الثمن ، فقال : «بل المحكي عن العلامة وولده والمحقق والشهيد الثانيين وغيرهم الاتفاق عليه» فراجع.

٥١٠

ظاهر بعضهم (١) ثبوت الحكم في مطلق الفضولي مع علم المشتري بالفضوليّة.

وكذا (٢) يقوى الرجوع لو أخذ البائع الثمن من دون إذن المشتري ، بل (٣) أخذه بناء على العقد الواقع بينهما ، فإنّه (٤)

______________________________________________________

(١) غرضه أنّ حمل كلماتهم ومعاقد إجماعهم ـ على عدم رجوع المشتري ـ على خصوص ما إذا باع البائع لنفسه ، خلاف ظاهر بعض الفقهاء في عموم الحكم بعدم رجوع المشتري بالثمن على البائع مطلقا وإن باع الغاصب للمالك مع علم المشتري بغاصبيته.

والظاهر أنّ غرض المصنف قدس‌سره من ظهور كلام البعض هو إطلاق تنظير الغاصب بالفضولي ، في قبال من خصّ بيع الغاصب بما إذا باع لنفسه. فالفاضل المقداد والمحقق الثاني قدس‌سرهما جعلا الغاصب كالفضولي (١). ومقتضاه شمول حكمهم بعدم رجوع المشتري العالم بالفضولية ـ على البائع بالثمن التالف في يده ـ للغاصب أيضا ، سواء باع لنفسه كما هو الغالب ، أم للمالك.

(٢) هذه صورة أخرى لضمان البائع الفضولي للثمن ، وهي : ما إذا أخذ البائع الثمن من المشتري بدون إذنه ، وإنّما أخذه بعنوان الوفاء بالعقد الواقع بينهما.

والوجه في جواز رجوع المشتري على البائع بالثمن هو : أنّه لم يحصل من المشتري ما يوجب عدم جريان قاعدة اليد في الثمن ، إذ لم يتحقق من المشتري تسليط خارجي على الثمن حتى يخصّص عموم على اليد.

(٣) يعني : بل أخذ البائع الثمن بمقتضى العقد الواقع بين البائع الفضول والمشتري الأصيل.

(٤) الضمير للشأن ، وهذا تعليل لرجوع المشتري بالثمن على البائع الذي أخذ الثمن من المشتري بدون إذنه. وحاصل التعليل : أنّه لم يحصل من المشتري تسليط خارجي حتى يرفع الضمان اليديّ ، وإنّما حصل تسليط عقدي ، وهو لا يؤثّر في رفع الضمان بعد وضوح فساد العقد.

__________________

(١) التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٢٧ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٦٩.

٥١١

لم يحصل هنا (١) من المشتري تسليط إلّا بالعقد. والتسليط العقديّ مع فساده غير مؤثّر (٢) في دفع الضمان.

ويكشف عن ذلك (٣) تصريح غير واحد (٤) منهم بإباحة تصرّف البائع

______________________________________________________

(١) أي : في صورة أخذ البائع الثمن بدون إذن المشتري.

(٢) لأنّ وجود العقد الفاسد كالعدم في عدم ترتب أثر عليه.

(٣) أي : يكشف عن كون التسليط الخارجي رافعا للضمان ـ دون التسليط العقدي الفاسد ـ تصريح غير واحد من الفقهاء بإباحة تصرف البائع الغاصب في الثمن في صورة تسليط المشتري له ، مع اتّفاقهم ظاهرا على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة. فيكشف حكمهم بإباحة التصرف ـ مع الاتفاق على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة ـ عن عدم كون التسليط العقدي موجبا للإباحة ، ولا رافعا للضمان. وإنّما الموجب لهما هو التسليط الخارجي.

فالنتيجة : أنّه إذا أخذ البائع الغاصب الثمن بغير إذن المشتري يكون ضامنا.

(٤) نقل ذلك عنهم جمع ، منهم أصحاب الحدائق ومفتاح الكرامة والجواهر قدس‌سرهم. قال السيد العاملي : «.. ومن ثمّ قالوا : إنّ المشتري قد فوّت ماله متعمدا ، لعلمه بتحريم تصرفه فيه ، ودفع ماله من غير عوض ، وهو يجتمع مع جواز تصرف البائع الثمن عند القائلين بالإباحة. وقد ذهبوا إلى أنّه حينئذ ليس أكلا مال الغير بالباطل» (١).

والتعبير بالتسليط مذكور في كلامي المحقق والشهيد الثانيين ، وغيرهما ، ففي المسالك في شرح قول المحقق : «ولا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب» ما لفظه : «ووجّهوه بكون المشتري قد دفعه إليه وسلّطه عليه ، مع علمه بعدم استحقاقه له ، فيكون بمنزلة الإباحة. وهذا يتمّ مع تلفه .. إلخ» (٢).

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٤ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠٥ و ٣٠٦ ، الحدائق الناضرة ، ج ١٨ ، ص ٣٩٦.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧١ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٦٠.

٥١٢

الغاصب فيه (١) ، مع اتّفاقهم ظاهرا على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة.

وكذا (٢) يقوى الضمان لو اشترط (٣) (*) على البائع الرجوع بالثمن لو أخذ العين صاحبها (٤).

ولو كان الثمن كلّيّا (٥) فدفع إليه المشتري بعض أفراده ، فالظاهر عدم الرجوع ، لأنّه (٦) كالثمن المعيّن في تسليطه عليه مجّانا.

______________________________________________________

(١) أي : في الثمن المجعول عوضا عن المبيع المغصوب.

(٢) معطوف على «وكذا يقوى الرجوع» يعني : ومن موارد ضمان البائع الغاصب للثمن ما إذا اشترط المشتري الأصيل على البائع الفضول الرجوع عليه بالثمن لو أخذ المالك العين التي بيعت فضولا ، وردّ البيع ولم يجزه. ولا ينبغي الارتياب في ضمان البائع للثمن في هذه الصورة ، لعدم موجب لارتفاع الضمان مع وجود اليد أوّلا ، واشتراط الضمان ثانيا.

(٣) أي : اشترط المشتري.

(٤) فاعل «أخذ» ، وضميره راجع الى «العين».

(٥) كان موضوع البحث إلى الآن في الثمن المعيّن الشخصي. وأمّا الثمن الكلي ـ الّذي دفع المشتري فردا منه إلى البائع ـ فالظاهر أنّه ليس له الرجوع على البائع كالثمن الشخصي ، لأنّ ملاك عدم الضمان فيهما واحد ، وهو التسليط المجاني.

(٦) تعليل لعدم ضمان البائع للثمن ، وقد مرّ تقريبه آنفا بقولنا : «لأنّ ملاك عدم الضمان .. إلخ». هذا تمام الكلام في المسألة الأولى المتعلقة بحكم الثمن الذي تسلّمه البائع الفضول من المشتري.

__________________

(*) وجه الضمان في صورة الاشتراط عدم تسليط المشتري للبائع مجّانا على الثمن المزبور ، فمقتضى عموم «على اليد» السليم من المخصّص محكّم.

لكن صحة شرط الضمان في صورة التلف محلّ إشكال ، بعد تسليم كون يد البائع حينئذ يدا أمانية. نعم شرط الضمان في صورة الإتلاف في محله ، بل لا حاجة إلى الشرط كما هو واضح.

٥١٣

المسألة الثانية (١):

أنّ المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن (٢):

فإمّا أن يكون (٣) في مقابل العين ، كزيادة القيمة (٤) على الثمن إذا رجع المالك بها على المشتري ، كأن كانت القيمة المأخوذة (٥) منه عشرين والثمن عشرة

______________________________________________________

د : حكم ما يغترمه المشتري غير الثمن

(١) هذه المسألة أيضا من فروع ردّ البيع الفضولي ، وقد أشار إليها في (ص ٤٧٥) بقوله : «وأما حكم المشتري مع الفضولي فيقع الكلام فيه تارة في الثمن ، واخرى في ما يغرمه للمالك زائدا على الثمن ..» وقد عقدها المصنف قدس‌سره لبيان حكم ما يغترمه المشتري ـ لمالك المبيع فضولا ـ زائدا على الثمن المسمّى ، كما سيظهر من الأمثلة المذكورة في المتن. ومورد الكلام كما سيصرّح به المصنف هو جهل المشتري بعدم مالكية البائع للمبيع ، إذ لو كان عالما بعدم مالكيته له لم يكن له الرجوع على البائع الغاصب أو الفضولي مطلقا بشي‌ء من الغرامات.

وتوضيح ما أفاده : أنّ ما يغترمه المشتري للمالك زائدا على الثمن على ثلاثة أقسام :

الأوّل : أن تكون الغرامة في مقابل العين ، كما إذا تلفت العين وكانت قيمتها السوقية عشرة دنانير ، وكان ثمنها المسمّى خمسة دنانير ، وأخذ المالك من المشتري عشرة دنانير ، فالخمسة الزائدة على الثمن المسمّى غرامة في مقابل العين.

القسم الثاني : أن تكون الغرامة الزائدة في مقابل ما استوفاه المشتري من منافع المبيع فضولا ، كما إذا أخذ المالك اجرة السكنى أو عوض اللبن أو الصوف أو الثمرة أو غيرها ممّا استوفاها المشتري من العين المبيعة له فضولا.

القسم الثالث : أن يكون الزائد على الثمن ممّا لم يحصل في مقابله نفع للمشتري. وهذه الأقسام الثلاثة ـ الراجعة إلى غير الثمن ممّا يغترمه المشتري للمالك ـ موضوعات لما يذكر من الأحكام.

(٢) أي : غير الثمن المسمّى الذي هو خمسة دنانير في المثال المذكور.

(٣) اسم «يكون» هو غير الثمن ، وخبره قوله : «في مقابل العين».

(٤) أي : القيمة السوقيّة التي هي في المثال خمسة كالثمن المسمّى.

(٥) أي : من المشتري ، فالقيمة المأخوذة من المشتري ـ على مثال المتن ـ زائدة على الثمن المسمّى بعشرة دنانير.

٥١٤

وإمّا (١) أن يكون في مقابل ما استوفاه المشتري ، كسكنى الدار ووطء الجارية واللبن والصوف والثمرة.

وإمّا (٢) أن يكون غرامة لم يحصل له (٣) في مقابلها نفع ، كالنفقة (٤) ، وما (٥) صرفه في العمارة ، وما (٦) تلف منه أوضاع (٧) من الغرس والحفر ، أو إعطائه (٨) قيمة للولد المنعقد حرّا ، ونحو ذلك ، أو نقص (٩) من الصفات والأجزاء.

______________________________________________________

(١) هذا هو القسم الثاني ، والضمير المستتر في «يكون» راجع إلى «غير الثمن».

(٢) هذا هو القسم الثالث ، وضمير «يكون» كسابقيه راجع إلى غير الثمن.

(٣) أي : لم يحصل نفع للمشتري في مقابل تلك الغرامة.

(٤) أي : كنفقة العبد والفرس والحمار إذا اشتراها المشتري من البائع الفضولي.

(٥) معطوف على «النفقة» يعني : وكالمال الذي صرفه المشتري في العمارة ، كما إذا كان المبيع دارا خربة ، وصرف في تعميرها مالا.

(٦) معطوف على «النفقة» يعني : وكالمال الذي تلف منه ، كتلف بعض الأشجار المغروسة في البستان عند المشتري. وضمير «منه» راجع إلى المبيع.

(٧) معطوف على «تلف» و «من» بيان ل «ما» الموصول في قوله : «ما تلف» يعني : ضاع عند المشتري بعض أراضي المبيع بصيرورته محفورا بالماء وغيره.

(٨) معطوف على «النفقة» يعني : وكإعطاء المشتري قيمة الولد المنعقد حرّا ، كما إذا كان المبيع فضولا أمة واستولدها المشتري ، فحينئذ يكون المولد حرّا ، ويلزم عليه أن يدفع قيمة الولد إلى مالك الأمة.

والظاهر أنّ مورد دفع قيمة الولد ـ كما سيصرّح به ـ هو جهل المشتري بالحال ليكون الولد حرّا للتبعية ، فلو كان عالما كان الولد رقّا ، لأنّه نماء الجارية يملكه السّيد ، ولا مورد لدفع قيمته حينئذ. وقد تقدم في ثمرات الكشف الحقيقي والحكمي بعض الكلام فيه ، فراجع (ص ٧٩ و ٨٤).

(٩) معطوف على قوله : «تلف» ، ونقص الصفات كنسيان العبد الكاتب الكتابة عند المشتري. ونقص الأجزاء كتلف بعض أوراق الكتاب عند المشتري ، وأخذ المالك من المشتري قيمته.

٥١٥

ثمّ المشتري (١) إن كان عالما فلا رجوع في شي‌ء من هذه الموارد ، لعدم الدليل عليه (٢).

وإن (٣) كان جاهلا ، فأمّا الثالث فالمعروف من مذهب الأصحاب ـ كما في الرياض ، وعن الكفاية ـ رجوع المشتري الجاهل بها (٤) على البائع ، بل في كلام

______________________________________________________

عدم الرجوع بالغرامات لو كان المشتري عالما

(١) هذا شروع في حكم الأقسام المزبورة ، وقال : انّ المشتري إن كان عالما بالفضولية وغاصبية البائع فلا رجوع له على البائع في شي‌ء من الموارد المزبورة ، لعدم الدليل على الضمان بعد إقدامه على ضرره.

(٢) أي : على الرجوع.

١ ـ رجوع المشتري الجاهل بما اغترمه على ما ينتفع به

(٣) معطوف على «إن كان» وحاصله : أنّه إن كان المشتري جاهلا بفضولية البائع ، ففي القسم الثالث ـ وهو قوله : «وإمّا أن يكون غرامة لم يحصل له في مقابلها نفع .. إلخ» ـ يكون المعروف من مذهب الأصحاب كما في الرياض : رجوع المشتري الجاهل بالفضولية على البائع الفضول بالغرامات المذكورة ، بل ادّعي الإجماع على الرجوع إلى البائع بالغرامات التي لم يحصل في مقابلها نفع للمشتري.

وفي السرائر قدس‌سره : أنّ المشتري يرجع على البائع بتلك الغرامات المذكورة في القسم الثالث قولا واحدا.

وفي كلام المحقق والشهيد الثانيين في كتاب الضمان : نفي الإشكال عن ضمان البائع الفضول لدرك ما يحدثه المشتري من أشجار غرسها في الأرض التي ابتاعها من الفضولي ، وقلعها مالك الأرض ، فإنّ خسارة قلع تلك الأشجار بعهدة البائع الفضول.

(٤) أي : بالغرامات المذكورة في القسم الثالث. قال في الرياض : «والمعروف من مذهب الأصحاب : أنّ للمشتري أن يرجع بما غرمه للبائع مما لم يحصل له في مقابلته عوض ، كقيمة الولد والنفقة والعمارة ونحو ذلك ، لمكان التغرير ، وترتب الضرر به مع

٥١٦

بعض (١) ـ تبعا للمحكي عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد ـ دعوى (٢) الإجماع على الرجوع (٣) بما لم يحصل في مقابله نفع.

وفي السرائر : «أنّه (٤) يرجع قولا واحدا» (١).

وفي كلام المحقّق والشهيد الثانيين في كتاب الضمان نفي الإشكال (٥) عن ضمان البائع لدرك (٦) ما يحدثه المشتري إذا قلعه المالك.

______________________________________________________

عدم جابر له من العوض» (٢).

وظاهر كلام الفاضل السبزواري الإجماع لا مجرّد المعروفية ، لقوله : «وذكر الأصحاب أنّ ما يغرمه المشتري ممّا لم يحصل له في مقابلته نفع .. فله الرجوع به على البائع» (٣).

(١) كصاحب الجواهر قدس‌سره لقوله : «والإجماع بقسميه». وقال السيد العاملي حاكيا لإجماع فخر الدين قدس‌سرهما : «ويرجع المشتري على البائع .. وبما اغترمه من نفقة أو عوض .. إجماعا أيضا كما في شرح الإرشاد» (٤).

وبهذا ظهر الوجه في الإتيان بكلمة «بل» في المتن ، لوضوح أنّ «المعروف» قد يوهم وجود المخالف في المسألة ، ويزول هذا الوهم بالتصريح بالإجماع.

(٢) مبتدء مؤخر ، وخبره المقدّم قوله : «في كلام بعض».

(٣) أي : رجوع المشتري على البائع بغرامات لم يحصل في مقابلها نفع للمشتري.

(٤) يعني : أنّ المشتري يرجع على البائع الفضول قولا واحدا ، وهو يدلّ على كون الحكم إجماعيا ، ذكر ذلك ابن إدريس قدس‌سره في قيمة الولد ، التي أخذها المالك من المشتري.

(٥) يعني : نفي الإشكال بحسب القواعد العلميّة.

(٦) أي : لخسارة ما يحدثه المشتري في أرض ابتاعها من الفضولي ، كما إذا غرس المشتري فيها أشجارا وقلعها المالك ، فإنّ البائع الفضول يضمن حينئذ دركها.

قال المحقق الثاني في شرح قول العلّامة قدس‌سرهما : «وفي ضمان البائع ذلك إشكال»

__________________

(١) السرائر ، ج ٢ ، ص ٤٩٣.

(٢) رياض المسائل ، ج ٢ ، ص ٣٠٧.

(٣) كفاية الأحكام ، ص ٢٦٠ ، السطر ٣٠ ، والحاكي السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٩.

(٤) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٣٠١ ، مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٩.

٥١٧

وبالجملة : فالظاهر عدم الخلاف في المسألة (١) ، للغرور (٢) (*) فإنّ البائع مغرّر

______________________________________________________

ما لفظه : «بل لا معنى لهذا الإشكال ، لأنّ الإشكال إن كان في ثبوت ذلك على البائع فلا وجه له ، لأنّ ذلك واجب. وإن كان في اقتضاء هذا الضمان ثبوته أيضا ليكون مؤكّدا فلا وجه له أيضا ، لأنّه ضمان ما لم يجب بعد» ونحوه كلام الشهيد الثاني قدس‌سره (١) فراجع.

(١) وهي رجوع المشتري الجاهل على البائع الفضول في القسم الثالث ، وهو : أن يكون غرامة لم يحصل للمشتري في مقابلها نفع.

(٢) قد استدلّ على رجوع المشتري الجاهل على البائع الفضول في القسم الثالث بوجوه :

الأوّل : قاعدة الغرور ، تقريبه في المقام : أنّ البائع الفضول قد أوقع المشتري في الغرامة المزبورة بسبب بيعه إيّاه ما ليس له ، من دون إعلام وبيان لحقيقة الحال. وهذا بخلاف البيع مع إعلام البائع أو علم المشتري بالحال ، إذ البائع لم يوقع المشتري حينئذ في خطر الضمان.

وهذه القاعدة مضمون النبوي المرسل : «المغرور يرجع على من غرّه» استدلّ به غير واحد ، قال الفاضل النراقي قدس‌سره : «وعموم قوله عليه‌السلام : المغرور يرجع على من غرّه. نقله المحقق الشيخ علي في حاشيته على الإرشاد. وضعفه غير ضائر ، لأنّ الشهرة بل الإجماع له جابر. بل هذه قاعدة مسلّمة بين جميع الفقهاء متداولة عندهم ، يستعملونها في مواضع متعددة ، كالغصب والتدليس في المبيع ، والزوجة ، والجنايات وأمثالها» (٢).

__________________

(*) قد استدلّ على اعتبار قاعدة الغرور بوجوه :

منها : الخبر المذكور. وفيه أوّلا : عدم ثبوت كونه كلام المعصوم عليه‌السلام.

وثانيا : عدم ثبوت انجباره على فرض صدوره ، لأنّ الجابر لضعف سند الرواية هو استناد المشهور إليها ، وهو أيضا غير ثابت.

ومنها : دعوى الإجماع محصّلا ومنقولا على رجوع المغرور على الغار.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٥ ، ص ٣٤٠ ، مسالك الأفهام ، ج ٤ ، ص ٢٠٥.

(٢) مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٩٦.

٥١٨

للمشتري ، وموقع إيّاه في خطرات الضمان ، ومتلف (١) عليه (٢) ما يغرمه ، فهو (٣) كشاهد الزور الذي يرجع إليه (٤) إذا رجع من شهادته.

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّه معطوف على «مغرّر» ومفسّر للغرور ، هذا ما يقتضيه السياق.

ويحتمل بعيدا أن يكون إشارة إلى دليل آخر لضمان البائع ، وهي قاعدة الإتلاف ، إذ لو كان كذلك كان المناسب أن يقول : «ولقاعدة الإتلاف» في قبال قوله : «للغرور».

(٢) هذا الضمير وضمير «إياه» راجعان إلى المشتري.

(٣) أي : فالبائع فيما نحن فيه يكون كشاهد الزور الذي يضمن ضرر المشهود عليه ذا اعترف ـ بعد تماميّة الحكم ـ ببطلان شهادته ، والرجوع عنها.

(٤) أي : يرجع إلى شاهد الزور في أخذ المال منه. قال المحقق قدس‌سره : «لو رجعا عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم. ولو رجعا بعد الحكم والاستيفاء لم ينقض الحكم ، وكان الضمان على الشهود» (١).

وعلّله صاحب الجواهر قدس‌سره بقوله : «الّذين هم السبب في الإتلاف على وجه القوّة على المباشر عرفا كما هو واضح» (٢).

__________________

وفيه : أنّه لم يثبت كونه إجماعا تعبديا ، لقوّة احتمال استناد المجمعين إلى الرواية المشار إليها ، أو إلى غيرها من الوجوه الآتية.

ومنها : أقوائية السبب من المباشر ، فالمغرور وإن كان مباشرا ، لكن الغارّ أقوى منه ، إذ لو لم يكن بيع الغارّ لم يقع المغرور في تلك الغرامات.

لكن فيه : أنّ هذه القاعدة تجري فيما إذا كان المباشر بمنزلة الآلة ، بأن يكون الفعل صادرا من المباشر بإرادة السبب. والمقام ليس كذلك ، لأنّ إقدامه على تعمير الدار الخربة مثلا يكون بإرادته واختياره.

ومنها : قاعدة نفي الضرر والضرار ، حيث إنّ الغارّ سبب لضرر المغرور ، فهو ضامن ، كما يدلّ عليه رواية «من أضرّ بطريق المسلمين فهو ضامن» (٣).

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٤ ، ص ١٤٢.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٤١ ، ص ٢٢٢.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٩ ، ص ١٨٠ ، الباب ٨ من أبواب موجبات الضمان ، ح ١.

٥١٩

ولقاعدة (١) نفي الضرر (*).

مضافا إلى ظاهر رواية جميل (٢) أو فحواها : «عن الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ، ثمّ يجي‌ء مستحقّ الجارية. قال : يأخذ الجارية المستحق ، ويدفع

______________________________________________________

ويدل عليه مرسل جميل بن دراج عن أحدهما عليهما‌السلام : «قال : في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم ، وقد قضى على الرّجل ، ضمنوا ما شهدوا به وغرموا. وإن لم يكن قضى طرحت شهادتهم ولم يغرموا الشهود شيئا» (١). وبمضمونه نصوص أخر ، فراجع.

(١) معطوف على «للغرور» وهذا هو الوجه الثاني من الوجوه الدالة على ضمان البائع الفضولي في القسم الثالث. ومحصل هذا الوجه هو : أنّ قاعدة نفي الضرر تقتضي ضمان البائع ، لأنّ عدم ضمانه لغرامات المشتري ضرر على المشتري ، فهذا العدم مرفوع ، فيثبت ضمان البائع.

(٢) هذا ثالث الوجوه الدالّة على ضمان البائع لغرامات المشتري ، توضيحه : أنّ الولد الحرّ إن عدّ نفعا عائدا إلى المشتري كانت الرواية دالّة بالفحوى على ما نحن فيه ،

__________________

(*) لا يخلو التمسك بقاعدة نفي الضرر لإثبات ضمان البائع عن الإشكال ، لأنّ هذه القاعدة من الأحكام النافية للمجعولات الشرعية التي ينشأ منها الضرر ، كوجوب الوضوء ولزوم البيع. وليست القاعدة مثبتة لحكم ، والضمان حكم وضعي لا تصلح القاعدة لإثباته.

والحاصل : أنّ عدم الضمان ليس من المجعولات الشرعية حتى يرتفع بالقاعدة ، هذا.

مضافا إلى : أنّ الضمان ضرر أيضا على البائع.

وإلى : أنّ القاعدة لا تجري مطلقا حتى في ما إذا اعتقد البائع مالكيته للمبيع ، فلم يقدم على الضرر الحاصل من ضمان غرامة المشتري. وقاعدة الغرور أيضا لا تجري في هذه الصورة ، وهي : ما إذا اعتقد البائع مالكيته ، بل في خصوص ما إذا اعتقد البائع بعدم مالكيته ، ويبيع مال الغير عدوانا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٢٣٨ ، الباب ١٠ من كتاب الشهادات ، ح ١ والباب ١١ ، ص ٢٣٩ ، الحديث ١ و ٢ و ٣.

٥٢٠