هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

أو بعد إتلافه إيّاه ، على الخلاف (١) في اختصاص عدم رجوع المشتري على الثمن بصورة التلف وعدمه (٢) ، لأنّ (٣) تسليط المشتري للبائع على الثمن قبل (٤) انتقاله إلى مالك المبيع (٥) بالإجازة ، فلا يبقى مورد للإجازة.

وما (٦) ذكره في الإيضاح ـ من (٧) احتمال تقديم حقّ المجيز ، لأنّه أسبق ، وأنّه

______________________________________________________

(١) بين الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم ، فإنّهم بين من يقول بأنّ عدم رجوع المشتري على البائع ـ الغاصب الفضولي ـ بالثمن مختص بصورة التلف عند الغاصب. ومن يقول بعدم رجوع المشتري على الغاصب بمجرّد تسليطه على الثمن ، سواء بقي عند الغاصب أم تلف. وسيأتي تفصيل الكلام في أحكام الردّ بقوله : «وإن كان عالما بالفضولية ، فإن كان الثمن باقيا استردّه .. وأمّا لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري ..» فلاحظ (ص ٤٧٨) وما بعدها.

(٢) يعني : وعدم اختصاص عدم رجوع المشتري على الغاصب بصورة التلف. فالمراد بالاختصاص هو عدم رجوع المشتري بالثمن مطلقا سواء بقي أم تلف.

(٣) تعليل لقوله : «وكذا الإشكال في إجازة العقد الواقع على المبيع» وقد تقدم تقريبه بقولنا : توضيحه أنّه بناء على ناقليّة الإجازة .. إلخ.

(٤) خبر قوله : «لأن تسليط» يعني : أن التسليط كان قبل انتقال الثمن إلى المالك الأصيل بسبب الإجازة ، إذ المفروض أنّ للإجازة دخلا في حصول النقل والانتقال ، ولم تصدر إلّا بعد التسليط الموجب لعدم دخول الثمن في ملك المالك الأصيل ، فلا يبقى مورد للإجازة.

(٥) أي : المبيع في البيع الأوّل ، و «بالإجازة» متعلق ب «انتقاله».

(٦) مبتدء متضمّن معنى الشرط ، وخبره جملة «فلم يعلم له وجه».

(٧) بيان ل «ما» الموصول. وغرضه من ذكر ما تقدّم في الإيضاح (ص ٤٣٥) من قوله : «ويحتمل أن يقال لمالك العين حق تعلق بالثمن .. إلخ» دفع إشكال إجازة المالك الأصيل للبيع الأوّل الواقع على المبيع المغصوب ، من : أنّه بناء على النقل يلزم كون البيع بلا ثمن ، وهو غير قابل للإجازة ، لعدم كونه بيعا حقيقة.

٤٤١

أولى من الغاصب المأخوذ بأشقّ الأحوال ـ فلم يعلم له وجه [فلم يعلم وجهه] بناء على النقل (١) ، لأنّ (٢) العقد جزء سبب لتملّك المجيز ، والتسليط المتأخّر عنه (٣) علّة تامّة لتملّك الغاصب ، فكيف يكون حقّ المجيز أسبق؟

نعم (٤) يمكن أن يقال : إنّ حكم الأصحاب بعدم استرداد الثمن ، لعلّه لأجل

______________________________________________________

توضيح ما أفاده الإيضاح في دفع الإشكال قد تقدم في محله مفصّلا. وملخصه : أنّه يحتمل أن يكون نفس عقد الفضول موجبا لحقّ لمالك المبيع المغصوب متعلّق بالثمن ، وهو حقّ تملّكه بالإجازة. وهذا الحق سابق على تسليط البائع الغاصب على الثمن ، فلا يكون هذا التسليط مانعا عن دخول الثمن في ملك مالك المبيع حتى يصير البيع بلا ثمن ، وغير قابل للإجازة ، فلا مانع حينئذ من إجازة المالك الأصيل البيع الأوّل الواقع على المبيع المغصوب.

(١) الذي تكون الإجازة ممّا له دخل في الأثر ، وهو النقل والانتقال ، بحيث لا يترتب الأثر على العقد إلّا بالإجازة.

(٢) تعليل لقوله : «فلم يعلم له وجه» ومحصّله : أنّ العقد جزء السبب لتملك المجيز للثمن ، وليس علّة تامّة له ، إذ المفروض دخل الإجازة في تأثير العقد. بخلاف التسليط فإنه علة تامة لتملّك الغاصب للثمن من دون توقفه على شي‌ء.

(٣) أي : عن العقد ، وهذا يكون كتزاحم المقتضي واللامقتضي.

(٤) غرضه تصحيح ما أفاده صاحب الإيضاح من : أنّ الإجازة ـ ولو على القول بناقليتها ـ توجب ملكية الثمن للمالك ، وتقدّم الإجازة على التسليط الموجب لملكية الثمن للغاصب ، بأن يقال : إنّ حكم الأصحاب بعدم استرداد المشتري ـ العالم بغصبية المبيع ـ الثمن من البائع الغاصب ليس لأجل كون التسليط علّة تامة لملكية الثمن للغاصب سواء أجاز المالك أم لا. بل مملّكية التسليط للثمن تكون مراعاة بعدم إجازة المالك ، فإذا أجاز المالك استحقّ الثمن ، فحينئذ يتجه كلام الإيضاح من : أنّه إذا أجاز المالك استحق الثمن ولو على القول بناقلية الإجازة.

والحاصل : أنّه لا يؤثر التسليط في ملكية الثمن للغاصب إلّا بعدم إجازة المالك ،

٤٤٢

التسليط المراعى بعدم إجازة مالك المبيع ، لا لأنّ (١) نفس التسليط علّة تامّة لاستحقاق الغاصب على تقديري الردّ والإجازة. وحيث إنّ حكمهم (٢) هذا مخالف للقواعد الدالّة على عدم حصول الانتقال بمجرّد التسليط المتفرّع على عقد فاسد (٣) ، وجب (٤) الاقتصار فيه (٥) على المتيقّن ،

______________________________________________________

فلا يكون التسليط مطلقا موجبا لملكية الثمن للغاصب حتى يسقط بيع الغاصب ـ لصيرورته بلا ثمن ـ عن قابليّة الإجازة.

(١) معطوف على «لأجل» يعني : أنّ حكم الأصحاب بعدم استرداد الثمن لعلّه لأجل التسليط المراعى ، لا لأنّ نفس التسليط علة تامّة لتملّك الغاصب على تقديري الردّ والإجازة ، حتى لا تؤثّر إجازة المالك في صحة البيع الأوّل ، للزوم كون البيع بلا ثمن.

(٢) أي : حكم الفقهاء بعدم جواز استرداد الثمن مع بقاء عينه عند الغاصب. وغرضه من جملة : «وحيث ان حكمهم هذا .. إلخ» تقوية الاحتمال الذي أشار إليه بقوله : «نعم يمكن أن يقال : إن حكم الأصحاب .. إلخ».

ومحصّل ما أفاده في وجه تقويته وإثباته هو : أنّه لمّا كان حكم الفقهاء بعدم جواز استرداد الثمن من الغاصب مع بقاء عينه مطلقا ـ حتى مع إجازة المالك الأصيل ـ مخالفا للقواعد المقتضية لحرمة أكل أموال الناس بالباطل ، لعدم كون مجرّد التسليط من الأسباب الناقلة الشرعية للأموال ، فلا محيص عن جعل مورد حكمهم هذا ـ الذي قيل إنّه إجماع ، وهو دليل لبي ـ خصوص المتيقن منه ، وهو صورة عدم إجازة المالك الأصيل للعقد الفضولي ، إذ لا وجه لجعل التسليط المتفرع على عقد فاسد مملّكا وناقلا للمال ، بل هو من مصاديق أكل المال بالباطل.

فلا بدّ من جعل مورد حكم الأصحاب ـ بعدم جواز استرداد الثمن مع وجوده من الغاصب ـ خصوص صورة عدم إجازة المالك لبيع ماله المغصوب.

(٣) وهو عقد الفضول الغاصب.

(٤) هذا بمنزلة الجواب لقوله : «وحيث إنّ».

(٥) أي : في الحكم المخالف للقواعد المقتضية لعدم كون مثل هذا التسليط مملّكا.

٤٤٣

وهو التسليط على تقدير عدم الإجازة (١) ، فافهم (٢).

______________________________________________________

(١) فيكون التسليط المملّك مركّبا من أمر وجوديّ ، وهو إعطاء الثمن إلى البائع الغاصب ، وعدميّ وهو عدم إجازة مالك المبيع المغصوب لبيع الغاصب الفضول. فمجرّد التسليط لا يكون مملّكا ، سواء أكانت الإجازة كاشفة أم ناقلة.

(٢) لعلّه إشارة إلى : أنّ تسليط المشتري ـ العالم بغاصبيّة البائع الفضول ـ لا يكون مقيّدا بعدم الإجازة ، بل علمه بالغصبية ـ ومع ذلك يدفع إليه الثمن ـ قرينة على الإطلاق ، وتسليطه الغاصب على الثمن مطلقا ، سواء أجاز المالك بيع الغاصب أم لا. فحمل التسليط على التسليط المقيّد بعدم الإجازة غير ظاهر.

أو إشارة إلى : أنّ المتيقن من حكمهم بعدم جواز استرداد الثمن هو : كون التسليط مع العلم بالغصب موجبا لعدم الضمان ولو تلف ، لانصراف أدلة الضمان من قاعدتي ضمان اليد والإتلاف عمّا إذا سلّطه المالك على ماله بكلّ تصرّف ولو كان متلفا ، وكان بعوض مال الغير ، ومن المعلوم أنّ عدم الضمان لا يدلّ على التمليك ، لعدم كونه لازما مساويا له ، بل أعمّ منه ، لكفاية الإذن في التلف في عدم الضمان مع بقائه على ملكه.

وبالجملة : لم يظهر من حكمهم ـ بعدم جواز استرداد الثمن من الغاصب ـ بناؤهم على ملكية الثمن للغاصب حتى يكون بيع الغاصب بيعا بلا ثمن.

هذا تمام الكلام في حكم المجاز ، وبه تمّ ما يتعلّق بالإجازة ، ويقع الكلام في ردّ عقد الفضولي ، وما يستتبعه من أحكام.

٤٤٤

مسألة (١):

في أحكام الردّ

لا يتحقّق الردّ (٢) قولا إلّا بقوله : «فسخت ورددت» وشبه ذلك (٣) ممّا هو صريح في الردّ ، لأصالة (٤) بقاء اللزوم

______________________________________________________

أحكام الرّد

أ : ما يتحقق به الرّد

(١) كان الأولى أن يقول «وأمّا الكلام في الرد» ليكون مقابلا لقوله في (ص ٥) «أمّا الكلام في الإجازة» وكيف كان فهذه المسألة تتكفل لما يتحقّق به ردّ عقد الفضول ولأحكام الردّ.

(٢) هذا بيان لما يتحقّق به الردّ ، وله مصداقان : قولي وفعلي. أمّا الردّ القولي فهو قوله : «فسخت ورددت» ونحوهما.

والظاهر من الأمثلة المذكورة في المتن أنّ المراد بالرّد أعمّ ممّا حصل بالإنشاء ، وممّا لم يحصل به ، من غير فرق بين الالتفات إلى كونه ردّا وبين عدمه ، والأوّل يسمّى بالرّد الحقيقي ، والثاني بالحكمي.

(٣) مثل «لا اخرج أو لا أنقل هذا المال عن ملكي» ونحوها ممّا هو صريح أو ظاهر عرفا في الرّد ، لعموم دليل اعتبار الظواهر ، وعدم خروج المقام عنه.

(٤) تعليل لاعتبار كون الردّ صريحا ، وحاصله : أنّ مقتضى استصحاب بقاء اللزوم من طرف الأصيل هو بقاؤه حتى يثبت الرّد بحجة من صراحة الردّ أو ظهوره ، فإنّ اللفظ

٤٤٥

من طرف الأصيل (*) وقابليّته (١) من طرف المجيز.

وكذا يحصل (٢) بكلّ فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف وشبههما ،

______________________________________________________

غير الصريح والظاهر في الرد يوجب الشك في زوال اللزوم الثابت بعموم (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، والاستصحاب يقتضي بقاءه من طرف الأصيل الذي هو أحد طرفي العقد الفضولي.

(١) معطوف على «اللزوم» يعني : ولاستصحاب بقاء قابلية العقد للزوم من طرف المجيز.

(٢) وأمّا الردّ الفعلي الذي تعرّض له بقوله : «وكذا يحصل» فهو على أنحاء :

أحدها : أن يكون موجبا للنقل عن ملك مالك المال الذي بيع فضولا ، كما إذا باعه المالك.

ثانيها : أن يكون ذلك الفعل متلفا للمال ، كما إذا كان المبيع من المأكولات ، وأكله المالك.

ثالثها : أن يكون ذلك الفعل شبيها بالمتلف كالعتق الذي هو فكّ للملك ، وليس إتلافا للعبد حقيقة عن صفحة الوجود ، ولكنه أوجد فيه صفة جعلته كالتالف من حيث عدم سلطنة المالك عليه ، لخروجه عن حيطة ملكيّته ، فلا سلطان له عليه بعد عتقه وإخراجه عن الرّقية.

رابعها : أن يكون ذلك الفعل شبيها بالناقل كالتزويج ، كما إذا زوّج الفضولي امرأة حرّة من زيد ، ثم زوّجت تلك المرأة نفسها من بكر ، فإن تزويجها نفسها بغير من زوّجها الفضولي به ـ وتسليطه على بعضها ـ بمنزلة النقل الموجب لردّ العقد الفضولي.

__________________

(١) ثبوت اللزوم في حقّه محل البحث والنظر ، فحدوثه غير معلوم حتى يجري الاستصحاب في بقائه ، وقد تقدم الكلام في ذلك في ثمرات الكشف والنقل فراجع (ص ١٠٧).

٤٤٦

كالعتق والبيع والهبة والتزويج (١) ونحو ذلك (٢).

والوجه في ذلك (٣) : أنّ تصرّفه (٤) بعد فرض صحّته مفوّت (٥) لمحلّ الإجازة ، لفرض خروجه عن ملكه.

وأمّا التصرّف غير المخرج عن الملك (٦) كاستيلاد الجارية ، وإجازة الدابة ، وتزويج الأمة ، فهو (٧) وإن لم يخرج الملك عن قابليّة وقوع الإجازة

______________________________________________________

(١) هذا مثال لشبه النقل ، والعتق مثال لشبه الإتلاف ، والبيع والهبة مثالان للنقل بلا عوض ومعه. ولم يذكر مثالا للإتلاف ، وهو كما إذا كان المبيع الفضولي مأكولا وأكله مالكه ، وقد مر تفصيل ذلك كلّه آنفا ، فإنّ هذه الأفعال وغيرها من نظائرها إذا صدرت عن إنشاء الرّد كإنشاء العقد كان الردّ حقيقيّا ، وإلّا كان حكميّا.

(٢) كالصلح للنقل ، وتحليل الأمة لشبهه بالتزويج ، والوقف لشبه الإتلاف.

(٣) يعني : أنّ الوجه في تحقق الفسخ بكلّ فعل مخرج للملك عن ملك مالكه الأصيل هو : أنّ تصرف الأصيل في المال المبيع فضولا ـ بعد البناء على صحته ـ مفوّت لمحلّ الإجازة ، إذ المفروض خروج المبيع عن ملكه ، فلا ملك له حتى يصحّ له الإجازة.

ثم إنّ هذه العلة لعدم صحة الإجازة مشتركة بين إنشاء الرد بالفعل المخرج للمبيع فضولا عن ملك مالكه ، وبين عدم إنشائه لغفلة أو غيرها ، لاشتراك فوات محل الإجازة بينهما ، فإنّ التصرف المخرج عن الملك يفوّت موضوع الإجازة ، وهو كون المجيز مالكا حين الإجازة.

(٤) أي : تصرّف المالك ، وضمير «صحته» راجع إلى «تصرفه».

(٥) خبر «أنّ» ، ومجموع الجملة خبر «والوجه في ذلك».

(٦) أي : عن ملك المالك ، كما إذا استولد جاريته بعد أن باعها الفضولي ، وكما إذا آجر دابّته بعد أن باعها الفضولي ، وكما إذا زوّج أمته بعد أن باعها الفضولي.

(٧) جواب «وأمّا» أي : فالتصرف غير المخرج عن ملك المالك الأصيل ، ومحصّل ما أفاده في حكم تصرف المالك في ماله الذي بيع فضولا تصرفا غير مخرج له عن ملكه هو : أنّ هذا التصرّف وإن لم يكن مخرجا للمبيع فضولا عن الملك ، لكنّه مخرج له عن قابليّته للإجازة بناء على الكشف ، لأنّ صحّة الإجازة الكاشفة عن وقوع العقد الفضولي

٤٤٧

عليه (١) ، إلّا أنّه مخرج له (٢) عن قابليّة وقوع الإجازة من زمان العقد ، لأنّ (٣) صحّة الإجازة على هذا النحو (٤) توجب وقوعها باطلة ، وإذا فرض وقوعها (٥) صحيحة منعت عن وقوع الإجازة (*).

______________________________________________________

صحيحا ومؤثّرا من حين صدوره توجب وقوع الأفعال الصادرة من المالك المجيز ـ من استيلاد الجارية وإجازة الدابة وتزويج الأمة ـ باطلة ، لوقوعها في غير محلّها ، لأنّ صحة العقد الفضولي توجب وقوع هذه التصرّفات في غير ملكه ، فهي باطلة ، إذ لو كانت صحيحة لمنعت عن صحة الإجازة ، لامتناع صحتها مع صحة تلك التصرّفات الصادرة من المالك ، إذ الجمع بينهما جمع بين المتنافيين ، فلا بدّ إمّا من صحة الإجازة الكاشفة عن صحة البيع الفضولي ، أو صحة تصرفات المالك.

(١) متعلق ب «وقوع» والضمير راجع إلى العقد الفضولي ، ويمكن رجوعه إلى الملك.

(٢) أي : للملك ، وضمير «انه» راجع إلى التصرف غير المخرج.

(٣) تعليل لقوله : «مخرج له عن قابلية الإجازة .. إلخ» وقد اتضح تقريب هذا التعليل بقولنا : «لأنّ صحة الإجازة الكاشفة عن وقوع العقد الفضولي صحيحا» وحاصله : كون صحة الإجازة على الكشف وصحة تصرفات المالك ـ من استيلاد الجارية وغيره ـ جمعا بين المتنافيين.

(٤) وهو كون الإجازة كاشفة ، فإنّها توجب وقوع استيلاد الجارية وغيرها باطلة.

(٥) ضمير «وقوعها» في الموردين راجع إلى استيلاد الجارية وغيره.

__________________

(*) الحق صحة تلك التصرفات مطلقا سواء أكانت الإجازة ناقلة أم كاشفة. أمّا على النقل فلصدور تلك التصرفات من المالك غير المحجور عن التصرف في ماله ، فلا وجه لعدم صحتها مع عدم تعلّق حقّ أحد بها. وأمّا على الكشف فلكون المالك جائز التصرف في ماله ما لم يجز البيع الفضوليّ ، فإذا أجاز قبل أن يتصرّف بأحد تلك التصرفات كانت الإجازة نافذة ، والعقد الفضولي لازما ، وتلك التصرفات باطلة.

وأمّا إذا تصرّف قبل الإجازة فلا يبقى مورد لها ، لأنّ الإجازة إنّما تؤثر فيما إذا كان المجيز مالكا لولا الإجازة ، والمفروض أنّه ليس كذلك ، لارتفاع مالكيّته قبل الإجازة ، فليس

٤٤٨

والحاصل (١) : أنّ وقوع هذه الأمور صحيحة مناقض (٢) لوقوع الإجازة لأصل العقد ، فإذا وقع أحد المتنافيين (٣) صحيحا فلا بدّ من امتناع وقوع الآخر (٤) ، أو إبطال (٥) صاحبه ، أو إيقاعه (٦) على غير وجهه. وحيث لا سبيل إلى الأخيرين

______________________________________________________

(١) يعني : وحاصل الكلام في التصرفات غير المخرجة عن الملك هو : أنّ صحة التصرفات المذكورة تناقض صحة إجازة العقد الفضولي ، فإذا صحّ أحدهما ـ كالتصرفات ـ فلا بدّ أن يمتنع وقوع الآخر أعني به الإجازة ، أو يبطل تلك التصرفات ، أو يقع الآخر اعني به الإجازة على غير وجهه ، بأن يبنى على انتقال المبيع إلى المشتري في العقد الفضولي بعد انقضاء مدّة إجارة الدابة ، لا من حين وقوع العقد فضولا ، أو انتقاله إلى المشتري مسلوب المنفعة في زمان الإجارة.

وحيث إنّه لا وجه للمصير إلى الأخيرين ـ وهما إبطال صاحبه وإيقاعه على غير وجهه ، لأنّهما من الاحتمالات التي لا يساعدها دليل في مقام الإثبات ـ فالمتعيّن هو القول بفساد الإجازة.

(٢) خبر «أن وقوع» ، وقوله «صحيحة» حال من «الأمور».

(٣) كالتصرفات غير المخرجة عن الملك إذا وقعت صحيحة.

(٤) وهو إجازة العقد الفضولي ، وامتناع وقوعه يكون لمنافاته لصحة تلك التصرفات.

(٥) معطوف على «امتناع» أي : إبطال الآخر ـ وهو الإجازة ـ لتلك التصرفات.

(٦) معطوف على «امتناع» أي : إيقاع الآخر ـ وهو الإجازة ـ على غير وجهه ، وهو ما تقدم آنفا بقولنا : «بأن يبنى على انتقال المبيع إلى المشتري في العقد الفضولي .. إلخ».

__________________

مالكا حال الإجازة ، وصار أجنبيّا عن المال ، فلا أثر لإجازته.

والحاصل : أنّ مقتضى عموم أدلة الصحة مثل «(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)» هو البناء على صحة تلك التصرفات ، والحكم بعدم بقاء مورد للإجازة.

وإن شئت فقل : إنّ نفوذ عقد المالك في ماله تنجيزيّ ، ونفوذ عقد الفضول في ماله تعليقي ، لأنّه معلّق على إجازته ، فإذا تصرّف في ماله قبل إجازته لعقد الفضول لا يبقى مورد لإجازته.

٤٤٩

تعيّن الأوّل (١).

وبالجملة (٢) : كلّ ما يكون باطلا على تقدير لحوق الإجازة المؤثّرة من حين العقد ، فوقوعه صحيحا مانع (٣) من لحوق الإجازة ، لامتناع اجتماع المتناقضين (٤).

نعم (٥) لو انتفع المالك بها قبل الإجازة بالسّكنى واللبس ، كان عليه اجرة المثل إذا أجاز ، فتأمّل (٦).

______________________________________________________

(١) وهو امتناع وقوع الآخر أعني به الإجازة على الفرض.

(٢) يعني : وحاصل الكلام أنّ الضابط في المقام هو : أنّ كلّ تصرف يكون باطلا على تقدير صحة الإجازة المؤثّرة في العقد الفضولي من حين وقوعه ـ إذا فرض وقوع ذلك التصرف صحيحا ـ فهو مانع من لحوق الإجازة ، لامتناع اجتماع المتناقضين ، فإنّه لا يجتمع صحة بيع الجارية فضولا من زيد مثلا مع صحة تزويج مالكها إيّاها من عمرو. وهكذا سائر الأمثلة المتقدّمة ، فإنّ صحة البيع الفضولي في هذه الأمور تنافي صحة تصرفات المالك فيها.

(٣) خبر «فوقوعه» والجملة خبر قوله : «كلّ ما يكون».

(٤) وهما صحة تلك التصرفات ، وصحة إجازة العقد الفضولي.

(٥) استدراك على التصرف غير المخرج عن الملك ، وحاصل الاستدراك هو : أنّ التصرف الخارجي الصادر من المالك في ماله الذي بيع فضولا ، لا ينافي صحة إجازته للعقد الفضولي ، كما إذا انتفع المالك قبل الإجازة بالسكنى في داره التي بيعت فضولا ، أو بلبس ثوبه الذي بيع فضولا ، فإنّ مثل هذا التصرف الخارجي لا ينافي صحة الإجازة ، غاية الأمر أنّه إذا أجاز العقد الفضولي بعد هذا التصرف فعليه اجرة المثل للمشتري ـ عوضا عمّا استوفاه من منفعة السكنى واللّبس ، لقاعدة الاستيفاء ـ بناء على كاشفية الإجازة ، إذ بناء على النقل لم يتصرف في ملك المشتري ، وإنّما تصرّف في ملك نفسه.

والظاهر أنّ مراد المصنف قدس‌سره من ثبوت اجرة المثل للمشتري الذي اشترى المال من الفضولي هو ثبوتها بناء على كاشفية الإجازة ، لا ناقليتها.

(٦) لعلّه إشارة إلى : أنّه بناء على النقل لا يثبت على المالك اجرة المثل للمشتري ، لأنّه انتفع بملكه لا بملك المشتري. وبناء على الكشف يمكن أن يقال : إنّ المبيع الفضولي

٤٥٠

ومنه (١) يعلم أنّه لا فرق بين وقوع هذه (٢) مع الاطّلاع على وقوع العقد ، ووقوعها (٣) بدونه ، لأنّ (٤) التنافي بينهما واقعيّ.

ودعوى (٥) «أنّه لا دليل على اشتراط قابليّة التأثير من حين العقد في الإجازة ،

______________________________________________________

انتقل إلى المشتري مسلوب المنفعة.

فعلى كلا القولين في الإجازة لا تشتغل ظاهرا ذمة المالك بالأجرة للمشتري.

وجعل وجه التأمل عدم الفرق بين انتفاع المالك بالسكنى واللبس وبين الإجارة والاستيلاد بعيد ، لأنّ الانتفاع بمال الغير ما لم يكن يتبرّع المالك يوجب الضمان ، لقاعدة الاستيفاء ، وليس الضمان منوطا بإباحة التصرفات.

(١) أي : ومن منافاة صحة الإجازة وتلك التصرفات معا ـ وكون صحتهما جمعا بين المتناقضين ـ يعلم : أنّه لا فرق في وجود هذه المنافاة بين وقوع تلك التصرفات مع اطّلاع المالك الأصيل على وقوع العقد من الفضول ، ووقوعها بدون اطّلاعه على وقوعه ، وذلك لوضوح كون التنافي بين صحتها وصحة الإجازة واقعيّا غير منوط بالعلم بوجود العقد وعدمه.

(٢) أي : التصرفات غير المخرجة عن الملك.

(٣) معطوف على «وقوع» أي : وقوع تلك التصرفات بدون الاطلاع على وقوع العقد.

(٤) تعليل لعدم الفرق ، وقد مرّ توضيحه آنفا بقولنا : «وذلك لوضوح».

(٥) الغرض من هذه الدعوى دفع التنافي بين صحة تلك التصرفات وصحة الإجازة. توضيح الدعوى : أنّ منشأ التنافي اعتبار كون الإجازة مصححة للعقد الفضولي من حين وقوعه بناء على الكشف ، إذ يمتنع حينئذ صحة التصرفات والإجازة من حين العقد ، لعدم تعقّل صحة الإجازة من حينه ـ الموجبة لانتقال المبيع إلى المشتري حين العقد ـ مع صحة التصرفات من المالك ، لوقوعها في ملك المشتري.

كما إذا آجر زيد يوم الجمعة داره التي باعها الفضولي يوم الخميس ، وأجاز مالك الدار عقد الفضول يوم السبت ، فإنّ صحة الإجازة تقتضي صحة عقد الفضول من يوم الخميس ، وذلك يستلزم وقوع الإجارة في ملك المشتري ، فلا بدّ من تأثير الإجازة من حين وقوعها ، لا من حين وقوع العقد ، فيحكم بصحة تصرفات المالك إلى زمان الإجازة ،

٤٥١

ولذا (١) صحّح جماعة (٢) ـ كما تقدّم ـ إجازة المالك الجديد في من باع شيئا ثمّ ملكه» مدفوعة (٣) بإجماع أهل الكشف على كون إجازة المالك حين العقد مؤثّرة من حينه.

نعم (٤) لو قلنا بأنّ الإجازة كاشفة بالكشف الحقيقي الراجع إلى كون المؤثّر التامّ هو العقد الملحق بالإجازة ، كانت (٥) التصرّفات مبنيّة على الظاهر (٦) ، وبالإجازة

______________________________________________________

وبصحة العقد من الزمان الواقع بعد الإجازة.

(١) يعني : ولأجل عدم الدليل على اعتبار كون الإجازة مؤثّرة للعقد من حين صدوره ذهب جمع من الأصحاب إلى صحّة إجازة المالك الجديد في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» مع عدم كونه مالكا حين صدور العقد الفضولي حتى تكون إجازته مؤثرة في العقد من حين وقوعه.

(٢) كالمحقق والشهيد والصيمري ، كما تقدم في (ص ٢٤٩) ، فراجع.

(٣) خبر ل «دعوى» ودفع لها ، وحاصله : أنّ القائلين بكاشفية الإجازة قد ادّعوا الإجماع على أنّ إجازة من يكون مالكا حين العقد الفضولي مؤثّرة من حين وقوعه ، وإجازة من لا يكون مالكا حين العقد تؤثّر بعد دخول المبيع فضولا في ملكه.

والحاصل : أنّه بناء على الكشف الحقيقي ـ الذي مرجعه إلى كون العقد الملحق به الإجازة مؤثّرا تامّا ـ تكون تصرفات المالك الأصيل قبل الإجازة مبنيّة على الظاهر ، لأنّ المبيع الفضولي قبل إجازة المالك محكوم ظاهرا بكونه ملكا لمالكه ، فتصرّفاته قبل إجازته محكومة ظاهرا بوقوعها في ملكه ، وبالإجازة ينكشف وقوعها في ملك غيره.

(٤) استدراك على كون الإجازة مؤثّرة من حين العقد كما ادّعي الإجماع على ذلك ، وحينئذ يحكم بصحة تصرفات المالك حكما ظاهريّا. فإن لم يجز المالك عقد الفضول كانت تصرّفاته من استيلاد الجارية وإجارة الدابة وتزويج الأمة صحيحة واقعا ، وإن أجاز انكشف بطلانها وصحة الإجازة.

(٥) جواب قوله : «لو قلنا».

(٦) وهو صحة تصرفات المالك واقعا إن لم يجز ، وإن أجاز انكشف بطلانها وصحة الإجازة. هذا إذا لم يقصد المالك بتلك التصرفات ردّ عقد الفضول ، وإلّا كانت ردّا له ، فتصحّ تلك التصرفات وتبطل الإجازة.

٤٥٢

ينكشف عدم مصادفتها للملك ، فتبطل هي (*) وتصحّ الإجازة.

بقي الكلام في التصرّفات غير (١) المنافية لملك المشتري من حين العقد ، كتعريض المبيع للبيع ، والبيع الفاسد ، وهذا (٢) أيضا على قسمين ، لأنّه إمّا أن يقع حال التفات المالك إلى وقوع العقد من الفضوليّ على ماله ، وإمّا أن يقع في حال عدم الالتفات.

أمّا الأوّل (٣) ، فهو ردّ فعليّ للعقد ،

______________________________________________________

(١) هذا هو القسم الثالث من تصرّفات المالك في المبيع الفضولي ، وهو التصرف غير المنافي لملك المشتري ـ أي المشتري من البائع الفضول ، كتعريض المالك الأصيل المبيع للبيع ، والعقد الفاسد ـ في قبال القسمين الأوّلين ، وهما التصرّف المخرج عن ملك المالك الأصيل ، والتصرف غير المخرج عن الملك والمخرج عن قابلية الإجازة ، فإنّ التصرف في المبيع الفضولي من مالكه الأصيل ـ كتعريضه للبيع وكإنشاء عقد فاسد عليه ـ لا ينافي ملكية المبيع للمشتري ملكية متزلزلة. وهذا القسم من التصرف يكون على نحوين :

أحدهما : أن يقع حال التفات مالك المبيع إلى وقوع عقد الفضولي عليه.

ثانيهما : أن يقع في حال عدم الالتفات إلى العقد المزبور.

(٢) أي : التصرف غير المنافي لملك المشتري يكون كالتصرّف غير المخرج عن الملك المنافي لوقوع الإجازة من زمان العقد المنقسم إلى قسمين ، وهما اطلاع المالك على وقوع عقد من الفضولي على ماله ، وعدم اطلاعه على وقوعه.

(٣) وهو وقوع التصرّف غير المنافي لملك المشتري من مالك المبيع ، مع التفاته إلى وقوع عقد من الفضولي على ماله. وهذا التصرّف مع اقترانه بالالتفات ردّ فعلي للعقد الفضوليّ.

__________________

(*) ويمكن أن يقال : إنّ صحة الإجازة ـ بناء على الكشف الحقيقي ـ توجب فضولية تلك التصرفات ، لوقوعها في ملك المشتري ، فصحّتها حينئذ موقوفة على إجازة المشتري ، إلّا في الاستيلاد إذا كان قبل عقد الفضول ، فلا يحكم ببطلانها بحيث لا تصلح للصحة التأهلية القابلة للإجازة.

٤٥٣

والدليل على إلحاقه (١) بالرّد القولي ـ مضافا (٢) إلى صدق الرّد عليه (٣) (*) فيعمّه (٤) ما دلّ على أنّ للمالك الرّد ، مثل (٥) ما وقع في نكاح العبد والأمة بغير إذن مولاه ، وما (٦) ورد في من زوّجته أمّه وهو غائب ،

______________________________________________________

(١) أي : إلحاق التصرف الفعلي ـ غير المنافي لملك المشتري مع وقوعه حال التفات المالك إلى وقوع العقد من الفضولي ـ بالردّ القوليّ.

ومحصّل ما أفاده : أنّ الدليل على إلحاقه أمور ثلاثة :

أحدها : أنّ مفهوم الردّ الذي ليس له حقيقة شرعية ـ بل هو من المفاهيم العرفية ـ صادق على هذا التصرف غير المنافي لملك المشتري ، فهو كالرّد القولي من مصاديق الردّ ، ويكون محكوما بحكمه.

(٢) هذا إشارة إلى الدليل الأوّل ، والمتقدّم آنفا بقولنا : «أحدها : ان مفهوم .. إلخ».

(٣) أي : على التصرف غير المنافي لملك المشتري ، كالتعريض للبيع ، والبيع الفاسد.

(٤) بعد أن أثبت كون التصرف غير المنافي لملك المشتري مصداقا للرّد ، تشبّث لاعتبار كونه ردّا شرعا بعموم ما دلّ على أنّ للمالك حقّ ردّ العقد الفضولي ، مثل ما ورد في نكاح العبد والأمة بغير إذن مولاه.

(٥) وهو ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده؟ فقال عليه‌السلام : ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه ، وإن شاء فرّق بينهما» الحديث (١).

(٦) مجرور محلّا عطفا على الموصول في «مثل ما». وغرضه الإشارة إلى ما رواه

__________________

(*) بناء على الملازمة بين الالتفات وقصد الردّ. لكن الملازمة ممنوعة ، لوضوح أنّ الالتفات لا يدلّ على قصد الرّدّ ، مع إمكان أن يكون التعريض للبيع لغرض غير الرّد ، كالاطّلاع على السعر. فما لم يحرز دلالة الفعل على الردّ لا يحكم بكونه ردّا للعقد الفضوليّ ، فلا يردّ العقد بمجرّد التعريض للبيع والعقد الفاسد ، فلو أجاز بعد هذين التصرفين كانت الإجازة في محلّها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ١.

٤٥٤

من قوله عليه‌السلام : «إن شاء قبل ، وإن شاء ترك» (*).

إلّا (١) أن يقال : إنّ الإطلاق مسوق لبيان أنّ له الترك ، فلا تعرّض فيه (٢)

______________________________________________________

محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «أنّه سأله عن رجل زوّجته امّه وهو غائب؟ قال : النكاح جائز ، إن شاء المتزوج قبل ، وإن شاء ترك. فإن ترك المتزوّج تزويجه فالمهر لازم لأمّه» (١).

فإنّ إطلاق التفريق في الرواية الاولى والرّد في الرواية الثانية يشمل الرّد الفعلي ، فإنّ المراد بالتفريق هو التفريق في الزوجية ، فيشمل إطلاقه الرّد الفعلي في الجملة. وليس صريحا ولا ظاهرا معتدا به في كون مثل التعريض للبيع ردا للعقد الفضولي.

(١) غرضه منع الإطلاق ، وعدم صحة التمسك بهاتين الروايتين لإثبات الردّ الفعلي ، ببيان : أنّ الروايتين سيقتا لبيان مشروعية الرّد ، لا لبيان كيفية الرّد حتى يكون له إطلاق من هذه الجهة ، ويقال : إنّ الرد يتحقق بكل من القول والفعل.

وعليه فإثبات الرّد الفعلي بهما مشكل.

(٢) أي : لا تعرّض في قول الامام عليه‌السلام «إن شاء فرّق ، إن شاء ترك» لكيفية الردّ.

__________________

(*) لا يخفى أن التمسك بهذه الروايات لصحة عقد الفضولي أولى من التشبث بها لمصداقية مثل التعريض للبيع لرد العقد ، لأنّه من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية ، ضرورة أنّ الروايات لا تدلّ ـ ظاهرا ـ إلّا على كون الفعل كالقول مصداقا للرد شرعا. وأمّا التعريض للبيع فلا تدلّ الروايات على كونه ردّا إلّا بناء على صحة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، أو بناء على ظهور التعريض مع الالتفات عرفا في الرد.

وكلاهما ممنوع. أمّا الأوّل فلما ثبت في محلّه من عدم جواز التمسك بالدليل في الشبهات المصداقية.

وأمّا الثاني فلما عرفت في التعليقة السابقة من منع الملازمة بين الالتفات إلى العقد الفضولي وقصد الرد بالتعريض. ولو شك في كونه ردّا للعقد الفضولي فلا مانع من جريان استصحاب العقد ، وعدم انحلاله بالتعريض للبيع ونحوه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢١١ ، الباب ٧ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، ح ٣.

٤٥٥

لكيفيّته ـ أنّ (١) المانع من صحّة الإجازة بعد الردّ القولي موجود (*) في الردّ الفعلي ، وهو (٢) خروج المجيز بعد الرّد عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد.

مضافا (٣) إلى فحوى الإجماع (١) المدّعى على حصول فسخ ذي الخيار بالفعل

______________________________________________________

(١) خبر لقوله : «والدليل». ثم إنّ هذا ثاني الأمور الثلاثة التي استدلّ بها على حصول الرّد بالفعل ، ومحصله : اشتراك المانع من صحة الإجازة ـ بعد الردّ القوليّ ـ بين الردّ القولي والردّ الفعلي ، وهذا الاشتراك يقتضي أن يكون الردّ الفعلي كالقولي في كونه هدما للعقد. وذلك المانع المشترك خروج المجيز بعد الردّ عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد.

وبالجملة : ملاك الرّد القولي بعينه موجود في الردّ الفعلي ، فلا محيص عن الالتزام بكون الردّ الفعلي كالقولي مسقطا للعقد عن قابلية لحوق الإجازة به.

(٢) أي : المانع عن صحة الإجازة بعد الردّ ، وضمير «كونه» راجع إلى «المجيز».

(٣) هذا ثالث الأمور التي استدلّ بها على إثبات الرّد الفعلي ، ومحصله : التشبث بالأولوية. توضيحه : أنّه قد ادّعي الإجماع على حصول فسخ ذي الخيار بالفعل كالوطي ، فيما إذا باع أمته بشرط الخيار ، ووطأها أو باعها أو أعتقها في زمن الخيار ، فإنّ الوطي والبيع والعتق تفسخ البيع. فإذا كان الفعل موجبا لانفساخ العقد الثابت ، كان موجبا لانفساخ العقد الفضولي ـ المتزلزل حدوثا ـ بطريق أولى ، لكون الدفع أهون من الرفع.

__________________

(*) هذا متجه بعد تسلّم كون الفعل كالقول ردّا للعقد الفضولي. وهذا أوّل الكلام ومصادرة. فاللازم أوّلا إثبات كون الفعل ممّا يتحقق به الردّ ، ثم ترتيب آثار الردّ القولي عليه.

نعم إذا ثبت كون الردّ الفعلي كالقولي ـ بحجة شرعية أو عقلية ـ كان خروج المجيز بعد الردّ الفعلي عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد ـ كخروجه عنه بعد الردّ القولي ـ في محلّه.

__________________

(١) المدعي للإجماع جماعة كشيخ الطائفة في المبسوط ، ج ٢ ، ص ٨٣ ، وابن زهرة في الغنية ، ص ٥٢٦ (الجوامع الفقهية) وابن إدريس في السرائر ، ج ٢ ، ص ٢٤٨.

٤٥٦

كالوطي والبيع والعتق (*) ، فإنّ (١) الوجه في حصول الفسخ هو دلالتها على قصد فسخ البيع ، وإلّا (٢) فتوقّفها (٣) على الملك لا يوجب حصول الفسخ بها ، بل يوجب بطلانها ، لعدم (٤) حصول الملك المتوقّف على الفسخ قبلها حتّى تصادف الملك.

______________________________________________________

(١) غرضه بيان وجه حصول الفسخ بهذه التصرفات ، وحاصل وجهه هو دلالة تلك التصرفات عرفا على أنّ المتصرف بها ـ مع الالتفات ـ قاصد لفسخ العقد بها ، وظواهر الأفعال كظواهر الألفاظ حجة عند العقلاء.

وليس وجهه توقف تلك التصرفات ـ أعني بها الوطي والبيع والعتق ـ على الملك ، على ما عن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا عتق إلّا في ملك ، ولا بيع إلّا في ملك ، ولا وطء إلّا في ملك». وذلك لأنّ مقتضى التوقف المزبور بطلان تلك التصرفات ، لعدم تحقق شرطها ، وهو الملك المتوقف على حصول الفسخ قبل تلك التصرفات حتى تقع في ملكه.

وبالجملة : فالوجه في حصول الفسخ بها هو دلالتها عرفا على قصد الفسخ.

(٢) أي : وإن لم يكن الوجه في الرّد دلالتها على الفسخ ـ بل كان الوجه في ذلك توقّف تلك التصرفات على الملك ـ اقتضى ذلك الوجه بطلانها ، لوقوعها في ملك غيره ، لا حصول الفسخ بها.

(٣) هذا الضمير وكذا ضميرا «بها ، بطلانها» راجعة إلى الوطء والبيع والعتق.

(٤) تعليل لبطلان تلك التصرفات ، فإنّ شرط صحتها ـ وهو الملك المتوقف على حصول الفسخ قبلها حتى تقع في الملك ـ لم يتحقق ، فلا محالة تقع باطلة.

__________________

(*) لا وجه لقياس المقام بهذه الأمور ، فإنّ حصول الفسخ بها حكم ظاهري تقتضيه أصالة الصحة التي هي مفقودة في مثل تعريض المبيع للبيع. أمّا حصول الفسخ بها واقعا فهو منوط بقصد إنشاء الفسخ بالوطي وأخويه.

والحاصل : أن الأولويّة المدّعاة غير ظاهرة.

٤٥٧

وكيف (١) كان فإذا صلح الفسخ الفعليّ لرفع أثر العقد الثابت المؤثّر فعلا ، صلح (٢) لرفع أثر العقد المتزلزل ـ من حيث الحدوث ـ القابل للتأثير بطريق أولى (*).

______________________________________________________

(١) يعني : سواء أكانت تلك التصرفات ردّا للعقد أم لا ، نقول : إذا فرض كون فعل صالحا لرفع أثر العقد الثابت المؤثّر فعلا كما في العقد الخياري ، كان صالحا لرفع العقد الفضولي المتزلزل حدوثا بطريق أولى ، فإن الردّ في المقام دفع ، وفي العقد الخياري رفع ، والدفع أهون منه.

(٢) جواب «فإذا أصلح» ، و «بطريق أولى» متعلّق ب «صلح».

__________________

(*) إن كان منشأ ارتفاع قالية العقد للإجازة بسبب الردّ هو الإجماع ، فالمتيقن منه الرّد القولي مع الإنشاء. وإن كان منشؤه عدم قابلية العقد لأن يضاف إلى المالك الأصيل بالإجازة في محيط العقلاء ، فالظاهر أنّه لا تفاوت حينئذ بين الردّ القولي والفعلي. ولا يبعد أن يكون هذا مدرك الإجماع على فرض وجوده ، إذ من البعيد أن يكون هناك إجماع تعبدي.

إلا ان يقال : انّ بناء العقلاء أيضا دليل لبي يكون القدر المتيقن منه هو الرد القولي. وعليه فلا دليل على الرد الفعلي بحيث يمنع عن إجازة المالك ، فاستصحاب بقاء العقد في محله.

ولا ينبغي الارتياب في عدم كون فعل مثل التعريض للبيع بدون الالتفات إلى العقد الفضولي ردّا ، مع البناء على كون ردّ العقد الفضولي كفسخ العقد الخياري والإجازة من الإنشائيات.

إلّا إذا دلّ دليل على كون فعل بمجرّده ردّا ، كما في الرجوع في عدة الطلاق الرجعي ، فإنّ النص المعتبر قد دلّ على أنّ إنكار الطلاق بنفسه رجوع إلى النكاح ، وإن لم يكن الراجع ملتفتا إلى وقوع الطلاق حتى يقصد الرجوع وإنشاءه بإنكاره. ولا وجه للتعدي عن مورد النص وهو الطلاق إلى سائر الموارد ، ففي غير الطلاق لا بدّ في صدق عنوان الردّ من الإنشاء المتوقف على القصد.

بل يمكن أن يقال ـ كما قيل ـ : إنّ الوجه في كون الإنكار رجعة هو ما ثبت في محله

٤٥٨

وأمّا الثاني (١) ـ وهو ما يقع في حال عدم الالتفات ـ فالظاهر عدم تحقّق الفسخ به ، لعدم (٢) دلالته على إنشاء الرّد ، والمفروض عدم منافاته أيضا للإجازة

______________________________________________________

(١) عطف على «أمّا الأوّل» أي : القسم الثاني من التصرفات غير المنافية لملك المشتري ، وهو ما يقع من المالك في حال عدم التفاته إلى ما وقع على ماله من العقد الفضوليّ ، وحاصل ما أفاده المصنف قدس‌سره في ذلك هو : عدم تحقق فسخ العقد الفضوليّ به ، لعدم المقتضي له ، إذ المفروض أنّه مع عدم الالتفات إلى العقد الفضوليّ لا يدلّ فعله على ردّ العقد ، فلا موجب لكونه إنشاء لردّه.

(٢) تعليل لعدم تحقق الفسخ به ، وحاصله : أنّ الرّد من الإنشائيّات المتقوّمة بالقصد ، ومع عدم الالتفات ـ كما هو المفروض ـ لا قصد ، فلا ردّ حقيقة. كما أنّه ليس بحكم الرّد أيضا ، بأن يكون مفوّتا لمحلّ الإجازة ، كاستيلاد الأمة ، لعدم منافاته للإجازة.

__________________

من : أنّ المطلقة رجعيا زوجة أو بحكمها ، فكلّ قول أو فعل يدلّ على بقاء الزوجية يكون رجوعا ، فليس الرجوع بناء عليه من الإيقاعات المحتاجة إلى الإنشاء الموقوف على القصد. بل وزان الرجوع وزان التقبيل ونحوه من الاستمتاعات الدالة على زوجية المرأة ، لا أنّه ردّ فعل وهو الطلاق ، بل هو تثبيت الزوجية وإبقاؤها.

وعليه فجعل الإنكار من الردّ الفعلي غير سديد ، لما عرفت من أنّ إنكار الطلاق ليس ردّا ، بل هو إبقاء للزوجية ، فتأمّل.

وهذا الوجه لا يجري في المقام ، إذ المقصود انفساخ العقد وانحلاله بحيث يخرج عن قابلية الصحة بالإجازة ، وهو لا يحصل إلّا بالإنشاء غير الحاصل في المقام على الفرض.

ولا يخفى أنّ إنكار الطلاق في الصحيحة المتقدمة لا يشمل الرّد الفعلي إلّا إذا كان له إطلاق يشمل الإنكار القولي والفعلي ، وإن كان ظاهر السياق هو الإنكار القولي.

والحاصل : أنّه لا يمكن جعل إنكار الطلاق ردّا فعليّا ومستثنى من عدم الردّ الفعلي ، بأن يقال : إنّ الرّد الفعلي منحصر في إنكار الطلاق ، لوجهين :

الأوّل : أنّ الإنكار ليس ردّا للطلاق ، بل هو إبقاء للزوجية.

الثاني : ـ بعد تسليم كونه ردّا ـ أن الظاهر من الرد هو الردّ القولي دون الردّ الفعلي.

٤٥٩

اللّاحقة (١). ولا يكفي مجرّد رفع اليد عن الفعل (٢) بإنشاء ضدّه مع عدم صدق عنوان الرّد الموقوف على القصد والالتفات إلى وقوع المردود ، نظير (٣) إنكار الطلاق الذي جعلوه رجوعا

______________________________________________________

(١) يعني : حتى يكون لمفوّتيّته لمحلّ الإجازة ردّا حكميّا لا حقيقيّا.

(٢) وهو العقد الفضولي ، حاصله : عدم كفاية مجرّد رفع اليد عن العقد ـ في تحقق ردّه ـ بإنشاء ضده ، كتعريض المالك الأصيل المبيع للبيع ، بل لا بدّ في رفع اليد عن العقد الفضولي من إيجاد المالك ما يصدق عليه عنوان الرد المنوط بالقصد والالتفات إلى وقوع العقد الفضولي على ماله ، وهو المراد بقوله : «المردود» لأنّ العقد الفضولي بعد ردّ المالك يصير مردودا ومتّصفا بهذا الوصف.

(٣) خبر لمبتدء محذوف ، أي «وهذا نظير .. إلخ». وغرضه التنظير للمنفيّ وهو الكفاية ، وحاصله : أنّه لا يكفي في ردّ فعل كالعقد الفضولي مجرّد رفع اليد عنه بإنشاء ضدّه إلّا في الطلاق ، فإنّ الأصحاب ذهبوا إلى كفاية مجرّد رفع اليد عن الطلاق بإنكار الطلاق ولو مع عدم التفات المنكر إلى وقوعه منه سابقا ، فإنكاره للطلاق رجوع إلى النكاح ولو مع عدم التفاته إلى الطلاق.

ويدلّ عليه صحيحة أبي ولاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن امرأة ادّعت على زوجها أنّه طلّقها تطليقة طلاق العدة طلاقا صحيحا ـ يعني على طهر من غير جماع ـ وأشهد لها شهودا على ذلك ، ثم أنكر الزوج بعد ذلك. فقال عليه‌السلام : إن كان أنكر الطلاق قبل انقضاء العدة فإنّ إنكاره للطلاق رجعة لها ، وإن أنكر الطلاق بعد انقضاء العدّة فإنّ على الإمام أن يفرّق بينهما بعد شهادة الشهود ، بعد ما تستحلف أن إنكاره الطلاق بعد انقضاء العدّة ، وهو خاطب من الخطّاب» (١).

وقريب منه ما في فقه الرضا (٢).

فلا وجه لقياس المقام بباب الطلاق ، فإنّ الرجوع فيه بإنكار الطلاق إنّما هو بالتعبد.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٥ ، ص ٣٧٢ ، الباب ١٤ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، ح ١.

(٢) مستدرك الوسائل ، ج ١٥ ، ص ٣٣١ ، الباب ١٢ من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه ، ح ١.

٤٦٠