هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

.................................................................................................

__________________

الإجازة إذا صدر العقد منه ، لكونه من صغريات «من باع شيئا ثم ملك». وبناء على اعتبار مالكية المجيز حين العقد لا وجه للإجازة ، فلا وجه للصحة.

وبالجملة : فعنوان المصنف قدس‌سره يفترق عن عنوان الفقهاء في أمرين :

أحدهما : في ترتّب العقود ، فإنّ المصنف عمّم الترتّب إلى الترتب الزماني ، والفقهاء جعلوا الترتب خصوص الترتب الطوليّ الانتقالي.

والآخر : الترتب البسيط ، فإنّه خيرة الفقهاء ، والمصنف عمّمه إلى الترتّب المركّب ، وهو : أن يكون طرفا العقد الوسط متخالفين ، كما إذا كان الوسط بيع العبد بالكتاب ، وسابقه ما وقع على مال المالك ، كبيع العبد بالفرس ، ولاحقه ما وقع على عوض مال المالك وهو بيع الفرس بالدرهم. بخلاف مسلك الفقهاء ، فإنّهم اكتفوا بالترتب البسيط ، وهو كون طرفي العقد الوسط مثله. فإن كان واقعا على مال الغير كانا مثله ، وكذا إذا كان الوسط واقعا على العوض كان طرفاه واقعين عليه أيضا.

ثمّ إنّ أقسام العقد المجاز في العقود المترتبة على مال المجيز ستة :

أوّلها : بيع العبد بالفرس ، وآخرها بيع العبد بالدينار ، ووسطها بيع العبد بالكتاب.

وهذه البيوع الثلاثة واقعة على نفس مال المالك وهو العبد. ووسطها ـ وهو بيع العبد بالكتاب ـ مثال للأقسام الأربعة :

أحدها : كونه وسطا بين عقدين واقعين على نفس مال المالك ، وهما بيع العبد بفرس ، وبيع العبد بدينار.

ثانيها : كونه وسطا بين عقدين واقعين على عوضي مال المالك ، وهما بيع الفرس بدرهم ، وبيع الدينار بجارية.

ثالثها : كونه وسطا بين عقدين يكون سابقهما واقعا على مال المالك ، وهو بيع العبد بالفرس ، ولاحقهما على بدل مال المالك ، وهو بيع الدينار بجارية.

رابعها : كونه وسطا بين عقدين يكون سابقهما واقعا على بدل مال المالك ، وهو بيع الفرس بدرهم ، ولاحقهما واقعا على مال المالك ، وهو بيع العبد بالدينار.

٤٠١

.................................................................................................

__________________

هذه ستة أقسام العقد المجاز في العقود الواقعة على مال المجيز.

وأمّا الستة الواقعة على عوض مال المجيز ، فهي : أنّ أوّل عقد وقع على بدل مال المجيز هو بيع الفرس بدرهم ، وآخره بيع الرغيف بالعسل ، فإنّ الرغيف عوض عن الدرهم ، والدرهم عوض عن الفرس ، والفرس عوض عن العبد. وهذا البيع وقع على عوض عوض عوض مال المالك. ووسطه بيع الدرهم ـ الذي هو عوض عن الفرس ـ برغيف ، وهذا العقد مثال للأقسام الأربعة :

أحدها : وقوع بيع الدرهم برغيف وسطا بين بيع العبد بفرس ، وبيع العبد بدينار ، اللّذين وقعا على مال المالك.

ثانيها : وقوع بيع الدرهم برغيف وسطا بين بيع الفرس بدرهم ، وبيع الدينار بجارية ، الواقعين على عوض مال المالك.

ثالثها : وقوع بيع الدرهم برغيف وسطا بين بيع العبد بفرس الواقع على مال المالك ، وبين بيع الدينار بجارية ، الواقع على عوض مال المالك.

رابعها : وقوع بيع الدرهم برغيف بين بيع الفرس بدرهم الواقع على عوض مال المالك ، وبين بيع العبد بالدينار الواقع على مال المالك.

وبانضمام هذه الأربعة إلى الصورتين الأوليين ـ وهما بيع الفرس بدرهم وبيع الرغيف بعسل ـ يصير أقسام العقد المجاز في العقود الواقعة على عوض مال المجيز ستة.

وقد ظهر ممّا ذكرنا : أنّ البيوع الواقعة على عين مال الغير ثلاثة :

أحدها : بيع العبد بفرس.

ثانيها : بيع العبد بكتاب.

ثالثها : بيع العبد بدينار.

والبيوع الواقعة على عوض مال الغير خمسة ، اثنان منها واقعان على عوضه الأوّلي ، وهما بيع الفرس بدرهم ، وبيع الدينار بجارية.

وثلاثة منها واقعة على عوض عوض مال المالك ، وهي بيع الدرهم برغيف ، وبيع

٤٠٢

.................................................................................................

__________________

الدرهم بحمار ، وبيع الرغيف بعسل. هذه أقسام العقد المجاز.

وأمّا حكمها فهو : أنّ الضابط الكلّي في ذلك أنّ كلّ عقد تكون صحته مترتبة ـ أي لازما لصحة العقد المجاز أو ملزوما لها ـ يترتب صحته على العقد المجاز.

وبعبارة أخرى : إذا كان بين عقدين علقة لزومية ، بأن يكون أحدهما لازما لآخر ، أو ملزوما له ، كانت إجازة أحدهما مستلزمة لإجازة الآخر ، بمعنى : كون إجازة واحدة موجبة لصحّة كلا العقدين.

وإن لم يكن بينهما علقة لزوميّة لا تكون إجازة أحدهما مستلزمة لصحة الآخر.

هذا إذا كان العقد المجاز العقد الوسط من العقود الواقعة على نفس مال الغير ، فإنّ إجازة العقد الوسط ـ كبيع العبد بالكتاب ـ تصحّح ما بعده من بيع العبد بدينار ، ولا تصحّح ما قبله كبيع العبد بفرس ، بل تبطله ، لأنّ إجازته تدلّ على إمضاء بيع العبد بالكتاب ، وعدم رضاه بتعويض عبده بالفرس ، إذ لازم رضاه بذلك دخول الفرس في ملكه بدلا عن العبد ، ولم يكن مالكا للعبد حتى يصحّ له إجازة بيع العبد بالكتاب. نعم لمالك الفرس إجازة بيع الفرس بالدرهم.

وأمّا إذا كان العقد المجاز العقد الوسط من العقود المترتبة الواقعة على عوض مال الغير ، كما إذا فرضنا أنّ الفضوليّ باع عبد المالك بفرس ، ثم باع الفرس بدرهم ، ثم باع الدرهم برغيف ، ثم بيع الدرهم بحمار ، وبيع الرغيف بعسل ، فإنّ بيع الدرهم برغيف عقد وسط واقع على عوض مال الغير وهو الدرهم ، حيث إنّه بدل الفرس الذي هو بدل العبد.

وقبله عقدان وقع أحدهما على مورده وهو بيع الفرس بدرهم ، حيث إنّ الدرهم أيضا مورد العقد الوسط ، وهو بيع الدرهم برغيف ، ولم يقع ثانيهما ـ وهو بيع العبد بفرس ـ في مورده.

وكذلك بعده عقدان وقع أحدهما في مورده وهو بيع الدرهم بحمار ، ولم يقع الآخر وهو بيع الرغيف بعسل في مورده.

فتفصيله : أنّه إذا أجاز المالك العقد الوسط ، وهو بيع الدرهم برغيف ، أو شراء الرغيف بدرهم ، فعلى القول بالكشف تستلزم الإجازة صحة العقود السابقة أيضا ، ضرورة أنّ

٤٠٣

.................................................................................................

__________________

صحّة بيع الدرهم برغيف منوطة بصحة ما قبله وهو بيع الفرس بدرهم ، إذ ملكية الدرهم للمجيز حتى يصحّ له إجازة بيع الدرهم برغيف تتوقف على صحة بيع الفرس بدرهم.

وكذا صحة بيع الفرس بدرهم تتوقف على صحة بيع العبد بفرس ، إذ لو لم يصحّ لا يصير مالكا للفرس حتى يملك الدرهم ، ويصحّ له إجازة بيع الدرهم برغيف : أو شراء الرغيف بدرهم. هذا بناء على القول بالكشف.

وأمّا على القول بالنقل ، فمحصله : أنّه لمّا وقعت البيوع السابقة في غير ملك البائع ، فعلى القول بصحتها مع الإجازة أو بدونها فلا كلام ، وإلّا فتبطل.

هذا حال العقود السابقة على العقد المجاز من العقود الواقعة على عوض مال المجيز.

وأمّا العقود اللاحقة له ، فإن وقعت على المعوّض ـ أي المعوض في البيع المجاز ، وهو في بيع الدرهم بالرغيف ـ كبيع الدرهم بالحمار ، فإنّ إجازة بيع الدرهم برغيف ـ الذي هو الوسط بين بيع الفرس بدرهم وبين بيع الدرهم بحمار ـ تكشف عن دخول الدرهم في ملك صاحب الرغيف ، فيصحّ له بيع ذلك الدرهم بالحمار. هذا.

وإن وقعت على الرغيف ـ الذي هو العوض في العقد المجاز ـ بأن بيع الرغيف بالعسل ، فصحته منوطة بإجازة مستقلة من صاحب الرغيف.

والضابط في تأثير الإجازة في غير العقد الذي تعلّقت به ـ سواء أكان سابقا على العقد المجاز أم لاحقا له ـ كما أشرنا إليه آنفا هو : أن يكون بين المجاز وغيره من العقود علقة توجب صحة غير المجاز ، إمّا لكونه لازما للمجاز كبيع العبد بالدينار ، وبيع الدينار بالجارية ، فإنّ صحتهما من لوازم صحة بيع العبد بالكتاب. أو ملزوما له ، كبيع العبد بالفرس ، وبيع الفرس بالدرهم ، وبيع الدرهم بالرغيف ، فإنّ صحة بيع الدرهم بالرغيف ـ المفروض كونه عقدا مجازا ـ من لوازم صحة بيع الفرس بالدرهم ، وصحة بيع العبد بالفرس ، إذ لو لم يصحّا لا يملك المجيز الدرهم حتى يصحّ له إجازة بيع الدرهم بالرغيف.

فلو لم يكن بين العقد المجاز وغيره من العقود العلقة المذكورة ـ كما إذا باع فضوليّ عبد الغير ، ثم باعه فضولي آخر ، وهكذا ، أو باعه فضولي واحد مرارا ـ فإنّ إجازة مالك العبد لأحد هذه العقود لا تصحّح إلّا ما تعلّقت به من العقود ، ولا تصحّح غيره.

٤٠٤

وعلى كلّ منهما (١) (*) إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد وقع على المال (٢) ، أو على (٣) عوضه ، أو آخره (٤) ، أو عقدا (٥)

______________________________________________________

(١) أي : وعلى كلّ من الفرضين ـ وهما وقوع الإجازة على مال الغير ، ووقوعها على عوض ماله ـ إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد من العقود الواقعة على المال الذي بيع فضولا ، وإمّا أن يكون المجاز أوّل عقد من العقود الواقعة على عوض المال المبيع فضولا.

(٢) وهو مال المالك الذي بيع فضولا.

(٣) معطوف على «على المال» والمراد بالعوض هو ثمن المال المبيع فضولا ، يعني : وإمّا أن يكون المجاز أوّل عقد وقع على عوض مال المجيز.

(٤) معطول على «أوّل عقد» وضمير «آخره» راجع إلى «عقد» ، يعني : أو يكون المجاز آخر عقد من العقود الواقعة على مال الغير أو على عوضه.

(٥) معطوف على «أوّل عقد» يعني : وإمّا أن يكون المجاز عقدا وسطا بين عقدين واقعين على مال الغير ، أو على بدله. أو بالاختلاف ، بأن وقع السابق على مال الغير ، واللاحق على عوض مال الغير. أو بالعكس ، بأن وقع السابق على العوض ، واللاحق على مال الغير.

فلكون المجاز العقد الوسط صور أربع :

إحداها : كون السابق واللاحق واقعين على نفس مال الغير ، كبيع العبد بالفرس ، وبيع العبد بالدينار ، فإنّهما طرفان للوسط المجاز ، وهو بيع العبد بالكتاب.

ثانيتها : كونهما واقعين على عوض مال الغير ، كبيع الفرس بالدّرهم ، وبيع الدينار

__________________

(*) ينبغي أن يقال : فإن وقعت الإجازة على نفس مال الغير فله ثلاث صور :

الاولى : كون العقد المجاز أوّل العقود الجارية على مال الغير.

الثانية : كونه آخر العقود.

الثالثة : كونه وسط العقود.

وإن وقعت الإجازة على العقود الجارية على عوض مال الغير فكذلك. وللوسط المجاز في كل من العقود الجارية على كلّ من مال الغير وعوضه صور أربع كما سيأتي تفصيله في المتن.

٤٠٥

بين سابق ولاحق (١) واقعين (٢) على مورده (٣) ، أو بدله ، أو بالاختلاف.

ويجمع الكلّ (٤) فيما إذا باع عبد المالك بفرس ، ثمّ باعه المشتري بكتاب ، ثمّ

______________________________________________________

بالجارية ، فإنّهما طرفا العقد المجاز ، وهو بيع العبد بالكتاب.

ثالثتها : كون السابق واقعا على مال الغير ، واللاحق واقعا على بدل مال الغير ، كبيع العبد بالفرس ، وبيع الدينار بالجارية.

رابعتها : كون السابق واقعا على عوض مال الغير ، واللّاحق واقعا على نفس مال الغير ، كبيع الفرس بالدرهم ، الواقع على العوض ، وبيع العبد بالدينار ، الواقع على نفس مال الغير. فإنّ العقد الوسط المجاز ـ وهو بيع العبد بالكتاب ـ وقع بين هذين العقدين المختلفين ، لوقوع سابقهما على عوض مال الغير ، ولاحقهما على نفس مال الغير.

(١) هما نعتان ل «عقد» وكلمة «بين» حال لكلمة «عقدا» أي : حال كون العقد الوسط واقعا بين سابق ولاحق.

(٢) حال لكلمتي «سابق ولاحق» أي : حال كون العقد السابق واللاحق واقعين على مال الغير ، أو على بدل مال الغير ، أو بالاختلاف. وقد اتّضح جميع ذلك بقولنا : «فلكون المجاز العقد الوسط صور أربع .. إلخ».

(٣) أي : مورد مال المالك.

(٤) هذا شروع في بيان أمثلة الكل ـ أي : كلّ الصور المتصورة في العقد المجاز ـ من العقود المترتبة الواقعة على مال الغير وعوضه.

وقد ظهر من كلمات المصنف قدس‌سره أنّ أقسام العقد المجاز اثني عشر ، ستة لكون المجاز العقد الواقع على مال الغير ، لأنّه إمّا أوّل العقود الواقعة عليه ، وإمّا آخرها ، وإمّا وسطها. وللوسط أقسام أربعة ، لأنّ طرفيه إمّا عقدان وقعا على مال الغير ، أو وقعا على عوض مال الغير ، أو اختلفا ، بأن كان السابق مال الغير ، واللاحق عوض مال الغير ، أو كان السابق العوض ، واللاحق نفس مال الغير.

وبضمّ هذه الأربعة إلى الأوّلين ـ وهما كون المجاز أوّل العقود الواقعة على مال الغير وآخرها ـ تصير الأقسام ستة.

وهكذا إذا كان المجاز العقد الواقع على العوض ، لأنّه إمّا أوّل العقود ، وإمّا آخرها ، وإمّا وسطها.

٤٠٦

باعه الثالث بدينار (١). وباع (٢) البائع الفرس بدرهم ، وباع الثالث (٣) الدينار (٤) بجارية ، وباع بائع الفرس الدرهم (٥) برغيف ، ثمّ بيع الدرهم بحمار ، وبيع الرغيف

______________________________________________________

ولهذا الوسط أيضا صور أربع ، لأنّ طرفيه إمّا واقعان على نفس مال الغير ، وإمّا واقعان على بدله ، وإما مختلفان ، بأن كان السابق واقعا على نفس مال الغير ، واللاحق على بدله. أو كان السابق واقعا على بدل مال الغير ، واللاحق على نفس مال الغير.

وبانضمام هذه الأربعة إلى الأوّلين ـ وهما أوّل العقود الواقعة على العوض وآخرها ـ تصير الأقسام ستة أيضا.

(١) وهذه العقود الثلاثة واقعة فضولا على المعوّض ـ وهو العبد ـ وثمنه في العقد الأوّل فرس ، وفي العقد الثاني كتاب ، وفي العقد الثالث دينار.

(٢) من هنا شرع المصنف قدس‌سره في بيان أمثلة العقود الواقعة على عوض مال الغير. والمراد بالعوض أعمّ من العوض مع الواسطة وبدونها ، كما يظهر من أمثلة العقود الواقعة على عوض مال الغير.

وهذا أوّل العقود الواقعة على عوض مال الغير ، حيث إنّ الفرس كان ثمن العبد في أوّل عقد من العقود الجارية على المعوّض ـ وهو العبد ـ فبيع الفرس بدرهم أوّل عقد وقع على عوض العبد ، وهو الفرس الذي بيع بدرهم ، ووسطه بيع الدرهم ـ الذي هو عوض الفرس ـ برغيف. وآخره بيع الرغيف بالعسل ، فإنّ الرغيف عوض عن الدرهم ، والدرهم عوض عن الفرس ، والفرس عوض عن العبد.

(٣) أي : باع البائع الثالث ـ الذي باع العبد بدينار ـ الدينار بجارية. والبائع الأوّل هو الذي باع العبد بفرس ، والبائع الثاني هو الذي باع العبد بكتاب. فالدينار ثمن العبد في البيع الثالث الواقع على العبد ، لكن وقع في هذا العقد مثمنا ، وصارت الجارية ثمنه.

(٤) وهو ثمن العبد في البيع الثالث الواقع على العبد الذي هو مال الغير.

(٥) الذي هو عوض العوض ، لأنّه عوض الفرس ، وهو عوض العبد في أوّل العقود الواقعة على مال الغير.

أمّا جامعية هذه الأمثلة للأقسام الاثني عشر بالنسبة إلى الأقسام الستة في الفرض الأوّل ـ وهو كون المجاز من العقود الواقعة على مال الغير ـ فهي كون المجاز أوّل العقود وآخرها ، وهما بيع العبد بفرس ، وبيعه بدينار. وكون المجاز وسطا بين عقدين

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واقعين على نفس مال الغير ، وهما بيع العبد بالفرس ، وبيع العبد بالدينار ، فإنّ المجاز ـ وهو بيع العبد بالكتاب ـ وقع بينهما.

ووسطا بين عقدين متعلقين بعوض مال الغير ، وهما بيع الفرس بالدرهم وبيع الدينار بالجارية ، حيث إنّهما واقعان على العوض ، وهو الفرس والدينار اللذان هما عوضا العبد في بيعه الأوّل والآخر.

ووسطا بين العقد الواقع على المعوّض ـ وهو بيع العبد بالفرس ـ والعقد الواقع على العوض وهو بيع الفرس بالدرهم.

ووسطا بين العقد الواقع على العوض وهو بيع الفرس بالدرهم ، وبيع العبد بالدينار الذي وقع على المعوّض وهو العبد.

وأمّا جامعيّته بالنسبة إلى الأقسام الستة في الفرض الثاني ـ وهو كون المجاز من العقود الواقعة على عوض العبد ـ فتفصيلها : أنّ أوّل العقود الواقعة على العوض هو بيع الفرس بالدرهم ، حيث إنّ الفرس أوّل عوض عن العبد في البيوع الجارية عليه.

وثانيها : بيع الدرهم بالرغيف ، فإنّ الدرهم كان ثمنا للفرس. وفي هذا العقد صار مثمنا للرغيف.

وثالثها : بيع الرغيف ـ الذي هو عوض الدرهم الذي كان عوض الفرس ـ بالعسل.

ومن هذه الأمثلة يظهر أنّ المراد بالعوض أعمّ من عوض العبد بلا واسطة كالفرس ، ومع الواسطة كالدرهم والرغيف ، حيث إنّ الدرهم بدل الفرس الذي هو بدل العبد. والرغيف بدل الدرهم الذي هو بدل الفرس الذي هو بدل العبد.

ثمّ إن العقد المجاز إمّا أوّل هذه العقود ، وهو بيع الفرس بالدرهم. وإمّا آخرها ، وهو بيع الرغيف بالعسل. وإمّا الوسط الذي له صور أربع. فهو كالعقد المجاز في الفرض الأوّل أعني به العقود الواقعة على المثمن ، وهو العبد.

فإذا انضمّ ما للوسط من الصور الأربع إلى الصورتين الأوليين ـ وهما كون العقد المجاز أوّل العقود الواقعة على العوض وآخرها ـ تكون الأقسام في الفرض الثاني وهو العقود الواقعة على العوض ستة أيضا ، فصارت الأقسام كلّها اثني عشر.

٤٠٨

بعسل (١).

أمّا (٢) إجازة العقد الواقع على مال المالك ـ أعني العبد بالكتاب (٣) ـ فهي ملزمة له ولما بعده ممّا وقع على مورده (٤) أعني العبد بالدينار ، بناء على الكشف (٥).

______________________________________________________

(١) وهذان المثالان من العقود الواقعة على عوض العوض ، وكذا بيع الدرهم برغيف. فهذه الأمثلة الثلاثة أمثلة لوقوع البيع على بدل بدل مال المالك.

(٢) هذا شروع في بيان حكم إجازة العقود الواقعة على مال الغير ـ وهو العبد ـ وعلى عوضه ، من حيث الصحة والفساد. وقد تعرّض له في مقامين :

الأوّل : حكم إجازة العقد الواقع على مال الغير كالعبد في مثال المتن.

والثاني : في حكم إجازة العقد الواقع على عوض مال الغير.

والكلام فعلا في المقام الأوّل ، ومحصّله : أنّ إجازة العقد الواقع على مال المالك ـ وهو بيع العبد بالكتاب ـ ملزمة له ولما بعده ممّا وقع على مورده كبيع العبد بالدينار بناء على الكشف. أمّا كون الإجازة ملزمة لعقد المالك الأصلي فواضح. وأمّا كونها ملزمة لما وقع على ما بعده من العقد الواقع على أصل مال المالك ـ وهو بيع العبد بالدينار ـ فلكون الإجازة كاشفة عن وقوع بيع العبد بالدينار في ملك بائع العبد.

وأمّا بناء على النقل فصحته مبنيّة على اعتبار ملك المجيز حين العقد وعدمه. فإن قلنا باعتباره لم يكن إجازته ملزمة للعقد المجاز ، ولا لما بعده من العقود ، إذ المفروض عدم كون المجيز مالكا للعبد حين البيع.

وإن قلنا بعدم الاعتبار كما عليه المصنف قدس‌سره ، حيث قال في (ص ٢٣٧) : «الثالث لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرف حال العقد» كانت الإجازة ملزمة لهذا العقد المجاز ولما بعده من العقود.

(٣) اختار هذا الفرض ، لكونه وسطا بين بيع العبد بالفرس وبيع العبد بالدينار ، حتى يكون له سابق ولاحق.

(٤) أي : مورد مال المالك ، وهو العبد المبيع بالدينار.

(٥) لكشف الإجازة عن وقوع بيع العبد بالدينار في ملكه ، فلا وجه لعدم صحته ، إذ المفروض كشف إجازة بيع العبد بالكتاب عن دخول العبد في ملك من اشتراه بالدينار.

٤٠٩

وأمّا بناء على النقل فيبني على ما تقدّم من اعتبار ملك المجيز حين العقد ، وعدمه (١).

وهي (٢) فسخ بالنسبة إلى ما قبله ممّا (٣) ورد على مورده ـ أعني بيع العبد بفرس ـ بالنسبة إلى المجيز.

أمّا (٤) بالنسبة إلى من ملك بالإجازة.

______________________________________________________

(١) أي : وعدم اعتبار ملك المجيز حين العقد ، حيث إنّه لم يكن مالكا للعبد حين بيعه بالدينار ، فيصح له إجازته. وهذا مختار المصنف كما عرفت آنفا.

(٢) يعني : وإجازة المالك العقد الواقع من الفضولي على ماله فسخ للعقود السابقة على العقد المجاز الواقعة على ماله ، وهو العبد في مثال المتن. والعقد السابق على العقد المجاز هو بيع العبد بالفرس. وإجازة بيع العبد بالكتاب عبارة عن رضا مالك العبد بملكية العبد لمالك الكتاب ، لا لمالك الفرس ، فيبطل بيع العبد بالفرس.

فالمتحصّل : أنّ إجازة عقد من العقود الواقعة على مال المالك إمضاء للعقود اللاحقة ، وردّ للعقود السابقة على المجاز.

(٣) أي : من العقود الواردة على مورد مال المالك ، وهو بيع العبد بالفرس ، يعني : أنّ ما ذكرناه ـ من كون الإجازة ملزمة للعقود اللاحقة الواقعة على مال المالك ، وفسخا لما قبل العقد المجاز من العقود الواقعة على ماله وهو العبد ـ إنّما يكون بالنسبة إلى المالك المجيز ، وهو مالك العبد ، لأنّ إجازة بيع العبد بالكتاب تقتضي انفساخ بيع العبد بالفرس. فبيع الفرس بالدرهم بيع فضولي تتوقف صحته على إجازة مالك الفرس.

فصار المتحصّل : صحة العقد الواقع على مال المالك ـ وهو بيع العبد بالكتاب ـ وما بعده من بيع العبد بالدينار ، وفسخ العقد السابق على العقد المجاز ، وهو بيع العبد بالفرس بالنسبة إلى المالك المجيز.

(٤) وأمّا بالنسبة إلى من ملك بالإجازة ـ وهو من اشترى العبد بالكتاب ـ فهل له إجازة بيع العبد بالفرس أم لا؟ حيث إنه لم يكن مالكا للعبد حين بيعه بالفرس. المسألة مبنية على ما سبق من اشتراط ملك المجيز حين العقد وعدمه. وقد أشرنا آنفا إلى أنّ

٤١٠

ـ وهو المشتري (١) بالكتاب ـ فقابليّته للإجازة مبنيّة على مسألة اشتراط ملك المجيز حين العقد.

هذا (٢) حال العقود السابقة واللّاحقة على مورده ، أعني مال المجيز (٣).

وأمّا (٤) العقود الواقعة على عوض مال المجيز ، فالسابقة (٥) على هذا العقد (٦)

______________________________________________________

المصنف قدس‌سره لا يشترط ذلك ، فله الإجازة ، ولا يحتاج إلى عقد جديد.

(١) أي : المشتري للعبد بالكتاب ، وهو الذي باع العبد بالدينار ، وملك العبد بإجازة مالك العبد بيعه بالكتاب.

(٢) أي : لزوم العقود اللاحقة للعقد المجاز ـ وبطلان العقود السابقة عليه ـ هو حكم العقود الواقعة على المعوّض ، وهو العبد في مثال المتن.

(٣) وهو المالك للمعوّض كالعبد في المثال المذكور.

(٤) بعد بيان حكم الإجازة بالنسبة إلى العقود السابقة واللاحقة الواقعة على مال المجيز ، أراد أن يذكر حكم الإجازة في العقود الواقعة على عوض مال المجيز ، مع كون العقد المجاز في كلا الفرضين ـ وهما العقود الواقعة على نفس مال المجيز وعوضه ـ هو العقد الواقع على عين مال المجيز ، كبيع عبد المالك بكتاب.

فقوله : «وأمّا العقود الواقعة على عوض مال المجيز» من توابع إجازة بيع الفضول عبد المالك بكتاب ، ويكون في مقابل قوله : «هذا حال العقود السابقة واللاحقة على مورده».

ثم إنّ المراد بعوض مال المجيز أعم من عوض مال الغير بلا واسطة ، كالعبد في المثال المذكور ، ومع الواسطة كبيع الدرهم برغيف ، وبيع الدرهم بحمار ، فإنّ الدرهم والرغيف عوض بواسطة.

ويمكن أن يكون العوض مع الوسائط كبيع الرغيف بالعسل ، فإنّ الرغيف عوض الدرهم ، وهو عوض الفرس الذي يكون عوض العبد الذي هو عين مال المجيز.

(٥) مبتدء ، وخبره «يتوقّف» والمجموع خبر «وأمّا العقود».

(٦) وهو العقد المجاز ، أعني به بيع العبد بالكتاب.

٤١١

ـ وهو (١) بيع الفرس بالدرهم ـ يتوقّف لزومها (٢) على إجازة المالك الأصلي للعوض وهو الفرس. واللّاحقة (٣) له ـ أعني بيع الدينار بجارية ـ تلزم (٤) بلزوم هذا العقد (٥).

وأمّا (٦) إجازة العقد الواقع على العوض

______________________________________________________

(١) الضمير راجع إلى «السابقة» المراد بها بيع الفرس بالدرهم ، وتذكير الضمير باعتبار الخبر ، وإن كان خلاف الظاهر.

ومحصّل ما أفاده : أنّه بإجازة بيع العبد بالكتاب ينفسخ بيع العبد بالفرس ، إذ مع صحته لا يكون المجيز مالكا للعبد حتى تصح إجازته بيع العبد بالكتاب ، فيردّ الفرس حينئذ إلى مالكه الأصلي ، فيكون بيع الفرس بالدرهم فضوليا ، ويحتاج نفوذه إلى إجازة مالك الفرس.

(٢) أي : لزوم السابقة ـ وهي بيع الفرس بالدرهم ـ فإنّ هذا أوّل العقود الواقعة على عوض مال الغير وهو العبد في المثال. وقد عرفت آنفا : أنّ انفساخ بيع العبد بالفرس بسبب إجازة بيع العبد بالكتاب يوجب بطلان بيع الفرس بالدرهم. وصحته منوطة بإجازة مالك الفرس ، لأنّه المالك الأصلي للفرس.

(٣) معطوف على قوله : «فالسابقة» وضمير «له» راجع الى «هذا العقد» المراد به بيع العبد بالكتاب الذي هو العقد المجاز.

وبيع الدينار بجارية عقد لاحق للعقد المجاز ، وواقع على العوض ، وهو الدينار الذي يكون عوض العبد.

(٤) خبر «واللاحقة» يعني : تلزم العقود اللّاحقة لعقد المجاز ـ الذي هو بيع العبد بالكتاب ـ سواء وقعت على نفس مال المجيز كبيع العبد بالدينار ، أم وقعت على عوض مال المجيز كبيع الدينار بجارية ، حيث إنّ الدينار عوض العبد.

(٥) وهو بيع العبد بالكتاب ، فإنّ لزومه بالإجازة يستلزم صحة كلا العقدين ، الواقع أحدهما على نفس العبد بالدينار ، وثانيهما على عوضه ، وهو بيع الدينار بالجارية ، لترتّب صحّتهما على صحة ما قبلهما ، وهو بيع العبد بالكتاب كما هو واضح.

(٦) معطوف على «أمّا» في قوله : «أما إجازة العقد الواقع على مال المالك» وهذا

٤١٢

ـ أعني بيع الدرهم (١) برغيف ـ فهي (٢) ملزمة للعقود السابقة عليه ، سواء وقعت على نفس مال الملك ، أعني بيع العبد بالفرس ، أم على عوضه وهو بيع الفرس بالدرهم. وللعقود (٣) اللّاحقة له إذا وقعت على المعوّض (٤) ، وهو بيع الدرهم بالحمار.

______________________________________________________

هو المقام الثاني المتكفل لحكم إجازة العقد الواقع على عوض مال المجيز. كما أنّ المقام الأوّل تكفّل حكم إجازة العقد الواقع على نفس مال المجيز وهو العبد.

(١) الذي هو عوض عن الفرس في بيع الفرس بالدرهم ، والفرس عوض عن العبد. وهذا مثال لبيع عوض العوض الذي صار موردا للإجازة.

فالمراد بقوله : «العوض» عوض عوض العبد ، وهو الدرهم الذي هو عوض الفرس الذي هو عوض العبد. وهذا الدرهم بيع برغيف.

وصحة هذا البيع منوطة بدخول الدرهم في ملك المالك الأصلي للعبد. ودخوله في ملكه منوط بإجازته بيع الفرس بالدرهم ، وبيع عبده بالفرس ، ولذا قال : «سواء وقعت على نفس مال المالك أعني بيع العبد بالفرس أم على عوضه».

(٢) أي : الإجازة ملزمة. محصل ما أفاده هنا : أنّ إجازة مالك العبد العقد الواقع على عوض ماله ـ أعني به العبد ـ يلاحظ حكمها تارة بالنسبة إلى العقود السابقة عليه ، واخرى بالنسبة إلى العقود اللاحقة له.

أمّا العقود السابقة عليه فهي صحيحة مطلقا ، سواء وقعت على نفس مال المالك ، كبيع العبد بالفرس ، أم على عوضه كبيع الفرس بالدرهم ، فإنّ الفرس عوض العبد في أوّل البيوع الجارية على العبد ، فمال المالك أعمّ من العبد وعوضه.

(٣) معطوف على «للعقود». وأمّا العقود اللاحقة للعقد المجاز ـ وهو بيع الدرهم بالحمار ـ فمحصله : أنّ إجازة العقد الواقع على عوض العوض ملزمة للعقود اللّاحقة للعقد المجاز أيضا إذا وقعت الإجازة على عوض العوض أيضا ، لأنّ إجازة المالك الأصيل العقد الواقع على عوض العوض توجب ملكية المبيع للمجاز له ، وهذا يقتضي صحة كلّ عقد يقع بعده ، لوقوعه في ملكه.

(٤) وهو الدرهم ، حيث إنّه معوّض في بيع الدرهم بالرغيف ، فإنّ الإجازة تكشف

٤١٣

أمّا الواقعة (١) على هذا البدل (٢) المجاز ـ أعني بيع الرغيف بالعسل ـ فحكمها (٣) حكم العقود الواقعة على المعوّض ابتداء.

وملخّص (٤) ما ذكرنا : أنّه لو ترتّبت عقود متعدّدة مترتّبة على مال المجيز ،

______________________________________________________

عن دخول الدرهم في ملك صاحب الرغيف ، فيصح له بيع الدرهم بالحمار.

(١) أي : العقود الواقعة المترتبة على هذا البدل المجاز.

(٢) وهو الرغيف الذي كان بدلا عن الدرهم في بيع الدرهم بالرغيف الذي أجيز.

فإذا بيع الرغيف مرارا كان فضوليا محتاجا إلى إجازة مستقلة ، كما إذا بيع الرغيف بالعسل ، ثم بيع هذا الرغيف باللبن ، ثم بيع هذا الرغيف بالتمر ، كان حكمها حكم العقود الواقعة على نفس مال المجيز مرارا من أشخاص متعددة في الاحتياج إلى إجازة مستقلّة.

كما إذا باع الفضولي عبد المالك بفرس ، ثم باعه المشتري بكتاب ، ثم باعه الثالث بدينار ، فإنّ إجازة بيع العبد بالكتاب تكون ردّا لما قبله ، وإجازة لما بعده كما تقدّم تفصيله في شرح قوله : في (ص ٤٠٩) : «أما إجازة العقد الواقع على مال المالك» فتكون إجازة بيع الرغيف بالعسل ردّا لما قبله ، وإمضاء لما بعده.

(٣) خبر «أمّا الواقعة» أي : فحكم العقود الواقعة على البدل المجاز حكم العقود الواقعة على المعوض ابتداء ـ وهو العبد في مثال المصنف قدس‌سره ـ حيث إنّ الرغيف صار ملكا للمجيز كملكية العبد له ، فيجري عليه ما يجري على العبد من الاحتياج إلى إجازة مستقلّة ، ومن كون الإجازة فسخا لما قبل العقد المجاز ، وإمضاء لما بعده.

(٤) يعني : وحاصل ما ذكرناه في مسألة ترتّب العقود الواقعة على مال المجيز أو عوضه : أنه لو أنشئت عقود متعددة مترتبة على مال المجيز ، فإن وقعت تلك العقود من أشخاص متعددة ـ كما إذا باع الفضولي عبد المالك بفرس من زيد ، ثم باعه زيد بكتاب من عمرو ، ثم باعه عمرو بدينار من بكر ـ كانت إجازة المالك بيع العبد بالكتاب ردّا لما قبله ، إذ لو كان بيع العبد بالفرس ـ الذي هو قبل العقد المجاز ـ صحيحا لم يكن العبد ملكا لمالكه الأصلي حتى تصحّ له إجازة بيع العبد بالكتاب ، لأنّ العبد حينئذ ملك لزيد ، فإجازة المالك العقد الوسط ـ وهو بيع العبد بكتاب ـ ردّ لما قبله من بيع العبد بالفرس.

٤١٤

فإن وقعت (١) من أشخاص متعدّدة (*) كانت إجازة وسط منها (٢) فسخا لما قبله ، وإجازة (٣) لما بعده (٤) على الكشف (٥). وإن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر (٦).

______________________________________________________

(١) أي : فإن وقعت العقود ـ الواقعة على مال المجيز ـ من أشخاص .. إلخ.

(٢) أي : من العقود ، و «فسخا» خبر «كانت» وقد عرفت تقريب الفسخ.

(٣) معطوف على «فسخا» يعني : أنّ إجازة عقد من تلك العقود تكون إجازة لما بعده من العقود ، وذلك لأنّ الإجازة توجب دخول العبد في ملك صاحب الكتاب. فالعقود الواردة عليه كبيعه بالدينار صحيحة ، لأنّ بائعه باعه مالكا له. والناس مسلّطون على أموالهم.

(٤) أي : لما بعد العقد الوسط المجاز ، كبيع العبد بالدينار في المثال المذكور.

(٥) يعني : أنّ ما ذكرناه ـ من كون إجازة العقد الوسط فسخا لما قبله وإمضاء لما بعده ـ مبنيّ على كاشفية الإجازة ، حيث إنّها تكشف عن كون المبيع ملكا للمشتري من زمان صدور العقد ، فتصح العقود المتأخرة عن العقد المجاز. وهذا بخلاف ناقلية الإجازة ، لعدم خروج المبيع عن ملك المالك قبل الإجازة.

(٦) يعني : إن وقعت العقود عن شخص واحد انعكس الأمر ، بأنّ الإجازة إجازة لما قبله ، وفسخ لما بعده.

__________________

(*) لم يظهر وجه التقييد بتعدد من أوقع العقود ، إذ ليس المدار في كون إجازة العقد الوسط فسخا لما قبله وإجازة لما بعده على التعدد المذكور ، بل المدار في ذلك على إناطة صحة بعضها بصحة بعضها الآخر. فيمكن أن يكون العاقد متعددا ، ومع ذلك يكون العقد المجاز فقط صحيحا ، كالعقود المتعددة الصادرة من فضول متعدد على متاع واحد. فإنّ إجازة المالك واحدا من تلك العقود تصحّح العقد المجاز دون غيره.

إلّا أن يريد بالتعدد تعدد المشتري ، بأن يكون العاقد في كل بيع هو المشتري في البيع السابق ، بقرينة قوله في ذكر المثال : «ويجمع الكل فيما إذا باع عبد المالك بفرس ، ثم باعه المشتري بكتاب» فإنّ قوله : «باعه المشتري» قرينة على كون المراد بالعقود المتعددة هو وقوع كل عقد منها عن خصوص المشتري في ذلك العقد ، لا مطلقا ولو من فضولي آخر.

٤١٥

ولعلّ هذا (١) هو المراد من المحكي عن الإيضاح والدروس في حكم ترتّب العقود من (٢) «أنّه إذا أجاز عقدا على المبيع (٣) صحّ (٤) وما بعده ، وفي الثمن ينعكس (٥)» (١) فإنّ (٦) العقود المترتّبة على المبيع لا يكون إلّا من أشخاص متعدّدة (٧).

______________________________________________________

(١) أي : ولعلّ كون إجازة العقد الوسط من العقود المتعددة الصادرة من أشخاص فسخا لما قبله وإجازة لما بعده ، وكون الإجازة مع وقوع العقود من شخص واحد إجازة لما قبله وفسخا لما بعده ـ عكس الأوّل ـ مراد صاحبي الإيضاح والدروس من عبارتهما المحكية في حكم ترتب العقود.

(٢) بيان للعبارة المحكية عن الإيضاح والدروس ، يعني : أنّ العبارة المحكية هي هذه.

(٣) وهو مال المجيز كالعبد في المثال المذكور في المتن ، والمجيز هو المالك.

(٤) لأنّ خروج المبيع عن ملك المالك بسبب إجازته العقد الوسط يوجب صحة كل عقد يقع عليه.

(٥) والعكس هو صحة العقد المجاز وما قبله ، وبطلان ما بعده.

(٦) هذا الكلام من المصنف ، وهو تعليل لقوله : «ولعل هذا هو المراد» وتأييد لما احتمله من مرادهما.

(٧) مثل ما تقدّم من بيع العبد بفرس ، ثم بيع المشتري له بكتاب ، ثم بيعه بدينار ، فإنّ صحة العقود الواقعة بعد العقد المجاز مترتّبة على خروج العبد عن ملك مالكه بسبب إجازة العقد الوسط ، وهو بيع العبد بالكتاب ، فلا بدّ من الالتزام بصحّة ما بعد العقد المجاز من العقود ، لصيرورة مالك العبد أجنبيّا عن العبد مع فرض خروجه عن ملكه ، فيصحّ كلّ عقد يجري عليه بعد العقد المجاز.

بخلاف العقود السابقة على العقد المجاز ، فإنّ إجازة بيع العبد بالكتاب تكشف عن

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٨ ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٣ ، والحاكي عنهما المحقق الثاني في جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٠ ، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩١ ، وغيرهما.

٤١٦

وأمّا العقود المترتّبة على الثمن فليس مرادهما (١) أن يعقد على الثمن الشخصيّ مرارا (٢) ، لأنّ (٣) حكم ذلك (٤) حكم العقود المترتّبة على المبيع ، على ما سمعت سابقا من (٥) قولنا : «أمّا الواقعة على هذا البدل المجاز» إلى آخره (٦). بل (٧) مرادهما ترامي

______________________________________________________

رضاه بمبادلة عبده بالكتاب ، وعدم رضاه بمبادلته بالفرس ، فالعبد باق على ملكه حتى يصحّ له إجازة بيعه بالكتاب.

(١) أي : مراد الإيضاح والدروس ، وحاصله : أنّ الثمن ليس كالمثمن في جريان العقود العديدة على الثمن الشخصي كجريانه على المثمن الشخصي ـ كالعبد الواقع مثمنا في العقود الثلاثة من بيعه تارة بالفرس ، واخرى بالكتاب ، وثالثة بالدينار ـ حتى تبطل العقود السابقة ، وتصح العقود اللاحقة ، كصحة العقود اللاحقة الجارية على المثمن. بل المراد وقوع بيوع متعددة على أثمان عديدة متغايرة ، كبيع الفضولي عبد المالك بفرس ، ثم بيع الفرس بدرهم ، ثم بيع الدرهم برغيف ، ثم بيع الرغيف بعسل.

(٢) كأن يبيع المشتري الرغيف الذي هو ثمن الدرهم بعسل من زيد ، ثم يبيع زيد الرغيف من عمرو باللّبن ، ثم يبيع عمرو الرغيف من بكر بدبس ، فإنّه قد مرّ آنفا : أنّ حكم البيوع الواقعة على الثمن الشخصي حكم العقود المترتبة الواقعة على المبيع ، كالعبد الذي وقع عليه بيوع ثلاثة من بيعه تارة بالفرس ، واخرى بالكتاب ، وثالثة بالدينار.

(٣) تعليل لقوله : «فليس مرادهما» يعني : ليس مرادهما من قولهما : «وفي الثمن ينعكس» وقوع بيوع على ثمن شخصي ، لأنّ حكم ذلك حكم العقود الواقعة على المبيع الشخصي ، وهو صحة العقود اللّاحقة على العقد المجاز ، وبطلان السابقة عليه ، مع أنّهما حكما بصحة السابقة وبطلان اللاحقة ، فلا بدّ أن يريدا ترامي الأثمان.

(٤) أي : حكم وقوع العقود على الثمن الشخصي مرارا حكم العقود الواقعة على المبيع الشخصي. وهو بطلان العقود السابقة على العقد المجاز ، وصحة اللاحقة له.

(٥) بيان للموصول في قوله : «ما سمعت».

(٦) قد تقدم ذلك في (ص ٤١٤).

(٧) إضراب على قوله : «فليس مرادهما» وقد عرفت المراد بترامي الأثمان بقولنا : «بل المراد وقوع بيوع متعددة على أثمان عديدة .. إلخ».

٤١٧

الأثمان في العقود ، كما صرّح بذلك (١) المحقّق والشهيد الثانيان (١).

وقد علم من ذلك (٢) أنّ مرادنا بما ذكرنا في المقسم (٣) ـ من العقد المجاز على عوض مال الغير (٤) ـ ليس (٥) العوض الشخصي الأوّل (٦) له (٧) ، بل العوض ولو بواسطة (٨).

______________________________________________________

والحاصل : أنّه ليس مراد الإيضاح والدروس بقولهما : «وفي الثمن ينعكس» هو العقود الواقعة على الثمن الشخصي ، لأنّ حكمها حينئذ صحة العقود اللاحقة وبطلان السابقة ، لا صحة السابقة وبطلان اللاحقة ، كما هو مرادهما بقولهما : «وفي الثمن ينعكس».

(١) أي : بكون مراد فخر المحققين والشهيد من العقود المترتبة على الثمن هو ترامي الأثمان في العقود المتعددة ، لا وقوع العقود على الثمن الشخصي مرارا.

(٢) أي : ممّا ذكرناه في توضيح كلام صاحبي الإيضاح والدروس ـ من أنّ مرادهما من العقود المترتبة على الثمن هو ترامي الأثمان ، لا العقود الواقعة على الثمن الشخصي مرارا ـ علم أنّ مرادنا بما ذكرناه في المقسم ـ وهو قوله في (ص ٣٩٩) : «المجاز إمّا العقد الواقع على نفس مال الغير ، وإما العقد الواقع على عوضه .. إلخ» ـ هو العوض مطلقا وإن كان مع الواسطة ، فإنّه قد علم من الأمثلة التي ذكرها المصنف قدس‌سره أنّ المراد بعوض مال الغير أعمّ من العوض الشخصي ، فيشمل العوض مطلقا سواء أكان بلا واسطة كالفرس الذي هو عوض العبد الذي هو مال الغير ، أم مع الواسطة كالرغيف والدرهم والعسل والحمار ، فإنّها أبدال طوليّة للعبد ، وأعواض مع الواسطة له.

(٣) قد مرّ آنفا المراد بالمقسم.

(٤) كالعبد الذي بيع فضولا.

(٥) خبر قوله : «ان مرادنا» ، والجملة في محل رفع نائب فاعل ل «علم».

(٦) كالفرس الذي هو العوض الشخصي الأوّل عن العبد.

(٧) أي : لمال الغير.

(٨) كما مرّ في الأمثلة المتقدمة ، فإنّ العوض ـ في كل بيع ـ يقع معوّضا في بيعه

__________________

(١) لاحظ : جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٠ ، مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٥٩ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٣٣.

٤١٨

ثمّ إنّ هنا (١) إشكالا في شمول الحكم بجواز تتبّع العقود

______________________________________________________

الآخر ، كما إذا باع الفضول عبد الغير بفرس ، ثم باع الفرس بدرهم ، ثم باع الدرهم برغيف ، ثم باع الرغيف بعسل.

هذا تمام الكلام في حكم إجازة بعض العقود المترتبة بناء على كلّ من الكشف والنقل ، وسيأتي التعرض لإشكال يختص بما إذا علم المشتري بغصبية المبيع.

إشكال جواز تتبع العقود لو علم المشتري بالغصب

(١) أي : إنّ في جواز إجازة المالك أيّ عقد من العقود ـ الجارية على عين ماله أو على عوضه ـ إشكالا في صورة علم المشتري بغصبية المبيع ، نبّه عليه العلّامة ، وأوضحه فخر الدين وقطب الدين الرازي والشهيد قدس‌سرهم ، وقد تقدم الإشارة إليه في ثالثة مسائل بيع الفضولي ، فراجع (١). وناسب التعرض له هنا أيضا.

وكيف كان فمحصل الاشكال : أنّه يلزم أن يكون البيع المجاز بيعا بلا ثمن ، وبطلانه واضح. ومنشأ هذا المحذور ما ذهب إليه الفقهاء من عدم ضمان البائع ـ الغاصب ـ للثمن الذي يأخذه من المشتري بإزاء المبيع المغصوب ، مع فرض علم المشتري بغصبية المبيع ، إذ لا يتحقق حينئذ مفهوم المعاوضة التي حقيقتها كون كلّ من المالين بإزاء الآخر ، لفرض أنّه لا يكون بإزاء المبيع مال ، لكون التسليط على الثمن مع العلم بغصبية المبيع مجانيا ، فالضمان المعاوضي المقوّم للبيع مفقود هنا ، فإجازته كالعدم ، لكونها إجازة لبيع بلا ثمن ، ومن المعلوم أنّه ليس بيعا.

فصورة علم المشتري بغصبية المبيع للبائع الفضول خارجة موضوعا عن مسألة تتبع العقود ، وإجازة المالك لأيّ عقد شاء من العقود الجارية على عين ماله أو بدله.

وبعد صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب بسبب تسليط المشتري ، فإذا اشترى الغاصب لنفسه سلعة بالثمن المزبور صارت السلعة ملكا له ، فلا يكون البيع الأوّل ولا هذا الشراء ـ وكذا العقود اللاحقة الواقعة على هذه السلعة ـ مرتبطين بالمالك الأوّل حتى يكون له الإجازة والتتبّع.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٦٠٦ ـ ٦١٠.

٤١٩

لصورة (١) علم المشتري بالغصب أشار إليه العلّامة رحمه‌الله في القواعد (٢) ، وأوضحه قطب الدين والشهيد في الحواشي المنسوبة (*) إليه.

______________________________________________________

أمّا البيع الأوّل فلكونه بيعا بلا ثمن ، لعدم دخول الثمن في ملك مالك المبيع.

وأمّا البيع الثاني فلوقوعه لنفس الغاصب ، بعد صيرورة الثمن بسبب التسليط ملكا له ، فيقع البيع له. وكذا ما بعده من البيوع الواقعة على ذلك الثمن المغصوب.

وأمّا الواقعة على عين المال لأشخاص بأثمان اخرى ـ غير ذلك الثمن المدفوع إلى البائع الغاصب ـ فللمالك إجازة أيّ واحد من تلك العقود الجارية على المثمن ، لعدم خروجه عن ملك مالكه ، فله أن يجيز أيّ عقد شاء من العقود الجارية على عين ماله أو عوضه.

وعلى هذا فجعل الإشكال في الإجازة وفي تتبع العقود من الخروج الموضوعي أولى من جعله من الخروج الحكمي.

(١) متعلق ب «شمول» والمراد بالحكم هو جواز إجازة المالك العقود الواقعة على ماله أو بدله.

(٢) قال في شروط المتعاقدين : «وللمالك تتبّع العقود ورعاية مصلحته ، ومع علم المشتري إشكال» (١) ، يعني : ومع علم المشتري بغصبيّة المبيع فضولا إشكال في إجازة المالك الأصيل العقد الواقع على نفس ماله ، وتتبع العقود الواقعة على ماله أو عوضه.

__________________

(*) هذه الكلمة توهم عدم الجزم بانتساب كتاب «حواشي الشهيد على قواعد العلّامة» إليه. مع أن الحاشية المنقولة في المتن نسبها السيد الفقيه العاملي قدس‌سره إلى الشهيد ، فقال : «وقال الشهيد في حواشيه ..». والظاهر أن منشأ الشبهة كلام صاحب الرياض على ما حكاه عنه في الذريعة وارتضاه ، حيث قال : «وقال صاحب الرياض : الحق أنّها بعينها الحواشي النجارية التي دوّنها الشيخ جمال الدين أحمد بن النجار تلميذ الشهيد. أقول :

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩.

٤٢٠