هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

والأقوى هنا (١) أيضا (٢) الصحّة ـ ولو على القول ببطلان الفضولي (٣) ـ والوقوف (٤) على الإجازة ، بمثل (٥) ما مرّ في الثالثة (٦). وفي عدم الوقوف هنا (٧) وجه (*)

______________________________________________________

غيره ، فليس العاقد أجنبيا عن المالك حتى يصير العقد عقد غير المالك ، ويندرج في عقد الفضولي.

وهذه الصورة تنطبق على القسم الخامس من الأقسام التسعة التي ذكرها صاحب المقابس. قال قدس‌سره : «الخامس : أن يبيع أو يشتري لنفسه ، ثم ينكشف كونه مالكا للمال ، وأنّ العقد صادف ملكه. والأقرب صحة البيع وعدم توقفه على الإجازة ، ووجهه ما مضى في الرابع» (١). والمصنف قدس‌سره وافقه في الصحة ، وخالفه في الاستغناء عن الإجازة ، وإن جعله المصنف وجها كما سيأتي.

(١) أي : في الصورة الرابعة ، وهي بيع المالك لنفسه مع اعتقاد أنّ المبيع لغيره.

(٢) أي : كالصورة الثالثة ، وهي : بيع العاقد عن المالك ، وانكشاف كونه هو المالك للمبيع.

(٣) لما مرّ آنفا من خروجه موضوعا عن الفضولي.

(٤) معطوف على «الصحة» يعني : والأقوى صحة العقد ووقوفه على الإجازة.

(٥) متعلق ب «الوقوف» وغرضه بيان مماثلة الصورتين في كلّ من الصحة والوقوف.

(٦) أي : في الصورة الثالثة ، وهي : أن يبيع عن المالك ، ثم ينكشف أنّه هو المالك.

(٧) أي : في الصورة الرابعة وجه لا يجري في الصورة الثالثة. ومحصّل ذلك الوجه هو : مطابقة ما قصد لما انكشف في هذه الصورة الرابعة ، إذ المفروض أنّه قصد البيع لنفسه ، وانكشف كون المال له. بخلاف الصورة الثالثة ، فإنّ المقصود ـ وهو البيع عن المالك ـ والمنكشف وهو كون العاقد نفس المالك ليسا مطابقين ، بل هما متغايران ، فتحتاج الصورة الثالثة إلى الإجازة ، دون الرابعة.

__________________

(*) لكنّه غير وجيه ، لأنّ طيب النفس حاصل بماله الادّعائي ، لا بماله الواقعي. ولو علم بأنّه من أمواله الواقعية ، دون أمواله المغصوبة ، فلعلّه لم يكن راضيا ببيعه. فلا فرق

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٨.

٣٨١

لا يجري في الثالثة ، ولذا (١) قوّى اللزوم هنا (٢) بعض من قال بالخيار في الثالثة (٣).

______________________________________________________

(١) يعني : ولأجل هذا الوجه ـ وهو اتحاد المقصود والمنكشف في الصورة الرابعة دون الصورة الثالثة ـ قوّى بعض الأعلام لزوم العقد في الصورة الرابعة ، وعدم حاجته إلى الإجازة. بخلاف الصورة الثالثة ، فإنه اختار فيها وقوفها على الإجازة.

(٢) أي : في الصورة الرابعة ، والمراد بالبعض كما عرفت صاحب المقابس قدس‌سره.

(٣) وهي : أن يبيع عن المالك ، ثم ينكشف كونه مالكا.

__________________

في عدم تأثير العقد بنفسه بين الرضا ببيع المال بعنوان أنّه لغيره ، وبين بيعه بعنوان أنّه منه ادّعاء ، مع كونه ماله واقعا.

فما في حاشية السيد قدس‌سره «ولا يضرّ الاعتقاد المفروض بعد هذا البناء» (١) غير ظاهر ، لأنّ الرّضا ببيع مال الغير مع البناء على كونه ماله ادّعاء وعدوانا ليس رضا حقيقة ببيع ماله الواقعي ، مع ظهور أدلة اعتبار «طيب نفس المالك في حلّ ماله لغيره» في كون الطيب والرضا بماله بوصف كونه ماله ، لا رضاه بذات المال. وهو ما يقتضيه العقل أيضا بقبح التصرف في مال الغير من غير رضاه.

ومع الغضّ عن ظهور الأدلة فالأصل ـ أعني به الاستصحاب ـ يقتضي أيضا عدم جواز التصرف إلّا برضا مالك المال بالتصرف في ماله الواقعي بما أنّه ماله ، لا مجرّد جنس الرضا القائم بذات ماله بدون إحراز ملكية المال له واقعا ، فإنّه غير مشمول لمثل قوله عليه‌السلام : «لا يحلّ مال امرء إلّا بطيب نفسه» فإنّ ظاهره إناطة حلية التصرف في مال الغير بطيب نفسه بالتصرف في ماله بما أنّه ماله واقعا ، لا بما اعتقد أنّه مال الغير كما هو مفروض بحثنا ، لكن بنى اقتراحا على أنّه ماله وإن انكشف كونه ماله واقعا.

بل يمكن أن يقال بفساد البيع هنا ، لعدم قصد المعاوضة ، إذ المفروض ـ مع اعتقاد العاقد كون المال لغيره ـ أنّه أخذ العوض عن المشتري مجّانا ، حيث إنّه بحسب اعتقاده يعطي المثمن الذي ليس مالكا له حتى يكون ما يبذل له المشتري ثمنا وعوضا عنه ، بل يأخذ الثمن من المشتري مجّانا ، وهذا ينافي المعاوضة المقوّمة للبيع ، فتأمّل.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٧٠.

٣٨٢

وأمّا (١) القول في المجاز (٢) فاستقصاؤه (٣) يكون ببيان أمور :

الأوّل (٤) : يشترط (*) فيه كونه (٥) جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره

______________________________________________________

الكلام في المجاز

(١) معطوف على قوله في (ص ٥) : «أمّا حكمها ..».

(٢) صفة للعقد الذي يتوقف نفوذه على إجازة من له ولاية الإجازة.

(٣) أي : فاستقصاء القول يكون .. إلخ.

اعتبار كون العقد المجاز جامعا للشروط

(٤) هذا أوّل الأمور التي توجب قابليّة العقد للإجازة ، ومحصل هذا الأمر هو : أنّه لا بدّ في تأثير العقد المجاز من اجتماع جميع الشرائط المعتبرة في تأثير العقد ونفوذه فيه ـ مع الغضّ عن الإجازة ـ من شروط المتعاقدين من البلوغ والعقل وقصد المدلول قصدا جدّيّا ، وشروط العوضين من المملوكية والمعلومية ، وشروط نفس العقد من العربية والماضوية وغيرهما. فالمفقود من شرائط العقد في البيع الفضولي هو رضا المالك فقط ، بحيث لو أحرز رضاه لأثّر العقد.

(٥) هذا الضمير وضميرا «فيه ، تأثيره» راجعة إلى المجاز المراد به العقد.

__________________

(*) لا ينبغي الإشكال في أصل الاشتراط ، فإنّ جهة البحث في عقد الفضول ـ وهي كون الرضا اللّاحق كالرضا المقارن وعدمه ـ تنادي بأعلى صوتها بأنّ مورد هذا البحث هو العقد الجامع للشرائط الفاقد لمقارنة رضا المالك فقط ، فعقد الفضول المجاز لا بدّ أن يكون جامعا للشرائط ، وإلّا فلا تصلحه الإجازة.

ويشهد لذلك أنّ المالك لو باع ماله مع الرضا بعقد فاقد لبعض شرائطه لم يكن صحيحا ، ولم يترتب عليه النقل والانتقال. وليس عقد الفضولي أقوى من عقد نفس المالك.

٣٨٣

عدا رضا المالك ، فلا (١) يكفي اتّصاف المتعاقدين بصحّة الإنشاء ، ولا (٢) إحراز سائر

______________________________________________________

(١) هذا متفرّع على اعتبار اجتماع كافة الشرائط في العقد المجاز ، إذ لازمه عدم كفاية بعض الشرائط فيه ـ كاتصاف المتعاقدين بصحة الإنشاء ـ مع فرض انتفاء سائر الشرائط.

(٢) معطوف على «فلا» يعني : ولا يكفي إحراز الشرائط بالنسبة إلى الأصيل فقط.

__________________

نعم يقع الإشكال في أنّ العبرة في اجتماع الشرائط هل هي بحال العقد أو الإجازة أو كليهما؟ والمرجع في ذلك أدلة الشرائط المعتبرة في العقد. والظاهر من الأدلة أنّ الشروط المعتبرة في المعاملة البيعية على أنحاء :

فمنها : ما يعتبر في نفس الإنشاء كالعربية والماضوية والمطابقة والموالاة والتنجيز ونحوها ، فإنّ هذه الشرائط معتبرة حال العقد ، فلا بدّ أن يكون عقد الفضول جامعا لشرائط إنشاء العقد ، ومع فقدها لا تجدي الإجازة ، ولا أثر لها.

ومنها : ما يعتبر في المالك ، فإنّه لا بدّ من حصوله فيه حين ترتب الأثر كالملكية على العقد ، نظير إسلام مشتري العبد المسلم والمصحف الشريف ، فإنّ دليل عدم تملك الكافر للمصحف والمسلم ـ على ما قيل ـ لا يقتضي إلّا وجود الإسلام حين الملك لا حين العقد ، فلو باع الفضولي العبد المسلم ـ والمصحف ـ من كافر يوم الجمعة ، وأسلم المشتري الكافر يوم السبت ، وأجاز مالكهما ذلك البيع الفضولي يوم الأحد ، صحّ البيع ، وانتقلا إلى المشتري الذي أسلم يوم السبت ، لثبوت الشرط فيه ، وهو الإسلام حين ترتب الأثر أعني به النقل والانتقال.

ومنها : ما يعتبر في مالك العقد ، سواء أكان مالكا للعين أم مالكا للتصرف ، وذلك الشرط كالقدرة على التسليم ، فإنها شرط في من له العقد ، سواء أكان هو المباشر للعقد أم غيره ، إذ دليل هذا الشرط ـ وهو دليل نفي الغرر ـ يقتضي اعتبار هذا الشرط في خصوص من له العقد ، دون غيره وإن كان مجريا للصيغة ، إذ مجرّد إجراء الصيغة لا يوجب ارتباطه بالمعاملة حتى يعتبر أن يكون إقدامه غير غرري ولا خطري.

وأمّا من له العقد ، فإن باشر العقد لزم أن يكون قادرا على التسليم حين العقد ، لأنه ظرف استحقاق التسليم. وإن أجاز العقد اعتبر أن يكون قادرا على التسليم حين الإجازة حتى لا يكون إجازته الموجبة لكون العقد له غررية.

٣٨٤

الشروط بالنسبة إلى الأصيل فقط على الكشف ، للزومه (١) عليه (٢) حينئذ (٣) ، بل مطلقا (٤) ، لتوقّف (٥) تأثيره الثابت ـ ولو على القول بالنقل ـ عليها (٦) ، وذلك (٧) لأنّ

______________________________________________________

(١) علّة للمنفي وهو الكفاية ، بتقريب : أنّ لزوم العقد على الأصيل من حين العقد ـ كما هو مقتضى الكشف ـ يكشف عن كفاية اجتماع الشرائط فيه ، إذ مع انتفائها لا وجه للزوم العقد عليه.

(٢) أي : لزوم العقد على الأصيل.

(٣) أي : حين البناء على الكشف ، إذ بناء على النقل لا لزوم للعقد على الأصيل من حين العقد حتى يعتبر فيه اجتماع الشروط حين العقد.

(٤) إضراب على قوله : «على الكشف» يعني : لا يختص اعتبار الشروط في الأصيل بكاشفية الإجازة ، بل لا بدّ من اعتبار اجتماع الشروط فيه حتى على القول بناقلية الإجازة ، وذلك لأنّ تأثير العقد مطلقا ـ وإن كانت الإجازة ناقلة ـ موقوف على اجتماع شرائط العقد حين صدوره ، لأنّ العقد الصحيح يؤثّر ، إذ ليست الإجازة إلّا رضا بالعقد وإمضاء له. وإنّما المقتضي للتأثير هو نفس العقد ، ولا يؤثر إلّا إذا كان جامعا للشروط ، ولذا لو باع المالك مع طيب نفسه بالبيع وكان العقد فاقدا لبعض الشروط كالعربيّة والماضويّة ـ بناء على اعتبارهما فيه ـ كان فاسدا غير مؤثر في النقل والانتقال.

(٥) تعليل لاعتبار اجتماع الشرائط في الأصيل مطلقا حتى على القول بالنقل. فقوله : «لتوقف» من كلام من زعم كفاية اجتماع شرائط العقد في الأصيل مطلقا سواء أكانت الإجازة كاشفة أم ناقلة.

(٦) أي : على الشروط ، وضمير «تأثيره» راجع إلى العقد.

(٧) تعليل للنفي أعني به عدم كفاية وجود الشروط في الأصيل فقط ، كشفا ونقلا ، وإناطة تأثير العقد باجتماع جميع الشروط المعتبرة في العقد ـ حين صدوره ـ في الفضول أيضا ، لأنّ العقد إمّا تمام السبب ، والإجازة كاشفة عن تماميته ، كما أفاده المحقق الثاني قدس‌سره وقد تقدم كلامه في (ص ١٥). وإمّا جزء السبب ، والعقد قائم بالأصيل والفضول معا ، فلا بدّ من تحقق الشروط في كليهما.

٣٨٥

العقد إمّا تمام السبب أو جزؤه. وعلى أيّ حال (١) فيعتبر اجتماع الشروط عنده (٢). ولهذا (٣) لا يجوز الإيجاب في حال جهل القابل بالعوضين. بل لو قلنا بجواز ذلك (٤) لم يلزم منه الجواز هنا (٥) ، لأنّ (٦) الإجازة على القول بالنقل أشبه بالشرط.

______________________________________________________

(١) يعني : سواء أكان العقد تمام السبب في النقل والانتقال أم جزءه ، يعتبر اجتماع الشروط عند إنشاء العقد ، فإنّ مقتضى شرطيتها ذلك ، إلّا إذا دلّ دليل الشرطية على عدم اعتبار مقارنة الشرط للعقد ، كما أشرنا إليه في التعليقة السابقة.

(٢) أي : عند العقد.

(٣) أي : ولأجل اعتبار كون العقد جامعا للشروط عند صدوره ذهب الفقهاء إلى عدم جواز الإيجاب مع جهل القابل بالعوضين ، حيث إنّ علمه بهما شرط للعقد عند صدوره ، فمع الجهل بهما لا يصحّ الإيجاب وإن علم بهما حال القبول.

(٤) أي : جواز الإيجاب مع جهل القابل بالعوضين ، وعلمه بهما حال القبول. والغرض من هذا الإضراب أنّه على القول بجواز الإيجاب مع جهل القابل بالعوضين والإكتفاء بعلمه بهما عند القبول ـ في غير عقد الفضول ـ لا يلزم منه جواز خلوّ عقد الفضول الذي هو محلّ البحث عن بعض الشرائط حال وقوع العقد مع حصوله في حال الإجازة.

(٥) أي : في العقد الفضولي.

(٦) تعليل لعدم الملازمة بين الالتزام بجواز الإيجاب في ظرف جهل القابل بالعوضين ، وبين الالتزام بجواز خلوّ العقد عن بعض الشرائط حين إنشائه مع كون الشرط المفقود حاصلا حال الإجازة في عقد الفضولي.

وحاصل الفرق : أنّ كلّا من الإيجاب والقبول جزء للعقد ، والعلم بالعوضين حال القبول علم بحال المبيع قبل تمام إنشاء البيع. بخلاف عقد الفضولي ، فإنّ الإجازة فيه ليست جزءا من البيع حتى يكون حصول شرطها قبل تحقق نفس الإجازة من حصول الشرط قبل تمامية البيع ، إذ ليس البيع إلّا نفس الإيجاب والقبول. وأمّا الإجازة ـ على تقدير جزئيّتها ـ فهي جزء للمركّب من العقد والإجازة ، لا لنفس العقد.

٣٨٦

ولو سلّم كونها (١) جزءا فهو جزء للمؤثّر (٢) لا للعقد ، فيكون جميع ما دلّ من النصّ والإجماع على اعتبار الشروط في البيع ظاهرة في اعتبارها في إنشاء النقل والانتقال بالعقد (٣).

نعم (٤) لو دلّ دليل على اعتبار شرط في ترتّب الأثر الشرعيّ على العقد ، من غير ظهور في اعتباره (٥) في أصل الإنشاء ، أمكن (٦) القول بكفاية وجوده

______________________________________________________

(١) أي : كون الإجازة ، غرضه أنّه ـ بعد تسليم كون الإجازة جزءا ـ نقول : إنّ جزئيتها ليست على حدّ جزئية الإيجاب والقبول للعقد الإنشائي ، بل هي جزء للسبب المؤثّر المركّب من العقد والإجازة ، فلا يكفى العلم بالشرائط قبل تمامية أجزاء العقد إلّا في القبول ، لأنّه جزء العقد. بخلاف الإجازة ، فإنّها جزء للسبب وهو العقد المنتسب إلى المالك ، وليست جزءا لنفس العقد حتى يجدي العلم بحصول شرائطها قبل تحقق نفس الإجازة.

(٢) وهو المركّب من العقد والإجازة ، فلا يصدق على حصول شرط الإجازة قبل تحقق نفسها ـ وبعد إنشاء الإيجاب والقبول ـ أنّه حصل قبل تمامية إنشاء البيع ، والمفروض أنّ الشرائط شرائط العقد لا المؤثر ، وهو العقد والإجازة.

(٣) وهو السبب ، وحقيقة البيع عند المصنف قدس‌سره هي : إنشاء النقل والانتقال الشرعي الذي هو معنى اسم المصدر المترتّب على النقل الإنشائي ، ويسمى بأثر البيع ، والمسبب عن العقد الإنشائي.

(٤) استدراك على اعتبار الشروط في إنشاء النقل الذي هو حقيقة البيع عند المصنف ، وحاصله : أنّه لو دلّ دليل شرط على اعتباره في المسبب وهو الأثر الشرعي ، ولم يدلّ على اعتباره في النقل الإنشائي الذي هو سبب الانتقال الشرعي ، أمكن أن يقال بكفاية وجود ذلك الشرط حين الإجازة الذي هو زمان المسبب أعني به الانتقال ، وعدم لزوم اقترانه بالعقد.

(٥) أي : في اعتبار ذلك الشرط في أصل النقل الإنشائي الذي هو السبب.

(٦) جواب الشرط في قوله : «لو دلّ».

٣٨٧

حين (١) الإجازة.

ولعلّ من هذا القبيل (٢) القدرة على التسليم ، وإسلام (٣) (*) مشتري

______________________________________________________

(١) الذي هو زمان ترتّب الأثر الشرعي أعني به الانتقال ، وعدم لزوم وجوده حين العقد. وجه الإمكان هو الإطلاق المقامي إن كان ، وإلّا فأصالة عدم الشرطية تقتضي عدم شرطيته للإنشاء.

(٢) أي : من قبيل كفاية وجود الشرط عند الإجازة ـ وعدم دلالة دليل الشرط على اعتباره في إنشاء النقل الذي هو البيع حقيقة عند المصنف كما أشرنا إليه آنفا ـ شرطيّة القدرة على التسليم ، كما إذا كان المبيع عبدا آبقا ، فإنّه يقال : إنّ القدرة على تسليمه ليست شرطا لإنشاء البيع ، بل هي شرط حال الإجازة ، لأنّ وجوب التسليم يكون بعد الانتقال الذي هو حال الإجازة. ففي هذه الحالة يعتبر أن يكون قادرا على التسليم. كما أنّه إذا كان مباشر العقد نفس المالك اعتبر فيه القدرة على التسليم حين إنشاء النقل ، لأنّه ظرف الانتقال.

(٣) معطوف على «القدرة» بتقريب : أن يكون إسلام مشتري المصحف والعبد المسلم شرطا لترتب الأثر وهو الانتقال ، وليس شرطا لإنشاء النقل حتى يلزم وجود إسلام المشتري حين الإنشاء ، فيكفي وجوده حين الإجازة.

__________________

(*) جعل إسلام مشتري المصحف والمسلم من قبيل الشرط المعتبر حين الإجازة ـ دون إنشاء النقل ـ مبني على دلالة آية «نفي السبيل للكافر على المؤمن» على نفي السلطنة وزمام أمور المؤمن بيد الكافر ، وعدم كون مجرد إضافة الملكية مع فرض محجورية الكافر عن كل تصرف في ملكه سبيلا له على المؤمن حتى يكون منفيا بالآية. فحينئذ تكون القدرة على التسليم شرطا في ترتب الأثر الشرعي ، فيكفي وجودها حين الإجازة.

لكن الأمر ليس كذلك ، ضرورة أنّ نفس إضافة الملكية سبيل أيضا ، لأنّها سيادة وعلوّ ومولوية للكافر على المؤمن ، فتكون شرطية إسلام مشتري المصحف والعبد المسلم كسائر الشروط المعتبرة في إنشاء النقل ، فلا يكفي إسلامه حال الإجازة. ولذا لو باع المالك المصحف والعبد المسلم مباشرة من الكافر كان البيع فاسدا ، ولا يقع موقوفا على إسلام المشتري. وهذا يدلّ على كون الإسلام شرطا مقارنا للإنشاء.

٣٨٨

المصحف والعبد (١) المسلم.

ثمّ (٢) هل يشترط بقاء الشرائط ـ المعتبرة حين العقد ـ إلى زمان (٣) الإجازة ، أم لا؟ لا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط بقاء المتعاقدين على شروطهما (٤) حتّى على القول بالنقل (*).

______________________________________________________

(١) معطوف على «المصحف».

(٢) غرضه التعرض لحكم بقاء الشرائط بعد الفراغ عن حكم حدوثها ، وأنّ بقاءها الى زمان تحقق الإجازة معتبر أو لا؟ وقد فصّل بين الشروط ، وقال : إنّ الشرائط على قسمين : فإن كانت معتبرة في تحقق المعاهدة كالبلوغ والعقل وقصد المدلول ، فلا ينبغي الإشكال في عدم اعتبار بقاءها إلى زمان الإجازة. وذلك لتحقق المعاقدة وعدم زوالها بارتفاع شرط من شرائطها.

وإن لم تكن معتبرة في صدق المعاهدة ، بل كانت دخيلة في الملكية كالحياة والاستقلال في التصرف ـ في قبال المحجور ـ اعتبر بقاؤها إلى زمان الإجازة.

(٣) متعلق ب «بقاء».

(٤) أي : شروط المتعاقدين ـ وهي العقل وقصد المدلول جدّيّا ـ لا يعتبر بقاؤها حتى على القول بكون الإجازة ناقلة ، ضرورة بقاء العقد في وعاء الاعتبار ، وعدم زواله بانتفاء شروط الإنشاء.

__________________

وببيان أوضح : يكون قوله تعالى (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ظاهرا في نفي جعل السبيل تشريعا للكافر على المؤمن. ولا ريب في كون إضافة الملكية جعلا شرعيا وسبيلا اعتباريا لكلّ مالك على مملوكه. ولا وجه لجعل السلطنة في الآية سلطنة خارجية ومالكية لأزمّة الأمور الدنيوية حتى يصح الالتزام بمالكية الكافر للمؤمن تشريعا ، ولا يصح تكوينا فقط.

(*) لا يبعد ابتناء اعتبار الشرائط ـ غير شرائط العاقد والإنشاء ـ في عقد الفضول على كون العاقد الفضول كالوكيل في إجراء الصيغة فقط ، أو كالوكيل المفوّض كما قيل؟ لكن الظاهر أنّه كالوكيل في إجراء الصيغة ، كما قد يشهد له صحة بيع الفضول صبرة من حنطة مثلا جاهلا بمقدارها مع علم المالك والمشتري بكيلها ووزنها ، فإنّ إجازة المالك

٣٨٩

.................................................................................................

__________________

حينئذ ملزمة لهذا العقد ، والقول ببطلانه وعدم نفوذ إجازة المالك فيه شطط من الكلام. فلو كان الفضول كالوكيل المفوّض لم يكن محيص عن بطلان العقد ، لأنّ الإجازة لا تؤثّر إلّا في العقد الجامع للشرائط إلّا رضا المالك.

وبالجملة : فالظاهر عدم اعتبار شروط العوضين في العاقد الفضول ، فالقدرة على التسليم كمعلومية العوضين من الشروط المعتبرة في من له العقد ، سواء أكان مالكا للعين أم مالكا لزمام أمر البيع كالولي ، وليست معتبرة في العاقد الفضولي.

نعم لو كان العوض ممّا لا يجوز لمالكه بيعه ، كما إذا كان أمّ ولد ، لم يجز بيعه للفضولي أيضا ، فلا بدّ من عدم وقوع بيع الفضول على ما لا يجوز بيعه للمالك.

فتلخّص : أن شرائط الإنشاء والمنشئ معتبرة في الفضول ، لتقوم العقد عرفا وشرعا بها. وأمّا شروط العوضين فالمتيقن من أدلتها اعتبارها في المالك للعين ، أو مالك زمام البيع كوليّ القاصر ، والوكيل المفوّض ، لأنّ موضوع تلك الشروط في الأدلة خصوص المتبايعين ، وصدق البائع على الفضول غير معلوم ، فموضوعيته لتلك الأدلة مشكوك فيها ، والتمسك بها لإثبات شروط العوضين له تشبث بالعام في الشبهة المصداقية ، وهو غير وجيه. ومع الشك في شمول أدلة العوضين للفضول فأصالة عدم الشرطية محكّمة ، فتلك الشرائط معتبرة في المالك.

ويمكن أن يكون الضابط في شرائط الإنشاء منع الخالق تعالى عن المعاملة ، كبيع أمّ الولد ونحوه ، بحيث لا يصحّ بيعه من الأصيل أيضا ، لكون المعاملة عصيانا له سبحانه وتعالى. فإن كان المانع كذلك لم يمكن الإنشاء لا من الأصيل ولا من الفضول.

ويستفاد هذا الضابط ممّا ورد في نكاح العبد بدون إذن سيّده من التعليل لصحة النكاح «بأنّه لم يعص الله وإنّما عصى سيّده» ومعصية السيد تجبر برضاه.

ولعلّ من هذا القبيل بيع المصحف والعبد المسلم من الكافر ، ولذا لا يجوز للأصيل أيضا بيعهما. فإذا باعهما الفضولي لم يصحّ بيعه ، وليس للمالك إجازته ، لأنّ العقد في نفسه باطل ، كنكاح المحارم ، والتزويج بأخت الزوجة قبل تطليقها. وليس قابلا للإجازة حتى بناء على ناقلية الإجازة كما لا يخفى. فلو أسلم المشتري الكافر فلا بدّ من تجديد العقد ، ولا تكفي الإجازة.

٣٩٠

نعم (١) على القول بكونها بيعا مستأنفا يقوى الاشتراط (٢).

وأمّا شروط العوضين (٣)

______________________________________________________

(١) استدراك على قوله : «لا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط» ومحصله : أنّه ـ بناء على كون الإجازة بيعا مستأنفا كما اختاره المحقق القمي وغيره (١) لا مجرّد إمضاء ورضا بما وقع من عقد الفضول ـ يقوى اشتراط بقاء شرائط المتعاقدين إلى زمان الإجازة ، لأنّ زمان الإجازة بناء على كونها بيعا مستأنفا زمان إنشاء المعاهدة ، ولا بدّ من تحقق شرائط المعاهدة ـ وهي شروط المتعاقدين ـ حين الإجازة ، فلا بدّ من وجود الشرائط في الأصيل والفضوليّ حين الإجازة التي هي معاملة جديدة.

(٢) أي : اشتراط بقاء المتعاقدين على شروطهما التي هي من شرائط إنشاء المعاقدة إلى زمان الإجازة. هذا بالنسبة إلى شرائط الإنشاء التي منها شروط المتعاقدين.

هل يعتبر بقاء شروط العوضين إلى زمان الإجازة؟

(٣) كقابليتهما للتملّك شرعا ، ومعلوميتهما ، ومقدوريتهما للتسليم ، وكونهما ملكا طلقا للمتعاقدين.

__________________

وأمّا القدرة على التسليم فليست كبيع المصحف ، لأنّ القدرة على التسليم اعتبرت للغرر.

وأمّا بيع العبد الآبق والدابة الشاردة والسمك في الماء والطير في الهواء فهو في نفسه جائز ، فإن قدر المشتري على التسلم صحّ البيع ، لاندفاع الغرر به ، وإن لم يقدر كلاهما على التسليم ، فللمشتري خيار فسخ البيع.

تكملة : إذا شك في كون شي‌ء شرطا للإنشاء أو للملكية ، ولم يكن موجودا حين الإنشاء ـ كمعلومية العوضين ـ فهل تنفذ الإجازة حينئذ ، أم لا؟ الظاهر العدم ، لأنّ الشك في الانتقال ، وأصالة الفساد تقتضي عدمه ، لرجوع الشك في تحقق موضوع الإجازة وهو العقد ، ومع عدم إحرازه لا تنفذ الإجازة.

__________________

(١) تقدم كلامه في ج ٤ ، ص ٥٦٢ ـ ٥٦٥ ، فراجع.

٣٩١

فالظاهر اعتبارها (*) بناء على النقل (١) (**). وأمّا بناء على الكشف فوجهان (٢) ، واعتبارها عليه أيضا غير بعيد (٣).

الثاني (٤):

______________________________________________________

(١) لأنّه بناء على النقل يكون زمان تأثير السبب ـ وهو إنشاء النقل ـ زمان الإجازة ، فلا بدّ من تحقق الشرائط حين تأثيره ، وإلّا لم تكن شرطا لتأثيره. هذا بناء على النقل.

(٢) منشأ هذين الوجهين هو اختلاف الاستظهار من أدلة الشروط ، فصاحب الجواهر قدس‌سره استظهر منها اعتبار استمرار الشروط إلى زمان الإجازة بناء على الكشف ، وقد تقدم كلامه في ثمرات الكشف والنقل ، والمصنف استظهر عدم اعتبار استمرار الشروط إلى زمان الإجازة ، وردّ كلام الجواهر في ثمرات الكشف والنقل ، فراجع (ص ١٣٩ ـ ١٤٣).

(٣) نفي البعد عن اعتبار استمرار الشروط مناف لما أفاده في ردّ الجواهر القائل باعتبار استمرار الشروط إلى زمان الإجازة على الكشف في ثمرات الكشف والنقل من قوله : «وفيه : أنّه لا وجه لاعتبار استمرار القابلية .. إلخ» فراجع (ص ١٣٩).

هل يعتبر علم المجيز بالمجاز تفصيلا؟

(٤) هذا ثاني الأمور التي أشار إليها المصنف قدس‌سره بقوله : «وأما القول في المجاز فاستقصاؤه يتمّ ببيان أمور» وفي هذا الأمر يبحث في مقامين :

__________________

(*) واعتبارها في المالك واضح. وأمّا في العاقد الفضول فغير ظاهر ، لأنّ موضوع تلك الشرائط هو المتبايعان ، وصدق البائع على الفضول غير ظاهر. فموضوع البحث في اشتراط البقاء الى زمان الإجازة هو نفس المالك الأصيل دون الفضول.

(**) بل بناء على كون العاقد الفضول كالوكيل المفوّض ، إذ بناء على كونه كالوكيل في إجراء الصيغة فقط لا يعتبر فيه إلّا شرائط الإنشاء ، سواء أكانت الإجازة ناقلة أم كاشفة كما أشرنا إليه سابقا.

٣٩٢

هل يشترط (*) في المجاز (١) كونه معلوما للمجيز بالتفصيل ، من تعيين العوضين ، وتعيين نوع العقد من كونه بيعا أو صلحا ـ فضلا عن جنسه من كونه نكاحا

______________________________________________________

الأوّل : في اعتبار العلم ـ تفصيلا أو إجمالا ـ بوقوع عقد في صحة الإجازة ، وعدم اعتبار العلم به مطلقا ، وكفاية احتمال وجوده في صحة الإجازة.

والثاني : في صحة تعلق الإجازة بالمبهم وعدمها.

(١) هذا هو المقام الأوّل ، وحاصله : أنّه هل يشترط في قابلية العقد للإجازة علم المجيز تفصيلا بالعقد ـ من تعيين العوضين وتعيين نوع العقد من كونه بيعا أو صلحا ، فضلا عن جنسه من كونه نكاحا لجاريته أو بيعا لها ـ فإن لم يعلم المجيز تفصيلا بالعقد فليس له إجازته؟ أم لا يشترط العلم التفصيلي به ، بل يكفي العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة ، إذ الغرض من اعتبار الإجازة في العقد الفضولي حصول أمرين.

أحدهما : رضا المالك وطيب نفسه بانتقال ماله إلى الغير.

وثانيهما : صيرورة عقد الفضول عقدا للمالك المجيز حتى يشمله عموم «أَوْفُوا» ومن المعلوم حصول هذين الأمرين بالعلم الإجمالي ، فلا حاجة إلى اشتراط العلم التفصيلي للمجيز.

__________________

(*) ينبغي أن يعدّ هذا الشرط من شرائط صحة الإجازة ، لا من شرائط العقد المجاز ، بأن يقال : هل يعتبر في صحة الإجازة كون المجاز معلوما للمجيز .. إلخ.

كما أنّه ينبغي أن يقال في عنوان البحث : هل يعتبر العلم بوجود العقد تفصيلا أو إجمالا في صحة الإجازة؟ أم يكفي في صحتها الاحتمال وفرض وقوعه ، كما إذا قال المالك : إن باع شخص فضولا داري أو آجرها أو صالحها فقد أجزته.

ثمّ إنّ في صورتي العلم الإجمالي بوقوع العقد أو احتماله هل يصح تعلق الإجازة بالمبهم أم لا؟ فهنا مقامان :

الأوّل : في اعتبار العلم بوجود العقد وعدمه. والثاني : في صحة تعلق الإجازة بالمبهم وعدمها ، سواء قلنا باعتبار العلم بوقوع العقد ، أم قلنا بعدمه.

والمصنف قدس‌سره اختار في المقام الأوّل اعتبار العلم التفصيلي بوقوع العقد ، استنادا فيه إلى أنّه بدون العلم بوقوعه يلزم التعليق ، لأنّه بمنزلة قوله : إن وقع بيع على مالي فقد أجزته.

٣٩٣

لجاريته ، أو بيعا لها ـ أم يكفي العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة؟ وجهان ، من

__________________

وحيث إنّ الإجازة بحسب الحقيقة أحد ركني العقد ، لحصول المعاهدة الحقيقية بين المتبايعين بها ، والتعليق مبطل للعقود ، فالإجازة التي هي بحكم العقد تبطل أيضا بالتعليق ، هذا.

والمحقق النائيني قدس‌سره أضاف إليه : عدم قابلية الإيقاعات للتعليق ، والإجازة من الإيقاعات ، فلا تقبل التعليق (١).

أمّا ما أفاده المصنف قدس‌سره فيتوجه عليه أوّلا : أنّ دليل بطلان التعليق هو الإجماع ، ومعقده نفس العقد ، ولا يشمل الإجازة التي هي بحكم العقد ، فإلحاق الإجازة بالعقد قياس باطل عندنا.

وثانيا : أنّ بطلان العقد بالتعليق يختص بأمر خارج عن العقد. وأمّا إذا كان بأمر يقتضيه نفس العقد وإن لم يصرّح به في متن العقد كقوله لزوجته : «إن كنت زوجتي فأنت طالق» فلا وجه لبطلانه ، فإنّ مثل هذا التعليق موجود في جميع العقود.

وأمّا ما أفاده المحقق النائيني قدس‌سره فلم يظهر مراده ، إذ لا معنى لعدم القابلية. ولعلّ مراده عدم المشروعية. وكيف كان فهو معقول ومشروع كالتدبير والوصية.

فالأقوى كفاية العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة ، لحصول الغرض من الإجازة ، وهو الرضا وانتساب العقد إلى المالك المجيز بالعلم الإجمالي ، من دون حاجة إلى العلم التفصيلي.

بل الأقوى كفاية مجرّد احتمال وقوع العقد ، وصحة إجازته معلّقة على وقوعه ، وذلك لما مرّ من عدم جزئية الإجازة للعقد حتى يقدح فيها التعليق ، إذ كونها وسيلة لانتساب العقد إلى المالك لا يدلّ على كونها جزءا للعقد حتى يكون حكم العقد ـ وهو بطلانه بالتعليق ـ ثابتا لها.

مضافا إلى : أنّ كل تعليق ليس مبطلا كما عرفت.

وقد ذكر المصنف قدس‌سره في المقام الثاني جواز تعلّق الإجازة بالمبهم ، لكونها كالإذن في جواز تعلقه بالمبهم. لكن القياس مع الفارق ، إذ متعلق الإجازة جزئيّ ، لكونه موجودا خارجيا. بخلاف متعلق الإذن ، فإنّه ليس موجودا خارجيا حتى لا يقبل الإبهام والتردد.

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٢٧٨ ، البيع والمكاسب ، ج ٢ ، ص ٢١٦.

٣٩٤

كون (١) الإجازة كالإذن السابق ، فيجوز تعلّقه (٢) بغير المعيّن ، إلّا (٣) إذا بلغ حدّا (٤) لا يجوز معه التوكيل. ومن (٥) أنّ الإجازة بحسب الحقيقة أحد ركني العقد ،

______________________________________________________

(١) هذا دليل كفاية العلم الإجمالي ، وعدم اشتراط علم المجيز تفصيلا بالعقد المجاز ، توضيحه : أنّ الإجازة كالإذن في الدلالة على الرضا وطيب نفس المالك ، فكما يجوز تعلق الإذن بغير المعيّن ، فكذلك الإجازة ، فيجوز أن يجيز المالك عقد الفضول مع عدم علمه تفصيلا بذلك العقد ، وأنّه هل هو بيع فرسه أم إجارة داره أم صلح عقاره؟ ولا فرق بين الاذن والإجازة إلّا في كون الإذن قبل العقد ودخيلا في حدوثه ، وكون الإجازة بعده ودخيلا في بقائه.

(٢) أي : تعلّق الإذن بالمبهم وغير المعيّن ، والأولى تأنيث الضمير ليرجع إلى ما هو المناسب للمقام ، أعني به الإجازة كما لا يخفى.

(٣) استثناء من قوله : «فيجوز تعلقه» ومحصّله : أنّ تعلق الإذن السابق بشي‌ء مبهم مشروط بما إذا لم يبلغ الإذن حدّا من الإبهام لا يجوز معه التوكيل ، كما إذا قال : «وكلتك أو أذنت لك في بيع شي‌ء من أموالي» فإذا بلغ ذلك الحدّ لم يجز شي‌ء من الإذن والتوكيل ، لبلوغ الإبهام حدّا يخرج عن دائرة اعتبار العقلاء.

(٤) المراد بذلك ما هو الخارج عن محيط اعتبار العقلاء ، بحيث يعد أمرا سفهيّا وغير عقلائي. وضمير «معه» راجع إلى «حدّ».

(٥) معطوف على «من كون» وهذا دليل اشتراط علم المجيز تفصيلا بالمجاز ، وعدم

__________________

ثمّ إنّ هذين المقامين أجنبيان عن حكم الإجازة من حيث الكشف والنقل ، بل يجري البحث عنهما على كلا القولين في الإجازة.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من صحة تعلق الإجازة بالعقد المعلوم إجمالا وقوعه أو المحتمل وقوعه إنّما هو في العقد الصحيح الجامع للشرائط. فإن كان فيه خلل في نفسه مع الغض عن إجازة المالك ـ بحيث لو كان المالك متصديا له كان العقد أيضا فاسدا ـ فهو خارج عن مورد البحث ، كما إذا كان العوضان مجهولين ، أو غير مملوكين ، أو لم تكن الصيغة عربية بناء على اعتبارها.

٣٩٥

لأنّ (١) المعاهدة الحقيقيّة إنّما تحصل بين المالكين بعد الإجازة ، فتشبه (٢) القبول (*) مع عدم تعيين الإيجاب عند القابل.

ومن هنا (٣) يظهر قوّة احتمال اعتبار العلم بوقوع العقد ، ولا يكفي مجرّد

______________________________________________________

كفاية علمه الإجمالي به ، ومحصّله : أنّ المعاهدة الحقيقية القائمة بالمالكين لا تحصل إلّا بالإجازة ، ولا تتحقّق بعقد الفضولي ، لعدم كونه مالكا ولا منصوبا من قبله. فالإجازة حينئذ كالقبول متمّمة لعقد الفضول ، ولذا تعدّ أحد ركني العقد ، فلا بدّ أن يكون المجيز عالما بما يجيزه من العقد حتى لا يلزم الغرر المنهي عنه في البيع وغيره.

(١) تعليل لكون الإجازة أحد ركني العقد ، حيث إنّها توجب المعاهدة الحقيقية وإن لم تكن أحد طرفي العقد الإنشائي.

(٢) أي : فتشبه الإجازة القبول.

(٣) أي : ومن كون الإجازة أحد ركني العقد ـ لحصول المعاهدة الحقيقية بين المالكين بها ـ يظهر .. إلخ. وهذا هو المقام الثاني أعني به اعتبار علم المجيز بوقوع العقد ، وعدم كفاية احتمال وجوده في صحة الإجازة.

تقريبه : أنّه ـ بناء على كون الإجازة أحد طرفي العقد ـ لا بدّ من إحراز وجود العقد حتى تصحّ إجازته ، وتكون أحد ركني العقد ، ولئلّا يلزم التعليق في الإجازة التي هي إيقاع ، وإن قيل بصحة التعليق في العقود.

__________________

(*) بل الظاهر أنّ الإجازة تشبه الإيجاب المتأخر عن القبول ، إذ المفروض وقوع القبول صحيحا من الأصيل ، وإيجاب الفضول لم يقع في محله ، فالإجازة تكون بمنزلة الإيجاب الواقع بعد القبول ، فهي متممة للعقد ، فلا بد من وجود عقد حتى تكون الإجازة متممة له.

ولعلّ نظره قدس‌سره في تشبيه الإجازة بالقبول إلى كونها كالقبول في عليّته للتأثير ، يعني : أن الإجازة كالقبول في كونها جزءا أخيرا لعلّة التأثير. لكن الإيجاب المتأخر كالقبول أيضا في كونه جزءا أخيرا لعلة التأثير. ولا بدّ من التأمّل في كلام المصنف قدس‌سره.

٣٩٦

احتماله (١) ، فيجيزه على تقدير وقوعه إذا انكشف (٢) وقوعه ، لأنّ (٣) الإجازة وإن لم تكن من العقود حتّى تشملها معاقد إجماعهم (*) على عدم جواز التعليق فيها ، إلّا أنّها (٤) في معناها. ولذا (٥) يخاطب المجيز بعدها بالوفاء بالعقد السابق ، مع أنّ الوفاء

______________________________________________________

(١) أي : احتمال وقوع العقد حتى يجيزه المجيز على تقدير وقوعه.

(٢) هذا راجع إلى قوله : «ولا يكفي» يعني : ولا يكفي مجرّد احتمال وقوع العقد في صحة الإجازة إذا انكشف وقوعه ، فوجود الإجازة مع احتمال وقوع العقد كعدمها.

(٣) تعليل لعدم كفاية احتمال وقوع العقد ، توضيحه : أنّ الإجازة وإن لم تكن من العقود حتى تشملها معاقد إجماعهم على عدم جواز التعليق فيها ، إلّا أنّها في معنى العقود ، لما مرّ آنفا من أنّ الإجازة توجب المعاهدة بين المالكين ، فإذا كانت الإجازة في معنى العقد لم يجز التعليق فيها ، ومن المعلوم أنّ احتمال وقوع العقد تعليق في الإجازة ، لكونها معلّقة على وقوع العقد ، فلا تجدي هذه الإجازة لأجل التعليق.

(٤) أي : أنّ الإجازة ، وضميرا «فيها ، معناها» راجعان إلى العقود.

(٥) أي : ولأجل كون الإجازة في معنى العقد يخاطب المجيز بعد الإجازة بالوفاء بالعقد السابق الذي وقع فضولا ، وحاصله : أنّ «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» متوجّه إلى العاقدين ، ووجوب الوفاء على المجيز بعد الإجازة يكشف عن صيرورته عاقدا بسبب الإجازة.

فلو لم تكن الإجازة في معنى العقد لم يكن المجيز عاقدا مخاطبا بوجوب الوفاء

__________________

(*)قد تقدّم عن الشهيد قدس‌سره في غاية المراد «اتفاقهم على بطلان الفضولي فيها» (١) أي الإيقاعات. ولكن قد يدّعى صحة الفضولي في القبض ونحوه ممّا هو من توابع العقود ، وإن كان من قبيل الإيقاعات. فالمتيقّن من معقد الإجماع هو الإيقاعات المستقلة كالطلاق ونحوه.

ويمكن استظهار جواز جريان الفضولي في الإيقاعات غير المستقلة من رواية عروة ، لأنّ الظاهر أنّ إجازته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت بعد إقباض عروة.

__________________

(١) تقدم كلامه في الجزء الرابع من هذا الشرح ، ص ٣٤٩.

٣٩٧

بالعقد السابق لا يكون إلّا في حقّ العاقد (*) فتأمّل (١).

______________________________________________________

بالعقد. وإذا كانت الإجازة في معنى العقد لم يجز التعليق فيها.

(١) لعلّه إشارة إلى : ما ذكرناه من عدم اختصاص وجوب الوفاء بالعقود بالعاقدين. أو إشارة إلى : منع كون الإجازة في معنى العقد ، وذلك لأنّ الإجازة إمضاء للعقد السابق ورضا به. نظير الإذن في العقد ، فإنّه رضا به. ولا فرق بين الإذن والإجازة إلّا في السبق واللحوق ، وفي كون متعلّق الإجازة جزئيا ، لكونه موجودا خارجيا صدر من الفضول. بخلاف الإذن ، فإنّ متعلّقه كلّي ، لعدم تحلّيه بعد بحلية الوجود الذي هو مدار الجزئية ، ولذا لا يعتبر العلم بخصوصيات أفراده ، فيجوز الإذن في التصرف في ماله بعقد

__________________

(*) اختصاص خطاب «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» بالعاقدين ممنوع ، بل كلّ من له العقد سواء أكان عاقدا مباشرة أم كان وليّه أو وكيله عاقدا يجب عليه الوفاء بالعقد ، فوجوب الوفاء على المجيز بعد الإجازة لا يدلّ على كونه عاقدا ، كما لا يدلّ على كون الإجازة أحد ركني العقد سببيّتها لتحقق المعاهدة بين المالكين ، ضرورة أنّها لو كانت شرطا لا ركنا لا تتحقق المعاهدة أيضا إلّا بعدها.

وبالجملة : فما أفاده المصنف قدس‌سره من كون الإجازة ركنا للعقد ، ومن صيرورة المجيز بسببها عاقدا يشمله عموم أوفوا ، غير ثابت.

وأمّا استناد اعتبار العلم بوقوع العقد ـ وعدم كفاية احتمال وقوعه ـ إلى لزوم التعليق في الإجازة التي هي في معنى العقد ، ففيه أوّلا : أنّ تعدية الحكم بقدح التعليق من العقد إلى ما هو في معنى العقد محتاجة إلى الدليل ، وهو مفقود.

وثانيا : أنّ التعليق القادح إنّما هو في أمر زائد عما يقتضيه نفس العقد أو الإيقاع ، فإذا علّق أحدهما على موضوعه ، كما إذا قال : «بعتك داري إن كانت ملكا لي» أو قال لزوجته : «أنت طالق إن كنت زوجتي» كان كلّ منهما صحيحا ، لأنّ التعليق على الملكية في البيع وعلى الزوجية في الطلاق ممّا يقتضيه نفس البيع والطلاق ، فهذا تعليق واقعي سواء علّق لفظا أم لم يعلّق. وقد تقدّم في مسألة اعتبار التنجيز في الصيغة الكلام في تعليق الإنشاء على ما هو معلّق عليه واقعا ، فراجع (١).

__________________

(١) الجزء الثاني من هذا الشرح ، ص ٥٧٤ ـ ٥٧٦.

٣٩٨

الثالث (١) : المجاز (٢)

______________________________________________________

معاوضي من دون تعيينه من بيع أو صلح أو غيرهما.

وأمّا الإجازة فتتعلق بموجود جزئي معيّن واقعا مجهول عند المجيز ، فإجازته إجازة المجهول ، لا إجازة المردّد ، إذ لا يعقل التردد في الموجود الخارجي المتعيّن بالمشخصات الفردية.

حكم العقود المترتبة على مال الغير

(١) هذا ثالث الأمور التي أشار إليها المصنف قدس‌سره في (ص ٣٨٣) بقوله : «وأمّا القول في المجاز فاستقصاؤه يكون ببيان أمور».

والغرض من عقد هذا الأمر الثالث بيان حكم الإجازة في العقود المترتبة إمّا بالطبع ، بأن يكون صحة بعضها علّة لصحة بعضها الآخر ، كما هو المعنون في كتب الفقهاء ، كما إذا اشترى من الفضولي كتاب زيد ، ثمّ باعه المشتري من عمرو. وهكذا في طرف العوض ، كما إذا وقعت بيوع على ثمن الكتاب. وإمّا بالزمان ، كما إذا باع فضول واحد أو متعدد ـ في زمان واحد أو متعدد ـ عبد زيد من عمرو ، ثم باعه من بكر ، ثم باعه من بشر ، ثم باعه من يوسف ، ثم باعه من يعقوب ، وهكذا. لكن تعميم البحث إلى العقود المترتبة زمانا ـ لا رتبة ـ إنّما هو من المصنف قدس‌سره.

وكيف كان يقع الكلام في أنّ إجازة بعضها هل تقتضي صحة غيره مطلقا ، أم لا تقتضي كذلك ، أم تقتضي صحة بعضها؟ سيأتي التعرض لها عند شرح المتن إن شاء الله تعالى.

(٢) هذا شروع في بيان أقسام العقد المجاز ، توضيحه : أنّ العقود المترتبة تقع تارة على نفس مال المالك وهو المبيع فضولا. واخرى على عوضه وهو الثمن ، الأعمّ من عوض نفس المال المبيع فضولا ، وعوض عوضه.

وثالثة على كليهما. وستأتي أمثلتها إن شاء الله تعالى.

ثم إن المصنف قدس‌سره أضاف ترتّبا مركّبا في العقد الوسط إلى الترتب البسيط المذكور في كلمات الفقهاء رضوان الله عليهم.

٣٩٩

إمّا العقد الواقع على نفس مال الغير (١) ، وإمّا العقد (*) الواقع على عوضه (٢).

______________________________________________________

(١) وهو المبيع فضولا ، كالعبد الذي بيع فضولا يفرس في مثال المتن.

(٢) أي : على عوض مال الغير ، كالفرس الذي هو عوض العبد في المثال المذكور.

__________________

(*) لعلّ الأولى ذكر هذا الأمر من الأمور المتعلقة بالإجازة ، لأنّ مرجع البحث إلى أنّ الإجازة هل تؤثّر في صحة غير العقد الذي تعلّقت به من العقود السابقة على العقد المجاز واللّاحقة به ، أم لا؟

ثم إنّ التقسيم تارة يكون بلحاظ وقوع العقد على مال الغير كالعبد في مثال المتن. واخرى بلحاظ عوضه الابتدائي كبيع العبد بالفرس ، أو عوضه مع الواسطة كبيع الفرس الذي هو عوض العبد بدرهم. وثالثة يكون بلحاظ العقد المجاز من حيث كونه أوّل العقود الجارية على نفس مال الغير أو آخرها ، أو كونه أوّل العقود الجارية على الأعواض أو آخرها ، أو كون المجاز وسط العقدين الموافقين له من حيث وقوعهما على المثمن أو الثمن ، والمخالفين له. ومن حيث وحدة العاقد الفضولي وتعدده. ومن حيث كونه غير الفضول. فهنا جهات من البحث ستظهر إن شاء الله تعالى.

وكيف كان فموضوع بحث الفقهاء هو العقود الطولية التي بينها علّيّة ومعلوليّة ، بمعنى ترتب صحّة بعضها على صحة الآخر ، فتخرج العقود العرضية وإن كانت بحسب الزمان طوليّة ، كما إذا وقعت عقود من فضول واحد أو متعدد في زمان واحد أو أزمنة متعددة على مال المالك ، فهو خارج عن محلّ الكلام. كما إذا باع الفضولي عبد المالك من زيد مثلا ، ثم باعه ذلك الفضولي أو فضولي آخر من عمرو ، ثم باعه من بكر. فإنّ إجازة بعضها لا تصحّح إلّا العقد الذي تعلّقت به ، ولا تقتضي صحة غيره من العقود السابقة عليه واللاحقة له. كما لا تتوقف صحته على صحة غيره ، فيكون غير العقد المجاز باطلا.

نعم بناء على عدم اعتبار مالكية المجيز حين العقد يجوز للمجاز له إجازة عقد آخر من تلك العقود مطلقا ، سواء أكانت سابقه على العقد المجاز أم لاحقة له ، من غير فرق بين كاشفية الإجازة وناقليتها ، حيث إنّ المجاز له صار بإجازة المالك لعقد الفضول مالكا ، فلا مانع من إجازة أيّ عقد شاء ، سواء وقع منه أم من غيره. بل يحتمل صحته بلا حاجة إلى

٤٠٠