هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

استظهاره (١) من عبارة الشيخ المحكيّة في المعتبر (٢).

لكن (٣) يضعّفه أنّ البائع غير مأمور بالوفاء قبل الملك ، فيستصحب. والمقام (٤) مقام استصحاب حكم الخاصّ ، لا مقام الرجوع إلى حكم العامّ (٥) ،

______________________________________________________

والغرض من الاستشهاد بكلامه دلالة قوله : «فلزم من قبله» على صحة بيع الواهب وإن لم تكن العين ملكه حين البيع ، ولا حاجة إلى إجازته بعد التملك بالفسخ بنفس البيع ، لا بإرادته قبله.

(١) عند قوله : «فظاهر المحقق في باب الزكاة من المعتبر فيما إذا باع المالك النصاب قبل إخراج الزكاة أو رهنه ..» فراجع (ص ٢٤٥).

(٢) حيث قال المحقق في عبارته المتقدمة : «فإن اغترم حصة الفقراء قال الشيخ : صحّ البيع والرهن».

(٣) غرضه تضعيف ما أفاده بقوله : «اللهم إلّا أن يقال : إنّ مقتضى عموم وجوب» من صحة العقد المذكور بمجرّد انتقال المال المبيع فضولا إلى البائع ، وإثبات فساده.

توضيح وجه التضعيف هو : أنّ البائع الفضول قبل تملكه للمبيع لم يكن مأمورا بوجوب الوفاء بالعقد ، لعدم شمول خطاب «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» له ، فيستصحب عدم الوجوب بعد تملكه.

فالنتيجة : عدم لزوم الوفاء بالعقد على البائع الفضول بمجرّد انتقال المبيع إليه.

(٤) هذا بمنزلة التعليل لجريان الاستصحاب ، ومحصّله : أنّ المورد من موارد جريان استصحاب الخاص ، وهو عدم صحة عقد الفضولي ، لا من موارد التمسك بعموم العام ، وهو عموم دليل وجوب الوفاء بالعقود. وذلك لأنّ هذا العقد لم يكن قبل الانتقال إلى البائع الفضولي واجب الوفاء ، لعدم شمول العام له ، وبعد الانتقال إليه يشكّ في بقائه ، فيستصحب.

فالنتيجة : أنّ مجرّد الانتقال إلى العاقد الفضولي لا يوجب صحة العقد ولزومه عليه.

(٥) وهو صحة العقد ووجوب الوفاء به الذي هو مقتضى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فلا يمكن تصحيح هذا العقد بعموم دليلي وجوب الوفاء بالعقود والوفاء بالشروط.

٣٤١

فتأمّل (١).

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّه إشارة إلى : أنّ المقام من موارد التمسّك بالعام المقتضي للحكم بصحة العقد المزبور ، لا من موارد التشبث بالخاصّ الموجب لفساده ، وذلك لأنّ الزمان تارة يكون مفرّدا للعامّ ومكثّرا لأفراده ، كأن يقال : «أكرم الفقراء في كلّ يوم» فكل فقير في كلّ يوم فرد من أفراد الفقراء ، فإذا خرج «زيد الفقير» عن عموم «أكرم الفقراء» يوم السبت ، وشكّ في وجوب إكرامه بعد يوم السبت ، يتمسك بعموم «أكرم الفقراء» لأنّه شك في تخصيص زائد ، والمرجع فيه كالشك في أصل التخصيص هو عموم العام ، دون استصحاب حكم الخاص ، لأنّه مع وجود الدليل لا تصل النوبة إلى الأصل العملي.

وأخرى يكون ظرفا لاستمرار الحكم ، كأن يقول : «أكرم الفقراء دائما أو مستمرّا» فإذا خرج فرد منه في زمان ، وشكّ بعد انقضاء ذلك الزمان في حكمه ، يستصحب عدم وجوب إكرامه ، وهو حكم الخاص ، لأنّ ذلك الفقير الخارج فرد واحد قبل خروجه عن حكم العام ، وبعد خروجه عنه ، وليس بعد خروجه فردا آخر حتى يتمسك في حكمه بالعموم القاضي بوجوب إكرامه.

وفي المقام نقول : إنّ بيع الفضولي مال الغير لنفسه ـ وتملّكه له بعد البيع وعدم إجازته لبيعه الفضولي ـ خرج عن استمرار حكم العام ، وهو لزوم الوفاء بالعقد ، ويشكّ بعد تملكه للمبيع فضولا في حكمه ، فيستصحب حكم الخاص ، وهو عدم لزوم الوفاء وبطلان العقد ، هذا.

ولكن أمره قدس‌سره بالتأمّل لا يبعد أن يكون إشارة إلى كون المقام من التمسك بالعام المقتضي لصحة البيع ولزوم الوفاء به ، وذلك لأنه المقام من قبيل ارتفاع المانع من التمسك بالدليل ، نظير «أكرم الفقراء إلّا فساقهم» وكان أحدهم فاسقا ، وتاب وزال فسقه. فحينئذ لا مانع لإثبات وجوب إكرامه من التمسك بعموم «أكرم الفقراء إلّا فسّاقهم».

وفي ما نحن فيه خرج العاقد الفضولي عن عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لعدم كونه مالكا ، فإذا صار مالكا اندرج تحت عموم «أَوْفُوا» فيصح عقده ، ويلزم الوفاء به.

ويحتمل أن يكون إشارة إلى عدم جريان الاستصحاب ، للشّك في الموضوع ، لأنّ عدم وجوب الوفاء كان ثابتا للعاقد غير المالك ، وبعد انقلابه إلى المالك يشك في بقاء الموضوع ، لاحتمال دخل عدم المالكية في الموضوع.

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أو إشارة إلى : أنّ عموم «أَوْفُوا» لا يجري إلّا بعد الإجازة الموجبة لإضافة العقد إليه ، إذ جريانه يتوقّف على أمرين :

أحدهما : كون الوفاء بالعقد ونقضه معقولا بالنسبة إلى شخص ، إذ لا معنى لوجوب الوفاء بالعقد على شخص لا يقدر على الوفاء والنقض.

ثانيهما : كون العقد عقدا له.

والأمر الأوّل يحصل بالتملك ، للتمكن من الوفاء به حينئذ.

لكن الأمر الثاني ـ وهو إضافة العقد إليه ـ لا يحصل إلّا بالإجازة ، إذ ليس المراد بالإضافة مجرّد قيام إنشاء العقد به ، وإلّا كان عقد الوكيل عقدا له لا للموكّل. فبناء على هذا لا يكفي مجرّد تملك البائع الفضولي في إضافة العقد إليه ، بل لا بدّ في تحقق هذه الإضافة من الإجازة.

فالنتيجة : أنّ عموم «أَوْفُوا» لا يشمل عقد الفضول لنفسه ثم تملكه لما باعه فضولا إلّا بالإجازة. ومن المعلوم أنّه بعد الإجازة لا معارضة بين عموم «أَوْفُوا» وقاعدة السلطنة ، وقاعدة إناطة حلّ الأموال بطيب نفوس أربابها ، وغيرهما ، لعدم التنافي بين عموم «أَوْفُوا» وبين قاعدة السلطنة ونحوها ، بل بينهما كمال الملاءمة.

كما أنّه يسقط البحث عن كون المقام من استصحاب حكم الخاصّ لا التمسك بالعام ، لما عرفت من أنّ العاقد الفضولي قبل الإجازة ليس عاقدا ، فهو أجنبي عن موضوع «أَوْفُوا» وخارج عنه تخصّصا لا تخصيصا ، فلا يصح أن يقال : إنّه عاقد ، وبعد تملّكه للمبيع الفضولي يصير عاقدا مالكا ، فيندرج تحت عموم «أَوْفُوا» ، نظير اندراج الفقير الفاسق بعد التوبة وصيرورته عادلا في حيّز «أكرم الفقراء غير الفساق أو الفقراء العدول».

فتلخص من جميع ما ذكرناه عدم كفاية تملك العاقد الفضولي ـ المال الذي باعه لنفسه ـ في صحة عقده الفضولي ، بل صحته منوطة بالإجازة ، إذ لا يصير العقد عقدا له إلّا بالإجازة.

ولو شكّ في صحة هذا العقد قبل إجازة العاقد الفضولي ، ولم ينهض دليل على صحته وفساده ، فيرجع فيه إلى أصالة الفساد.

٣٤٣

مضافا (١) إلى معارضة العموم المذكور بعموم سلطنة الناس على أموالهم ، وعدم (٢) حلّها لغيرهم إلّا عن طيب النفس ، وفحوى (٣) الحكم المذكور (٤) في رواية

______________________________________________________

ومن هنا يظهر الفرق بين التمسك بدليل وجوب الحج على من لم يكن مستطيعا في زمان ، وصار كذلك في زمان بعده ، وبدليل وجوب «إكرام الفقراء العدول» لوجوب إكرام الفقير الذي لم يكن عادلا ، ثم تاب وصار عادلا. وبين التشبث بدليل وجوب الوفاء بالعقود لإثبات صحة عقد الفضول بمجرد تملكه لما باعه فضولا ، وعدم إجازته.

وجه الظهور : أنّ الإجازة توجب صيرورة الفضول عاقدا ، بخلاف دليلي وجوب الحج ووجوب إكرام الفقير العادل ، فإنّ موضوعيتهما للحكم لا تتوقف إلّا على وجود العدالة والاستطاعة ، بخلاف عقد الفضول ، فإنّ إضافة العقد إليه تتوقف على الإجازة ، ولا تحصل بمجرد تملكه للمبيع فضولا.

(١) هذا دليل ثان على بطلان عقد الفضولي إذا باع لنفسه ، ثم ملكه ولم يجز. وهذا الدليل هو قاعدة السلطنة ، فإنّ لزوم العقد عليه بدون إجازته خلاف قاعدة السلطنة.

(٢) معطوف على «عموم سلطنة» وهو دليل ثالث على البطلان ، وهو قاعدة عدم حلّ مال أحد لغيره إلّا بطيب نفسه ، يعني : ومضافا إلى معارضة العموم المذكور بعدم حلّها .. إلخ.

(٣) معطوف على «عموم سلطنة» وهذا دليل رابع على البطلان ، يعني : ومضافا إلى معارضة العموم المذكور بفحوى الحكم بعدم كفاية مجرّد ملكية المال للعاقد الفضولي في صحة عقده.

وملخص هذا الدليل الموافق لفساد عقده الذي يقتضيه استصحاب حكم الخاص ـ على ما أفاده المصنف قدس‌سره ـ هو : أنّ عتق العبد الموجب لمالكية نفسه إن لم يكن مؤثرا في صحة العقد بدون الإجازة كما هو المفروض في رواية الحسن بن زياد المتقدمة في (ص ٣٢٨) ، حيث إنّ سكوت المولى عن نكاح العبد الذي هو إجازة يوجب نفوذ العقد لا عتقه الموجب لمالكيته لنفسه ، كان تملّك المال أولى بعدم التأثير ، إذ تملك النفس أقوى من تملك المال في تأثيره في صحة العقد.

(٤) وهو عدم صحة عقد النكاح بمجرّد عتقه الموجب لصيرورته مالكا لنفسه ،

٣٤٤

الحسن بن زياد المتقدّمة (١) في نكاح العبد بدون إذن مولاه ، وأنّ عتقه لا يجدي في لزوم النكاح لو لا سكوت المولى الذي هو بمنزلة الإجازة.

ثمّ (٢) لو سلّم عدم التوقّف على الإجازة ، فإنّما هو فيما إذا باع الفضوليّ لنفسه. أمّا لو باع فضولا للمالك أو لثالث (٣) ، ثمّ ملك هو (٤) ، فجريان عموم الوفاء بالعقود والشروط بالنسبة إلى البائع أشكل (٥).

ولو باع (٦) وكالة عن المالك فبان انعزاله بموت الموكّل ، فلا إشكال في عدم

______________________________________________________

وتوقف صحته على إجازة المولى المتحققة بسكوته.

(١) لكن قد تقدّم هناك ضعف دلالتها على المقصود.

(٢) غرضه أنّه لو سلّم كفاية مجرد تملك العاقد الفضولي للمال الذي باعه فضولا في صحة العقد ـ وعدم توقفها على الإجازة ـ يرد عليه : أنّه أخصّ من المدّعي الذي هو كون مجرد تملك العاقد الفضولي كافيا في صحة العقد ومغنيا عن الإجازة ، لاختصاصه بما إذا باع الفضولي لنفسه ، إذ العاقد الفضولي هو العاقد المالك ، فيشمله عموم «أَوْفُوا».

وأمّا إذا باع لغيره من المالك أو الثالث ، ثم ملك هذا البائع ، فشمول عموم الوفاء بالعقود والشروط لهذا العقد الذي يكون للمالك أو للثالث مشكل ، إذ لا يصدق عليه العاقد والشارط حتى يشمله عموم دليلي الوفاء بالعقود والشروط ، لأنّ المفروض عدم قصد العاقد الفضولي البيع لنفسه حتى يضاف العقد إليه.

(٣) وهو غير المالك والعاقد الفضولي.

(٤) أي : البائع الفضولي الذي لم يبع لنفسه ، بل باع لغيره ، ثم ملك المبيع الذي باعه لغيره.

(٥) خبر «فجريان» ووجه أشديّة إشكاله ـ من صورة بيع الفضولي لنفسه ـ هو : أنّه فيما إذا قصد البيع لنفسه يصير العاقد مالكا ، فيشمله عموم دليلي عموم الوفاء بالعقود والشروط. بخلاف ما إذا قصد الفضول البيع لغيره ، فإنّه لا يصدق «العاقد والشارط» على البائع الفضولي ، فلا يشمله عموم دليلي وجوب الوفاء بالعقود والشروط.

(٦) لم يظهر وجه ارتباط هذا الفرع بالمقام ـ كما نبّه عليه غير واحد من أجلّة

٣٤٥

وقوع البيع له (١) بدون الإجازة ، ولا معها. نعم يقع للوارث مع إجازته.

المسألة الثالثة (٢):

ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرّف ، فبان كونه جائز التصرّف.

______________________________________________________

المحشين (١) ـ ولذا احتمل بعض كونه من أغلاط النسخة ، لكنه في غاية البعد ، لوروده في جميع النسخ.

وكيف كان فهذا الفرع يكون من الفضولي المتعارف ، لا من فروع «من باع ثم ملك» وتقريبه : أن يبيع الوكيل مال الموكّل بزعم حياته وبقاء الوكالة ، فبان بعد البيع موت الموكّل قبله ، وانعزال الوكيل به عن الوكالة ، فيكون هذا البيع فضوليا ، لانتقال المال إلى الورثة. فإن أجازوا وقع البيع لهم ، وإن ردّوا بطل بيع الوكيل رأسا.

ولا وجه لتوهم وقوع البيع للوكيل أو للموكّل ، بل يقع للوارث المجيز ، لأنّ مقتضى المعاوضة دخول الثمن في ملك من خرج المعوّض عن ملكه ، والمفروض عدم تملك الوكيل للمبيع حتى يتملّك الثمن بإزائه. وكذا الموكّل ، لانتقال المال عنه إلى ورثته ، فلا يقع البيع له لو أجاز الورثة.

(١) أي : للبائع الفضولي ، لما مرّ آنفا. نعم يقع البيع للمالك الفعلي وهو الوارث مع إجازته. هذا تمام الكلام في المسألة الثانية.

المسألة الثالثة : لو باع بزعم عدم جواز التصرف ، فبان جوازه

(٢) من المسائل التي أفادها في الأمر الثالث من الأمور المتعلقة بمباحث المجيز ، حيث قال في (ص ٢٣٨) : «فالكلام يقع في مسائل : الاولى : أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة ، لكن المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرف لحجر .. إلخ. الثانية : أن يتجدّد الملك بعد العقد ، فيجيز المالك الجديد ، سواء أكان هو البائع أم غيره. لكن عنوان المسألة في كلمات القوم هو الأوّل ، وهو ما لو باع شيئا ثم ملكه .. إلخ».

__________________

(١) كالسيد الطباطبائي والمحقق الإيرواني ، فراجع حاشية السيد ، ج ١ ، ص ١٦٨ وحاشية المحقق الإيرواني ج ١ ، ص ١٣٨

٣٤٦

وعدم (١) جواز التصرّف المنكشف خلافه ، إمّا لعدم الولاية ، فانكشف كونه وليّا ، وإمّا لعدم الملك ، فانكشف كونه مالكا. وعلى كلّ منهما ، فإمّا أن يبيع عن المالك ، وإمّا أن يبيع لنفسه ، فالصور أربع.

______________________________________________________

وليعلم أنّ هذه المسألة الثالثة أجنبية عن مسائل عدم كون العاقد جائز التصرف حين العقد ، وصيرورته بعد العقد جائز التصرف ، فلا ينبغي ذكرها في عداد تلك المسائل ، فالوجه المناسب لذكرها في عدادها هو الاعتقاد بعدم جواز التصرف ، لا عدم جوازه واقعا.

ولهذه المسألة صور أربع مذكورة في المتن ، وقد عدّها صاحب المقابس قدس‌سره من أقسام العنوان العام الذي أفاده بقوله : «الموضع الخامس والسادس : أن يكون للعقد مجيز واقعا أو بزعم العاقد ، وحصلت الإجازة من غيره ممّن انتقل إليه ذلك المال بشراء أو إرث أو ولاية أو نحو ذلك سواء وقع العقد عن الفضولي أو عن المالك ، ولذلك ستة أقسام» (١). ثم جعل القسم الأوّل مسألة «من باع ثم ملك» وذكر أقساما ثمانية أخرى ، والمذكور في المتن هو القسم الرابع والخامس والسادس والسابع.

وكيف كان فما صنعه المصنف من جعل العنوان الجامع بين الصور الأربع «ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف فبان كونه جائز التصرف» أولى مما صنعه صاحب المقابس ، إذ ليس في بعضها انتقال المال أصلا ، كما لا يخفى.

(١) مبتدء ، خبره «إمّا لعدم» يعني : وعدم جواز التصرف الذي اعتقده البائع وانكشف خلافه ـ وظهر كونه جائز التصرف ـ ينشأ تارة عن عدم الولاية ، فانكشف كونه وليّا ، واخرى عن عدم الملك ، فانكشف كونه مالكا. وعلى كلّ منهما إمّا أن يبيع البائع عن المالك ، وإمّا أن يبيع لنفسه ، فالصور أربع.

__________________

(١) راجع مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٥ و ٣٨ ـ ٤٠.

٣٤٧

الاولى : أن يبيع عن المالك فانكشف كونه (١) وليّا (٢) على البيع ، فلا ينبغي الإشكال (٣) في اللزوم (*) حتّى على القول ببطلان الفضولي (٤). لكنّ (٥) الظاهر من

______________________________________________________

١ ـ لو باع عن المالك ، فانكشف كونه وليّا

(١) أي : كون البائع الذي باع عن المالك وليا على البيع.

(٢) المراد بالولي هنا من ليس مالكا ، ولكن له ولاية أمر البيع ، للولاية الشرعية كالأب والجدّ والفقيه الجامع للشرائط ، أو للإذن من طرف المالك كالعبد والوكيل. فلجواز التصرف واقعا وجوه ثلاثة : الملك والولاية والإذن.

(٣) وجه عدم الإشكال هو : كون العاقد على الفرض وليّا واقعا ، وليس فضوليا ، فصدر العقد من أهله في محله ، فالمقام خارج موضوعا عن الفضولي ، فلو فرض بطلان عقد الفضولي من أصله لم يكن قادحا في صحة العقد هنا.

والحاصل : أنّ أدلّة الصحة من العمومات ك «(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)» وغيرهما تشمله بعد وضوح ما تقتضيه أدلة الولاية والوكالة من نفوذ تصرفات الولي والوكيل.

(٤) لما عرفت من خروجه موضوعا عن باب الفضولي.

(٥) استدراك على قوله : «فلا ينبغي الإشكال» ومحصّل الاستدراك : أنّ مجرّد إذن السيد لعبده في التجارة بدون علمه ـ ولا علم غيره بإذن السيد ـ لا يصدق عليه الإذن ،

__________________

(*) وإن لم يكن هذا الفرض من الفضولي ، لصدور العقد من وليّ أمره. إلّا أنّ منصرف أدلة نفوذ ولاية الأب والجدّ وغيرهما من الأولياء غير من يكون تصرفه باعتقاد أنّه غير ولي ، كما في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره ). وهو غير بعيد.

إلّا أن يدّعى كون الانصراف بدويا. فإطلاق أدلة الولاية محكّم ، ويندفع احتمال التقييد بصورة الالتفات إلى الولاية. فليس حينئذ لما عن القاضي قدس‌سره وجه ظاهر ، إلّا بناء على ما سنذكره في التعليقة اللّاحقة.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٧٣.

٣٤٨

المحكي عن القاضي (١) «أنّه إذا أذن السيّد لعبده في التجارة ، فباع واشترى ، وهو لا يعلم بإذن سيّده ، ولا علم به أحد ، لم يكن (٢) مأذونا له في التجارة (٣) (*)

______________________________________________________

فلا يترتب آثار الصحة على ما فعله ، خلافا لما أفاده المصنف قدس‌سره من أنّه لا ينبغي الإشكال في اللزوم.

(١) هو الشيخ أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي الشامي ، وكان من تلامذة الشيخ ، وصار خليفته في البلاد الشامية ، نوّر الله تعالى مرقده (١).

(٢) جواب «إذا» ، واسم «يكن» هو الضمير المستتر الراجع الى العبد.

(٣) ظهور هذه الجملة في اعتبار العلم في صدق الإذن ممّا لا ينكر.

__________________

(*) ظاهر عبارته ـ كما في المقابس ـ التشكيك في صدق الإذن على الرضا بدون اطّلاع أحد من المأذون له وغيره من المتعاملين وغيرهما عليه. وهذه مناقشة صغروية ، فمع فرض صدق الإذن على الرضا الباطني لا يرد إشكال على صحة بيع المأذون من المالك مع عدم اطّلاعه على إذنه للبائع.

والحاصل : أنّ نظر القاضي ظاهرا إلى أنّ الرضا الباطني غير المبرز ليس إذنا حتى يخرج بيع العبد المأذون في التجارة ـ غير المطّلع على إذن المولى في التجارة ـ عن البيع الفضولي. وهذا الذي أفاده القاضي قدس‌سره غير بعيد ، لأنّ الإذن هو الإعلام. ومنه قوله تعالى : «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ» أي : فاعلموا بالحرب ، واستعماله في إبراز الرخصة والرضا شائع.

وعليه فلا يصدق الإذن إلّا على إبراز الرضا بمحضر شخص أو جماعة ، والمستفاد من مجموع عبارة القاضي أنّ نفوذ بيع العبد وشرائه منوط بالإذن المبرز من السيد ، سواء أكان مبرزا لنفس العبد أم لغيره ، هذا.

ويحتمل أن يريد القاضي اعتبار إنشاء الإذن ، وعدم كفاية الرضا الباطني. لا أن يريد

__________________

(١) لاحظ ترجمته مبسوطا في رياض العلماء ، ج ٣ ، ص ١٤١ ـ ١٤٥. ومختصرا في أمل الآمل ، ج ١ ، ص ١٥٢ ، وطبقات أعلام الشيعة ، ج ٢ ، ص ١٠٧.

٣٤٩

ولا يجوز (١) شي‌ء ممّا فعله. فإن علم بعد ذلك (٢) واشترى وباع جاز ما فعله بعد العلم بالإذن ، ولم يجز ما فعله قبل ذلك (٣) ، فإن (٤) أمر السيّد قوما أن يبايعوا العبد ـ والعبد لا يعلم بإذنه له ـ كان (٥) بيعه وشراؤه منهم جائزا ، وجرى ذلك (٦) مجرى الإذن الظاهر. فإن اشترى العبد بعد ذلك (٧) من غيرهم وباع (٨)

______________________________________________________

(١) الأولى اقترانه بالفاء ، لأنّه بمنزلة نتيجة عدم الإذن.

(٢) أي : بعد إذن السيد له. غرضه أنّ تصرفات العبد من البيع والشراء لا تصح إلّا بعلمه بإذن السيد له فيها ، ولا يكفي الإذن الواقعي بدون علم العبد به ، فإذا علم بالإذن صحّت تصرفاته المعاملية ، وإلّا فلا تصح.

(٣) أي : قبل علم العبد بإذن سيده.

(٤) هذا متفرع على قوله : «ولا علم به أحد» توضيحه : أنّ القاضي رحمه‌الله جعل عدم الإذن مساوقا لعدم إبرازه ، فإذا ابرز للعبد أو لغيره ـ وإن لم يعلم به العبد ـ جاز بيعه وشراؤه.

وقوله : «فإن أمر السيد قوما أن يبايعوا العبد .. إلخ» بيان للفرض الثاني الذي أشار إليه بقوله : «ولا علم به أحد» وحاصله : كفاية بروز الإذن لغير العبد في نفوذ تصرفاته ، وعدم لزوم بروزه لنفس العبد.

(٥) جواب «فإن أمر» و «الواو» في «والعبد لا يعلم» حاليّة.

(٦) أي : أمر السيد قوما أن يبايعوا عبده ، فإنّه بمنزلة الإذن الظاهر لنفس العبد.

(٧) أي : بعد أمر السيد قوما أن يبايعوا عبده.

(٨) عبارة القاضي المنقولة في المقابس عن المختلف هكذا «كان ذلك جائزا».

__________________

اعتبار علم البائع بإذن المالك. ويشهد له حكم القاضي بصحة بيع العبد مع جهله بإذن المولى فيما إذا أذن المولى لقوم في أن يبايعوه ، فإنّ الحكم بصحة العقد إذا جهل العبد بإذن المولى مع أمره لقوم في أن يبايعوه شاهد على اعتبار إنشاء الإذن ، لا على اعتبار علم العبد بإذن السيّد ، فتأمّل. ولازم ذلك صحة عقد العبد إذا أذن له المولى ، ثم نسيه حال العقد.

٣٥٠

جاز (١)» انتهى (١).

وعن المختلف الإيراد عليه (٢) بأنّه لو أذن الوليّ ولا يعلم العبد ثمّ باع العبد صحّ (٣) ، لأنّه صادف الإذن ، ولا يؤثّر فيه (٤) إعلام المولى بعض المتعاملين (٢) ، انتهى. وهو (٥) حسن.

______________________________________________________

(١) إن استفيد عموم الإذن لغير ذلك القوم ، وإلّا اختصّ الجواز بهم ، ولا يجوز التعدّي عنهم.

(٢) أي : على ما أفاده القاضي قدس‌سره من عدم كفاية إذن السيد لعبده في التجارة إذا لم يعلم العبد بالإذن. ومحصل الإيراد هو : أنّ القاضي اعترف بصحة عقد العبد مع جهله بإذن المولى في صورة إعلام المولى بعض المتعاملين. وهذا شاهد على كفاية الإذن واقعا في صحة عقد العبد ، وكفاية مصادفة الإذن في صحته ، وعدم اعتبار علم العبد بإذن السيد في صحته.

(٣) جواب «لو أذن» والضمير الفاعل ، وكذا ضمير «لأنّه» راجعان إلى البيع.

(٤) يعني : لا يؤثّر في نفوذ العقد وصحته إعلام المولى بعض المتعاملين ، بل المؤثر في صحته هو مصادفة عقد العبد للإذن واقعا ، وليس الإعلام إلّا طريقا للرضا الباطني ، من دون أن يكون له جهة موضوعية أصلا.

لكن قد عرفت احتمال تقوم الإذن بالإعلام ، فالإعلام دخيل في صدق الإذن ولو بإعلام غير العبد.

(٥) يعني : وإيراد العلّامة حسن ، وحسنه مبني على كفاية الإذن الواقعي. واعتراف القاضي قدس‌سره بصحة عقد البيع مع جهله بالإذن ـ في صورة أمر السيّد قوما بأن يبايعوا العبد ـ يدلّ على كفاية الإذن واقعا ، وإن لم يعمل العبد به (*).

__________________

(*) أقول : بل يدلّ على اعتبار إبراز الإذن ، وعدم كفاية وجوده الواقعي.

نعم يدلّ على عدم اعتبار علم الولي بالإذن ، وكفاية علم غيره به في نفوذ تصرفات

__________________

(١) الحاكي لكلام القاضي المنقول في المتن هو صاحب المقابس ، ص ٣٨ (كتاب البيع). وحكاه العلامة عنه في المختلف ج ٥ ، ص ٤٣٥

(٢) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٤٣٧ ، والحاكي لكلام العلّامة هو صاحب المقابس ، في كتاب البيع ، ص ٣٨

٣٥١

الثانية (١) : أن يبيع لنفسه ، فانكشف كونه وليّا (*) ، فالظاهر أيضا صحّة العقد ، لما عرفت (٢) من أنّ قصد بيع مال الغير لنفسه

______________________________________________________

٢ ـ لو باع لنفسه فانكشف كونه وليّا

(١) أي : الصورة الثانية من الصور الأربع ـ المشار إليها في (ص ٣٤٧) في المسألة الثالثة ـ هي : أن يبيع البائع لنفسه ، فانكشف كونه وليّا. والظاهر صحة العقد كالصورة السابقة ، وفاقا لصاحب المقابس قدس‌سره ، حيث قال في القسم السادس : «أن يبيع أو يشتري لنفسه ، ثم ينكشف كونه وليّا أو وكيلا على المال عند العقد. وحكمه يعرف ممّا سبق» يعني مما سبق في القسم الخامس من الحكم بالصحة ، فراجع (١).

(٢) يعني : في المسألة الثالثة من المسائل الثلاث المعقودة لبيان أقسام الفضولي ، حيث

__________________

الولي. ولعلّه لإطلاق أدلة الولاية. واعتبار العلم بالاذن يكون بنحو الموضوعية ، لما مرّ من عدم صدق الإذن لغة على غير الإذن المبرز. لكنه أخذ موضوعا بنحو الطريقية لا بنحو الصفتية ، ولذا يقوم سائر الطرق كالبينة مقامه ، فإذا شهدت البينة بأنّ زيدا أذن لابنه في بيع أمواله ، ولم يعلم الابن بهذا الإذن ، فباع أمواله ، صحّ البيع.

ولو شكّ في اعتبار علم الولي بإذن المولّى عليه في نفوذ تصرفاته ، كان مقتضى إطلاق أدلة الولاية عدم اعتباره ، لأنّ مرجع هذا الشك إلى الشك في تقييد إطلاق أدلة الولاية ، والمرجع حينئذ إطلاقها.

(*) الظاهر عدم الفرق في الحكم بين الولي الخاص كالأب والجد ، وبين الولي العام كالفقيه الجامع للشرائط وعدول المؤمنين ، لأنّه مقتضى إطلاق أدلة الولاية. فما عن بعض المحققين من «جعل الأشبه في الولي الخاص لزوم البيع وعدم توقفه على الإجازة ، وجعل الأحوط في الولي العام اعتبارها» لم يظهر له وجه. ولعل نظره إلى انصراف الولي إلى الولي الخاص ، ولا بدّ من التأمل.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٨.

٣٥٢

لا ينفع (١) ولا يقدح. وفي توقّفه على إجازته (٢) للمولّى عليه وجه ، لأنّ (٣) قصد كونه لنفسه يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون ، فتأمّل (٤).

______________________________________________________

قال في بعض كلامه : «فعلم من ذلك أنّ قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الإيجاب حتى يتردّد الأمر بين المحذورين المذكورين» (١). فراجع.

(١) خبر «أنّ قصد» يعني : لا ينفع في صيرورة البيع للعاقد ، لكونه خلاف مقتضى المعاوضة. ولا يقدح في صيرورته للغير وهو المالك ، لأنّ الأمر يرجع إلى حيثية المالكية المأخوذة جهة تقييدية ، فلا محالة يصير البيع للمالك ، ويحتاج إلى إجازته في غير ما نحن فيه. وأميا فيه فلا يحتاج إلى الإجازة ، لأنّها إمّا لتحقق الانتساب ، أو لحصول الرضا. وكلاهما هنا حاصل ، إذ المباشر هو الولي ، والرضا المعتبر هو رضاه أيضا.

(٢) أي : في توقف نفوذ العقد على إجازة العاقد. غرضه : أنّ نفوذ العقد ولزومه هل يتوقف على إجازة العاقد هذا العقد للمولّى عليه؟ أم أنّ العقد بمجرد تحققه نافذ ولا يناط نفوذه بشي‌ء.

(٣) هذا بيان وجه التوقف على الإجازة ، ومحصله : أنّ قصد البائع كون العقد لنفسه يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون ، وهو كون العقد للمولّى عليه ، وصيرورته عقدا له موقوفة على الإجازة ، وإلغاء كونه لنفسه.

(٤) لعله إشارة إلى : أنّه بعد لغوية قصد كونه لنفسه شرعا وعدم نفعه وقدحه لا يبقى في المقام إلّا وقوعه موقوفا على الوجه المأذون من الشارع ، وهو كون التصرف في مال المولّى عليه مقرونا بمصلحته ، أو بعدم المفسدة. فإن كان هذا الشرط موجودا فلا وجه للإجازة ، إذ الفرض وجود الشرط ، وإلّا فلا تجدي الإجازة ، لعدم وقوعها في محلّها الذي هو البيع المقرون بالمصلحة أو عدم المفسدة.

أو إشارة إلى ما قيل : من التنافي بين الصدر والذيل ، إذ مقتضى الصدر لغوية «لنفسه» ، ومقتضى الذيل ـ وهو وقوع العقد على غير الوجه المأذون ـ قيديّته الموجبة لبطلان العقد ، وعدم صحته بالإجازة. ومقتضى الصدر صحته بدون الإجازة.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٥٧٣.

٣٥٣

الثالثة (١) : أن يبيع عن المالك ، ثمّ ينكشف كونه مالكا.

______________________________________________________

وبالجملة : فالعقد إمّا صحيح بدون الإجازة ، وإمّا باطل لا يصحّ بالإجازة ، هذا.

أقول : يمكن دفع التنافي بين الصدر والذيل بأنّ المراد بالصدر لغوية «لنفسه» بمعنى عدم تأثيره في صحة العقد وفساده ، وذلك لا يمنع من اعتبار ما جعل شرطا في صحة العقد ، فإنّ الأحكام الحيثية كذلك. فالعقد من ناحية ذكر «لنفسه» لا مانع من صحته.

ولكنّه لا يمنع عن لزوم مراعاة ما جعل شرطا في صحة العقد ، كجعل البيع للمولّى عليه.

والحاصل : أنّ كل شرط يحفظ المشروط من قبله لا مطلقا ، فالعقد ليس فاسدا من ناحية ذكر «لنفسه» ولكنه لا ينفي شرطية غيره ، كوقوعه على الوجه المأذون ، وهو وقوعه للمولّى عليه في مورد وجود المصلحة أو عدم المفسدة. فإذا كان البيع على الوجه المأذون فهو صحيح ، وإلّا فلا.

وعليه فلا منافاة بين الصدر والذيل ، إذ مقتضى الصدر عدم بطلان العقد من ناحية «لنفسه» لا عدم بطلانه مطلقا ، فيمكن أن يكون لصحة العقد شرط يلزم مراعاته. ومقتضى الذيل اعتبار الوجه المأذون في الصحة.

وهذا نظير صحة الصلاة في اللباس المشكوك فيه ، فإنّ صحتها من ناحية اللباس المشكوك فيه لا تثبت صحتها من ناحية الشك في الطهارة.

وإن شئت فقل : إنّ قيد «لنفسه» لا يقدح في صحة العقد ، لكنه يوجب انصرافه عن المولّى عليه بحيث لا يكون مضافا إليه ، ولا يعدّ عقدا له ، وإضافته إليه منوطة بإجازة وليّ العقد ، وهو نفس العاقد. فلا يدور الأمر بين البطلان رأسا والصحة فعلا من دون حاجة إلى الإجازة ، كما أفاده القائل بالتنافي بين الصدر والذيل.

٣ ـ لو باع عن المالك ، فانكشف كونه مالكا

(١) أي : الصورة الثالثة من الصور الأربع المشار إليها في (ص ٣٤٧) هي : «أن يبيع البائع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا» وهو القسم السابع في كلام صاحب المقابس قدس‌سره لقوله : «السابع : أن يبيع أو يشتري عن المالك بزعمه ، ثم ينكشف كون المال له. وقد فرضه الأصحاب في من باع مال أبيه بظنّ الحياة وأنّه فضولي ، فبان موته وأنه مالك.

وذكر جماعة منهم فروضا أخرى أيضا من هذا القسم. وحكم العلامة في التذكرة بصحة

٣٥٤

وقد مثّل له الأكثر (١) بما لو باع مال أبيه بظنّ حياته فبان ميّتا.

والمشهور الصحّة (٢) ، بل ربما استفيد (٣) من كلام العلّامة في القواعد

______________________________________________________

العقد ..» (١).

(١) قيل : إنّه لم يظهر تمثيل الأكثر ـ لهذه الصورة ـ بخصوص المثال المذكور في المتن ، وإنّما ذكر هذا الفرع في كلام العلامة في القواعد ، حيث قال : «ولو باع مال أبيه بظنّ الحياة ، وأنّه فضولي ، فبان ميّتا ، وأنّ المبيع ملكه ، فالوجه الصحة» (٢).

والأمر كما ذكره القائل ، لتصريح صاحب المقابس في كلامه المتقدم بوجود أمثلة أخرى ، حيث قال : «وذكر جماعة منهم فروضا أخر لهذا القسم» فلاحظ.

فمنها : قول العلامة : «وكذا لو باع العبد على أنه آبق أو مكاتب ، فصادف رجوعه أو فسخ الكتابة. وكذا لو زوّج أمة أبيه على ظنّ أنّه حي ، فبان ميّتا» (٣).

ومنها : ما أفاده في هبة القواعد بقوله : «وإذا باع الواهب بعد الإقباض بطل مع لزوم الهبة ، وصحّ لا معه ، على رأي. ولو كانت فاسدة صحّ إجماعا. ولو باع مال مورّثه معتقدا بقاءه ، أو أوصى بمن أعتقه ، وظهر بطلان عتقه فكذلك» (٤).

ومنها : ما نقله السيد العاملي عن المحقق الكركي قدس‌سرهما من قوله : «ومثله ما لو باع فضوليا ، ثم بان شراء وكيله إيّاه» (٥).

ولعلّ المتتبع في كلمات الأصحاب يقف على فروع أخر لهذه الصورة الثالثة.

(٢) كما ادّعاه الفاضل الخراساني أيضا قدس‌سره على ما حكاه صاحب المقابس عنه ، فراجع (٦).

(٣) كذا في المقابس أيضا ، لقوله : «وربما يستفاد منهما ـ أي : من القواعد والإرشاد ـ

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٨.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩.

(٣) نهاية الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٧٧.

(٤) قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٠٩ ، إرشاد الأذهان ، ج ١ ، ص ٤٥٠.

(٥) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٥ و ١٩٦ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٦.

(٦) مقابس الأنوار ، ص ٣٨ ، كفاية الأحكام ، ص ١٤٥ ، السطر ٩.

٣٥٥

والإرشاد في باب الهبة الإجماع ، ولم نعثر على مخالف صريح ، إلّا أن الشهيد رحمه‌الله ذكر في قواعده : «أنّه لو قيل بالبطلان أمكن» (١).

وقد سبقه في احتمال ذلك (١) العلّامة وولده في النهاية والإيضاح «لأنّه (٢) إنّما قصد نقل المال عن الأب ، لا عنه (٣). ولأنّه (٤) وإن كان منجّزا في الصورة ، إلّا أنّه

______________________________________________________

ـ دعوى الإجماع عليه» (٢). ولعلّ المستفيد هو السيد العاملي قدس‌سره ، لقوله : «وفي هبة الكتاب ـ أي القواعد ـ جزم بالصحة ، وقد يلوح منه هناك أنّها محلّ إجماع ، فليرجع إليه» (٣).

لكنك عرفت صراحة عبارة القواعد في الإجماع ، ولعلّ كلمة «إجماعا» ساقطة من بعض نسخ القواعد.

(١) أي : احتمال البطلان في هذه الصورة الثالثة. واستدل للبطلان بوجوه ثلاثة ، جملتها مذكورة في الإيضاح ، والأخيران مذكوران في النهاية ، والمنقول في المتن عبارة الإيضاح ، فراجع.

(٢) هذا أوّل تلك الوجوه الثلاثة ، ومحصّله : أنّ العاقد إنّما قصد نقل المال عن الأب لا عن نفسه ، فمن قصد البيع له لا يمكن أن يقع له البيع ، لعدم كونه مالكا ، ومن يمكن أن يقع البيع له ـ لكونه مالكا ـ لم يقصد له البيع.

والحاصل : أنّه يلزم تخلف العقد عن القصد.

(٣) أي : لا عن العاقد الفضولي الذي هو ولد المالك.

(٤) هذا ثاني تلك الوجوه الثلاثة ، وحاصله : أنّ هذا العقد فاقد لشرط التنجيز وإن كان منجّزا صورة ، لكنه معلّق واقعا ، إذ تقدير قول الفضوليّ : «بعتك» هو «إن مات مورّثي فقد بعتك» والتعليق مبطل العقد.

__________________

(١) القواعد والفوائد ، ج ٢ ، ص ٢٣٨ ، ذيل القاعدة : ٢٣٨.

(٢) مقابس الأنوار ، ص ٣٨.

(٣) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٥.

٣٥٦

معلّق ، والتقدير : إن مات مورّثي فقد بعتك. ولأنّه (١) كالعابث عند مباشرة العقد ، لاعتقاده (٢) أنّ المبيع لغيره» (١) انتهى.

أقول (٣) : أمّا قصد نقل الملك عن الأب فلا يقدح (*) في وقوعه ، لأنّه (٤) إنّما قصد نقل الملك عن الأب من حيث إنّه مالك باعتقاده ، ففي الحقيقة إنّما قصد النقل

______________________________________________________

(١) هذا ثالث تلك الوجوه الثلاثة ، وحاصله : أنّ هذا العاقد الفضوليّ كالعابث في عدم إرادة القصد الجدي بالصيغة ، إذ لا يتمشّى هذا القصد مع اعتقاده كون المبيع لغيره.

(٢) تعليل لكون البائع كالعابث ، فإنّه مع هذا الاعتقاد كيف يتمشّى منه القصد الجدّي؟

(٣) هذا كلام المصنف قدس‌سره ، وهو إشكال على الوجه الأوّل من الوجوه الثلاثة التي أقيمت على البطلان ، ومحصّل الإشكال : أنّ قصد الأب لم يتعلّق بخصوص شخصه ، بل تعلّق به من حيث كونه مالكا. فالبائع قصد البيع لمالك المبيع بحيث يشمل نفسه ، غاية الأمر أنّه اشتبه في تطبيق عنوان «المالك» على أبيه. فعلى هذا يقصد البائع البيع للمالك لا لغيره ، فلا يرد عليه : أنّ ما قصد لم يقع ، وما وقع لم يقصد.

(٤) تعليل لقوله : «فلا يقدح» وحاصله ـ كما مر آنفا ـ أنّ قصد النقل عن الأب ليس قصدا له لشخصه ، بل لكونه مالكا ، فالقصد تعلّق بعنوان المالك الذي هو جهة تقييدية.

__________________

(*) عدم القدح مبنيّ على كون المالكية هنا جهة تقييدية. وليس الأمر كذلك ، لأنّ الظن بالحياة ـ المراد به العلم بالحياة كما عبّر به العلّامة في هبة القواعد باعتقاد الحياة ، وكذا صرّح المصنف قدس‌سره فيما يأتي من قوله : «فهو إنما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في علمه ، فبيعه كبيع الغاصب مبني على دعوى ..» ـ يلائم قصد النقل عن شخص الأب ، لا عنوان كلّيّ المالك ، فحيثية المالكية هنا تعليلية ، لا تقييدية. فإيراد فخر المحققين قدس‌سره «بأنّه يلزم وقوع ما لم يقصد ، وعدم وقوع ما قصد» وارد ، ولا يندفع بما أفاده المصنف.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤٢٠ ، نهاية الأحكام ، ج ٢ ، ص ٤٧٧.

٣٥٧

عن المالك (*) لكن أخطأ في اعتقاده أنّ المالك أبوه. وقد تقدّم (١) توضيح ذلك (٢) في عكس المسألة أي : ما لو باع ملك غيره باعتقاد أنّه ملكه (٣).

نعم (٤) من أبطل عقد الفضوليّ لأجل اعتبار مقارنة طيب نفس المالك للعقد ، قوي (٥) البطلان عنده

______________________________________________________

(١) أشرنا إلى كلامه المتقدم ـ في ثالثة مسائل بيع الفضولي ـ في (ص ٣٥٣) فراجع.

(٢) أي : كون الخطأ في اعتقاد انطباق عنوان المالك ـ الذي هو حيثية تقييدية ـ على أبيه.

(٣) أي : ملك البائع ، كما إذا اعتقد زيد مثلا بأنّ المتاع الفلاني ملكه ، فباعه ، ثم تبيّن أنّه ملك عمرو ، فإنّهم قد وجّهوا صحة البيع هناك بأنّ البائع قصد البيع للمالك ، غاية الأمر أنّه أخطأ في تطبيق طبيعيّ المالك على نفسه. وهذا لا يقدح في صحة البيع.

(٤) استدراك على ما أفاده في هذه الصورة الثالثة من صحة بيع الفضولي مال الغير عن المالك ، وحاصل الاستدراك : أنّ من استند في بطلان عقد الفضولي إلى فوات مقارنة طيب نفس المالك للعقد ، فلا بدّ من التزامه بالبطلان هنا ، لفوات مقارنه الطيب فيه ، لأنّ العاقد من حيث إنّه مالك فاقد للطّيب المالكي حين العقد ، وإنّما تطيب نفسه بنقل مال غيره حينه. وطيب نفسه ببيع ماله بعد الانكشاف ليس طيبا مالكيّا مقارنا للعقد.

(٥) جواب «من أبطل» المتضمّن معنى الشرط.

__________________

(*) بل قصد النقل عن شخص أبيه ، لا النقل من طبيعيّ المالك بجعله حيثية تقييدية ، وكون أبيه من مصاديقه ، إذ إرادة طبيعيّ المالك وإطلاقه ـ بحيث يعمّ كلّا من العاقد وأبيه مع العلم بحياة أبيه ـ في حكم التعليق ، لأنّ مرجع هذا الإطلاق إلى وقوع البيع عنه على تقدير موت والده ، وعن والده على تقدير حياته. وهذا عبث ينافي القصد الجدّي في مقام المعاملة. فالمناسب هنا كون حيثية المالكية جهة تعليلية كما مرّ في التعليقة السابقة.

٣٥٨

هنا (١) (*) ، لعدم طيب نفس المالك بخروج مالكه عن ملكه (٢) ، ولذا (٣) (**) نقول نحن كما سيجي‌ء (٤) باشتراط الإجازة من المالك بعد العقد ، لعدم حصول طيب النفس حال العقد.

وأمّا ما ذكره من «أنّه (٥) في معنى التعليق» ففيه (٦) : مع مخالفته لمقتضى الدليل

______________________________________________________

(١) أي : في هذه الصورة الثالثة المتقدمة في (ص ٣٥٤).

(٢) لأنّ العاقد حين العقد لم تطب نفسه بنقل ماله ، بل طابت حينه بنقل مال غيره.

(٣) أي : ولعدم طيب نفس المالك بخروج ماله عن ملكه مقارنا للعقد.

(٤) عند قوله في (ص ٣٦٤) : «لكن الأقوى وفاقا للمحقق والشهيد الثانيين وقوفه على الإجازة».

فالنتيجة : أنّ جواب الدليل الأوّل هو : أنّ قصد وقوع البيع عن الأب لا يضرّ بوقوعه ، لأنّ قصد الأب يكون لأجل اعتقاد الابن بكون الأب مالكا ، فهو قصد البيع عن مالكه ، لكنه أخطأ في تطبيق المالك على أبيه ، وهذا لا يقدح في وقوع البيع.

(٥) أي : أنّ عقد البائع. وهذا إشارة إلى ثاني أدلّة العلّامة والفخر ، وهو كون هذا العقد معلّقا واقعا وإن كان منجّزا صورة ، لأنّه معلّق على موت أبيه حتى يقع البيع له.

(٦) هذا ردّ الدليل الثاني ، وقد ردّه المصنف قدس‌سره بوجهين :

أحدهما : أنّ هذا الدليل الثاني مخالف لمقتضى الدليل الأوّل ، لأنّ مقتضاه هو البيع عن أبيه منجّزا ، لاعتقاد حياته ، وكون المال مال أبيه. ومقتضى الدليل الثاني هو البيع عن

__________________

(*) فإن مقتضاه بطلان عقد الفضولي في جميع الموارد ، لفقدان مقارنة طيب نفس المالك للعقد في جميع العقود الفضولية. وغير الفضولي ممّا يحتاج إلى الإجازة وإن لم يكن من العقد الفضولي موضوعا ، حيث إنّ العاقد هو المالك. إلّا أنّ ملاك الحاجة إلى الإجازة ـ وهو طيب النفس ـ موجود في مثل المقام ، فالمحوج إلى الإجازة فيه هو اعتبار طيب نفس المالك.

(**) تعليل بطلان الفضولي بعدم مقارنة طيب نفس المالك للعقد لا يصح لأن يكون سببا لشرطية إجازة المالك لصحة العقد مع تأخرها عنه وعدم مقارنتها له ، بل لا بدّ أن تكون شرطيتها مستندة إلى دليل آخر ، ولا بدّ من التأمل في فهم مراد المصنف من العبارة.

٣٥٩

الأوّل (١) كما لا يخفى ـ منع (٢) كونه في معنى التعليق ، لأنّه إذا فرض أنّه يبيع مال أبيه لنفسه كما هو (٣) ظاهر هذا الدليل ، فهو (٤) إنّما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في (٥) علمه ، فبيعه (٦) كبيع الغاصب مبنيّ على دعوى السلطنة والاستقلال على المال ، لا على تعليق النقل بكونه (٧) منتقلا إليه بالإرث عن [من] مورّثه (٨) ، لأنّ ذلك (٩) لا يجامع مع ظنّ الحياة.

______________________________________________________

نفسه معلّقا على موت أبيه. ومن المعلوم تخالفهما من حيث التنجيز والتعليق ، ومن مغايرة من له البيع في الدليل الأوّل والثاني.

(١) وهو قوله في (ص ٣٥٦) : «لأنّه إنّما قصد نقل المال عن الأب» وقوله : «مع مخالفته» إشارة إلى الوجه الأوّل من وجهي ردّ المصنف.

(٢) مبتدء مؤخّر ، وخبره المقدّم قوله : «ففيه». وهذا ثاني وجهي الرد ، وحاصله : منع التعليق حتى فيما إذا فرض أنّه يبيع مال أبيه لنفسه مع علمه بكونه مال أبيه ـ فضلا عما نحن فيه من بيعه لأبيه مع تبين كون المبيع ملكه ـ فإنّ البيع لنفسه مع العلم بأنّه ليس ملكا له كالغاصب مبنيّ على دعوى سلطنته واستقلاله على ذلك المال ، وليس مبنيا على التعليق.

(٣) يعني : كما أنّ فرض بيع مال أبيه لنفسه ظاهر هذا الدليل.

(٤) جواب قوله : «إذا فرض».

(٥) متعلق ب «كونه» يعني : مع وصف اعتقاد البائع بأنّ المال ملك أبيه.

(٦) يعني : فبيع البائع ـ مع علمه بكون المبيع ملكا لأبيه ـ ليس مبنيّا على تعليق النقل بانتقاله إليه بالإرث ، بل هو كبيع الغاصب مبني على دعوى الاستقلال على المال ، وذلك لأنّ التعليق لا يلائم ظنّ الحياة ، إذ المراد بالظن هو العلم كما فهمه المصنف قدس‌سره حيث قال : «مع وصف كونه لأبيه في علمه» ومن المعلوم أنّ التعليق مبنيّ على الاحتمال المضادّ للقطع.

(٧) متعلق ب «تعليق» والضمير راجع الى المال.

(٨) هذا الضمير وضمير «إليه» راجعان إلى البائع المفروض كونه ولد المالك.

(٩) أي : لأنّ التعليق ، وقوله : «لأنّ» تعليل لعدم تعليق النقل ، وقد اتّضح بقولنا :

٣٦٠