هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

اللاحقة ـ كالقبض في الهبة ونحوها (١) ، والإجازة في الفضوليّ ـ لا يقتضي (٢) النهي عنها بقول مطلق ، إذ (٣) معنى صحّة المعاملة شرعا أن يترتّب عليها شرعا المدلول المقصود من إنشائه ولو مع شرط لاحق. وعدم (٤) بناء المتعاملين على مراعاة ذلك

______________________________________________________

للزوم الإخلال بالغرض من إطلاق النهي مع إرادة النهي المقيّد منه ، كبيع الفضولي بلا إجازة ، والهبة بلا قبض ، وبيع الصرف بلا قبض ، إلى غير ذلك من النواهي المقيّدة.

وبالجملة : فالنهي في «لا تبع ما ليس عندك» يدلّ على الفساد مطلقا ولو مع الإجازة.

ثم إن ما أفاده المصنف بقوله : «اللهم إلّا أن يقال» يستفاد من صاحب المقابس في رد كلام الشهيد قدس‌سره بقوله : «فإنه لو كانت الإجازة كافية لما نهي عن البيع قبل ذلك ، ولم يؤمر بفعله بعده ، مع أن التسليم كان يحصل بعده ، وهو في حكم الإجازة منه» (١).

(١) كبيعي الصّرف والسّلم.

(٢) خبر «أن» في قوله «أن عدم ترتب» وضمير «عنها» راجع إلى المعاملة ، المستفادة من العبارة.

والحاصل : أنّ العقد إذا كان صحيحا على تقدير لم يصحّ النهي عنه بقول مطلق ، إذ إطلاق النهي ظاهر في بطلان العقد بقول مطلق.

(٣) تعليل لعدم صحة النهي بقول مطلق ، مع فرض صحة العقد على تقدير كصحة عقد الفضولي على تقدير الإجازة ، بل لا بدّ من تقييد النهي بتجرّده عن لحوق شرط صحته ، كإجازة المالك ، فإنّه مع فرض الصحة على تقدير وجود الشرط الفلاني كيف يصحّ النهي بقول مطلق؟ إذ إطلاق النهي يدلّ على بطلان العقد مطلقا. وعليه فيكون عقد الفضول باطلا حتّى مع الإجازة.

(٤) إشارة إلى وهم ودفع. أمّا الوهم فهو : أنّه يمكن أن يكون سبب النهي المطلق بناء المتعاقدين على عدم مراعاة الشرط وهو الإجازة في عقد الفضولي التي تصدر من المالك.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب المبيع ، ص ٣٧.

٣٢١

الشرط لا يوجب (١) النهي عنه إلّا مقيّدا بتجرّده عن لحوق ذلك الشرط ، فقصدهم ترتّب الملك المنجّز على البيع قبل التملّك ـ بحيث يسلّمون الثمن ويطالبون المبيع ـ لا يوجب (٢) الحكم عليه بالفساد (٣).

فالإنصاف (٤) (*) أنّ ظاهر النهي في تلك الروايات هو عدم وقوع البيع قبل

______________________________________________________

(١) هذا خبر «عدم» ودفع التوهم ، ومحصّله : أنّ هذا البناء لا يسوّغ النهي المطلق ، بل اللازم النهي مقيّدا بعدم صدور الإجازة من المالك ، إذ مع صدورها تصح المعاملة ، فالنهي المطلق دليل على فساد المعاملة مطلقا وإن لحقته الإجازة.

(٢) خبر قوله : «فقصدهم» ، و «على البيع» متعلّق ب «ترتّب».

(٣) يعني : الفساد مطلقا حتى مع الإجازة ، فلا وجه للنهي عن هذه المعاملة بنحو الإطلاق.

(٤) الفاء للتفريع. غرضه أنّ نتيجة ما ذكرناه من أنّ «لا تبع» في الروايات العامة وما بمضمونه من الروايات الخاصة ـ الدالّة على نهي المخاطب عن بيع ما ليس عنده مع البناء على دلالة النهي على الفساد ـ هي فساد البيع ، وعدم وقوعه للمخاطب وهو البائع الفضولي الذي باع مال غيره لنفسه مطلقا ولو مع الإجازة.

ولا دلالة لهذا النهي على عدم وقوعه لغير المخاطب وهو المالك إذا أجاز ، لأنّ النهي متوجه إلى المخاطب الذي هو البائع الفضولي ، فلا نهي بالنسبة إلى غير المخاطب ، بل يراعى فيه حكم الفضولي ، فإذا أجاز صحّ ، وإلّا فلا. ولو انتقل المال إلى نفس المخاطب الفضولي انتقلت سلطنة الإجازة إليه ، فإن أجاز صحّ ، وإلّا بطل رأسا.

__________________

(*) يمكن أن يقال : إنّ شروط العقد على قسمين.

أحدهما : الأمور المقوّمة للعقد العرفي كالقصد والموالاة ، وفقدانها يوجب انعدام العقد العرفي ، ويصير وجوده كالعدم. وهذا هو الفساد المطلق ، أي : لا يترتب عليه شي‌ء من الصحة التأهلية والفعلية.

ثانيهما : الأمور التي جعلها الشارع قيودا للعقد العرفي كبلوغ المتعاقدين ، وهذه الشروط قد تكون من قبيل الحقّ الآدمي ، وتكون شرطيتها رعاية لحقه ، وتصير فعلية آثار

٣٢٢

التملّك للبائع (١) ، وعدم ترتّب أثر الإنشاء المقصود منه عليه (٢) مطلقا (٣) حتّى مع الإجازة. وأمّا صحّته (٤) بالنسبة إلى المالك إذا أجاز ، فلأنّ النهي راجع إلى وقوع

______________________________________________________

وبالجملة : فما ذكره في «الإنصاف» موافق لما في المقابس من بطلان بيع الفضولي لنفسه.

(١) أي : البائع الذي هو المخاطب بالنهي عن بيع ما ليس عنده المذكور صريحا وتلويحا في الروايات.

(٢) متعلق ب «ترتب أثر» ، وضميره وضمير «منه» راجعان إلى الإنشاء.

(٣) يعني : أنّ العقد باطل في حق المخاطب ولو أجازه بعد أن ملكه ، فهذا العقد فاقد لكل من الصحة التأهلية والفعلية. وهذا مطابق لما أفاده المحقق صاحب المقابس قدس‌سره من دلالة الأخبار المتقدمة على بطلان بيع الفضولي لنفسه.

(٤) بعد أن نفى المصنف قدس‌سره صحة العقد بالنسبة إلى الفضولي الذي باع مال الغير

__________________

العقد منوطة بإسقاط الحق ، كالملكيّة ، فإنّها من الشرائط التي تقتضيها سلطنة المالكين على أموالهم ، ولذا عبّر عن مخالفتها في نصوص نكاح العبد بدون إذن سيده «بأنّه لم يعص الله ، وإنّما عصى سيده» ومعصية السيد ليست إلّا من جهة مخالفته لقاعدة سلطنة المالك على ماله.

فمتى كان الشرط من قبيل الملكية كان العقد صحيحا تأهّلا ، وتوقفت صحته الفعلية على إمضاء المالك. فالنهي عن بيع مال الغير يوجب وقوف العقد عن التأثير الفعلي ، لا عن التأثير الإعدادي ، فإذا لحقه رضا المالك وإمضاؤه لترتّب عليه الآثار الفعلية من لزوم التسليم والقبض وغيرهما.

ومن هنا يظهر وجه حمل المصنف قدس‌سره الفساد على عدم ترتب الآثار الفعلية على البيع المنهي عنه في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تبع ما ليس عندك».

وقد لا تكون من قبيل الحق الآدمي كالعربية والماضوية بناء على اعتبارهما ، ومقتضى إطلاق شرطيتهما هو بطلان العقد بقول مطلق بحيث لا يترتب عليه أيّ أثر وجوديّ ، فيقع العقد باطلا ، ولا يمكن تصحيحه بشي‌ء من الوجوه.

وإذا شك في كون الشرط من أيّ قسم من أقسام الشروط ، ولم يكن إطلاق لفظي يؤخذ به ، ووصلت النوبة إلى الأصل العملي ، فالمرجع أصالة الفساد.

٣٢٣

البيع المذكور للبائع ، فلا تعرّض فيه لحال المالك إذا أجاز ، فيرجع فيه إلى مسألة الفضوليّ.

نعم (١) قد يخدش فيها (٢) : أنّ ظاهر كثير من الأخبار المتقدّمة ورودها في بيع الكلّي ، وأنّه لا يجوز بيع الكلّي في الذمّة ، ثمّ اشتراء بعض أفراده ، وتسليمه إلى المشتري ، والمذهب جواز ذلك (٣)

______________________________________________________

لنفسه تعرّض لحكم هذا العقد بالنسبة إلى المالك ، وقال : إنّ هذا البيع بالنسبة إلى المالك من صغريات البيع الفضولي ، فإن قلنا بصحته مطلقا قلنا بها هنا أيضا.

(١) استدراك على قوله : «فالإنصاف أنّ ظاهر النهي» والغرض منه الخدشة فيما أفاده من ظهور النهي في تلك الروايات ـ عدا روايتي يحيى بن الحجاج وخالد بن الحجاج اللتين موردهما البيع الشخصي ـ في عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع.

ومحصل الخدشة : أنّ ظاهر كثير من الأخبار المتقدمة هو بيع الكلي ، وأنّه لا يجوز بيع الكلي في الذمة ، ثم اشتراء بعض أفراده وتسليمه إلى المشتري. وهذا خلاف المذهب ، لجواز بيع الكلّي في الذمة عند الإمامية.

وعليه فلا يصح الاستدلال بتلك الأخبار على المدّعى ، وهو فساد بيع الفضولي مال الغير لنفسه ، لسقوطها عن الحجية والاعتبار ، فلا محيص عن حمل النهي الوارد فيها إمّا على الكراهة ، أو على التقية ، لموافقته لمذهب جماعة من علماء العامة.

وهذه الخدشة ذكرها صاحب المقابس قدس‌سره ثم أجاب عنها بأن حمل الروايات الناهية عن بيع الكلّي على التقيّة لا يقتضي حمل النهي الوارد عن بيع الثوب الشخصي في رواية يحيى عليها ، مع فرض خلوّها عن المعارض ، قال قدس‌سره : «والتحقيق أنّ حمل ما ورد في غير المعيّن على ما ذكر ـ مع عدم ظهورها في المنع ووجود المعارض ـ لا يقتضي حمل ما ورد في المعيّن ، مع دلالتها على المنع وخلوّها عن المعارض ، وصحة أكثرها ..» (١)

(٢) أي : في دلالة الروايات المتقدمة على المنع عن بيع من باع ثم ملك.

(٣) أي : جواز بيع الكلي في الذمة.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٧.

٣٢٤

وإن نسب الخلاف فيه (١) إلى بعض العبائر (٢). فيقوى في النفس أنّها (٣) وما ورد (٤) في سياقها في بيع الشخصي أيضا ، كروايتي يحيى وخالد المتقدّمتين ، أريد (٥) بها الكراهة ، أو وردت (٦) في مقام التقيّة ، لأنّ (٧) المنع عن بيع الكلّيّ حالّا ـ مع عدم وجوده عند البائع حال البيع ـ مذهب (٨) جماعة من العامّة ، كما صرّح به (٩) في بعض الأخبار (١٠) ، مستندين (١١) في ذلك إلى النهي النبويّ عن بيع ما ليس عندك.

______________________________________________________

(١) أي : في جواز بيع الكلي الذمي.

(٢) حكى العلّامة الخلاف عن العمّاني وابن إدريس قدس‌سرهم ، وحكاه صاحب المقابس عن العلّامة.

(٣) أي : أنّ الأخبار المتقدمة الظاهرة في عدم جواز بيع الكلي في الذمة ـ الذي هو مخالف لمذهب الإماميّة ، وكذا غير تلك الأخبار من الروايات الواردة في سياقها المانعة عن بيع الكلي في الذمة ، كروايتي يحيى وخالد ابني الحجاج المتقدمتين في (ص ٣٠٥ ـ ٣٠٤) ـ أريد بها الكراهة. أو وردت في مقام التقية ، حيث إنّ المنع عن بيع الكلي حالّا مع عدم وجود شي‌ء من مصاديقه عند البائع حال البيع مذهب جماعة من علماء العامة ، كما صرّح به في صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج (١). فإنّ قول عبد الرحمن للإمام عليه‌السلام في الصحيحة الأولى : «قلت : إنهم يفسدونه عندنا» وقوله في الصحيحة الثانية : «قلت : فإنّ من عندنا يفسده» (٢) دليل على أن علماء السنة لا يجوّزون بيع الكلّي في الذمّة.

(٤) معطوف على ضمير «أنّها» ، وضمير «سياقها» راجع إلى «الأخبار المتقدمة».

(٥) خبر قوله : «أنها وما ورد» والجملة فاعل «يقوى».

(٦) معطوف على «أريد».

(٧) تعليل لقوله : «أو وردت».

(٨) خبر قوله : «لأن المنع».

(٩) أي : بالمنع عن بيع الكلي الذي هو مذهب جماعة من العامة.

(١٠) كصحيحتي عبد الرحمن المشار إليهما آنفا.

(١١) أي : حال كون هؤلاء العامة مستندين في إفتائهم ـ بالمنع عن بيع الكلّي حالّا ـ

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ١٣٠ ـ ١٣٢ ، ولا حظ السرائر ، ج ٢ ، ص ٢٩٠.

(٢) وسائل الشيعة ج ١٢ ص ٣٧٤ و ٣٧٥ ، الباب ٧ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١ و ٣.

٣٢٥

لكنّ (١) الاعتماد على هذا التوهين (٢) في رفع اليد عن الروايتين (٣) المتقدّمتين الواردتين في بيع الشخصي ، وعموم (٤) مفهوم التعليل في الأخبار الواردة في بيع الكلّي ، خلاف (٥) الإنصاف ،

______________________________________________________

إلى النبوي الناهي عن بيع ما ليس عندك.

(١) استدراك على ما أفاده من الخدشة المذكورة في الأخبار المتقدّمة ، وعدول عنه ، ومحصل تقريب العدول : أنّ الروايات المتقدمة وإن كانت موهونة ، لمخالفتها لمذهب الإمامية القائلين بجواز بيع الكلي في الذمة. ولكن هذه الخدشة لا توجب رفع اليد عن الروايتين الواردتين في منع بيع الشخصي المشار إليهما في (ص ٣٠٤ و ٣٠٥).

وكذلك لا توجب رفع اليد عن عموم مفهوم التعليل في قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم : «إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» حيث إنّه يدلّ مفهوما على عدم جواز الشراء منه قبل تملّكه للمبيع ، لأنّ عمومه يشمل بيع الفضولي مال الغير لنفسه وإن ملكه بعد ذلك بشراء أو غيره وأجاز.

وكذا عموم مفهوم قوله عليه‌السلام في صحيحة منصور بن حازم : «إنّما البيع بعد ما يشتريه» حيث إنّه يدلّ مفهوما على عدم جواز البيع قبل شراء المبيع. وعمومه يشمل بيع الفضولي مال الغير لنفسه وإن ملكه بعد البيع وأجاز.

وبالجملة : فالمعتمد هو عموم مفهوم التعليل في الصحيحتين المشار إليهما ، وعدم الاعتناء بالخدشة المذكورة ، والالتزام بما أفاده في «الانصاف» من ظهور الروايات في عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع.

(٢) وهي الخدشة المذكورة بقوله : «نعم قد يخدش فيها».

(٣) وهما روايتا يحيى وخالد المتقدمتان في (ص ٣٠٤ و ٣٠٥).

(٤) معطوف على «الروايتين».

(٥) خبر «لكن» فمحصل ما أفاده المصنف قدس‌سره : أنّ الاعتماد على هذا التوهين ـ أعني به الخدشة المذكورة ـ في رفع اليد عن ظهور روايتي يحيى وخالد في الفساد في بيع المتاع

٣٢٦

إذ (١) غاية الأمر حمل الحكم (٢) في مورد تلك الأخبار ـ وهو بيع الكلّي قبل التملّك ـ على التقيّة ، وهو (٣) لا يوجب طرح مفهوم التعليل رأسا ، فتدبّر (٤).

______________________________________________________

الشخصي قبل تملك البائع له ، ورفع اليد عن عموم مفهوم التعليل الشامل لبيع الكلّي والشخصي خلاف الإنصاف ، إذ لا وجه لرفع اليد عن الظواهر بلا قرينة ، فلا بد من الأخذ بظاهر النهي والحكم بفساد بيع الشخصي قبل تملك البائع ، غاية الأمر أنّه يحمل عدم جواز بيع الكلي في مورد تلك الأخبار على التقية.

(١) تعليل لكون الاعتماد على الخدشة المذكورة ـ ورفع اليد بسببها عن الروايتين وعن عموم مفهوم التعليل ـ خلاف الانصاف. وقد مرّ توضيحه آنفا بقولنا : «إذ لا وجه لرفع اليد عن الظواهر بلا قرينة .. إلخ».

(٢) وهو عدم جواز البيع ، وقوله : «على التقية» متعلّق ب «حمل».

(٣) يعني : والحمل على التقية لا يوجب طرح مفهوم التعليل العام الشامل لبيع الكلي والشخصي رأسا ، إذ غايته خروج بيع الكلّي عن حيّزه. وأمّا بيع الشخصي فلا وجه لخروجه عن عموم مفهوم التعليل ، بل هو باق تحت العموم ، ومقتضاه عدم جواز بيع الشخصي قبل التملك.

فالمتحصل : أنّ الحمل على التقيّة لا يسوّغ طرح مفهوم التعليل في صحيحتي محمد بن مسلم ومنصور بن حازم ، وطرح روايتي يحيى بن الحجاج وخالد بن الحجاج.

(٤) لعلّه إشارة إلى : أنّ الحمل على التقية إنّما هو في فرض التعارض ، وعدم الجمع العرفي ، والمفروض وجوده ، وهو حمل الأخبار المانعة عن بيع الكلّي عن الكراهة ، الذي هو جمع عرفي حكمي بينها وبين ما دلّ على جوازه ، من الإجماع وغيره.

أو إشارة إلى : أنّه من البعيد إمكان التبعيض في التعليل ، بحمل بعضه ـ وهو الكلّي ـ على التقية أو الكراهة ، وبإبقاء بعض موارده وهو الشخصي على حاله من عدم الجواز ، إذ يلزم إلغاؤه في مورده وهو الكلّي ، وإبقاؤه في غيره وهو بيع الشخصي. فيقوى حمل النهي على الكراهة مطلقا حتى لا يقع في كلفة ما لعلّه لا يتمكّن من تحصيله مقدمة للوفاء في الكلي ، وتتميما للبيع في الشخصي.

٣٢٧

فالأقوى (١) العمل بالروايات ، والفتوى بالمنع عن البيع المذكور (٢).

وممّا يؤيّد المنع (٣) ـ مضافا إلى ما سيأتي عن التذكرة والمختلف من دعوى الاتّفاق ـ رواية الحسن بن زياد الطّائي الواردة في نكاح العبد بغير إذن مولاه ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي كنت رجلا مملوكا ، فتزوّجت بغير إذن مولاي ، ثمّ أعتقني الله بعد ، فأجدّد النكاح؟ قال : فقال : علموا أنّك تزوّجت؟ قلت : نعم قد علموا ، فسكتوا ولم يقولوا لي شيئا. قال : ذلك إقرار منهم ، أنت على نكاحك» (١) الخبر (٤) ، فإنّها (٥) ظاهرة ـ بل صريحة ـ في أنّ علّة البقاء (٦)

______________________________________________________

(١) هذه نتيجة النقض والإبرام ، فوافق المصنف صاحب المقابس قدس‌سرهما في الحكم بفساد بيع من باع مال الغير لنفسه قبل أن يملكه ، وأجازه بعد تملكه له.

(٢) وهو بيع المتاع الشخصي قبل التملك والإجازة له بعد التملك ، دون بيع المتاع الكليّ ، لأنّه كما تقدم آنفا جائز عندنا.

(٣) أي : منع جواز بيع مال الغير فضولا ، وإجازته له بعد تملكه للمبيع.

(٤) أي : إلى آخر الخبر ، لكن هذا آخر الخبر ، وليس له بقية ، فلم يظهر وجه هذا التعبير. وقريب منها روايتا معاوية بن وهب (٢).

(٥) أي : فإنّ رواية الحسن بن زياد. تقريب دلالته على عدم كفاية مالكية العاقد الفضولي ـ وهو العبد في مورد الرواية ـ لنفسه في البقاء على ما فعله بغير إذن سيّده هو : جعل علّة البقاء إقرار المولى المستفاد من سكوته ، إذ لو كانت العلّة مالكيته لنفسه الحاصلة بالعتق ـ مع إجازته أو بدونها ـ لم يحتج إلى استفصال الامام عليه الصلاة والسلام عن سكوت المولى وعدمه ، لكون العقد لازما على تقدير كفاية صيرورته مالكا لنفسه على كلا تقديري الحاجة إلى الإجازة وعدمها ، إذ المفروض حصول الإمضاء والرضا بما فعله بغير إذن سيّده على فرض الحاجة إلى الإجازة.

(٦) أي : بقاء العبد على نكاحه الأوّل الذي أنشأه بدون إذن سيّده.

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٤ ، ص ٥٢٦ ، الباب ٢٦ ، من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٣.

(٢) المصدر ، ص ٥٢٥ ، الحديث ١ ـ ٢.

٣٢٨

بعد العتق (١) على ما فعله بغير إذن مولاه ، هو (٢) إقراره المستفاد من سكوته ، فلو كانت صيرورته حرّا مالكا لنفسه مسوّغة للبقاء ـ مع إجازته أو بدونها ـ لم يحتج (٣) إلى الاستفصال (*) عن أنّ المولى سكت أم لا ، للزوم (٤) العقد حينئذ (٥) على كلّ تقدير (٦).

ثم إنّ الواجب (٧)

______________________________________________________

(١) الموجب لمالكية لنفسه.

(٢) خبر «أنّ علّة» وتذكيره باعتبار خبره ، و «مسوّغة» خبر «فلو كانت».

(٣) جواب «لو» في «فلو كانت». وجه عدم الحاجة إلى الاستفصال هو عدم دخل إقرار المولى في البقاء على النكاح ، إذ المفروض كون تمام العلّة في بقائه هو مالكية العبد لنفسه بالعتق ، مع الإجازة أو بدونها.

(٤) تعليل لعدم الحاجة إلى الاستفصال. فمحصّل وجه التأييد لما نحن فيه هو فساد النكاح بدون رضا المالك ـ وهو السيد ـ لكونه مالكا ، فبيع مال الغير لنفسه أيضا فاسد بدون إذن المالك.

(٥) أي : حين صيرورة العبد حرّا مالكا لنفسه.

(٦) أي : تقديري الحاجة إلى الإجازة وعدم الحاجة إليها ، والجار متعلق ب «للزوم».

(٧) الغرض من هذه العبارة أنّ بيع الفضول مال الغير قبل الاشتراء لمّا كان تارة منجزا ، من دون أن يكون موقوفا على ملكه وإجازته ، فقد يملك ويجيز ، وقد يملك ولا يجيز. واخرى موقوفا على ملكه وإجازته معا ، أو موقوفا على ملكه دون إجازته ، فوجب الاقتصار على مورد الروايات المستدلّ بها على المنع ، وعدم التعدي عن موردها إلى غيره.

__________________

(*) يمكن أن يكون الاستفصال لاستعلام أنّ المولى ان علم بالنكاح رده أو سكت. وعلى هذا الاحتمال تكون الرواية أجنبية عن المقصود ، فلا تكون مؤيّدة.

ولعلّ تعبير المصنف قدس‌سره ب «يؤيد» دون يدلّ لتطرق هذا الاحتمال ، فتدبّر.

٣٢٩

على كلّ تقدير (١) هو الاقتصار على مورد الروايات ، وهو ما لو باع البائع لنفسه واشترى المشتري غير مترقّب لإجازة المالك ، ولا لإجازة البائع إذا صار مالكا (٢). وهذا (٣) هو الذي ذكره العلّامة رحمه‌الله في التذكرة نافيا للخلاف في فساده ، قال : «ولا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها ويمضي ليشتريها ويسلّمها ، وبه قال الشافعي وأحمد ، ولا نعلم فيه خلافا ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تبع ما ليس عندك. ولاشتمالها (٤) على الغرر ، فإنّ (٥) صاحبها قد لا يبيعها ،

______________________________________________________

والمصنف استظهر أنّ موردها خصوص البيع المنجّز ، دون البيع الموقوف على الملك والإجازة ، ودون الموقوف على الملك دون الإجازة ، فهما خارجان عن مورد الروايات وإن كان الأوّل داخلا في عنوان هذه المسألة ، والثاني داخلا في عنوان المسألة الثانية الآتية في كلام المصنف.

ووجه استظهار المصنف كون مورد الروايات خصوص البيع المنجّز هو : أنّ المنهيّ عنه مواجبة البيع المساوقة لتنجزه ، ومقتضى عموم الملاك المستفاد من قوله عليه‌السلام : «إن شاء أخذ وإن شاء ترك» جواز المعاملة إن كان زمامها بيد المتعاملين. بخلاف المنجّز الذي ليس لهما فيه زمامها.

وبالجملة : فمورد الروايات الناهية عن بيع ما ليس عنده خصوص البيع المنجّز الذي هو بيع بالحمل الشائع.

(١) أي : سواء قلنا بالصحة أم بالفساد في المسألة الثالثة ، وهي : ما لو باع الفضولي مال الغير لنفسه ثم ملكه فأجاز.

(٢) وهذا معنى البيع المنجّز الذي هو مورد روايات المنع عن بيع ما ليس عنده.

(٣) أي : وكون مورد الروايات خصوص بيع الفضولي مال الغير منجّزا غير موقوف على الملك والإجازة ـ وأنّ موردها هي المسألة الثالثة ـ هو الذي ذكره العلامة قدس‌سره في التذكرة نافيا للخلاف في فساده. وقال الشافعي وأحمد أيضا بعدم جواز بيع ما ليس عنده.

(٤) معطوف على «لقوله» وهذا دليله الثاني على فساد البيع ، كما أنّ النبوي دليله الأوّل عليه.

(٥) هذا تقريب الغرر ، وحاصله : أنّ صاحب العين يمكن أن لا يبيع العين ، فيتضرر

٣٣٠

وهو (١) غير مالك لها ولا قادر على تسليمها. أمّا (٣) لو اشترى موصوفا في الذمّة ـ سواء أكان حالّا أم مؤجّلا ـ فإنّه جائز إجماعا» انتهى (٣).

وحكي عن المختلف الإجماع على المنع (٤) أيضا.

واستدلاله (٥) بالغرر وعدم القدرة على التسليم ظاهر ـ بل صريح ـ في وقوع

______________________________________________________

المشتري حينئذ بتأخير وصول الثمن إليه أو تلفه.

(١) يعني : والحال أنّ البائع الفضولي غير مالك للعين ولا قادر على تسليمها.

(٢) هذا في بيع الكلّي مقابل بيع الشخصي الذي ذكره العلّامة قدس‌سره بقوله : «ولا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها».

(٣) يعني : انتهى عبارة التذكرة ، وقد سقط قبل قول العلامة : «إجماعا» قوله : «وكذا لو اشترى عينا شخصية غائبة مملوكة للبائع ، موصوفة بما ترفع الجهالة ، فإنّه جائز إجماعا» (١). ولعلّه لأجل كون الجواز إجماعيّا في كلتا المسألتين اقتصر المصنف على حكاية الإجماع على الجواز في مورد البحث ، وهو شراء العين الكليّة في الذمة ، ولم ينقل تمام العبارة.

(٤) أي : على منع بيع العين التي لا يملكها ويمضي ليشتريها ، كما استفيد الإجماع من قوله في التذكرة : «لا نعلم فيه خلافا». وكان المناسب أن يذكر المصنف قدس‌سره كلام المختلف قبل نقل هذه الجملة : «أمّا لو اشترى موصوفا في الذمة» عن التذكرة ، كما لا يخفى.

وكيف كان فالموجود في موضعين من المختلف هو الحكم بالجواز ، قبال ابن إدريس والعماني ، ولم أطفر بدعوى الإجماع فيه ، كما أنّ صاحب المقابس نقل عنه الجواز دون الإجماع ، ولا بد من مزيد التتبع للوقوف على منشإ حكاية الإجماع عن المختلف (٢).

(٥) هذا كلام المصنف قدس‌سره ، وبيان وجه استظهاره من عبارة التذكرة كون مورد النهي «عن بيع ما ليس عنده» هو بيع الفضول مال الغير لنفسه منجّزا غير موقوف على إجازة مجيز.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١٠ ، ص ٤٦٣ ، ج ١ ، ص ١٦ (الطبعة الحديثة).

(٢) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٥ و ١٣٠ ـ ١٣٢.

٣٣١

الاشتراء غير مترقّب لإجازة مجيز ، بل وقع على وجه (١) يلزم على البائع بعد البيع تحصيل المبيع وتسليمه.

فحينئذ (٢) لو تبايعا (٣) على أن يكون العقد موقوفا على الإجازة ، فإتّفقت الإجازة من المالك ، أو من البائع بعد تملّكه ، لم يدخل (٤) في مورد الأخبار ، ولا في معقد الاتّفاق.

______________________________________________________

توضيح وجه الاستظهار هو : أنّ استدلال العلّامة قدس‌سره على فساد البيع بالغرر وعدم القدرة على التسليم ظاهر ـ بل صريح ـ في وقوع البيع منجّزا ، إذ لا غرر مع توقف البيع على الملك ، لعلم المشتري بعدم انتقال ماله عن ملكه إلّا بدخول بدله في ملكه. كما أنّ البائع بعد تملكه للمبيع يصير شرعا قادرا على تسليمه. بخلاف ما إذا كان البيع منجّزا ، لعدم علم المشتري بدخول بدل ما خرج عن ملكه في ملكه. كما أنّ البائع ليس قادرا على تسليم المبيع فعلا ، لعدم كونه ملكا له ، ويمكن أن لا يبيعه مالكه.

(١) وهو التنجز واللزوم ، فإنّ تنجّز البيع يلزم البائع بعد البيع بتحصيل المبيع وتسليمه إلى المشتري.

(٢) يعني : فحين البناء على كون البيع المنهي عنه في الروايات العامّة والخاصّة الناهية عن بيع ما ليس عنده هو بيع الفضول مال الغير منجّزا ـ لا موقوفا على إجازة المالك ، أو البائع إذا صار مالكا ـ يقع الكلام في حكم بعض الفروع ، وشمول أخبار البيع له ، وعدم شمولها له. والمذكور في المتن فروع أربعة.

(٣) هذا أحد تلك الفروع ، ومحصّله : أنّه لو تبايعا ـ قبل أن يتملك البائع المبيع ـ على أن يكون البيع موقوفا على الإجازة ، فاتّفقت من المالك أو البائع الفضولي بعد انتقال المبيع إليه بالناقل الاختياري أو القهري ، لم يدخل في مورد الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عنده ، ولا في معقد إجماع التذكرة.

وجه عدم الدخول ما تقدم من اختصاص مورد الأخبار ومعقد الإجماع بإنشاء البيع منجّزا غير مترقب لإجازة المالك ، والمفروض في هذا الفرع ترقب الإجازة.

(٤) جواب «لو تبايعا» ، وفاعله «البيع» أي : لم يدخل البيع في مورد الأخبار.

٣٣٢

ولو (١) تبايعا على أن يكون اللزوم موقوفا على تملّك البائع دون إجازته ، فظاهر عبارة الدروس أنّه من البيع المنهيّ عنه في الأخبار المذكورة ، حيث قال (٢): «وكذا لو باع ملك غيره ثمّ انتقل إليه فأجاز. ولو أراد (٣) لزوم البيع بالانتقال فهو (٤) بيع ما ليس عنده ، وقد نهي عنه» انتهى (١).

لكنّ الإنصاف ظهورها (٥) في الصورة الاولى (٦) ، وهي : ما لو تبايعا قاصدين

______________________________________________________

(١) هذا فرع ثان من تلك الفروع ، وهو : أنّه لو تبايع المتبايعان على أن يكون اللزوم منوطا بتملك البائع ـ دون إجازته ـ فظاهر كلام الشهيد أنّه من البيع المنهي عنه.

(٢) أي : قال الشهيد قدس‌سره : «وكذا ـ أي وكذا يصح البيع ـ ما لو باع مال غيره ثم انتقل إليه ، فأجاز».

(٣) هذا هو الفرع المذكور أعني به كون البيع موقوفا على مجرّد انتقال المبيع إلى الفضولي من دون توقفه على إجازته. وأمّا قبله ـ وهو قوله : «وكذا لو باع ملك غيره ، ثم انتقل إليه فأجاز» ـ فهو محكوم بالصحة ، ولا يندرج في الأخبار الناهية.

(٤) يعني : فالبيع المفروض لزومه بانتقال المبيع إلى البائع الفضولي يكون من مصاديق «بيع ما ليس عنده» وهو منهيّ عنه.

(٥) أي : ظهور تلك الأخبار الناهية عن «بيع ما ليس عندك» في عدم كون زمام البيع بيد المتعاملين ، بمعنى كون المنهي عنه هو البيع الذي لم يكن لهما فيه اختيار أصلا كسائر البيوع ، فإن لم يكن البيع منجّزا مطلقا وكان زمام أمره بيدهما ، فلا بأس به.

وعليه فلو توقّف لزوم البيع على انتقال المبيع إلى البائع الفضولي ، لم يندرج في الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عنده.

وبالجملة : فمورد تلك الأخبار الناهية خصوص البيع المنجّز من جميع الجهات. فالبيع الموقوف على مجرّد تملك البائع الفضولي للمبيع أو الإجازة أو كليهما خارج عن مورد الروايات ، ومحكوم بالصحة.

(٦) وهو البيع المنجّز المطلق ، أي غير موقوف على شي‌ء من إجازة المالك الأصلي ، وإجازة البائع الفضولي بعد تملكه ، ومجرد تملّكه للمبيع الفضوليّ. فإن كان البيع منجّزا من

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٣

٣٣٣

لتنجّز النقل والانتقال ، وعدم الوقوف على شي‌ء (١).

وما ذكره في التذكرة كالصريح في ذلك (٢) ، حيث (٣) علّل المنع بالغرر وعدم القدرة على التسليم ، وأصرح منه (٤) كلامه المحكي عن المختلف في فصل النقد والنسيئة.

ولو باع (٥) عن المالك فاتّفق انتقاله إلى البائع ، فأجازه ، فالظاهر أيضا الصحّة ، لخروجه (٦) عن مورد الأخبار.

______________________________________________________

جميع هذه الجهات الثلاث كان موردا لتلك الأخبار الناهية.

(١) أي : من تلك الجهات الثلاث المذكورة ، وهي : إجازة المالك الأصلي ، والبائع الفضولي ، وتملكه للمبيع فضولا.

(٢) أي : في كون مورد الأخبار الناهية هي الصورة الاولى ، وهي وقوع البيع منجّزا.

(٣) تعليل لكون كلام العلّامة في التذكرة صريحا في أنّ بيع الفضولي المنجز مورد الأخبار النهاية عن بيع ما ليس عندك ، وقد تقدم في (ص ٣٣١ ـ ٣٣٠) تقريب دلالة الغرر وعدم القدرة على التسليم على كون الصورة الأولى مورد الأخبار الناهية.

(٤) أي : وأصرح من كلامه في التذكرة كلامه في المختلف ، حيث قال فيه : «والنهي الوارد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للكراهة ، أو ورد (أورد) عن الشي‌ء المشخص الذي في ملك الغير فإنّه لا يصلح بيعه ، لا داية إلى التنازع ، إذ ربما يمتنع مالكه من بيعه ، والمشتري يطالب البائع به. وأما الغرر الذي ادّعاه ـ يعني ابن إدريس ـ فليس في هذا الباب من شي‌ء» (١).

وجه أصرحيّته هو : أنّه صرّح في المختلف بخروجه عن مورد الأخبار ، بخلاف كلامه في التذكرة ، فإنّ دلالته على الخروج إنّما هي باعتبار اقتران الاستدلال بالأخبار بنفي الغرر ونحوه ، فيظهر أنّ مورد الأخبار ونفي الغرر واحد.

(٥) هذا فرع ثالث ، يعني : ولو باع الفضولي عن المالك لا عن نفسه ، ثم انتقل ذلك المبيع إلى الفضولي بالإرث أو الشراء فأجازه ، صحّ ، لما سيأتي. ولا يخفى أنّ هذا الفرع من المصنف لا من العلّامة.

(٦) أي : لخروج هذا البيع الفضولي عن مورد تلك الأخبار الناهية عن «بيع

__________________

(١) مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ١٣٢ ، والحاكي لكلامه صاحب المقابس ، كتاب البيع ، ص ٣٦

٣٣٤

نعم (١) قد يشكل فيه (٢) من حيث إنّ الإجازة لا متعلّق لها [لا يتعلق بها] لأنّ العقد السابق كان إنشاء للبيع عن المالك الأصليّ ، ولا معنى لإجازة هذا (٣) بعد خروجه عن ملكه.

ويمكن (٤) دفعه بما اندفع به سابقا الإشكال في عكس المسألة ، وهي

______________________________________________________

ما ليس عندك». وجه خروجه عن موردها عدم وقوعه منجّزا من جميع الجهات ، إذ مع تبانيهما على عدم توقف البيع على الإجازة لم يكن محتاجا إلى الإجازة.

(١) هذا استدراك على صحّة البيع المذكور ، وهو بيع الفضولي عن المالك ثم انتقال المبيع الفضولي إليه وإجازته له. وهذا الاستدراك إشكال على صحته ، ومحصّله : أنّه ليس هنا متعلّق للإجازة ، لأنّ عقد الفضول كان إنشاء متعلّقا بملك زيد ، والمفروض انتفاؤه ، لانتقال المال عنه ، فلا موضوع لأن يجيز.

ولو قيل بأنّ المالك الجديد يجيز العقد من قبل نفسه ، قلنا بعدم تحقق عقد على ماله حتى يكون له الإجازة والرد. وبعبارة أخرى : المجاز غير منشأ ، والمنشأ غير مجاز.

(٢) أي : فيما ذكر من صحة هذا البيع.

(٣) أي : العقد السابق ، وضمير «خروجه» راجع الى المتاع المستفاد من العبارة ، وضمير «ملكه» راجع إلى المالك.

(٤) هذا دفع الإشكال ، ومحصّله : أنّه يمكن دفعه بما اندفع به الاشكال الوارد في عكس هذه المسألة ـ وهو ما لو باعه الفضوليّ لنفسه ، فأجازه المالك لنفسه ـ فإنّ الإجازة لم تتعلّق بالعقد الذي أنشأه الفضولي ، وقد تقدم عنه دفع الإشكال هناك بما لفظه : «فالأولى في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز. وتوضيحه : أنّ البائع الفضولي إنّما قصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن .. إلخ» (١).

ومحصّله : وجود قصد المعاوضة فيما إذا باع الفضولي مال الغير لنفسه بانيا على كونه مالكا عدوانا كما في الغاصب ، أو اعتقادا كما إذا استند في مالكيته للمال إلى اليد أو البيّنة مثلا. ولمّا كان إيجاب البيع ساكتا عن كون الثمن ملكا للموجب أو غيره ، فيرجع فيه إلى مقتضى مفهوم المعاوضة ، وهو دخول العوض في ملك مالك المعوّض.

والحاصل : أنّ قصد المعاوضة في عقد الفضولي لنفسه موجود ، فلا يلزم مغايرة

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٥٧١.

٣٣٥

ما لو باعه لنفسه ، فأجازه المالك لنفسه ، فتأمّل (١).

ولو باع لثالث (٢) معتقدا لتملّكه ، أو بانيا عليه عدوانا ، فإنّ أجاز المالك فلا كلام في الصحّة ، بناء على المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك. وإن ملكه (٣) الثالث وأجازه ، أو ملكه البائع فأجازه ، فالظاهر أنّه داخل في المسألة

______________________________________________________

ما وقع لم أجيز.

(١) لعلّه إشارة إلى الفرق بين المسألتين ، وهو : أنّ البائع الفضولي في تلك المسألة لمّا بني اعتقادا أو عدوانا على كونه مالك ، فقد قصد المعاوضة ، والملكية الثابتة للعاقد الفضولي ثابتة له بتلك الحيثية ، أعني بها حيثية البناء على مالكيته. وهذه الملكية ثابتة للمالك الأصلي بنفس تلك الحيثية أي البناء على المالكية ، فتتعلق الإجازة من المالك بنفس الإنشاء الصادر من العاقد الفضولي ، فلا يلزم مغايرة المجاز لما وقع.

وهذا بخلاف هذه المسألة ، لأنّ الفضولي باع للمالك الحقيقي ، ولم يدّع المالكية لنفسه لا عدوانا ولا اعتقادا ، فلم يحصل له الوصف العنواني «وهو كونه مالكا» فلو أجاز هذا العقد الذي أنشأه للمالك الأصلي كان المجاز مغايرا لما وقع.

(٢) هذا فرع رابع ، وهو : أن يبيع الفضولي مال الغير لا لمالكه ولا لنفسه ، بل لثالث ، بأن يرجع نفعه إلى ذلك الشخص الثالث ، كما إذا باع زيد مال عمرو ، لا عن نفسه ولا عن عمرو ، بل باعه عن بكر ، إمّا باعتقاد تملكه للمبيع ، وإمّا بالبناء عليه عدوانا. فإن أجاز المالك ـ وهو عمرو ـ فلا كلام في صحته بناء على المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك في مفهوم البيع.

وإن لم يجزه المالك ـ وهو عمرو ـ ولكن خرج المبيع عن ملكه ودخل في ملك زيد أو في ملك بكر ، فأجاز ذلك البيع الفضولي ، اندرج في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» ويحكم بصحته.

(٣) أي : وإن ملك المبيع ذلك الشخص الثالث وأجاز ، فالظاهر أنّه داخل في المسألة السابقة ، وهي قوله في (ص ٣٣٤) : «ولو باع عن المالك فأنفق انتقاله إلى البائع فأجازه .. إلخ» فيحكم بصحته ، كما يحكم بصحة ذلك البيع ، لخروج كليهما عن مورد الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عندك.

٣٣٦

السابقة (١).

ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرناه في المسألة المذكورة (٢) حال المسألة الأخرى ، وهي (٣): ما لو لم يجز البائع (٤) بعد تملّكه ، فإنّ (٥) الظاهر بطلان البيع الأوّل (٦) ، لدخوله (٧) تحت

______________________________________________________

وعليه فقوله : «وإن ملكه» عدل قوله : «فإن أجاز» وهذا العدل يتضمّن شقّين ، أحدهما تملك ذلك الثالث ، والآخر تملك العاقد ، كما ذكرنا في المثال آنفا.

(١) وجه دخوله في المسألة السابقة : أنّه باع لغير المالك ، ثم صار غير المالك مالكا وأجاز ، ولا خصوصية للفضولي في عدم كونه مالكا أوّلا ، وصيرورته مالكا ثانيا حتى يجيز في حال مالكيته.

لو باع لنفسه ، ثم تملّكه ولم يجز

(٢) وهي : مسألة «من باع شيئا ثم ملكه وأجاز» المذكورة في (ص ٢٤٤) بقوله : «والمهم هنا التعرض لبيان ما لو باع لنفسه ثم اشتراه من المالك وأجاز. وما لو باع واشترى ، ولم يجز» إلى قوله : «أمّا المسألة الأولى فقد اختلفوا فيها ، فظاهر المحقق في باب الزكاة .. إلخ».

وغرضه التنبيه على مسألة أخرى ممّا يتعلّق بتجدد الملك بعد العقد ، وهي قوله : «وما لو باع واشترى ، ولم يجز».

ثم إنّ مناسبة السياق تقتضي ان يقال : «وأما المسألة الثانية» ليكون عدلا لقوله هناك : «أمّا المسألة الأولى».

(٣) أي : المسألة الأخرى : ما لو لم يجز البائع بعد تملّكه ، والحكم في المسألة الأخرى هو بطلان البيع الفضولي ، لوجوه ثلاثة سيأتي بيانها.

(٤) في بعض نسخ الكتاب «المالك» بدل ما أثبتناه من قوله : «البائع» وهو الظاهر. وإن كان توجيه «المالك» ممكنا أيضا بإرادة المالك الفعلي ، والأمر سهل.

(٥) بيان لقوله : «قد ظهر».

(٦) وهو بيع الفضول ـ الذي صار مالكا فيما بعد ـ مال الغير.

(٧) أي : لدخول هذا البيع تحت الأخبار الناهية ، وهذا تعليل لبطلانه ، ومحصله : أنّ هذا البيع من صغريات «بيع ما ليس عنده» يقينا ، فتشمله الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عنده ، وحيث إنّ النهي ظاهر في البطلان فيصح أن يقال : إن الظاهر بطلان البيع ، لاستناد البطلان إلى ظاهر النهي.

٣٣٧

الأخبار المذكورة يقينا (١). مضافا (٢) إلى قاعدة تسلط الناس على أموالهم ، وعدم (٣) صيرورتها حلالا من دون طيب النفس ، فإنّ المفروض أنّ البائع (٤) بعد ما صار مالكا لم تطب نفسه بكون ماله للمشتري الأوّل (٥). والتزامه (٦) قبل تملّكه بكون

______________________________________________________

ولا ينافيه اليقين بدخول البيع المزبور تحت الأخبار الناهية ، لأنّه يقين بالموضوع ، فيلتئم الظهور المكتنف باحتمال الخلاف مع اليقين المزبور.

وبالجملة : البطلان ظاهر النهي ، واليقين متعلّق بصغروية هذا البيع لما تعلّق به النهي في تلك الأخبار ، فلا تنافي بين اليقين بدخول البيع المزبور تحت الأخبار الناهية ، وبين كون الظاهر بطلان البيع.

(١) قيد لقوله : «لدخوله».

(٢) هذا دليل ثان على بطلان عقد الفضول مال الغير لنفسه. وهذا الدليل قاعدة السلطنة على الأموال ، فإنّ القول بصحة هذا البيع مع عدم إجازة المالك ـ كما هو المفروض ـ مناف لقاعدة السلطنة.

(٣) معطوف على «قاعدة» وهذا دليل ثالث على بطلان بيع الفضولي مال الغير وتملكه بعده له مع عدم إجازته لذلك البيع الفضولي ، ومحصله : أنّ الحكم بصحة هذا البيع الفضولي مناف لما دلّ على توقف حليّة المال على طيب نفس مالكه ، والمفروض أنّ البائع الفضولي الذي صار مالكا لما باعه فضولا لا تطيب نفسه بكونه ملكا للمشتري الذي اشترى منه بالبيع الفضولي.

وقوله : «فان المفروض» بيان لتطبيق هذا الدليل على المدّعى ، وقد تبين هذا بقولنا : «والمفروض ان البائع الذي صار مالكا .. إلخ».

(٤) وهو الذي باع فضولا ، وصار مالكا فعليا لما باعه في حال كونه فضولا.

(٥) وهو الذي اشترى المتاع من الفضولي المفروض صيرورته مالكا فعلا. وأمارة عدم طيب نفسه هي عدم إجازته ، مع عدم الحاجة إلى قيام أمارة على عدم الطيب ، إذ العبرة بإحراز الطيب الذي هو شرط حليّة التصرف كما لا يخفى.

(٦) مبتدء خبره «ليس التزاما» ، وهذا إشارة إلى وهم ودفعه. أمّا الوهم فهو : أنّ البائع الفضولي قبل تملكه للمبيع التزم بكون المبيع ملكا للمشتري ، وهذا الالتزام أمارة

٣٣٨

هذا المال المعيّن للمشتري ليس (١) التزاما إلّا بكون مال غيره له.

اللهم (٢) إلّا أن يقال : إنّ مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود والشروط على كلّ عاقد وشارط هو اللزوم (٣) على البائع بمجرّد انتقال المال إليه (٤) وإن كان قبل ذلك أجنبيّا لا حكم لوفائه ونقضه (٥).

______________________________________________________

على وجود طيب نفسه بذلك بعد تملكه له.

وببيان آخر : بيع الفضولي لذلك المال كاشف عن طيب نفسه بكون ذلك المال ملكا للمشتري مطلقا سواء انتقل عنه ـ أو عن غيره ـ إلى المشتري.

وأمّا الدفع فهو : أنّ الالتزام المزبور كان متعلقا بمال غيره ، لا بمال نفسه حتى يجب عليه الوفاء به ، أو يؤثّر نقضه في بطلان العقد ، فإنّه أجنبي ، وليس سلطانا على جعل مال الغير للمشتري.

(١) هذا دفع الوهم المزبور ، وضمير «له» راجع إلى المشتري.

(٢) غرض هذا القائل إبطال الدفع المزبور وإثبات صحة العقد بمجرّد انتقال المبيع إلى البائع الفضولي ، بتقريب : أنّ مقتضى عموم دليلي وجوب الوفاء بالعقود ووجوب وفاء المؤمنين بشروطهم وجوب الوفاء على كل عاقد وشارط ، والبائع الفضولي بعد تملكه للمبيع يندرج تحت عموم هذين الدليلين العامّين بعد أن كان قبل تملكه أجنبيّا عن أفراد هذين الدليلين ، وغير مشمول لحكمهما من وجوب الوفاء وحرمة النقض. نظير وجوب الحج على غير المستطيع الذي لم يكن مشمولا لعموم دليل وجوب الحج ، وبالاستطاعة صار مشمولا له ، إذ الحكم يتبع الموضوع ، فبمجرد تحققه يترتب عليه حكمه.

(٣) خبر «إنّ مقتضى» وضمير «إليه» راجع إلى البائع.

(٤) كصيرورة غير المستطيع بمجرّد الاستطاعة من أفراد دليل وجوب الحج على المستطيع.

(٥) لعدم كونه من أفراد موضوع هذين الدليلين.

فالنتيجة : صحة عقد الفضولي بمجرّد تملّكه للمبيع ، وعدم احتياجه إلى الإجازة.

٣٣٩

ولعلّه (١) لأجل ما ذكرنا رجّح فخر الدين في الإيضاح ـ بناء (٢) على صحّة الفضولي ـ صحة العقد المذكور (٣) بمجرّد الانتقال من دون توقّف على الإجازة.

قيل (٤) : ويلوح هذا (٥) من الشهيد الثاني في هبة المسالك (٦). وقد سبق

______________________________________________________

(١) الضمير للشأن ، يعني : ولعله لأجل ما ذكرناه ـ من كون مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود والشروط على كل عاقد وشارط هو اللزوم على البائع بمجرّد انتقال المال إليه ـ رجّح فخر المحققين في كتاب الإيضاح ـ بناء على صحة عقد الفضولي ـ صحة العقد المزبور بمجرّد الانتقال من دون توقفه على الإجازة.

(٢) الوجه في الإتيان بكلمة «بناء» أنّه لا مجال لهذه الأبحاث بناء على مختار فخر المحققين من بطلان عقد الفضولي رأسا بلا فرق بين صور المسألة.

(٣) وهو بيع الفضولي مال الغير وتملكه بعد ذلك وعدم إجازته لعقده الفضولي.

(٤) القائل هو المحقق الشوشتري قدس‌سره ، ذكره في عداد الأقوال في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» بقوله : «الثالث : ما اختاره فخر الإسلام تخريجا على صحة الفضولي ، وهو : أنّه إذا ملكه صحّ البيع من غير توقف على الإجازة ، وهو الذي يلوح من الشهيد الثاني .. إلخ» (١).

(٥) أي : صحة العقد المذكور ولزومه بمجرّد الانتقال إلى العاقد الفضولي.

(٦) أفاده قدس‌سره في شرح كلام المحقق قدس‌سره ـ من أنّه لو وهب المالك ماله لأجنبي هبة غير معوّضة وأقبضه ، ثم باعه الواهب من شخص آخر ، فهل يبطل البيع لأنّه باع ما لا يملك ، أم يصح ، لجواز رجوع الواهب؟ ـ فقال الشهيد الثاني في توجيه صحة البيع واستغنائها عن الإجازة ما لفظه : «أو نقول : إذا تحقق الفسخ بهذا العقد انتقلت العين إلى ملك الواهب ، وكان العقد بمنزلة الفضولي ، وقد ملكها من إليه الإجازة ، فلزم من قبله. كما لو باع ملك غيره ثم ملكه ، أو باع ما رهنه ثم فكّه ، ونحو ذلك. وأولى بالجواز هذا ..» (٢).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٦.

(٢) مسالك الأفهام ، ج ٦ ، ص ٤٩.

٣٤٠