هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

تقرير الدليل (١) : «بأنّ (٢) العقد الواقع جامع لجميع الشروط ، وكلّها (٣) حاصلة إلّا رضا المالك ،

______________________________________________________

قلت : العقد لمّا وقع أفاد التمليك من حينه كما هو قضية إنشاء معناه ، غاية ما هناك أنه معلق متزلزل إلى الإجازة ، والإجازة إنما أفادت الرضى بمقتضى العقد من التمليك والتملك من ذلك الوقت. ولو كانت مفيدة ملكا جديدا احتاجت إلى قبول كذلك ، إذ رضى كل من المتعاقدين شرط في تأثير ما يصدر منه أو جزء كذلك.

والحاصل : أنّ العقد المرضي سبب تام وإن تأخر الرضى فعلا ، فيكون العقد مراعى غير معلوم صحته أو فساده إلى حين الإجازة ، فإذا تحققت حصل العلم بأنّ العقد جامع للشرائط. وبهذا يجاب عما ذكره بعضهم في الرد على الدليل المذكور من أن العقد سبب تام .. ووجه دفعه بما ذكرناه واضح» (١).

ومحصل هذا التقرير : أن العقد الواقع من الفضولي جامع لجميع الشروط المعتبرة في صحته إلّا رضا المالك ، فإذا حصل رضاه بالإجازة عمل السبب التام ـ وهو العقد ـ عمله ، وأثّر أثره من حين وقوع العقد.

والفرق بين التقريرين : أن الإجازة المتأخرة في عبارة المحقق الثاني كاشفة عن وجود الرضا حال العقد الفضولي ، لأنّه قدس‌سره جعلها أمارة على تحقق الشرط أعني به طيب نفس المالك ، ومعناه كون الإجازة محرزة لكون عقد الفضولي تمام السبب الناقل ، حيث قال في تقرير الدليل : «وتمامه في الفضولي إنّما يعلم بالإجازة».

ولكن الإجازة في التقرير الثاني ليست أمارة على وجود الرضا حال العقد ، كما أنّها ليست جزء السبب المملّك ، وإنّما تكون رضا بسببية العقد للملك شرعا. هذا.

(١) أي : الدليل الأوّل الذي نقله المصنف عن الثانيين قدس‌سرهما في (ص ١٥) بقوله : «بأنّ العقد سبب تام في الملك .. إلخ».

(٢) متعلق ب «تقرير» ومبيّن له ، وقد عرفته آنفا.

(٣) أي : وكلّ شروط الإمضاء حاصلة إلّا رضا المالك.

__________________

(١) كشف الظلام ، مجلّد المتاجر ، نقلا من نسخة مخطوطة في قسم المخطوطات من مكتبة آية الله السيد المرعشي قدس‌سره بقم المقدسة.

٢١

فإذا حصل بالإجازة عمل السبب عمله (١)» فإنّه (٢) إذا اعترف أنّ رضا المالك من جملة الشروط فكيف يكون كاشفا عن وجود المشروط (٣) قبله؟

ودعوى (٤) ، أنّ الشروط الشرعية ليست كالعقلية ، بل هي بحسب

______________________________________________________

(١) يعني : من حين وقوعه ، لأنّه مقصود القائل بالكشف.

(٢) هذا إشكال المصنف قدس‌سره على هذا التقرير ، وحاصله : أنّه إذا كان رضا المالك ـ باعتراف المستدل ـ من شرائط صحة العقد ، كان له دخل موضوعي في صحته كسائر الشروط ، نظير البلوغ والعقل وغيرهما ، ولا يثبت الرضا المقارن بالإجازة ، لتأخرها عن العقد. بل الحاصل بالإجازة ـ كما هو ظاهر قوله : «فإذا حصل بالإجازة» وإلّا كان اللازم أن يقول : «فإذا انكشف بالإجازة» ـ هو الرضا المتأخر وجوده عن العقد. ومقتضاه تأثير العقد من حين حصول الإجازة كما هو مقتضى ناقلية الإجازة ، لا من حين إنشاء العقد ، كما هو مقتضى كاشفيّتها التي أرادها المستدلّ.

والحاصل : أنّ شرطية الرضا للعقد تقتضي إناطة وجود الأثر ـ وهو نقل العوضين ـ بوجود الرضا ، ومع هذه الإناطة الموجبة لتأخر النقل عن الرضا كيف يكون الرضا كاشفا عن وجود المشروط أعني النقل قبل الرضا؟ وليس هذا إلّا من تقدّم المشروط على الشرط ، والمعلول على بعض أجزاء علّته.

(٣) وهو نقل العوضين قبل الرضا الحاصل بالإجازة ، بل لا بدّ أن يقال «موجبا» بدل «كاشفا» فيكون الرضا موجبا لوجود المشروط بعده.

هذا ما يتعلق بالدليل الأوّل على الكشف بذلك التقرير الآخر ، وقد اتضح عدم تماميته.

(٤) هذه الدعوى من صاحب الجواهر قدس‌سره ، وغرضه منها دفع محذور الشرط المتأخر ، وتصحيح القول بالكشف ، حيث قال ـ بعد الاستدلال على مختاره بأنّ الإجازة رضا بمقتضى العقد الذي هو النقل من حينه ـ ما لفظه : «مضافا إلى ظهور ما دلّ في تسبيب العقد مسبّبه ، وأنّه لا يتأخّر عنه ، السّالم عن معارضة ما دلّ على اشتراط رضا المالك ، بعد احتمال كون المراد من شرطيته في المقام : المعنى الّذي لا ينافي السببية المزبورة ، وهو الشرط الكشفي الذي لا مانع من تصوره في العلل الشرعية التي هي بحكم العلل العقلية.

٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إن لم يكن هناك مانع من الشرع ما يقتضي خلاف ذلك ، كما جاء في تقديم غسل الجمعة يوم الخميس ..» إلى آخر ما نقله الماتن عنه.

ثم قال : «وقد عرفت الفرق بينها ـ أي بين العلل العقلية ـ وبين ما نحن فيه من العلل الشرعية التي لا غرابة في تأخر الشرائط فيها في عبادة ولا معاملة ، لكن على الوجه المزبور. بل يمكن كونه مثلها بناء على أنّ الشرط أن يحصل الرضا ، لا حصوله فعلا» (١).

ومحصّل ما أفاده يرجع إلى أحد وجهين.

الأوّل : أنّ الشروط الشرعية تابعة لكيفية جعلها شرعا ، فيمكن جعل شي‌ء غير موجود شرطا ، أي : يلاحظ إناطة وجود شي‌ء بما يوجد في المستقبل ، حيث إنّ الأحكام الشرعية ليست من الأمور التكوينية التي يتوقف وجودها على عللها الموجودة قبلها رتبة ، بل هي من الأمور الاعتبارية التي حقيقتها عين الاعتبار ، فلا مانع من أن يعتبر الشارع شيئا شرطا متأخرا غير موجود لأمر متقدّم ، وكيفية اعتبار الأمور الاعتبارية بيد معتبرها.

وكذا الحال في جعل السببية لشي‌ء. وعليه فلا مانع من اعتبار سببية إهلال شوّال لجواز إعطاء الفطرة قبله ، وجعل الشرطية للأغسال الليلية لصوم اليوم الماضي للمستحاضة على القول به.

وبالجملة : فمرجع هذا الوجه إلى : أنّ الشروط الاعتبارية ليست كالشروط العقلية ، فلا مانع من اعتبار الشرع السبب أو الشرط متأخرا عن المسبب أو المشروط ، هذا.

الثاني : أن يكون الشرط عنوان التعقب واللحوق ، لا نفس الإجازة بوجودها الخارجي ، وهذا العنوان شرط مقارن للعقد ، لا متأخر عنه ، فتخرج الإجازة على هذا الوجه عن الشرط المتأخر ، وتندرج في الشرط المقارن.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٨٥ ـ ٢٨٧

٢٣

ما يقتضيه جعل الشارع ، فقد يجعل الشارع ما يشبه تقديم المسبّب (١) على السبب كغسل الجمعة يوم الخميس (٢) ، وإعطاء الفطرة قبل وقتها (٣) ـ فضلا (٤) عن تقدّم المشروط على الشرط ، كغسل الفجر بعد الفجر للمستحاضة الصائمة (٥) ، وكغسل العشائين لصوم اليوم الماضي على القول به» (٦).

______________________________________________________

(١) التعبير بالشبه لأجل عدم تسبّب الأحكام ـ تكليفية أم وضعية ـ عن موضوعاتها ، وإنّما تترتّب عليها بجعل الشارع تأسيسا أو إمضاء. فوجه الشباهة امتناع فعلية الحكم قبل فعلية موضوعه.

(٢) قال المحقق قدس‌سره : «ويجوز تعجيله يوم الخميس لمن خاف عوز الماء» (١).

(٣) بإعطائها زكاة قبل هلال شوّال ، قال الشهيد الثاني : «فإنّ المشهور جواز تقديمها زكاة من أوّل شهر رمضان» (٢) ، واختاره قدس‌سره. وهذا هو مراد صاحب الجواهر ، وأما إعطاؤها قرضا للمستحق بقصد الزكاة فهو الأحوط بلا ريب.

(٤) التعبير ب «فضلا» لأجل أنّ تقديم ما كان من قبيل المسبب على سببه أشدّ إشكالا من تقديم المشروط على الشرط ، لوجود بعض أجزاء العلة ـ وهو المقتضي ـ في باب الشرط ، بخلاف السبب.

(٥) يعني : أنّ المستحاضة التي يجب عليها الغسل ـ وهي المتوسطة والكثيرة ـ يجوز لها تأخير الغسل إلى بعد طلوع الفجر ، فتكون في آن طلوعه صائمة ومحدثة بالاستحاضة ، قال في الجواهر : «كما أنّ الأقوى أيضا عدم وجوب تقديم غسل الفجر عليه ، وفاقا لظاهر المعظم وصريح البعض ، لتبعية حصوله للصوم لحصوله للصلاة» (٣).

ثم حكى إيجاب تقديم الغسل على الفجر عن الذكرى ومعالم الدين ، لئلّا يلزم تقديم المشروط على شرطه.

(٦) يعني : أن صحة صوم اليوم الماضي ـ من المستحاضة ـ مشروطة بأن تغتسل في

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ١ ، ص ٤٤

(٢) مسالك الأفهام ، ج ١ ، ص ٤٥٢

(٣) جواهر الكلام ، ج ٣ ، ص ٣٦٦

٢٤

مدفوعة (١) بأنّه لا فرق فيما فرض شرطا أو سببا بين الشرعي وغيره ، وتكثير الأمثلة لا يوجب (٢) وقوع المحال العقلي ، فهي (٣) كدعوى أنّ التناقض الشرعي بين الشيئين (٤) لا يمنع عن اجتماعهما (٥) ، لأنّ النقيض الشرعي غير العقلي.

______________________________________________________

الليلة اللاحقة للعشائين. فكما أنّ صلاتها الليلية مشروطة بالغسل ، فكذا صيام نهارها الماضي مشروط به ، وهذا من أظهر موارد الشرط المتأخر. والمسألة وإن كانت خلافية ، ولم يلتزم صاحب الجواهر بالاشتراط ، لكن يكفي في الاستشهاد به التزام البعض به كالفاضل النراقي قدس‌سره ، حيث قال : «ويحتمل قويّا عدم الحكم بالبطلان إلّا مع ترك جميع الأغسال النهارية والليلية الماضية والمستقبلة ، ودعوى القطع بعدم مدخلية الليلة المستقبلة غير مسموعة» (١).

(١) خبر «ودعوى» وإنكار وردّ لها ، ومحصله : أنّه لا فرق في استحالة تأخّر الشرط عن المشروط بين الشرط الشرعي والعقلي. والمراد بالشرط الشرعي ما جعله الشارع شرطا ، وبعد اتصافه بالشرطية يكون كالشرط العقلي في امتناع تأخره عن المشروط ، لأنّه من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص.

(٢) خبر قوله : «وتكثير» يعني : أن تكثير الأمثلة لا يوجب إمكانه فضلا عن وقوعه ، فلا بدّ من علاج تلك الأمثلة المذكورة في كلام صاحب الجواهر قدس‌سره.

(٣) أي : فدعوى «أن الشروط الشرعية» تكون في المنع نظير دعوى إمكان التناقض في المجعولات الشرعية.

(٤) كجعل الحدث شرعا مناقضا للطّهارة ، فإنّه لا ريب في حكم العقل بعد ذلك باستحالة اجتماع الحدث والطهارة. ولا يوجب كون التناقض شرعيا تصرف الشارع في حكم العقل بامتناع الاجتماع وتبديله بالجواز.

(٥) تعليل لدعوى عدم منع التناقض الشرعي بين الشيئين عن الاجتماع ، بتوهم أن النقيض الشرعي غير العقلي.

__________________

(١) مستند الشيعة ، ج ٣ ، ص ٣٨ و ٣٩.

٢٥

فجميع (١) ما ورد ممّا يوهم ذلك (٢) [أنّه] لا بدّ [فيه] من التزام أنّ المتأخّر ليس سببا أو شرطا ، بل السبب والشرط [هو] الأمر المنتزع (٣) من ذلك (٤).

لكن ذلك (٥) لا يمكن فيما نحن فيه (٦) بأن يقال : إنّ الشرط (٧) ، تعقّب الإجازة ولحوقها بالعقد. وهذا (٨) أمر مقارن للعقد على تقدير (٩) الإجازة ،

______________________________________________________

(١) هذا نتيجة وحدة حكم الشرط والسبب الشرعيين والتكوينيّين في امتناع تقدم المشروط والمسبب عليهما.

(٢) أي : تأخر الشرط عن المشروط الذي هو محال عقلي.

(٣) وهذا الأمر المنتزع قد التزم به صاحب الجواهر وغيره ، وهو ثاني الوجهين المذكورين في كلامه ، وتقدم نقله في (ص ٢٣) بقولنا : «بل يمكن كونه مثلها بناء على أن الشرط أن يحصل الرضا ، لا حصوله فعلا» وغرض المصنف قدس‌سره إمكان الالتزام بهذا الأمر الانتزاعي في الأمثلة المذكورة ، دون الإجازة.

وعليه فشي‌ء من الوجهين المذكورين في الجواهر لا ينهضان بإثبات الكشف.

(٤) أي : من المتأخر الذي سمّي بالشرط المتأخر ، لكنه ليس شرطا ، بل الشرط هو الأمر المنتزع منه ، وذلك المنتزع في الأمثلة التي ذكرها صاحب الجواهر قدس‌سره ونظائرها هو التعقب واللحوق. فالشرط في غسل يوم الخميس تعقّبه بيوم الجمعة ، وفي إعطاء الفطرة ـ قبل وقتها ـ تعقّبه بالإهلال ، وفي صوم المستحاضة تعقبه بالغسل بعد الفجر. ومن المعلوم أنّ وصف التعقب أمر مقارن على ما قيل ، لا متأخر عنه.

(٥) أي : لكن الأمر المنتزع ـ وهو عنوان التعقب ـ لا يجري في الفضولي وإن جرى في تلك الأمثلة ، لمخالفته لدليل شرطية الرضا وطيب النفس ، الظاهر في شرطية نفس الرضا ، لا الوصف الانتزاعي.

(٦) وهو عقد الفضولي ، بأن يقال : إنّ الشرط فيه هو تعقبه بالإجازة.

(٧) أي : أن الشرط في عقد الفضولي هو لحوق الإجازة بالعقد.

(٨) أي : تعقب الإجازة ولحوقها بالعقد مقارن للعقد على ما قيل ، لا متأخر عنه.

(٩) أي : على تقدير صدور الإجازة من المالك الأصيل ، وأمّا على تقدير الرّد فلا منشأ لانتزاع وصف التعقب بالإجازة ، بل ينتزع تعقب العقد بالرّد.

٢٦

لمخالفته (١) الأدلّة (*).

______________________________________________________

(١) تعليل لعدم إمكان كون لحوق الإجازة شرطا على تقدير صدورها من المالك. وحاصل التعليل : أنّ جعل الشرط أمرا منتزعا ـ وهو التعقب ـ خلاف ظاهر أدلة الاعتبار ، حيث إنّها تدل على شرطية التراضي وطيب النفس الظاهرين في موضوعيتهما ، دون الأمر الانتزاعي وهو التعقب المطلوب في كاشفية الإجازة.

__________________

(*) لا يخفى أن جعل المؤثر في العقد هو وصف التعقب لا نفس الإجازة بوجودها الزماني المتأخر عن العقد لا يلتئم مع ما تقرّر عندهم من تكافؤ المتضايفين فعلا وقوة ، وحيث إن المتعقّب ـ وهو الإجازة ـ معدوم في أفق الزمان ، فالوصف الانتزاعي معدوم أيضا.

والانصاف أنّ العويصة في المتضايفين المتدرجين وجودا ـ كالسابق واللاحق ـ قد يشكل حلّها ، لكون أحد الطرفين معدوما في ظرف وجود المضائف الآخر. والتعويل على أن المتفرقات في هذه النشأة مجتمعات في وعاء الدهر مشكل أيضا ، لأنّ المتصف بالسابق واللاحق هما الموجودان الزمانيان لا الخارجان عن أفق الزمان.

وقد تصدّى المحقق الأصفهاني لحلّ العويصة في كلّ من الزمان والزماني.

أمّا في الزمان فبكفاية جمعية الوجود غير القارّ باتصاله ، يعني أن الزمان موجود تدريجي متصل بعض أجزائه ببعض ، ولا ينفك بعضها عن بعض. وبهذا اللحاظ يقال انه وجود واحد. ويكفي في معيّة أجزاء الزمان الموصوفة بالتقدم والتأخر اتصال بعضها ببعض.

وأمّا في الزماني ـ كالعقد المتقدم زمانا والإجازة المتأخرة كذلك ـ فبأنّ اتصافهما بالمتقدم والمتأخر ليس بلحاظ نفسهما ، بل هو بالعرض ، فهما وصفان بحال المتعلّق ، فالموصوف بهما هو الزمان السابق واللاحق. وحيث كان الوصف بحال المتعلق صحّ تعنون العقد بالمتعقّب مع تأخر المتعقّب ، لأنّ الوحدة الجامعة لهما هي الزمان ، وهو واحد جمعي متصل (١) ، هذا.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٤٦

٢٧

اللهم (١) إلّا أن يكون مراده بالشرط ما يتوقّف تأثير السبب المتقدّم في

______________________________________________________

(١) هذا توجيه لما أفاده قدس‌سره من مخالفة شرطية لحوق الإجازة لظواهر الأدلة بوجه لا يخالفها. ومرجع هذا التوجيه إلى جعل اتصاف الرضا بالشرطية من الوصف بحال المتعلق ، بتقريب : أنّ الشرط نفس الرضا كما هو ظاهر الأدلّة ، وغير مخالف له ، لكنّه مخالف لظاهر الشرطية ، حيث إنّها اصطلاحا عبارة عمّا يتوقف تأثير السبب على نفسه ، لا على عنوان لحوقه وتعقبه كما هو المقصود من كاشفية الإجازة ، حيث إنّ تأثير العقد ـ بناء على الكشف ـ إنّما هو بسبب لحوق الإجازة لا نفسها ، إذ تأثيره بنفس الإجازة هو مقتضى ناقليتها.

وأمّا تأثيره من زمان وقوعه فهو لأجل ملحوقيته بالإجازة ، والملحوقية شرط مقارن للعقد على ما زعموا. فتوصيف الرضا حينئذ بالشرطية يكون بحال متعلقة. وعليه فيتصرف في معنى الشرطية.

والحاصل : أنّ الشرط الحقيقي ـ وهو اللحوق ـ غير متأخر ، بل مقارن ، والمتأخر ـ وهو نفس الرضا ـ ليس بشرط. فإطلاق الشرط عليه مبني على المسامحة ، ومن قبيل المجاز في الكلمة ، لأنّ معنى الشرط اصطلاحا هو ما يتوقف تأثير المقتضي على نفسه ، لا على لحوقه كما هنا ، إذ إرادة الشرط من كلمة «الرضا» ليست إرادة لمعناه المصطلح ، فإن الشرط ـ وهو اللحوق ـ غير الرضا.

__________________

أقول : بناء على تسليم ما قرّره قدس‌سره لحلّ المعضلة في الزمان ، فقد يشكل تسليمه في الزماني بإرجاعه إلى الزمان ، وذلك لأنّ جعل الوصف بحال المتعلق يقتضي صحة سلبه عن الزماني السابق واللاحق ، كصحة سلب الحركة عن جالس السفينة باعتبار ثبوتها بالذات للسفينة ، مع أنّ اتصاف المتضايفين الزمانيين بالسابق واللاحق حقيقة عقلا وعرفا ، وبلحاظ نفسهما ، كحملهما على الزمان المتقدم والمتأخر. ولو صحّ هذا الإرجاع لزم إنكار الموجودات التدريجية ، لفرض أنّ الموصوف بالسابق واللاحق هو الزمان الذي فرضناه موجودا واحدا جمعيّا ، فلا بدّ أنّ تكون المتصرّمات مجتمعة الأجزاء في الوجود.

والظاهر أن الاشكال لا يندفع إلّا بالتصرف فيما يراد بالفعلية في قولهم : «المتضايفان متكافئان فعلية وقوة» بأن يراد فعلية كل منهما في ظرفه ، لا مطلقا حتى في ظرف وجود المضائف الآخر. لكنه ممّا يأباه أهل الفن أيضا. والله العالم بحقائق الأمور.

٢٨

زمانه على لحوقه (١).

وهذا (٢) ـ مع أنّه (٣) لا يستحقّ إطلاق الشرط عليه ـ غير (٤) صادق على الرضا ، لأنّ المستفاد من العقل والنقل اعتبار رضا المالك في انتقال ماله ، لأنّه لا يحلّ لغيره بدون طيب النفس ، وأنّه (٥) لا ينفع لحوقه في حلّ تصرّف الغير وانقطاع سلطنة المالك.

وممّا ذكرنا (٦) يظهر ضعف ما احتمله في المقام

______________________________________________________

(١) أي : لحوق الشرط ، وهو متعلق ب «يتوقف». واللحوق مذهب الفصول وغيره.

(٢) هذا إشكال على التوجيه المذكور ، وهو يكون على وجهين :

أحدهما : أنّ هذا التوجيه لا يوجب استحقاق إطلاق الشرط على الرضا ، إذ اللحوق المفروض كونه شرطا غير الرضا ، فإطلاق الشرط على «الرضا» غير جدير.

ثانيهما : عدم صدق اللحوق على الرضا ، لأنّ المستفاد من العقل والنقل هو اعتبار الرضا في الملكيّة بنحو الشرط المتقدم ، لا اعتباره بنحو الشرط المتأخر.

(٣) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل المتقدم بقولنا : «أحدهما : أن هذا التوجيه .. إلخ».

(٤) هذا إشارة الوجه إلى الثاني الذي تعرّضنا له بقولنا : «ثانيهما عدم صدق اللحوق .. إلخ».

(٥) معطوف على «لانه» ووجه عدم نفع لحوق الرضا في حل تصرف الغير هو ظاهر قوله عليه‌السلام : «لا يحل مال امرء لغيره الا بطيب نفسه» لظهوره في إناطة حدوث الطيب بالرضا ، وهو دال على توقف حلية تصرف الغير على الطيب ، فلا بد من اعتبار الطيب على نحو الشرط المتقدم. ولذا لم يجز التصرف إلّا بعد إجازة المالك. ولو كان الشرط هو اللحوق لجاز التصرف قبل الإجازة ، هذا.

ولكن حكى في المتن عن بعض جواز ترتيب آثار الصحة على العقد قبل تحقق الإجازة مع العلم بحصولها فيما بعد كما سيصرح به المصنف قدس‌سره.

(٦) أي : ومن عدم إمكان كون الوصف المنتزع ـ وهو التعقب ـ شرطا يظهر ضعف ما احتمله بعض الأعلام من : أنّ معنى شرطية الإجازة مع بنائهم على كاشفيتها شرطية وصف التعقب.

٢٩

بعض الأعلام (١) ، بل التزم به غير واحد من المعاصرين

______________________________________________________

(١) المراد به ظاهرا صاحب الحاشية على المعالم ، على ما نقله الفاضل المامقاني عن المصنف بقوله : «وسمعت منه شفاها في بعض أبحاثه حكايته عن شرح التبصرة للشيخ الجليل المحقق محمد تقي الأصبهاني» (١). واختار شرطية التعقب صاحب المستند (٢).

ولعلّ مقصود المصنف قدس‌سره من قوله : «غير واحد من المعاصرين» هو أصحاب الفصول والجواهر وأنوار الفقاهة قدس‌سرهم. أما صاحب الفصول فلقوله : «ومن هذا القبيل كل شي‌ء يكون وقوعه مراعى بحصول شي‌ء آخر كالصحة المراعاة بالإجازة في الفضولي ، فإنّ شرط الصحة فيه كون العقد بحيث يتعقبه الإجازة ، وليست مشروطة بنفس الإجازة ، وإلّا لامتنعت قبلها» (٣).

وأمّا صاحب الجواهر فلأنّه جعل شرطية التعقب أحد الوجهين لتصحيح الكشف (٤) ، وسيأتي نقل كلامه في (ص ٣٢ و ٣٣).

وأمّا الشيخ الفقيه الشيخ حسن كاشف الغطاء فلأنه بيّن احتمالين للكشف وقوّى أوّلهما ، حيث قال : «انّ الإجازة ناقلة من حينها .. أو كاشفة عن الصحة المتقدمة ، بمعنى : أنّ الصحة الثابتة من قبل انكشف بها ، لأنها موقوفة على حصول الشرط ، وهو الرضا في أحد الأزمنة ولو متأخرا ، فبالإجازة بان حصوله. أو بمعنى أنّ الإجازة أثّرت في صحة العقد الماضي حين صدوره ، فبها انكشف أنّ العقد الأوّل كان صحيحا من حينه؟ وجوه أقواها الواسط ، وربّما كان هو المشهور (٥).

ونحوه كلامه في إجازة النكاح الفضولي.

والعبارة وإن لم تكن صريحة في شرطية الوصف المنتزع ، لكن يمكن استفادته منها كما استفيد من تعبير صاحب الجواهر قدس‌سره : «إذ الشرط الحصول فعلا ولو في

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٣٧٥

(٢) مستند الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٨٣.

(٣) الفصول الغروية ، ص ٨٠.

(٤) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٨٧

(٥) أنوار الفقاهة (مخطوط) نقلا من نسخة موجودة في مكتبة آية الله السيد المرعشي قدس‌سره بقم المقدسة.

٣٠

من (١) : أنّ معنى شرطية الإجازة ـ مع كونها (٢) كاشفة ـ شرطية (٣) الوصف المنتزع منها ، وهو (٤) كونها لاحقة للعقد في المستقبل ، فالعلّة التامّة : العقد الملحق به الإجازة ، وهذه (٥) صفة مقارنة للعقد وإن كانت نفس الإجازة متأخّرة عنه (٦).

وقد التزم بعضهم (٧)

______________________________________________________

المستقبل».

ولعلّ مقصود المصنف جماعة أخرى من معاصريه ممّن لم نقف على كلامهم.

(١) بيان ل «ما» الموصولة في قوله : «ما احتمله».

(٢) يعني : مع بنائهم على كون الإجازة كاشفة ، المقتضي لشرطية نفس الإجازة ، لا الوصف ، وهو «تعقب الإجازة للعقد».

(٣) خبر قوله : «انّ معنى».

(٤) الضمير راجع الى الوصف المنتزع ، أي : أنّ الوصف المنتزع عبارة عن كون الإجازة لاحقة للعقد في الزمان المستقبل. ويسمى هذا الوصف في لسان جماعة بالتعقّب. وعليه فيكون المؤثر التام هو العقد الملحق به الإجازة فيما بعد ، وهذا الوصف من الأوصاف المقارنة للعقد ، فلا مانع من كون الإجازة كاشفة بهذا المعنى ، لعدم ترتب محذور الشرط المتأخر عليه.

(٥) أي : ولحوق الإجازة بالعقد صفة مقارنة للعقد ، لا متأخرة عنه حتى يرد عليه محذور الشرط المتأخر ، وإن كانت نفس الإجازة متأخرة ، لكنّها ليست شرطا ، إذ الشرط على الفرض هو لحوق الإجازة لا نفسها.

(٦) أي : عن العقد.

(٧) أي : بعض الملتزمين بشرطية التعقب واللحوق ، وهذا البعض صاحب الجواهر قدس‌سره حيث التزم بما يتفرّع على جعل التعقب شرطا في تأثير العقد ، من جواز ترتيب الأثر على بيع الفضولي لو علم بحصول رضا المالك ـ بهذا البيع ـ في المستقبل.

قال قدس‌سره ـ بعد الاشكال على كون الرضا شرطا للعلم بالانتقال لا لنفس الانتقال ـ ما لفظه : «نعم لو أخبر المعصوم بأنّه يحصل الرضا فعلا من المالك الذي يؤثر رضاه ، كفى ذلك في ترتب الآثار الآن عليه ، لتحقق الشرط حينئذ كتحققه بنفس وقوعه ، إذ الشرط

٣١

بما يتفرّع على هذا (١) (*) من (٢) «أنّه إذا علم المشتري أنّه المالك للمبيع سيجيز العقد ، حلّ له التصرّف فيه بمجرّد العقد».

وفيه (٣) ما لا يخفى من المخالفة للأدلّة.

______________________________________________________

الحصول فعلا ولو في المستقبل. ولا ريب في تحقق الحصول في المستقبل بالإخبار» (١).

وقال بعد أسطر في بيان مختاره من محتملات الكشف : «الثالث وهو التحقيق : أن يكون الشرط حصول الرضاء ولو في المستقبل ، الذي يعلم بوقوعه من المالك مثلا ، أو بإخبار المعصوم ، أو نحو ذلك. والمراد شرطية الرضاء على هذا الوجه ، وكان هذا هو المتعيّن ..» (٢).

(١) أي : على كون الشرط هو الوصف الانتزاعي أعني به لحوق الإجازة بالعقد.

(٢) بيان ل «ما» الموصولة في قوله : «بما يتفرّع» وحاصل هذا الفرع المتفرع على شرطية الوصف الانتزاعي هو : جواز تصرف المشتري بمجرد العقد في المبيع الذي باعه العاقد الفضولي ، إذا كان المشتري عالما بأنّ عالما بأنّ مالك المبيع يجيز العقد في المستقبل ، فإنّ لازم شرطية الأمر الانتزاعي ـ الذي هو مقارن للعقد ـ حليّة التصرف قبل تحقّق الإجازة.

(٣) أي : وفي التزام بعضهم بحلّية التصرف بمجرّد العقد فيما لو علم المشتري بأنّ المالك سيجيز العقد ـ مع البناء على شرطية وصف التعقب ـ ما لا يخفى من الاشكال. ومحصّل النظر والاشكال في هذا الالتزام هو مخالفة حلية التصرفات ـ بمجرّد العقد ـ للأدلة الدالة على إناطة جواز التصرف في مال الغير بطيب نفسه الذي لا يحصل إلّا

__________________

(*) ظاهر كلامه قدس‌سره ترتب هذا الفرع على خصوص الكشف التعقبي ، بأن يكون الشرط خصوص التعقب فقط. مع أنّه ليس كذلك ، لتفرعه على الشرط المتأخر أيضا ، ضرورة أنّه بناء عليه تكون الملكية حاصلة قبل تحقق الإجازة التي تجي‌ء في المستقبل. ولعلّه قدس‌سره لاستحالة الشرط المتأخر فرّع هذا الفرع على خصوص شرطية التعقب.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٨٨.

(٢) المصدر ، ص ٢٨٩.

٣٢

ويرد (١) على الوجه الثاني أوّلا : أنّ (٢) الإجازة وإن كانت رضا بمضمون العقد ، إلّا أنّ مضمون العقد

______________________________________________________

بإجازة المالك. فقبل الإجازة الكاشفة عن الرضا وطيب النفس لا يحلّ التصرف ، فعدم صحة الالتزام بهذا الفرع يكشف عن عدم صحة الالتزام بالأصل ، وهو شرطية التعقب.

(١) معطوف على قوله في (ص ١٨) : «ويرد على الوجه الأوّل» وهذا إشكال على ثاني الوجهين اللذين احتج بهما صاحب الرياض وغيره للقول بالكشف ، وحكاه المصنف قدس‌سره بقوله : «وبان الإجازة متعلقة بالعقد فهي رضا بمضمونه .. إلخ».

(٢) قد أورد المصنف قدس‌سره على ثاني وجهي الاستدلال بوجوه ثلاثة :

الأوّل : أنّ الإجازة وإن كانت متعلّقة بالعقد ورضا بمضمونه ، إلّا أنّ مضمون العقد ليس هو نقل العوضين من حين وقوع العقد حتى يكون هذا المضمون موردا للإجازة والرضا ، ويلتزم لأجله بالكشف ، بل مضمون العقد نفس النقل من دون تقيّده بزمان وقوعه ، فالزمان ظرف لوقوعه ، حيث إنّ العقد كغيره من الزمانيّات والمكانيّات ـ المحتاجتين في وجودهما إلى زمان ومكان ـ لا بدّ أن يقع في زمان ومكان ، من دون أن يكون شي‌ء منهما قيدا له.

وبعبارة أخرى : ما تقدم في تقرير الدليل من «أن مضمون العقد ليس إلّا نقل العوضين من حين العقد» ممنوع ، فإنّ المنشأ هو الملكية المرسلة ، لا المقيّدة بحصولها من زمان العقد ، ومن المعلوم الفرق بين تمليك شي‌ء للمشتري مقيدا بزمان العقد ، وبين تمليكه إيّاه وحصول الملكية له حين العقد.

وإن شئت فلاحظ نظيره في العلل التكوينية ، فالحرارة مثلا معلولة للنار ، لكنّها غير مقيّدة بها زمانا ومكانا ، وإنما توجد في زمان ومكان من جهة أن الموجود المادّي لا يخلو منهما.

وعليه فوقوع الزماني في الزمان لا يستلزم كون الزمان قيدا له ، بل قد يكون قيدا وقد يكون ظرفا محضا. والمدّعى هو أنّ الملكية الحاصلة بالإنشاء الفضولي معرّاة عن اعتبار الزمان قيدا ، وغير مقيده بحصولها من زمان الإنشاء. وحينئذ تتعلق إجازة المالك بأصل التمليك ، وهو الممضى شرعا ، لا الملكية من زمان الإنشاء حتى يثبت القول بالكشف.

٣٣

ليس هو النقل من حينه (١) حتّى يتعلّق الإجازة والرضا بذلك النقل المقيّد بكونه في ذلك الحال (٢) ، بل هو (٣) نفس النقل مجرّدا عن ملاحظة وقوعه في زمان ، وإنّما الزمان من ضروريات إنشائه (٤) ، فإنّ قول العاقد : «بعت» ليس «نقلت من هذا (*) الحين (٥)» وإن كان النقل المنشأ به واقعا في ذلك الحين ، فالزمان ظرف

______________________________________________________

ويشهد لكون المنشإ طبيعة الملكية ـ لا المقيدة ـ أمور :

أحدها : مورد الإيجاب والقبول ، فإنّ تمليك الموجب بقوله : «بعت» لو كان مقيّدا بحصوله من حينه لزم تحقق الملكية للمشتري في وعاء الاعتبار قبل انضمام القبول اليه. مع أنه ليس كذلك قطعا ، إذ لم يقل أحد بأنّ القبول كاشف عن حصول الملك حال الإيجاب. فلا مناص من كون الملكية المقصودة للموجب هو الملكية المرسلة ، أي غير مقيدة بزمان الإيجاب ولا بزمان القبول.

ثانيها : الفسخ ، وثالثها الإجازة ، وسيأتي بيان الكلّ إن شاء الله تعالى.

فتحصّل : أن الدليل الثاني على الكشف مبني على تأثير العقد في الملكية المقيدة ، حتى تتعلّق بها إجازة المالك ، ثم إمضاء الشارع. وقد اتّضح منع المبنى المزبور ، فلا وجه للكشف ، هذا.

(١) أي : من حين العقد ، حتى يكون ذلك النقل المقيّد متعلّقا للإجازة والرضا.

(٢) أي : حال العقد.

(٣) يعني : بل مضمون العقد نفس النقل بدون تقيّده بزمان وقوعه.

(٤) لكون الإنشاء من الزمانيات التي لا بدّ من وقوعها في الزمان وقوعها في المكان ، فكما أنّ المكان ليس قيدا للنقل ، فكذلك الزمان.

(٥) يعني : ليس مفهوم «بعت» النقل المقيّد بالزمان ، بل مجرّد النقل بدون قيد الزمان.

__________________

(١) نعم ليس الزمان مأخوذا في مفهوم «بعت» إلّا أنّ قرينة التعارف تخرجه عن الإهمال ، وتوجب ظهوره عرفا في النقل حال الإنشاء ، بحيث لو أنكر منشئ العقد عدم إرادة النقل حين الإنشاء لا يسمع إنكاره. فللقائل بالكشف أن يدّعي هذا الظهور العرفي ، بحيث يكون مضمون «بعت» نقلت في هذا الآن. والمفروض أنّ الإجازة تتعلّق بهذا

٣٤

.................................................................................................

__________________

المضمون.

وعليه فما أنشأه الفضولي هو نقل العوضين إنشائيّا في زمان تحقق العقد ، والإجازة تتعلق بهذا المضمون. فالنتيجة كاشفية الإجازة ، هذا.

فالحق في الجواب عن هذا الوجه الثاني أن يقال : إنّ الفضولي أنشأ النقل ، وهذا النقل الإنشائي جزء لموضوع حكم الشارع بالملكية الفعلية ، وجزؤه الآخر إجازة المالك ، فإذا أجاز صار موضوع حكم الشارع تامّا ، فيحكم الشارع بالنقل الفعلي.

وببيان آخر : يصير النقل الإنشائي الصادر من العاقد الفضولي فعليّا بإجازة المالك. فإمضاء المالك للنقل الإنشائي موضوع لحكم الشارع بالنقل الفعلي ، وهذا ينطبق على ناقلية الإجازة.

ثمّ إنّ المحقق الايرواني قدس‌سره أورد على المتن ـ من كون الملكية المنشئة مهملة غير مقيّدة بوقوعها من زمان الإنشاء ليتجه القول بالكشف ـ تارة بأنّه إن كان غرض المصنف إهمال المنشئ في مقام القصد كما هو ظاهر العبارة فهو باطل بالضرورة ، إذ لازمه بطلان المعاملة وعدم وقوعها في شي‌ء من الأزمنة ، فإنّ إنشاء النقل في زمان مّا لا يوجب وقوعه فعلا بالإجازة ، كما أنّها تبطل لو أنشأ وقوعها في زمان متأخر عن العقد ، فيتعيّن أن يكون مقصود المنشئ حصول النقل فعلا.

وإن كان الغرض الإهمال في العبارة وعدم التصريح بحصول النقل من زمان الإنشاء ، فهو وإن كان صحيحا ، لكنه لا يضرّ القائل بالكشف ، لكفاية إطلاق العقد حينئذ في تعيين النقل حال العقد ، كتعيين كون المعاملة نقدا بهذا الإطلاق.

واخرى بأنّ كلام المصنف في الجواب أخصّ من المدّعى ، لإمكان تقييد النقل والتمليك بزمان الإنشاء ، فيقول : «بعتك هذه الدار فعلا» فيلزم أن يلتزم المصنف بالكشف ، لفرض تعلق الإجازة بهذا النقل المقيد ، مع أن غرضه قدس‌سره إبطال دليل الكشف أصلا ورأسا (١).

أقول : لا ريب في امتناع الإهمال من المنشئ ، لكون الإنشاء فعلا اختياريا منوطا

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٢٧.

٣٥

للنقل لا قيد له (١).

فكما أنّ (٢) إنشاء مجرّد النقل الذي هو مضمون العقد

______________________________________________________

(١) أي : للنقل ، حتى يدل على حدوث النقل حين تحقق إنشاء العقد من الفضولي ، ويكون دليلا على كاشفية الإجازة.

(٢) غرضه قدس‌سره تضعيف القول بالكشف بتنظير الإجازة بنفس العقد الفضولي وبإمضاء الشارع من جهة كون الزمان ظرفا في الجميع ، وليس قيدا في شي‌ء منها. وبيانه : أنّ العقد إمّا يصدر ممّن له ولاية أمره ، وامّا من الأجنبي. فإن صدر من الأوّل اقتضى ترتب أثره ـ وهو النقل ـ في زمان وقوعه ، لأنّه عقد صدر من أهله ، وتقتضي أدلة الإمضاء حصول أثره فورا. لكن لا لأجل كون المنشأ هو النقل المقيّد بحال العقد ـ

__________________

بالقصد والالتفات ، فلا يخلو إمّا أن يقصد النقل المقارن للإنشاء أو المتأخر عنه ، والثاني باطل بالضرورة ، فيتعين كون النقل في حال العقد.

وهذا وإن كان صحيحا ، لكنه لا يرد على المصنف شي‌ء من الإيرادين :

أمّا عدم ورود الأوّل فلأنّ المصنف لم يدّع كون المنشئ قاصدا للنقل في الجملة حتى يكون تقييده ببعض الأزمنة كزمان العقد بلا مرجّح ، وإنّما غرضه إنشاء النقل المرسل المعرّى عن الزمان كلّية ، فليس الزمان مأخوذا في الإنشاء أصلا لا في الجملة ولا بالجملة. ومعه لا موضوع للإيراد عليه بأنّ النقل في زمان في الجملة لا يتعيّن وقوعه فعلا بالإجازة.

وعليه فالشق الأوّل من الإيراد ممنوع ، لابتنائه على أخذ زمان مّا في الإنشاء حتى يمتنع وقوعه فعلا. وقد عرفت أنّه مخالف لتصريح المصنف ، كقوله : «إلّا أنّ مضمون العقد ليس هو النقل من حينه .. بل هو نفس النقل مجرّدا عن ملاحظة وقوعه في زمان».

وأمّا الإشكال الثاني فهو وإن كان متجها على المصنف ظاهرا ، لكن يمكن منعه بما سيأتي منه بأنّ قصد المنشئ الفضولي لا يترتب عليه أثر أصلا ، لأنّ موضوع إمضاء الشارع للبيع الفضولي هو العقد المستند إلى المالك بإجازته. ولمّا كان المتّبع دلالة دليل الإمضاء ، وكان ظاهره وقوع البيع من زمان الإجازة ، لم يقدح تخلف قصد الفضولي من وقوع النقل حال العقد ، هذا.

٣٦

في زمان (١) يوجب وقوعه من المنشئ في ذلك الزمان (٢) ، فكذلك (٣) إجازة ذلك النقل في زمان يوجب وقوعه (٤) من المجيز في زمان الإجازة.

وكما أنّ (٥) الشارع إذا أمضى نفس العقد (٦) وقع النقل من زمانه ، فكذلك إذا أمضى إجازة المالك وقع النقل من زمان الإجازة (٧).

______________________________________________________

بحيث يكون لوقوعه فيه دخل ـ بل لأجل أنّ هذا الإنشاء المؤثر أمر زماني وقع في زمان ، فلا بدّ أن يحصل أثره في ذاك الزمان.

وإن صدر من الثاني وهو الفضولي لم يؤثر في النقل ، لتوقفه على إجازة المالك وإمضاء الشارع ، فإن أجاز لزم حصول الأثر من زمان الإجازة الذي هو ظرف الإمضاء الشرعي. ولكن لا بمعنى تقيّد النقل بزمان الإجازة ، بل لأنّ النقل والتمليك أمر زماني يقع في ظرف وجود الإجازة. فتكون الإجازة مفيدة للنقل لا الكشف.

والحاصل : أنّ الزمان كما لم يؤخذ قيدا في الإجازة ولا في إمضاء الشارع ، فكذا لم يؤخذ في إنشاء العقد سواء من المالك لأمره ، أم من الأجنبي وهو الفضولي ، فلا وجه لجعل الإجازة كاشفة عن حصول النقل من حين إنشاء الفضولي ، هذا.

(١) متعلق ب «إنشاء» حيث إنّ الإنشاء ـ الذي هو أمر زماني ـ يقتضي وقوع النقل في زمان الإنشاء ، من جهة ظرفية الزمان ، لا قيديته له.

(٢) أي : زمان إنشاء النقل. وقوله : «يوجب» خبر قوله : «ان إنشاء».

(٣) متعلق ب «فكما» وهذا يفيد النقل في زمان الإجازة ، لا في زمان العقد.

(٤) هذا الضمير وضمير «وقوعه» المتقدّم راجعان إلى النقل ، والمراد بالوقوع وقوع المظروف في الظرف ، من دون تقييده به.

(٥) ما أفاده بقوله : «فكما أنّ إنشاء» كان ناظرا إلى اختلاف نفس العقد والإجازة في الأثر ، مع كون الزمان ظرفا في كليهما. وما أفاده بقوله : «وكما» ناظر إلى اختلاف مفاد الإمضاء ، فإن كان العقد صادرا من أهله فمعنى صحته ترتب الأثر عليه من حينه. وإن كان صادرا من غير أهله كانت صحته من حين الإجازة ، لا من زمان العقد.

(٦) أي : العقد الصادر من أهله.

(٧) كما في عقد الفضولي ، فإنّ النقل يقع من حين إجازة المالك التي أمضاها الشارع.

٣٧

ولأجل ما ذكرنا (١) لم يكن مقتضى القبول وقوع الملك من زمان الإيجاب ، مع أنّه (٢) ليس إلّا رضا بمضمون الإيجاب. فلو كان مضمون الإيجاب النقل من حينه (٣) وكان القبول رضا بذلك ، كان (٤) معنى إمضاء الشارع للعقد الحكم بترتّب الأثر من حين الإيجاب ، لأنّ (٥) الموجب ينقل من حينه ، والقابل يتقبّل

______________________________________________________

(١) من عدم أخذ الزمان قيدا للنقل الذي أنشأه الفضولي. وكذا من قوله : «فكما أنّ إنشاء مجرّد النقل الذي هو مضمون العقد إلخ» ومن قوله : «فكذلك اجازة ذلك النقل» ومن قوله : «وكما أنّ الشارع إذا أمضى نفس العقد .. إلخ» وقوله : «فكذلك إذا أمضى إجازة المالك».

يظهر من ذلك كله : أنّ مقتضى القبول وإن كان رضا بمضمون الإيجاب ، لكنّه ليس قبولا للملك الواقع من زمان الإيجاب ، إذ ليس مضمون الإيجاب النقل المقيّد من حينه حتى يكون القبول رضا بذلك ، ويكون معنى إمضاء الشارع حينئذ للعقد الحكم بترتّب الأثر من حين الإيجاب ، بأن يقال : إنّ الموجب ينقل المبيع إلى المشتري من حين الإيجاب ، والمشتري يتقبل ذلك ويرضى به.

وعليه فحال الإجازة حال القبول الذي لا يقتضي حصول النقل من زمان الإيجاب ، ولا يكون كاشفا عن ترتب الأثر حين إنشاء الموجب. بل النقل منوط بانضمام القبول فيما كان المتعاقدان أصيلين ، وبلحوق الإجازة فيما كان أحدهما فضوليّا ، أو كلاهما فضوليين ، فكيف تقتضي الإجازة حصول النقل من حين العقد؟

ولا يخفى أن تنظير الإجازة بالقبول هو الشاهد الأوّل على بطلان الكشف ، لاشتراكهما في الرضا بالإيجاب والعقد ، وقد تقدم توضيحه في (ص ٣٤).

(٢) يعني : مع أنّ مقتضى القبول ليس إلّا الرضا بمضمون الإيجاب.

(٣) أي : من حين الإيجاب ، وكان القبول رضا بهذا المضمون ، أي النقل من حين الإيجاب.

(٤) جواب «فلو كان» وقوله : «الحكم» خبر «كان معنى».

(٥) تعليل للحكم بترتب الأثر من حين الإيجاب ، إذ الموجب ينقل متاعه إلى المشتري من حين الإيجاب.

٣٨

ذلك (١) ويرضى به (*).

ودعوى (٢) «أنّ العقد سبب للملك ، فلا يتقدّم (٣) عليه» مدفوعة (٤)

______________________________________________________

(١) أي : يتقبّل نقل المال إليه ويرضى به من حين نقل الموجب ، وهو زمان إنشائه العقد. مع أنّ الأمر ليس كذلك ، إذ لا يترتب الأثر الشرعي إلّا بعد تمامية العقد ، لا خصوص الإيجاب. كما أنّ المال في البيع الفضولي ينتقل إلى المشتري حين صدور الإجازة من المالك ، لا من حين صدور العقد من العاقد الفضولي.

(٢) هذه الدعوى إشكال على استشهاد المصنف قدس‌سره ـ بعدم حصول الملك من زمان الإيجاب ـ على عدم أخذ النقل من حين الإيجاب في مفهومه.

وحاصل الاشكال هو الفرق بين الإيجاب والعقد ، حيث إنّ الإيجاب بنفسه ليس سببا للملك ، بل السبب له هو الإيجابا المنضمّ معه القبول المعبّر عنه بالعقد ، فبعد انضمام القبول إليه يتم العقد ، ويترتّب عليه الأثر. وهذا بخلاف عقد الفضولي ، فإنّه سبب للملك ، والمجيز ينفّذ هذا المضمون ، فتكون إجازته كاشفة.

وبعبارة أخرى : الفارق بين القبول والإجازة هو : أنّ القبول وإن كان رضى بفعل الموجب المتكفل لإنشاء تمليك عين بمال ، إلّا أنّ القبول جزء السبب المملّك ، ويمتنع عقلا تقدم المسبب على سببه التام وهو العقد. فلم يتحقق شي‌ء ـ في وعاء الاعتبار ـ بمجرّد الإيجاب حتى يكون القبول كاشفا عنه ، فلا معنى للالتزام بالنقل من حين الإيجاب. وهذا بخلاف الإجازة ، لفرض تمامية السبب ، ولم يحصل من المجيز إلّا الرضا بمضمون العقد ، فيتجه كونها كاشفة عن تحقق النقل من حين العقد.

والحاصل : أنّه لا يصح الاستشهاد بالقبول على منع كاشفية الإجازة ، لكون القبول جزء السبب ، والإجازة تنفيذا للسبب.

(٣) يعني : فلا يتقدم الملك ـ الذي هو المسبب ـ على سببه أعني به العقد.

(٤) هذا دفع الإشكال المذكور ، ومحصل دفعه : أنّ الفرق المزبور بين الإيجاب

__________________

(*) الأولى تنظير الإجازة بمقابلها وهو الفسخ ، فكما أنّ الفسخ حلّ العقد من حينه لا من حين وقوع العقد ، فكذلك الإجازة ، فإنّها تنفيذ العقد من حين وقوعها ، لا من حين وقوع العقد حتى تدل على الكشف.

٣٩

بأنّ سببيته (١) للملك ليست إلّا بمعنى إمضاء الشارع لمقتضاه ، فإذا فرض مقتضاه مركّبا من نقل في زمان (٢) ورضا بذلك (٣) النقل ، كان (٤) مقتضى العقد الملك بعد الإيجاب (٥).

______________________________________________________

والعقد غير سديد ، إذ كما أنّ الإيجاب بنفسه ليس سببا للملك ، كذلك عقد الفضولي ، فإنّه لا يترتب عليه الأثر إلّا برضا المالك ، فكلّ من القبول والرضا جزء علّة الملك ، غاية الأمر أنّ القبول جزء المقتضي ، والرضا شرط تأثير المقتضي.

وعلى هذا فلا فرق في كون العقد سببا تامّا بين الإجازة والقبول ، إذ المراد بالسببية التامة هو إمضاء الشارع للعقد ، والحكم بتحقق مقتضاه في وعاء الاعتبار ، والمفروض تركّب هذا السبب التام من إيجاب وقبول ، ومقتضى الإيجاب هو النقل من زمانه ، ومقتضى القبول هو الرضا بذلك النقل الخاص. وبتحقق هذا الإيجاب والقبول يتم موضوع إمضاء الشارع ـ الذي هو منشأ انتزاع سببية العقد ـ ووقوع مضمون العقد على حسب مقتضاه ، وهو النقل في زمان الإيجاب ، ويتعيّن كون القبول رضا بهذا النقل الخاص.

ويتجه الاستشهاد بالقبول على عدم كون الإجازة كاشفة ، إذ لم يقل أحد بأنّ وجوب الوفاء بالعقود يقتضي ترتيب الأثر ـ كالنقل والانتقال ـ على الإيجاب من زمان وقوعه ، فلا بدّ أن يكون وجوب الوفاء بعقد الفضولي بعد الإجازة مقتضيا لترتب مقتضاه عليه من زمان لحوق الإجازة ، لا من زمان العقد.

(١) أي : سببية العقد للملك ، وضمير «لمقتضاه» في الموضعين راجع الى «العقد».

(٢) وهو زمان الإيجاب.

(٣) أي : النقل الحاصل من زمان الإيجاب ، والمراد بالرضا هو القبول.

(٤) جواب الشرط في قوله : «فإذا فرض».

(٥) والحاصل : أنّ الزمان غير مأخوذ في الإيجاب إلّا ظرفا لا قيدا ، إذ لو كان مدلول إنشاء الموجب «بعتك الكتاب بدينار» هو تمليكه من هذه الحال ، وكان القبول رضا بهذا الإيجاب لزم كون إمضاء الشارع ـ سببية العقد للتمليك ـ من حين الإيجاب ، إذ ليس الإمضاء إلّا تنفيذا للإيجاب والقبول. مع أنّه لا سبيل للالتزام بحصول الملك من

٤٠