هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

السابع (١) : الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع ما ليس

______________________________________________________

فضولا ، حيث إنّه فصّل بين وقوع هذا التصرف حال التفاته إلى بيع ماله فضولا ، وبين وقوعه حال الغفلة عنه ، فقال في حكم القسم الثاني : «فالظاهر عدم تحقق الفسخ به ، لعدم دلالته على إنشاء الرّد ، والمفروض عدم منافاته أيضا للإجازة اللّاحقة. ولا يكفي مجرّد رفع اليد عن الفعل بإنشاء ضدّه مع عدم صدق عنوان الردّ» فلاحظ (ص ٤٥٩).

وهذا ردّ لما أفاده صاحب المقابس بقوله : «يكون فسخا له وإن لم يعلم بوقوعه» حيث إنّه حكم بعدم تأثير الإجازة حتى في صورة عدم علم المالك بما أنشأه الفضولي. فيكون حاصل إيراد المصنف عليه أنّه لا وجه لكون هذا التصرّف ردّا في صورة جهل المالك ، لأنّ الردّ كالإجازة أمر إنشائي منوط بالقصد المتوقف على العلم بالعقد حتى يفرده أو يجيره.

هذا مضافا إلى التأمل هناك في تحقق فسخ العقد الجائز كالهبة بالتصرف غير المنافي لو وقع في حال عدم الالتفات ، فراجع (ص ٤٦٧).

(١) هذا سابع الإشكالات التي أوردها المحقق صاحب المقابس قدس‌سره على صحة بيع «من باع فضولا مال غيره لنفسه ثم ملكه فأجازه» فإنّه لا يقع بالنسبة إلى المخاطب خاصة.

والفارق بين هذا الوجه السابع والستة المتقدمة أنّها محاذير عقلية مترتبة على ما اشتهر بينهم من كون الإجازة كاشفة حقيقة عن ترتب الأثر على البيع الفضولي من حين إنشائه ، بخلاف هذا الوجه السابع ، فإنه دليل نقلي على البطلان.

ولا يخفى أن ظاهر المتن جعل هذا الوجه في عداد الأمور التي ذكرها صاحب المقابس في الحكم ببطلان «من باع شيئا ثم ملكه». مع أنّه ليس كذلك. لأنّ المحقق الشوشتري قدس‌سره حكم بالفساد ، لاشتماله على وجوه من الخلل ، وهي الأمور السّتة المتقدمة ، ثم قال : «ويدل على ما اخترناه : الأخبار المعتبرة المستفيضة ، منها : جملة من

٣٠١

عندك ، فإنّ النهي فيها إمّا لفساد البيع المذكور مطلقا بالنسبة إلى المخاطب وإلى

______________________________________________________

الأخبار المتقدمة في الموضع الأوّل» (١) ومراده بالموضع الأوّل بيع الفضولي عينا بقصد وقوعه للمالك ، مع وجود مجيز في حال العقد.

ومراده بجملة من الأخبار هي الأخبار التي ارتضى دلالتها على فساد بيع الفضولي ، ولكنه قدس‌سره حملها على ما إذا قصد الفضولي البيع لنفسه ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما رواه يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه‌السلام : «لا بيع إلّا في ملك» حيث إنه ناقش فيها صاحب المقابس بضعف السند ، وبأنّها محمولة على «من باع شيئا لنفسه ثم ملكه» حيث قال : «وباحتمال أن يكون المراد بطلان بيع ما يملكه بعد العقد ، بأن يبيع مال الغير عن نفسه ، ثم يشتريه .. وقد وقع النصّ على هذا المعنى في الروايات الكثيرة ، كما يأتي بعضها في المسائل الآتية» (٢).

وكذلك حمل صاحب المقابس النبوي «الناهي عن بيع ما ليس عندك» على البيع لنفسه لا للمالك ، ثم يمضي ويشتريه من مالكه ، فراجع (٣).

والغرض أن مقصوده من قوله في المقام : «الأخبار المتقدمة في الموضع الأوّل» هو ما ورد بلسان «لا بيع إلّا في ملك» أو «لا تبع ما ليس عندك» مما سلّم دلالته على بطلان الفضولي ، وحمله على البيع لنفسه.

وكيف كان فتقريب الاستدلال بهذه الأخبار على فساد بيع «من باع مال الغير ثم ملكه وأجاز» يتوقّف على تسلّم أمور.

أحدها : دلالة النهي على فساد المعاملة ، إمّا لكونه دالّا في المعاملات على الفساد كدلالته في العبادات على الفساد ، وإمّا للإرشاد إلى الفساد في خصوص المقام.

__________________

(١) المقابس ، كتاب البيع ، ص ٣٧.

(٢) المصدر ، ص ١٩.

(٣) المصدر ، ص ٣٠.

٣٠٢

المالك ، فيكون دليلا على فساد العقد الفضوليّ (١). وإمّا لبيان فساده بالنسبة إلى المخاطب خاصّة (٢) كما استظهرناه سابقا (٣) ، فيكون دالّا على عدم وقوع بيع مال

______________________________________________________

ثانيها : إرادة عدم الملك ب «ما ليس عندك» حتى ينطبق على المقام ، لا إرادة عدم القدرة على التسليم ، كبيع العبد الآبق والدابّة الشاردة.

ثالثها : إرادة العين الخارجية من الموصول في قوله : «ما ليس عندك» إذ لا إشكال في صحة بيع الكلي الذمي وإن لم يكن من مصاديقه شي‌ء عند البائع.

فلو كان المراد بيع الكلي فلا بدّ من كون النهي تنزيهيّا. وحينئذ لا يصحّ الاستدلال بالأخبار الناهية ، للزوم حملها على التنزيه أو التقية ، للإجماع على جواز بيع الكلي في الذمة.

رابعها : أن يكون النهي فيها إرشادا إلى الفساد في حقّ المخاطب مطلقا وإن ملكه بالشراء أو غيره وأجاز ، حتى يكون دليلا على فساد بيع «من باع شيئا ثم ملكه وأجاز» بدعوى الإطلاق من ناحية الآثار ، وهي الصحة الفعلية والتأهلية ، ومن ناحية الأحوال ، وهو كون النهي إرشادا إلى عدم نفوذ عقد الفضولي بالنسبة إلى العاقد في جميع الأحوال قبل تملكه للمبيع الفضولي وبعده. وبعد الإجازة.

وأما إذا كان إرشادا إلى فساد العقد مطلقا حتى بالنسبة إلى المالك ، فهو دليل على فساد الفضولي مطلقا ، ومفروض البحث هو صحة الفضولي في غير ما نحن فيه.

خامسها : أن يكون النهي دالّا على الفساد بقول مطلق ـ لا على نحو خاص ـ حتى يدلّ على بطلان عقد الفضولي وإن صار مالكا ، إذ لو دلّ النهي على نفي الاستقلال لم يكن دليلا على ما نحن فيه.

(١) مطلقا وإن صار مالكا لما باعه فضولا ، وأجاز مالكه.

(٢) وهو البائع الفضولي.

(٣) بقوله : «ويكون بطلان البيع بمعنى عدم وقوع البيع للبائع .. إلخ» (١).

__________________

(١) لاحظ هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٤٩٦.

٣٠٣

الغير لبائعه مطلقا ولو (١) ملكه فأجاز. بل (٢) الظاهر إرادة حكم خصوص صورة تملّكه بعد البيع (٣) ، وإلّا فعدم وقوعه له قبل تملّكه ممّا لا يحتاج إلى البيان.

وخصوص (٤) رواية يحيى بن الحجّاج المصحّحة إليه (٥) ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقول لي : اشتر لي هذا الثوب ، وهذه الدابّة وبعنيها ،

______________________________________________________

(١) هذا بيان الإطلاق ، فبيع الفضولي لا يقع له مطلقا سواء ملكه بعد بيعه وأجاز أم لا. وهذا غير مدّعى صاحب المقابس ، لأنّه قائل بصحة عقد الفضولي في غير «من باع فضولا مال الغير ثم ملكه وأجاز». وهذا الدليل يدلّ على بطلان الفضولي في جميع الموارد.

(٢) هذا إضراب عن الإطلاق المزبور ، وحاصله : أنّ مورد عدم وقوع بيع مال الغير لبائعه خصوص صورة تملك البائع الفضولي للمبيع فضولا ، إذ عدم وقوعه له قبل تملكه لا يحتاج إلى البيان ، لوضوح عدم كونه مالكا للمبيع الفضولي حتى يجوز له التصرف.

(٣) أي : بعد البيع الفضولي الذي أوقعه يوم الجمعة في المثال المتقدم.

(٤) معطوف على «الأخبار المستفيضة».

(٥) أي : إلى يحيى بن الحجاج. هذه عبارة الشيخ قدس‌سره ، وعبارة المقابس هكذا «ومنها ما رواه الشيخ قدس‌سره والكليني قدس‌سره في الصحيح عن يحيى بن الحجاج .. إلخ» وليس بين يحيى والامام عليه‌السلام واسطة أصلا حتى يصح التعبير بقوله قدس‌سره : «المصححة إليه».

وبالجملة : إنّما يصحّ هذا التعبير فيما إذا كان هناك واسطة مجهولة ، ولا يعرف كونها ثقة ، والمفروض أنّه ليس بين يحيى وأبي عبد الله عليه الصلاة والسلام واسطة. ولم يظهر وجه عدول المصنف عن عبارة المقابيس.

قال السيد قدس‌سره في توجيه العدول المزبور ما لفظه : «لعلّ وجه هذا التعبير من المصنف .. تأمّله في الصحّة بالنسبة إلى من تقدّم على يحيى من الرواة ، لا من جهة التأمل في وثاقته ، ولا في من قبله ، إذ هو يروي عن الامام عليه‌السلام بلا واسطة. مع أنّه أيضا ثقة على ما في الخلاصة والنجاشي. فلا وجه لما أورد عليه من : أنه لا وجه لهذا التعبير بعد عدم الواسطة بينه وبين الامام عليه‌السلام ، فإنّ التعبير المذكور قد يكون في مقام يكون متأمّلا فيمن

٣٠٤

أربحك كذا وكذا. قال عليه‌السلام : «لا بأس بذلك اشترها ، ولا تواجبه (١) البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها» (١).

ورواية (٢) خالد بن الحجّاج (٣) ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجيئني ويقول : اشتر هذا الثوب وأربحك كذا وكذا. قال : أليس إن شاء أخذ وإن شاء

______________________________________________________

تقدّمه من الرواة إمّا واقعا ، أو من جهة عدم المراجعة إلى تراجمهم ، فتدبّر» (٢).

ولم يظهر مراد السيد قدس‌سره من عبارته التي نقلناها ، فلاحظها متدبّرا فيها.

(١) أي : ولا تنشئ إيجاب البيع قبل أن تستوجبها أي قبل أن تقول لمالكه : «بعني» أو قبل أن تشتريها : بأن تقول : «اشتريت» بعد قول المالك : «بعتكها».

(٢) معطوف على «رواية يحيى» قال في المقابس : «وما رواه الشيخ والكليني عن ابن أبي عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن الحجاج ، قال .. إلخ».

(٣) كما في بعض نسخ الكافي ، وفي بعضها الآخر : «خالد بن نجيح» وهذا مختلف فيه : فقد يقال : إنّه ممّن يعتبر روايته ، وقد يقال : إنّه من الغلاة. وأمّا خالد بن الحجاج فهو ثقة ، وقد تقدم في البحث عن لزوم المعاطاة صحة هذه الرواية بطريق الشيخ ، لكون الراوي عن الامام عليه‌السلام هو خالد بن الحجاج ، ولا تردد فيه بينه وبين ابن نجيح ، فراجع. (٣)

قال صاحب المقابس قدس‌سره في تقريب الاستدلال بهذه الرواية : «والمراد بالكلام عقد البيع ، فإنّه يحل نفيا ويحرّم إثباتا ، أو يحلّ ثانيا ويحرّم أوّلا. والمراد أنّ الكلام الذي جرى بينهما قد يحلّل وقد يحرّم بحسب اختلافه. فإن كان بطريق الإلزام حرمت المعاملة بذلك.

وإن كان بطريق المراضاة من دون إلزام ـ وإنّما يحصل الإلزام بعد شراء البائع بعقد مستأنف ـ كانت حلالا» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٧٨ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، ح ١٣.

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٦٥.

(٣) هدى الطالب ، ج ١ ، ص ٥٨٢ و ٥٨٣.

(٤) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٧.

٣٠٥

ترك؟ قلت : بلى ، قال : لا بأس به ، إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام» (١) ، بناء (١) على أنّ المراد بالكلام عقد البيع ، فيحلّل نفيا (٢) ويحرّم إثباتا ، كما فهمه في الوافي (٢).

______________________________________________________

فالرواية تدلّ على وجود البأس والمنع في ما لو باع السمسار الثوب قبل أن يشتريه من مالكه. وينطبق التعليل بجملة «إنما يحلل» عليه ، بأنّ الكلام قبل الشراء من مالكه إن كان بعنوان المقاولة والمراضاة لم يكن به بأس ، فلكل واحد منهما العدول عنه. وإن كان بعنوان إنشاء البيع كان منهيّا عنه ، فيدلّ على بطلان بيع الفضولي في مسألتنا ، وهي «من باع شيئا ثم ملكه».

(١) هذا التعبير غير موجود في العبارة المتقدمة آنفا عن المقابس ، لأنّه قدس‌سره استظهر من جملة «إنّما يحلّل» وجها واحدا ، وهو أنّ محاورة السمسار مع الرجل المريد للثوب إن كانت مواعدة لم تمنع من صحة البيع بعد الشراء من مالكه. وإن كانت إنشاء للبيع جدّا كانت باطلة.

ولكن المصنف قدس‌سره حيث احتمل في هذا التعليل وجوها أربعة (٣) أراد التنبيه على توقف دلالة رواية ابن الحجاج ـ على بطلان بيع من باع ثم ملك ـ على الاحتمالين الأخيرين المذكورين هناك ، وهما في الواقع وجوه ثلاثة ، وهي التي ذكرها المصنف في المتن. فلو قيل بالاحتمال الأوّل ـ الذي استظهره القائلون بعدم إفادة المعاطاة للملك مطلقا أو خصوص الملك اللازم ـ أو بالاحتمال الثاني كانت الرواية أجنبية عن مسألتنا ، هذا.

ولعلّ الأنسب الاقتصار على نقل كلام المقابس ، لكونه بصدد بيان أدلته على فساد البيع في «من باع شيئا ثم ملكه» وعدم بناء الاستدلال على ما احتمله المصنف في التعليل ، فإنّ هذا الابتناء وإن كان صحيحا ، لكن المفروض أنّ صاحب المقابس استظهر معنى واحدا وجعله مبنى استدلاله.

(٢) يعني : أنّ عقد البيع إن لم يجر قبل أن يشتري السمسار الثوب من مالكه حلّ ترتيب آثار البيع من الأخذ والترك عليه. وإن جرى عقد البيع قبله حرم ترتيب آثار البيع.

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٢ ، ص ٣٧٦ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٤.

(٢) الوافي ، ج ١٨ ، ص ٧٠٠ ، ذيل الحديث ١٨١٤٤ ـ ٧ «الطبعة الحديثة».

(٣) راجع هدى الطالب ، ج ١ ، ص ٥٨٧ ـ ٥٩٤.

٣٠٦

أو يحلّل إذا وقع بعد الاشتراء ، ويحرّم إذا وقع قبله (١). أو أنّ (٢) الكلام الواقع قبل الاشتراء يحرّم إذا كان بعنوان العقد الملزم ، ويحلّل إذا كان على وجه المساومة والمراضاة.

وصحيحة (٣) ابن مسلم ، قال : «سألته عن رجل أتاه رجل فقال له : ابتع لي متاعا لعلّي أشتريه منك بنقد أو نسيئة ، فابتاعه الرجل من أجله (٤). قال : ليس به بأس ، إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» (١).

______________________________________________________

وعليه فالتحليل والتحريم يضافان إلى وجود الكلام البيعي ، وعدمه. وهذا الاحتمال قد نبّه عليه المصنف في باب المعاطاة بقوله : «أن يراد بالكلام في الفقرتين الكلام الواحد ، ويكون تحريمه وتحليله باعتبار وجوده وعدمه ، فيكون وجوده محلّلا وعدمه محرّما ، أو بالعكس» (٢).

(١) أي : قبل الاشتراء ، فالتحليل والتحريم على هذا الاحتمال يضافان إلى وجود الكلام ، وهو خصوص إنشاء العقد ، لا المقاولة والمراضاة ، والمدار في التحليل والتحريم على التقدم والتأخر ، فإذا وقع بيع الثوب بعد اشترائه من مالكه كان محلّلا ، وإذا وقع قبل الاشتراء كان محرّما. وهذا الاحتمال نبّه عليه المصنف في المعاطاة بقوله : «أو باعتبار محلّه وغير محلّه ، فيحلّ في محلّه ، ويحرم في غيره».

(٢) هذا الاحتمال هو الذي استظهره صاحب المقابس كما تقدم في عبارته ، وجعله المصنف رابع الوجوه في باب المعاطاة ، وهو يتوقف على التفكيك في الكلام المحرّم والمحلّل ، بجعل المحرّم إنشاء البيع ، والمحلّل المراضاة والمواعدة.

(٣) معطوف على : رواية يحيى بن الحجاج.

(٤) أي : من أجل ذلك الرجل ، وبعبارة أخرى : طلب ذلك الرجل صار داعيا إلى أن يشتري الرجل الآخر ـ كالسمسار ـ المتاع ، لا أنّه صار وكيلا عنه في الابتياع كما قيل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٧٧ ، الباب ٨ من أبواب العقود ، الحديث ٨.

(٢) هدى الطالب ، ج ١ ، ص ٥٩٣.

٣٠٧

وصحيحة (١) منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل أمر رجلا يشتري له متاعا ، فيشتريه منه. قال : لا بأس بذلك ، إنّما البيع بعد ما يشتريه» (٢) (١).

وصحيحة (٣) معاوية بن عمّار ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام يجيئني الرجل فيطلب منّي بيع الحرير ، وليس عندي منه شي‌ء ، فيقاولني عليه وأقاوله في الربح والأجل حتّى يجتمع عليّ شي‌ء ، ثم أذهب لأشتري الحرير ، فأدعوه إليه (٤) ، فقال :

أرأيت إن وجد هو مبيعا أحبّ إليه ممّا عندك أيستطيع أن ينصرف إليه عنه ويدعك؟ أو : وجدت أنت ذلك أتستطيع أن تنصرف عنه؟ قلت : نعم ، قال عليه‌السلام : لا بأس» (٢).

وغيرها من الروايات (٥).

______________________________________________________

(١) معطوف على : رواية يحيى بن الحجاج.

(٢) يعني : لا يبيع المتاع من ذلك الرجل الأمر إلّا بعد أن يصير مالكا لذلك المتاع بالاشتراء ، إذ لا بيع إلّا في ملك.

(٣) معطوف على : رواية يحيى بن الحجاج. وبست هذه الصحيحة مذكورة في المقابس (٣) ، وآخر النصوص المذكورة فيه المتعلقة بهذه المسألة هي صحيحة منصور بن حازم.

(٤) يعني : فادعوا الرجل إلى اشتراء الحرير منّي.

(٥) التي جمعها صاحب الوسائل قدس‌سره في الباب الثامن من أحكام العقود ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك ، تساومه ، ثم تشتري له على النحو الذي طلب ، ثم توجبه على نفسك ، ثم تبيعه منه

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٢ ، ص ٣٧٦ ، الحديث ٦.

(٢) المصدر ، ص ٣٧٧ ، الحديث ٧.

(٣) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٧.

٣٠٨

ولا يخفى (١) ظهور هذه الأخبار ـ من حيث المورد

______________________________________________________

بعد» (١). وقد ذكرها المصنف قدس‌سره في باب المعاطاة معترفا بورودها في حكم بيع مالا يملكه السمسار.

وكمعتبرة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجيئني ، يطلب المتاع ، فأقاوله على الربح ثم أشتريه ، فأبيعه منه. فقال : أليس إن شاء أخذ ، وإن شاء ترك؟ قلت : بلى. قال : لا بأس به» (٢) الحديث.

وكمعتبرة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، «قال : إن شاء اشترى ، وإن شاء لم يشتر؟ قلت : نعم. قال : لا بأس به» (٣).

وقريب منها معتبرته الأخرى. فراجع.

(١) هذا من مطالب المقابس ، لكنه نقل بالمعنى ، وعين عبارته هكذا : «وهذه الروايات ظاهرة الدلالة على عدم جواز البيع قبل الشراء والتملك».

ومحصل تقريب الاستدلال بهذه الروايات على عدم صحة بيع الفضولي مال الغير قبل تملّكه لذلك المال : أنّها تدلّ من حيث المورد على ذلك ، كرواية يحيى بن الحجاج المذكورة في (ص ٣٠٨ ـ ٣٠٤). فإنّ موردها العين الشخصية التي ليست ملكا للفضولي.

وقوله عليه‌السلام : «إن شاء أخذ وإن شاء ترك» كناية عن عدم البيع الملزم ، فليس للفضولي أن يبيع مال الغير قبل تملّكه له. وإطلاقه يدل على عدم البيع لنفسه.

وصحيح معاوية يدل على عدم بيع مال الغير قبل تملكه له ، وإطلاقه يشمل العين الشخصية.

وبعضها يدلّ من حيث التعليل على عدم جواز بيع مال الغير لنفسه قبل تملكه له ، كصحيحتي ابن مسلم ومنصور بن حازم ، ورواية خالد بن الحجاج ، فإنّ كلمة «إنّما» في هذه الروايات ظاهرة في عدم جواز البيع قبل الشراء والتملك ، سواء باعه لنفسه أم للمالك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٧٥ ، الباب ٨ ، من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٧٤ ، الباب ٧ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٧٨ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١٢ و ١١.

٣٠٩

في بعضها (١) ، ومن حيث التعليل في بعضها الآخر (٢) ـ في (٣) عدم صحّة البيع قبل الاشتراء ، وأنّه (٤) يشترط في البيع الثاني (٥) تملّك (٦) البائع له ، واستقلاله (٧) فيه ، ولا يكون قد سبق منه ومن المشتري إلزام والتزام سابق بذلك المال.

والجواب عن العمومات (٨) ، أنّها إنّما تدلّ على عدم ترتّب الأثر المقصود من

______________________________________________________

(١) كصحيح معاوية بن عمار ورواية يحيى بن الحجاج كما مرّ آنفا.

(٢) كصحيحي ابن مسلم ومنصور ، ورواية خالد ابن الحجاج كما تقدم آنفا.

(٣) متعلّق ب «ظهور هذه الأخبار».

(٤) معطوف على «عدم» يعني : وظهور الأخبار في أنّه يشترط في البيع .. إلخ».

(٥) وهو بيع الرجل المأمور المتاع الذي طلب منه الآمر. فالمراد بالبائع في قوله :

«تملك البائع له» هو الرجل المأمور باشتراء المتاع للرجل الآمر.

(٦) نائب فاعل لقوله : «يشترط».

(٧) معطوف على «تملك» وضميرا «له ، فيه» راجعان إلى «المال» المذكور سابقا.

(٨) هذا جواب المصنف قدس‌سره عن استدلال صاحب المقابس بالروايات على بطلان بيع من باع مال الغير لنفسه ثم ملكه وأجاز. وقد أجاب أوّلا عن الاستدلال بالعمومات ، وثانيا عن الاستدلال بالأخبار الخاصة.

أمّا الجواب الأوّل فحاصله : أنّ النهي عن بيع مال الغير ليس نهيا تكليفيا عن السبب ، وهو التلفظ بألفاظ العقد ، لوضوح أنّ التلفظ بلفظ «بعت» ليس من المحرّمات التكليفية كالغناء والغيبة ، بل النهي عن بيع مال الغير إرشاد إلى حكم وضعي ، وهو فساد المعاملة ، وعدم ترتّب الأثر المقصود ـ أعني به الانتقال وتبادل المالين ـ عليها.

وبعبارة أخرى : المراد بالبيع المنهيّ عنه هنا هو البيع بمعناه الاسم المصدري ، يعني : أنّ بيع ما ليس ملكا للبائع لا يترتب عليه أثر بالنسبة إلى كلا المتعاقدين ، فليس للبائع التصرّف في الثمن ، ولا للمشتري التصرف في المثمن. وأمّا إذا زال عنوان «ما ليس عنده» وتبدّل بعنوان «ما عنده» بسبب الشراء أو الإرث فيزول الحكم وهو الفساد ، لتبعيّة الحكم لموضوعه ، ويخرج عن الموضوع أعني به «ما ليس عنده» خروجا تخصّصيّا.

فلا مانع حينئذ من صحة بيع الفضولي مال الغير بعد أن صار العاقد الفضولي

٣١٠

البيع ـ وهو النقل والانتقال (١) المنجّز ـ على (٢) بيع ما ليس عنده ، فلا يجوز ترتّب (٣) الأثر على هذا البيع (٤) ، لا من طرف البائع بأن يتصرّف في الثمن ، ولا من طرف المشتري بأن يطالب البائع بتسليم المبيع (*).

______________________________________________________

مالكا له ، لأنّ صحته مما تقتضيها عمومات صحة بيع المالكين لأموالهم ، فلا تحتاج صحته ـ بمجرد انتقال المال إلى الفضولي أو مع الإجازة ـ إلى دليل.

وأمّا الجواب الثاني فحاصله أنّ الأخبار الخاصة لا تدلّ إلّا على عدم ترتب الأثر على بيع ما ليس عنده ، فإنّ المثبت في بيع ما عنده ـ أعني به ترتب الأثر المقصود ـ هو المنفيّ في بيع ما ليس عنده.

(١) الذي هو البيع بمعنى الاسم المصدري.

(٢) متعلق ب «ترتّب الأثر».

(٣) الأولى إبداله ب «ترتيب الأثر».

(٤) أي : بيع مال الغير فضولا.

__________________

(*) وقد نوقش في هذا الجواب بما حاصله : أنّ إطلاق النهي عن ترتيب الأثر المقصود يشمل كلتا صورتي إجازة العاقد الفضولي الذي صار مالكا فعليا لما باعه فضولا وعدم إجازته. ولا يكفي في صحة هذا العقد الفضولي العمومات الدالة على صحة العقود ، وذلك لأنّ المفروض خروج المورد من حين وقوعه عن حيّزها ، فلا معنى لشمولها له بعد ذلك. نظير بطلان العقد لفقد بعض الشرائط الأخر ، كعدم القدرة على التسليم ، فإذا باع متاعا لا يقدر على تسليمه فهل يصح ذلك البيع بعد أن صار قادرا على تسليمه؟ أو باع شيئا مجهولا ، وبعد مدّة صار معلوما.

والحاصل : أنّه إذا فرض شرطية مالكية المبيع لصحة البيع فلا محالة يكون فقدانها موجبا لوقوع البيع باطلا ، فلا تشمله عمومات الصحة ، فصحته بعد وجود الشرط تحتاج الى دليل. وأيّ فرق بين شرطية الملكية وبين سائر الشرائط ، كمعلوميّة العوضين والقدرة على التسليم ، وعدم الغرر ، فإنّ فقدانها حين العقد يوجب بطلانه دائما ، ولا يصحّ العقد بعد وجودها.

وبالجملة : فعقد الفضولي الواقع لنفسه لا للمالك لا يصح ، وإن اشتراه الفضولي بعد ذلك وأجاز.

٣١١

.................................................................................................

__________________

ويظهر من هذا البيان حال الأخبار الخاصّة ، فإنّ مقتضى إطلاقها أيضا بطلان البيع قبل الشراء ولو مع الإجازة. هذا بالنسبة إلى فرض المسألة.

وأمّا بالنسبة إلى مطلق الفضولي فعدم التزامنا ببطلانه إنّما هو لدعوى عدم شمول النهي له ، حيث إنّ ظاهر النهي عن بيع ما ليس عنده أو ليس ملكا له هو النهي عن بيعه لنفسه لا لمالكه ، فيكون مشمولا لعمومات الصحة كما يظهر من المصنف قدس‌سره أيضا. هذا ما أفيد (١).

ويمكن أن يقال : إنّ شرطية مالكية البائع للمبيع تكون في حال إضافة البيع بمعناه الاسم المصدري إليه ولو حصلت هذه الإضافة بعد إيجاب البيع ، ومن المعلوم أنّ عقد الفضول لا يضاف إلى العاقد الفضولي إلّا بعد الإجازة ، فلا يصير بائعا إلّا بعدها ، والمفروض أنّه في حال اتصافه بالبائعية يكون مالكا ، فتشمله عمومات صحة العقود.

وبعبارة أخرى : معنى «لا تبع ما ليس ملكا لك» هو اعتبار ملكية المبيع للبائع حين اتصافه بالبائعية ، ولا يحصل هذا الوصف له إلّا بالإجازة ، والمفروض كونه مالكا حينئذ ، فيتصف العاقد الفضولي بالبائعية بعد أن صار مالكا ، كما إذا باع زيد فضولا مال أبيه من عمرو يوم الجمعة ، ثم اشتراه من أبيه يوم السبت ، ثم أجاز في يوم الأحد بيعه الفضولي الواقع يوم الجمعة. فهذا العاقد الفضولي صار بائعا يوم الأحد ، بعد أن ملك المبيع يوم السبت ، فلا يصدق على هذا الفضول «أنّه باع مال الغير» حتى يندرج في عموم : لا تبع ما ليس عندك.

والحاصل : أنّه تفترق شرطية مالكية البائع للمبيع عن سائر الشرائط في أنّ سائر الشرائط شروط للصيغة ، ففقدانها حين العقد قادح في صحته ، ولا يجدي في صحته حدوثها بعد تحقق الصيغة.

فالنتيجة : أنّ بيع الفضولي الذي ملك المبيع فضولا ثم أجاز صحيح.

وتوهّم «كون العاقد الفضول بائعا حين العقد ، حيث إنّه باع لنفسه لا للمالك ، والمفروض أنّه في ذلك الزمان لم يكن مالكا ، فيشمله عموم : لا تبع ما ليس عندك ، إذ الاتصاف بالبائعية إنّما يكون حين العقد لا حين الإجازة ، فالبيع فاسد لا محالة» فاسد ، لمّا مرّ مرارا من أنّ حقيقة البيع هي مبادلة المالين ، وليس قصد كون البيع لزيد أو لعمرو مقوّما

__________________

(١) حاشية السيد الطباطبائي على المكاسب ، ج ١ ، ص ١٦٦.

٣١٢

ومنه (١) يظهر الجواب عن الأخبار ، فإنّها لا تدلّ ـ خصوصا (٢) بملاحظة قوله عليه‌السلام : «ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها» (٣) ـ إلّا على (٤) أنّ الممنوع منه هو الإلزام والالتزام من المتبايعين بآثار البيع المذكور قبل الاشتراء (٥) ، فكذا بعده (٦) ، من دون حاجة إلى إجازة ، وهي المسألة الآتية ، أعني لزوم البيع بنفس الاشتراء (٧) من دون حاجة إلى الإجازة (٨) ، وسيأتي أنّ الأقوى فيها (٩) البطلان.

______________________________________________________

(١) أي : ومن الجواب عن العمومات يظهر الجواب عن الأخبار الخاصة ، كصحيح منصور بن حازم ورواية يحيى بن الحجاج وغيرهما ، وقد تقدم آنفا بقولنا : «وأما الجواب الثاني فحاصله .. إلخ».

(٢) وجه الخصوصية : أنّ إيجاب البيع يوجب التزام المتبايعين بآثار البيع ، فالمنهى عنه هو البيع الذي يترتّب عليه الأثر من دون حاجة إلى إجازة مالك جديد.

(٣) كما في رواية يحيى بن الحجاج المتقدمة.

(٤) متعلق ب «لا تدل» والمستثنى منه محذوف ، أي : لا تدلّ الأخبار على شي‌ء إلّا على .. إلخ.

(٥) يعني : قبل اشتراء العاقد الفضولي المتاع ـ الذي باعه فضولا ـ من مالكه.

(٦) أي : بعد الاشتراء. والحاصل : أنّ المنهي عنه هو بيع الفضولي ، بمعنى التزام المتبايعين بآثار البيع ـ قبل الشراء من مالكه وبعد الشراء منه ـ من دون حاجة إلى إجازة ، بحيث يكون مجرّد تملّك العاقد الفضولي للمتاع كافيا في لزوم البيع.

(٧) أي : من دون اشتراء الفضولي لذلك المتاع.

(٨) أي : إجازة الفضولي الذي هو المالك الجديد.

(٩) أي : في المسألة الآتية ، وهي : ما لو باع الفضوليّ المتاع ثم اشتراه من مالكه ، فهل العقد الفضوليّ السابق كاف في الصحة؟ أم يحتاج إلى إجازة الفضولي الذي هو

__________________

لمفهوم البيع ، فقصد كون البيع لفلان لغو ، فإضافة البيع إلى شخص معيّن منوط بصيرورته مالكا ، كما أنّ العقد لا يكون عقدا للعاقد الفضول إلّا بعد الإجازة.

ومنه يظهر وجه الحاجة إلى إجازة العاقد الفضول إذا صار مالكا للمبيع الفضولي ، وعدم كفاية مجرّد صيرورته مالكا في صحة عقده الفضولي.

٣١٣

وما قيل (١) : «من أنّ تسليم البائع للمبيع بعد اشترائه إلى المشتري الأوّل (٢) مفروض في مورد الروايات (٣) ، وهي إجازة فعليّة» مدفوع (٤) بأنّ التسليم إذا وقع

______________________________________________________

المالك الجديد ، فلو لم يجز ذلك العقد الفضولي الأوّل لبطل ، لدخوله في مسألة «بيع مال الغير» الذي منع عنه بقوله عليه‌السلام : «لا تبع ما ليس عندك» و «لا بيع إلّا في ملك».

(١) القائل صاحب المقابس قدس‌سره أفاده في ردّ مناقشة الشهيد قدس‌سره في دلالة الأخبار المتقدمة على فساد بيع «من باع ثم ملك» قال المحقق الشوشتري : «وما يظهر من الشهيد من حمل نحو هذه الأخبار على ما إذا أراد اللزوم بمجرّد الانتقال ـ لا بالإجازة بعده ـ فبعده ظاهر ، فإنّه لو كانت الإجازة كافية لما نهي عن البيع قبل ذلك ، ولم يؤمر بفعله بعده. مع أنّ التسليم كان يحصل بعده ، وهو في حكم الإجازة ، لأنّها تحصل بالفعل كما تحصل بالقول» (١).

وتقريب ما نقله المصنف قدس‌سره عنه هو : أنّ الروايات الخاصة مع تضمنها للإجازة الفعلية ـ وهي تسليم البائع الفضولي المبيع إلى المشتري ـ منعت عن بيع الفضول مال الغير قبل تملكه له ، فيستفاد من الأخبار الخاصّة النهي عن بيع مال الغير وإن ملكه البائع بعد ذلك ، وأجاز البيع الفضولي.

(٢) وهو الذي اشترى المتاع من البائع الفضولي يوم الجمعة.

(٣) كما في مورد رواية عبد الله بن سنان ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتيني يريد منّي طعاما أو بيعا نسيئا ، وليس عندي ، أيصلح أن أبيعه إيّاه وأقطع له سعره ، ثم أشتريه من مكان آخر ، فأدفعه إليه؟ قال : لا بأس به» (٢). وكذا غيرها.

(٤) خبر «وما قيل» ودفع له ، توضيحه : أنّ الفعل وإن كان أحيانا إجازة كالقول ، لكن اتصافه بالإجازة منوط بكونه عن سلطنة واستقلال ، لأنّها من شؤون سلطنة الناس على أموالهم ، فلا بدّ أن تكون الإجازة مطلقا ـ فعلا أو قولا ـ صادرة عن إرادة واختيار ، لا عن الإكراه والإجبار.

وعليه فالتسليم إلى المشتري الأوّل إذا نشأ عن اعتقاد لزوم البيع السابق الواقع

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٧.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ٣٧٦ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود الحديث : ٢.

٣١٤

باعتقاد لزوم البيع السابق ، وكونه من مقتضيات لزوم العقد ، وأنّه (١) ممّا لا اختيار للبائع فيه ، بل يجبر عليه إذا امتنع ، فهذا (٢) لا يعدّ إجازة ، ولا يترتّب عليه أحكام الإجازة في باب الفضولي ، لأنّ (٣) المعتبر في باب الإجازة قولا وفعلا ما (٤) يكون عن سلطنة واستقلال ، لأنّ (٥) ما يدلّ على اعتبار طيب النفس في صيرورة مال الغير حلالا لغيره يدلّ (٦) على عدم كفاية ذلك (٧).

نعم (٨) يمكن أن يقال : إنّ مقتضى تعليل نفي البأس في رواية خالد

______________________________________________________

يوم الجمعة في المثال المفروض ـ وصيرورته مجبورا على التسليم إذا امتنع ـ لم يكن هذا التسليم أجازه في باب الفضولي ، إذا مع اعتقاد لزوم البيع ـ وكون لزوم التسليم من مقتضياته ـ لا يبقى له سلطنة واستقلال.

(١) هذا و «كونه» معطوفان على «لزوم» ومفسّران له.

(٢) جواب قوله : «إذا وقع» وجملة الشرط والجواب خبر قوله : «ان التسليم».

(٣) تعليل لقوله : «لا يعدّ اجازة» وقد مرّ توضيحه آنفا.

(٤) خبر «أن المعتبر» ، و «قولا أو فعلا» تمييزان للإجازة.

(٥) تعليل لقوله : «لأنّ المعتبر» ومحصّله : أنّ وجه اعتبار السلطنة والاستقلال في الإجازة هو دلالة دليل الإجازة على ذلك ، حيث إنّ ما يدلّ على اعتبار طيب النفس في حلية مال شخص لغيره كالصريح في ذلك ، فإن طيب النفس لا يحصل إلّا في ظرف عدم ملزم لمالك المال بالإجازة ، إذ مع وجوده لا يحصل طيب النفس ، بل قد تحصل الكراهة التي هي ضدّه.

(٦) خبر لقوله : «لأن ما يدل».

(٧) وهو تسليم البائع الفضولي المبيع ـ بعد اشترائه من مالكه الأصلي ـ إلى المشتري باعتقاد لزوم البيع السابق ، وكون التسليم واجبا عليه ، لأنّه من مقتضياته.

(٨) استدراك على ما أفاده في الجواب عن استدلال صاحب المقابس بالأخبار ، وحاصل الاستدراك : أنّ الامام عليه الصلاة والسلام علّل نفي البأس في رواية خالد بن الحجاج بقوله : «أليس إن شاء أخذ ، وأشاء ترك» وهذا التعليل ظاهر في ثبوت البأس والمنع في البيع المتحقق بين السمسار والمشتري منه ، بحيث لو كان المشتري ملزما بأخذ

٣١٥

المتقدّمة (١) «بأنّ (٢) المشتري إن شاء أخذ وإن شاء ترك» ثبوت (٣) البأس في البيع السابق بمجرّد لزومه على الأصيل. وهذا (٤) محقّق فيما نحن فيه (٥) ، بناء (٦) على ما تقدّم (٧) من أنّه ليس للأصيل في عقد الفضوليّ فسخ المعاملة (*) قبل إجازة المالك أو ردّه.

______________________________________________________

الثوب ـ ولم يكن له الخيار بين الأخذ والترك ـ لكان فاسدا.

وهذا المطلب محقّق في مسألة «من باع ثم ملك» فيكون باطلا ، وذلك لما تقرّر في ثمرات الكشف والنقل من أنّ الأصيل لا يجوز له رفع اليد عمّا أنشأه مع الفضول ، بل عليه التربص إلى أن يجيز المالك أو يرد. وحيث إنّ المشتري من الفضولي في مسألة «من باع» ملزم شرعا بالبقاء على مضمون العقد ومقتضاه ، كان مفهوم قوله عليه‌السلام : «إن شاء أخذ وإن شاء ترك» دالّا على وجود البأس فيه ، فيبطل بيعه.

والحاصل : أنّ إلزام الأصيل بالوفاء ـ في الفترة بين العقد والإجازة ـ يوجب بطلان البيع ، لانتفاء مشيئة الأخذ والترك ، هذا.

(١) وهي رواية خالد بن الحجاج المتقدمة في (ص ٣٠٥).

(٢) متعلّق ب «تعليل».

(٣) خبر «إن مقتضي» أي : ثبوت البأس في البيع السابق الفضولي بمجرّد لزومه على المشتري الأصيل.

(٤) أي : وثبوت البأس محقّق في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه».

(٥) وهو بيع الفضول مال الغير وتملّكه له ، وإجازته لما باعه فضولا.

(٦) علّة لثبوت البأس فيما نحن فيه.

(٧) تقدّم ذلك في (ص ١١٩) بقوله : «والحاصل أنّه إذا تحقق العقد فمقتضى العموم .. إلخ».

__________________

(*) لكن ينافيه قوله : «أليس إن شاء أخذ ، وإن شاء ترك» حيث إنّه نصّ على عدم اللزوم من طرف الأصيل ، وعدم نفوذ المعاملة إذا لم يتمكن المشتري من ردها وقبولها.

٣١٦

لكنّ (١) الظاهر ـ بقرينة النهي (٢) عن مواجبة البيع في الخبر المتقدّم ـ إرادة اللزوم من الطرفين.

والحاصل (٣) : أنّ دلالة الروايات عموما وخصوصا على النهي عن البيع قبل الملك ممّا (٤) لا مساغ لإنكاره ، ودلالة (٥) النهي على الفساد أيضا ممّا لم يقع فيها المناقشة في هذه المسألة (٦). إلّا (٧) أنّا نقول : إنّ المراد بفساد البيع هو عدم ترتّب

______________________________________________________

(١) استدراك على قوله : «نعم» وردّ له ، وحاصله : أنّ جملة «إن شاء ترك وإن شاء أخذ» وإن كانت ظاهرة في إناطة صحة البيع بعدم لزوم البيع على الأصيل ، بحيث لو كان لازما عليه كان فيه البأس ، فيشكل الأمر حينئذ في مسألة «من باع ثم ملك». إلّا أنّ السؤال عن شراء الثوب ورد في رواية يحيى بن الحجاج أيضا ، وقد نهى عليه‌السلام فيها عن المواجبة ، لقوله : «ولا تواجبه البيع».

ومن المعلوم ظهور باب المفاعلة في أنّ المنهي عنه هو إنشاء البيع اللازم من الطرفين ، لا من طرف واحد ، وهو المشتري الأصيل الذي اشترى المتاع من البائع الفضولي كما في المقام ، لكون اللزوم من طرف الأصيل فقط. وأمّا من طرف الفضولي فلا لزوم فيه ، فليس مشمولا للرواية حتى تدلّ على فساد البيع.

(٢) قرينيته إنّما هي لكون المواجبة ـ الواقعة في رواية يحيى المتقدمة ـ من باب المفاعلة الدالّة على اعتبار الالتزام من الطرفين.

(٣) يعني : وحاصل الكلام في مسألة «من باع مال الغير فضولا ثم ملكه وأجاز» هو : أنّ دلالة الروايات العامة ـ كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تبع ما ليس عندك» والروايات الخاصة ، وهي رواية يحيى بن الحجاج وغيرها المذكورة في (ص ٣٠٨ ـ ٣٠٤) على النهي عن بيع شي‌ء قبل تملكه ممّا لا ينبغي إنكاره ، كما أنه لا مجال لإنكار دلالة النهي على الفساد أيضا. وعليه فيكون بيع الفضولي في المقام فاسدا غير قابل للتصحيح.

(٤) خبر «أن دلالة» ، وقوله : «على النهي» متعلق ب «دلالة».

(٥) معطوف على «دلالة» والمراد بالنهي هو النهي الوارد في الأخبار العامة والخاصة.

(٦) وهي مسألة بيع الفضول الذي ملك ما باعه فضولا بالشراء أو غيره ، وأجاز.

(٧) غرضه أنّ تعلق النهي بيع الفضول مال الغير ، ودلالة النهي على الفساد وإن كان كلاهما ممّا لا يقبل الإنكار ، إلّا أنّ معنى الفساد ليس هو كون البيع كالعدم بحيث

٣١٧

ما يقصد منه عرفا من الآثار ، في مقابل الصحّة التي هي إمضاء الشارع لما يقصد عرفا من إنشاء البيع. مثلا (١) لو فرض حكم الشارع بصحّة بيع الشي‌ء قبل تملّكه على الوجه (٢) الذي يقصده أهل المعاملة ـ كأن (٣) يترتّب عليه (٤) بعد البيع النقل (٥) والانتقال ، وجواز تصرّف البائع في الثمن ، وجواز مطالبة المشتري البائع بتحصيل

______________________________________________________

لا يترتب عليه أثر أصلا وإن لحقته الإجازة من مالكه ، بل معناه عدم ترتب الأثر المقصود كالنقل والانتقال في البيع ، في مقابل الصحة التي هي إمضاء الشارع لما يقصد عرفا من الآثار.

فالصحة والفساد يعرضان البيع الموجود ، نظير صحة الثمر وفساده ، فإنّ الثمر مثلا يتصف بالصحة والفساد. بخلاف الصلاة بناء على وضعها للصحيح ، فإنّ فسادها عبارة عن عدمها. لكنّ اتّصاف المعاملة بالصحة والفساد لا بدّ أن يكون باعتبار السبب دون المسبب ، لدورانه بين الوجود والعدم ، فإنّ الملكية مثلا إمّا موجودة وإمّا معدومة.

إلّا أن يقال بتصور الصحة والفساد في المعنى الاسمي المسببي أيضا باختلاف الأنظار كما تقدم في أوّل البيع ، فراجع (١).

(١) غرضه من هذا التمثيل بيان معنى الفساد الذي يقتضيه النهي في مثل «لا تبع ما ليس عندك» وتقريبه : أنّ الفساد مقابل الصحة ، والمراد بصحة بيع الفضولي ما لا يملكه هو ترتيب أحكام البيع عليه من النقل والانتقال في الملكية ، وتسليم المثمن إلى المشتري بعد تحصيله ، وهكذا. والمراد بالفساد عدم ترتب الأثر عليه فعلا ، لعدم كون البائع مالكا بالفعل. وهذا لا ينافي صحته التأهلية وقابلية العقد للصحة الفعلية بلحوق الإجازة. وليس المراد بالفساد ما استفاده صاحب المقابس قدس‌سره من عدم قابليته للتأثير بوجه أصلا حتى لو لحقته الإجازة.

(٢) متعلق ب «بصحة» والمراد بالصحة على الوجه المقصود للمتبايعين هو الإمضاء.

(٣) الظاهر أنّه بيان لإمضاء الشارع مقصود المتعاملين.

ويحتمل أن يكون «كان» بصيغة الماضي ليكون جوابا للشّرط في قوله : «لو فرض».

(٤) أي : على البيع ، وقوله : «النقل» فاعل «يترتب».

(٥) هذا وما بعده هو الوجه الذي يقصده أهل المعاملة من البيع.

__________________

(١) لاحظ هدى الطالب ، ج ١ ، ص ٣٠٩ ـ ٣١٠.

٣١٨

المبيع من (١) مالكه وتسليمه (٢) ، وعدم (٣) جواز امتناع البائع بعد تحصيله عن تسليمه (٤) ـ ففساد (٥) البيع بمعنى عدم ترتّب جميع ذلك (٦) عليه ، وهو (٧) لا ينافي قابليّة العقد للحوق الإجازة من مالكه حين العقد أو ممّن يملكه بعد العقد. ولا يجب (٨) على القول بدلالة النهي على الفساد وقوع المنهي عنه لغوا غير مؤثّر أصلا (٩) ،

______________________________________________________

(١) متعلق ب «بتحصيل» وهو متعلق ب «مطالبة». وضميرا «مالكه ، تسليمه» راجعان إلى «المبيع».

(٢) معطوف على «تحصيل».

(٣) معطوف على «جواز» وضميرا «تحصيله ، تسليمه» راجعان الى «المبيع».

(٤) هذا و «بعد تحصيله» متعلقان ب «امتناع».

(٥) هذا إمّا جواب «لو فرض» واقترانه بالفاء لكون الجواب جملة اسميّة ، وإمّا متفرع على ما أفاده من الصحة التي هي حكم وضعي ، ومعناها ترتب الآثار الشرعية ـ من النقل والانتقال ، وجواز تصرف البائع في الثمن ، والمشتري في المبيع ـ على العقد. فمعنى الفساد الذي هو مقابل الصحة عبارة عن عدم ترتب تلك الآثار على البيع.

(٦) أي : عدم ترتب جميع تلك الآثار ـ من النقل والانتقال وجواز تصرف البائع في الثمن ، وغير ذلك ـ على البيع.

(٧) أي : والفساد بهذا المعنى ـ وهو عدم ترتب الآثار من النقل والانتقال وغير ذلك على البيع ـ لا ينافي قابلية العقد للحوق الإجازة من مالكه حين العقد أو ممّن يملكه بعد العقد كالفضولي الذي يبيع مال الغير ثم يتملكه بالشراء أو غيره ، ويجيز ذلك البيع الفضولي.

(٨) لعلّ الأولى تبديل الواو بالفاء ، كما في قوله : «ففساد» ، حيث إنّ «ولا يجب» بعد بيان المراد بالفساد كالنتيجة ، وحاصله : أنّ الفساد بالمعنى المزبور لا يستلزم أن يراد بالفساد المدلول عليه بالنهي لغوية البيع المنهي عنه في مثل «لا تبع ما ليس عندك» ووقوعه غير مؤثر أصلا حتى مع لحوق إجازة من له الإجازة به.

(٩) يعني : حتى مع إجازة من له ولاية الإجازة كمالكه حين العقد ، أو مالكه بعد العقد.

٣١٩

كما يستفاد (١) من وجه دلالة النهي على الفساد ، فإنّ حاصله دعوى دلالة النهي على إرشاد المخاطب ، وبيان أنّ مقصوده من الفعل المنهيّ عنه ـ وهو (٢) الملك والسلطنة من الطرفين ـ لا يترتّب عليه ، فهو غير مؤثّر في مقصود المتبايعين ، لا (٣) أنّه لغو من جميع الجهات ، فافهم (٤).

اللهم (٥) إلّا أن يقال : إنّ عدم ترتّب جميع مقاصد المتعاقدين على عقد بمجرّد إنشائه مع وقوع مدلول ذلك العقد في نظر الشارع مقيّدا بانضمام بعض الأمور

______________________________________________________

(١) يعني : كما يستفاد عدم المنافاة بين فساد البيع بالمعنى المذكور وبين قابلية العقد للحوق الإجازة من وجه دلالة النهي على الفساد ، وذلك الوجه هو ما أفاده بقوله : «فإنّ حاصله» من دعوى دلالة النهي في مثل «لا تبع ما ليس عندك» على إرشاد المخاطب إلى أنّ مقصوده من البيع المنهي عنه ـ وهو النقل والانتقال ـ لا يترتب عليه ، ولا يؤثر هذا البيع في مقصود المتبايعين. لا أنّ هذا البيع المنهي عنه لغو من جميع الجهات حتى لا يكون قابلا لإجازة من له ولاية الإجازة.

(٢) أي : مقصود المخاطب ، وضمير «حاصله» راجع إلى «وجه».

(٣) معطوف على «أن مقصوده». والضمائر في «أنه ، عليه ، فهو» راجعة إلى الفعل المنهي عنه.

(٤) لعلّه إشارة إلى عدم الفرق في دلالة النهي بين ما نحن فيه وسائر المقامات ، ومن المعلوم أنّه في سائر الموارد ـ كبيع المجهول والبيع الربويّ ـ يدلّ على الفساد المطلق ، وعدم الصحة الفعلية والتأهلية ، فلا بدّ أن يكون كذلك فيما نحن فيه أيضا.

(٥) هذا عدول عمّا أفاده ـ من عدم دلالة النهي في الأخبار العامة والخاصة على فساد بيع الفضوليّ مال غيره لنفسه ، وتملكه بعد البيع لذلك المال ، وإجازته للبيع ـ إلى دلالة النهي في تلك الأخبار على الفساد ، كدلالته على الفساد في سائر الموارد.

تقريب وجه العدول : أنّ النهي المطلق الظاهر في البطلان المطلق لا يلائم صحة الفعل المنهي عنه مقيّدا بشرط كالإجازة فيما نحن فيه ، بل المناسب أن يكون النهي مقيّدا ، بأن يقال : «لا تبع مال الغير إلّا مع إجازته» أو «لا تبع مال الغير إذا لم يجز مالكه». فإطلاق النهي وعدم تقييده يدلّ على بطلان هذا البيع مطلقا بحيث لا يقبل الإجازة ،

٣٢٠