هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

قبل مراجعة المرتهن ، فإنّه لا حاجة (١) إلى الإجازة كما صرّح به في التذكرة (١) (٢).

______________________________________________________

(١) إذ الاحتياج إلى الإجازة إنّما هو لإسناد العقد إلى المالك ، وإضافته إليه ، أو لتحقيق رضاه بالعقد. وكلاهما مفروض الوجود ، لصدور العقد من المالك برضاه ، ولا مانع من صحته إلّا تعلق حق الغير ، فإذا زال المانع بزوال سببه بأداء الدين أو الإبراء أثّر المقتضي أثره ، لعموم أدلة السببية.

(٢) قال في كتاب البيع منها : «ولو باع ولم يعلم المرتهن ، ففكّ لزم البيع ، لانتفاء المعارض. ومن أبطل بيع الفضولي لزم الابطال هنا».

__________________

المرهونة بوصف المرهونية ، كبيع العين المستأجرة.

وثانيا : أنّ المنافاة ـ بعد تسليمها ـ تختص بالكشف الحقيقي دون الحكمي ، فلا مانع من كشف الإجازة عن صحة البيع بعد الفك.

وبالجملة : فيمكن جريان نزاع الكشف في الإجازة بناء على الاحتياج إليها في بيع المالك ماله الذي تعلّق به حق الغير.

وأمّا جريان نزاع الكشف والنقل في فكّ الحقّ بناء على صحة البيع بمجرّد الفك ، وعدم الحاجة بعده إلى الإجازة ، ففيه خلاف. والظاهر جريانه فيه أيضا بناء على كون مضمون العقد حصول النقل من حين صدوره ، ومانعه وهو الرهن إذا ارتفع حصل الانتقال من حين العقد ، وهو لا ينافي حقّ الرهانة كما أشرنا إليه آنفا.

ونظير حق الرهانة حق الغرماء ، فيجري فيه ما تقدم في حرق الرهانة.

وأمّا إذا كان المانع السفه فيجري فيه نزاع الكشف ، إذ لا يصحّ العقد إلّا بصدوره ممّن له السلطنة على العقد ، ويتوقف صدوره من السلطان على الإجازة ، فيصح النزاع في أنّ الإجازة كاشفة عن حصول النقل من زمان العقد أو من حين الإجازة.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٥ ، السطر ٣٤ ، (الطبعة الحديثة ، ج ١٠ ، ص ٤٢) ونحوه ج ٢ ، ص ٥٠ ، السطر ١٦.

٢٤١

الثانية (١):

أن يتجدّد الملك بعد العقد ، فيجيز المالك الجديد ، سواء أكان هو البائع (٢) أم غيره.

لكنّ عنوان المسألة (٣) في كلمات القوم هو الأوّل ، وهو ما لو باع شيئا ثمّ ملكه.

______________________________________________________

المسألة الثانية : عدم جواز تصرف المجيز لعدم الملك

(١) أي : المسألة الثانية من المسائل الثلاث المتعلقة بالمجيز ، وهي ما لو كان عدم جواز تصرف العاقد لأجل عدم المقتضي ، وهو عدم الملكية ، وتجدّد الملك بعد العقد الفضولي ، والعقد إما بقصد وقوعه لنفس العاقد ، وإمّا لغيره.

(٢) أي : سواء أكان المالك الجديد هو البائع الفضولي أم غيره. فمثال الأوّل أن يبيع زيد فضولا مال عمرو ، ثم صار مالكا له قبل أن يجيز زيد. وتملكه له إمّا بسبب قهري كالإرث ، أو اختياريّ كالشراء ، فهل يصح البيع لو أجاز زيد بعد التملك أم لا؟ ففرض المسألة هنا كون المجيز ـ وهو المالك الجديد ـ نفس البائع الفضولي.

ومثال الثاني ـ وهو مغايرة البائع للمجيز ـ أن يبيع زيد مال عمرو ، فينتقل المال إلى ابنه بالإرث أو بالشراء ، فهل تمضي إجازة الابن للبيع الواقع فضولا على مال أبيه ، أم لا؟ والمسألة ذات أقوال ثلاثة كما يظهر من المتن والمقابس (١) أيضا ، وسيأتي نقلها.

(٣) كقول المحقق في عبارته الآتية في المتن : «كما لو باع مال غيره ثم اشتراه» ، وكقول العلّامة : «لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها ويمضي ليشتريها ويسلّمها» (٢) ، وكقول الشهيد قدس‌سره : «وكذا ـ يعنى يصح البيع ـ لو باع ملك غيره ثم انتقل إليه فأجاز .. إلخ» (٣).

والحاصل : أنّ محلّ الكلام في هذه المسألة صيرورة البائع الفضولي مالكا للمبيع بعد البيع ، فلو لم يملكه كان خارجا عن حريم البحث.

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٥ و ٣٦.

(٢) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٦٣ ، السطر ٥ و ٤٨٦ ، السطر ١٨ (الطبعة الحديثة ج ١٠ ، ص ٦١٦ ، ونحوه في ص ٢١٩) ، قواعد الأحكام ، ج ٢ ، ص ١٩ ، مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٥.

(٣) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٣.

٢٤٢

وهذه (١) تتصوّر على صور (٢) ، لأنّ غير المالك إمّا أن يبيع لنفسه أو للمالك (٣) ، والملك إمّا أن ينتقل إليه باختياره كالشراء ، أو بغير اختياره كالإرث (٤). ثمّ البائع (٥) الذي يشتري الملك إمّا أن يجيز العقد الأوّل (٦) ، وإمّا أن لا يجيزه ، فيقع

______________________________________________________

(١) أي : المسألة الثانية ، وهي : ما لو باع شيئا ثمّ ملكه بسبب اختياري كالشراء ونحوه من النواقل الاختيارية ، أو بسبب قهريّ كالإرث أو الارتداد.

(٢) وهي ثمانية حاصلة من ضرب اثنتين ـ وهما بيع غير المالك لنفسه وللمالك ـ في صورتين ، وهما : انتقال الملك إلى البائع قهرا واختيارا ، ثم ضرب هذه الصور الأربع في اثنتين ، وهما إجازة البائع الفضولي الذي ملك المبيع بالشراء ، وعدم إجازته. فهذه صور ثمان ، وإليك تفصيلها.

الأولى : أن يبيع الفضولي لنفسه ، ثم يملك المبيع بالشراء ، فأجاز البيع.

الثانية : أن يبيع الفضولي لنفسه ، ثم يملك المبيع بالإرث ، فأجاز البيع.

الثالثة : أن يبيع الفضولي للمالك ، ثم يملك المبيع بالشراء ، فأجاز البيع.

الرابعة : أن يبيع الفضولي للمالك ، ثمّ يملك المبيع بالإرث ، فأجاز البيع.

الخامسة : أن يبيع الفضولي لنفسه ، ثمّ يملك المبيع بالشراء ولم يجز البيع.

السادسة : أن يبيع الفضولي لنفسه ، ثمّ يملك المبيع بالإرث ولم يجز البيع.

السابعة : أن يبيع الفضولي للمالك ، ثم يملك المبيع بالشراء ولم يجز البيع.

الثامنة : أن يبيع الفضولي للمالك ، ثم يملك المبيع بالإرث ولم يجز البيع.

(٣) هذا الكلام إشارة إلى الصورتين الأوليين.

(٤) هاتان هما اللتان ضربت فيهما الصورتان الأوليان.

(٥) هذا إشارة إلى صورتين ضربت فيهما الصور الأربع المتقدمة. وهذا الضرب أنتج الصور الثمان المذكورة فيما عنونه القوم ، وهو ما لو باع شيئا ثم ملكه. وأمّا ما عداها من الصور التي ذكرها الشيخ العلّامة الشهيدي رحمه‌الله (١) فهو خارج عن عنوان القوم كما لا يخفى.

(٦) وهو العقد الذي أنشأه الفضولي ، وصار المبيع بعده ملكا له.

__________________

(١) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب ، ص ٢٩٧.

٢٤٣

الكلام في وقوعه للمشتري الأوّل (١) بمجرّد شراء البائع له.

والمهمّ هنا التعرّض لبيان ما لو باع لنفسه (٢) ، ثمّ اشتراه من المالك وأجاز ، وما (٣) لو باع واشترى ولم يجز (٤) ، إذ (٥) يعلم حكم غيرهما منهما.

أمّا المسألة الأولى (٦) : فقد اختلفوا فيها ،

______________________________________________________

(١) وهو الذي اشترى المبيع من البائع الفضولي ، كما إذا فرضنا أنّ زيدا باع فضولا كتاب أبيه من بكر ، ثم انتقل الكتاب إليه من أبيه بسبب الشراء ، فيقع الكلام في أنّ مجرّد انتقال الكتاب إلى زيد بالشراء من أبيه هل يوجب وقوع البيع الفضولي لبكر أم لا؟ والمهمّ هنا التعرض لحكم صورتين : إحداهما ما لو باع لنفسه ، ثم اشتراه من مالكه وأجاز.

ثانيتهما : ما لو باع لنفسه ثمّ اشتراه من مالكه ، ولم يجز بيعه الفضوليّ.

(٢) هذا إشارة إلى الصورة الأولى المتقدمة بقولنا : «إحداهما ما لو باع .. إلخ».

(٣) معطوف على «ما لو باع» وهذا إشارة إلى الصورة الثانية التي تقدمت بقولنا : «ثانيتهما : ما لو باع لنفسه ثم اشتراه .. إلخ».

(٤) ضمائر الفاعل المستترة في «باع ، اشترى ، يجز» راجعة إلى البائع الفضولي.

(٥) تعليل لقوله : «والمهمّ» وعلّيّة أهمّيته هي كون هاتين الصورتين كالأصل لسائر الصور ، لسببيتهما لمعرفة أحكام سائر الصور ، حيث إنّ صحة البيع لنفسه تستلزم صحة البيع للمالك بالأولوية.

حكم ما لو باع الفضولي ثم اشتراه فأجاز

(٦) وهي «ما لو باع لنفسه ، ثم اشتراه من المالك وأجاز» وقد اختلف الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم في حكمها ، وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى. والمنقول في المتن أقوال ثلاثة :

أحدها : الصحة من دون توقّفها على إجازة البائع بعد تجدد الملك له ، وهو المستفاد من كلام شيخ الطائفة في بيع المال الزكوي قبل إخراج الزكاة منه إذا غرم حصة الفقراء بعد البيع.

وثانيها : للمحقق والشهيد من صحته وتوقفه على الإجازة.

وثالثها : البطلان ، وهو لجماعة كالعلّامة والمحقق الثاني ، وصاحبي الجواهر والمقابس.

٢٤٤

فظاهر المحقّق (١) في باب الزكاة من المعتبر ـ فيما إذا باع المالك النصاب قبل إخراج الزكاة ، أو رهنه (٢) ـ «أنّه (٣) صحّ البيع والرّهن فيما عدا الزكاة ، فإن اغترم (٤) حصّة الفقراء ، قال الشيخ : صحّ البيع والرهن (٥) ،

______________________________________________________

(١) الأولى نقل نص عبارة المحقق ، وهي : «مسألة : لو باع النصاب قبل إخراج الزكاة ، أو رهنه ، صحّ في ما عدا الزكاة ، فإن اغترم حصة الفقراء ، قال الشيخ رحمه‌الله صحّ الرهن في الجميع ، وكذا البيع. وفيه إشكال ، لأنّ العين غير مملوكة له. وإذا أدّى العوض ملكها ملكا مستأنفا ، وافتقر بيعها إلى إجازة مستأنفة ، كمن باع مال غيره ثم اشتراه» (١).

(٢) معطوف على «باع» ، وتقريب هذا الفرع الذي هو مثال لما نحن فيه ـ من : أنّ الفضولي يبيع مال غيره لنفسه ، ثم يشتريه من المالك ـ هو : أنّ مالك النصاب ليس مالكا للزكاة ، ومع ذلك يبيعها لنفسه مع ماله. قال المحقق قدس‌سره : إنّ البيع والرهن صحيحان في ماله ، ولا يصحّان في الزكاة ولو أدّى الزكاة من مال آخر.

وقال الشيخ قدس‌سره : إنّ كلا البيع والرهن صحيح بلا إجازة. ولكن استشكل فيه المحقق بما حاصله : أنّ الزكاة مملوكة للفقراء ، فإذا أدّاها المالك من مال آخر فقد ملكها ملكا جديدا ، واحتاج انتقالها إلى المشتري إلى إجازة المالك البائع للنصاب ، لأنّ بيع النصاب كان بالنسبة إلى الزكاة فضوليّا.

(٣) «إنّ» مع اسمها وخبرها خبر لقوله : «فظاهر المحقق» يعني : فظاهر المحقق صحة البيع والرهن فيما عدا الزكاة ، ولا موجب لتقدير الخبر كما في بعض الحواشي (٢) ، فهذا نظير قولك : «صاحب هذه الدار أنّه صديقي» فهي جملة مستقلّة اسميّة من دون تقدير خبر أصلا.

(٤) يعني : فإن أدّى البائع المالك للنصاب حصة الفقراء إليهم فقد ملكها.

(٥) يعني : صحّ البيع والرّهن في تمام النصاب. فمجرّد انتقال حصة الفقراء ـ بدفع بدلها إليهم ـ إلى بائع النصاب يوجب صحة بيعها ورهنها ، ويكون من صغريات «من باع شيئا ثمّ ملكه» حيث إنّ مالك النصاب باع جميع النصاب ـ ومنه حصة الفقراء ـ

__________________

(١) المعتبر ، ص ٢٧٦ (الطبقة الحجرية) ج ٢ ، ص ٥٦٣ (الطبعة الحديثة).

(٢) حاشية المكاسب للسيد الطباطبائي قدس‌سره ، ج ١ ، ص ١٦٢.

٢٤٥

وفيه (١) إشكال ، لأنّ العين (٢) مملوكة ، وإذا أدّى العوض ملكها ملكا مستأنفا ، فافتقر بيعها إلى إجازة مستأنفة (٣) كما لو باع مال غيره ثمّ اشتراه (٤)»

______________________________________________________

لنفسه ، وبعد دفع حصّتهم إليهم من سائر أمواله صارت ملكا له ، واندرج مالك النصاب بالنسبة إلى الزكاة في «من باع شيئا ثمّ ملكه».

والأولى نقل كلام الشيخ الطائفة ، قال قدس‌سره : «إذا وجبت الزكاة في ماله ، فرهن المال قبل إخراج الزكاة منه ، لم يصحّ الرهن في قدر الزكاة ، ويصحّ فيما عداه. وكذلك الحكم لو باعه صحّ فيما عدا مال المساكين ، ولا يصحّ فيما لهم. ثمّ ينظر ، فإن كان الرهن (١) مال غيره وأخرج حق المساكين منه سلم الرهن جميعه ، وكذلك البيع» (٢).

(١) هذا كلام المحقق يعني : وفيما قاله الشيخ ـ من صحة البيع والرهن ـ إشكال ، وهذا الإشكال هو الذي مرّ آنفا بقولنا : «إنّ الزكاة مملوكة للفقراء .. إلخ».

(٢) أي : الزكاة مملوكة للفقراء ، وليست ملكا للبائع حتى لا يحتاج بيعها أو هبتها إلى إجازة ، ويكون بيع تمام النصاب كافيا في صحة بيعها.

هذا بناء على ما نقله المصنف من مضمون كلام المحقق ، وإلّا فعبارته المتقدمة هي : «لأن العين غير مملوكة له». والمعنى : أن العين ـ بناء على الإشاعة أو الكلّي في المعيّن ـ غير مملوكة للبائع بتمامها حتى ينفذ بيع جميع المال ، ولا يحتاج إلى إجازة جديدة.

(٣) لفظ «المستأنف» في كلا الموردين لا يخلو من المسامحة ، لأنّ كلمة الاستيناف تستعمل ـ كسائر موارد استعمالها ـ في دخول مال في ملك إنسان بعد خروجه عن ملكه. ومن المعلوم عدم كون الزكاة كذلك ، لأنّها لم تكن سابقا ملكا للمالك حتى يتجدد ملكه لها. فلعلّ الأولى أن يقال : «وإذا أدّى العوض من ماله الآخر صارت الزكاة ملكا له ، فافتقر بيعها إلى إجازة».

(٤) غرضه تنظير بيع الزكاة ببيع مال آخر من الأموال المملوكة لأشخاص ، كما إذا باع مال زيد فضولا ، فكما يتوقف صحة بيعه على إجازة زيد ، فكذلك يتوقف صحة بيع

__________________

(١) كذا في النسخة المطبوعة ، والظاهر أن الصحيح : «فإن كان للراهن مال غيره».

(٢) المبسوط ، ج ١ ، ص ٢٠٨.

٢٤٦

انتهى (١).

بل يظهر (٢) ممّا حكاه عن الشيخ : عدم الحاجة إلى الإجازة ، إلّا (٣) أن يقول

______________________________________________________

حصة الفقراء على الإجازة من وليّ أمرها أو ممّن يشتريها.

(١) يعني انتهى كلام المحقق قدس‌سره في المعتبر.

(٢) يستفاد هذا الظهور من إطلاق قوله : «صح البيع والرهن» مع كونه في مقام البيان. ولعل الوجه في الإتيان بكلمة «بل» التنبيه على خصوصية في نظر شيخ الطائفة ، وهي : أنّه وإن وافق المحقق قدس‌سرهما في صحة بيع حصة الفقراء إذا دفع إليهم حصتهم من سائر أمواله ، ولكنه زاد عليه باستغناء بيعه عن إجازته بعد تملك الزكاة.

وهذه الفتوى ـ بناء على عدم تعلق الخمس والزكاة بالعين كما هو بعض المباني في كيفية تعلقهما بالمال ـ صحيحة ، ولا يرد عليها إشكال المحقق. نعم يرد عليها بناء على تعلقهما بالعين بأحد النحوين ـ من الإشاعة والكلي في المعين ـ كما أشار إليه المحقق قدس‌سره بقوله : «لأنّ العين مملوكة».

وبالجملة : فالمحقق يقول بصحة البيع مع الإجازة ، والشيخ ـ بناء على استظهار المحقق ـ يقول بالصحة بدون الإجازة.

(٣) هذا استدراك على قول المحقق : «وفيه إشكال» وحاصل الاستدراك : أنّ إشكال المحقق على شيخ الطائفة قدس‌سرهما مبني على تعلق الزكاة بالعين إمّا بنحو الإشاعة ، وإمّا بنحو الكلّي في المعيّن. دون المبنى الآخر وهو تعلّقها بذمته ، إذ على هذا المبنى يندرج بيع المال الزكوي في المسألة السابقة ، وهي كون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة ، مع عدم كونه جائز التصرف حال العقد.

والوجه في كون هذا البيع من صغريات تلك المسألة : أنّ عين المال الزكوي خالصة للمالك ، لفرض استقرار حصة الفقراء على عهدته ، فليس المال مشاعا بينه وبين الأصناف ، ولا لهم سهم فيه على نحو الكلّي في المعيّن ، بل يجب على المالك أداء الزكاة ، كوجوب أداء سائر الديون لتفريغ ذمته منها.

وبناء على هذا تكون الزكاة نظير الرهن ، فكما يجوز للمرتهن استيفاء الدين ببيع العين المرهونة لو امتنع الراهن عن أداء ما في ذمّته. فكذا يجوز للمستحقين استيفاء الزكاة

٢٤٧

الشيخ بتعلّق الزكاة بالعين ، كتعلّق الدين بالرّهن (١) ، فإنّ الراهن إذا باع ففكّ الرهن قبل مراجعة المرتهن (٢) لزم ، ولم يحتج إلى إجازة مستأنفة (*).

______________________________________________________

واستنقاذها من أموال المالك الممتنع عن أداء الحقّ. وعليه فبيع المال الزكوي ، ثم دفع حصة الفقراء صحيح ، ولا يتوقف على الإجازة. كما يصح للراهن بيع الرهن ثم فكّه بأداء الدين بلا حاجة إلى إجازة جديدة. هذا بناء على تعلّقها بالدين.

ولكن القول المشهور تعلق الزكاة بالعين ، إمّا بنحو الإشاعة ، وإما بنحو الكلّي في المعيّن. وتظهر الثمرة بينهما في تلف مقدار من المال ، إذ التالف يحسب على المالك والفقراء ـ بالنسبة ـ بناء على الإشاعة ، وعلى المالك خاصة بناء على الكلي في المعيّن لو بقي من المال مقدار الزكاة.

ويحتمل كون الزكاة بأحد وجهين آخرين ، وهما : كونها بنحو تعلّق حق الرهانة بالعين المرهونة ، وبنحو تعلق حقّ الجناية برقبة العبد الجاني. والتفصيل موكول إلى محلّه.

(١) فإنّ الدين يكون في ذمة المديون مع كون العين المرهونة وثيقة للدين ، بمعنى : أنّ للمرتهن استيفاء دينه منها ، كما أنّ الزكاة تتعلّق بالذمة ، وللفقير استيفاء الزكاة من النصاب ، فليست الزكاة جزءا من النصاب حتى يكون النصاب مشتركا بين المالك والفقير ، ويحتاج بيع الزكاة إلى الإجازة.

(٢) إذ لا يترتب أثر على الفكّ بعد المراجعة إلى المرتهن والاستيذان منه لبيع العين المرهونة.

__________________

(*) لكن يعارضه ما نقله صاحب المقابس عنه من حكمه ببطلان بيع ما لا يملك ، فلاحظ قوله في المبسوط : «لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها ، ثم يشتريها ويسلّمها إلى المشتري» واحتمل صاحب المقابس استناد حكمه بالبطلان على مختاره من فساد البيع الفضولي ، حيث إنّ الخلاف في مسألة «من باع ثم ملك» يكون بعد تسلّم صحته. (١)

ولعلّ ما ذهب إليه شيخ الطائفة في مسألة بيع الزكاة واستغنائه عن الإجازة بعد دفع حصة الفقراء تعبّد مستند إلى النص ، وهو صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : «قلت

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٦.

٢٤٨

وبهذا القول (١) صرّح الشهيد رحمه‌الله في الدروس (٢) ، وهو (٣) ظاهر المحكي عن الصيمري.

والمحكيّ (٤) عن المحقّق الثاني في تعليق الإرشاد : هو البطلان ، ومال

______________________________________________________

(١) وهو قول المحقق بصحة بيع «من باع ثم ملك» وهذا بخلاف قول الشيخ قدس‌سره ، فإنّه قائل بالصحة بدون الإجازة من الفضولي الذي صار مالكا بالفعل.

(٢) قال الشهيد قدس‌سره : «ولا يشترط الإجازة في الحال ، ولا كون المجيز حاصلا حين العقد ، فتصح إجازة الصبي والمجنون بعد الكمال. وكذا لو باع ملك غيره ثمّ انتقل إليه فأجاز» (١).

(٣) أي : القول بالصحة مع الإجازة ظاهر ما حكاه صاحب المقابس عن الشيخ مفلح الصيمري قدس‌سرهما (٢).

(٤) مبتدأ ، خبره «البطلان» قال في محكي تعليق الإرشاد : «هل يصحّ البيع بمعنى عدم اشتراط الإجازة فيه أم لا؟ وجهان ، وعدم الاشتراط أبعد. بل البطلان يتجه إذا قلنا إنّ الإجازة كاشفة ، لأنّ انتقال الملك إلى المشتري الأوّل إذا كان في وقت العقد استلزم بطلان البيع الثاني ، فينتفي الملك. وصحة البيع الأوّل فرع له» (٣).

__________________

لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين ، فباعها ، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال : نعم تؤخذ زكاتها ، ويتبع بها البائع ، أو يؤدّي زكاتها البائع» (٤) ، لظهور الجملة الأخيرة في كفاية أداء الزكاة من مال آخر في صحة البيع السابق ، ولزومه بالنسبة إلى تمام المبيع ، مع عدم كون بعضه مملوكا له حين البيع.

وعلى هذا الاحتمال لا وجه لتخريج كلام الشيخ على مسألة «من باع» والتكلّف في توجيهه بابتنائه على قول شاذ عندنا ، وهو تعلقه بالدين ، فلاحظ وتأمّل.

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٣.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٦.

(٣) الحاكي لكلامه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٦ و ١٩٧.

(٤) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٨٦ ، الباب ١٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

٢٤٩

إليه (١) بعض المعاصرين ، تبعا لبعض معاصريه (٢).

والأقوى هو الأوّل (٣)

______________________________________________________

(١) أي : إلى البطلان ، والمراد ببعض المعاصرين صاحب الجواهر قدس‌سره ، فإنّه ـ بعد نفي اشتراط أن يكون للعقد مجيز في حال العقد ـ قال : «نعم قد يمتنع في نحو المثال الثاني ، لأنّ الكشف حال العقد يقتضي عدم ملك للثاني ، الذي قد فرض انتقال الملك إليه ، وكل ما يستلزم وجوده عدمه غير متحقق ..» (١) وسيأتي توضيحه في بيان الوجوه المذكورة في المقابس.

وقال في كتاب الزكاة ـ بعد ترجيح تعلقها بالعين على جهة الإشاعة في مجموع أجزاء النصاب ـ ما لفظه : «وحينئذ فلو باع المالك النصاب نفذ في نصيبه قولا واحدا كما اعترف به في البيان ، ووقف في حصة الفقير على إجازة الإمام عليه‌السلام ، أو وكيله ، فيأخذ من الثمن بالنسبة. ولو أدّى المالك الزكاة من غيره بعد البيع لم يجد في الصحة ، ضرورة عدم الملك حال البيع .. إلخ» (٢). وهذه الجملة الأخيرة ظاهرة بل صريحة في بطلان بيع مالا يملكه ثم تملكه بعد البيع ، فراجع.

(٢) وهو المحقق الشيخ أسد الله الشوشتري صاحب المقابس قدس‌سره ، فالأقوال في مسألة من باع مال غيره لنفسه ثم ملكه ثلاثة.

أحدها : الصحة ولو بدون الإجازة ، وهو ظاهر الشيخ قدس‌سره.

ثانيها : البطلان ولو مع الإجازة ، وهو المنسوب إلى المحقق الثاني وصاحب المقابس وصاحب الجواهر قدّس سرهم.

ثالثها : الصحة مع الإجازة ، والبطلان بدونها ، وهو المنسوب إلى المحقق والشهيد والصيمري.

(٣) وهو الصحة مع الإجازة. ولمّا كانت الصحة منوطة بوجود المقتضي لها وعدم المانع عنها ، فلذا ادعى المصنف وجود المقتضي لأمرين ، وهما الأصل والعموم ، كما نفى

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩٨.

(٢) جواهر الكلام ، ج ١٥ ، ص ١٤٢.

٢٥٠

للأصل (١)

______________________________________________________

المانع ، وهو الوجوه المذكورة في المقابس ،

(١) الظاهر أنّ مراده به هو الأصل العملي مع الغضّ عن الدليل الاجتهادي ، وإلّا فلا مجال للأصل مع الدليل.

ثم إنّ الأصل المحكّم في المعاملات هو أصالة الفساد ، فلعل المراد به أصل البراءة عن اشتراط مالكيّة المجيز حال العقد ، بناء على جريان البراءة في الأحكام الوضعيّة كالأحكام التكليفية كما هو مقتضى إطلاق بعض أدلّة البراءة مثل حديث الحجب وإن لم يكن مرضيّا عند المصنف قدس‌سره (*).

__________________

(*) ولو جرت أصالة البراءة عن شرطية كون المالك حين الإجازة هو المالك حين العقد ، أو عن مانعية تبدله حالها بمالك آخر حاله ، كانت مقدّمة على أصالة الفساد ، لتسبب الشك في الفساد عن الشك في شرطية الخصوصية المحتملة أو مانعيتها ، كما ذهب إليه بعض أجلّة المحشين (١).

لكن يشكل إرادة أصالة البراءة هنا بكونها مثبتة ، لأنّ ترتب الملكية على العقد الفاقد للخصوصية المشكوكة عقلي. وكذا الكلام لو أريد بالأصل استصحاب عدم المجعول.

وأفاد السيد الطباطبائي قدس‌سره : أن الأصل هنا ليس دليلا مستقلا في قبال العمومات ، إذ المراد به إمّا القاعدة الاجتهادية المستفادة من العمومات من صحة كل عقد شك في صحته شرعا. وإمّا الأصل العملي وهو أصالة عدم شرطية مالكيّة المجيز حين العقد ، وهي لا تجدي إلّا بضميمة العمومات ، إذ بدونها يكون الأصل المحكّم هو أصالة الفساد (٢) ، هذا.

وقد ذكرنا في المقدمة الباحثة عن ألفاظ العقود شطرا من الكلام حول جريان أصالة البراءة في الشك في الشرطية في المعاملات ، فراجع (٣).

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الايروانى ، ج ١ ، ص ١٣٤ ـ ١٣٥.

(٢) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٦٣.

(٣) هدى الطالب ، ج ٢ ، ص ٣١٦ ـ ٣٢٦.

٢٥١

والعمومات (١) السليمة عمّا يرد عليه ، ما عدا أمور لفّقها بعض (٢) من قارب عصرنا ممّا يرجع أكثرها إلى ما ذكر في الإيضاح وجامع المقاصد :

الأوّل (٣) : أنّه قد باع مال الغير لنفسه ،

______________________________________________________

(١) وهي قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) فإنّ هذه العمومات تشمل ما نحن فيه أعني به بيع الفضولي مال الغير لنفسه ، ووقوعه للمالك ، سواء تملّكه البائع بعد البيع أم لم يتملكه.

والوجه في شمول العمومات للمقام هو : أنّ العقد الواقع بين الفضولي وطرفه واجد للشرائط حسب الفرض ما عدا أمرين : أحدهما : استناد العقد إلى المالك أو من هو بمنزلته. ثانيهما : الرضا بالبيع. والمفروض حصولهما بالإجازة المتأخرة.

واحتمال اعتبار اتّحاد المالك حال العقد والإجازة يندفع بأصالة العموم بعد إحراز صدق «العقد والتجارة والبيع» على ما أنشأه الفضول ، هذا.

(٢) لا يخفى أن الأنسب التعبير عن الوجوه المذكورة في المقابس ب «ما حقّقها أو أفادها» دون التلفيق ، خصوصا مع تعبير المصنف عنه في غالب الموارد ب «بعض المحققين» ممّا ينبئ عن الاعتراف بمكانته في الفقه ودقة نظره.

ثم لا يخفى أنّ الأمور التي نقلها المصنف عنه سبعة ، ولكن الموجود في المقابس وجوه ستة من الخلل مانعة عن تصحيح مسألة «من باع» والوجه السابع طائفة من الأخبار استدلّ بها على البطلان.

(٣) أي : الأمر الأوّل من الأمور التي أوردها المحقق المتقدم على صحة بيع الفضولي مال الغير لنفسه ثم اشتراه فأجازه.

وتوضيحه : أنّ صاحب المقابس قدس‌سره عقد الموضع الثاني ـ من مواضع البحث في بيع الفضولي ـ لأجل تحقيق حكم بيع الفضولي مال الغير لنفسه لا لمالكه ، وذكر وجوها خمسة لبطلانه ، وعدم وقوعه للمالك لو أجاز ، وقوّى هو الفساد ، فقال في بعض كلامه : «وحيث كان الحكم على خلاف الأصل ناسب الاقتصار على محلّ اليقين ، فلا يكتفى بإجازة بيع الفضولي إذا أوقعه عن نفسه ـ خصوصا إذا سمّى نفسه في العقد ـ بل يجدد العقد ثانيا».

٢٥٢

وقد مرّ الإشكال فيه (١) ، وربّما لا يجري فيه (٢)

______________________________________________________

وقد مرّ نقل هذه الوجوه وتحقيقها في المسألة الثالثة من مسائل البيع الفضولي التي عنونها المصنف بقوله : «أن يبيع الفضولي لنفسه ، وهذا غالبا يكون في بيع الغاصب .. إلخ» (١) فكان من وجوه الاشكال أنّ إطلاق النبويّين : «لا تبع ما ليس عندك ، «لا بيع إلّا في ملك» يشمل بيع الفضولي لنفسه ولمالكه ، فكلّ منهما منهي عنه ، فيقع فاسدا. ويجري فيه أيضا سائر الإشكالات المذكورة هناك مثل قوله : «ومنها : أن الفضولي إذا قصد بيع مال الغير لنفسه فلم يقصد حقيقة المعاوضة ، إذ لا يعقل دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر ، فالمعاوضة الحقيقية غير متصورة .. إلخ».

وحيث كانت العقود تابعة للقصود ، ولم يتمشّ قصد المبادلة ممّن يبيع مال الغير لنفسه ، تعيّن الحكم ببطلانه ، وكان هذا المحذور بنظر صاحب المقابس غير قابل للتفصّي عنه بوجه.

وبهذا يظهر أنّ هذا الوجه الأوّل لو تمّ كان معناه عدم وجود المقتضي لشمول عموم مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لبيع الفضولي لنفسه ، لأنّ شمول العموم منوط بتحقق الموضوع ، وهو العقد والبيع المتقوّمان بالقصد الجدّي إلى المدلول ، فالإنشاء المجرّد عن القصد ليس عقدا ولا بيعا ولا تجارة حتى يمكن تصحيحه بالعموم والإطلاق. وليس الكلام في المانع ـ بعد إحراز المقتضي ـ ليتمسك بالعموم لدفعه.

(١) هذا كلام صاحب المقابس ، ومقصوده من «وقد مرّ» ما ذكرناه آنفا ، وهو الموضع الثاني الذي عقده للبحث عن حكم بيع مال الغير لنفسه. وعبارة المتن منقولة بالمعنى ، إذ عبارة المقابس : «وقد مرّ الكلام فيه».

(٢) أي : لا يجري في ما نحن فيه ـ وهو مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» ـ بعض وجوه الإشكال المتقدمة في بيع الفضولي مال الغير لنفسه.

ومراده من بعض الوجوه المختصّ ببيع الغاصب لنفسه ولا يجري في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» هو الوجه الأوّل والرابع في ما ذكره صاحب المقابس في بيع الغاصب ، حيث إنّه نقل عن المحقق الكركي قدس‌سره «أن الغصب أمارة عدم رضا المالك». فهذا الوجه

__________________

(١) راجع هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٥٣٩ ، وما بعدها.

٢٥٣

بعض ما ذكر هناك (١).

وفيه (٢) : أنّه قد سبق أنّ الأقوى صحّته ، وربما يسلم هنا (٣) عن بعض الإشكالات الجارية هناك (٤) ، مثل مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان.

______________________________________________________

لا مورد له في مسألة «من باع» لأنّ الفضولي لم يتصرف في المال ، وإنما ينشئ بيعه بقصد أن يشتريه من مالكه ليسلّمه إلى المشتري.

وكذا الوجه الرابع المختص بعلم المشتري بأنّ البائع غاصب. فلا مورد لهذا الوجه في مسألة «من باع» لما فيه أوّلا : من اختصاصه بعلم المشتري بعدم مالكيته للمبيع.

وثانيا : بما أجاب به صاحب المقابس هناك من انفكاك أمر العقد عن القبض ، فراجع (١).

(١) أي : في مسألة بيع الفضولي لنفسه ، وهو غالبا يكون في بيع الغاصب.

(٢) أي : وفيما أفاده صاحب المقابس ـ من الأمر الأوّل ـ نظر ، وجهه ما تقدم في المسألة الثالثة من منع الكبرى ـ وهي فساد بيع الفضولي لنفسه ـ لما عرفت من اندفاع وجوه الخلل والاشكال فيه ، وأنّ الأقوى صحته. وحيث كانت مسألة «من باع» من صغريات «بيع الفضولي لنفسه» فلذا نقول بصحتها للأصل والعمومات.

بل نقول : انّ مسألة «من باع» أقرب إلى الصحة من مسألة «بيع الفضولي لنفسه» لأن الإشكال الرابع المتقدم هناك ـ وهو «أن المنشأ غير مجاز ، والمجاز غير منشأ» ـ لا موضوع له في المقام كما سيظهر.

(٣) أي : في «من باع شيئا ثم ملكه» فإنّه يسلم عن إشكال مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان في بيع الغاصب ، حيث إنّ الإجازة تقتضي نفوذ عقد الفضولي للمالك المجيز ، لاقتضاء المعاوضة خروج المثمن عن ملكه ودخول الثمن في ملكه ، مع أنّه خلاف ما قصده الغاصب من بيع المال المغصوب لنفسه ، فالمنشأ غير المجاز ، والمجاز غير المنشأ.

وهذا المحذور مفقود في بيع ما لا يملكه ثم تملكه ، لأنّه باع لنفسه ، والإجازة وقعت على ما قصده. فإشكال مخالفة الإجازة لما قصده العاقد الغاصب لا يجري في مسألة : «من باع ثم ملك».

(٤) أي : المسألة الثالثة المتقدمة في (ج ٤ ، ص ٥٣٩).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٣.

٢٥٤

الثاني (١) : أنّا حيث جوّزنا بيع غير المملوك (٢) مع انتفاء الملك ورضا المالك والقدرة (٣) على التسليم ، فقد اكتفينا بحصول ذلك (٤) للمالك المجيز (٥) ، لأنّه البائع

______________________________________________________

(١) أي : الأمر الثاني من الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدس‌سره. ومحصّل هذا الاشكال ـ على صحة بيع «من باع شيئا ثم ملكه» ـ هو : أنّ بيع الفضول لا بدّ أن يكون واجدا لجميع الشرائط المعتبرة في صحته التأهلية حتى تتوقّف صحته الفعلية على فعلية الإجازة فقط. وهذا في بيع الفضول للمالك ثابت ، لأنّ من يراد البيع له ـ وهو مالك المال المعقود عليه فضولا ـ واجد للقدرة على التسليم ، وإمكان الرضا المنوط به النقل والانتقال ، وإن كانت هذه الأمور منتفية في العاقد ، لعدم اعتبارها فيه.

فهذا العقد الصادر من الفضول واجد لجميع ما يعتبر في الصحة التأهّلية بقول مطلق.

وهذا بخلاف العقد الصادر من الفضول هنا ، إذ المفروض أنّ من يراد وقوع البيع له هو نفس العاقد الفضول. ومن المعلوم أنّه ليس واجدا للقدرة المؤثرة في نفوذ هذا العقد ، لأنّ قدرة الأجنبي على تقدير وجودها كالعدم. وكذا الحال في رضاه ، فإنّ فعليّته لا تجدي فضلا عن إمكانه. فمن له الصحة التأهلية للعقد ـ وهو مالك المال ـ غير مراد ، إذ لم يقع العقد له. والمراد هو الذي وقع البيع له أعني به العاقد الفضول. إلّا أنّ العقد ليس بالإضافة إليه واجدا للصحة التأهلية. فهذا العقد الفاقد للصحة التأهلية بالإضافة إلى المالك ليس قابلا للصحة الفعلية ، لعدم تعقل الصحة الفعلية بدون الصحة التأهّلية ، فإنّ العقد في نفسه ليس قابلا للصحة التأهلية.

(٢) يعني : غير المملوك للفضولي ، كحصة الفقراء ـ في مثال بيع المال الزكوي ـ التي لا تكون مملوكة للعاقد الفضول.

(٣) هذا وما قبله معطوفان على «الملك» يعني : مع انتفاء الملك والرضا والقدرة على التسليم عن العاقد الفضول.

(٤) أي : ما ذكر من الملك ورضا المالك والقدرة على التسليم.

(٥) يعني : في الفضولي المعهود الذي يبيع للمالك ، فإنّ المالك المجيز هو البائع حقيقة ، لانتساب العقد إليه بإجازته.

٢٥٥

حقيقة ، والفرض هنا (١) عدم إجازته (٢) ، وعدم وقوع البيع عنه.

وفيه (٣) : أنّ الثابت هو اعتبار رضا من هو المالك حال الرضا (٤) ، سواء ملك حال العقد أم لا (٥) ، لأنّ الداعي على اعتبار الرضا سلطنة الناس على أموالهم ،

______________________________________________________

(١) هذا هو وجه الإشكال في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» يعني : أنّ المفروض في هذه المسألة الخلل من ناحيتين.

إحداهما : أنّ المالك حال العقد لم يجز هذا البيع الفضولي ، فلم يستند العقد إليه.

وثانيتهما : عدم وقوع البيع عن المالك ، إذ المفروض قصد وقوعه لنفسه.

(٢) هذا الضمير وضمير «عنه» راجعان إلى المالك المجيز.

(٣) أي : وفي هذا الأمر الثاني الذي أفاده صاحب المقابس قدس‌سره أن الثابت .. إلخ. وتوضيحه : أنّ كلام المقابس دلّ على فقد أمرين في مسألة «من باع ثم ملك» أحدهما رضا المالك ، والآخر قدرته على التسليم. والمصنف قدس‌سره أجاب عن كل منهما مستقلا.

أمّا رضا المالك فمحصّل ما أفاده فيه : أنّ أدلة اعتبار الرضا ـ وهي سلطنة الناس على أموالهم ، وعدم حلّ الأموال لغير أربابها بغير طيب أنفسهم ، وقبح التصرف فيها بغير رضاهم عقلا ـ لا تقتضي إلّا اعتبار الرضا فيمن هو مالك حال الرضا ، لأنّ المالك حين الإجازة وهو المتصف بكونه بائعا لا بدّ أن يكون راضيا ، سواء أكان مالكا حين العقد أم لم يكن.

هذا بالنسبة إلى طيب نفس المالك. وأما القدرة على التسليم فسيأتي الكلام فيه.

(٤) لأنّ الرضا يوجب النفوذ ، فلا بدّ من وجود الرضا وغيره من الشرائط حين نفوذ العقد ، سواء أكان المالك حين الإجازة والرضا هو المالك حين العقد أم لا ، والمفروض في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» كون المالك حال الإجازة ـ وهو العاقد الفضول الذي صار مالكا فعليا للمبيع ـ غير مالكها حين العقد ، فشرائط صحة العقد تأهّلا موجودة للمالك الفعلي المجيز وهو الفضول. فلا يلزم ما ذكره المحقق صاحب المقابس من انتفاء رضا المالك ، لأن شرط صحة العقد رضا المالك حال استناد العقد إليه ، وهو حال الإجازة.

(٥) لأنّ اعتبار كون المجيز المالك حال الإجازة هو المالك حين العقد قيد زائد لا دليل عليه ، وهو منفي بإطلاق الأدلة.

٢٥٦

وعدم حلّها لغير ملّاكها بغير طيب أنفسهم ، وقبح (١) التصرّف فيها بغير رضاهم. وهذا (٢) المعنى لا يقتضي أزيد ممّا ذكرنا (٣).

وأمّا القدرة (٤) على التسليم فلا نضايق (٥) من اعتبارها في المالك حين العقد ، ولا يكتفى بحصولها (٦) فيمن هو مالك حين الإجازة. وهذا (٧) كلام آخر لا يقدح

______________________________________________________

(١) هذا و «عدم» معطوفان على «سلطنة».

(٢) وهو كون الداعي إلى اعتبار رضا المالك هي الأدلة الثلاثة المتقدمة.

(٣) وهو أنّ الثابت من تلك الأدلة اعتبار رضا من هو مالك حين الإجازة ، لأنّ المالك الفعلي للزكاة ـ في مثال بيعها قبل إخراجها ـ بعد دفع بدلها من أمواله الأخر إلى الفقراء هو مالك النصاب ، فيعتبر رضاه ببيعها فضولا مع بيع النصاب بمقتضى سلطنته على ماله ، وغيرها.

(٤) هذا تمهيد لدفع إيراد صاحب المقابس على صحة بيع المالك مالا يملكه حال العقد بانتفاء القدرة على التسليم في هذا البيع ، حيث إنّ البائع ليس مالكا للمبيع حين العقد حتى يكون قادرا على تسليمه ، مع وضوح شرطية القدرة في صحة البيع.

(٥) أي : فلا نضايق من اعتبار القدرة في المالك حين العقد.

وقوله : «فلا نضايق» دفع لإشكال القدرة على التسليم ، ومحصّله : أنّا لا ننكر اعتبار القدرة في المالك حين العقد وإن لم يكن مجيزا ، فإنّ القدرة على التسليم حاصلة للمالك حين الإجازة ، كحصولها للمالك حال العقد فلا يبقى مجال لدعوى انتفاء القدرة على التسليم.

(٦) هذا الضمير وضمير «اعتبارها» راجعان إلى القدرة.

(٧) يعني : واعتبار القدرة في المالك حين العقد كلام آخر غير مرتبط بما نحن فيه ، وهو مسألة «من باع مال الغير لنفسه فضولا ثم ملكه بالشراء أو الإرث ، فأجاز البيع».

وجه عدم ارتباطه بما نحن فيه هو : أنّ البحث في مسألة «من باع فضولا مال الغير لنفسه ثمّ ملكه فأجاز البيع» إنّما يكون بعد الفراغ عن واجديّة ذلك البيع الفضولي لشرائط الصحة ، إذ محطّ البحث في هذه المسألة إنّما هو في كفاية الإجازة في صحة بيع الفضولي مع صيرورته مالكا فعليّا لما باعه فضولا ، بعد فرض جامعية ذلك البيع الفضولي

٢٥٧

التزامه في صحّة البيع المذكور (١) ، لأنّ (٢) الكلام بعد استجماعه للشروط المفروغ عنها.

الثالث (٣) : أنّ الإجازة

______________________________________________________

لجميع الشرائط.

وبعبارة اخرى : انّا نلتزم باشتراط صحة البيع بقدرة من هو مالك حين العقد على تسليم المبيع للمشتري. فإن كان «من باع شيئا ثم ملكه» مطمئنا برضا المالك بإقباض المبيع فقد صحّ بيعه ، كسائر البيوع الفضولية. وإن لم يكن مطمئنا به فسد بيعه ، لفقد شرط الصحة.

وعليه فلا خصوصية في مسألة «من باع شيئا» من جهة القدرة على التسليم ، لأنّها من الشرائط العامّة لبيع الأصيل والفضول. مع أنّ المقصود بالبحث فعلا ملاحظة المحاذير المختصة بمسألة «من باع» فلا وجه لدعوى فقد التمكن من التسليم هنا.

(١) وهو : من باع شيئا ثم ملكه.

(٢) تعليل لعدم قدح التزام اعتبار القدرة في المالك حين العقد في صحة بيع مالا يملكه ثم تملكه. وحاصله : أنّ الكلام في صحّة بيع الفضول ـ الذي صار مالكا فعليا وأجاز ـ يكون بعد فرض جامعيته للشروط التي ثبتت شرطيتها في البيع.

(٣) هذا ثالث الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدس‌سره معترضا بها على صحة البيع بالإجازة في مسألتنا ، وهي «من باع فضولا مال الغير لنفسه ثم ملكه وأجاز».

ومحصل هذا الأمر الثالث : أنّه ـ بعد البناء على عموم دليل صحة الإجازة وكاشفيّتها في جميع الموارد حتى في مسألتنا هذه ـ يلزم أمر غير معقول ، وهو اجتماع النقيضين. توضيحه : أنّه إذا باع زيد مثلا مال أبيه لنفسه فضولا يوم الجمعة على عمرو ، ثمّ ملك ذلك المال بالشراء أو الإرث يوم السبت ، فأجاز ذلك البيع الفضولي يوم الأحد ، لزم بناء على كاشفية الإجازة خروج المال عن ملك زيد يوم الجمعة. مع أنّه لم يدخل في ملكه إلّا يوم السبت ، ولا يعقل خروج المال عن ملك شخص قبل دخوله في ملكه ، فيلزم أن يكون زيد مالكا لذلك المال يوم الجمعة وغير مالك له في يومها ، وليس هذا إلّا التناقض.

٢٥٨

ـ حيث صحّت (١) ـ كاشفة (٢) على الأصحّ مطلقا (٣) ، لعموم (٤) الدليل الدالّ عليه (٥) ،

______________________________________________________

ويلزم أيضا اجتماع المالكين على مال في زمان واحد ، فإنّ المبيع فضولا يكون في يوم الجمعة مملوكا لمالكين ، أحدهما : المالك الأوّل أعني به والد زيد ، والآخر : عمرو الذي هو المشتري من زيد العاقد الفضولي.

وكلا هذين اللازمين محال عقلا. ولا فرق في استحالة اجتماع النقيضين والضدين بين الأعراض الخارجية والأمور الاعتبارية. وهذا المحذور العقلي يمنع جواز التمسك بالعمومات لصحة البيع الفضولي ، فلا محيص حينئذ عن الرجوع إلى الأصل العملي ، وهو في المقام أصالة الفساد أي استصحابه ، إذ نشكّ بعد صدور الإجازة في البيع الفضولي في ترتب الأثر على العقد ، فيستصحب عدمه.

فالمتحصل : عدم الدليل على صحة عقد الفضولي ، فلا بدّ من القول ببطلانه.

(١) في قبال بطلانها وعدم تأثيرها في نفوذ بيع الفضولي ، كما يذهب إلى لغوية الإجازة من يقول بفساد العقد الفضولي رأسا.

(٢) خبر قوله : «ان الإجازة» وقوله : «على الأصح» إشارة إلى كونها ناقلة ، كما هو مختار بعض. وظاهر العبارة أنّ المحقق صاحب المقابس أورد هذا الأمر الثالث بناء على الكشف الحقيقي أي حصول النقل من زمان العقد ، لا من حين الإجازة ، لا الكشف الحكمي الذي نقله المصنف عن شيخه شريف العلماء.

وكيف كان فهذا المحذور الثالث قد جعله فخر المحققين وجها لرأي العلّامة من بطلان بيع ما لا يملكه ثم تملّكه ، قال في الإيضاح : «ويحتمل البطلان ، لتضاد ملكي شخصين لشي‌ء واحد بعينه ، وقد تحقّق أحد الضدين ، فينتفي الآخر» ، ونحوه كلام المحقق الثاني قدس‌سره ، فراجع (١).

(٣) يعني : حتى في ما إذا باع الفضولي لنفسه ، ثم ملك وأجاز.

(٤) تعليل لكاشفية الإجازة في جميع أفراد عقد الفضولي.

(٥) أي : على كون الإجازة كاشفة.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٩ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٣.

٢٥٩

ويلزم حينئذ (١) خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه (٢).

وفيه (٣) : منع كون الإجازة كاشفة

______________________________________________________

(١) أي : حين القول بكاشفية الإجازة مطلقا.

(٢) أي : في ملك البائع ، وهذا نقل عبارة المقابس بالمعنى ، وإلّا فنصّ كلامه هو : «قبل دخوله في ملكه ، وهو محال» فلاحظ.

(٣) أي : وفي هذا المحذور العقلي الذي أفاده صاحب المقابس قدس‌سره إشكال.

توضيح ذلك : أنّ عقد الفضولي إذا كان في نفسه جامعا لشرائط الصحة ، ولم يكن مانع عن تأثيره ونفوذه إلّا عدم رضا المالك ، فإن أجاز المالك صحّ العقد من حين وقوعه. وإن لم يجز وانتقل المال الذي عقد عليه فضولا إلى العاقد الفضول بالشراء أو الإرث ، وأجاز هو عقده الفضولي ، وقع البيع له ، ونفذ من زمان الإجازة لا من زمان العقد ، إذ شرط صحة الإجازة وقابليتها لتأثير العقد وتنفيذه أن تكون صادرة ممّن له أهليّة الإجازة ، ومن المعلوم إناطة أهليتها بصدورها عن المالك التام المالكية ، بأن لا يكون محجورا عن التصرف في ماله.

وبالجملة : فدليل اعتبار الإجازة يدلّ على اعتبارها في محلّ قابل ، وقابلية المحل منوطة بمالكية المجيز ، فبدونها ليست الإجازة قابلة لتصحيح العقد وتنفيذه.

وعلى هذا فإجازة العاقد الفضول ـ الذي صار مالكا فعلا للمال المعقود عليه فضولا ـ كاشفة عن صحة العقد الفضولي من زمان تملكه لما باعه فضولا ، لا من زمان وقوع العقد ، لأنّ قابلية الإجازة للتأثير إنّما تكون من زمان تملك المجيز لا من زمان العقد لعدم كونه مالكا للمال حين العقد حتى تصلح إجازته للتأثير من زمان صدوره.

فلا يلزم حينئذ من صحة الفضولي تناقض ولا تضاد حتى نضطرّ إلى رفع اليد عن العمومات الدالة على صحة عقد الفضولي ، ونرجع إلى الأصل العملي ، وهو أصالة الفساد ، ونلتزم ببطلان عقد الفضولي كصاحب المقابس.

وبعبارة أخرى : كلام صاحب المقابس قدس‌سره مبني على أنّ الإجازة في جميع البيوع الفضولية كاشفة عن ترتب النقل والانتقال عليها من حين إنشائها ، فلذا يتوجه المحذور المتقدم من اجتماع مالكين على مال واحد وغيره.

٢٦٠