هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

وجود (*) مجيز (١) حين العقد ،

______________________________________________________

فالمسألة الثالثة مبنية على اشتراط وجود المجيز ، فيكون الكلام في أنّه هل يجب أن يكون هو الذي كان حال العقد جائز الإجازة ، أو يجوز أن يكون غيره.

الرابع : هل يشترط أن يكون مالكا حال العقد أو لا؟ كما إذا باع شيئا ثمّ ملك» (١).

وكيف كان فكلام المصنف في هذا الأمر يقع في مقامين أحدهما : تحقيق حكم المسألة من حيث الاشتراط وعدمه ، وثانيهما : النظر فيما قيل حول عبارة العلّامة. والكلام فعلا في المقام الأوّل.

(١) متمكّن عادة من الإجازة ، وليس المراد ذات المجيز ، لأنّه موجود دائما ، كالإمام عليه‌السلام ونائبه الفقيه المأمون وعدول المؤمنين ، بل المراد هو الصالح للإجازة فعلا.

__________________

(*) لا يخفى أنّه بعد وضوح عدم إمكان إرادة وجود ذات المجيز حين العقد ، لأنّه حاصل في جميع الموارد ، ولا يتصوّر خلوّ عقد في زمان عن ذات المجيز ، فلا محيص عن إرادة اشتراط وجود مجيز يتمكّن عادة من إجازته والاطّلاع عليه. فبيع الولي مال الطفل بدون مصلحته مع تجدّدها حال الإجازة من البيوع التي ليس لها مجيز قابل للإجازة حال العقد ، إذ لا ولاية للولي على مثل هذا التصرّف ، فيصدق حينئذ عدم وجود مجيز قابل للإجازة حين العقد ، لفقدان شرط صحته وهو مصلحة الطفل ، ولكن المجيز وهو الطفل بعد البلوغ وسائر الشرائط قابل للإجازة.

هذا ما يمكن أن يراد من العنوان المذكور في هذا الأمر الثاني. ولا بدّ أن يراد بقوله : «الثالث : لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرّف حال العقد .. إلخ» المجيز الفعلي ، وهو المجيز حين الإجازة ، يعني : لا يعتبر أن يكون المجيز حين الإجازة جائز التصرف حال العقد ، سواء قلنا باعتبار وجود مجيز متمكّن من الإجازة حين العقد أم لم نقل به.

فإن لم يكن حين العقد جائز التصرف كانت إجازته نافذة ، فلا يلزم التكرار ووحدة العنوانين.

فيمكن أن يكون المجيز حال الإجازة جائز التصرف حين العقد كبيع مال اليتيم مع

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٦٢.

٢٢١

فلا يجوز (١) بيع مال اليتيم لغير (٢) مصلحة ، ولا تنفعه إجازته (٣) إذا بلغ (*) أو إجازة وليّه إذا حدثت المصلحة (٤) بعد البيع ، أم لا يشترط (٥)؟ قولان :

أوّلهما (٦) للعلّامة في

______________________________________________________

(١) هذا متفرع على اشتراط صحة عقد الفضولي بوجود مجيز حين العقد ، إذ لازم هذا الاشتراط عدم صحة بيع مال اليتيم ـ بدون المصلحة ـ بإجازته بعد بلوغه ، أو بإجازة وليّه قبل البلوغ بعد طروء المصلحة.

وجه عدم الصحة : أنّ مثل هذا التصرف ليس له مجيز قابل للإجازة حال العقد وإن كان قابلا لها حين الإجازة ، فإنّ مقتضى اعتبار وجود مجيز قابل للإجازة حين العقد عدم فائدة في إجازة الولي أو اليتيم بعد بلوغه ، وبعد طروء المصلحة. ولا فرق في عدم القابلية بين أن يكون لعدم المقتضي ، وبين أن يكون لوجود المانع كجهل الولي بالمعاملة.

(٢) التقييد بعدم المصلحة ظاهر الوجه ، إذ لو كانت المصلحة في بيع ماله خوفا من الضرر كان المجيز حال بيعه فضولا موجودا ، فكان الوليّ يمضيه ويصح ، ويخرج عن محلّ الكلام. فمحلّ البحث هو وجود المانع عن إجازته ، بأن يترتب مفسدة على إمضاء بيع مال اليتيم فضولا. مع وضوح اشتراط التصرف في ماله بكونه خيرا له ، أو بعدم المفسدة.

(٣) أي : ولا ينفع البيع إجازته ، وضميرا «إجازته ، وليّه» راجعان إلى اليتيم.

(٤) يعني : ولو صار العقد من حيث طروء المصلحة وتبدل المفسدة بها صحيحا ، ولكنه لأجل عدم وجود مجيز صالح للإجازة ـ حين العقد ـ فاسد من أصله.

(٥) معطوف على «هل يشترط» ، وقوله : «قولان» مبتدء ، وخبره محذوف.

(٦) وهو اشتراط وجود مجيز صالح للإجازة حين العقد.

__________________

المصلحة ، فإنّ وليّه حين العقد والإجازة جائز التصرف. ويمكن أن لا يكون كذلك ، كما إذا بيع مال اليتيم فضولا بدون المصلحة ، فأجاز اليتيم بعد البلوغ ، فإنّ اليتيم حين العقد لم يكن جائز التصرف ، وصار جائز التصرف بعد البلوغ وحين الإجازة.

(*) هذا مبني على كون المصلحة شرطا للصحة كشرطية معلومية العوضين حين البيع.

٢٢٢

ظاهر القواعد (١). واستدلّ له (٢)

______________________________________________________

(١) قال في القواعد : «والأقرب اشتراط كون العقد له مجيز في الحال ، فلو باع مال الطفل ، فبلغ وأجاز ، لم ينفذ على إشكال» (١) ، فإنّ قوله : «في الحال» ظاهر في حال العقد ، لا حال الإجازة.

وتعبيره ب «في ظاهر القواعد» لعلّه لأجل عدم الجزم بأنّ مراد العلّامة قدس‌سره اعتبار وجود مجيز حال العقد ، والوجه في عدم الجزم بالمطلب استشكاله في فرع المسألة بقوله : «لم ينفذ على إشكال» إذ لو كان هذا الشرط مسلّما كان المناسب ترجيح عدم نفوذ بيع مال الطفل وعدم الإشكال فيه.

هذا إذا كان الإشكال راجعا إلى عدم نفوذ بيع مال الطفل.

واحتمل السيد العاملي (٢) قدس‌سره رجوع الإشكال إلى أصل اشتراط أن يكون للعقد مجيز في الحال ، فكأنّه قال : «والأقرب على إشكال اشتراط ..» فيكون العلّامة متردّدا ـ في القواعد ـ في هذا الشرط ، كما استشكل فيه في نهاية الأحكام.

ويظهر من صاحب المقابس قدس‌سره تطرّق احتمالين في عبارة القواعد ، ولذا قال بعد نقل كلمات جمع كفخر المحققين والمحقق الكركي والفاضلين السيوري والصيمري والشهيد : «فمراده ـ أي العلّامة ـ اشتراط وجود من يجيز العقد حال صدوره ، أو كونه على الأوصاف المعتبرة في الإجازة من الكمال والملك» (٣). فيظهر منه الترديد في أنّ المراد اعتبار وجود مجيز حال العقد ، أو اعتبار اجتماع شروط الإجازة حالها.

وكيف كان فالمصنف استظهر اشتراط صحة بيع الفضولي بأن يكون للمجيز قابلية الإجازة حين العقد ، كما نقله صاحب الجواهر عن بعض بقوله : «قيل» (٤).

(٢) أي : للقول الأوّل وهو الاشتراط ، والمصنف قدس‌سره نقل وجهين لكلام العلّامة مذكورين في جامع المقاصد ، والأوّل منهما لفخر المحققين ، وبناه على مقدمات ثلاث

__________________

(١) قواعد الاحكام ، ج ٢ ، ص ١٩. نهاية الاحكام ، ج ٢ ، ص ٤٧٦

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٥.

(٣) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٤.

(٤) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩٧.

٢٢٣

بأنّ (١) صحّة العقد والحال هذه ممتنعة ،

______________________________________________________

سيأتي توضيحها ، فلخّصه المحقق الثاني ، ثم ناقش فيه بما ذكره الفخر وجها لعدم الاشتراط وقوّاه. والوجه الثاني للسيد العميد قدس‌سره.

والعبارة المنقولة في المتن للمحقق الثاني قدس‌سره ، قال : «وجه القرب : انه مع عدم من له أهلية الإجازة تكون صحة العقد ممتنعة في الحال ، وإذا امتنعت في زمان امتنعت دائما ، لأنّ بطلان العقد في زمان يقتضي بطلانه دائما. ولما فيه من الضرر على المشتري .. إلخ» (١).

(١) هذا أوّل الوجهين المستدل بهما على الاشتراط ، ومحصّله ـ على ما في الإيضاح ـ بتوضيح بعض المحققين قدس‌سره هو : «أنّ عقد الفضولي مع اشتراكه مع العقود الفاسدة ـ في عدم التأثير فعلا ـ يمتاز عنها في أنه قابل للتأثير بالإجازة دون غيره ، فلا بدّ أن يكون عقد الفضولي واجدا لجميع مراتب الإمكان الاستعدادي ، بحيث لا يستند عدم فعلية التأثير إلّا إلى عدم فعلية الإجازة.

وأمّا مع عدم إمكان الإجازة حال العقد فلا يكون العقد حينئذ واجدا لجميع مراتب الإمكان الاستعدادي ، إذ منها الإمكان من ناحية إمكان الإجازة فعلا ، فإذا امتنعت الإجازة فعلا امتنعت الصحّة التأهلية فعلا زيادة على الصحة الفعلية المقرونة بفعليّة الإجازة لا بإمكانها. ولا نعني بالصحة التأهّليّة إلّا إمكان نفوذ العقد فعلا بالإجازة. مع أنّه لا يمكن ، لامتناع الإجازة. وإذا امتنعت الصحة التأهّلية في زمان امتنعت دائما ، لأنّ ما يتفاوت حاله بتفاوت الأزمان هي الصحة الفعليّة التابعة لوجود شرط الصحة الفعلية وعدمه ، لا الصحة التأهلية. (٢).

وملخص هذا التقريب أمور.

أحدها : اقتران الصحة التأهلية بالعقد وعدم انفكاكها عنه.

ثانيها : توقف هذه الصحة على إمكان الإجازة فعلا أي من حين وقوع العقد ، ومع امتناعها لا يثبت الصحة التأهلية فعلا للعقد ، فهذه الصحة منوطة باجتماع جميع مراتب

__________________

(١) ولا حظ : جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٢ ، إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٨ و ٤١٩ ، كنز الفوائد ، ج ١ ، ص ٣٨٥.

(٢) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قده ، ج ١ ، ص ١٦٤.

٢٢٤

فإذا امتنع (١) في زمان امتنع دائما. وبلزوم (٢) الضرر على المشتري ، لامتناع (٣) تصرّفه في العين ، لإمكان (٤) عدم الإجازة ، ولعدم (٥)

______________________________________________________

الإمكان التي منها إمكان فعلية الإجازة ، ومع امتناعها لعدم وجود مجيز حين العقد لا يثبت له الصحة التأهلية أيضا. وقد عرفت عدم انفكاك الصحة التأهلية عن العقد ، فإمكان فعلية الإجازة دخيل في الصحة التأهلية.

ثالثها : أنّ المائز بين عقد الفضولي والعقود الفاسدة هو وجود الصحة التأهلية فيه دونها ، هذا.

(١) كذا في نسخ الكتاب ، والأولى كما في جامع المقاصد «امتنعت».

(٢) معطوف على «بأنّ» وهذا ثاني الوجهين على اعتبار وجود مجيز حال العقد وهو للسيد العميد.

وحاصل هذا الوجه الثاني : لزوم الضرر على المشتري ـ الذي يجب عليه الوفاء بالعقد ، لكونه أصيلا ـ من جهة امتناع تصرفه في كل من المثمن والثمن.

أمّا في المثمن فلإمكان عدم إجازة مالكه الكاشف عن بقائه على ملك مالكه ، وكون تصرف المشتري فيه تصرّفا عدوانيّا ، إذ بناء على شرطية الإجازة ـ ولو بنحو الشرط المتأخّر ـ لسببية العقد للملكية وترتب الأثر لا يخرج المثمن عن ملك مالكه قبل الإجازة.

وأمّا في الثمن فلإمكان حصول الإجازة الكاشف عن خروجه عن ملكه ، ودخوله في ملك البائع ، فيكون تصرّف المشتري فيه تصرّفا في ملك غيره. ومن المعلوم أنّ منعه عن التصرّف في كلّ من المبيع والثمن ضرر على المشتري الأصيل.

(٣) تعليل للزوم الضرر ، فإنّ منع تصرّفه ـ في العين التي اشتراها من الفضولي ـ ضرر عليه.

(٤) هذا تعليل لامتناع تصرف المشتري في المبيع ، وناظر إلى شرطية الإجازة للعقد ولو بنحو الشرط المتأخر. وحاصل التعليل : احتمال عدم إجازة المالك الأصيل ، فيكون تصرّف المشتري في ملك الغير ، وهو حرام.

(٥) معطوف على «لإمكان» وهذا ناظر إلى جزئية الإجازة للعقد ، فكأنه قيل :

٢٢٥

تحقّق المقتضي (*). وفي الثمن (١) ، لإمكان (٢) تحقّق الإجازة ، فيكون قد خرج عن ملكه.

ويضعّف الأوّل (٣)

______________________________________________________

«امتناع تصرف المشتري الأصيل في العين المنتقلة إليه إمّا لفقد شرط تأثير العقد وهو الإجازة ، وإمّا لعدم تحقق المقتضي وهو العقد ، باعتبار عدم حصول جزئه أعني الإجازة». وعلى هذا المعنى ينبغي تبديل وأو العطف ب «أو» بأن يقال : «أو لعدم» لكن المذكور في جامع المقاصد هو العطف بالواو.

(١) معطوف على «في العين» يعني : ولامتناع تصرّف المشتري في الثمن أيضا.

(٢) تعليل لعدم جواز تصرّف المشتري في الثمن أيضا ، وحاصل التعليل : احتمال صدور الإجازة من مالك المثمن ، وخروج الثمن عن ملك المشتري ودخوله في ملك البائع ، فيكون تصرف المشتري الأصيل حينئذ في الثمن تصرفا في ملك الغير.

(٣) أي : الدليل الأوّل للمحقق الثاني قدس‌سره وهو «أنّ لازم امتناع العقد في زمان امتناعه دائما» وقد أجاب المصنف قدس‌سره عن هذا الدليل بوجهين ، أحدهما نقضيّ ، والآخر حلّي.

أمّا النقضي فحاصله : أنّ عدم المجيز حين العقد منقوض بما إذا كان المجيز موجودا

__________________

(*) ويحتمل أن يراد ب «لإمكان عدم الإجازة» شرطية عنوان التعقب ، حيث إنّ احتمال عدم تحقق الإجازة يوجب الشك ، في اتصاف العقد فعلا بعنوان التعقب الذي هو شرط نفوذ العقد. وأن يراد ب «ولعدم تحقق المقتضي» عدم تحقق الإجازة بناء على شرطيّة الإجازة بوجودها الخارجي.

وبهذا الاحتمال يدفع التهافت بين احتمال عدم الإجازة ، وعدم تحقق المقتضي الذي يراد به الإجازة أيضا.

إلّا أن يقال : إنّ إرادة الكشف التعقبي من كلام المحقق الكركي منافية لمبناه من القول بالكشف الحقيقي ، وأنّ شرطية الوصف الانتزاعي حدثت من عصر المحققين صاحبي الحاشية والفصول.

٢٢٦

ـ مضافا (١) إلى ما قيل : من انتفاضة بما إذا كان المجيز بعيدا (٢) امتنع الوصول إليه

______________________________________________________

حال العقد ، ولكن كان بعيدا عن المكان الواقع فيه عقد الفضولي بحيث يمتنع الوصول إليه عادة ، فإنّه لا يمكن الالتزام ببطلان هذا النقض ، مع جريان ما استدلّ به العلّامة في هذه الصورة ـ أي صورة النقض ـ أيضا ، إذ يصدق فيها «عدم وجود مجيز يتمكّن من الإجازة حين العقد» فإنّ هذا العقد صحيح ، ويجبر ضرر المشتري بالخيار.

وهذا النقض ـ كما أشرنا إليه ـ مذكور في كلام فخر المحققين وجها لعدم الاشتراط ، وجعله المحقق الكركي نقضا على العلّامة ، قال : «ويضعّف بانتقاضه ممّن كان بعيدا ، يمتنع الوصول إليه عادة إلّا في زمان طويل». (١)

وأمّا الحلّي ، فهو منع استلزام بطلان العقد في زمان لبطلانه دائما ، لعدم توقف الصحة التأهلية على وجود مجيز حال العقد ، وأنّ صحته تأهّلا تكون من حين وقوعه ، من دون انفكاكها عنه في آن.

وبيانه : أنّ المدار في الصحة التأهلية ـ التي يمتاز بها عقد الفضولي عن العقود الفاسدة ـ يكون على ما يستفاد من الأدلّة الشرعية ، ومن المعلوم أنّ المستفاد منها هو مجرّد صحة العقد بلحوق الإجازة له فيما بعد ، ولا يستفاد منها بوجه اعتبار وجود مجيز حين العقد في الصحة التأهلية ، لأنّ هذه الاستفادة منوطة بكون المراد بالصحة التأهلية ما يساوق الإمكان الاستعدادي من جميع الوجوه حتى يعتبر وجود مجيز قابل فعلا للإجازة حين العقد. بل إطلاق الأدلة ـ كتجارة عن تراض ـ يدفع اعتباره.

والحاصل : أنّ الصحة التأهلية لعقد الفضولي لا تتوقّف على وجود مجيز يتمكّن من الإجازة حال العقد.

(١) هذا إشارة إلى الجواب النقضي الذي تقدم بقولنا : «اما النقضي فحاصله : أن .. إلخ».

(٢) أي : بعيدا عن محلّ العقد الذي أنشأه الفضولي ، بحيث يمتنع الوصول إليه عادة لأن يجيز.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٢.

٢٢٧

عادة ـ بمنع (١) ما ذكره (*) من أنّ امتناع صحة العقد في زمان يقتضي امتناعه (٢) دائما ، سواء قلنا بالنقل أم بالكشف (٣).

وأمّا الضرر (٤) (**) فيتدارك

______________________________________________________

(١) متعلق ب «يضعّف» وهذا هو الجواب الحلّي المتقدم بقولنا : «وأمّا الحلّي .. إلخ».

(٢) الأولى أن يقال : «لامتناعها» رعاية لمرجع الضمير ، وهو الصّحة.

(٣) يعني : أنّه لا فرق في منع الملازمة ـ بين بطلان العقد في زمان وبين بطلانه دائما ـ بين كاشفية الإجازة وناقليتها ، وذلك لأنّ وجود المجيز حين العقد بناء على اعتباره دخيل في الصحة التأهلية ، سواء أكانت الإجازة كاشفة أم ناقلة. ففي فرض عدم وجود المجيز حين العقد يكون العقد في نفسه باطلا ، كبطلانه بفقدان سائر شرائط صحة العقد. فلا تصحّ الإجازة مطلقا كاشفة كانت أم ناقلة.

(٤) هذا ردّ الوجه الثاني المذكور في كلام المحقق الكركي في تقريب ما اشترطه

__________________

(*) ظاهره منع اقتضاء بطلان العقد حدوثا لبطلانه بقاء ، بل يمكن التفكيك ببطلانه حدوثا وصحته بقاء. وهذا غير مراد قطعا ، لوضوح أنّ فقد شرط صحة العقد يقتضي البطلان حدوثا وبقاء ، بل المراد نفي البطلان حدوثا حتى يدّعى بطلانه بقاء.

والحاصل : أنّ النزاع صغروي ، وهو عدم بطلان العقد حدوثا لأجل عدم مجيز حين العقد ، لا أنّه باطل حدوثا وصحيح بقاء ، فإنّ الكبرى ـ وهي الملازمة بين بطلان العقد حدوثا وبقاء ـ مسلّمة ، وليست قابلة للخدشة ، فإنّ البيع الربوي وبيع المجهول وغيرهما من البيوع الباطلة باطلة حدوثا وبقاء ، ولا يمكن تصحيحها بقاء.

فغرض المصنف منع الملازمة صغرويّا لا كبرويّا ، بمعنى : أنّ الملازمة بين فساد العقد حدوثا وبقاء وإن كانت مسلّمة ، ولكن المقام ليس من صغرياتها ، لعدم كون وجود المجيز حين العقد شرطا في صحة العقد.

(**) لا يخفى أنّ الضرر يتدارك بالخيار في ظرف الجهل. وأمّا في حال العلم فلا موجب لرفعه لمكان الإقدام عليه.

لكن بعض محققي المحشين قدس‌سره قال : «والتحقيق أنّ صحة هذا العقد واقعا وكذا لزومه الناشئ من صحّته لا توجب ضررا ، ولذا لا يترتّب ضرر مع القطع بصحّته ولزومه ، والضرر ينشأ من الجهل بالصحة والفساد ، ودوران كلّ من العوضين بين أن يكون ماله أو

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

العلامة ، وكان المناسب سوق العبارة هكذا : «ويضعّف الثاني وهو قاعدة نفي الضرر بمنعه ، لتداركه بما يتدارك .. إلخ».

وكيف كان فقد ردّه المصنف بناء على كون الفضولي على طبق القاعدة ، وأنّ الأدلة العامة تقتضي صحته. فمحصّل الردّ حينئذ : أنّ ضرر المشتري الأصيل الناشئ من منع تصرفه في كلّ من الثمن والمثمن يجبر بالخيار ، كما يجبر به ضرر عدم إمكان الوصول إلى المالك الأصيل في صورة النقض المذكورة في المتن.

__________________

مال غيره. وليس للجهل حكم شرعي ضرري حتى يرتفع ، بل وجوب الاحتياط حكم عقلي ، وقد بيّنّا في محله أنّ المرفوع بقاعدة الضرر والحرج هو الحكم الشرعي الضرري أو الحرجي ، لا ما ليس من مجعولات الشارع» (١).

أقول : لا ينبغي الارتياب في كون منشأ الضرر هو لزوم العقد وصحته ، من غير فرق فيه بين العلم باللزوم والجهل به ، غاية الأمر أنّ الحكم الضرري لمّا كان رفعه امتنانيّا كان رفعه في حال وجود الامتنان وهو حال الجهل. وأمّا مع العلم بالضرر والإقدام عليه فلا امتنان في البين حتى تجري فيه قاعدة الضرر. فالضرر ناش من لزوم العقد في كلتا حالتي العلم والجهل. غاية الأمر أنّ إقدامه على الضرر مع العلم به يدفع الامتنان ويمنع عن قاعدة الضرر.

والحاصل : أنّ الموجب للضرر على كل حال هو لزوم العقد ، لكن قاعدة الإقدام تمنع عن جريان قاعدة الضرر.

وما نحن فيه نظير سائر موارد الضرر كالبيع الغبني ، فإنّ الإقدام على الغبن مع العلم به لا يرفع لزوم البيع الذي نشأ منه الضرر.

وبالجملة : فقاعدة الضرر تجري في حال الجهل ، لوجود المقتضي وعدم المانع ، ولا تجري في حال العلم ، لوجود المانع وهو قاعدة الإقدام.

نعم هذا الدليل أخص من المدعى ، وهو اعتبار وجود مجيز حين العقد ، لاختصاصه بصورة الضرر مع الجهل به.

__________________

(١) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدس‌سره ، ج ١ ، ص ١٦٥.

٢٢٩

بما يتدارك به (١) صورة (٢) النقض المذكورة.

هذا كلّه مضافا (٣) إلى الأخبار الواردة في تزويج الصغار

______________________________________________________

(١) الضمير راجع إلى الموصول في قوله : «بما» المراد به الخيار. ولم يبيّنه هنا اعتمادا على ما ذكره في سادس الأمور المتعلقة بالإجازة من قوله : «ولو لم يجز المالك ولم يرد حتى لزم تضرر الأصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه وإليه على القول بالكشف ، فالأقوى تداركه بالخيار» فلاحظ (ص ٢١٠).

(٢) وهي صورة كون المجيز بعيدا عن محلّ عقد الفضولي ، بحيث يمتنع الوصول إليه في مدة قصيرة حتى يجيز العقد.

(٣) غرضه منع أصل الاشتراط المذكور في كلام العلّامة قدس‌سره ، ومحصله : الاستدلال بفحوى النصوص الواردة في نكاح الصغيرين فضولا ، كما استدل بها جماعة على نفي أن يكون للعقد مجيز في الحال. قال صاحب المقابس : «لو كان شي‌ء مما ذكر في المنع صالحا لذلك لعمّ جميع العقود وثبت في النكاح أيضا ، بل بالطريق الأولى. لكن نكاح الفضولي للصغير والصغيرة مع إجازتهما بعد البلوغ جائز اتفاقا نصّا وفتوى ، فكذلك سائر العقود» (١).

وفي الجواهر : «مضافا إلى خبر الصغيرين» (٢).

وتوضيح ما أفاده المصنف قدس‌سره : أنّ يستفاد من النصوص الواردة في تزويج الصغار صحة العقد مطلقا سواء أكان لهم وليّ ، وأهمل الإجازة إلى بلوغهم ، أم لم يكن لهم وليّ.

فمن تلك النصوص ما رواه عبّاد بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل زوّج ابنا له مدركا من يتيمة في حجره. قال : ترثه إن مات ، ولا يرثها ، لأنّ لها الخيار ، ولا خيار عليها» (٣). وقريب منه غيره (٤).

__________________

(١) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٥.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩٧ ، جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٦٣ (الطبعة الحجرية) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٥.

(٣) وسائل الشيعة ج ١٧ ، ص ٥٢٨ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث ٢.

(٤) المصدر ، ج ١٤ ، ص ٢٠٧ ، الباب ٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث ٢.

٢٣٠

فضولا الشاملة (١) لصورة وجود وليّ النكاح وإهماله (٢) الإجازة إلى بلوغهم ، وصورة (٣) عدم وجود الوليّ ، بناء (٤) على عدم ولاية الحاكم على الصغير في النكاح ، وانحصار (٥) الوليّ في الأب والجدّ والوصيّ ، على خلاف فيه (٦).

وكيف كان (٧) فالأقوى عدم الاشتراط وفاقا للمحكي (١) عن ابن المتوّج

______________________________________________________

فإنّ الأخبار الواردة في تزويج البنات اليتامى فضولا لو لم تكن منصرفة إلى خصوص موارد عدم وجود مجيز حال العقد ، فلا أقلّ من إطلاقها الشامل لصورة عدم المجيز حينه ، فإنّ ثبوت الإرث لليتيمة ـ وكذا الخيار لها ـ يدلّان على صحة التزويج مع عدم وليّ حين التزويج يمكنه فعلا إجازة العقد.

(١) صفة للأخبار.

(٢) الظاهر أنه مفعول معه وقوله : «إلى بلوغهم» متعلق بالإهمال.

(٣) معطوف على «صورة وجود وليّ النكاح».

(٤) قيد لعدم وجود الولي ، يعني : أنّ فرض عدم وجود الولي مبني على عدم ولاية الحاكم الشرعي على الصغير في النكاح ، وإلّا فالوليّ موجود دائما ، لأنّه إمّا الحاكم وإمّا عدول المؤمنين.

(٥) معطوف على «عدم ولاية» يعني : وبناء على انحصار الولي في الأب والجد بلا إشكال.

(٦) أي : في الوصي ، فإنّ في ولايته على نكاح الصغير خلافا بين الفقهاء. فقوله قدس‌سره : «على خلاف فيه» قيد لخصوص الوصي ، دون من تقدّمه من الأب والجدّ.

(٧) يعني : سواء أكان ما ذكرناه ـ من النقض والحلّ ـ في رد ما استدلّ به لقول العلامة صحيحا بتمامه ، أم كان بعضه صحيحا ، فالأقوى عدم اشتراط صحة عقد الفضولي بوجود مجيز حين العقد. وهذا وجيه بناء على كون الفضولي على طبق القاعدة ، لشمول

__________________

(١) الحاكي عنهم هو السيد العاملي ، لكن ظاهر عبارة السيد عدم الظفر بكلام ابن المتوّج ، وإنّما نقل عنه بواسطة ، فقال : «على ما نقل عنه» فلاحظ مفتاح الكرامة ج ٤ ، ص ١٩٥. وهو كما في أمل الآمل ورياض العلماء «الشيخ ناصر بن أحمد بن عبد الله بن المتوج البحراني ، صاحب الذهن الوقّاد ، فاضل محقق فقيه حافظ ..» لاحظ أمل الآمل ، ج ٢ ، ص ٣٣٣ ، رياض العلماء ، ج ٦ ، ص ٣٤.

٢٣١

البحراني والشهيد (١) والمحقّق الثاني (٢) وغيرهم (٣) ، بل لم يرجّحه (١) غير العلّامة رحمه‌الله.

ثمّ اعلم أنّ العلّامة (٢) في القواعد مثّل لعدم وجود المجيز ببيع مال اليتيم.

______________________________________________________

العمومات والإطلاقات له.

وأمّا بناء على كونه على خلاف القاعدة ، واستناد صحته إلى الأخبار الخاصة ـ كصحيحة محمد بن قيس وما ورد في الاتجار بمال اليتيم ونحوهما ـ فيشكل القول بصحته ، لاختصاص مواردها بصورة وجود المجيز حال العقد.

(١) يعني : لم يرجّح اشتراط وجود مجيز حال العقد غير العلّامة ، فيكون قوله مخالفا للمشهور. بل لم يظهر موافق للعلّامة. وبهذا ظهر وجه الإتيان بكلمة «بل» وأنّ المخالف في المسألة أي النافي للاشتراط غير منحصر في المذكورين ، بل المعظم أو الكل ذهبوا إلى عدم الاعتبار. هذا ما أفاده المصنف في المقام الأوّل. وسيأتي الكلام في المقام الثاني الناظر إلى ما قيل حول عبارة القواعد.

(٢) قد تعرض المصنف قدس‌سره حول كلام العلامة ـ من اشتراط وجود المجيز في حال العقد ـ لمطالب :

الأوّل : تمثيل العلّامة لعدم المجيز حال العقد ببيع مال اليتيم.

الثاني : إيراد بعض العامّة عليه : بأنّ عدم المجيز حين العقد فرض غير واقع على مذهب الإمامية القائلين بوجود الإمام عليه الصلاة والسلام ، وعدم خلوّ زمان عنه عليه‌السلام ، وهو وليّ من لا وليّ له ، وعليه فوليّ بيع مال اليتيم موجود حين البيع.

الثالث : ردّ العلّامة قدس‌سره لهذا الإيراد ، ومحصل ردّه هو : عدم التمكن من الوصول إليه عليه‌السلام ، فيصدق حينئذ عدم وجود مجيز لبيع مال اليتيم حين البيع.

الرابع : انتصار بعض الفقهاء ـ للمورد العامي المتقدّم ـ بما حاصله : أنّ الإمام عليه‌السلام وإن كان غائبا لا يمكن الوصول إليه ، لكن يمكن الوصول إلى نائبه ، وهو المجتهد

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٣.

(٢) جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٣.

(٣) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٢٦ ، وحكاه عنه في مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ٣٤.

٢٣٢

وحكي عن بعض العامّة (١) ـ وهو البيضاوي على ما قيل (١) ـ الإيراد عليه (٢): بأنّه (٣) لا يتمّ على مذهب الإمامية القائلين بوجود الإمام عليه‌السلام في كلّ عصر.

وعن المصنّف (٤) قدس‌سره أنّه أجاب : بأنّ الإمام غير متمكّن من الوصول إليه.

______________________________________________________

الجامع للشرائط ، بل لو فرض عدمه أيضا فعدول المؤمنين موجودون ، بل مع فرض عدمهم أيضا تكون الولاية على مصالح اليتيم لفسّاق المؤمنين.

الخامس : ردّ المصنف لهذا الانتصار الدافع عن البيضاوي ، ومحصل الردّ : أنّه لا بدّ من تحليل كلام العلامة وتشخيص مرامه حتى يظهر ورود الإشكال عليه وعدمه ، فنقول : إن كان مراد العلّامة من اشتراط وجود مجيز حين العقد ذات المجيز سواء أكان متمكنا فعلا من الإجازة أم لا فإيراد البيضاوي وارد عليه ، ولا يندفع بما ذكره العلّامة في ردّه من أنّ الامام قدس‌سره لغيبته لا يتمكّن من الوصول إليه.

وإن كان مراد العلّامة من اشتراط وجود مجيز حين العقد من يتمكّن فعلا من الإجازة ، فيندفع به إيراد البيضاوي ، لإمكان عدم الوصول إلى المجتهد العادل والعدول أيضا ، لعدم حضورهم ، أو عدم إمكان إعلامهم بالعقد حتى يجيزوا ، فيصدق في هذه الصورة عدم وجود مجيز حين العقد.

(١) قال السيد الفقيه العاملي قدس‌سره : «وقال الشهيد في حواشيه ـ يعني حواشيه على قواعد العلّامة ـ انّ بعض الجمهور اعترض على المصنف في هذه المسألة بسقوطها على مذهبه ، لأنّه يعتقد وجود الامام عليه‌السلام في كل زمان ، وهو وليّ من لا وليّ له. فأجاب ـ يعني المصنف وهو العلّامة ـ بأنّه أراد مجيزا في الحال يمكن الاطّلاع على إجازته ، وتتعذّر إجازة الإمام عليه‌السلام ، لاستتاره عن الناس» (٢).

(٢) أي : على العلّامة ، وهذا إشارة إلى المطلب الثاني الذي تقدّم بقولنا : «الثاني : إيراد بعض العامة عليه .. إلخ».

(٣) متعلّق بالإيراد وبيان له.

(٤) هذا التعبير من الشهيد في حواشي القواعد ، وكان المناسب أن يقول الماتن :

__________________

(١) لم نعثر على القائل ولا على كلام البيضاوي في فتاواه.

(٢) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٥.

٢٣٣

وانتصر للمورد (١) بأنّ نائب الإمام ـ وهو المجتهد الجامع للشرائط ـ موجود ، بل لو فرض عدم المجتهد فالعدول موجودون ، بل للفسّاق الولاية على الطفل في مصالحه مع عدم العدول (٢).

لكنّ الانتصار (٣) في غير محلّه ، إذ كما يمكن فرض عدم التمكّن من الإمام يمكن عدم اطّلاع نائبه من المجتهد والعدول أيضا.

فإن أريد (٤) وجود ذات المجيز ، فالأولى (٥) منع تسليم دفع الاعتراض بعدم (٦) التمكّن من الإمام عليه‌السلام.

______________________________________________________

«وعن العلامة». وهو إشارة إلى المطلب الثالث المذكور بقولنا : «الثالث ردّ العلامة قدس‌سره لهذا الإيراد ، ومحصّل ردّه هو عدم التمكن .. إلخ».

(١) وهو البيضاوي ، وهذا إشارة إلى المطلب الرابع المتقدم بقولنا : «الرابع : انتصار» والمنتصر هو المحقق القمي قدس‌سره (١).

(٢) فعلى ما ذكره المنتصر لا يتصوّر فرض لا يكون المجيز فيه موجودا حال العقد. وبهذا تمّ انتصار المحقق القمي لبعض الجمهور.

(٣) هذا إشارة إلى المطلب الخامس المذكور بقولنا : «الخامس ردّ المصنف لهذا الانتصار».

(٤) هذا إشارة إلى أوّل شقّي الترديد الذي مرّ بقولنا : «إن كان مراد العلامة من اشتراط مجيز حين العقد ذات المجيز .. إلخ».

(٥) جواب «إن» الشرطية في قوله : «فإن أريد». والمراد بالاعتراض إيراد البيضاوي ، والمراد بدفعه ما أفاده العلّامة من عدم الوصول إلى الامام الذي هو وليّ من لا وليّ له. والمراد بمنع هذا الدفع ما أفاده المصنف.

ووجه الأولوية : مغايرة المثبت والمنفي ، إذ المثبت المفروض هو ذات المجيز ، والمنفي هو التمكن من الامام عليه‌السلام.

(٦) متعلق ب «دفع».

__________________

(١) جامع الشتات ، ج ١ ، ص ١٦٣ (الطبعة الحجرية) ج ٢ ، ص ٣١٨ ، الطبعة الحديثة.

٢٣٤

وإن أريد (١) وجوده مع تمكّنه من الإجازة ، فيمكن فرض عدمه في المجتهد والعدول إذا (٢) لم يطّلعوا على العقد.

فالأولى (٣) ما فعله فخر الدين (٤) والمحقّق الثاني (١) من تقييد بيع مال اليتيم بما (٥) إذا كان على خلاف المصلحة ، فيرجع (٦) الكلام أيضا إلى اشتراط إمكان

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى ثاني شقّي الترديد الذي قد تقدّم بقولنا : «وإن كان مراد العلامة من اشتراط وجود مجيز حين العقد من يتمكن فعلا .. إلخ».

(٢) متعلق ب «فيمكن» يعني : أنّ إمكان عدم وجود المجيز الفعلي جار في المجتهد والعدول في فرض عدم اطّلاعهم على وقوع عقد على مال الطفل حتى يجيزوه.

(٣) يعني : بعد الخدشة في تفصّي العلّامة عن اعتراض بعض العامة يكون الأولى ـ في التمثيل لعدم وجود المجيز ببيع مال اليتيم ، وحكمه ببطلان هذا البيع ـ ما فعله فخر الدين قدس‌سره من تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان على خلاف المصلحة ، إذ لو كان مع المصلحة فالبيع صحيح ، والإجازة تقع في محلها. ولو كان بدون المصلحة فوليّ الطفل ما دام وليّا ـ وهو زمان صغر الطفل ـ ليس له الإجازة لا في حال العقد ولا بعده ، مع أنّ ذات المجيز موجود. فمن ليس له الإجازة فعلا ويصير مجيزا بعد ذلك هو اليتيم. فالمنفي حينئذ هو فعلية الإجازة من اليتيم الذي من شأنه الإجازة بعد البلوغ ، فمرجع بطلان بيع الفضولي حينئذ إلى اشتراط فعلية إمكان الإجازة ، لا ما هو ظاهر كلام العلامة قدس‌سره : «عدم وجود المجيز» لظهوره في عدم ذات المجيز.

(٤) قال في الإيضاح : «واعلم أنّ هذا الفرع إنّما يتأتى على مذهب الأشاعرة. وأمّا على قولنا ففي صورة واحدة ، وهي بيع مال الطفل على خلاف المصلحة ، أو الشراء له» ونحوه عبارة جامع المقاصد.

(٥) متعلّق ب «تقييد».

(٦) يعني : فيرجع الكلام الذي صدّر به هذا التنبيه ـ وهو قول المصنف قدس‌سره : الثاني هل يشترط في صحة عقد الفضولي وجود مجيز حين العقد ـ إلى عنوان الأمر

__________________

(١) إيضاح الفوائد ، ج ١ ، ص ٤١٩ ، جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٢.

٢٣٥

فعليّة الإجازة من المجيز ، لا وجود (١) ذات من شأنه الإجازة (٢) ، فإنّه فرض غير واقع في الأموال (٣).

______________________________________________________

الثالث ، بناء على تقييد المثال بكون بيع مال اليتيم على خلاف المصلحة.

ثم إنّ قوله : «فيرجع ..» تفريع على تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان على خلاف المصلحة على ما نقله المصنف قدس‌سره عن الفخر والمحقق الثاني قدس‌سرهما. ومحصّل التفريع : أنّ مرجع هذا التقييد إلى اشتراط إمكان فعلية الإجازة من المجيز حين العقد ، لا إلى اشتراط وجود ذات من شأنه الإجازة ، إذ لو كان كذلك تلغو الشرطية المذكورة ، لعدم خلوّ زمان عقد الفضولي عن ذات مجيز ، من المالك الأصيل أو وليّه.

ففي زمان صدور العقد يكون ذات المجيز موجودا دائما ، فيرجع عنوان اعتبار وجود مجيز حين العقد إلى العنوان الآتي في الأمر الثالث ، وهو : اشتراط كون المجيز جائز التصرف حين العقد ، إذ الوليّ ليس له الإجازة في العقد الذي لا مصلحة فيه ، كبيع مال اليتيم ، ويتوقف جواز إجازته على انقلاب المفسدة مصلحة.

فبناء على رجوع عنوان «اعتبار وجود مجيز حين العقد» إلى عنوان «اعتبار كون المجيز جائز التصرف حين العقد» لم يكن داع إلى عقد أمرين لهما. وهذا الشّق قد صرّح به العلّامة في التذكرة ، حيث إنّه ـ بعد نقل كلام بعض العامة في اعتبار وجود مجيز في الحال ـ قال : «والمعتبر إجازة من يملك التصرف عند العقد ، حتى لو باع مال الطفل ، فبلغ وأجاز لم ينعقد» (١).

(١) يعني : ولا يرجع الكلام إلى اشتراط وجود ذات من شأنه الإجازة.

(٢) يعني : كما هو ظاهر عبارة القواعد من اشتراط وجود مجيز حين العقد.

(٣) التقييد بالأموال لإمكان عدم وجود ذات المجيز في غيرهما ، كما في نكاح الصغير ، بناء على ما قيل : من اختصاص الولاية في النكاح بالأب والجدّ والوصي.

لكن فيه : أنّ ذات المجيز ـ وهو نفس الصغير ـ موجود ، والمفقود هو المجيز الذي

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ج ١ ، ص ٤٨٦ ، السطر ١٨ ، الطبعة الحديثة ، ج ١٠ ، ص ٢١٩.

٢٣٦

الثالث : لا يشترط في المجيز (١) كونه جائز التصرّف حال العقد ، سواء كان عدم التصرّف لأجل عدم المقتضي (٢)

______________________________________________________

تنفذ إجازته فعلا أي حين العقد كما في حاشية السيّد قدس‌سره (١). وعليه فذات المجيز حين العقد موجود في جميع المقامات ، ولا معنى لاشتراطه تعبّدا.

هل يشترط في المجيز جواز التصرف حال العقد؟

(١) الظاهر أنّ المراد به عدم اشتراط كون المجيز الفعلي جائز التصرف حين العقد ، فلو لم يكن المجيز الفعلي جائز التصرف حين العقد ، وصار كذلك حين الإجازة ، لنفذت إجازته أيضا ، كما إذا بيع مال الصغير مع مصلحته ، وأهمل الوليّ ولم يجز البيع حتى بلغ الطفل ، وأجاز ، فإنّ المجيز الفعلي ـ وهو الطفل ـ لم يكن جائز التصرف حين العقد ، بل كان الولي جائز التصرف حينه.

فجهة البحث في الأمر الثاني ـ بعد البناء على عدم إمكان إرادة وجود ذات المجيز منه ـ هي اعتبار وجود مجيز يتمكّن من الإجازة حين العقد. وفي هذا الأمر الثالث هي عدم اشتراط كون المجيز حين الإجازة هو الذي كان حين العقد متمكنا من الإجازة ، وجائز التصرف ، وأهمل ولم يجز العقد ، فلا يشترط اتحاد هما ، بل يمكن تغايرهما. ومن المعلوم أنّ اشتراط وجود مجيز متمكّن من الإجازة غير اشتراط كونه نفس المجيز الفعلي ، كما مرّ في بيع مال الصغير مع مصلحته ، وإهمال وليّه إجازة البيع حتى بلغ الطفل وأجاز.

وعليه فلا وجه لإرجاع عنوان الأمر الثاني ـ وهو اعتبار وجود مجيز يتمكّن من الإجازة ـ إلى عنوان الأمر الثالث ، وهو كون المجيز حال الإجازة جائز التصرف حال العقد.

وبالجملة : فجهة البحث في الأمرين مختلفة ، إذ هي في الأمر الثاني اعتبار وجود مجيز متمكّن من الإجازة حين العقد ، وفي الأمر الثالث عدم اشتراط كون المجيز الفعلي نفس من كان متمكنا من الإجازة حين العقد ، وجواز تعددهما.

(٢) المراد بالمقتضي هنا ـ لجواز التصرف وسلطنة الشخص على المال ـ هو الملكية

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٦١.

٢٣٧

أم للمانع (١). وعدم (٢) المقتضي قد يكون لأجل عدم كونه مالكا ولا مأذونا حال العقد ، وقد يكون لأجل كونه محجورا عليه لسفه أو جنون أو غيرهما (٣). والمانع (٤) كما لو باع الراهن بدون إذن المرتهن ، ثم فكّ الرهن ، فالكلام يقع في مسائل :

الاولى (٥) (*) : أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة ، لكن المجيز

______________________________________________________

مع كمال المالك بالبلوغ والعقل والرشد ، فكمال المالك كنفس الملكية من أجزاء المقتضي لجواز التصرف ، وعدم الكمال الموجب لعدم جواز التصرف إنّما هو لعدم تمامية أجزاء المقتضي ، لا لأجل وجود المانع ، وإنّما المانع تعلّق حقّ الغير بالعين كحقّ الغرماء ، وحقّ المرتهن ، وحقّ أمّ الولد في عدم بيعها.

وبالجملة : فالمقتضي لسلطنة الشخص وجواز تصرّفه هو الملك المطلق ، لا مطلق الملك ولو كان المالك قاصرا ، أو الإذن من المالك.

(١) وهو تعلق حق الغير بالعين كما عرفت آنفا.

(٢) مبتدء ، خبره «قد يكون» والواو استينافيّة لا عاطفة ، وغرضه بيان منشأ عدم المقتضي كما عرفت توضيحه.

(٣) كالصغر ونحوه ممّا يرفع كمال المالك الذي هو جزء المقتضي لجواز التصرّف.

(٤) مبتدء ، خبره قوله : «كما لو باع» وهذا تفسير للمانع الذي هو مقابل قوله : «المقتضي» ، والمراد بالمانع ـ كما مرّ آنفا ـ هو تعلّق حقّ الغير بالعين. مثاله بيع الراهن العين المرهونة بدون إذن المرتهن.

المسألة الأولى : لو كان المالك المجيز محجورا عن التصرف

(٥) توضيح هذه المسألة : أنّ المالك حال إنشاء العقد إذا كان هو المالك حال الإجازة ، ولكن لم يكن المجيز حين العقد جائز التصرف ـ لتعلّق حقّ الغير كحق الرهانة ، وباع العين المرهونة بدون إذن المرتهن ، وبعد البيع فكّ الرهن ـ فالأقوى صحة الإجازة ، لاجتماع شرائط الصحة فيه ، كسائر العقود الصحيحة القابلة للإجازة.

__________________

(*) يقع البحث هنا في جهات.

الأولى : في صحة بيع المالك ماله الذي تعلّق به حقّ الغير ، وعدمها.

٢٣٨

لم يكن حال العقد جائز التصرّف لحجر ، فالأقوى صحة الإجازة ، بل عدم الحاجة

__________________

والثانية : في احتياجه إلى الإجازة بعد سقوط حق الغير ، وعدمه.

والثالثة : في جريان نزاع الكشف والنقل فيه وعدمه.

أمّا الجهة الأولى فمحصّلها : أنّ الظاهر صحة البيع ، لعموم دليل وجوب الوفاء بالعقود ، وعمومه يشمل جميع أفراد العقود التي منها هذا البيع المبحوث عنه ، والخارج عن الإطلاق الأحوالي الشامل لجميع حالات الأفراد خصوص بعض حالات الفرد ، كتعلّق حق الغير به.

توضيحه : أنّ عموم دليل وجوب الوفاء بالعقود كما أنّ له عموما أفراديا ، كذلك له إطلاق أحوالي ناش من مقدمات الحكمة. ومقتضى هذا الإطلاق موضوعية كل فرد في جميع حالاته لوجوب الوفاء ، فإذا خرج بعض حالات فرد عن الإطلاق الأحوالي كان الخارج خصوص ذلك الحال من الفرد ، لا نفس الفرد ، ولا غير ذلك الحال من حالاته. فالفرد باق تحت العموم الأفرادي ، ولم ينثلم إلّا الإطلاق الأحوالي بالنسبة إلى بعض حالاته. فإذا زال ذلك الحال صار جميع حالاته تحت الإطلاق.

وهذا نظير الربح المصروف في المئونة بناء على كون خروجها عن أدلة وجوب الخمس في الفوائد بنحو التقييد لا التخصيص ، إذ لو كان خروجها عنها من باب التخصيص ـ أي إخراج الفرد ـ كان خروج المئونة في جميع الحالات ، إذ المفروض خروج الفرد بما له من الحالات ، وإن خرجت عن عنوان المئونة ، كخروج «زيد العالم» عن عموم دليل وجوب «إكرام العلماء» فإنّ الخارج هو زيد مع حالاته.

ونظير المقام أيضا باب الخيارات ، فإنّ المحكم فيها بعد انقضائها عموم أدلة اللزوم ، لكون خروج الخيار عنه من باب التقييد لا التخصيص.

وبالجملة : فمقتضى العموم الأفرادي والإطلاق الأحوالي صحة بيع المالك المال المتعلق لحق الغير كالرّهن. وبعد الفك يترتب الأثر على البيع من دون حاجة إلى إجازة المالك ، لما مر آنفا من كون العقد عقدا للمالك.

وأمّا الجهة الثانية فقد ظهر حكمها مما ذكرناه في الجهة الأولى ، حيث إنّ مقتضى إطلاق مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» أحواليّا هو لزوم الوفاء بالعقد ، وعدم الحاجة إلى الإجازة بعد فكّ

٢٣٩

إليها إذا كان عدم جواز التصرّف لتعلّق حقّ الغير ، كما لو باع الراهن ، ففكّ الرّهن

__________________

الرهن الذي كان مانعا عن الإطلاق الأحوالي ، ومقيّدا له ما دام موجودا. وبعد ارتفاعه يتشبث به.

بل يمكن أن يقال : بصحة البيع وانتقال المبيع بوصف المرهونية والاستيثاق للدين إلى المشتري. نظير بيع العين المستأجرة ، فإنّ بيعها بهذا الوصف صحيح. غاية الأمر أنّها تنتقل إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدة الإجازة. نعم يحكم بثبوت الخيار للمشتري مع الجهل في بيع العين المرهونة والمستأجرة. هذا فيما كان المانع تعلق حق الغير الموجب للتزاحم مع سلطنة المالك في ماله ، فلا حاجة إلى الإجازة بعد ارتفاع المزاحم وهو حقّ الغير.

وأمّا إذا كان المانع ما يرجع إلى قصور المالك ، فالظاهر الحاجة إلى الإجازة حتى يسند العقد إلى السلطان ، ولا يسند إليه إلّا بالإجازة الواقعة بعد ارتفاع قصور المالك كالسفه.

ففرق بين تعلق حق الغير كالرهن ، وبين قصور المالك كالسفه ، فإنّ الرهن يزاحم سلطنة المالك ، والسفه يرفع سلطنته. وحقّ الغرماء نظير حق الرهانة في إيجاد المزاحمة مع سلطنة المالك ، وعدم الحاجة إلى الإجازة بعد سقوط حقّ الغرماء مع رضاه بالبيع ، فلا مورد للإجازة الموجبة لإسناد العقد إلى المالك ، ولإضافة العقد إليه.

نعم إذا كان العاقد غير الراهن والمفلّس المالكين فلا بدّ بعد فكّ الرهن وبعد سقوط حق الغرماء ـ وارتفاع الحجر عنه ـ من إجازة المالك الراهن والمفلّس حتى يسند العقد إليهما ، ويحصل رضاهما به.

وأمّا الجهة الثالثة فيقع الكلام فيها تارة في جريان نزاع الكشف والنقل في الإجازة. واخرى في جريانه في فكّ الحق كالرهانة.

أمّا في الإجازة فقد يقال : بعدم الجريان فيها ، إذ لازم الكشف النقل من حين العقد ، وهو زمان تعلق حق الرهن بالمبيع ، فيلزم تأثير العقد مع حفظ الرهن. وهو غير معقول.

لكن فيه أوّلا : عدم المنافاة بين حفظ الرهن وصحة البيع ، إذ المبيع حينئذ هو العين

٢٤٠