هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

.................................................................................................

__________________

لكن الحق إمكانه ، لأنّه وإن لم يتغير الفعل عمّا وقع عليه ، إلا أنّه إذا كان على وجوده بقاء أثر شرعيّ فلا مانع من ترتب ذلك الأثر إذا تحقق غير ذلك الفعل ممّا له دخل في ترتّب الحكم الشرعي عليه.

فإذا كان ممّا له الدخل في الأثر رضا المالك مثلا بما وقع عن الفضولي من العنوان كالبيع ، فإذا رضي المالك بذلك أثّر العقد أثره. فالقبض بوجوده الحدوثي وإن لم يكن له أثر وهو سقوط الضمان عن مالك المبيع فضولا ، لكن له أثر بعد الإجازة وهي الرضا بقبض الفضولي ، فيسقط الضمان عن البائع بعد رضاه.

الجهة الثانية : في مرحلة الإثبات ، وحاصلها : أنّه في العقود المتوقفة صحتها على القبض تكون الملازمة بين إجازة العقد وإجازة القبض والإقباض ثابتة بدلالة الاقتضاء ، لأنّ إجازة العقد بدون إجازتهما لغو ، إذ المفروض عدم صحة العقد بدون القبض والإقباض ، لما قيل من أنّهما كالإيجاب والقبول من حيث الدخل في الصحة.

وهذا من غير فرق بين كليّة الثمن وشخصيته ، ضرورة أنّ إجازة الثمن الكلي ـ أو المثمن كذلك ـ تقتضي رضا المالك بتطبيق الكلي على أحد أفراده.

وهذا بخلاف العقود غير المتوقفة صحتها على القبض ، فإنّ إجازة نفس العقد لا تلازم إجازة الإقباض والقبض ، إذ المفروض صحتها ولو بدون القبض ، فدليل الاقتضاء لا تقتضي الملازمة بين إجازة العقد وإجازة الإقباض والقبض ، من غير فرق في هذه العقود الصحيحة بدون القبض بين كون العوضين أو أحدهما كليّا أو شخصيّا.

الجهة الثالثة : في أنّه هل يعتبر في جريان دلالة الاقتضاء علم المجيز بتوقّف صحة العقد على القبض أم لا؟ الظاهر جريانها فيما تعلّقت الإجازة بعقد جامع لكافّة شرائط صحته وإن لم يعلمها تفصيلا ، نظير نية الصوم مع العزم على ترك جميع المفطرات مع عدم علمه بها تفصيلا ، كجريان دلالة الاقتضاء في صورة العلم بدخل القبض في صحة العقد.

الجهة الرابعة : في أنّه بعد البناء على جريان الفضولية في الإقباض والقبض يقع الكلام في أنّه هل يجري نزاع الكشف والنقل فيهما أم لا؟

ينبغي أن يقال : إنّ الموجود إن كان من الأمور الاعتباريّة التي لها بقاء في وعاء الاعتبار جرى فيه نزاع الكشف والنقل ، لصحة اعتبار كلّ من الكشف والنقل فيه. وإن كان من الأمور الخراجية التكوينية كالقبض والإقباض ونحوهما ممّا ليس له وجود اعتباري بقاء

٢٠١

ولو أجازهما صريحا (١) أو فهم إجازتهما من إجازة البيع مضت (٢) الإجازة (٣) ، لأنّ (٤) مرجع إجازة القبض إلى إسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري ، ومرجع

______________________________________________________

(١) كما إذا قال : أجزت البيع وقبض الثمن وإقباض المبيع.

(٢) جواب الشرط في «ولو أجازهما».

(٣) أي : صحّت الإجازة ، لوقوعها في محلّها من دون مانع عن شمول الإجازة للقبض والإقباض.

(٤) الظاهر أنّه علّة لصحة الإجازة ومضيّها ، لكنّه غير مناسب للعليّة ، لأنّ سقوط الضمان من آثار صحة الإجازة وأحكامها ، لا أنّه علّة لصحّتها ، بل علة صحتها هو الدليل الدالّ على صحتها ، وأنّ قبض الثمن وإقباض المبيع كإنشاء البيع من الأفعال القابلة لجريان الفضولية فيها.

وكيف كان فمراد المصنف قدس‌سره أنّ إجازة قبض الثمن توجب سقوط الضمان عن المشتري ، كسقوطه عنه بمباشرة نفس مالك المبيع لقبض الثمن. فليس عليه بعد ذلك دفع الثمن ثانيا إلى البائع الأصيل ، كما أنّ إجازة إقباض المبيع تسقط ضمان البائع ، لارتفاع موجب الضمان ، وهو تلف المبيع قبل قبضه.

وبالجملة : فإجازة القبض والإقباض ترفع الضمان عن البائع والمشتري معا.

ثم إنّ المصنف قدس‌سره علّل مضي الإجازة في القبض والإقباض بأنّ مرجع اجازة قبض الثمن إلى إسقاط ضمان المشتري ، ومرجع إجازة إقباض المبيع إلى رضا المالك بكون المبيع في يد المشتري ، وينبغي توضيح وجه الإتيان بكلمة «المرجع» هنا ، ووجه اختلاف التعبير في إجازة القبض والإقباض.

__________________

فلا يجري فيه نزاع الكشف والنقل.

نعم إذا حصل القبض واستمرّ إلى زمان الإجازة وأجاز المجيز كانت الإجازة ناقلة أو كاشفة. وأمّا إذا تلف المقبوض أو خرج عن تحت يده ، فلا بقاء له اعتبارا حتى يتعلق به الإجازة ، كتعلقها بالعقد الذي له وجود اعتباري بقاء. فإذا أجاز المجيز حينئذ كانت الإجازة كاشفة لا محالة ، ولا يمكن أن تكون ناقلة ، لعدم وجود له لا عينا ولا اعتبارا.

٢٠٢

إجازة الإقباض إلى حصول المبيع في يد المشتري برضا البائع ،

______________________________________________________

أمّا التعبير بالمرجع فلأنّ المفروض عدم تأثير إجازة نفس البيع في صحة القبض الواقع بين الأصيل والفضولي ، لعدم كون القبض من لوازم العقد حتى يستتبع إمضاء الملزوم إمضاء لازمه ، فإنّ أدلة صحة العقد الفضولي تفيد استناده إلى المالك بإجازته. ولا يستفاد منها استناد القبض إليه بالإجازة ، فالمعتبر في الوفاء بالعقد أن يقع القبض بمباشرة المالك أو بتسبيبه كالمأذون من قبله كالوكيل.

فمجرّد رضا المالك بالقبض ـ بإجازة نفس العقد أو بإجازة القبض ـ لا يوجب حصول القبض المحقّق لعدم ضمان المبيع والثمن. نعم يكون رضا المالك بقبض الفضول رضا بأثره ، وهو في المقام إسقاط الضمان.

وأمّا التعبير في قبض الثمن بإسقاط الضمان ، فوجهه : أنّ المالك المجيز لبيع الفضولي يجب عليه الوفاء به بمجرد إجازته ، وكذا يجب على المشتري الأصيل تسليم الثمن للمجيز ، ويتسلّم المثمن منه ، وبما أنّ المشتري لم يسلّم الثمن إلى المجيز حتى يصدق عليه «أنّه قبضه» وإنّما سلّمه إلى الفضولي ، فلذا كان رضاه بقبض الفضولي إسقاطا لما في ذمة المشتري من الثمن.

وأمّا التعبير في إقباض المثمن بأن إجازة المالك رضاه بحصول المبيع في يد المشتري ـ دون التعبير بإسقاط الضمان ـ فوجهه : أنّ المشتري صار مالكا لما تسلّمه من الفضولي ، لأنّ الإجازة المتأخرة أوجبت اتصاف المجيز بكونه بائعا مالكا للثمن. والمشتري بكونه مالكا للمثمن ، فيتصف قبض المشتري بأنّه «قبض المالك» ويترتب عليه عدم انفساخ المعاملة لو تلف المبيع عنده ، لكونه من تلف المبيع بعد القبض لا قبله. هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدس‌سره بتوضيح منّا (*) (١).

__________________

(*) ثم أورد على المصنف بمنافاة التزامه بكون مرجع إجازة قبض الثمن إلى إسقاط ضمان المشتري به لما سيأتي في أحكام القبض من كون الضمان المعاوضي من أحكام العقد ، وليس كضمان الغرامة حقا ماليا قابلا للإسقاط. وعليه لا فرق في ضمان المشتري للثمن بين كونه تالفا حين الإجازة أو باقيا ، فراجع.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ج ١ ، ص ١٦٠ و ١٦١.

٢٠٣

فيترتّب (١) عليه جميع الآثار المترتّبة على قبض المبيع. لكن (٢) ما ذكرنا إنّما يصحّ في قبض الثمن المعيّن.

وأمّا قبض الكلّي وتشخّصه به (٣) فوقوعه من الفضولي على وجه تصحّحه الإجازة يحتاج (٤) إلى دليل معمّم لحكم عقد الفضوليّ لمثل القبض والإقباض ، وإتمام

______________________________________________________

(١) هذا متفرع على كون مرجع الإجازة إلى إسقاط الضمان ، وحاصله : أنّه بعد البناء على صحة جريان الفضولي في القبض والإقباض ـ كجريانه في نفس العقد ـ يترتب على إجازة المالك الأصيل لقبض الفضولي للثمن أو المثمن جميع الآثار المترتبة على قبض نفس المالك الأصيل ، كسقوط ضمان المبيع عن البائع إذا تلف عند المشتري ، لكون تلفه بعد القبض الحاصل من الفضولي برضا المالك الأصيل.

وكسقوط ضمان المشتري للثمن بعد قبض الفضولي ، وإجازة مالك المبيع لهذا القبض ، فإذا تلف بعد هذا القبض فلا ضمان للمشتري حينئذ ، لأنّه تلف بعد القبض.

وككون نماء الثمن لصاحبه ، وكذا نماء المثمن لمالكه. فالقبض الصادر من الفضولي بعد إجازة المالك كقبض المالك في الآثار.

(٢) هذا استدراك على قوله : «ولو أجازهما صريحا أو فهم إجازتهما .. إلخ» وغرضه بيان حكم ما إذا كان الثمن ذمّيّا كما أشرنا إليه في أوّل التنبيه. ومحصله : أنّ صحة إجازة المالك الأصيل للقبض والإقباض الصادرين من العاقد الفضولي تختصّ بالثمن الشخصي لا الكلي ، إذ تشخيص الكلّي من الفضولي وتطبيقه على عين خارجيّة ـ وتأثير إجازة المالك الأصيل فيه كتأثيرها في قبض الثمن الشخصي فضولا ـ محتاج إلى الدليل.

نعم الفرق بين الثمن الشخصي والكلي أنّ إجازة قبض الفضول للثمن الشخصي مآله إلى إسقاط ضمان المشتري كما تقدم. ولكن في الثمن الكلّي حيث إنّه لم يقم دليل على تنزيل قبض الفضول منزلة قبض المالك فلذا يبقى الثمن الكلي في ذمة المشتري حتى يتعين بقبض المجيز.

(٣) أي : تشخص الكلّي وتعيّنه بالقبض.

(٤) خبر «فوقوعه» والجملة جواب الشرط في «وأمّا قبض الكلي».

٢٠٤

الدليل على ذلك (١) لا يخلو (*) عن صعوبة (٢).

______________________________________________________

(١) أي : على عموم حكم عقد الفضولي للقبض والإقباض الصادرين من الفضولي مع كون المال المعقود عليه كليّا ذميّا ، لا معيّنا خارجيا.

(٢) لكون مورد دليل الصحة نفس عقد الفضولي الذي هو من الإنشائيات ، دون القبض الذي هو فعل خارجي ، فدليل الفضولي لا يشمل الإنشاء والقبض معا ، فإنّ إجازة المالك لعقد الفضولي لا تقتضي إلّا استناد العقد إليه ، وانتقال المال عن نفسه إلى صاحبه. وأمّا تشخيص الكلّي في فرد من أفراده فهو خارج عن مقتضى الإجازة.

وعليه فالمانع عن صحة قبض الكلي بتعيين فرده إثباتي ، لعدم الدليل على صحته ، لا ثبوتي ، لعدم امتناعه.

__________________

(*) قد يقال : إنّ المانع عن صحة القبض ثبوتي لا إثباتي ، لأنّ قبض الفضولي ليس قبضا للمالك لا مباشرة ولا تسبيبا ، فالإجازة وإن تعلّقت صريحا بالقبض لا تصحّحه ، لأنّ الإجازة لا توجب انتساب القبض إلى المالك ، ولا تجعله قبض المالك ، إذ ليس كلّ فعل صالحا لأن يصح انتسابه إلى غير مباشرة بالإجازة ، كالأكل والشرب ونحوهما من الأفعال الخارجية الّتي تختصّ آثارها وفوائدها بفاعليها. والشك في صحة الانتساب كاف في عدم ترتب آثار فعل نفسه ، فلا تترتب آثار قبض المالك على قبض الفضولي مع الإجازة ، لكفاية الشك في صحة الانتساب في عدم ترتب الآثار ، هذا.

لكن يمكن أن يقال : إنّ الضابط في صحة الانتساب هو صحة الإذن والوكالة للغير في فعل من الأفعال وعدم صحتهما ، فإن صحّ الإذن والوكالة في فعل صحّت إجازة الفضولي فيه أيضا. ومن المعلوم أنّ قبض كل من المعيّن الخارجي والكلّي الذّميّ من الأفعال التي تجري فيها الوكالة والإذن ، فتجري فيها الإجازة أيضا ، لارتضاع الاذن والإجازة من ثدي واحد ، فإنّ الإذن رضا بما يقع ، والإجازة رضا بما وقع ، وكل منهما يصحح الانتساب الى غير المباشر.

نعم يبقى الكلام في الدليل الذي هو مقام الإثبات. والظاهر أنّ دليل صحة عقد الفضولي بنفسه قاصر عن شموله للقبض بكلا قسميه. والملازمة ـ مطلقا من الشرعية

٢٠٥

وعن المختلف (١) أنّه حكى عن الشيخ «أنّه لو أجاز المالك بيع الغاصب لم يطالب (٢) المشتري بالثمن» ، ثمّ ضعّفه (٣) بعدم استلزام إجازة العقد لإجازة القبض.

______________________________________________________

(١) الغرض من هذا النقل التنبيه على كون استلزام إجازة عقد الفضولي لإجازة قبض المال ـ المعقود عليه فضولا ـ محلّ الخلاف بين الأصحاب ، فالعلّامة حكى في المختلف عن الشيخ قدس‌سرهما : أنّ الغاصب إذا باع مال الغير فضولا ، ثم أجاز المالك الأصيل بيع الفضولي ، كانت إجازة البيع إجازة قبض الثمن أيضا ، وليس لمالك المبيع مطالبة المشتري بالثمن ، لأنّ إجازة البيع إجازة قبض الثمن بالملازمة.

قال العلّامة قدس‌سره : «قال في النهاية : لو أمضى المغصوب منه البيع ، لم يكن له بعد ذلك درك على المبتاع ، وكان له الرجوع على الغاصب بما قبضه من الثمن. وفيه نظر ، فإنّ إمضاء البيع لا يوجب الإجازة في قبض الثمن» (١). وظاهر كلاميهما الإطلاق ، يعني سواء أكان الثمن كلّيا أم شخصيا.

(٢) أي : لا يجوز للمالك المغصوب منه مطالبة الثمن من المشتري ، بل له مطالبته من الغاصب ، لأنّ إجازته للبيع إمضاء للقبض أيضا. ولمّا كان بيع الغاصب من أقسام بيع الفضولي صحّت دعوى الملازمة بين إجازة البيع وإجازة قبض الثمن في جميع أقسام الفضولي.

(٣) يعني : أنّ العلامة ضعّف ما حكاه عن شيخ الطائفة بإنكار الملازمة بين إجازة العقد وإجازة القبض. والوجه في إنكارها عدم اللزوم الشرعي والعرفي ، لما مرّ من إمكان التفكيك بينهما ، فلا وجه حينئذ لدعوى الملازمة.

__________________

والعرفية ـ بين إجازة نفس عقد الفضولي وبين القبض أيضا غير ثابتة كما مر آنفا ، فلا يكون قبض الفضولي قبض المالك بمجرّد إجازة عقده.

وأمّا مع تحقق الإجازة بالنسبة إلى القبض بالصراحة أو بالقرينة فلا ينبغي الإشكال في نفوذ الإجازة ، وترتب آثار قبض المالك على قبض الفضولي بعد انطباق الضابط المذكور آنفا على إجازة القبض.

__________________

(١) النهاية ، ص ٤٠٦ ، مختلف الشيعة ، ج ٥ ، ص ٥٧.

٢٠٦

وعلى أيّ حال (١) فلو كانت إجازة العقد ـ دون القبض ـ لغوا كما في الصرف والسلم بعد قبض الفضولي والتفرّق كانت (٢) إجازة العقد إجازة القبض (*) صونا للإجازة عن اللغوية (٣).

______________________________________________________

(١) أي : سواء التزم الفقهاء بالملازمة المزبورة أم لا فلو كانت .. إلخ. وهذا إشارة إلى تفصيل آخر أشرنا إليه في أول التنبيه ، وهو إثبات استلزام إجازة البيع لإجازة القبض ، وتوضيحه : أنّ إجازة المالك الأصيل للعقد إن كانت بدون إجازة القبض لغوا كما في بيع الصرف والسّلم ، حيث إنّ القبض في المجلس شرط صحتهما ، فإن لم تستلزم إجازة البيع إجازة الفضولي للقبض في المجلس بعد التفرق عن المجلس كانت إجازة البيع لغوا ، لفقدان شرطه وهو القبض في المجلس ، وعدم إمكان تداركه ، لتفرق المتعاقدين. فلا بدّ حينئذ بمقتضى دلالة الاقتضاء من الالتزام باستلزام إجازة عقد الفضولي لإجازة قبضه الحاصل في المجلس. وإن لم تكن إجازة المالك مستلزمة لإجازة قبض الفضولي كما في غير العقد المشروط بالقبض في المجلس ، فلا وجه لدعوى الملازمة المزبورة.

(٢) جواب الشرط في قوله : «فلو كانت».

(٣) هذا إشارة إلى دلالة الاقتضاء الحاكم بها العقل كما أشرنا إليها آنفا.

__________________

(*) هذا الاستلزام منوط أوّلا بقابلية القبض لجريان الفضولية فيه ثبوتا ، وقد مرّ في التعليقة السابقة صحة جريانها فيه بمقتضى الضابط المذكور فيها.

وثانيا : باستلزام إجازة العقد لإجازة القبض إثباتا. وهذا بمقتضى تبعية العقود للقصود منوط بقصد ما يعتبر في العقد شطرا وشرطا ، وبدون قصده لا يترتب على إجازة المالك الأصيل ، فإجازة العقد لا تكون إجازة للقبض المعتبر فيه إلّا إذا قصد القبض ، وهذا القصد موقوف على علم المالك تفصيلا بشرطية القبض في العقد ، أو علمه إجمالا بأن يقول : أجزت هذا العقد مع جميع ما يعتبر فيه شرعا. ولا يكفي أن يقول : أجزته مع جميع ما يعتبر فيه عرفا ، لأنّ القبض في المجلس في بيع الصرف شرط شرعي لا عرفي. فإجازة العقد بشرطه العرفي لا تدلّ على إجازته بشرطه الشرعي.

وبالجملة : فاستلزام إجازة العقد لإجازة شرائطه الشرعية مشروط بقصد تلك الشرائط تفصيلا أو إجمالا.

٢٠٧

ولو قال (١) : «أجزت العقد دون القبض» ففي بطلان العقد (٢) ، أو بطلان (٣) ردّ القبض ، وجهان (٤).

السادس (٥):

______________________________________________________

(١) هذا إشارة لما يتفرع على الملازمة بين إجازة البيع والقبض ، وأنّه لو صرّح المالك بإجازة بيع الصرف دون القبض ، فهل يبطل العقد رأسا أم يصح ويلغو ردّ القبض؟

(٢) رأسا ، لتقوّمه بالقبض في مثل بيع الصرف ، والمفروض أنّه لم يجز القبض ، فيبطل العقد ، ولا مصحّح له بعد انقضاء المجلس.

(٣) بطلان ردّ القبض عبارة أخرى عن صحة القبض المستلزمة لصحة العقد ، فكأنّه قال : ففي بطلان العقد وصحته وجهان.

(٤) ناشئان من لغوية الإجازة مع كون القبض ركنا في بيع الصرف ، فيبطل كل من العقد والقبض ، إذ لا معنى لإجازة بيع الصرف المجرّد عن القبض الصحيح ، فالمعاملة فاسدة حينئذ.

ومن أنّ إجازة العقد مصحّحة له. ولا أثر لردّ القبض بعدها ، لأنّ إمضاء العقد إمضاء للقبض الملازم له ، فيلغو ردّه بعد إمضائه ، فيصح العقد.

لكن الحق بطلانهما معا ، لأنّ مقتضى بناء أبناء المحاورة على الأخذ بظواهر الألفاظ ـ بعد فراغ المتكلمين عن كلامهم ـ هو بطلان العقد في المقام ، لقرينية ردّ القبض على عدم الأخذ بظهور قوله : «أجزت العقد».

وهذا الفرض لا يزيد على ما إذا باشر المالك بيع الصرف بدون القبض حتى انقضى المجلس ، إذ لا شبهة في بطلان البيع حينئذ وعدم وجه لصحته. فمعنى قوله : «أجزت البيع دون القبض» أجزت بيعا باطلا.

نعم يصح ذلك في البيع الذي لا يشترط في صحته القبض في المجلس ، إذ لا مانع من صحة البيع فقط بالإجازة دون القبض.

لا تشترط الإجازة بالفور

(٥) الغرض من عقد هذا الأمر التنبيه على عدم اشتراط إجازة البيع الفضولي بوقوعها فورا بعد العلم به ، وقد صرّح جمع من الأصحاب بذلك كالشهيد والفاضل

٢٠٨

الإجازة ليست على الفور (١) ،

______________________________________________________

المقداد وأصحاب الحدائق والرياض ـ كما في مفتاح الكرامة (١) ـ والمناهل ، ففي الأخير : «لا يشترط في الإجازة الفورية كما صرّح به في الدروس ، اللهم إلّا أن يترتب الضرر على من لا إجازة له ، بحيث لا يتحمّل عادة ، فيحتمل حينئذ إجبار من له الإجازة على اختيار أحد الأمرين الفسخ أو الإمضاء إن أمكن ، وإلّا فيجوز الفسخ مطلقا» (٢).

وقد تعرّض المصنف قدس‌سره أيضا لما يتفرع على عدم اعتبار الفور في الإجازة ، وهو : أنّه لو تضرّر الأصيل بعدم جواز تصرفه في شي‌ء من العوضين في مدة التربص ، فهل يجبر المالك على الإجازة أو الردّ أم لا؟ وسيأتي بيانه.

(١) كما إذا علم ببيع ماله فضولا ، ولم يجزه إلّا بعد أسبوع ، فإنّه يصحّ ، وينفذ العقد ، وليست إجازة عقد الفضولي إلّا كنفس البيع في عدم الفورية ، وليست كخيار الغبن في سقوطه لو لم يأخذ به المغبون بعد علمه بالغبن.

واستند المصنف قدس‌سره في نفي دخل الفور في الإجازة إلى أكثر ما تقدم من الأدلة والمؤيّدات المذكورة في أوّل بحث البيع الفضولي.

فمن الأدلة إطلاق آية التجارة عن تراض ، وعدم تقييدها بلحوق الرضا بالتجارة فورا.

ومنها : صحيحة محمّد بن قيس الواردة في بيع الوليدة ، لوضوح أنّ مالكها الأصلي نفّذ البيع بعد وقوعه بمدة طويلة ، لكونه في السفر ، وبعد رجوعه منه واطّلاعه على إقدام ولده ببيع الجارية لم يجز البيع فورا ، بل أخذها من المشتري ، وانتهى الأمر إلى الترافع إلى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، ثم أجاز بيع ابنه. ولو كانت الفورية معتبرة في الإجازة لحكم عليه الصلاة والسلام بفساد البيع من جهة الفصل الكثير الموجب لفوات شرط تأثير الإجازة لو أجاز المالك ، مع أنّه عليه‌السلام علّم المشتري طريق الوصول إلى حقّه ، فقال له : «خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفّذ البيع لك» وهذا التعليم شاهد على بقاء بيع الوليدة فضولا على أهلية لحوق الإجازة به.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٠ ، الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٤ ، التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٢٦ رياض المسائل ، ج ١ ، ص ٥١٢

(٢) المناهل ، ص ٢٨٩

٢٠٩

للعمومات ، ولصحيحة محمّد بن قيس (١) وأكثر المؤيّدات المذكورة (١) بعدها.

ولو لم يجز (٢) المالك ولم يردّ حتى لزم تضرّر الأصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه على القول بالكشف (٣)

______________________________________________________

وعليه فيجوز للمجيز التواني في الإجازة ، ولا يقدح في الإمضاء ، هذا.

(١) كأخبار الاتّجار بمال اليتيم ، وتخلّف عامل المضاربة عن الشرط ، وتصرّف الودعي عدوانا في الوديعة (٢) ، فإنّ إجازة المالك والولي في هذه الموارد لم تصدر بعد العلم ـ بوقوع المعاملة الفضولية ـ مباشرة ، بل مع الفصل. ولا أقل من الإطلاق ، وأنّ تلك المعاملة قابلة للتنفيذ والإمضاء سواء وقعا فورا أم تراخيا.

ولعلّ التعبير بالأكثر ـ دون جميع المؤيّدات ـ لأجل ظهور بعضها في تحقق كلّ من الإجازة أو الردّ بعد العلم بالفضولية ، كما في حكاية فعل السمسار في موثقة عبد الله «فيذهب فيشتري ، ثم يأتي بالمتاع ، فيقول : خذ ما رضيت ، ودع ما كرهت. قال : لا بأس» (٣) فإنّه ـ بناء على حمله على الفضولية ـ ظاهر في صدور الإجازة بعد العلم بشرائه فضولا من دون تراخ في البين.

(٢) هذا متفرع على عدم كون الإجازة على الفور ، وحاصله : أنّه لو أهمل مالك المال المعقود عليه فضولا ، فلم يجز العقد ولم يردّه حتى تضرّر الأصيل الذي هو أحد طرفي العقد بعدم تصرفه فيما انتقل عنه وإليه ـ بناء على الكشف ـ فالأقوى تدارك ذلك الضرر بالخيار ، أو بإجبار المالك الأصيل على الإجازة أو الرد.

(٣) قيد للزوم الضرر على الأصيل ، لأنّه على الكشف ينتقل بدل ماله إليه حين العقد الذي أنشأه الفضولي ، فتأخير الإجازة يوجب الضرر عليه من ناحية عدم تصرفه فيما انتقل عنه وما انتقل إليه. بناء على لزوم العقد من طرفه ، وعدم جواز تصرفه فيما انتقل عنه وإليه. بخلاف القول بالنقل ، لبقاء المالين على ملك مالكيهما ، فيجوز للأصيل أن يتصرف فيما انتقل عنه. وقد تقدم في ثمرات الكشف والنقل حكم تصرف الأصيل ، فراجع (ص ١٠٧).

__________________

(١) تقدمت في ج ٤ ، ص ٣٨٨.

(٢) المصدر ، ص ٤٣٨ و ٤٢٧ و ٥٣١.

(٣) المصدر ، ص ٤٦٠ ـ ٤٦٤.

٢١٠

فالأقوى (١) تداركه بالخيار ، أو إجبار المالك (*) على أحد الأمرين (٢).

______________________________________________________

(١) جواب قوله : «ولو لم يجز».

(٢) وهما الإجازة والرّد.

__________________

(*) وجه هذا التخيير هو مبنى المصنف قدس‌سره في قاعدة نفي الضرر من أنّ المنفي بها هو نفس الحكم الضرري ، فكل حكم ضرري مرفوع بها. ففي المقام يكون كلّ من لزوم عقد الفضولي على الأصيل ، ومن عدم جواز إجبار المالك على أحد الأمرين ضررا ، فهما مرفوعان. ولازم ذلك هو الخيار ، أو إجبار المالك.

بخلاف البناء على ما أفاده صاحب الكفاية قدس‌سره من أنّ المنفي بقاعدة نفي الضرر هو الحكم بلسان نفي الموضوع ، فإنّ حكم الموضوع الضرري ـ أعني به العقد ـ وهو لزومه على الأصيل منفي. فالمتعيّن هو الخيار. وأمّا عدم جواز الإجبار فليس من أحكام العقد حتى يكون منفيّا بقاعدة نفي الضرر.

أقول : الظاهر تعيّن الخيار على كلا المسلكين ، وعدم الوجه للتخيير بينه وبين إجبار المالك. إذ مورد الإجبار هو الامتناع عن الحقّ حتى يندرج في الممتنع الذي يكون الحاكم وليّه ، فيجبره على أداء الحق إلى صاحبه ، أو الامتناع عن أداء التكليف الإلزامي الشرعي ليجبره الحاكم على امتثاله من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وليس المقام كذلك ، لعدم إيجاب عقد الفضول حقّا للأصيل على المالك ، ولا وجوبا شرعا للإجازة والردّ عليه.

وببيان أوضح : انّ حرمة إجبار المالك ليست كاللزوم من أحكام العقد حتى تنفى بقاعدة الضرر ، ويخيّر الأصيل بين الفسخ وبين إجبار المالك ، ضرورة أنّ حرمة الإجبار من آثار الملك ، لا من آثار العقد حتى ترتفع بالقاعدة ، فالقاعدة بكلا مسلكي المصنف وصاحب الكفاية قدس‌سرهما لا تشمل عدم جواز الإجبار ، لعدم كونه حكما للعقد حتى يندرج في الموضوع الضرري أو في نفس الحكم الضرري أي في النفي البسيط في قاعدة نفي الضرر كما هو مبنى المصنف ، أو في النفي المركّب كما هو مسلك صاحب الكفاية. فالنزاع صغروي وهو عدم كون حرمة الإجبار من أحكام العقد حتى تندرج في قاعدة الضرر وترتفع بها ، إذ لو كانت من أحكام العقد لم يكن إشكال في ارتفاعها بها.

فتحصل ممّا ذكرنا : أنّ المتعيّن في المقام هو الخيار فقط ، لعدم موجب لجواز إجبار المالك أصلا.

٢١١

السابع (١):

هل يعتبر في صحّة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو خصوصا (٢) ،

______________________________________________________

هل تعتبر مطابقة الإجازة للمجاز؟

(١) هذا سابع الأمور التي ينبغي التنبيه عليها ، وهو : أنّه هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها من حيث العموم والخصوص لما وقع عليه عقد الفضولي أم لا؟ فإذا وقع العقد على شيئين ـ فرش وكتاب مثلا ـ وأجاز مالكهما بيع الفرش فقط ، فهل يصحّ ذلك؟ أم لا بدّ من إجازتهما معا ليحصل التطابق بين الإجازة وبين ما وقع عليه العقد ، كصورة كون المعقود عليه شيئا واحدا معيّنا في مطابقة الإجازة لما وقع عليه العقد بالخصوص.

ظاهر المتن أنّ في المسألة احتمالات :

الأول : صحة الإجازة فيما خالفت العقد بالعموم والخصوص ، كما في مثال بيع كتاب وفرس فضولا ، وإجازة بيع أحدهما. والوجه فيه أنّ للمالك سلطنة على بيع ماله كلّا أو بعضا ، ومطلقا أو مقيدا ، مباشرة أو تسبيبا ، فتصح مخالفة الإجازة للعقد.

الثاني : بطلان الإجازة ، لكون المجاز هو ما وقع من العقد ، فلا بدّ في صحة الإجازة من مطابقتها له.

الثالث : التفصيل بين كون المخالفة بنحو الكل والجزء ، فيصح العقد ، ويثبت للأصيل خيار تبعض الصفقة ، وبين كونها بنحو الإطلاق والاشتراط ، بأن كان العقد مشروطا بشي‌ء ، فأجازه مجردا عن الشرط فيبطل.

ولو انعكس بأن كان البيع مطلقا وأجاز مشروطا بشي‌ء ، ففيه احتمالات :

أحدها : الصحة بشرط قبول الأصيل.

ثانيها : الصحة مطلقا حتى لو رفض الأصيل الشرط.

ثالثها : البطلان ، وهو مختار المصنف قدس‌سره. وسيأتي الكلام في هذه الصور وأحكامها إن شاء الله تعالى.

(٢) هذا و «عموما» تمييزان ل «مطابقتها» يعني : مطابقتها من حيث العموم والخصوص.

٢١٢

أم لا؟ وجهان (١). الأقوى التفصيل (٢) ، فلو أوقع العقد على صفقة ، فأجاز المالك بيع بعضها ، فالأقوى (٣) الجواز ، كما لو كانت الصفقة بين مالكين ، فأجاز أحدهما ، وضرر التبعّض على المشتري يجبر بالخيار (٤).

ولو أوقع العقد (٥) على شرط ، فأجاز المالك مجرّدا عن الشرط ،

______________________________________________________

(١) يعني : الصحة مطلقا ، والبطلان كذلك ، في قبال التفصيل الآتي ، وقد تقدم آنفا وجه الصحة والفساد.

(٢) الأولى أن يقال : «التفصيل بين الجزء والشرط ، فلو أوقع .. إلخ» إذ لم يذكر شيئا قبله حتى يفرّع عليه قوله : «فلو أوقع».

وكيف كان فمحصل هذا التفصيل هو : أنّه إذا وقع العقد على جملة من أشياء ، فأجاز المالك بيع بعضها ، فالأقوى الجواز ، لانحلال العقد إلى عقود عديدة. نظير ما إذا كانت الصفقة بين مالكين ، فأجاز أحدهما ، فإنّه لا إشكال في صحة البيع فيما أجازه أحد المالكين ، كما لو كانت الدار ملكا مشاعا لزيد وعمرو ، فباعها الفضولي ، فأجازه زيد ولم يجزه عمرو ، إذ يصحّ البيع بالنسبة إلى حصة زيد ، فينتقل النصف المشاع إلى المشتري ، ويثبت له الخيار ، فإن شاء فسخ العقد ، وإن شاء اقتنع بالنصف.

والوجه في الصحة ما تقرّر في محلّه من انحلال العقد الواقع على متعدد إلى عقود عديدة ، كما لو باع ما يملك كالشاة وما لا يملك كالخنزير بإنشاء واحد ، فيصحّ في الشاة ، ويبطل في الخنزير.

وإذا وقع للعقد على شي‌ء مقيّدا ، فأجازه المالك مطلقا فسيأتي.

(٣) جواب الشرط في «فلو أوقع» ووجه الجواز ما عرفت من انحلال العقد الواقع على شيئين أو أشياء إلى عقود عديدة.

(٤) وهو خيار تبعض الصفقة للمشتري.

ولا يخفى أنّ مقتضى ما أفاده في الأمر السابق من تدارك ضرر الأصيل بالخيار أو بإجبار المالك هو جبران ضرر تبعض الصفقة بالخيار أو بإجبار المالك أيضا ، لا بالخيار فقط ، على ما هو ظاهر قوله قدس‌سره : «يجبر بالخيار».

(٥) هذا شروع في حكم مخالفة الإجازة للعقد المجاز مخالفة الإطلاق والتقييد ، كما إذا كان عقد الفضولي مشروطا بشرط الخياطة مثلا ، وأجازه المالك مجرّدا عن ذلك الشرط. والمصنف قدس‌سره حكم فيه بالبطلان بناء على اختصاص انحلال العقود بالأجزاء ،

٢١٣

فالأقوى (١) عدم الجواز بناء على عدم قابليّة العقد للتبعيض من حيث الشرط ، وإن كان قابلا للتبعيض من حيث الجزء ، ولذا (٢) لا يؤثّر بطلان الجزء ، بخلاف بطلان الشرط (٣).

ولو انعكس الأمر ، بأن عقد الفضوليّ مجرّدا عن الشرط (٤) وأجاز المالك مشروطا ، ففي (٥) صحّة الإجازة مع الشرط إذا رضي به الأصيل ، فيكون نظير

______________________________________________________

وعدم تطرّقه في الشرائط ، إذ مع تطرّقه فيها كتطرّقه في الأجزاء يكون المتعيّن الحكم بالصحة لأجل انحلال العقد من حيث الشرط كانحلاله من حيث الجزء.

فمبنى بطلان العقد في المخالفة بالإطلاق والتقييد هو عدم انحلال العقد في الشروط ، إذا المفروض وحدة العقد وبساطته ، وعدم تعدده بالانحلال. وحيث إنّه قيّد بقيد قد نفاه مالك العقد فلا سبيل حينئذ إلى تصحيحه.

(١) جواب «ولو أوقع». وقوله : «مجرّدا عن الشرط» قيد ل «عدم الجواز».

(٢) أي : ولأجل قابلية العقد للتبعّض من ناحية الجزء ـ وعدم قابليته للتبعض من حيث الشرط ـ لا يؤثّر بطلان الجزء في بطلان العقد ، كما إذا ظهر كون ذلك الجزء مستحقّا للغير.

(٣) فإنّ بطلانه يؤثّر في بطلان العقد ، لأنّه واحد غير متعدد حتى يصح في عقد مجاز ، ويبطل في غيره. والوجه في عدم انحلاله من حيث الشرط ما قيل من عدم وقوع شي‌ء من الثمن بإزائه.

(٤) كما إذا باع دار زيد فضولا بلا شرط ، وأجازه المالك بشرط أن يصلّي المشتري الصلوات اليومية أوّل أوقاتها مثلا ، ففي حكمه وجوه ثلاثة :

أحدها : صحة الإجازة مع الشرط الذي اشترطه المالك إذا رضي الأصيل بذلك الشرط ، قياسا على الشرط الواقع في ضمن القبول ، كما إذا قال البائع : «بعتك هذا الكتاب» ولم يشترط شيئا ، ولكن المشتري اشترط وقال : «اشتريت هذا الكتاب بشرط أن تجعل لي منه درسا» ورضي الموجب بهذا الشرط.

وبالجملة : فعقد الفضوليّ مع شرط المالك المجيز ـ ورضا الطرف الأصيل به ـ صحيح ويجب الوفاء به.

(٥) جواب الشرط في قوله : «ولو انعكس».

٢١٤

الشرط الواقع في ضمن القبول إذا رضي به الموجب ، أو بدون (١) الشرط ، لعدم وجوب الوفاء بالشرط إلّا إذا وقع في حيّز العقد ، فلا يجدي وقوعه في حيّز القبول إلّا إذا تقدّم (٢) على الإيجاب ليرد الإيجاب عليه أيضا (٣). أو بطلانها (٤) ، لأنّه إذا لغا الشرط لغا المشروط ، لكون المجموع التزاما واحدا ، وجوه (٥) ، أقوالها الأخير (٦) (*).

______________________________________________________

(١) معطوف على «مع الشرط» وهذا هو الوجه الثاني ، وحاصله : أنّ العقد صحيح دون الشرط ، لأنّ الشرط الذي يجب الوفاء به هو خصوص الشرط الواقع في حيّز العقد وفي ضمنه ، وحيث إنّ شرط المالك لم يقع في ضمن عقد الفضولي ، إذ المفروض وقوعه مجرّدا عن الشرط ، فلم يرد الإيجاب عليه حتى يندرج في الشرط الواقع في ضمن العقد ويشمله دليل وجوب الوفاء بالشروط.

(٢) أي : إذا تقدّم القبول الحاوي للشرط ، كأن يقول المشتري : «اشتريت هذا الكتاب بشرط أن يجعل لي البائع منه درسا» ويقول البائع : «بعتك هذا الكتاب مع الشرط المزبور».

فالنتيجة : صحة العقد المجاز مجرّدا عن الشرط ، وعدم بطلان العقد به.

(٣) يعني : كورود القبول على الشرط كما مرّ ، وضمير «عليه» راجع إلى الشرط.

(٤) معطوف على «صحة الإجازة» وهذا هو الوجه الثالث ، ومحصله : بطلان الإجازة الموجب لبطلان العقد ، وذلك لسراية بطلان الشرط إلى المشروط وهو العقد ، لما قيل : من انتفاء المشروط بانتفاء شرطه. بدعوى : أنّ مجموع العقد والشرط التزام واحد بسيط ، لا متعدد حتى لا يلتزم من انتفاء البعض انتفاء الكلّ.

(٥) مبتدء مؤخر ، وجملة «ففي صحة الإجازة» خبره.

(٦) وهو بطلان الإجازة الموجب لبطلان العقد والشرط معا ، وهذا مبني على مفسدية الشرط الفاسد للعقد ، وهو خلاف مختاره في باب الشروط من عدم مفسديته له.

والظاهر أنّ مفسدية الشرط للعقد وعدمها مبنيّة على وحدة المطلوب وتعدده. فعلى الأوّل يفسد العقد دون الثاني.

__________________

(*) تفصيل الكلام في المقام هو : أنّ الإجازة قد تطابق العقد ، كما إذا باع الفضولي

٢١٥

.................................................................................................

__________________

دكّان زيد ، ولمّا علم زيد بذلك أجاز البيع كما وقع من دون تفاوت أصلا. وهذا لا إشكال في صحته.

وقد تخالف العقد ، إمّا مخالفة تباينية ، كما إذا وقع العقد على الدكان مثلا ، وأجاز المالك بيع الدار. ولا إشكال في بطلانه.

وإمّا مخالفة بالجزئية والكلية ، كما إذا باع الفضولي تمام الدكان ، وأجاز المالك نصفه. والظاهر صحته ، لما ثبت في محله من انحلال البيع بحسب أجزاء المبيع ، فالمجاز بعض العقود التي انحلّ إليها عقد الفضولي ، لا جميعها. وهذا نظير بيع ما يملك وما لا يملك ، وبيع المال المشترك بين شخصين إذا أجاز أحدهما بيع ماله دون الآخر. غاية الأمر أنّ الطرف الآخر يثبت له خيار تبعض الصفقة.

وإمّا مخالفة بالإطلاق والتقييد ، كما إذا باع الفضولي دكّان زيد بلا شرط ، وأجاز المالك ذلك البيع بشرط أن يتصدّق على فقير بدينار ، أو العكس ، كما إذا باع الدكان بشرط أن يصوم يوم الجمعة ، وأجاز المالك هذا البيع بدون ذلك الشرط.

والمصنف قدس‌سره حكم بعدم الجواز في هذه الصورة ، لعدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط وإن كان قابلا له من حيث الأجزاء ، وحكم في الصورة السابقة بكون أقوى الوجوه بطلان الشرط والمشروط ، لما أفاده في المتن.

أقول : ينبغي البحث عن جهات :

الأولى : أنّ البحث عن اعتبار مطابقة الإجازة للعقد صغروي لا كبروي ، لأنّ مفهوم الإجازة ـ وهو إنفاذ العقد ـ متقوم بمطابقة الإجازة له ، وإلّا لم تكن إنفاذا له. وهذه المطابقة كمطابقة القبول للإيجاب التي قال المصنف فيها : إنّها من القضايا التي قياساتها معها. فالبحث عن وجود المطابقة في الاجزاء دون الشرائط مثلا صغروي.

الثانية : أنّ الضابط في صحة إجازة بعض العقد وعدمها ـ ومطابقتها له في جميع الصور من العموم والخصوص والشرط والمشروط ـ هو تعدد الالتزام العقدي ووحدته ، دون الجزء والشرط كما عليه المصنف قدس‌سره ، حيث إنّه جعل مورد صحة إجازة بعض العقد خصوص المبيع ذي الأجزاء ، دون العقد المشروط ، فإنّه أبطل إجازة المشروط بدون الشرط ،

٢١٦

.................................................................................................

__________________

لأنّ الشرط إن كان قيدا للبيع دون المبيع أوجب ذلك تعدد الالتزام ، كما إذا قال : «بعتك كتاب المكاسب بشرط أن تقرأ منه كل يوم ورقه» فإنّ هنا التزامين أحدهما الالتزام ببيع الكتاب ، والآخر بالقراءة منه. فلا مانع حينئذ من إجازة المالك التزام بيعه دون شرطه.

نعم إن كان الشرط قيدا للمبيع كأن يقول : «بعتك حقة حنطة كرديّة» حيث إنّ المبيع حصة خاصة من طبيعة الحنطة الكردية ، والتبديل أو التمليك تعلّق بخصوص تلك الحصة ، كان الالتزام واحدا ، وليس للمالك إجازة حصة من طبيعة الحنطة سواء أكانت كردية أم غيرها.

فتلخص ممّا ذكرنا : أنّ صحة إجازة بعض العقد منوطة بتعدد الالتزام ، من دون تفاوت بين الجزء والشرط.

الثالثة : أنّه لا فرق في اعتبار مطابقة الإجازة للعقد بين الكشف والنقل ، لأنّ مقتضى مفهومها ـ وهو إنفاذ العقد ـ عدم الفرق بين إنفاذه من حين وقوع العقد وبين إنفاذه من حين الإجازة ، فإنّ متعلق الإجازة هو نفس العقد سواء أثّرت فيه من زمان وقوعه أم من حين الإجازة ، غاية الأمر أنّها على الكشف شرط متأخر ، وعلى النقل شرط متقدّم.

٢١٧

وأمّا (١) القول في المجيز ، فاستقصاؤه يتمّ ببيان أمور (٢):

الأوّل (٣) : يشترط في المجيز أن يكون حين الإجازة جائز التصرّف بالبلوغ والعقل والرشد (*).

______________________________________________________

الكلام في ما يعتبر في المجيز

(١) معطوف على ما ذكره في (ص ٥) بقوله : «أمّا حكمها».

(٢) هذه الأمور متعلقة بشرائط المجيز ، وتذكر في طيّ مسائل.

اعتبار الكمال حين الإجازة

(٣) هذا أوّل تلك الأمور ، وينبغي أن تعدّ الشرائط الأربعة المذكورة في هذا الأمر من القضايا التي قياساتها معها ، لما مرّت الإشارة إليه في رابع تنبيهات الإجازة من أنّ الإجازة من أحكام الملك كجواز البيع ، فكلّ ما يشترط في البيع الابتدائي يشترط في الإجازة ، لكونها تصرفا ماليّا. فالمجيز لعقد الفضولي يكون كالبائع ابتداء في اعتبار البلوغ والعقل والرشد فيه ، فكما لا يكفي في صحة البيع مالكية البائع للمبيع ، بل يعتبر سلطنته على التصرف وعدم حجره عنه ، فكذا تعتبر أهلية التصرف حال الإجازة.

__________________

(*) اعتبارهما يكون في حال الإجازة ، فلو فقدهما بعد الإجازة لم يقدح في صحّة العقد ، كما أنّهما لو لم يكونا قبل الإجازة ووجدا حال الإجازة كفى في صحة العقود ، كالجنون الأدواري إذا وقعت الإجازة في دور إفاقته.

٢١٨

ولو (١) أجاز المريض بني نفوذها (٢) على نفوذ منجّزات المريض.

ولا فرق فيما ذكر (٣) بين القول بالكشف والنقل.

______________________________________________________

وعليه فلو أجاز الراهن أو المفلّس بيع ماله المتعلق به حق المرتهن أو الغرماء لم تؤثّر إجازته ، لعدم جواز تصرفه في ماله من جهة تعلّق حقّ المرتهن أو الغرماء به ، فإنّ إجازة البيع تصرّف ماليّ ، وليس للراهن أو المفلّس التصرف فيه قبل فكّه عن الحق المتعلق به.

(١) الأولى ابدال الواو بالفاء ، لأنّه متفرّع على قوله : «جائز التصرّف».

(٢) أي : نفوذ الإجازة ، وهذا مبني على تعميم عدم نفوذ منجزات المريض ـ زائدا على الثلث ـ للعقود المعاوضيّة ، وعدم اختصاصها بالمجّانيّات والتبرعيّات كالعتق والهبة والصدقة والوقف والصلح والإجارة المحاباتيتين ، أو بعوض أقلّ ، وإبراء الدين ، وشراء من ينعتق عليه ونحو ذلك. دون التسبيبيات كإتلاف مال الغير والجناية على الغير بما يوجب الأرش أو الدية ، أو ما يوجب الكفارة ، فإنّ جميع ذلك دين يخرج من صلب المال ، لا من الثلث.

وهذا التعميم غير ثابت كما يظهر بالمراجعة إلى تلك المسألة. وعليه فليس المريض محجورا عن التصرف المعاوضي في ماله ، فلا بأس بإجازته لما وقع على ماله من عقد الفضولي.

(٣) أي : لا فرق فيما ذكر ـ من اشتراط اجتماع هذه الأمور في المجيز ـ بين كون الإجازة كاشفة وناقلة ، وذلك لكون الإجازة تصرّفا اعتباريّا في المال ، إذ بدونها لا يؤثّر العقد في النقل والانتقال ، وجواز التصرف المالي مشروط بهذه الشروط ، غاية الأمر أنّ الإجازة بناء على الكشف شرط متأخّر ، وعلى النقل شرط متقدم.

نعم بناء على الكشف المحض ، وكون العقد سببا تامّا ، وعدم دخل للإجازة في تأثيره كما قيل ـ أو بناء على شرطية الرضا التقديري المقارن للعقد ، وكون الإجازة كاشفة عنه ـ لا يعتبر جواز تصرف المجيز حين الإجازة ، لعدم كون الإجازة حينئذ

٢١٩

الثاني (١) : هل يشترط في صحة عقد الفضوليّ

______________________________________________________

تصرّفا ماليّا ، فلا بأس بأن يجيز مثل المحجور عليه لسفه أو غيره ، لعدم حجره عن إتيان ما يكشف عن أمر سابق عليه.

اشتراط وجود مجيز حال العقد

(١) هذا ثاني الأمور المبحوث عنها في المجيز ، وغرضه من عقد هذا الأمر تحقيق جهة أخرى في من يجيز البيع الفضولي ، وهي : أنّه هل يشترط في صحة عقده أن يكون له مجيز حال العقد أم لا يشترط؟ بأن يكفي وجود المجيز حال إجازته.

والمراد بالمجيز وجود من هو أهل للإجازة ، بأن لا يمنعه مانع عنها ، بحيث لو أجاز لنفذ البيع ، كما إذا بيع مال الصغير فضولا بأقل من ثمن المثل ، وامتنع وليّه عن إجازة البيع من جهة مخالفته لصلاح الطفل وغبطته ، ولكن المتاع انخفض سعره السوقي بعد أيّام بحيث صار أقل قيمة ممّا باعه الفضول به ، فلو لم يجز الولي ذلك البيع تضرّر الصبي أكثر من بقاء المتاع في ملكه ، فيقال : إنّ إمضاء بيع الفضولي مشروط بعدم مانع عن إجازة العقد ، أم لا؟ فبناء على مسلك العلّامة لم يكن البيع حال وقوعه بصلاح الصغير ، فلا يقبل الإجازة بعده ، وبناء على مسلك المشهور يكون المدار على المصلحة حال الإجازة ، لا حال العقد ، ولا عبرة بالمانع الموجود حاله.

ثم إنّ المناسب تقديم هذا الأمر الثاني على الأمر الأوّل ، ـ كما أشار إليه السيد قدس‌سره ـ لأنّ وجود المحل مقدّم على وجود عرضه رتبة ، فالبحث عن أصل وجود المجيز حين العقد مقدم على البحث عن أوصافه من بلوغه وعقله ورشده كما لا يخفى.

قال السيد قدس‌سره : «الكلام في أمور ، أحدها : يشترط في المجيز أن يكون جائز التصرف حال الإجازة.

الثاني : هل يشترط وجود مجيز جائز الإجازة حال العقد أو لا؟

الثالث : هل يشترط كون المجيز جائز التصرف حال العقد بناء على اشتراط وجود مجيز جائز الإجازة أولا؟ وأمّا بناء على عدم اشتراطه فمن المعلوم أنّه لا يشترط ذلك.

٢٢٠