هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

بل (١) يلزم عدم وقوع بيع المكره أصلا. إلّا (٢) أن يلتزم بعدم كون مجرّد الكراهة فسخا وإن كان مجرّد الرضا إجازة.

الثالث (٣):

من شروط الإجازة (*) أن لا يسبقها الرد ، إذ مع الرد ينفسخ العقد ، فلا يبقى

______________________________________________________

(١) هذا ثاني الموردين مما يستكشف منه عدم كون مجرّد الرضا ملزما ، وحاصل هذا الوجه ـ كما تقدم آنفا ـ أنّه لو كان صرف الرضا كافيا في تأثير عقد الفضولي لزم من ذلك كون ضدّه وهو الكراهة النفسانية كافيا في ردّ عقد الفضولي وإبطاله. ولازم هذا عدم وقوع عقد المكره أصلا ، لوجود الكراهة حين عقده ، فلا يجدي الرضا اللاحق في صحته ونفوذه ، إذ المفروض عدم وقوع عقد في الخارج مع الكراهة حتى يصحّ وينفذ بالرضا اللّاحق ، هذا.

(٢) هذا استدراك على قوله : «لو كان مجرد الرضا ملزما كان مجرّد الكراهة فسخا» ومحصّله : إنكار الملازمة بين ملزمية مجرّد الرضا لعقد الفضولي وبين مبطلية مجرّد الكراهة ومانعيتها عن تأثير العقد ونفوذه.

ووجه الإنكار هو عدم الدليل على مانعيّة مجرّد الكراهة النفسانية ، لأنّ ما دلّ على ملزمية الرضا للعقد لا مفهوم له حتى يدلّ على مانعية الكراهة لصحة العقد ونفوذه ، لأنّه من اللّقب الذي لا مفهوم له.

اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد

(٣) الغرض من عقد هذا التنبيه بيان شرط آخر ممّا يعتبر في تأثير الإجازة ، وهو : أن لا يسبقها الردّ ، لكون الردّ مسقطا للعقد عرفا عن قابليته للتأثير بالإجازة ، فمع سقوطه وانتفائه لا يبقى موضوع للإجازة ، فإنّ الرد إعدام لقابلية العقد للتأثير ، كما أنّ الإجازة إيجاد لمؤثريته.

__________________

(*) فإنّ الإجازة لا بدّ أن تكون موجبة لإضافة العقد إلى المجيز حتى يصير عقد الفضولي عقدا له على ما قيل. ويشمله عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فإن لم تكن مسبوقة بالرد كانت صالحة لإضافة العقد إليه ، وإلّا لم تكن صالحة لذلك. ولو شكّ في صلاحيته لذلك مع مسبوقيّتها بالردّ لم يصح التمسك بعموم «أَوْفُوا» لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

١٨١

ما تلحقه الإجازة.

والدليل (*) عليه (١) بعد ظهور الإجماع ـ بل التصريح به في كلام بعض مشايخنا ـ أنّ (٢) الإجازة إنّما تجعل المجيز أحد طرفي العقد ، وإلّا لم يكن مكلّفا

______________________________________________________

(١) أي : والدليل على اعتبار عدم كون الإجازة مسبوقة بالردّ وجوه :

الأوّل : ظهور الإجماع ـ بل التصريح به ـ على أن لا تكون الإجازة مسبوقة بالرد ، وإلّا لم تؤثّر الإجازة وكانت لغوا.

قال السيد المجاهد قدس‌سره : «فلو أجاز بعد الرّد لم ينفع ، ويبقى العقد على بطلانه. والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه بين القائلين بصحة بيع الفضولي ، كما أشار إليه في الرياض» (١).

وكذلك حكى في الجواهر الإجماع عمّن اعترض على الاستدلال بصحيحة محمّد بن قيس على صحة الفضولي. ولم يناقش صاحب الجواهر في الإجماع ، وظاهره تسليم اتفاق الأصحاب عليه ، فراجع.

(٢) خبر «والدليل» وهذا هو الوجه الثاني ، ومحصله : أنّ الإجازة تجعل المجيز أحد طرفي العقد ، فإن كان البيع فضوليّا تجعله بائعا. وإن كان الشراء فضوليا تجعله مشتريا ، إذ لو لم يجعل المجيز أحد طرفي العقد لم يكلّف بوجوب الوفاء بالعقد ، لأنّ هذا الوجوب متوجّه إلى المتعاقدين دون غيرهما. فالإجازة تجعل المجيز أحد المتعاقدين.

__________________

(*) قال المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره ما محصله : إنّ الظاهر أنّ اعتبار ذلك إنّما هو لأجل أن الإجازة مع سبقه بالرد لا توجب صحة إسناد العقد عرفا إلى المجيز ، والموجب لإسناده إلى المجيز هو الإجازة غير المسبوقة بالرد ، ولا أقلّ من الشك في إسناده إليه مع سبق الإجازة به ، فلا دليل حينئذ على نفوذ هذا العقد على المجيز ، لأنّ التمسك بالعمومات مع هذا الشك تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية ، هذا (٢).

__________________

(١) المناهل ، ص ٢٨٩ ، جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٧٨. ولعلّ مراد المصنف ب «بعض مشايخنا» هو السيّد المجاهد ، كما عبّر به في سادس تنبيهات المعاطاة أيضا ، وإن عبّر عنه في بيع أم الولد ب «بعض سادة مشايخنا» وفي خيار الشرط ب «سيد مشايخنا». كما أن الغالب التعبير عن صاحب الجواهر ب «بعض المعاصرين» وإن أطلق عليه «بعض مشايخنا المعاصرين» كما في مسألة حرمة القمار ، أو «شيخنا المعاصر» كما في بحث حرمة الاكتساب بالأعيان النجسة ، وعلى كلّ فالجزم بمراده قدس‌سره منوط بالتتبع التام في مصطلحاته.

(٢) حاشية المكاسب ، ص ٦٦.

١٨٢

بالوفاء بالعقد ، لما عرفت (١) من أنّ وجوب الوفاء إنّما هو في حقّ العاقدين ، أو من قام مقامهما. وقد (*) تقرّر (٢) أنّ من شروط الصيغة أن لا يحصل (٣) بين طرفي

______________________________________________________

(١) يعني : في المناقشة الثانية في ثاني وجوه الكشف ، حيث قال : «لأنّ وجوب الوفاء بالعقد تكليف يتوجه إلى العاقدين ..» فراجع (ص ٥٠). ومراده بالعاقدين هنا هو المالكان بقرينة قوله : «أو من قام مقامهما» كالولي والوكيل.

(٢) غرضه ـ بعد إثبات صيرورة المجيز بسبب الإجازة أحد المتعاقدين ـ أن يثبت بعض أحكام العقد وشروطه لعقد الفضولي ، وهو : أنّ من شروط العقد أن لا يتخلّل بين الإيجاب والقبول ما يسقطه عن صدق العقد كالفصل بالسكوت أو بالكلام الأجنبي ، فإن تخلّل ذلك سقط عنوان عقديته ، فلا يشمله مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). ولا ريب في أنّ الرّد قبل الإجازة مانع عن ارتباط أحد الالتزامين بالآخر.

(٣) الجملة في محلّ نصب على أنّها اسم «أنّ».

__________________

أقول : إنّ الإجازة لا تجعل عقد الفضولي عقد المجيز ، ضرورة أنّ إنشاء العقد فعل مباشري للفضولي ، وليس فعلا مباشريا للمجيز كما هو بديهيّ ، ولا تسبيبيا له ، لعدم انطباق ضابط التسبيبي عليه ، إذ ليس عقد الفضولي أثرا قهريا للمجيز ، بل هو فعل إرادي اختياري للفضولي. وليست الإجازة إلّا إنفاذ العقد الفضولي. وصيرورة عقده مضافا إلى المجيز ومسندا إليه ممّا لا يدلّ عليه الإجازة لا مفهوما ولا حكما ، فتدبّر.

نعم ولاية أمر العقد من حيث الإجازة والرّد للمجيز ، فلو شك في بقاء هذه الولاية له بعد الرّد أمكن الحكم ببقائها بالاستصحاب. فتأمّل.

والحاصل : أنّه لا دليل على اعتبار إضافة عقد الفضولي إلى المجيز حتى يقال : إنّ الرّد يسقطه عن قابلية إضافته إلى المجيز بالإجازة المسبوقة بالرد. وأمّا الإضافة بمعنى ارتباط مّا للعقد بمالك الأصيل فهي حاصلة بتعلق إنشاء الفضولي بمال المالك. وهذه الإضافة القهرية كافية في ارتباط العقد بالمالك.

(*) الظاهر أجنبية قوله : «وقد تقرر أنّ من شروط الصيغة .. إلخ» عن المقام ، وذلك لأنّ اعتبار عدم تخلل ما يسقط العقد عن صدق العقد إنّما هو لأجل دخله في صدقه عرفا ، إذ مع وجوده لا يصدق العقد ، مثلا إذا رفع الموجب يده عن إيجابه لم يجد إنشاء القبول بعده.

وهذا بخلاف المقام ، لأنّ العقد قد تحقق ، والإجازة دخيلة في صحته وترتب الآثار الشرعيّة

١٨٣

العقد ما يسقطهما عن صدق العقد الذي هو في معنى المعاهدة (١) ، هذا.

مع (٢) أنّ مقتضى سلطنة الناس على أموالهم ، تأثير الردّ في قطع (*) علاقة

______________________________________________________

(١) يعني : وتخلّل ذلك المانع يمنع تحقق المعاهدة التي هي حقيقة العقد.

(٢) هذا ثالث الوجوه الدالة على أنّ من شروط الإجازة أن لا يسبقها الردّ ، ومحصّله : أنّ مقتضى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» تأثير ردّ من عقد على ماله فضولا ـ لعقد الفضولي ـ في قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه ، فإذا باع الفضولي مال زيد على عمرو ، فإنّ مقتضى سلطنة زيد على ماله كون ردّه لعقد الفضولي قاطعا لعلقة المشتري عن مال زيد ، فلا يبقى حينئذ عقد تلحقه الإجازة ، لزواله بالردّ.

__________________

عليه ، لا في أصل صدق العقد ، إذ لا ريب في حصوله بإنشاء الفضولي.

فقوله قدس‌سره : «وقد تقرر .. إلخ» لا يناسب المقام الذي تمّ إنشاء العقد من الفضولي ، وتحققت به المعاهدة والمعاقدة العرفية ، وليست إجازة المجيز إلّا شرطا لتأثيره.

لكن هذا الاشكال مندفع بأنّ قوله قدس‌سره مبني على كون المجيز بسبب الإجازة أحد طرفي العقد ، فإذا صار أحد طرفي العقد كان قوله قدس‌سره : «وقد تقرر .. إلخ» في محله.

فالإشكال عليه كما في بعض الحواشي «بأنّه لا دخل لذلك في المقام ، ضرورة أنّ اعتبار ذلك لتحقق العقد هناك ، وقد كان العقد محققا هاهنا ، والإجازة إنّما تكون لتصحيح إضافته ، لا لأصل تحققه» غير ظاهر لأنّ مقتضى كون المجيز أحد طرفي العقد تحقق العقد بالإجازة ، فيشترط فيه ما يشترط في غيره من العقود ، فردّ مالك أمر العقد ردّ بين الإيجاب والقبول ، ومانع عن تحقق العقد.

(*) الأولى إبداله هكذا : «تأثير الرد في سقوط عقد الفضولي عن قابلية لحوق الإجازة به» إذ لا يتحقق علاقة لطرف الفضولي بالمال المعقود عليه فضولا حتى تنقطع بالرد ، لجريان قاعدة السلطنة فيه.

ثم انّ المحقق النائيني قدس‌سره نبّه على أمر في المقام ، لا بأس ببيانه ، وهو : أنّ قاعدة السلطنة تقتضي سلطنة المالك على إمضاء العقد ، وعدم إمضائه ، لوضوح أن السلطنة على الشي‌ء لا تصدق إلّا بالقدرة على طرفيه. إنّما الكلام في أنّ طرف الإجازة هو الرد أو عدم

١٨٤

الطرف الآخر عن ملكه (١) ،

______________________________________________________

(١) أي : عن ملك من عقد على ماله فضولا ، كزيد في المثال المزبور.

__________________

الإجازة؟

وبعبارة أخرى : هل تكون الإجازة وعديلها متقابلين بتقابل التضاد ، فهما أمران وجوديّان ، أم أنّهما متقابلان بتقابل السلب والإيجاب؟

ويتفرّع على هذين الاحتمالين أنّه بناء على التقابل بنحو التناقض لا يسقط العقد عن قابلية لحوق الإجازة به بعد ردّ المالك له ، وذلك لأنّ عدم الإجازة أمر عدمي حاصل من زمان إنشاء الفضول ، ولا خصوصية للرّد ، والمالك مخيّر بين الإجازة وعدم الإجازة ، والردّ لا يسقط حقّ الإجازة ، لاستواء حال المالك ـ ما بعد الردّ وما قبله ـ بالنسبة الى عدم تحقق الإجازة ، فكما أن عدم الإجازة قبل الردّ لا يمنع عن الإجازة ، فكذلك بعد الرد. والمهم أنّ الردّ أجنبي عن متعلق سلطنة المالك ، فوجوده كعدمه.

وبناء على احتمال كون التقابل بنحو التضاد يسقط الرد العقد عن قابلية تأثير الإجازة فيه ، لأنّه بمجرد الردّ قد أعمل حقّه واستوفاه ، ولا تبقى له سلطنة على العقد حتى يجيزه.

والصحيح من هذين الاحتمالين هو كون عديل الإجازة وبديلها هو الرّد ، لا عدم الإجازة ، وذلك لأنّه لو كان طرفا السلطنة الإجازة وعدمها لزم قصر سلطنة المالك بخصوص الإجازة ، فإنه وإن كان مخيّرا بين أن يجيز وأن لا يجيز ، إلّا أنّ رفع تلك الإضافة الاقتضائية ليست بيده ، لما تقدم من أنّ عدم الإجازة حاصل من حين العقد ، ولا يؤثر إنشاء الرد فيه أصلا. فإن أجاز لزم العقد ، وإن لم يجز بقيت قابلية لحوق الإجازة على حالها.

وهذا بخلاف كون طرفي السلطنة الإجازة والرد ، فإنّ قاعدة السلطنة كما تقتضي كونه سلطانا على إنفاذ إنشاء الفضول ليستند العقد إلى نفسه ، كذلك تقتضي سلطنته على هدمه وإعدامه وجعله كأن لم يكن. ومن المعلوم أنّ تحديد سلطنة المالك بخصوص طرف الإمضاء تقييد للإطلاق بلا مقيّد. وحيث كان عديل الإجازة هو الردّ قلنا بعدم تأثير الإجازة بعده ، لسقوط حقه بالرّد (١).

__________________

(١) المكاسب والبيع ، ج ٢ ، ص ١٣١.

١٨٥

فلا يبقى ما تلحقه الإجازة ، فتأمّل (١) (*).

______________________________________________________

(١) لعلّه إشارة إلى ما قيل من معارضة قاعدة السلطنة بمثلها ، بتقريب : أنّ مقتضاها تأثير الإجازة بعد الرد ، هذا.

أقول : لم يظهر وجه للمعارضة بعد البناء على جريان قاعدة السلطنة في الرد ، إذ مقتضاها زوال العقد وانحلاله بالرد. كما أنّ مقتضاها بقاء العقد ونفوذه بالإجازة. ومعه لا يبقى مورد للإجازة حتى تجري فيها قاعدة السلطنة

نعم للمعارضة مجال فيما إذا حصل الردّ والإجازة في زمان واحد ، كما إذا كان لمالك المال المعقود عليه فضولا وكيلان أجاز أحدهما عقد الفضولي وردّه الآخر في آن واحد.

ويمكن أن يكون إشارة إلى عدم جريان قاعدة السلطنة في الرّد ، حيث إنّ موردها هي التصرفات النافذة في الأموال ، وليست في مقام بيان أنحاء السلطنة وتشريعها. والمقام ليس من تلك التصرفات ، بل من تشريع سببيّة الرد لانحلال العقد ، وهذا من الأحكام ، وليس الناس مسلّطين على الأحكام ، فقاعدة السلطنة لا تجري في الرد.

__________________

(*) قد أورد على الاستدلال بقاعدة السلطنة تارة : بأنّه لم يثبت علاقة للطرف الآخر حتى يكون الردّ بمقتضى قاعدة سلطنة المالك على ماله قاطعا لتلك العلاقة ، ومع انقطاعها لا يبقى مورد للإجازة ، فلو أجاز بعد الرد كانت الإجازة غير مؤثرة ، لعدم موضوع لها.

وأخرى : بأنّ إسقاط عقد الفضولي بسبب الرد راجع إلى حكم شرعي وضعي ، وهو سببية الردّ لسقوط العقد عن قابلية لحوق الإجازة به ، وهذا الحكم الشرعي ليس سلطنة على المال حتى تشمله قاعدة السلطنة ، بل سلطنة على الحكم ، وهي أجنبية عن مفاد القاعدة ، إذ مفادها عدم محجورية الناس عن التصرفات الجائزة في أموالهم ، وسببية الرّد ليست من أنحاء السلطنة على المال ، فلا تجري القاعدة في الردّ ، لعدم كونه موضوعا لها.

وثالثة بأنّه على فرض كون الردّ من أنحاء السلطنة على المال لا تشمله قاعدة السلطنة أيضا ، لأنّها لا تشرّع السلطنة التي شكّ في مشروعيتها ، لما ثبت من أنّ القاعدة لا تشرّع أنحاء السلطنة ، بل تدل على عدم محجورية المالك عن التصرفات المشروعة في ماله.

ورابعة بأنّ قاعدة السلطنة ـ بناء على شمولها للردّ ـ تشمل الإجازة أيضا ، فإنّ كلّا من

١٨٦

.................................................................................................

__________________

الردّ والإجازة مشمول لقاعدة السلطنة ، فيصير الردّ بالتعارض كالعدم ، فلو أجاز المالك بعد ذلك كانت الإجازة حينئذ مؤثرة.

هذا ما قيل أو يقال في الاشكال على جريان قاعدة السلطنة لإثبات كون الرد مانعا عن تأثير الإجازة في نفوذ عقد الفضولي. ولعلّ المصنف قدس‌سره أراد هذه الإشكالات أو بعضها بقوله : «فتأمّل».

أقول : أمّا الإشكال الأوّل فلا موضوع له ، لعدم تحقق علاقة شرعا لطرف الفضولي بالمال المعقود عليه فضولا ، بل المال بعد عقد الفضولي باق على ما كان عليه قبل عقد الفضولي من حيث عدم تعلق علاقة أحد به ، فلا وجه لإجراء قاعدة السلطنة لقطع علاقة الطرف عنه حتى لا يبقى مورد للإجازة.

وأمّا الإشكال الثاني والثالث ففيهما : أنّه لا إشكال في كون الردّ كالإجازة من التصرفات المالية دون الأحكام ، ويكفي في مشروعيتهما العمومات الدالة على جواز التصرف خارجيا واعتباريا لكل مالك في ماله. بل وكذا أدلّة نفوذ بيع الفضولي بإجازة المالك ، فإنّ جواز البيع بإجازته يستلزم جواز إبطاله بردّه ، فيكون المالك مسلّطا على بيع ماله بالمباشرة ، وبإجازة العقد الواقع على ماله ورده.

وبالجملة : فلا ينبغي الارتياب في جريان قاعدة السلطنة في الردّ وانحلال العقد به.

وأمّا الإشكال الرابع ففيه : أنّ مقتضى قاعدة السلطنة في الردّ هو بطلان العقد وعدم صلاحيته للحوق الإجازة به ، فلا يبقى مورد للإجازة. وليس المراد بالسلطنة السلطنة على الجمع بين الرد والإجازة ، لأنّه جمع بين الضدين ، فإذا اختار أحدهما لا يبقى مورد للآخر. كاختيار ذي الخيار الفسخ أو إقرار العقد ، فلا معنى لمعارضة قاعدة السلطنة في الردّ والإجازة.

وأمّا ما أفاده بعض الأجلّة من «أنّ إنشاء الفضولي ليس فعل المجيز حتى يؤثر ردّه في زواله ، فوجود الردّ كعدمه. فإذا أجاز المالك الأصيل بعد ردّه صحّت الإجازة وترتبت آثار الصحة على العقد» (١). ففيه : أنّ الإنشاء وإن كان فعل الفضولي ، إلّا أنّ نفوذه بإجازة المالك ، فإذا ردّ المالك سقط الإنشاء عن التأثير ، وبعد سقوطه لا معنى لعوده ، فتأمّل.

__________________

(١) كتاب البيع ، ج ٢ ، ص ٢١١.

١٨٧

.................................................................................................

__________________

اللهم إلّا أن يقال : إنّ وزان الإجازة في عقد الفضولي وزان شرائط العلل التكوينية ، والرّد رافع للشرط وهو الإجازة ، وليس رافعا لاقتضاء المقتضي ، بل المقتضي باق على اقتضائه ، فإذا وجد الشرط بعد انعدامه أثّر المقتضي أثره. مثلا تكون النار مقتضية للإحراق بشرط يبوسة الجسم ، فمع رطوبته لا يحترق ، وإذا ارتفعت الرطوبة احترق الجسم بلا ريب ، لتمامية المقتضي بارتفاع المانع وهي الرطوبة وحصول الشرط وهو اليبوسة. والظاهر أنّ الرّد فيما نحن فيه كالرطوبة مانع عن تأثير المقتضي وهو العقد ، فإذا ارتفع الرد وتبدّل بالإجازة أثّر العقد أثره.

وقياس الرد بفسخ ذي الخيار الموجب لزوال العقد رأسا ـ بحيث لا يبقى موضوع لإمضائه ـ في غير محله ، لأنّ الخيار هو ملك إزالة العقد وإقراره ، فإذا فسخ ذو الخيار كان فسخه رافعا لأصل المقتضي ، ومع ارتفاعه لا عقد حتى يصحّ إقراره بالإمضاء. بخلاف الإجازة والردّ ، فإنّهما في رتبة الشرط والمانع مع بقاء المقتضي في حال وجودهما.

أمّا كون الإجازة والردّ في رتبة الشرط والمانع فهو ظاهر مثل قوله تعالى (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) حيث إنّ ظاهره كون التراضي شرطا للتجارة التي هي مقتضية لتبادل الأموال ، والردّ الحاكي عن الكراهة في رتبة الإجازة الكاشفة عن التراضي.

فالنتيجة : نفوذ الإجازة في عقد الفضولي بعد الردّ.

إلّا أن يقال : إنّه فرق بين المقام والعلل التكوينية ، وحاصل الفرق : أنّه في العلل التكوينية ـ كالنار في المثال المذكور ـ وإن كان حدوث الشرط فيها كاليبوسة بعد ارتفاع المانع وهو الرطوبة موجبا لتأثير المقتضي أعني به النار في احتراق الجسم ، لكنه في العلل التشريعية لا بدّ من متابعة الدليل في كيفية شرطية الشرط ومانعية المانع ، كجعل مانعية «ما لا يؤكل» في خصوص حال العلم بكون الحيوان ممّا لا يؤكل ، فإنّ الشرطية والمانعية من الأمور الاعتبارية الشرعية التابعة لكيفية اعتبارها شرعا سعة وضيقا.

وعليه فلا محيص عن الالتزام بأنّ الردّ بمقتضى إطلاق قاعدة السلطنة مانع عن تأثير الإجازة ، لاقتضاء إطلاقها الأحوالي تأثير الردّ مطلقا سواء لحقته الإجازة أم لا. كما أنّ اقتضاءها بالنسبة إلى الإجازة أيضا كذلك ، فإذا أجاز الأصيل عقد الفضولي فليس له بعد الإجازة ردّه.

فصار المتحصل : أنّ الرّدّ مانع مطلقا ، وليست مانعيّته كمانعية الموانع التكوينية

١٨٨

.................................................................................................

__________________

المرتفعة بوجود الشرائط ، وقد ثبت إطلاق مانعية الردّ بالإطلاق الأحوالي الثابت لقاعدة السلطنة. وعليه فلا أثر للإجازة بعد الرد.

اللهم إلّا أن يقال : إنّ قاعدة السلطنة لا إطلاق لها ، لأنّها في مقام بيان إثبات عدم محجورية المالك عن التصرفات المشروعية في ماله على النحو الذي شرّعت ، فلا بدّ من مراجعة أدلة مشروعيتها ، وأنّه هل لها إطلاق أم لا؟ فإن ثبت لها إطلاق فلا إشكال.

وإلّا فالوجه في عدم تأثير الإجازة المسبوقة بالرد إمّا عدم إضافة عقد الفضولي إلى المالك عرفا ، فلا يشمله مثل عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» كما أفاده صاحب الكفاية (١). وإمّا استصحاب عدم نفوذ العقد حين الرد ، إذ الشك إنّما هو في صيرورة العقد نافذا بالإجازة ، فلا مانع من استصحاب عدم نفوذه.

فالمتحصل : أنّه لا دليل على نفوذ عقد الفضولي بالإجازة المسبوقة بالرد.

فتلخص من جميع ما ذكرنا : أنه لا أثر للإجازة المسبوقة بالرد ، وأنّها كالعدم ، لا لكون الوجه في ذلك إطلاق قاعدة السلطنة أحواليّا ، ولا لقياس مانعيّة الردّ بمانعية الموانع التكوينية ، لما عرفت فيهما من الإشكال. بل لعدم إضافة عقد الفضولي عرفا بعد الردّ إلى المالك الأصيل حتى يشمله «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ولا أقل من الشك في الشمول ، فيندرج الاستدلال به في التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية كما في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره على المتن (٢).

ولو لم يتمّ هذا الوجه أيضا فلا مانع من التشبث بالاستصحاب كما أشرنا إليه آنفا ، ضرورة أنّه كان العقد حين الردّ غير نافذ قطعا ، وبعد صدور إجازة المجيز يشكّ في ارتفاع عدم النفوذ وانتقاضه بالنفوذ ، فيستصحب عدمه. وهذا الاستصحاب حجة ، لكونه من الشك في رافعية الموجود ، كالشك في رافعية المذي مثلا للطهارة الحديثة.

بقي الكلام فيما يستأنس به أو يستظهر منه نافذية الإجازة المسبوقة بالرد ، وهو أمران :

أحدهما : ما أفاده بعض الأجلّة ، وهو ما أشرنا إليه آنفا من أنّ إنشاء الفضولي ليس فعل المجيز حتى يؤثر ردّه في زواله ، فمع بقائه تؤثّر الإجازة في نفوذ عقد الفضولي.

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٦٦.

(٢) حاشية المكاسب ، ص ٦٦.

١٨٩

.................................................................................................

__________________

وفيه : ما عرفته من أنّ المراد بالردّ زوال قابلية الإنشاء للنفوذ بسبب الإجازة ، لا زوال نفس الإنشاء المتحقق بألفاظ خاصة ، إذ لا ريب في عدم كونه فعلا مباشريا ولا تسبيبيا للمالك الأصيل ، فإنّ إنشاء الوكيل أو الولي مع كمال ارتباطه بالمالك لا يكون فعلا له ، بل يقال : إنّه فعل العاقد مع طيب نفس المالك به.

وثانيهما : روايات.

منها : صحيحة محمّد بن قيس (١) المتقدمة في أدلة صحة البيع الفضولي ، فإنّه قد ادّعي ظهورها في نفوذ الإجازة بعد الرد ، بتقريب : أنّ أخذ السيّد جاريته وابنها بأمر الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه من المشتري الذي اشترى الجارية فضولا من ابن سيدها ردّ فعليّ لعقد ابن السيد فضولا ، ومع هذا الردّ الفعلي جعل إجازة السيد لعقد ابنه البائع للوليدة فضولا نافذة ، حيث إنّ الامام عليه‌السلام جعل فكاك البائع الفضولي عن حبس المشتري منوطا بإجازة السيّد عقد ابنه ، وهذه الإجازة تكون بعد تحقق الردّ.

وبالجملة : هذه الصحيحة تدلّ على صحة عقد الفضولي ونفوذه بالإجازة المسبوقة بالرد ، كدلالتها على أصل صحة عقد الفضولي ، ودلالتها على كون الإجازة كاشفة. وهذه الدلالة تنافي ما تقدم من عدم تأثير الإجازة المسبوقة بالردّ في صحة عقد الفضولي. وقد تقدم تقريب هذه الدلالات الثلاث عند الاستدلال بهذه الصحيحة (٢).

والعمدة فعلا هي البحث عن عدم تحقق الرد في هذه الصحيحة حتى تدلّ على نفوذ الإجازة بعد الردّ. وليعلم أنّ هذا البحث منوط بمقدمتين.

إحداهما : كون الردّ أعمّ من القولي والفعلي.

ثانيتهما : كون الأخذ في الصحيحة ظاهرا في الردّ. والاولى ثابتة ، والثانية غير ثابتة.

ومنها : معتبرة محمّد بن إسماعيل بن بزيع المتقدم في (ص ١٧١) بتقريب : أنّ قوله : «فأنكرت ذلك» وقوله : «ففزعت منه» ظاهران في إظهار المخالفة والتنفر للنكاح. وهذا كاف في الردّ ، إذ لا يعتبر في الردّ أن يقول : «رددت». ولا يراد بقوله : «أنكرت» إنكار أصل العقد

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٥٩١ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ١ ، وتقدّمت في الجزء الرابع من هذا الشرح ، ص ٣٨٨.

(٢) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٣٩١ ـ ٣٩٩.

١٩٠

.................................................................................................

__________________

حتى يخرج عن مورد البحث ، وهو ردّ العقد المسلّم وجوده ، فالمراد بالإنكار هو الكراهة في مقابل الرضا ، فالفزع هو إبراز عدم الرضا ، وهذا ردّ فعليّ.

لا يقال : ان قوله : «فزوّجت نفسها» ظاهر في تزويج نفسها مباشرة لا توكيلا في تزويجها ، وهذا غير الفضولي الذي هو مورد البحث.

فإنّه يقال : ـ مضافا إلى شيوع التوكيل في التزويجات في العصور ، بحيث ينصرف الذهن إلى التزويج التوكيلي ، فترك الاستفصال حينئذ يدلّ على عدم الفرق في الحكم بين المباشرة والتوكيل ـ إنّ جهة السؤال في هذه الرواية هي : أنّ الردّ هل يؤثر في انهدام العقد أم لا؟ وهذه الحيثية لا فرق فيها بين الإنشاء المباشري وغيره كإنشاء الفضولي.

كما لا يرد على الاستدلال بهذه الرواية بطلان العقد في نفسه لأجل السّكر المزيل للعقد ، والموجب لعدم فهم معاني الألفاظ ، فالإنشاء حينئذ لا يصلح للحوق الإجازة به ولنفوذه بها.

وجه عدم الورود هو : أنّ للسّكر مراتب ، وليس بجميع مراتبه رافعا للعقل بحيث ، يرفع التمييز والالتفات إلى معاني الألفاظ ، إذ لو كان كذلك لم يتحقق العقد رأسا ، لعدم حصول المعاهدة مع فقد التمييز وعدم الالتفات إلى معاني الألفاظ. فقول الامام عليه‌السلام : «نعم» جوابا لقول السائل : «قلت : ويجوز ذلك التزويج عليها؟» يدل على عدم زوال عقلها بحيث لا تميّز الألفاظ ومعانيها.

أقول : قد عرفت سابقا : أنّ النزاع صغروي ، بمعنى أنّ النزاع في صغروية الأفعال ـ من أخذ الوليدة وابنها كما في صحيحة محمّد بن قيس المتقدمة ، وإنكار المرأة وفزعها كما في هذه الرواية ـ للردّ الفعلي ، فإن ثبتت صغرويتها له ووقعت الإجازة بعد الردّ الفعلي صارت الروايتان مخالفتين للإجماع أو الشهرة ، ولا بدّ من طرحهما ، للإعراض الرافع لحجيتهما ، فلا سبيل إلى القول بنفوذ الإجازة المسبوقة بالردّ ، هذا.

ولكن قد تقدّم الإشكال في استفادة صغروية تلك الأفعال للرّد الفعلي من الروايتين ، فلا تدلّان على نفوذ الإجازة بعد الرّد ، كما هو مقصود من استدلّ بهما.

وأمّا ما أفاده بعض الأجلّة من قوله : «ثم لو شككنا في أنّ الرد موجب للفسخ ، فاستصحاب بقاء العقد لا مانع منه ، لكونه عقدا مرضيّا به حينئذ ، كسائر الموضوعات المركبة التي يحرز بعض أجزائها بالتعبد ، والآخر بالوجدان ، فيترتب عليه الأثر» (١) فهو مناف لما

__________________

(١) كتاب البيع ، ج ٢ ، ص ٢١٨.

١٩١

نعم (١) الصحيحة الواردة في بيع الوليدة ظاهرة في صحّة الإجازة بعد الرّدّ.

اللهم (٢) إلّا أن يقال : إنّ الردّ الفعليّ ـ كأخذ المبيع مثلا ـ غير كاف ، بل لا بدّ من إنشاء الفسخ.

______________________________________________________

(١) استدراك على ما أفاده من اعتبار عدم كون الإجازة مسبوقة بالردّ ، وأنّه لا مورد للإجازة بعد الرد. وحاصل الاستدراك : أنّ صحيحة محمّد بن قيس الواردة في بيع الوليدة ظاهرة في صحة الإجازة بعد الرّد ، حيث إنّ المولى أخذ الجارية وابنها كما أمره الإمام عليه الصلاة والسلام ، وأخذهما ردّ فعليّ ، ومع ذلك أجاز المولى بيع ابنه الذي باع وليدته فضولا ، على ما حكاه أبو جعفر عليه‌السلام بقوله : «فلمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه».

(٢) غرضه : أنّ الرد الفعلي كأخذ المبيع ـ وهو الوليدة في صحيحة ابن قيس المتقدمة ـ لا يكفي في الردّ المانع عن تأثير الإجازة. فالكبرى ـ وهي مانعية الردّ عن

__________________

أفاده قبيل ذلك من : «أنّ إنشاء الفضولي ليس فعل المجيز حتّى يؤثر ردّه في زواله ، فوجود الردّ كعدمه ، فإذا أجاز المالك الأصيل بعد ردّه صحت الإجازة».

وجه المنافاة : أنّ الردّ لمّا لم يكن متعلّقا بنفس العقد وكان أجنبيّا عنه ، لكون العقد فعل الغير ، لم يزل بردّ الأصيل ، فلا وجه للشك في بقاء العقد بسبب الردّ حتى يستصحب. فالشكّ لا بدّ أن يتعلق بقابلية العقد للنفوذ بإجازة المجيز.

وحينئذ فإذا ارتفعت به القابلية فهو المطلوب ، أي : لا يؤثر الإجازة ، لعدم ورودها في محل قابل للإجازة. وإلّا يلزم عدم ارتفاع القابلية بالرد أصلا ، لوحدة حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز. ويلزم عدم كون ردّ قابلية العقد تحت قدرة المالك في شي‌ء من الأزمنة ، وهو كما ترى.

فالمتحصل : أنّ الرد يرفع قابلية العقد للنفوذ بالإجازة المتأخرة عن الرد ، فالإجازة المسبوقة بالردّ كعدمها في عدم تأثيرها في عقد الفضولي. وهذا من غير فرق بين كاشفية الإجازة بأنحاء الكشف وناقليتها ، إذ بعد البناء على ارتفاع قابلية العقد للنفوذ بسبب الرد لا يبقى محل قابل للإجازة.

١٩٢

ودعوى (١) «أنّ الفسخ هنا (٢) ليس بأولى من الفسخ في العقود اللازمة ، وقد صرّحوا بحصوله (٣) فيها بالفعل» يدفعها (٤) أنّ الفعل الذي يحصل به الفسخ هو فعل لوازم ملك المبيع كالوطء والعتق ونحوهما ، لا مثل (٥) أخذ المبيع.

وبالجملة (٦) : فالظاهر [من الأصحاب] هنا (٧) وفي جميع الالتزامات عدم الاعتبار بالإجازة الواقعة عقيب الفسخ ،

______________________________________________________

الإجازة ـ مسلّمة ، لكن الكلام في صغرويّة الردّ الفعلي لها ، حيث إنّه لا بدّ في تحقق الردّ من إنشاء الفسخ ، والفعل من حيث هو ليس ردّا ، بل لا بد من إنشاء الردّ به.

(١) الغرض من هذه الدعوى إثبات كون الفعل كالقول ردّا ، حيث إنّ الرد الفعلي الموجب لانحلال عقد الفضولي ليس بأولى من انحلال العقود اللازمة بالرد الفعلي ، فإنّهم صرّحوا بحصول الفسخ فيها بالفعل. ولا فرق بين العقود اللازمة وبين عقد الفضولي ، بل هذا أولى من العقود اللازمة من انحلاله بالرّد الفعليّ.

(٢) أي : عقد الفضولي.

(٣) أي : بحصول الفسخ في العقود اللازمة بالفعل ، فحصول الفسخ بالفعل في عقد الفضوليّ يكون بطريق أولى ، من دون حاجة الفسخ فيه إلى اللفظ.

(٤) خبر قوله : «ودعوى» أي : يدفع الدعوى المزبورة ، ومحصل دفعها : أنّ كل فعل لا يصلح لأن يكون ردا للعقد ، بل لا بدّ أن يكون ذلك الفعل من لوازم ملك المال المعقود عليه فضولا. فإذا زوّج الفضولي من زيد امرأة ، فرتّب زيد آثار الزوجية ـ من الوطء وغيره ـ على العقد بعد اطّلاعه عليه. أو اشترى الفضولي له بعدا ، فلمّا علم بذلك أعتقه ، إلى غير ذلك من التصرفات والأفعال التي تدل على الرضا بما عقد له الفضولي.

وعليه فلا يكفي مجرّد أخذ المال العقود عليه فضولا من دون دلالة له على تملكه لذلك المال.

(٥) معطوف على «فعل لوازم».

(٦) يعني : وحاصل الكلام : أنّ الظاهر في جميع الالتزامات العقدية عدم تأثير الإجازة الواقعة بعد الفسخ ، وأنّ المعتبر في تأثير الإجازة عدم مسبوقيّتها بالردّ.

(٧) يعني : في عقد الفضولي ، وقوله : «عدم الاعتبار» خبر قوله : «فالظاهر».

١٩٣

فإن سلّم (*) ظهور الرواية (١) في خلافه (٢) فلتطرح (٣) أو تأوّل (٤).

______________________________________________________

(١) وهي صحيحة محمّد بن قيس المذكورة في أدلّة بيع الفضولي (١).

(٢) وهو صحّة الإجازة بعد الردّ ، بأن يقال : إنّ إجازة بيع الوليدة من سيّدها صدرت بعد الردّ الحاصل بأخذ السيد الوليدة وابنها بحكم المولى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، ولمّا أخذ مشتري الوليدة البائع الفضوليّ ـ وهو ابن سيد الوليدة ـ اضطرّ السيد إلى أن يجيز بيع الوليدة ليستردّ ابنه البائع الفضولي من المشتري ، فأجاز السيد بيع الوليدة. فهذه الإجازة صدرت بعد الردّ الناشئ من أخذ الوليدة وابنها.

والحاصل : أنّ هذه الصحيحة تخالف ما دلّ على أنّه يعتبر في تأثير الإجازة عدم مسبوقيتها بالردّ.

(٣) غرضه : أنّ صحيحة ابن قيس المشار إليها ـ بعد تسليم ظهورها في صحة الإجازة بعد الردّ ـ لا تصلح لرفع اليد عمّا بنى عليه الأصحاب من اشتراط تأثير الإجازة بأن لا يسبقها الردّ ، وذلك لمخالفتها لعمل الأصحاب ، فلا بدّ من طرحها للإعراض ، أو تأويلها.

(٤) أي : تأويلها بما هو خلاف ظاهرها ، كحملها على كون سيّد الوليدة كاذبا في دعواه عدم الإذن لابنه في بيع الوليدة ، فراجع ما ذكره المصنف في توجيه هذه الصحيحة. واقتصر هناك على لزوم تأويلها دون طرحها ، لأنّه قدس‌سره جعلها من أدلّة صحة بيع

__________________

(*) ولا يسلّم ظهور الرواية في الردّ حتى تكون الإجازة بعد الردّ ، وذلك لعدم صدور قول ولا فعل يدلّ على الردّ. وأخذ السيّد الوليدة وابنها لا يدلّ عليه ، وإنّما غاية ما يدلّ عليه هي الكراهة ، وهي غير الردّ. وحبس ابن الوليدة مع كونه حرّا ـ لحرية أبيه المشتري ، لتولده شبهة أو من نكاح صحيح ـ إنّما هو لأخذ قيمة الولد ، وثمن الجارية الذي أخذه البائع الفضولي ، حيث إنّ غالب الأولاد يتصرّفون في أموال آبائهم تصرّف الملّاك في أموالهم ، ولذا أخذ السيد الوليدة وابنها حتى يستوفي ثمن الوليدة وقيمة ابنها من المشتري.

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٣٨٨.

١٩٤

الرابع (١):

الإجازة أثر من آثار سلطنة (*) المالك (**) على ماله ، فموضوعها

______________________________________________________

الفضولي ، فلاحظ قوله : «والحاصل : أن ظهور الرواية في ردّ البيع ممّا لا ينكره المصنف ، إلّا أن الانصاف أن ظهور الرواية في أنّ أصل الإجازة مجدية في الفضولي .. فلا بدّ من تأويل ذلك الظاهر» (١).

الإجازة لا تورث

(١) هذا رابع التنبيهات المتعلقة بالإجازة ، والغرض من عقده ـ على ما قيل ـ دفع ما يتوهم من بعض العبارات من كون الإجازة والردّ من الحقوق الموروثة.

ومحصل ما أفاده هو : كون الإجازة حكما لا حقّا ، حيث إنّها من آثار سلطنة المالك على ماله ، فموضوع الإجازة هو المالك ، فيصح أن يقال : «للمالك أن يجيز»

__________________

(*) من آثار الملك ، لا من آثار السلطنة على الملك ، إذ المراد بالسلطنة هو القدرة الشرعية على كلّ تصرف تسبيبي ومباشري جائز شرعا بالجواز التكليفي والوضعي ، وعدم الحجر عنه ، سواء أكان التصرف خارجيا أم اعتباريا. فجواز التصرف مطلقا موضوع للسلطنة. فمعنى القاعدة هو القدرة على جميع التصرفات المشروعة في المال ، ومنها إجازة البيع كنفس البيع ، فالإجازة كإنشاء نفس البيع والصلح وغيرهما من آثار الملك. وليست القاعدة مشرّعة لأنحاء السلطنة حتى تكون الإجازة من آثارها.

وهذا مراد المصنف أيضا بقرينة قوله : «مثل قولنا : له أن يبيع» فإن جواز البيع حكم الملك. فينبغي إبدال «من آثار السلطنة» ب «من آثار الملك وأحكامه» فالسلطنة من لوازم جواز التصرف في الملك. فجواز التصرف فيه من الإجازة وغيرها ملزوم لقاعدة السلطنة.

(**) لعلّ الأولى إبدال «المالك» بمن له ولاية العقد ، ليكون أشمل ، فإنّ المرتهن ولىّ أمر عقد الراهن على العين المرهونة بدون إذن المرتهن ، ولذا لا ينفذ إلّا بإجازة

__________________

(١) هدى الطالب ، ج ٤ ، ص ٣٩٩.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كما يصح أن يقال : «له أن يبيع» ومرجع الكلّ إلى السلطنة على التصرف المشروع في ماله.

ومقتضى كون الإجازة حكما لا حقّا عدم انتقالها الى الوارث ، إذ موضوع الإرث هو المال والحقّ ، كحقّ الخيار والتحجير وغيرهما ، والإجازة ليست مالا ولا حقّا. والحكم الشرعي لا ينتقل إلى الوارث ، والمنتقل إليه نفس المال الذي هو موضوع الإجازة التي هي حكم لا حقّ.

__________________

المرتهن ، مع أنّه ليس مالكا للمبيع. واحتمال إرادة المصنف قدس‌سره من «المالك» مالك أمر البيع في غاية البعد ، إذ ينافيه قوله : «على ماله» والظاهر إرادة المصنف ما هو الغالب من عقد الفضولي في الخارج وهو بيع مال الغير ، وبيع الراهن بدون إذن المرتهن بيع لمال نفسه.

ثم إنّه لا يكفي في منع إرث الإجازة والرد مجرّد عدم كونهما من الحقوق ، إذ يمكن أن يكونا من الحقوق ، ومع ذلك لا ينتقلان إلى الورثة ، لكونهما من الحقوق غير القابلة للانتقال إلى الغير ، كحقّ الأبوّة وحقّ ولاية الحاكم ونحوهما ممّا لا ينتقل إلى الغير لا اختيارا ولا قهرا. ويمكن أن يكون الإجازة والردّ من الحقوق القابلة للانتقال الاختياري والقهري كحقي الخيار والتحجير.

وعليه فلا بدّ في التزام عدم انتقال الإجازة والردّ إلى الوارث من إثبات كونهما من الأحكام لا الحقوق ، أو من الحقوق غير القابلة للانتقال ، فتصح حينئذ دعوى عدم انتقالهما إلى الوارث مطلقا وإن كانا من الحقوق ، فلا يندرجان فيما تركه الميّت.

لا يقال : إنّه يمكن التمسك بالاستصحاب لإثبات كونهما من الحقوق القابلة للانتقال ، واندراجهما فيما تركه الميت ، كاستصحاب عالمية من كان عالما وشكّ في بقاء علمه لإحراز صغرويته لكبرى وجوب «إكرام العلماء» حتى لا يكون إثبات وجوب إكرامه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. ففي المقام يستصحب بقاء الإجازة بعد موت المالك الأصيل ، فتندرج الإجازة فيما تركه الميت ، وتنتقل إلى الوارث.

وهذا من القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي ، نظير الحيوان المردد بين

١٩٦

المالك (١) ، فقولنا : «له أن يجيز» مثل قولنا : «له أن يبيع» (٢) ، والكلّ (٣) راجع إلى أنّ له أن يتصرّف ، فلو (٤) مات المالك لم يورّث الإجازة ، وإنّما يورّث المال الذي عقد

______________________________________________________

(١) دون غيره كالوارث ، نعم الوارث يرث المال ويملكه ، وإجازته حينئذ ليست من جهة إرث الإجازة ، بل لأجل صيرورته مالكا بسبب إرث موضوعها وهو نفس المال.

(٢) غرضه من المثلية المماثلة بين البيع والإجازة في السلطنة التي هي حكم شرعيّ ، فكما أنّ جواز البيع حكم لمالك المبيع ، فكذلك جواز الإجازة حكم له ولوليّ أمر العقد ، وليس حقّا حتى ينتقل إلى الوارث كالحقوق والأموال التي تنتقل إلى الورثة.

(٣) يعني : قولنا : «للمالك أن يجيز وأن يبيع» عبارة أخرى عن جواز التصرف الذي هو حكم لا حقّ.

(٤) هذا متفرع على كون الإجازة حكما لا حقّا ، فلا تنتقل الإجازة إلى الوارث ،

__________________

ما يعيش ثلاثة أيّام وما يعيش سنة ، فبعد مضي الثلاثة لا مانع من استصحاب كلي الحيوان. ونظير استصحاب كلّي الطهارة فيما إذا شك في أنّ طهارته كانت هي الوضوء أو الغسل ، فإن كانت هي الوضوء فقد انتقضت يقينا ، وإن كانت هي الغسل فهي باقية ، فيستصحب كلّي الطهارة.

فإنّه يقال : فرق بين المقام وبين هذين المثالين. توضيحه : أنّ جريان الاستصحاب في القسم الثاني من استصحاب الكلّي مشروط بكون الأثر مترتبا على الكلي كالطهارة ، فإنّ الأثر الشرعي وهو جواز الدخول في المشروط بالطهارة يترتب على كلّي الطهارة الحدثية سواء حصلت من الغسل أم الوضوء. وفي مثال تردد الحيوان بين طويل العمر وقصيره لا يجري الاستصحاب إلّا إذا كان الأثر مترتبا على كلّي الحيوان. ومن المعلوم أنّ نفوذ إجازة الوارث مشروط بكون الإجازة حقّا قابلا للانتقال. وهذا لا يثبت باستصحاب مطلق مجعول الشارع إلّا على القول بحجية الأصل المثبت ، لأنّ بقاء المجعول إلى زمان موت المالك لينتقل إلى الوارث من لوازم كون المجعول من الحقوق القابلة للانتقال ، ومن المعلوم أن استصحاب اللازم قاصر عن إثبات الملزوم ، وكالعكس ، لعدم حجية الأصول المثبتة.

١٩٧

عليه الفضولي ، فله (١) الإجازة بناء على ما سيجي‌ء (٢) من جواز مغايرة المجيز والمالك حال العقد فيمن باع مال أبيه فبان ميّتا (٣).

والفرق (٤) بين إرث الإجازة وإرث المال يظهر بالتأمّل (٥).

______________________________________________________

لعدم كونها مالا ولا حقّا حتى يصدق عليها «ما تركه الميّت». وعليه فالمنتقل إلى الوارث هو المال المعقود عليه فضولا ، فإجازته حينئذ كبيعه من أحكام ماله ، والناس مسلطون على أخوالهم ، لا أحكام أموالهم كجواز بيعها وصلحها وهبتها وغير ذلك من التصرفات الجائزة في المال.

(١) أي : فللفضولي الذي ورث من المورّث المال ـ المعقود عليه فضولا ـ أن يجيز العقد الصادر منه فضولا ، لصيرورته مالكا للمال ، لا لكونه وارثا للإجازة.

(٢) في المسألة الثالثة من مسائل الأمر الثالث من مباحث المجيز وما يعتبر فيه فلاحظ (ص ٣٥٤). وكلمة «من» الجارة بيان ل «ما» الموصول.

(٣) هذا الفرع مثال لاتّحادهما لا مغايرتهما ، إذ المفروض كون والد الفضولي ميّتا حين العقد كما هو ظاهر «فبان ميّتا» إذ معناه : فظهر كونه ميّتا في زمان الإنشاء. فالفضولي حينئذ هو المالك حال العقد ، لانتقال المبيع فضولا إليه حينه بالإرث ، فالمجيز والمالك حين العقد واحد ، وهو العاقد الذي تخيّل حال الإنشاء أنّه فضولي ، ولكنه كان مالكا واقعا للمبيع وقت العقد.

فالأولى إبدال «فبان» ب «فصار ميّتا» أو «فمات بعده» حتى يكون مثالا لمغايرة المجيز والمالك حين العقد ، كما إذا باع مال غيره ثم اشتراه.

(٤) كان الأنسب بيان هذا الفرق بعد قوله : «وانما يورّث المال الذي عقد عليه الفضولي» لأنّ هذا الكلام بمنزلة التعليل لقوله : «وانّما يورّث المال .. إلخ».

(٥) الفرق بينهما هو : أنّه إذا كانت الإجازة من الحقوق ـ كالخيار ـ انتقلت إلى جميع الورثة حتى إلى من لا يرث من المبيع الذي هو مورد الإجازة ، كالزوجة التي لا ترث من العقار ، لكنها ترث الإجازة كإرث الخيار وغيره من الحقوق المنتقلة إلى جميع الورثة ، فلها إجازة بيع العقار وإن لم يكن لها فيها نصيب ، فإنّ مقتضى كون الإجازة من الحقوق كالخيار هو انتقالها إلى جميع الورثة.

١٩٨

الخامس (١):

إجازة البيع ليست إجازة

______________________________________________________

وإذا كانت الإجازة من الأحكام فهي لا تنتقل إلى الوارث. وإنّما المنتقل إليه هو المال ، فلكل وارث ـ يرث منه ـ أن يجيز البيع في خصوص نصيبه ممّا ورثه ، فليس للزوجة أن تجيز البيع أو ترده ، لعدم إرثها من المبيع.

وبناء على كون الإجازة حقّا موروثا ، فهل ينتقل الى مجموع الوارث من حيث المجموع ، أم أنه يتعدد هذا الحق بعدد الورثة ، فلكل منهم حق يخصه. أم يكون لطبيعي الوارث الصادق على كل فرد منهم ، ولازمه كفاية صرف الوجود من الفسخ والإمضاء ، أم غير ذلك؟ وجوه ، وتحقيق المطلب موكول إلى أحكام الخيار.

إجازة البيع ليست إجازة للقبض

(١) الغرض من عقده البحث عن وجود الملازمة بين إجازة البيع وإجازة قبض الثمن والمثمن ، وعدمها ، فإذا قال مالك المبيع فضولا : «أجزت البيع» كانت هذه الإجازة إجازة لقبض الثمن وإقباض المبيع ، أو لا. مع أنّ البيع أمر اعتباري ، والقبض فعل خارجي. ولا ريب في أنّ الإجازة تتعلق بالأمور الاعتبارية كالملكية والزوجية وتنفّذها ، ولكنّها هل تؤثّر في الفعل الخارجي وهو تسليم الثمن مثلا أم لا؟

وقد اختلفت كلمات الأصحاب فيها ، فمنهم من جعل إجازة بيع الفضولي القابض للثمن إجازة لكلّ من بيعه وقبضه ، كما يظهر من شيخ الطائفة قدس‌سره في عبارته الآتية في المتن.

ومنهم من نفى ذلك ، وقال بتوقف القبض على إجازة مستقلة ، ولا يكفي إمضاء البيع عنها ، كعلّامة في كلامه الآتي قريبا. وهو مختار صاحب الجواهر وشيخه كاشف الغطاء قدس‌سرهما القائلين بجريان الفضولية في نفس القبض وتوقفه على إجازة مستقلة ، سواء أكان الثمن عينا أم دينا ، فراجع (١).

ومنهم من فصّل بين الثمن الشخصي والكلّي الذمي ، بتوقف الثاني على إجازة بحيالها ، وكفاية إجازة البيع عن إجازة القبض في الثمن الشخصي ، كما ذهب إليه الفاضل المقداد والشهيد قدس‌سرهما. قال في الدروس بعد حكاية مختار الشيخ : «واشترط الفاضل

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٨٠ و ٣٠٠.

١٩٩

لقبض (١) الثمن ، ولا (٢) لإقباض المبيع (*).

______________________________________________________

إجازة القبض. وهو حسن إن كان الثمن في الذمة» (١).

وذهب المصنف قدس‌سره إلى تفصيل آخر في المسألة ، وهو الفرق بين موارد ثلاثة ، ومحصله : أن القبض تارة يكون جزء السبب المملّك كما في بيع الصرف والسلم ، واخرى يكون بعنوان الوفاء بالعقد من دون دخله في ترتب الأثر على العقد. وعلى الثاني فتارة يكون العوض شخصيا ، واخرى كلّيا في الذمة.

ففي القسم الأوّل قال بالملازمة بين إجازة العقد وإجازة القبض ، للغوية إجازته مجرّدا عن القبض الذي هو جزء السبب.

وفي القسم الثاني نفى الملازمة ، وحكم بتوقف تحقق الوفاء بالعقد على إجازة القبض بخصوصها ، ولو بقرينة تدل عليها.

وفي القسم الثالث استشكل في وفاء أدلة صحة البيع الفضولي بإمضاء قبض الفضول ، كما سيظهر إن شاء الله تعالى.

(١) غرضه قدس‌سره نفي استلزام إجازة البيع لإجازة القبض كلّية كما يستفاد من كلام شيخ الطائفة قدس‌سره. ومحصّل ما أفاده المصنف في ذلك : أنّه لا ملازمة بينهما ، لإمكان التفكيك بينهما بأن يجيز البيع ولا يجيز القبض والإقباض ، فنفس إجازة البيع لا تلازمهما. نعم لو أجازهما صريحا أو قامت قرينة مقاليّة أو مقامية على التلازم المزبور صحّت الإجازة وترتّب عليها أثرها ، وهو سقوط ضمان الثمن عن عهدة المشتري ، إذ بدون إجازة المالك لقبض الفضولي وإقباضه لا يسقط الضمان ، وكان الثمن باقيا في ذمّة المشتري ، إذ قبض الفضولي له بدون إجازة مالك المبيع لا أثر له ، لأنّ قبضه بدون الإجازة كلا قبض ، لعدم انتسابه إلى المالك.

(٢) أي : ولا إجازة لإقباض المبيع ، لما مرّ آنفا من عدم التلازم.

__________________

(*) في هذا التنبيه جهات من البحث :

الأولى : مرحلة الثبوت ، وهو إمكان تعلق الإجازة وعدمه بالقبض والإقباض.

قد يقال : بعدم إمكانه ، لعدم تغير الفعل الخارجي التكويني عمّا وقع عليه.

__________________

(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٤ ، التنقيح الرائع ، ج ٢ ، ص ٢٦ ، ولاحظ مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩٥.

٢٠٠