هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

وكما يشعر به (١) بعض أخبار المسألة المتقدّمة ، حيث إنّ ظاهر بعضها وصريح الآخر عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة.

مضافا (٢) إلى فحوى خبر تزويج الصغيرين ،

______________________________________________________

(١) أي : بعدم اعتبار استمرار قابلية التملّك إلى زمان صدور الإجازة. وهذا إشارة إلى الجواب الحلّيّ ، ومحصّله : أنّه يستفاد ظهورا وصراحة من أخبار مسألة الفضولي عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة ، فما ذهب إليه صاحب الجواهر ـ من اعتبار اتّصال الملكية من زمان العقد إلى حين الإجازة ـ ممنوع ، لشهادة طائفتين من الأخبار بخلافه.

فالطائفة الأولى : ما تكون ظاهرة ـ بمقتضى إطلاقها ـ في نفي شرطية الاتصال ، وذلك كموثقة جميل الواردة في المضاربة التي خالف العامل للشرط ، حيث حكم الامام عليه‌السلام «بأنّ الربح ينقسم بين ربّ المال والعامل» بناء على استفادة حكم الفضولي منها ، وأنّ توزيع الربح بينهما يكون بعد إجازة ربّ المال للمعاملات التي أتى بها العامل ، فإنّ حكمه عليه‌السلام مطلق شامل لما إذا بقي الأصيل ـ الذي باع واشترى من عامل المضاربة ـ على أهلية التملك ، ولما إذا سقط عنها.

وكأخبار الاتجار بمال اليتيم ، فإنّ حكمه عليه‌السلام «بأنّ الربح لليتيم» ـ بناء على حملها على صورة إجازة الولي لتكون من أدلة صحة الفضولي ـ يعمّ صورتي استمرار ملكية الأصيل وزوالها.

والطائفة الثانية هي رواية ابن أشيم الواردة في العبد المأذون الذي اشترى أباه من مواليه وأعتقه ، فإنّها صريحة في نفي شرطية اتصال الملكية ، إذ المفروض فيها موت دافع المال إلى العبد ، مع أنّه عليه‌السلام حكم برقيّة أب العبد المأذون لورثة دافع المال لو أقاموا البينة على أنّ العبد المأذون اشترى أباه بمال مورّثهم.

والحاصل : أنّ سقوط الأصيل عن قابلية التملك بالموت غير مانع عن تنفيذ البيع الفضولي بالإجازة المتأخرة المستفادة من مطالبة كلّ من الورثة ، أو مولى العبد المأذون.

(٢) غرض المصنف المناقشة مع صاحب الجواهر بالنسبة إلى ترتب الثمرة الثانية على نزاع الكشف والنقل ، وتوضيحه : أنّ صاحب الجواهر قدس‌سره اعترض على شيخه كاشف الغطاء في ما لو انسلخت قابلية المنقول بتلف ، أو ما يسقطه عن المالية عرفا أو شرعا.

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

وحاصل الاعتراض : أنّ هذه الثمرة أولى بالمنع من الاولى ، وهي سقوط المالك عن أهلية التملك. وذلك لأنّ المعتبر في باب الفضولي اجازة المالك ورضاه بالعقد ، فلو انتفت قابلية العين للتملك كما إذا انقلب الخلّ خمرا بعد إنشاء الفضولي وخرجت عن ملك المجيز ، لم يصدق عليه «أنّه مالك» حتى تؤثّر إجازته في صحة بيع الفضولي. ولا فرق في هذا بين الكشف والنقل.

ووجه أولوية انتفاء هذه الثمرة : أنّ المالك مفروض الوجود في الثمرة الأولى ، غايته أنّه يتبدل من الأصيل إلى غيره. بخلاف هذه الثمرة ، لكون سقوط المال عن الملكية موجبا لانتفاء عنوان المالك رأسا ، لأنّ الملكية نسبة بين المالك والمملوك أو إضافة بينهما. هذا ما أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره.

وناقش المصنف قدس‌سره فيه بتثبيت الثمرة ، وذلك لوجهين.

أحدهما : فحوى صحيحة الحذاء الواردة في تزويج الصغيرين ، فإنّ موردها وإن كان النكاح الفضولي ، إلّا أنّه لا يمنع من استفادة حكم البيع الفضولي منها ، وذلك لأنّ الزوجين ركنان في عقد النكاح كالعوضين في البيع وشبهه. والمفروض في الصحيحة موت الزوج الذي هو أحد الركنين ، وقد حكم عليه‌السلام بصحة العقد لو رضيت الزوجة بعد إدراكها وحلفها. وليكن البيع الفضولي صحيحا بإجازة المالك لو سقط المبيع عن المالية والملكية بعد العقد إمّا بالتلف الحقيقي بانعدام صورته النوعية ، وإمّا بما يسقطه عن المالية كتنجس الدهن بإصابة القذر به.

فيقال : إنّه بناء على كاشفية الإجازة يصح البيع ، لكون المال مملوكا حين العقد ، وقد عرض عليه التلف بعده ، فيتلف على المشتري. وبناء على النقل يتلف على البائع.

ويمكن أن يستفاد من هذه الصحيحة في الرد على صاحب الجواهر بالنسبة إلى الثمرة الاولى ، وذلك بالفحوى ، لأنّ تلف الركن لو لم يقدح في صحة العقد كان تلف غير الركن ـ وهما المتبايعان في باب البيع ـ أولى بعدم القدح. فلا يكون الموت والكفر مبطلين للمعاملة.

ثانيهما : الظهور الإطلاقي الناشئ من ترك الاستفصال في قضية عروة البارقي التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي. توضيح دلالتها على عدم اعتبار استمرار القابلية إلى زمان صدور الإجازة هو : أنّه لمّا أخبر عروة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما صنع ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١٤٢

الذي (١) يصلح ردّا لما ذكر في الثمرة الثانية ، أعني خروج المنقول عن قابليّة تعلّق إنشاء عقد أو إجازة به لتلف وشبهه ، فإنّ (٢) موت أحد الزوجين كتلف أحد العوضين في فوات أحد ركني العقد.

مضافا (٣) إلى إطلاق رواية عروة ، حيث لم يستفصل (*) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن موت الشاة أو ذبحه (٤) (**) وإتلافه.

______________________________________________________

«بارك الله لك في صفقة يمينك» ولم يستفصل عن موت الشاة أو ذبحها. وترك الاستفصال دليل على عدم اعتبار استمرار القابلية إلى زمان صدور الإجازة.

(١) صفة للخبر ، لا للفحوى.

(٢) هذا تقريب الفحوى ، وقد تقدم توضيحه آنفا ، وقوله : «كتلف» خبر «فإنّ».

(٣) هذا هو الوجه الثاني ، وقد تقدم آنفا بقولنا : «ثانيهما : الظهور الإطلاقي الناشئ من ترك الاستفصال .. إلخ».

(٤) معطوف على «موت». والأولى تأنيث الضمير في «ذبحه وإتلافه» لرجوعه إلى الشاة.

__________________

(*) أمارية ترك الاستفصال على الإطلاق أو العموم تختص بأمور جرت العادة على وقوعها ، والاعتداد بها ، فإذا قال المولى : «إذا سافرت فقصّر» ولم يعيّن وسيلة قطع المسافة من الطائرة أو السيّارة أو غيرهما مع جريان العادة على السفر بجميع تلك الوسائل النقّالة ، كان عدم التعيين دليلا على أنّ المسافرة بكل وسيلة من تلك الوسائل توجب القصر. ومن المعلوم أنّ موت الشاة في ذلك الزمان اليسير غير عادي حتى يكون ترك الاستفصال دليلا على عدم اعتبار بقاء القابلية إلى زمان صدور الإجازة كما هو مرام المصنف قدس‌سره في مقام الرّد على صاحب الجواهر قدس‌سره القائل باعتبار استمرار القابليّة إلى زمان الإجازة ، هذا.

(**) لا يخفى ما في عطف الذبح على الموت من المسامحة ، لعدم خروج الشاة بالذبح عن المالية والقابلية عرفا وشرعا ، لوضوح أنّ الموت يعدم الشاة ، والذبح يبدّل صفتها بصفة أخرى. وتبدل الوصف يغاير انعدام الموصوف ، بل الإتلاف الموجب للضمان أيضا. وعليه فالأولى الاقتصار في الانسلاخ عن المالية على الموت.

١٤٣

نعم ما ذكره أخيرا (١) من تجدّد القابلية بعد العقد حال الإجازة لا يصلح (٢) ثمرة للمسألة (٣) ، لبطلان (٤)

______________________________________________________

(١) يعني : ما ذكره كاشف الغطاء قدس‌سره ممنوع. وغرض المصنف قدس‌سره موافقة صاحب الجواهر في منع الثمرة الثالثة والرابعة المتقدمتين في (ص ١٣٦) بقوله : «وفي مقابله ما لو تجدّدت القابلية قبل الإجازة .. وفيما قارن العقد فقد الشرط ..». فقد منعهما في الجواهر بما لفظه : «وأوضح من ذلك فسادا فاقد القابلية للملك ، ثم وجدت قبل الإجازة ، فإنّه لا وجه للصحة على الكشف كما هو واضح. وعلى النقل أيضا ، لعدم قابلية العقد حال وقوعه للنقل ، فلا تنفعه الإجازة بعد أن كان في غير محله» (١).

وحاصله : أنّ العقد الفاقد لشرط من شروط الصحة باطل من أصله ، ولا يمكن تصحيحه بالإجازة ، لاعتبار اجتماع شرائط الصحة ـ إلّا الولاية على العقد ـ في عقد الفضولي ، حتّى يؤثّر بالإجازة المتأخرة. ولا فرق في ذلك بين كاشفية الإجازة وناقليّتها.

وبعبارة أخرى : العقد الفضولي يكون مقتضيا للتأثير ، وتتوقف فعلية التأثير على إجازة ولىّ أمر العقد ، وهذا الاقتضاء منوط باجتماع الشرائط حال الإنشاء. والفرق بين العقد الفضولي وعقد المالك أنّ الأوّل مقتض للتأثير ، والثاني سبب تامّ ، إلّا في مثل الصرف والسلم ممّا يكون القبض دخيلا فيه.

والعقد الفضولي لا يكون مقتضيا إلّا باستجماع شرائط الصحة ، فلو اختلّت بعضها لم يتحقق ذلك الاقتضاء حتى ينتهي إلى الفعلية بانضمام الإجازة.

وهذا البيان كما يمنع الثمرة الثالثة وهي تجدد القابلية ، كذلك يمنع الثمرة الرابعة ، وهي فقد شرط الصحة.

(٢) خبر قوله : «ما ذكره أخيرا».

(٣) وهي مسألة الكشف والنقل.

(٤) تعليل لقوله : «لا يصلح» وقد عرفت آنفا وجه عدم الصلاحية.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩١.

١٤٤

العقد ظاهرا على القولين (١). وكذا (٢) فيما لو قارن العقد فقد الشرط.

وبالجملة (٣) : فباب المناقشة وإن كان واسعا

______________________________________________________

(١) وهما القول بالكشف والقول بالنقل.

(٢) أي : وكذا لا يصلح ثمرة للمسألة فيما لو قارن العقد فقد الشرط.

(٣) قد اتضح أنّ الأقوال في الثمرة الاولى ـ وهي خروج أحد المتبايعين عن أهلية التملك قبل الإجازة ـ ثلاثة :

فالأوّل ما أفاده الشيخ الفقيه كاشف الغطاء من التفصيل بين الكشف والنقل ، ولذا جعله ثمرة للقولين في الإجازة.

والثاني : ما اختاره صاحب الجواهر قدس‌سره من اعتبار استمرار تملك المتبايعين إلى لحوق الإجازة بالبيع الفضولي مطلقا. فتنتفي الثمرة بين الكشف والنقل.

والثالث : ما استظهره المصنّف قدس‌سره من الأدلة من عدم الاعتبار.

والغرض ـ بعد بيان هذه الكبرى ـ المناقشة في كلام كاشف الغطاء من تنظيره للخروج عن القابلية بالموت والرّدة.

أمّا المناقشة في مثال الموت فلأنّه يتوقف على شراء الأصيل شيئا بثمن كلّي في ذمته ، وموته قبل إقباض الثمن ، فيقال بصحته بناء على الكشف ، دون النقل. فلو اشترى بعين خارجية ، فمات ، صحّ حتى بناء على الكشف ، وذلك لأنّ الثمن الشخصي ينتقل بموته إلى ورثته ، ولهم إجازة عقد المورّث ، فإن أجازوا وقعت المعاملة للمورّث ، ثم ينتقل إليهم المبيع بالإرث ، بناء على الكشف. وبناء على النقل تقع للورثة.

وعليه فلا يصح جعل الموت مطلقا صغرى للخروج عن قابلية التملك.

وأمّا المناقشة في مثال الارتداد الفطري ، فأمران :

أحدهما : ما تقدم آنفا من الشراء في ذمة نفسه ، فلو اشترى أو باع بعين خارجية لم تبطل المعاملة ، وإنّما تكون فضولية ، لانتقال أمواله إلى ورثته ، فبيدهم الرّد والإجازة ولا مانع من صحة البيع الفضولي إذا كان كلا الطرفين فضوليا.

وثانيهما : القول بانتقال جميع أمواله ـ حتى ما يتجدد له بعد الكفر باكتساب أو حيازة مباح ـ إلى ورثته بمجرد الارتداد ، فلو قيل بظهور الدليل ـ على تقسيم أمواله ـ في

١٤٥

إلّا أنّ الأرجح (١) في النظر ما ذكرناه (٢).

وربما يقال : بظهور الثمرة في تعلّق الخيارات (٣)

______________________________________________________

خصوص ما يملكه حال الرّدة ، لم تترتب الثمرة بين الكشف والنقل لو باع أو اشترى بما اكتسبه بعدها ، لشمول إطلاقات أدلة المعاملات له ، وعدم مانع من صحتها ونفوذها.

وأما المناقشة في التمثيل بالمرتد الملّي ـ بالنسبة إلى شراء المصحف الشريف والعبد المسلم ، أو بيعهما ـ فهي : أنّ ترتب الثمرة يتوقف على القول بخروجهما عن ملكه بمجرد الارتداد. فلو قيل بعدمه ، وإنما يجبر على نقلهما إلى مسلم ، لم تترتب الثمرة بين الكشف والنقل ، لفرض كونه مالكا لهما بعد الكفر.

هذا ما يرد على صغريات الثمرة الاولى ، وأنّها خارجة موضوعا عن الثمرة بناء على بعض التقادير ، ولكنّ الكبرى ـ وهي عدم اعتبار استمرار القابلية ـ تامّة.

(١) خبر قوله : «فباب المناقشة».

(٢) من عدم اعتبار استمرار القابليّة من حين العقد إلى زمان الإجازة ، وكذا عدم اعتبار استمرار التملّك إلى زمان الإجازة.

ثمرات اخرى للقول بالكشف والنقل

(٣) توضيح هذه الثمرة ـ التي ذكرها كاشف الغطاء قدس‌سره أيضا ـ أنّه إذا اختلف حال المبيع صحة وعيبا بأن كان صحيحا حين العقد المفروض وقوعه يوم الجمعة ، وصار معيبا حال الإجازة الصادرة يوم السبت مثلا. فعلى القول بالكشف يكون البيع لازما ، لحدوث العيب في ملك المشتري ، فلا خيار له. وعلى القول بالنقل يكون البيع جائزا ، لوقوع العيب في ملك البائع ، فيثبت الخيار للمشتري.

ولو انعكس الأمر ، بأن كان المبيع حين وقوع العقد معيبا ، وصار صحيحا عند صدور الإجازة ، فعلى القول بالكشف يثبت الخيار للمشتري ، لوقوع البيع على المعيب ، والعيب يوجب الخيار. وعلى القول بالنقل يكون العقد لازما ، لكون المبيع صحيحا عند صدور الإجازة المتممة للبيع ، هذا.

وكذا تظهر الثمرة في خيار الغبن ، كما إذا بيع المال فضولا بأكثر من قيمته السوقية ،

١٤٦

وحقّ الشفعة (١)

______________________________________________________

فصار المشتري مغبونا ، وترقّت قيمته حال الإجازة. فبناء على الكشف يثبت خيار الغبن للمشتري ، دون النقل.

ولو انعكس الأمر ، بأن بيع المال بأقلّ من قيمته الواقعية ، ثم انخفضت حال الإجازة. فعلى الكشف يثبت الخيار للبائع ، دون النقل.

وأمّا خيار المجلس ، فالظاهر عدم تعلّقه بعقد الفضولي ، لعدم انطباق ما في دليله من أنّه «إذا افترقا وجب البيع» عليه ، إذ لا عبرة بافتراق غير المتبايعين عن مجلس العقد ، وإن كان مجلس عقد الفضولي مجلس العقد. وعليه فيختص خيار المجلس بما يكون افتراق المتعاقدين عنه سببا للزوم البيع.

ودعوى «ظهور الثمرة فيما لو استمرّ مجلس البيع الفضولي إلى زمان حضور المجيز ، وأجاز ، فيثبت خيار المجلس ، لكونه مجلس البيع» غير ظاهرة ، إذ الكلام في حسبان مبدأ خيار المجلس ، وأنّه العقد أو الإمضاء ، والمفروض في المثال وحدة المجلسين ، ولا ريب في كون مبدأ الخيار تفرقهما عنه بعد الإجازة سواء على الكشف والنقل.

وسيأتي تفصيل الكلام ـ في اختصاص خيار المجلس بالأصيل ، دون الفضولي وكذا الوكيل في الإنشاء ـ في أوائل الخيارات إن شاء الله تعالى.

(١) يعني : في مورد تبدل الشريك ، كما إذا كانت الدار ملكا مشاعا لزيد وعمرو ، فباع الفضولي يوم السبت حصّة زيد ، وباع عمرو حصّته يوم الأحد ، وأجاز زيد يوم الاثنين. فبناء على الكشف يثبت حقّ الشفعة لعمرو ، لأنّ حصّة زيد انتقلت إلى من اشترى من الفضول من يوم السبت ، فلعمرو الأخذ بالشفعة وفسخ البيع الواقع يوم السبت ، وضمّ حصّة زيد ـ المبيعة فضولا ـ إلى حصته.

فإن أخذ بالشفعة فهو ، وإلّا يثبت حقّ الشفعة للمشتري من الفضولي ، وله الأخذ به وفسخ البيع الواقع يوم الأحد بين عمرو والمشتري منه ، لوقوع هذا البيع الثاني بعد تماميّة البيع الأوّل المجاز من يوم السبت وإن صدرت الإجازة يوم الاثنين ، وصيرورة المشتري من الفضولي شريكا للأصيل حينما باع حصته يوم الأحد.

وبناء على النقل ينعكس الأمر ، فيثبت حق الشفعة من يوم الأحد لزيد ،

١٤٧

واحتساب (١) (*) مبدأ الخيارات ، ومعرفة (٢) مجلس الصرف والسّلم ، والأيمان (٣)

______________________________________________________

لصيرورته شريكا مع المشتري من الأصيل وهو عمرو ، فله إعمال حقّه ، وتملك حصة عمرو ، ثم إجازة البيع الواقع على حصته. وحيث إنّ المفروض عدم أخذ زيد بحقّ الشفعة ـ وإنّما أجاز يوم الاثنين عقد الفضول ـ فقد سقط حقه ، ويثبت للمشتري من عمرو حقّ الشفعة على المشتري من الفضولي.

(١) كما إذا بيع حيوان فضولا ، فإن مبدأ الثلاثة من حين العقد بناء على الكشف ، ومن حين الإجازة بناء على النقل ، لتوقف تمامية البيع عليها.

وكذا الحال لو بيع دار فضولا ، واشترط المشتري لنفسه الخيار شهرا مثلا ، وأجاز المالك بعد أيام ، فبناء على الكشف يكون مبدأ الخيار حين العقد ، وبناء على النقل حين الإجازة.

(٢) فعلى القول بالكشف يكون المراد بالقبض في المجلس المعتبر في الصرف والسلم القبض في مجلس العقد ، وعلى القول بالنقل يكون المراد القبض في مجلس الإجازة.

(٣) كما إذا حلف زيد على أن يتصدّق بجميع أمواله في يوم الغدير مثلا ، وكان من جملة أمواله كتاب المكاسب الذي اشتراه من فضوليّ ، ولم يجز مالكه إلّا يوما بعد يوم الغدير. فعلى القول بالكشف يجب عليه التصدق بكتاب المكاسب ، لأنّه صار من أمواله حين الحلف. وعلى القول بالنقل لا يجب عليه التصدّق بالمكاسب ، لعدم صيرورته ملكا له يوم الغدير.

ولو انعكس الأمر ، بأن بيع شي‌ء من أمواله قبل الغدير فضولا ، وأجازه بعده. فعلى الكشف لا يجب عليه التصدق ، لخروجه عن ملكه قبل الغدير. وبناء على النقل

__________________

(*) يمكن أن يقال : إنّ مبدء الخيار من حين الإجازة مطلقا ولو على الكشف ، لأنّ الفسخ وإن كان هو حلّ العقد الذي أنشأه الفضولي قبل الإجازة بيوم أو أكثر. إلّا أنّ حلّ العقد وظيفة من كان العقد منسوبا إليه ، ومن المعلوم أنّ العقد لا ينسب ، إلى من له حلّه إلّا بالإجازة ، فمبدء الخيار من زمان الإجازة مطلقا.

١٤٨

والنذور (١) المتعلّقة بمال البائع أو المشتري.

وتظهر الثمرة أيضا (٢) في العقود المترتّبة على الثمن أو المثمن ، وسيأتي (٣) إن شاء الله.

______________________________________________________

يجب عليه التصدق.

(١) كما إذا نذر أن يعطي كتاب المكاسب مثلا لزيد المشتغل بتحصيل العلم ، وقد اشترى ذلك من فضوليّ يوم الخميس ، لكن لم يجزه مالكه إلّا يوم السبت. فعلى القول بالكشف يجب الوفاء بالنذر ، لكونه مالكا لكتاب يوم الجمعة. وعلى القول بالنقل لا يجب ، لعدم كونه مالكا للكتاب حال النذر.

ظهور الثمرة في العقود المترتبة

(٢) يعني : كالثمرات المتقدمة المترتبة على الكشف والنقل ، وحاصل هذه الثمرة : أنّه إذا باع من اشترى فضولا متاعا ، وكان بيعه له قبل إجازة مالك المتاع ، ثم أجازه مالكه. فعلى القول بالكشف يصحّ البيع الثاني للمشتري ، لوقوعه في ملكه ، بداهة أنّ الإجازة أوجبت صحة شرائه ، وصيرورة المتاع ملكا له ، ووقوع البيع الثاني للمشتري في ملكه. وعلى النقل يدخل البيع الثاني ـ الصادر من المشتري ـ في مسألة : من باع شيئا ثم ملكه.

(٣) في الأمر الثالث من الأمور المتعلقة بالمجاز إن شاء الله تعالى شأنه ، حيث قال في جملة كلامه : «وملخّص ما ذكرنا : أنّه لو ترتّبت عقود متعددة على مال المجيز ، فإن وقعت من أشخاص متعددة كان إجازة وسط منها فسخا لما قبله ، وإجازة لما بعده على الكشف ، وإن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر» فلاحظ (ص ٤١٤).

وبهذا يتمّ البحث في المقام الثاني المتكفّل لبيان الثمرات ، وسيأتي الكلام في المقام الثالث ، وهو تنبيهات الإجازة.

١٤٩

وينبغي التنبيه على أمور (١):

الأوّل (٢):

______________________________________________________

تنبيهات الإجازة

(١) وهي أمور تتعلق بنفس الإجازة سواء قيل بالكشف أو النقل ، مثل اعتبار قصد خصوص ما يعتقده ، واعتبار إظهارها بالألفاظ الدالّة عليها عرفا ، أو كفاية الكناية والفعل ، واعتبار عدم سبق الردّ عليها ، وغير ذلك ممّا سيبحث عنه في التنبيهات الآتية إن شاء الله تعالى.

الخلاف في الكشف والنقل حكمي لا مفهوميّ

(٢) الغرض من عقد هذا الأمر بيان منشأ الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ، ثم النظر فيما يترتب على ما لو خالف المجيز معتقده ، كما لو اعتقد ـ اجتهادا أو تقليدا ـ كونها كاشفة ، فقصد كونها ناقلة ، أو بالعكس.

وقد تعرّض لهذا البحث الفقيه الأكبر كاشف الغطاء قدس‌سره وتبعه صاحب الجواهر ، ومحصله : أنّ منشأ الخلاف في الكشف والنقل هو الاستظهار من الأدلّة. ووافقهما المصنف في المبنى ، وخالفهما في ما يترتب عليه من بطلان الإجازة ولغويّتها لو قصد المجيز خلاف معتقده.

قال في شرح القواعد : «وهل بناء القولين على مقتضى الظاهر ، فيجوز الانصراف

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

عن كلّ منهما بعد وجود الصارف من قبل العاقد ، أو من خارج (*). أو على اللزوم ، فإذا تعذّر أحدهما ، أو صرّح بخلافه بطلت؟ وجهان ، أقواهما الثاني» (١).

وتوضيح المطلب : أنّ منشأ الشبهة في الكشف والنقل يمكن أن يكون أحد أمور ثلاثة :

الأوّل : الشك في المفهوم ، بأن لا يكون معنى الإجازة واضحا ، فيدّعي القائل بالكشف أنّها بمعنى الكشف عن ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه ، لأنّها تنفيذ مضمون العقد لا غير. ويدّعي القائل بالنقل أنّها الرضا بمضمون العقد ، ومقتضى هذا المفهوم اللغوي حصول الأثر من زمان تحقق الإجازة.

الثاني : أن لا يكون النزاع في المعنى اللغويّ ، بل يكون في منصرف الإطلاق ، بأن يقال : إنّ مفهوم الإجازة هو طبيعي الرضا بالعقد ، وهو لا يقتضي بنفسه الكشف والنقل ، لصلاحيته لكلّ منهما. ولكن يزعم القائل بالكشف انصراف هذا الإطلاق إلى ترتب أحكام المعاملة من حين العقد ، كما يدّعي القائل بالنقل الانصراف إلى حصة أخرى ، وهي تحقق الآثار من حين الإجازة. وهذا نظير انصراف إطلاق العقد إلى كون الثمن نقد بلد المعاملة.

__________________

(*) الظاهر أنّ مراده من الخارج ما إذا امتنع كون الإجازة كاشفة ، فإنّه خارج عن موضوع هذا البحث ، كما إذا باع شيئا ثم ملكه ، فإنّ إجازة بيع نفسه لا توجب انتقال المال إليه من زمان بيعه فضولا. وكذا لو لم يتمشّى نزاع الكشف والنقل ، كما مثّل له كاشف الغطاء ببيع الصرف والسلم فضولا ، ثم إجازته قبل القبض ، قال قدس‌سره في محكي شرح القواعد : «إنّ من إجازة الفضولي ما هو صحيح ، ولكنه غير متصف بكونه كاشفا ولا بكونه ناقلا. مثلا الإجازة اللاحقة لبيع الصرف أو السلم الواقع فضولا قبل القبض ، فإنّها صحيحة مؤثرة ، وليست بكاشفة ولا ناقلة ..» (٢).

__________________

(١) شرح القواعد ، مخطوط ، والعبارة منقولة في حاشية المكاسب للسيد الطباطبائي ، ج ١ ، ص ١٥٨ ، وفي غاية الآمال ، ص ٣٨٩.

(٢) غاية الآمال ، ص ٣٩٠.

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

وبناء على هذا الاحتمال يصحّ صرف الإطلاق بقرينة إلى أحد الفردين ، كما لو أقام القائل بالكشف قرينة على إرادة كونها ناقلة في هذا البيع الفضولي ، أو امتنع كونها كاشفة كما في مسألة : من باع شيئا ثم ملكه.

الثالث : أن لا يكون منشأ الشبهة الوضع اللغوي ولا انصراف الإطلاق ، بل يستند اختلاف الفقهاء في الكشف والنقل إلى الأدلة الشرعية ، فالقائل بالكشف يدّعي أنّ الشارع حكم ـ بنحو الإلزام ـ بكونها كاشفة ، وألزم المتعاقدين بترتيب آثار الصحة من حين العقد ، لكون الرضا معتبرا بنحو الشرط المتأخر مثلا ، أو بأخذ وصف التعقب في العقد ، كما أنّ القائل بالنقل يزعم دلالة الأدلة الشرعية على ترتب أثر العقد من حين صدور الإجازة ، لكون الرضا شرطا مقارنا. ومن المعلوم أنّ كيفية الاستظهار مما دلّ على اعتبار الرضا في المعاملة أجنبية عن المفهوم اللغوي ، لعدم أخذ خصوصية الكشف والنقل فيه.

وبعبارة أخرى : ليس معنى الإجازة إلّا إمضاء ما وقع بلا اشكال فيه ، إنّما الكلام في أنّ مقتضى الإطلاقات والعمومات وأدلّة الطيب هل هو كشف الرضا المتأخر عن تمامية السبب أعني به العقد ـ كما هو مقتضى القول بالكشف ـ أم هو كون الرضا المكشوف عنه بالإجازة جزء السبب كما هو مقتضى القول بالنقل؟

إذا اتضحت هذه الاحتمالات الثلاث ظهر الفرق بينها في الثمرة ، وهي : أنّه لا ريب في كون الإجازة من الأمور الاعتبارية المنوطة بالقصد ، لكونها من الإيقاعات. فالقائل بالكشف يقصد ترتب الأثر على العقد ، كما أنّ القائل بالنقل يريد ترتب الأثر من حين صدور الإجازة.

وحينئذ لو خالف كل منهما ما يعتقده ، بأن أراد الكشفي حصول الأثر من زمان الإجازة ، وأراد النّقلي تحققه من حين العقد ، فهل يلغو هذا القصد ، وتؤثر الإجازة بناء على الكشف أثرها من زمان العقد ، ومن حينها بناء على النقل ، أم يكون تأثيرها تابعا لقصد المجيز ، أمّ أنّها تبطل رأسا ، ويبقى العقد الفضولي متوقفا على إجازة أخرى؟ وجوه تتفرّع على أنّ منشأ نزاع الكشف والنقل هو المفهوم أو الشرع.

١٥٢

أن الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس في مفهومها اللغوي ومعنى الإجازة وضعا (١) أو انصرافا (٢) ، بل في حكمها الشرعي (٣) (*) بحسب ملاحظة

______________________________________________________

فإن كان النزاع في مفهوم الإجازة لغة كان العقد فاسدا بقصد الخلاف ، لأنّ القائل بالكشف يزعم أنّ معناها الحقيقي إنفاذ العقد ، ومقتضاه نفوذه من حين وقوعه ، ولا بدّ أن يقصد هذا المعنى حتى تؤثّر في العقد ، فلو أراد المجيز حصول الأثر من زمان إجازته لم يكن قاصدا لمعنى الإجازة حقيقة ، لأنّ قصد النقل أجنبي عن معناها الحقيقي ، فلم يكن العقد مجازا بحقيقة الإجازة.

وكذا يجري هذا التعليل لو قصد القائل بالنقل حصول مضمون العقد من حينه.

وإن كان النزاع في ما ينصرف إليه إطلاق اللفظ بمعنى أنّ طبيعي معنى الإجازة لا يقتضي شيئا من خصوصيتي الكشف والنقل ، وكان انسباق أحدهما للإرسال والانصراف ، لزم صحة العقد على النحو الذي قصده ، لأنّ الانصراف إلى الشي‌ء لا ينافي تقييده بما ينافي مقتضي الانصراف.

وإن كان النزاع في الاستظهار من الأدلة ، فقد جزم الفقيهان كاشف الغطاء وصاحب الجواهر قدس‌سرهما ببطلان هذه الإجازة ولغويتها ، واقتصر المصنف على إبداء احتمالي الصحة والبطلان من دون ترجيح بينهما.

(١) هذا و «انصرافا» تمييزان ، أي : من جهة الوضع أو الانصراف ، وقوله : «وضعا» إشارة إلى الاحتمال الأوّل ، أي : كون منشأ النزاع الشبهة المفهومية ، والجهل بالموضوع له لغة.

(٢) هذا إشارة إلى الاحتمال الثاني ، وهو كون الموضوع له طبيعي الإمضاء والإنفاذ ، وإنّما ينصرف إلى أحد المعنيين.

(٣) هذا إشارة إلى الاحتمال الثالث ، يعني : أنّ منشأ الخلاف في الكشف والنقل هو جعل الشارع.

__________________

(*) بل منشأ الخلاف في الكشف والنقل هو الخلاف في مضمون العقد ، وأنّه طبيعة النقل ، أم النقل المقيد بزمان وقوعه؟ والإجازة إجازة لمفهوم العقد بلا إشكال. فاختلاف مفهوم العقد يسري قهرا إلى الإجازة ، فينبغي إجراء النزاع في مفهوم العقد ، لا في الحكم

١٥٣

اعتبار رضا المالك (١) ، وأدلّة (٢) وجوب الوفاء بالعقود ، وغيرهما (٣) من الأدلّة الخارجيّة. فلو (٤) قصد المجيز الإمضاء من حين الإجازة على القول بالكشف ، أو الإمضاء من حين العقد على القول بالنقل ، ففي صحّتها وجهان (٥).

______________________________________________________

(١) يستفاد اعتبار رضا المالك من آية «التجارة عن تراض» ومن حديث «لا يحل مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه».

(٢) معطوف على «اعتبار».

(٣) كصحيحتي محمّد بن قيس والحذّاء المستدلّ بهما على الكشف. وعليه فالمراد بالدليل الخارجي ما يقابل إطلاق حلّ البيع والوفاء بالعقود.

(٤) هذا تفريع على كون منشأ النزاع الاستظهار من الأدلة ، وقد تقدّم توضيحه آنفا.

(٥) وجه الصحة : أنّ متعلق الإجازة مضمون العقد لا حكمه ، والمفروض حصول العقد وإجازته ، فالسبب تام ، وبه يحصل المسبب قهرا. وقصد ترتب حكم غير الحكم الشرعي على العقد لغو ، لا أثر له ، لعدم تقيد مضمون العقد ولا حكمه بما يكون الواقع مغايرا للعقد المجاز.

ووجه البطلان في كل من الكشف والنقل عدم كون المجاز هو الواقع ، وعدم كون الواقع هو المجاز ، إذ في الأوّل يكون المنشأ النقل حين العقد ، والإجازة تعلقت به من حين الإجازة. وفي الثاني يكون المنشأ النقل المطلق ، وقد أجيز مقيّدا بحين العقد ، فالمجاز غير الواقع ، والواقع غير المجاز.

وهذا الاحتمال قوّاه الشيخ الفقيه الشيخ حسن كاشف الغطاء قدس‌سره (١).

__________________

الشرعي للإجازة إذ مقتضى أدلة طيب النفس ووجوب الوفاء بالعقود ليس إلّا تنفيذ مضمون العقد ، فاللازم تشخيص مضمونه ، لأنّه متعلّق الإجازة.

__________________

(١) أنوار الفقاهة ، كتاب البيع ، ص ١٠٦ (مخطوط).

١٥٤

ـ الثاني (١):

أنّه (*) يشترط (٢) في الإجازة أن تكون باللفظ الدالّ عليها على

______________________________________________________

هل يشترط في الإجازة التلفظ بها؟

(١) هذا ثاني الأمور التي نبّه عليها المصنف قدس‌سره. والغرض من عقده تحقيق جهة أخرى مما يتعلق بالإجازة ، وهي أنّها مجرّد الرضا الباطني بالعقد الواقع فضولا على ما له ولاية عليه ، أم أنها لمّا كانت من الأمور الإنشائية توقّف حصول أثرها على إنشائها. وعلى الثاني فهل يكفي مجرّد الفعل الدال على الرضا ، أم يعتبر إبرازه باللفظ. وعلى الثاني فهل يكفي اللفظ الكنائي ، أم لا بد من الصراحة العرفية؟ في المسألة وجوه أربعة سيأتي التعرّض لها إن شاء الله تعالى.

(٢) هذا الاشتراط إنّما يكون بعد الفراغ عن عدم كفاية الرضا الباطني في صحة عقد الفضولي وتأثيره. والحاجة إلى الإجازة لإسناد العقد إلى المجيز ، إذ لا يكفي مجرّد الرضا الباطني في الإضافة إليه. وبعد إثبات الافتقار إلى الإجازة والحاجة إلى إنشائها يقع الكلام في أنّ الدال عليها لا بدّ أن يكون هو اللفظ أو يقع بالفعل أيضا. واعتبار اللفظ الظاهر هو القول الأوّل في المسألة ، وسيأتي وجهه.

__________________

(*) في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره ما محصله : أنّ الحاجة إلى الإجازة إن كانت لمجرّد حصول الرضا وطيب النفس بالعقد ، فنفس لحوق الرضا ممّن اعتبر رضاه في نفوذ العقد ـ كما في نكاح العبد بدون إذن سيده ، وبيع الراهن للعين المرهونة بدون إذن المرتهن ـ كاف في تأثير العقد كما في بيع المكره ، للاكتفاء في تأثيره بمجرّد لحوق رضاه.

وإن كانت لتصحيح إسناد العقد الى المجيز علاوة على ذلك ـ كما إذا عقد على ماله فضولا ـ فالظاهر عدم كفاية مجرّد لحوق الرضا في ذلك ، بل لا بدّ في صحة العقد من إنشاء إمضاء العقد وإجازته ، ولذا بنوا على عدم خروج عقد غير المالك على ماله بدون إذنه ـ ولو مع العلم برضاه ـ عن الفضولية ، وإن كان هذا البناء بنحو الإجماع لم يثبت ، فتدبّر (١) ، هذا.

أقول : لم يظهر وجه لعدم كفاية لحوق الرضا في إسناد العقد إلى المجيز ، مع كون

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٦٥

١٥٥

وجه الصراحة العرفية (١) (*) كقوله : «أمضيت ، وأجزت ، وأنفذت ، ورضيت»

______________________________________________________

(١) التي هي أعم من النص والظاهر الذي يكون حجة عند أبناء المحاورة.

__________________

رضاه رضا بالمعنى الاسم المصدري القائم بماله ، فرضاه رضا المالك بما أنّه مالك. فإن لم يكن هذا الرضا موجبا لإضافة العقد إليه ، فهل يصلح مجرد لفظ «أجزت» أن يكون محصّلا لهذه الإضافة؟

والحاصل : أنّ الرضا بانتقال ماله الى الغير بسبب عقد الفضولي لا معنى له عرفا إلّا كون سبب الانتقال وهو عقد الفضولي مضافا إليه وعقدا له. نعم انتسابه وإضافته إلى المجيز يكون بقاء ، وإضافة عقد المكره إلى المكره تكون حدوثا وذاتا ، لأنّه منشؤه. بخلاف عقد الفضولي ، فإنّ إضافته إلى المالك عرضيّة ، فتدبر.

وما أفاده أخيرا من نفي البعد عن كفاية الإنشاء القلبي فيما يتوقف على الإمضاء والإجازة غير متضح المراد ، فإنّ الإنشاء عنده من أنحاء استعمال الألفاظ في معانيها ، وأنّه بقصد الحكاية إخبار ، وبقصد إيجاد المعنى في نفس الأمر إنشاء ، كاستعمال «ملّكتك» فيهما بداعيين ، وعرّفه في الفوائد بأنّه «القول الذي يقصد به إيجاد المعنى في نفس الأمر» (١) ومن المعلوم أنّ الاستعمال الذي هو إفناء اللفظ في المعنى من الكيف المسموع ولا ربط له بفعل القلب.

مضافا إلى : أنّ القابل للإنشاء هو الأمر الاعتباري كالملكية والزوجية ، لا الصفة النفسانية. نعم يمكن إظهارها وإبرازها باللفظ والفعل. وأمّا الإنشاء المفروض كونه إيجادا فلا. وهو قدس‌سره أعلم بما أفاده من الإنشاء القلبي.

(*) تقدّم أنّ محتملات الإجازة أربعة ، ولعل الأولى أن يقال في عنوان المسألة :

إنّ الكلام يقع في مقامين ، الأوّل في مقام الثبوت ، والثاني في مقام الإثبات.

أما المقام الأوّل فحاصله : أنه يحتمل اعتبار الإنشاء في الإجازة قولا صريحا ، أو كفاية الكناية ، أو كفاية الفعل. ويحتمل عدم اعتبار الإنشاء فيها ، وكفاية الرضا الباطني ولو بدون دالّ عليه.

وببيان أوضح : هل يشترط الإنشاء في الإجازة أم لا؟ وعلى الأوّل : هل يعتبر أن

__________________

(*) الفوائد المطبوعة مع حاشية الرسائل ، ص ٢٨٥ (الطبعة الحجرية).

١٥٦

وشبه ذلك (١). وظاهر رواية البارقي وقوعها بالكناية (٢) ، وليس (٣) ببعيد إذا أتّكل

______________________________________________________

(١) كقوله : «قبلت أو صححت هذا العقد» ونظائرهما في الدلالة على المقصود.

(٢) لأنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بارك الله لك في صفقة يمينك» كناية عرفا عن الإجازة المستفادة من «أجزت وأنفذت».

(٣) يعني : وليس وقوع الإجازة بالكناية ببعيد إذا أتّكل العرف على الكناية في الدلالة على الإجازة ، وهذا إشارة إلى الاحتمال الثاني في المسألة.

__________________

يكون الإنشاء بالقول ، أم يكتفي فيه بالفعل؟ وعلى تقدير اعتبار القول هل يشترط فيه الصراحة أم يكفي الكناية؟

وببيان أوضح : هل يشترط الإنشاء في الإجازة أم لا؟ وعلى الأوّل : هل يعتبر أن يكون الإنشاء بالقول ، أم يكتفى فيه بالفعل؟ وعلى تقدير اعتبار القول هل يشترط فيه الصراحة أم يكفي الكناية؟

وأما المقام الثاني فنخبة الكلام فيه : أنّه قد يستدلّ على كفاية الإنشاء الكنائي بظاهر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعروة البارقي : «بارك الله لك في صفقة يمينك» فإنّه عرفا كناية عن الإجازة لو لم يكن في نظر العرف من عبارات الإجازة كقوله : «أحسنت» فتأمّل.

وعلى كفاية الفعل الكاشف عن الرضا كتصرف مالك المبيع فضولا في الثمن ، فإنّ هذا التصرف كاشف عرفا عن إمضاء البيع. وكتمكين المرأة ـ المزوّجة فضولا ـ من الدخول بها كما صرّح به العلامة قدس‌سره.

كما أنّه قد استدلّ على اعتبار اللفظ في الإجازة ـ مضافا إلى شبهة الإجماع على اعتباره فيها ـ بأنّ الإجازة كالبيع في استقرار الملك ، فما يعتبر في البيع من اللفظ يعتبر في الإجازة أيضا ، لاشتراكهما في إيجاد استقرار الملك ، كما سيأتي ذلك في شرح قول المصنف : «واستدل عليه بعضهم بأنّها كالبيع في استقرار الملك .. إلخ».

وفيه ما سيأتي في التوضيح بقولنا : «إذ سبب النقل مطلقا حتى في عقد الفضولي ولو على النقل هو العقد ، والإجازة شرط تأثيره .. إلخ».

ولعلّ نظر هذا المستدل إلى : أنّ الإجازة من الأمور التسبيبية المتوقفة على الإنشاء.

وفيه : أنّ الإجازة ليست من الأمور التسبيبية ، وإنّما الأمور التسبيبية ـ وهي البيع والصلح والهبة وغيرها المتوقفة على الإنشاء ـ حاصلة في عقد الفضولي كعقد الأصيل

١٥٧

عليه (١) عرفا.

والظاهر (٢) أنّ الفعل الكاشف عرفا عن الرضا بالعقد كاف (٣) ،

______________________________________________________

(١) كذا في نسخ الكتاب ، والأولى تأنيث الضمير ، لرجوعه إلى الكناية.

(٢) هذا إشارة إلى الاحتمال الثالث ، وهو جواز الاقتصار في الإجازة على الفعل الدال عليها ، واستشهد المصنف قدس‌سره له بما ذكروه في مقامين :

أحدهما : إمضاء بعض العقود المتعددة على عوض المبيع فضولا.

وثانيهما : تمكين الزوجة المعقود عليها فضولا ، فإنّ الإمضاء والتمكين فعلان صالحان لإظهار الرضا النفساني بالعقد الصادر من الفضولي.

(٣) خبر «أنّ» أي : كاف في وقوع الإجازة بدون لفظ.

__________________

بلا تفاوت بينهما أصلا.

وقد يستدل أيضا على اعتبار الإنشاء في الإجازة تارة بعدم صدق العناوين كالبيع والصلح وغيرهما إلّا بإنشاء الإجازة ، حيث إنّ الإجازة في الفضولي كالقبول في غيره ، فكما يكون العقد مركبا من الإيجاب والقبول ، وهما ركنان في العقد ، فكذلك الإجازة في الفضولي كالقبول.

وبالجملة : فصدق العناوين منوط بإنشاء الإجازة كإنشاء القبول.

واخرى بأنّ المعتبر في عقد الفضولي صيرورته عقدا للأصيل ، لأنّ معنى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» أوفوا بعقودكم ، فلا يشمل عموم «أَوْفُوا» ـ وكذا سائر الأدلة ـ عقد الفضولي إلّا أن يصير عقد الأصيل ، ولا يصير عقدا له إلّا بإنشاء الإجازة ، لكون الانتساب إلى الأصيل كالبيع أمرا تسبيبيا لا يحصل إلّا بالإنشاء ، ولا يتحقق بالرضا أو إبرازه.

وأنت خبير بما في كلا الوجهين من الإشكال. إذ في أوّلهما : عدم توقف صدق عنوان البيع مثلا ، على إجازة الأصيل ، إذ لا شبهة في صدق عنوانه على عقد الفضولي مطلقا سواء إجازة الأصيل أم ردّه ، لصدق مفهوم البيع ـ وهو المبادلة ـ على عقد الفضولي ، ولا دخل لترتب الأثر في صدقه ، وإلّا لم تكن البيوع الفاسدة كالبيع الربوي والغرري ونحوهما بيعا.

وقياس الإجازة على القبول في غير محله ، لأن القبول ركن العقد ، وبدونه لا يتحقق العقد المعنون بعنوان البيع.

وفي ثانيهما : أنّ الإنشاء الصادر من الفضولي فعل الفضولي حقيقة ، ولذا يحمل

١٥٨

.................................................................................................

__________________

«العاقد» عليه ، ولا يحمل على الأصيل ، فلا يقال : الأصيل عاقد ـ سواء أجازه أم ردّه ـ إلّا مجازا.

نعم يقال : «عقد الفضولي مرضيّ للأصيل» فلو كان موضوع وجوب الوفاء عقد المالك الأصيل لم يصر عقد الفضولي بسبب الإجازة عقد المالك ، ولا يشمله عموم وجوب الوفاء.

وبالجملة : فالإجازة لا توجد المضاف أي عنوان البيع ونحوه ، ولا الإضافة أي صيرورة العقد عقد المالك ، فإنّ الإجازة ليست إلّا إمضاء فعل الغير وإنفاذه ، ولا دليل على اعتبار الإنشاء في الإجازة. ولو شكّ في اعتباره فيها ، فمقتضى إطلاق أدلة اعتبار الرضا عدم اعتباره. كاقتضاء إطلاقها عدم اعتبار مقارنة الرضا للعقد.

فالمتحصل : عدم دلالة شي‌ء من الوجوه المذكورة على اعتبار الإنشاء باللفظ الصريح في الإجازة.

هذا كله بملاحظة الأدلة العامة. وقد عرفت عدم دلالتها على اعتبار الإنشاء في إجازة عقد الفضولي باللفظ الدالّ عليه صراحة أو كناية ، لو لم نقل بدلالتها بمقتضى الإطلاق على عدم اعتبار الإنشاء مطلقا في الإجازة ، لأنّ التراضي وطيب النفس اللّذين هما من شرائط التجارة صفتان قائمتان بالنفس ، كالكراهة ، وليستا من الأمور الاعتبارية المحتاجة إلى الإنشاء ، كنفس عناوين العقود والإيقاعات كالبيع والصلح والطلاق والعتق ونحوها ، فإنّها تنشأ بإنشاء الفضوليّ كما هو المفروض.

وأمّا بملاحظة الأدلة الخاصة كقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة أبي عبيدة الحذاء في غلام وجارية غير مدركين زوّجهما وليّان لهما : «النكاح جائز أيّهما أدرك كان له الخيار ، فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلّا أن يكونا قد أدركا ورضيا. قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال : يجوز ذلك عليه إن هو رضي» الحديث (١).

وغيره من النصوص التي تأتي الإشارة إليها إن شاء الله تعالى عند شرح كلام المصنف قدس‌سره. فلا يستفاد منها إلّا اعتبار نفس الرضا.

غاية الأمر أنّه لا بدّ في ترتيب آثار الصحة ظاهرا على العقد من إحراز الرضا بمحرز

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٥٢٧ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث ١.

١٥٩

.................................................................................................

__________________

من قول أو فعل دالّ عليه ، وإن كان كتحريك رأسه أو يده ونحوه ممّا يبرز الرضا النفساني الذي هو الشرط حقيقة ، ويكون الفعل كاشفا عنه.

لا أن يكون الشرط هو الفعل تعبّدا ، إذ يلزم منه حرمة تلك الأفعال كتمكين المزوّجة فضولا من الدخول بها. وكتصرف مالك المبيع فضولا في الثمن ، سواء أكان التصرف خارجيا أم اعتباريا ، ضرورة أنّ نفس التصرف إن كان إنشاء الإجازة لم تحصل الملكية والزوجية إلّا بعد تمامية العمل الذي يتحقق به الإنشاء ، فلا محالة يقع العمل قبل تحقق الملكية والزوجية ، وهو حرام ، إذ المفروض توقف الملكية والزوجية على تحقق العمل الذي يحصل به الإنشاء ، ولا يحلّ التصرف إلّا إذا كان كاشفا عن الرضا النفساني الذي هو شرط حقيقة.

فصار المتحصل من جميع ما ذكرنا في مقام الإثبات : أنّ ظاهر الأدلة عمومها وخصوصها ـ وكذا كثير من الفتاوى ـ عدم اعتبار الإنشاء في الإجازة ، وأنّ الشرط هو الرضا النفساني : غاية الأمر أنّه لا بدّ من إحرازه في ترتيب آثار صحة العقد ، سواء أكان المبرز لفظا أم فعلا ، إذ أصالة عدم تحقق الرضا تقتضي عدم جواز ترتيب آثار الصحة ظاهرا ، فجواز التصرف ظاهرا منوط بإحراز الرضا الذي هو الشرط. فيسقط البحث عن اعتبار الإنشاء في الإجازة ، وعن اعتبار كون الإنشاء باللفظ الصريح أو الكنائي ، لما مرّ من أنّ الشرط هو الرضا ، وليس ذلك من الأمور الاعتبارية المحتاجة إلى الإنشاء.

بقي في المقام ـ وهو كون الشرط مجرّد الرضا ، وأنّ الأفعال كالتصرف في ثمن المبيع ، فضولا وتمكين المزوّجة فضولا من الدخول بها وغير ذلك من التصرفات محرزات للرضا ، وليس لها موضوعية أصلا ـ إشكال ، وهو : أنّ شرطية نفس الرضا وعدم اعتبار الإنشاء فيه تقتضي كفاية الرضا المقارن لعقد الفضولي في خروجه عن حكم الفضولية ، فإذا علم زيد برضاء عمرو ببيع بضاعته ، فباعها بدون إذنه لم يكن البيع فضوليا ، وكان لازما ، لأنّ ما يؤثر بلحوقه يؤثر بمقارنته بطريق أولى ، لانحفاظ احتمال اعتبار مقارنة الرضا للعقد مع السبق والمقارنة ، دون الرضا اللاحق ، لانتفاء هذا الاحتمال في الرضا اللاحق. مع أنّ الظاهر عدم التزام الأصحاب بذلك ، لبنائهم على عدم خروج ذلك عن عقد الفضولي موضوعا وحكما.

ولعلّ نظر الأصحاب إلى دخل ما يحرز الرضا في الشرطية ولو بنحو دخل الجزئية

١٦٠