هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

توضيح الفساد (١) : أنّ الثابت من وجوب وفاء العاقد بما التزم (٢) على نفسه من المبادلة حرمة نقضه والتخطّي (٣) عنه. وهذا (٤) لا يدلّ إلّا على حرمة التصرّف في ماله ، حيث (٥) التزم بخروجه عن ملكه ولو بالبدل. وأمّا دخول البدل في ملكه فليس ممّا التزمه على نفسه (٦) ، بل ممّا جعله لنفسه. ومقتضى الوفاء بالعقد حرمة

______________________________________________________

(١) محصله : أنّ التوهم المزبور مبنيّ على استفادة حكمين من وجوب وفاء العاقد الأصيل بما التزم به ، وهما حرمة التصرف فيما انتقل عنه ، وجوازه فيما انتقل إليه. وليس الأمر كذلك ، لأنّ ما يدلّ عليه وجوب الوفاء بما التزم به من المبادلة ليس إلّا حكما واحدا ، وهو حرمة التصرف في ماله الذي انتقل عنه ، لأنّ هذه الحرمة هي مقتضى التزامه بخروج ماله عن ملكه.

ولا يدلّ وجوب الوفاء على حكم عوض ماله ، لأنّه خارج عن محيط التزامه ، ضرورة أنّه جعل على نفسه الالتزام بخروج ماله عن ملكه. وأمّا دخول مال غيره في ملكه بدلا عن ماله فليس ذلك من الالتزام على نفسه ، بل هو ممّا جعله لنفسه ، فلا يشمله دليل وجوب الوفاء بالعقد.

والحاصل : أنّ نقض الالتزام بخروج ماله عن ملكه يتحقق بالتصرف فيه ، فيحرم ، ولا يتحقق بترك التصرف في بدله ، لكونه خارجا عن حيّز التزامه.

(٢) يعني : العاقد الأصيل. وقوله : «من المبادلة» مفسّر ل «ما» الموصول. ولعلّ الأولى إبدال العبارة ، بأن يقال : «بما ألزمه على نفسه» أو «بما التزم به من المبادلة».

(٣) معطوف على «نقضه» ، وقوله : «حرمة نقضه» خبر قوله : «أن الثابت».

(٤) أي : ما ثبت على الأصيل من وجوب الوفاء ـ وهو حرمة النقض والتخطّي ـ لا يدلّ .. إلخ.

(٥) تعليل لعدم دلالة وجوب الوفاء إلّا على حرمة التصرف ، وحاصله : أنّ الالتزام على نفسه الموجب للوفاء هو الالتزام بخروج المال عن ملكه ولو مع البدل ، وذلك الالتزام لا يقتضي إلّا حرمة التصرف في المال الذي انتقل عنه ، إذ جواز تصرفه فيه ينافي التزامه بخروجه عن ملكه ، ولا يقتضي جواز تصرفه في المال الذي انتقل إليه.

(٦) حتى يجوز للأصيل التصرف فيما انتقل إليه ، ويحرم عليه نقضه بعدم جواز التصرف فيه كما زعمه المستشكل.

١٢١

رفع اليد عمّا التزم على نفسه (١). وأمّا قيد كونه (٢) بإزاء مال فهو (٣) خارج عن الالتزام على نفسه وإن كان داخلا في مفهوم المبادلة. فلو لم يتصرّف في مال صاحبه لم يكن ذلك (٤) نقضا للمبادلة ، فالمرجع في هذا التصرّف (٥) فعلا وتركا إلى (٦) ما يقتضيه الأصل ، وهي أصالة عدم الانتقال.

ودعوى (٧):

______________________________________________________

(١) لا ما جعله لنفسه من دخول البدل في ملكه ، فإنّه خارج عن دائرة التزامه.

(٢) أي : كون ما التزمه على نفسه بخروج المال عن ملكه. غرضه : أنّ تقيد خروج ماله عن ملكه بإزاء مال غيره لا يوجب أن يكون عدم تصرف الأصيل في مال صاحبه نقضا لالتزامه بخروج ماله عن ملكه ، وذلك لأجنبية دخول مال الغير في ملكه عن التزامه بخروج ماله عن ملكه ، وهو موظّف بعدم نقض ما ألزمه على نفسه فقط ، وهو التزامه بخروج ماله عن ملكه.

(٣) جواب «أمّا» والضمير راجع إلى «قيد» وجملة «وإن كان» وصليّة.

(٤) أي : لم يكن عدم تصرف الأصيل في المال المنتقل إليه نقضا للمبادلة ، للخروج عن دائرة التزامه.

(٥) أي : تصرف الأصيل في مال صاحبه. بعد أن أثبت المصنف قدس‌سره بدليل وجوب الوفاء بالعقد الذي هو دليل اجتهادي حرمة نقض التزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه بالتصرف فيه ـ ولم يثبت به حكم تصرّف الأصيل في مال صاحبه ـ أراد أن يبيّن حكمه على ما يقتضيه الأصل العملي ، وحكم بأنّ استصحاب عدم انتقاله إلى الأصيل يثبت بقاءه على ملك مالكه ، المستلزم لحرمة تصرف الأصيل فيه.

(٦) خبر قوله : «فالمرجع» ، والظاهر عدم الحاجة إلى كلمة «إلى» لأنّ المرجع هو الدليل على الحكم كالخبر ، لا نفس الحكم ، ومن المعلوم أنّ ما يقتضيه الأصل هو نفس الحكم لا دليله ، وهي أصالة عدم الانتقال. وعليه فلعلّ الأولى أن يقال : «فالمرجع في حكم هذا التصرف .. هو الأصل ، وهي أصالة .. إلخ» وهي تقتضي حرمة التصرف.

(٧) الغرض من هذه الدعوى إثبات جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه وعدم حرمته ، بتقريب : أنّ التزامه بخروج ماله عن ملكه لم يكن مطلقا حتى يحرم تصرّفه فيه

١٢٢

«أنّ الالتزام المذكور (١) إنّما هو على تقدير الإجازة ودخول (٢) البدل في ملكه. فالالتزام (٣) معلّق على تقدير لم يعلم تحقّقه ، فهو كالنذر المعلّق على شرط ، حيث حكم جماعة بجواز التصرّف في المال المنذور قبل تحقّق الشرط إذا لم يعلم بتحقّقه (٤).

______________________________________________________

بمقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود ، بل كان معلّقا على تقدير الإجازة ودخول مال الغير في ملكه. وهذا الالتزام نظير النذر المعلّق على شرط لم يحصل بعد ، حيث إنّ جماعة حكموا بجواز تصرّف الناذر في المال المنذور قبل تحقق شرطه ، من دون لزوم حنث.

(١) وهو التزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه.

(٢) معطوف على «الإجازة» وضمير «ملكه» راجع إلى الأصيل.

(٣) يعني : فالتزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه ليس مطلقا ، بل هو معلّق على تقدير حصول الإجازة التي لا يعلمها الأصيل ، فيكون التزام الأصيل المعلّق على الإجازة كالنذر المعلّق على شرط لم يعلم بتحققه في جواز التصرف في المال المنذور قبل تحقق الشرط مع الجهل بحصوله. فكما لا يعدّ التصرّف في المال المنذور حينئذ عند جماعة حنثا ، فكذلك لا يعد تصرف الأصيل في ماله المنتقل عنه قبل العلم بتحقق الإجازة أو قبل تحقق نفسها نقضا لالتزامه.

(٤) مقتضى هذه الجملة الشرطية عدم جواز تصرف الناذر في المال المنذور بما ينافي النذر لو علم بتحقق الشرط ، فمورد جواز التصرف المنافي هو الشك في حصول الشرط أو العلم بعدمه. كما أن المراد بالتصرف الجائز أعم من الانتفاع ومن الإخراج عن الملك.

ولا يخفى أن هذه المسألة تعرّض لها صاحب المقابس قدس‌سره في السبب السادس من أسباب نقض الملك ، وفصّل بين كون الشرط المعلّق عليه معلوم الوقوع وبين محتمله ، فقال بعد نقل خلاف العلامة والفخر قدس‌سرهما : «وعندي أنّه إن كان النذر مشروطا صريحا أو ضمنا ـ بما إذا وجد الشرط ، والمنذور باق في ملكه ـ فإخراجه من الملك قبله جائز قطعا ، لأنّ الالتزام بالنذر حينئذ بالنسبة إلى بقاء المنذور في الملك كالواجب المشروط ، ولا يجب تحصيل مقدمته إجماعا.

ويدلّ عليه أيضا ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما عليهم‌السلام قال : سألته عن الرجل تكون له الأمة ، فيقول : يوم يأتيها فهي حرّة ، ثم يبيعها من رجل ، ثم يشتريها بعد ذلك ، قال : لا بأس بأن يأتيها ، قد خرجت من ملكه (١).

وقد حمله الأصحاب على صورة النذر ، كما ذكره في الدروس والتنقيح والمسالك. وزاد في المسالك : أنّه ما وقف على رادّ لها إلّا ما يظهر من ابن إدريس. وفيه دلالة على جواز البيع ، وعلى سقوط النذر به وإن عادت إلى ملكه ..» (٢).

وقال المحقق قدس‌سره : «لو نذر عتق أمته إن وطأها صحّ. فإن أخرجها من ملكه انحلّت اليمين. ولو أعادها بملك مستأنف لم تعد اليمين» (٣).

واستدلّ عليه كما في المسالك والجواهر وغيرهما (٤) بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة.

وكيف كان فالاستدلال بها على ما نسبه المصنف إلى جماعة ـ من جواز التصرف في المنذور المشروط بمحتمل الوقوع ـ منوط بأمرين.

أحدهما : دلالتها على حكم النذر ، مع عدم تصريح في السؤال بأنّ السيد نذر عتق أمته لو أتاها. والظاهر ثبوته بشهادة حمل الأصحاب لها على النذر حتى من توقّف عن الفتوى بمضمونها كابن إدريس والعلّامة في بعض كتبه (٥).

ثانيهما : التعدّي من مورد الصحيحة ـ وهو وطأ الأمة المنذور عتقها ـ إلى غيره كما إذا نذر التصدّق بمال معيّن معلّقا على شفاء مريض أو قدوم مسافر ، ونحوهما.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٦ ، ص ٦٠ ، الباب ٥٩ من كتاب العتق ، الحديث ١.

(٢) مقابس الأنوار ، كتاب البيع ، ص ١١١ و ١١٢.

(٣) شرائع الإسلام ، ج ٣ ، ص ١٠٨ ، ونحوه في المختصر النافع ، ص ٢٣٧ ، وقال به جمع أيضا ، كالمقنع ، ص ١٥٧ ، النهاية ونكتها ، ج ٣ ، ص ١٤ ـ ١٥ ، الجامع للشرائع ، ص ٤٠٣ ، إرشاد الأذهان ، ج ٢ ، ص ٦٧ ، الدروس الشرعية ، ج ٢ ، ص ٢٠٥ ، المهذب ، ج ٢ ، ص ٣٦٠ ، الروضة البهية ، ج ٦ ، ص ٩٦ ، نهاية المرام ، ج ٢ ، ص ٢٦٧.

(٤) مسالك الافهام ، ج ١٠ ، ص ٣٠٦ و ٣٠٧ ، جواهر الكلام ، ج ٣٤ ، ص ١٣١ وج ٣٥ ، ص ٤١٢

(٥) السرائر ، ج ٣ ، ص ١٢ و ١٣ ، مختلف الشيعة ، ج ٨ ، ص ٣١ و ٣٢ ، قواعد الاحكام ، ج ٣ ، ص ٢٠٣.

١٢٤

فكما أنّ التصرّف حينئذ (١) لا يعدّ حنثا ، فكذا التصرّف فيما نحن فيه قبل العلم بتحقّق الإجازة لا يعدّ نقضا لما (٢) التزمه ، إذ (٣) لم يلتزمه (٤) في الحقيقة إلّا معلّقا» مدفوعة (٥)

______________________________________________________

والظاهر ثبوته أيضا ، لما يستفاد من قوله عليه‌السلام : «قد خرجت عن ملكه» الذي هو كتعليل الحكم بجواز المباشرة. قال الشهيد الثاني قدس‌سره : «والمتجه التعدّي ، نظرا إلى العلّة. ويتفرّع على ذلك أيضا جواز التصرف في المنذور المعلّق على شرط لم يوجد. وهي مسألة إشكالية. والعلّامة اختار في التحرير عتق العبد لو نذر إن فعل كذا فهو حرّ ، فباعه قبل الفعل ، ثم اشتراه ، ثم فعل. وولده استقرب عدم جواز التصرف في المنذور المعلّق على الشرط قبل حصوله. وهذا الخبر حجة عليهما» (١).

فالمتحصل : أنه يجوز للأصيل التصرف في ما انتقل عنه ـ بالبيع الفضولي ـ تنظيرا له بجواز تصرف الناذر في متعلق نذره المشروط قبل تحقق الشرط.

(١) أي : فكما أنّ تصرّف الناذر في المال المنذور ـ حين عدم علمه بتحقق الشرط الذي علّق عليه النذر ـ لا يعدّ حنثا ، فكذا التصرف في المقام.

(٢) أي : لا يعدّ تصرّف الأصيل ـ قبل تحقّق الإجازة ـ فيما انتقل عنه نقضا لما التزم به من المبادلة ، كما لا يعدّ تصرّف الناذر في المال المنذور قبل تحقق شرط النذر حنثا موجبا للكفارة.

(٣) تعليل لقول المدّعي : «لا يعدّ نقضا لما التزمه» وحاصل التعليل : أنّ التزامه بالمبادلة لم يكن مطلقا حتى يكون تصرفه في ماله المنتقل عنه نقضا لما التزم به ، بل كان معلّقا على أمر غير معلوم التحقق. ومثل هذا الالتزام المعلّق لا يوجب حرمة التصرف في المال قبل حصول المعلّق عليه.

(٤) الضمير الفاعل المستتر فيه راجع إلى الأصيل ، والضمير المفعول البارز راجع إلى الموصول في قوله : «لما التزمه».

(٥) خبر «ودعوى» وردّ لها ، ومحصل الرّد وجهان ، أحدهما : ناظر إلى التأمل في

__________________

(١) الروضة البهية ، ج ٦ ، ص ٢٩٦.

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المقيس عليه ، وهو جواز التصرف في المنذور قبل حصول الشرط ، وثانيهما : إلى منعه في المقيس ، لوجود الفارق بين المسألتين.

أمّا الأوّل فتوضيحه : أنّ جواز التصرف في المال المنذور المشروط ـ قبل حصول شرطه ـ لا يخلو من الاشكال ، ولم يتسالم الأصحاب عليه ، فقد صرّح العلّامة والشهيد الثاني قدس‌سرهما بأنّ المسألة مشكلة ، بل التزم في التحرير بعتق العبد المنذور عتقه لو عاد إلى ملكه ، كما تقدم آنفا في عبارة الروضة.

بل في الجواهر : «ولو علّق نذر العتق على برء المريض مثلا ، ففي جواز بيعه قبل حصول الشرط قولان ذكرهما الصيمري في شرحه .. وربما يشهد للعدم ما سمعته في اليمين من أنّه لو حلف ليأكلنّ هذا الطعام غدا ، فأتلفه قبل الغد ، أثم به ، وتعلّق به الكفارة. ونسبه الصيمري إلى علمائنا. وليس إلّا لأنّ النذر قبل حصول الشرط له صلاحيّة التأثير ، وإخراجه عن ملكه يزيل صلاحية التأثير» (١).

والوجه في الاشكال ـ كما أفاده الفقيه المامقاني قدس‌سره ـ أنّ التصرف في المال المنذور قبل تحقق شرطه نقض للالتزام في ضمن النذر ، فيكون ممنوعا منه بحكم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالنذر. ومورد صحيح محمّد بن مسلم ليس التصرف المنافي لمقتضى النذر ، بل هو رفع الموضوع برفع الشرط ، أو التسبب لعدم حصوله من أوّل الأمر ، فراجع (٢).

وأمّا الوجه الثاني فهو : أنّ قياس المقام بباب النذر مع الفارق. توضيحه : أنّ الشرط في باب النذر شرط لنفس الالتزام النذري ، نظير الشرط في الواجبات المشروطة الذي هو شرط لنفس الوجوب. بخلاف الالتزام هنا ، فإنّه أحد طرفي العقد المركب من الالتزامين الصادرين من المتعاقدين من دون أن يكون أحدهما شرطا للآخر ومتقدّما عليه. فمع تحقق كلا الالتزامين يثبت العقد الذي يجب على كلّ منهما الوفاء به ، ويحرم عليه نقضه ، فلا يجوز للأصيل التصرّف في ما انتقل عنه مع بقائه على ملكه ، إذ خروجه عن

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٣٥ ، ص ٤١٢.

(٢) غاية الآمال ، ص ٣٨٧.

١٢٦

ـ بعد (١) تسليم جواز التصرّف في مسألة النذر المشهورة بالإشكال ـ بأنّ (٢) الفرق بينهما أنّ الالتزام هنا (٣) غير معلّق على الإجازة ، وإنّما التزم بالمبادلة متوقّعا للإجازة ، فيجب عليه الوفاء به (٤) ، ويحرم عليه نقضه (٥) إلى أن يحصل ما يتوقّعه من الإجازة ، أو ينتقض التزامه بردّ (٦) المالك.

ولأجل ما ذكرنا ـ من اختصاص حرمة النقض بما يعدّ من التصرّفات منافيا لما التزمه الأصيل على نفسه دون غيرها (٧) ـ

______________________________________________________

ملكه موقوف على الإجازة. ومنع الأصيل عن التصرف في ماله المنتقل عنه لا يستلزم جواز تصرفه فيما انتقل إليه ، لأنّه ليس له ولاية الالتزام بجعل مال الغير ملكا لنفسه ، بل ولايته تختص بمالكه.

فالنتيجة : أنّ الأصيل بمقتضى التزامه بكون ماله ملكا لغيره يحرم عليه التصرف في ماله الذي هو باق على ملكه ، لتوقف خروجه عن ملكه على الإجازة التي أنيط بها تأثير العقد في الملكية.

(١) هذا إشارة إلى الجواب الأوّل المتقدم بقولنا : «أما الأوّل فتوضيحه : أن جواز التصرف .. إلخ».

(٢) متعلق ب «مدفوعة» وهذا هو الجواب الأصلي عن الدعوى المذكورة ، وقد مرّ تقريبه آنفا بقولنا «توضيحه : أن الشرط في باب النذر شرط .. إلخ».

(٣) أي : التزام الأصيل بنقل ماله إلى الغير غير موقوف على إجازة المالك ، وإنّما هو مراعى ، بحيث تكشف الإجازة المتأخرة عن تحقق النقل والانتقال من زمان العقد.

(٤) أي : بالالتزام ، والضمير المستتر في «التزم» والبارز في «عليه» راجع إلى الأصيل.

(٥) يعني : مع بقاء المال على ملك الأصيل ، فليس حرمة التصرف فيه لأجل كونه مال الغير ، بل لأجل التزامه بصيرورته ملكا للغير ، فيحرم على الأصيل التصرف في ماله ، للالتزام المزبور.

(٦) متعلق ب «ينتقض». وضمير «التزامه» راجع إلى الأصيل.

(٧) أي : دون التصرفات غير المنافية لما ألزمه الأصيل على نفسه.

١٢٧

قال (١) في القواعد في باب النكاح : «ولو تولّى الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حقّ المباشر تحريم المصاهرة (٢). فإن كان (٣) زوجا حرمت عليه الخامسة والأخت والأمّ والبنت (٤) إلّا إذا فسخت (*) (٥)

______________________________________________________

(١) أي : قال العلامة قدس‌سره. والغرض من نقل هذا الكلام الاستشهاد به على حرمة نقض ما التزمه الأصيل على نفسه.

(٢) لأنّ تحريمها مترتّب على النكاح الصحيح ، والمفروض تحققه بالنسبة إلى المباشر.

(٣) أي : فإن كان المباشر الأصيل زوجا ـ كما إذا فرضنا أنّ زيدا تزوّج بهند مثلا ، وقد زوّجها به عمرو فضولا ـ ثبت في حق زيد الذي هو العاقد الأصيل تحريم المصاهرة. فإن كانت المعقود عليها ـ وهي هند ـ زوجة رابعة لزيد حرمت عليه الخامسة ، إذ يتم بالمعقود عليها العدد المحلّل وهو الأربع. وكذلك حرمت عليه أخت المعقود عليها ، لكونه جمعا بين الأختين. وأمّها ، لكونها أمّ الزوجة. وبنتها ، لكونها ربيبة له. فإنّ تحريمهن على الأصيل إنّما هو لأجل حرمة نقض ما التزمه بسبب العقد على نفسه.

(٤) هذه الثلاثة راجعة إلى المعقود عليها ، أي : تحرم أخت المعقود عليها وأمّها وبنتها ، لمّا مرّ آنفا.

(٥) أي : فسخت المعقود عليها فضولا عقد الفضولي ، فإنّ ردّها لعقدها يرفع ما يقتضي التحريم وهو النكاح ، فبعد ردّ المعقود عليها عقد النكاح لا يكون تزويج زيد بغيرها تزويجا بالخامسة حتى تحرم. وكذا يجوز التزويج بأخت المعقود عليها ، إذ ليس حينئذ من الجمع بين الأختين ، فيجوز نكاح أختها. وكذا نكاح بنت المعقود

__________________

(*) لا يخفى أنّ الفسخ حلّ العقد ورفعه ، ولذا يكون من حينه لا من أصله ، كما أنّ الإمضاء إبقاء للعقد في مقابل الفسخ الذي هو إعدامه. والردّ دفع للعقد ومنع عن تحققه ، والإجازة إحداث للعقد.

وعلى هذا فلعلّ الأنسب إبدال قوله قدس‌سره : «فسخت» ب «ردّت» فإنّ الفسخ رفع والردّ دفع ، والفرق بينهما واضح ، فالفسخ في مقابل الإمضاء ، والردّ في مقابل الإجازة.

١٢٨

على إشكال في الأمّ (١). وفي الطلاق (٢) نظر ، لترتّبه على عقد لازم (٣) ، فلا يبيح (٤)

______________________________________________________

عليها ، لأنّ حرمتها منوطة بالدخول بأمّها ، والمفروض عدم تحققه ، فيجوز للمباشر الأصيل نكاحها. وأمّا حرمة أمّ المعقود عليها بعد ردّ بنتها ففيها كلام سيأتي.

(١) يعني : في تحريم أمّ المعقود عليها بعد ردّ بنتها لعقد الفضولي إشكال. وجه الاشكال : أنّ مقتضى نكاح البنت ـ ولو آنا ما ـ حرمة أمّها أبدا ، ومقتضى ردّ النكاح الموجب لعدم تحققه حدوثا عدم تحريمها ، لأنّ مناط تحريمها هو العقد الصحيح ، وردّ المعقود عليها ردّ لأصل النكاح ودفع له ، ولازمه عدم ترتب أحكامه عليه التي منها حرمة نكاح الام.

وهذا الوجه هو الصحيح ، لأنّ الحرمات مترتبة على صحة عقد النكاح المؤلف من الالتزامين الإيجابي والقبولي ، والتزام الأصيل لا يكفي في ترتب أحكام العقد وإن لزم عليه عدم نقض ما التزم به حتى يتبيّن الحال من الرّد والإجازة ، وهذا اللزوم لو قيل به حكم ظاهري.

(٢) أي : وفي كون طلاق الأصيل للمعقود عليها فضولا رافعا لحرمة أمّها وأختها وبنتها ، ونكاح الخامسة ، وإباحة تزويجهن ، نظر. وجه النظر هو : أنّ الطلاق إن كان رافعا لعلقة النكاح صحّ نكاحهن وأبيحت المصاهرة ، لأنّ الرد رافع لتلك العلقة. وإن كان رافعا لعلقة الزوجية فلا مورد للطلاق ، إذ لا زوجية حقيقة قبل الإجازة حتى ترتفع بالطلاق ، فالحرمة باقية ، ولا تباح المصاهرة إلّا بعد ردّ المعقود عليها أو إجازتها ، ثم الطلاق.

والأقوى هو الثاني ، إذ الطلاق لا يقع إلّا بالزوجة ، ولا تحصل علقة الزوجية إلّا بعد إجازة المعقود عليها فضولا للعقد ، فلا يملك الأصيل طلاقها قبل إجازتها ، لأنّه لا يملك أمرها إلّا إذا صارت زوجته ، ولا تصير زوجته إلّا بالإجازة.

(٣) أي : لازم من الطرفين حتى تتحقق الزوجية التي تتوقف صحة الطلاق عليها.

(٤) يعني : فلا تباح المصاهرة بالطلاق مع عدم لزوم عقد النكاح.

١٢٩

المصاهرة (١). وإن كان (١) زوجة لم يحلّ لها نكاح غيره ، إلّا إذا فسخ (٢) ، والطلاق هنا معتبر» (٣) انتهى (٢).

وعن كشف اللثام نفي الإشكال (٤).

______________________________________________________

(١) معطوف على «فإن كان» يعني : وإن كان المباشر زوجة لم يحلّ لها نكاح غير الزوج الذي اختير لها فضولا ، لكون العقد لازما من طرفها.

(٢) يعني : إلّا إذا فسخ الزوج المختار لها فضولا ، فيجوز لها حينئذ نكاح غيره.

(٣) لأنّ الطلاق المتوقف على الزوجية يكشف عن إجازة الزوج الفضولي عقد النكاح وصيرورته مالكا لأمر الطلاق ، فيصح الطلاق ويعتبر ، لوقوعه على الزوجة.

وبالجملة : فكاشفية الطلاق هنا ككاشفيته عن الزوجية في أمر السيد عبده الذي نكح بدون إذن مولاه ، فإنّه ورد في رواية ابن وهب «لأنّك حين قلت له : ـ طلّق ـ أقررت له بالنكاح».

(٤) قال شارحا لعبارة القواعد المذكورة في المتن : «ولو تولّى الفضوليّ أحد طرفي العقد وباشر الآخر بنفسه ـ أو وليّه أو وكيله ـ ثبت في حقّ المباشر تحريم المصاهرة إلى أن يتبيّن عدم إجازة الآخر ، لتمامية العقد بالنسبة إليه. فإن كان زوجا حرم عليه الخامسة والأخت بلا إشكال ، لصدق الجمع بين الأختين ونكاح أربع بالنسبة إليه ، ولا يجدي التزلزل. و ـ أي : وكذا يحرم ـ كلّ من الامّ والبنت المعقود عليها فضوليا. إلّا أنه قبل تبيّن حالها من الإجازة أو الفسخ لا إشكال في الحرمة ، لحرمة الجمع قطعا. وكذا إذا أجازت وأمّا إذا فسخت فلا حرمة بلا إشكال في البنت ، وعلى إشكال في الأمّ ، من أنّ الفسخ كاشف عن الفساد أو رافع له من حينه. والأوّل أصحّ ، فإنّ الأصحّ أنّ الإجازة إما جزء أو شرط» (٣).

__________________

(١) كذا في النسخة المصححة والقواعد المطبوعة بمركز النشر الإسلامي ، وفي بعض نسخ المكاسب «فلا يقع المصاهرة» والأولى ما أثبتناه.

(٢) قواعد الأحكام ، ج ٣ ، ص ١٦.

(٣) كشف اللثام ، ج ١ ، كتاب النكاح ، ص ١٨ (الطبعة الحجرية).

١٣٠

وقد صرّح أيضا (١) جماعة بلزوم النكاح المذكور من طرف الأصيل ، وفرّعوا عليه تحريم المصاهرة (١).

وأمّا مثل النظر (٢) إلى المزوّجة فضولا وإلى أمّها مثلا وغيره ممّا لا يعدّ تركه

______________________________________________________

وقد وافق قدس‌سره العلّامة في حكمه بحرمة البنت والامّ والأخت في مدة التربص. وكذا الخامسة لو كانت المعقود عليها فضولا زوجة رابعة للزوج الأصيل. وخالفه في جزمه بحلّيّة الأمّ لو فسخت بنتها المعقود عليها النكاح الفضولي.

وعلى هذا فإن كان مراد المصنف من قوله : «نفى الاشكال» ما أفاده الفاضل الأصفهاني من الحكم بحرمة البنت والأمّ والأخت والخامسة في مدّة التربّص وفاقا للعلّامة فهو متين. وإن كان مراده أنّ الفاضل نفى الاشكال المذكور في عبارة القواعد بالنسبة إلى حرمة الأمّ وحلّيّتها بعد فسخ العقد ـ ولعلّه المتعيّن ، إذ لم يستشكل العلامة في المحرّمات بالمصاهرة إلّا في الأمّ ـ فهو وإن كان صحيحا ، لكنه لم يجد المصنف الذي استشهد بكلام العلّامة على وجوب التزام الأصيل بالتزامه وعهده قبل الإجازة. وأمّا بعد الفسخ فلا شبهة في جوازه.

ولعلّ المصنف اعتمد في نقل كلام الفاضل الأصفهاني على مطلع كلام صاحب الجواهر من قوله : «بل في كشف اللثام نفي الاشكال فيه» (٢) ولم يلاحظه بتمامه.

وكيف كان فالمستفاد من عبارة كشف اللثام عدم الإشكال في حرمة نقض ما التزم به الأصيل ، ولازمه تحريم المصاهرة على المباشر ، فتحرم عليه الخامسة وغيرها ممّا ذكر.

(١) يعني : كصاحبي القواعد وكشف اللثام ، وهذا التصريح لازم ما التزم به الأصيل من النكاح.

(٢) من الآثار التي تكون للمباشر الأصيل لا عليه ، كالنظر إلى المرأة المزوّجة

__________________

(١) لاحظ جامع المقاصد ، ج ١٢ ، ص ١٥٩ ، الحدائق الناضرة ، ج ٢٣ ، ص ٢٨٨ و ٢٨٩ ولاحظ كنز الفوائد أيضا ، ج ٢ ، ص ٣٢٤.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٢١٧.

١٣١

نقضا لما التزم العاقد على نفسه ، فهو (١) باق تحت الأصول (٢) ، لأنّ ذلك (٣) من لوازم علاقة الزوجيّة غير الثابتة ، بل المنفيّة بالأصل (*). فحرمة (٤) نقض العاقد لما عقد على نفسه لا تتوقّف على ثبوت نتيجة العقد أعني علاقة الملك أو الزوجية ، بل ثبوت النتيجة تابع لثبوت حرمة النقض من الطرفين (٥).

______________________________________________________

فضولا ، وإلى أمّها وجدّتها ، وغير النظر مما لا يعدّ تركه نقضا لما التزم به العاقد الأصيل. ولمّا كان النظر ونظائره من آثار الزوجيّة ـ التي لم تثبت ، لكونها متقومة بكلا الالتزامين ـ فلا وجه لجوازها ، بل الحكم فيها عدم الجواز باستصحاب عدم الزوجية.

(١) جواب الشرط في قوله : «وأما مثل».

(٢) والمراد بالأصل هنا هو الاستصحاب كما أشير إليه آنفا.

(٣) أي : مثل جواز النظر ، وهذا تعليل لبقاء النظر ونظائره تحت الأصول.

وحاصل التعليل : أنّ جوازها منوط بوجود موضوعها أعني الزوجيّة التي لم توجد ، لترتبها على كلا التزامي الطرفين ، كما إذا كان المتعاقدان أصيلين.

(٤) هذه نتيجة ما أفاده من التفكيك بين الآثار التي تثبت على العاقد المباشر كحرمة الخامسة وغيرها ممّا ذكر ، وبين الآثار التي تكون للمباشر ، فإنّ نقض تلك الآثار حرام ، لكون موضوعها نفس الالتزام الذي التزم به الأصيل ، وجعله على نفسه. وأمّا الآثار الثابتة للمباشر فلمّا كان موضوعها نتيجة العقد المركّب من الالتزامين ـ كالملكية والزوجية ـ فلا تثبت له إلّا بعد تحقق نتيجة العقد ، ولذا لا يكون تركها نقضا لما ألزمه على نفسه.

فصار المتحصل : أنّ مثل النظر إلى المرأة المعقودة مترتّب على زوجيّتها ، لا مجرّد كونها معقودة.

(٥) كما إذا كان المتعاقدان كلاهما أصيلين. وهذا مفقود فيما نحن فيه ، إذ المفروض

__________________

(*) لا يخفى أنّ أصل عدم الإجازة إنّما يجري على الكشف الذي تكون الإجازة فيه شرطا متأخرا اصطلاحيا بمعنى تقدم المشروط على الشرط ، إذ القطع بوجود الإجازة فيما بعد يوجب لزوم ترتيب آثار الزوجية فعلا ، فالشك في وجودها يوجب جريان

١٣٢

ثمّ إنّ بعض متأخّري المتأخّرين (١) ذكر ثمرات أخر لا بأس بذكرها للتنبّه بها ، وبما يمكن أن يقال عليها (٢).

منها (٣) : ما لو انسلخت قابليّة التملك عن أحد المتبايعين

______________________________________________________

اختصاص حرمة النقض بالمباشر الأصيل ، لكون أحد المتعاقدين فضوليا. هذا تمام الكلام في الثمرة الثالثة.

(١) وهو الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدس‌سره في شرحه على القواعد ، حيث عدّ أمورا أربعة ثمرة للكشف والنقل ، وهي : انسلاخ أهلية المالك أو المملوك ، وتجددهما ، وفقد شرط العقد. وناقش صاحب الجواهر قدس‌سره فيها. ووافقه المصنف في الأخيرين دون الأوّلين.

فهنا أمور ثلاثة لا بدّ من بيانها ، أوّلها : تقرير الثمرة ، ثانيها : اعتراض صاحب الجواهر ، ثالثها : منع الاعتراض في بعضها ، وتسليمه في بعضها. وسيأتي بيان الكل بالترتيب إن شاء الله تعالى.

(٢) يعني : وبما يمكن أن يستشكل به في تلك الثمرات من وجوه.

الثمرة الرابعة : سقوط أحد المتبايعين عن أهلية التملك

(٣) أي : من تلك الثمرات خروج أحد المتعاقدين عن قابلية التملك ، وهذا الخروج عرفي تارة كالموت الموجب لخروج المال عن ملكه ودخوله في ملك الورثة ، وشرعي أخرى أي بتعبّد من الشارع. وهو إمّا مطلق بالنسبة إلى جميع أمواله ، كالمرتد الفطري الذي هو كالميّت ، وإما مقيّد ببعض الأموال كالمرتد الملّي الذي تنسلخ عنه أهلية تملك المصحف الشريف والعبد المسلم.

__________________

الاستصحاب في عدمها وترتب آثار عدم الزوجية.

وأمّا على الكشف الانقلابي فلا وجه لجريان الاستصحاب في عدم الإجازة ، إذ العلم بوجودها فيما بعد لا يجدي فضلا عن الشك فيه ، لعدم ترتب آثار الزوجية فعلا إلّا بعد وجودها ، فمع الشك في حصول الإجازة بعد ذلك نقطع بعدم ترتب آثار الزوجية فعلا ، ومع القطع لا أثر للاستصحاب حتى يجري في نفي الإجازة أو الزوجية.

١٣٣

بموته (١) قبل إجازة الآخر ، أو بعروض (٢) كفر بارتداد فطريّ أو غيره (٣) مع (٤) كون المبيع عبدا مسلما ، أو مصحفا ، فيصحّ حينئذ (٥) على الكشف دون النقل (*).

______________________________________________________

وحيث كان الخروج عن قابلية التملك بأحد الأمور الثلاثة فربّما يقال بظهور الثمرة بين الكشف والنقل ، وتقريبه : أن العاقد الأصيل سواء أكان بائعا أم مشتريا إذا أنشأ البيع أو الشراء ، وانسلخت عنه قابلية التملك قبل إجازة الطرف الآخر المالك لأحد العوضين ـ مع كون المبيع مصحفا أو عبدا مسلما ـ صحّت المعاملة بناء على الكشف ، لكون الإجازة حينئذ كاشفة عن سبق الملك على الانسلاخ المذكور ، لكونه حيّا حين العقد ، أو مسلما مالكا لأمواله. بخلاف القول بالنقل ، فإنّ المعاملة بناء على باطلة ، إذ المفروض ترتب النقل والانتقال على الإجازة المتأخرة عن الانسلاخ المزبور ، فلا تجدي في الصحة.

(١) متعلق ب «انسلخت» وضميره راجع الى أحد المتبايعين و «قبل» متعلق ب «موته».

(٢) معطوف على «بموته» وكلّ من الموت والارتداد سبب للانسلاخ.

(٣) وهو الارتداد الملّي المقابل للارتداد الفطري.

(٤) هذا القيد راجع إلى المرتد الملّي ، حيث إنّه يملك كل شي‌ء إلّا المصحف الشريف والعبد المسلم. فإن كان المبيع أحدهما لا يملكه المرتد الملّي ، فإنّ ارتداده يخرجه عن قابلية التملك للمصحف والعبد المسلم ، دون غيرهما من الأموال.

(٥) يعني : فيصح البيع أو الشراء حين انسلاخ قابلية التملك عن أحد المتعاقدين بناء على الكشف ، لما مرّ آنفا ، دون النقل ، لما تقدّم أيضا.

__________________

(*) قد يقال : إن عدم مالكية الكافر للعبد المسلم إن استند إلى آية نفي السبيل فهي بمقتضى ظهور حرف الاستعلاء تنفي الغلبة على المسلم والضرر عليه ، ومجرد مالكيته له بدون السلطنة عليه ليس سبيلا ، لكونه محجورا عن التصرف فيه. وإن استند إلى النبوي النافي للعلو على السلام ، فإن كان مدلوله الحرمة التكليفية أي عدم جواز الاستعلاء على

١٣٤

وكذا (١) لو انسلخت قابليّة المنقول

______________________________________________________

الثمرة الخامسة : سقوط أحد العوضين عن المالية

(١) هذه ثمرة ثانية من الثمرات التي ذكرها الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدس‌سره ومحصلها : أنّه تظهر الثمرة بين القولين لو انسلخت قابلية المال المنقول ـ عوضا أو معوّضا ـ للملكية من طرف الأصيل إمّا بسبب تلف ذلك المال ، أو عروض النجاسة عليه بحيث لا يقبل التطهير ، كما إذا كان دهنا مائعا غير قابل للتطهير ، ولا الانتفاع به بشي‌ء من وجوه الحلال.

فإذا اشترى زيد دهنا من بائع فضولي ، وقبل إجازة مالك الدّهن خرج الدهن عن الملكية بالتلف أو عروض النجاسة عليه مع ميعانه المانع عن تطهيره ، فعلى القول بالكشف يصح الشراء ، لأنّ المشتري صار مالكا للدهن قبل تلفه أو تنجّسه ، فيكون الضرر عليه لا على البائع.

وعلى القول بالنقل يكون الضرر على البائع ، لعدم انتقال المبيع قبل الإجازة إلى المشتري ، فوقع التلف ونحوه في ملك البائع ، بناء على بطلان بيع المتنجس مطلقا ، أو مع عدم المنفعة المحلّلة المقصودة للعقلاء.

__________________

المسلم كان دليلا على ملكية الكافر ، إذ لولا إمكان تملكه له لم يتجه النهي عنه ، غايته أنه تملك محرّم ، فلا بدّ من إعدامه بإجبار المالك على البيع.

وإن كان مدلوله عدم حدوث العلو لا عدم جوازه ، اتّجه القول بعدم قابلية الكافر للمسلم. هذا.

ولكن يمكن أن يقال : بدلالة الآية المباركة على عدم أهلية الكافر لتملك العبد المسلم ، ضرورة كون مملوكية المسلم له منقصة في شرفه وعزّته ، وهو سبيل منفي حتى لو كان محجورا عن استخدامه. وقد تقرر في حديث نفي الضرر عدم اختصاص المنفي بالمال خصوصا بملاحظة مورده وشموله للمهانة في الشرف والعرض. وعليه فلا فرق في عدم مالكية المرتد الملّي للعبد المسلم بين الآية والنبوي.

١٣٥

بتلف (*) أو عروض نجاسة له مع ميعانه (١) ، إلى غير ذلك.

وفي مقابله (٢) ما لو تجدّدت القابليّة قبل الإجازة بعد انعدامها حال العقد ، كما (٣) لو تجدّدت الثمرة وبدا صلاحها بعد العقد قبل الإجازة.

______________________________________________________

(١) المانع عن قابليته للتطهير والموجب لسقوطه عن المالية والملحق له بالتلف.

الثمرة السادسة : تجدد القابلية

(٢) يعني : وفي مقابل انسلاخ القابلية عن المال تجدّد القابليّة فيه قبل الإجازة بعد انعدام القابليّة حال العقد. فضمير «انعدامها» راجع الى القابليّة.

(٣) هذا مثال لتجدد القابلية في المال المنقول بعد أن كانت معدومة ، بأن باع الفضولي ثمرة الشجرة قبل بدوّ صلاحها ، فأجاز المالك بعد مدّة ظهرت الثمرة فيها. فعلى القول بالكشف يصح البيع. فلو كان الزرع زكويّا كانت زكاته على المشتري ، لأنّ بدوّ الصلاح كان في ملكه. وعلى القول بالنقل كانت زكاته على البائع ، لكون ظهور الثمرة وبدوّ الصلاح في ملكه.

__________________

(*) إن كان نظره إلى البيوع المتعارفة ممّا يكون الثمن بيد المشتري والمثمن بيد البائع قبل البيع اتجه عليه ما أفاده المحقق النائيني قدس‌سره من انتفاء الثمرة ، لفساد المعاملة لو تلف المثمن بيد البائع قبل إجازته ، لكونه من تلف المبيع قبل قبضه ، فمجرّد وجوده حين العقد لا يصحّح البيع بناء على الكشف (١).

وإن كان نظره إلى ترتب الثمرة بين الكشف والنقل في بعض الموارد ، كما إذا كان المبيع بيد المشتري أمانة كالعارية والوديعة والرهن ، فبيع فضولا وتلف بيده ، اتّجه ما أفاده من ترتب الثمرة عليه ، لصحته بالإجازة بناء على الكشف ، وفساده على النقل.

__________________

(١) منية الطالب ، ج ١ ، ص ٢٥٠.

١٣٦

وفيما (١) (*) قارن العقد فقد الشروط [الشرط] ،

______________________________________________________

الثمرة السابعة : فقد شرط العقد

(١) هذه ثمرة أخرى ، وعطف قوله : «وفيما» على ما قبله يكون من عطف العام على الخاصّ ، إذ المراد بقوله : «قارن العقد فقد الشرط» أعم من شروط المتعاقدين وشروط العوضين ، ومن المعلوم أنّ الثمرات الثلاث المتقدمة من أفراد هذا العام ، وليست خارجة عنه.

فكل شرط من شروط تأثير العقد إن كان مفقودا حين العقد وصار موجودا بعد العقد ، أو كان موجودا حين العقد ، وفقد بعده قبل الإجازة ، يكون العقد في الصورة الاولى ـ وهي فقدان الشرط حين العقد ووجدانه بعده ـ باطلا بناء على الكشف ، لوقوع العقد فاقدا للشرط. وبناء على النقل صحيحا ، لوقوع العقد واجدا للشرط.

وفي الصورة الثانية ـ وهي وجود الشرط عند العقد وفقدانه بعده قبل الإجازة ـ

__________________

(*) لعل الأولى إبدال العبارة هكذا «ومنها : ما لو انسلخت قابلية التملك .. إلخ. ومنها : ما لو انسلخت قابلية المنقول بتلف أو عروض نجاسة .. إلخ. ومنها : ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة بعد انعدامها .. ومنها : ما لو قارن العقد فقد الشرط .. إلخ».

والحاصل : أنّ السياق يقتضي تبديل العبارة بما ذكر ، لأنّ كل واحد من الأمور المذكورة ثمرة من الثمرات التي ذكرها في شرح القواعد. فالمناسب تكرير «منها» عطفا على «منها ما لو انسلخت قابلية التملك .. إلخ». أو إبدالها هكذا : «وما لو انسلخت قابلية المنقول .. وما لو تجددت القابلية قبل الإجازة .. إلخ. وما لو تجددت الثمرة .. إلخ. وما لو قارن العقد فقد الشرط .. إلخ».

والوجه في هذا الإبدال الثاني هو : أنّ الثمرات الثلاث المذكورة بعد الثمرة الاولى ـ وهي : «منها ما لو انسلخت قابلية التملك .. إلخ» ـ معطوفة على «ما» الموصول في «منها ما لو انسلخت قابلية التملك» وهذا العطف يقتضي سقوط «في» في قوله : «وفي مقابله» وفي قوله : «وفيما قارن العقد».

١٣٧

ثمّ حصل ، وبالعكس (١). (١).

وربما يعترض (٢) على الأوّل بإمكان دعوى ظهور الأدلّة في اعتبار استمرار القابليّة إلى حين الإجازة على الكشف ، فيكشف الإجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمرّا إلى حين الإجازة.

______________________________________________________

يكون العقد بناء على الكشف صحيحا ، لوقوع العقد جامعا للشرائط ، وعلى النقل باطلا ، لوقوع العقد فاقدا لشرط الصحة.

(١) وهو وجود الشرط حين العقد ، وعدمه بعده قبل الإجازة.

(٢) المعترض صاحب الجواهر قدس‌سره ، والمراد بالأوّل هو الثمرة الاولى ، وهي قوله : «ما لو انسلخت قابلية التملك عن أحد المتبايعين» ومحصل الاعتراض على الثمرة الاولى هو : أنّ ظاهر أدلة صحة البيع والشراء اعتبار استمرار قابلية التملك من زمان صدور العقد إلى حين تحقق الإجازة على القول بالكشف كالنقل.

وعليه فإذا انسلخت قابلية التملك عن أحد المتعاقدين قبل الإجازة يبطل العقد بناء على الكشف والنقل معا ، فلا يصحّ جعل الثمرة الأولى ثمرة لكاشفية الإجازة وناقليّتها (٢).

وبعبارة اخرى : أنّ أدلة صحة البيع الفضولي ظاهرة في اعتبار اتصال قابلية التملك بين زماني العقد والإجازة ، حتى يستند خروج المال عن ملك كل واحد من المتبايعين إلى إجازة المجيز ، بحيث لولاها استمرّت الملكية ، ولم تنقطع الإضافة إلّا بالإجازة الموجبة لانتقال البدل إلى الطرف الآخر.

والشاهد على اعتبار بقاء صلاحية الأصيل للتملك بعض النصوص المستدل بها على صحة الفضولي ، كصحيحة محمّد بن قيس الواردة في بيع الوليدة بغير إذن سيّدها ، وموثقة جميل الواردة في مخالفة العامل لما اشترط عليه ربّ المال ، والأخبار الواردة في اتجار غير الولي بمال اليتيم (٣) ، إذ ظاهرها ـ بل صريح بعضها ـ بقاء الأصيل على

__________________

(١) شرح القواعد (مخطوط) الورقة ٦٢.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(٣) تقدمت هذه النصوص في الجزء الرابع من هذا الشرح ، ص ٣٨٨ و ٤٢٧ و ٤٤٠.

١٣٨

وفيه (١) : أنّه لا وجه لاعتبار استمرار القابليّة ، ولا استمرار التملّك

______________________________________________________

أهلية التملك إلى ظرف الإجازة.

ومن المعلوم أنّ هذا الضابط مفقود في ما لو سقط الأصيل عن أهلية التملك قبل الإجازة ، لعدم استناد خروج المال عن ملكه إليها ، بل يستند إلى المانع عن اعتبار الملكية له عرفا كما في الموت ، أو شرعا كالارتداد عن فطرة.

وعليه فالفرض الذي أفاده كاشف الغطاء قدس‌سره خارج موضوعا عمّا تقتضيه أدلة صحة البيع الفضولي ، ولا تصل النوبة إلى ملاحظة مبنى الكشف والنقل ، لأنّ الإجازة ـ بناء على النقل أيضا ـ مرتبطة بالعقد ومنفذّة له ، وليست إنشاء مستأنفا.

ونتيجة هذا البيان اعتبار اتصال مالكية كلّ منهما لماله إلى زمان الإجازة ، وعدم سقوطه عن أهلية التملك في المدة المتخللة بينها وبين العقد.

فإن قلت : تقدّم في صحيحة الحذّاء ـ الواردة في تزويج الصغيرين فضولا ـ تملّك الزوجة للإرث إذا أجازت العقد بعد بلوغها ، وبعد أن بلغ الزوج وأجاز ومات (١). وهذا شاهد على عدم اشتراط صحة العقد الفضولي باستمرار الأهلية إلى زمان الإجازة ، وإلّا لزم عدم استحقاق الزوجة الصغيرة لحصّتها من الإرث.

قلت : نعم هذه الصحيحة وإن دلّت على عدم اعتبار بقاء أهلية التملك إلى حين الإجازة ، لكنها مختصة بموردها ، ولا يتعدّى منها إلى البيع الفضولي. قال في الجواهر : «وفيه : أنّ الأوّل وإن كان قد يشهد له خبر الصغيرين اللذين مات أحدهما. لكن يمكن الجمود عليه. ودعوى عدم الجواز في غيره بناء على الكشف أيضا ، ضرورة أنّه عليه يمكن دعوى ظهور الأدلة في اعتبار القابلية حاله كالنقل أيضا. وأنّه لولا الرضا لكان مالكا ، بل لا بدّ من اتصالها من حين العقد إلى حين الإجازة .. إلخ» (٢).

ثم إنه قدس‌سره منع من ترتب الثمرة الثانية ، وهي تلف العين عقلا أو شرعا ، وكذا الثمرة الثالثة وهي فقد بعض شرائط العقد ، وسيأتي بيانه.

(١) هذا ردّ اعتراض الجواهر قدس‌سره ، ومرجع هذا الرّد إلى وجهين ، أحدهما نقضي

__________________

(١) تقدمت في ص ٦٩ ، فراجع.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٢ ، ص ٢٩١.

١٣٩

المكشوف عنه بالإجازة إلى حينها (١) ، كما (٢) لو وقعت بيوع متعدّدة على مال ، فإنّهم صرّحوا (١) «بأنّ إجازة الأوّل (٣) توجب صحّة الجميع» مع عدم بقاء مالكية الأوّل (٤) مستمرّا (٥).

______________________________________________________

بالنظر الى الفتاوى ، وثانيهما حلّي بالنظر إلى مفاد الأدلة.

أمّا النقضي فهو : أنّ القائلين بصحة البيع الفضولي بالإجازة تسالموا عليها في مسألة ما لو تسلسلت العقود على مال المجيز ـ كما سيأتي تفصيله في (ص ٤٠٩) ـ مع أنّ المجيز على القول بالكشف ليس مالكا حين إجازة العقد الأوّل ، لزوال ملكيته بها ، ولا تبقى حتى تصح العقود المتأخرة. وهذا شاهد على عدم اعتبار بقاء الملكية.

وقد التزم صاحب الجواهر قدس‌سره به ، فقال في جملة كلامه : «وأمّا ما بعده ـ أي : بعد العقد المجاز ـ من العقود فلا ريب في صحتها بناء على الكشف ، لوقوع التصرف حينئذ في الملك. وأمّا على النقل فيحتمل البطلان ، لتعذر الإجازة حينئذ من المالك. والصحة بلا إجازة ..» (٢).

وامّا الحلّي ، فهو : ظهور بعض الأخبار وصراحة الآخر في عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة ، وسيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.

(١) متعلّق ب «استمرار» أي : استمرار القابليّة إلى حين الإجازة.

(٢) هذا إشارة إلى الجواب النقضي المتقدم بيانه بقولنا : «أمّا النقضي فهو .. إلخ».

(٣) أي : البيع الأوّل ، فإنّ إجازته تصحّح جميع البيوع المترتبة عليه ، مع عدم بقاء مالكيته مستمرا حال تلك البيوع.

(٤) أي : البائع الأوّل ، فإنّه بعد البيع خرج المبيع عن ملكه ، ولم يبق على ملكه حين الإجازة ، مع أنّ الفقهاء صرّحوا بصحة جميع البيوع الواقعة عليه. وهذا التصريح لا يلائم اعتبار استمرار قابلية التملك إلى زمان صدور الإجازة.

(٥) يعني : مستمرا إلى زمان الإجازة.

__________________

(١) ولاحظ : جامع المقاصد ، ج ٤ ، ص ٧٠ ، مسالك الافهام ، ج ٣ ، ص ١٥٨ مفتاح الكرامة ، ج ٤ ، ص ١٩١.

(٢) المصدر ، ص ٢٩٢.

١٤٠