هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

هدى الطالب إلى شرح المكاسب - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٢

.................................................................................................

__________________

إلّا أنّه قيل بأن الإجماع المنعقد على شرطية عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب اقتضى جواز إبطال أحد المتعاقدين إنشاءه قبل إنشاء الآخر ، بل وبعده قبل وجود شرط الصحة ، كالقبض في الهبة والوقف والصدقة وبيع الصرف والسلم. فلو بني على جواز إبطال الإنشاء قبل حصول شرط الصحة جاز للأصيل إبطال إنشائه قبل الإجازة ، حيث إنّها شرط صحة العقد بناء على النقل ، لاقتضاء الإجماع المزبور ذلك. بخلاف الكشف الحقيقي ، حيث إنّ الإجازة بناء عليه ليست شرطا لصحة العقد ، فلا يشمله الإجماع ، بل يرجع فيه إلى الإطلاقات المقتضية لعدم البطلان.

فالنتيجة : أنّ مقتضى الإجماع جواز إبطال الأصيل إنشاءه قبل الإجازة بناء على النقل دون الكشف.

أقول : لا يخفى عدم تمامية هذه الثمرة في الكشف الانقلابي والحكمي ، والكشف على نحو الشرط المتأخر ، لكون الإجازة في هذه الأقسام من شرائط صحة العقد ، فلو أبطل الأصيل إنشاءه قبل الإجازة جاز ذلك ، للإجماع المتقدم.

وعليه فلا يختصّ جواز إبطال الأصيل إنشاءه بالنقل ، بل يجوز إبطاله أيضا بناء على الكشف ، فهذه الثمرة ساقطة ، هذا.

ثم إنّ الفقيه المامقاني قدس‌سره نقل عن بعض الأفاضل «أنّ المصنف قدس‌سره كان يعلّل جواز إبطال الإنشاء في مجلس البحث بأنّ العقد عبارة عن المعاهدة المعبّر عنها بالفارسية بقولهم : پيمان ، ومن المعلوم أنّ الموجب إذا رجع عن مضمون الإيجاب قبل القبول أو قبل وجود ما هو من شرائط صحة العقد كالقبض ونحوه انتفى معنى المعاهدة التي ليس قوام العقد إلّا بها ، فينتفي العقد ، وهو معنى بطلانه» (١).

قلت : ما حكي عن المصنف متين جدّا بالنسبة إلى رجوع الموجب عن مضمون الإيجاب قبل القبول ، لعدم صدق العقد عرفا عليه حتى تشمله أدلة الصحة واللزوم ، ويحكم بعدم جواز رجوع الموجب عن إنشائه قبل القبول. فخروج هذا عن أدلة الصحة واللزوم موضوعيّ لا حكمي تخصيصي ، إذ لا ينبغي الإشكال في عدم صدق العقد العرفي عليه.

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٣٨٠.

١٠١

.................................................................................................

__________________

فالفرق بين الإجماع وهذا الوجه : أنّ الإجماع إخراج حكميّ ، وهذا الوجه إخراج موضوعيّ.

وأمّا بالنسبة إلى فقدان شرط الصحة ، فجواز إبطال الإنشاء غير ظاهر بعد صدق العقد عرفا ، لشمول أدلة الصحة له. وخروجه عن تلك الأدلة بالإجماع المذكور غير ثابت ، إذ المتيقن من معقده هو صورة عدم صدق العقد عرفا.

إلّا أن يدّعى عدم صدقة أيضا مع فقدان شرط الصحة ، أو الشك في صدق العقد الموجب للشك في اندراجه في تلك الأدلة.

لكن الظاهر صدق العقد عرفا على فاقد شرط الصحة كالقبض في بيع الصرف والسلم وغيرهما ممّا يعتبر القبض في صحته ، إذ لا ينبغي الارتياب في صدق العقد عرفا عليها مع فقد شرط الصحة كالقبض فيها ، حيث إنّ أسامي المعاملات موضوعة للأعمّ من الصحيحة.

نعم لا إشكال في عدم صدق العقد عرفا مع فسخ الموجب إنشاءه قبل إنشاء القبول ، لكون إنشائه أحد ركني العقد عرفا.

ولا يخفى أنّ الفقيه المامقاني قدس‌سره بعد نقل العبارة المتقدّمة عن الشيخ قدس‌سره قال : «ولا يخفى عليك أنّ هذا وجه اعتباري غير مستلزم للمدّعى ، إذ لا مانع من تجويز الشارع تعقيب الإيجاب المعدول عنه بالقبول ، وجعله مثل ذلك الإيجاب والقبول من قبيل الأسباب الشرعية. فالعمدة هو الوجه الأوّل ، وهو تسالمهم على ذلك» (١).

وفيه : أنّ مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) خطاب لأهل العرف ، وموضوع حكمه العقد العرفي ، ومن المعلوم عدم صدقه عرفا على الإيجاب المعدول عنه المتعقب بالقبول. واحتمال جعله من الأسباب التعبدية متوقف على العدول عن العقد العرفي. ولو بني على الاعتداد بهذا الاحتمال لانسدّ باب التمسك بتلك الإطلاقات ، لعدم إحراز موضوعها مع هذا الاحتمال ، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة. ومن المعلوم تمسك الأصحاب قديما وحديثا بمثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) في موارد الشك في دخل شي‌ء في صحة العقد العرفي ، وهذا التمسّك مبني على إرادة العقد العرفي من الأدلة.

__________________

(١) غاية الآمال ، ص ٣٨٠.

١٠٢

الأصيل كفسخ (١) الموجب قبل قبول القابل في كونه ملغيا لإنشائه السابق. بخلاف ما لو جعلت (٢) كاشفة (*) ، فإنّ العقد تامّ من طرف الأصيل ، غاية الأمر تسلّط الآخر على فسخه. وهذا (٣) مبنيّ على ما تسالموا عليه من جواز إبطال

______________________________________________________

(١) خبر قوله : «كان». وقوله : «في كونه ملغيا» متعلق ب «فسخ الموجب».

(٢) أي : جعلت الإجازة كاشفة.

(٣) أي : وكون فسخ الأصيل لإنشائه مبطلا للعقد مبنيّ على ما تسالموا عليه من جواز إبطال أحد المتعاقدين إنشاءه قبل إنشاء الآخر ، بل فوق ذلك ، وهو قبل تحقق شرط من شروط صحة العقد كالقبض في الهبة والوقف والصدقة وغيرها.

قال الشهيد الثاني قدس‌سره في شرح قول المحقق في عقد النكاح : «إذا أوجب الولي ثمّ جنّ أو أغمي عليه ، بطل حكم الإيجاب .. وكذا في البيع» ـ ما لفظه : «وجهه : أنّ العقد اللازم قبل تمامه يكون بمنزلة الجائز ، يجوز لكلّ منهما فسخه ، ويبطل بما يبطل به الجائز .. ولا فرق بين النكاح والبيع وغيرهما من العقود اللازمة في ذلك» (١).

وقال في الجواهر : «بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به بعضهم» (٢).

__________________

(*) لا يخفى أنّ العقد على الكشف لو كان تامّا نافذا من طرف الأصيل كان كذلك على النقل أيضا ، إذ التفاوت بين الكشف والنقل ـ في دخل الرضا في التأثير بنحو الشرط المتقدّم على النقل ، والشرط المتأخر على الكشف ـ لا يوجب تفاوتهما في تمامية العقد من ناحية الأصيل ، وعدم تماميته.

بل لو قلنا بكون الإجازة أمارة محضة على تمامية العقد من دون أن تكون مؤثرة في صحته ، كانت تمامية العقد بالنسبة إلى الأصيل والفضولي أيضا ، لاستواء نسبة العقد إليهما.

__________________

(١) شرائع الإسلام ، ج ٢ ، ص ٢٧٤ ، مسالك الافهام ، ج ٧ ، ص ١٠٠.

(٢) جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٤٧ ولاحظ كلامه أيضا في جواز رجوع الموصى عن الوصيّة في ج ٢٨ ، ص ٢٦٥.

١٠٣

أحد المتعاقدين لإنشائه قبل إنشاء صاحبه (١) ، بل (٢) قبل تحقّق شرط صحّة العقد كالقبض في الهبة (٣) والوقف والصدقة.

فلا (٤) يرد ما اعترضه

______________________________________________________

(١) هذا من موارد عدم صدق العقد عرفا.

(٢) معطوف على «قبل إنشاء» يعني : تسالموا على جواز إبطال أحد المتعاقدين إنشاءه قبل تحقق شرط صحة العقد.

والوجه في الإتيان بكلمة «بل» هو الترقي من جواز الإبطال في أحد الفردين ـ ممّا يكون حكمه واضحا ـ إلى جوازه في الفرد الآخر الذي لا يكون الحكم فيه بتلك المثابة من الوضوح. وبيانه : أنّ المقتضي للملكية هو العقد المؤلّف من الإيجاب والقبول. فتسالمهم على جواز إبطال الإيجاب قبل انضمام القبول معناه المنع عن وجود المقتضي للملكية ، ولا محذور فيه.

وأمّا جواز إبطال العقد قبل انضمام الشرط إليه ، فمعناه إبطال ذلك المقتضي للتأثير ، ومن المعلوم توقف إلغاء هذا المقتضي على دليل ، وهو التسالم الذي أشار إليه بقوله : «بل».

(٣) بناء على كون القبض شرطا لصحتها كما هو المعروف من مذهب الأصحاب ـ كما في جامع المقاصد (١) ـ لا شرطا للزومها ، كما حكي عن جماعة (٢).

(٤) هذا متفرع على ما أفاده من جواز إبطال الإنشاء بناء على النقل ، للإجماع على جواز إبطاله مع فقد بعض شرائط صحة العقد ، ورد على الاعتراض «بأنّ منع جواز إبطال الإنشاء لا يختص بالكشف ، بل يطّرد في النقل أيضا ، ويقال بعدم جواز إبطاله بناء عليه».

أمّا تقريب الاعتراض ، فهو : أنّ ترتب الأثر على جزء السبب ـ وهو العقد ، أو إنشاء الأصيل بعد انضمام الجزء الآخر وهو الإجازة ـ من الأحكام الوضعية ،

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٩ ، ص ١٤٨.

(٢) لاحظ جواهر الكلام ، ج ٢٨ ، ص ١٦٤.

١٠٤

بعض (١) من منع جواز الإبطال على القول بالنقل ، معلّلا بأنّ ترتّب الأثر على

______________________________________________________

ولا يعتبر فيه اختيار الأصيل لترتّبه وإرادته له وعدم رجوعه عن إنشائه.

وبعبارة اخرى : أنّ تأثير العقد في النقل والانتقال يكون نظير تأثير العلة التكوينية في معلولها في عدم دخل الإرادة والاختيار في وجود المعلول ، وامتناع تخلفه عنه بمجرد اجتماع أجزاء العلّة من المقتضي والشرط وعدم المانع ، كاحتراق الثوب بالنار عند المماسة وفقد الرطوبة.

وكذا الحال في العقد والإجازة ، فالإيجاب والقبول جزء السبب المؤثر في باب الفضولي ، والمفروض تحققه ، فإذا انضمّ رضا المالك المجيز إلى العقد ترتّب عليه النقل قهرا ، سواء رجع الأصيل عن إنشائه قبل إجازة المجيز أم لم يرجع ، فإنّ اتصاف الإيجاب والقبول بعنوان «جزء السبب» قهري ، كاتصاف النار بكونها مقتضية للإحراق.

وعليه فلمّا كان العقد بناء على النقل جزء المؤثّر لم ينفكّ عنه هذا الاقتضاء. فلا فرق في عدم تأثير فسخ الأصيل بين الكشف والنقل ، هذا توضيح نظر المحقق القمي قدس‌سره.

وأما تقريب ردّه ، فهو ما أفاده المصنف قدس‌سره من مخالفة هذا الكلام لما تسالموا عليه من اعتبار عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب ، فانضمام الجزء الآخر ـ من دون تحقق هذا الشرط ـ لا يجدي في وجود المسبب ، وهو النقل والانتقال.

وببيان آخر : أنّ تأثير العقد في حصول الملكية وإن كان حكما وضعيا كما أفاده المحقق القمي ، إلّا أنّه لمّا لم يكن إهمال في التأثير دار أمر هذا الاقتضاء الناقص بين كونه مطلقا ، أي سواء تحقق شرط التأثير أم لم يتحقق ، ويتجه كلام الميرزا القمي قدس‌سره حينئذ. وبين كونه مقيّدا بوجود الشرط المتسالم عليه ، أعني به عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب. وهذا هو المتعيّن.

وعليه فلو فسخ الأصيل لم يترتب أثر على انضمام إجازة المالك إلى العقد.

(١) وهو المحقق القمي قدس‌سره (١).

وتلخّص ممّا تقدم أمور :

__________________

(١) راجع جامع الشتات ، ج ٢ ، ص ٢٨١ ، الطبعة الحديثة ، وج ١ ، ص ١٥٦ ، السطر ٢٠ ، الطبعة الحجرية ، وغنائم الأيام ، ص ٥٤٣.

١٠٥

جزء السبب بعد انضمام الجزء الآخر (١) من (٢) أحكام الوضع ، لا مدخل لاختيار المشتري فيه.

وفيه (٣) : أنّ الكلام في أنّ عدم تخلّل الفسخ بين جزئي السبب شرط (٤) ، فانضمام الجزء الآخر من دون تحقّق الشرط غير مجد في وجود المسبّب.

فالأولى (٥) في سند المنع دفع احتمال اشتراط عدم تخلّل الفسخ

______________________________________________________

الأوّل : جواز إبطال الأصيل إنشاءه قبل الإجازة على النقل دون الكشف.

الثاني : أنّ دليل جواز الإبطال هو الإجماع على اعتبار عدم تخلل فسخ أحد المتعاقدين إنشاءه قبل إنشاء صاحبه.

الثالث : اعتراض المحقق القمي قدس‌سره بعدم اختصاص حرمة إبطال الإنشاء بالقول بالكشف ، بل هو ثابت على القول بالنقل أيضا.

الرابع : ردّ هذا الاعتراض بالإجماع على شرطية عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب.

الخامس : بطلان هذه الثمرة كما ذكر في التعليقة.

(١) وهو الإجازة المنضمة إلى جزء السبب وهو العقد.

(٢) خبر قوله : «بأنّ» يعني : أنّ ترتب الأثر على جزئي المؤثر يكون من الأحكام الوضعية التي لا مدخل لاختيار المشتري فيها.

(٣) هذا ردّ الاعتراض المذكور ، والأنسب بملاحظة قوله : «فلا يرد ما اعترضه بعض .. إلخ» أبدال «وفيه» ب «إذ فيه» أو «وذلك» أو «لأن الكلام» فإنّ هذا ما يقتضيه سوق البيان.

ومحصل الرد هو : أنّ مقتضى أدلة الصحة واللزوم وإن كان هو عدم بطلان إنشاء الأصيل بفسخه قبل الإجازة ، لكن الإجماع قام على أنّ فسخ الأصيل إنشاءه قبل إجازة الآخر مبطل للعقد ومقيّد لإطلاقات الصحة واللزوم ، وعليه فانضمام الجزء الآخر ـ وهو الإجازة ـ لا يجدي في ترتب المسبّب وهو الأثر المقصود من العقد.

(٤) خبر قوله : «أن عدم» ووجه شرطيته كونه متسالما عليه.

(٥) بعد أن ردّ المصنف قدس‌سره استدلال المحقق القمي على عدم جواز إبطال الأصيل

١٠٦

بإطلاقات (١) صحّة العقود ولزومها.

ولا يخلو (٢) من إشكال (٣).

ومنها (٤) : جواز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه (٥) بناء على النقل ، وإن (٦) قلنا

______________________________________________________

إنشاءه قبل إجازة الآخر ، أراد أن يستدلّ على ذلك بوجه ، يكون أولى من وجه استدلّ به المحقق المتقدم.

ومحصل هذا الوجه هو الاستدلال بالإطلاقات الدالة على صحّة العقود ولزومها ، بتقريب : دفع احتمال اعتبار عدم تخلّل الفسخ بين جزئي السبب ـ وهما إنشاء الأصيل وإجازة الآخر ـ بإطلاقات صحة العقود ولزومها ، فيثبت بتلك الإطلاقات أنّ فسخ الأصيل لإنشائه لا يبطل العقد بناء على النقل ، فلا فرق حينئذ في عدم بطلان العقد بفسخ الأصيل لإنشائه بين الكشف والنقل.

(١) متعلق ب «دفع» يعني : أنّ الإطلاقات دافعة للاحتمال المزبور.

(٢) أي : ولا يخلو دفع احتمال شرطية عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب بإطلاقات الصحة عن إشكال.

(٣) كما سيأتي التصريح به في الثمرة الثالثة في (ص ١٠٩). وجه الاشكال هو المنع عن صدق العقد العرفي مع رجوع الأصيل عن إنشائه وفسخه له قبل الإجازة ، ومعه لا يمكن التمسك بالإطلاقات ، لعدم كون هذا الإيجاب والقبول موضوعا لها.

الثالثة : تصرف الأصيل فيما انتقل عنه

(٤) أي : ومن تلك الثمرات المترتبة على القول بالكشف والنقل جواز تصرف العاقد الأصيل في ماله الذي انتقل عنه بناء على القول بالنقل ، إذ لا ينتقل المال عنه إلّا في زمان صدور الإجازة ، فتصرفه فيه تصرف في ملكه ، ولا يخرج عن ملكه إلّا بالإجازة. بخلاف القول بالكشف ، فإنّ تصرفه باطل لو أجاز المالك ، لكونه تصرفا في ملك غيره.

(٥) المراد ب «ما انتقل عنه» هنا ليس خصوص المبيع أو الثمن ، بل كل ما تعلّق به العقد ، وذلك بقرينة التنظير له بالنكاح الفضولي.

(٦) وصلية ، يعني : لا فرق في جواز تصرف الأصيل ـ بناء على النقل ـ بين القول بأنّ فسخ الأصيل مبطل لإنشائه ، فلا يبقى موضوع للإجازة ، وبين قول المحقق القمي قدس‌سره

١٠٧

بأنّ فسخه (١) غير مبطل لإنشائه.

فلو (٢) باع جارية من فضوليّ جاز له وطؤها ، وإن استولدها صارت أمّ ولد ، لأنّها ملكه. وكذا لو زوّجت نفسها من فضوليّ جاز لها التزويج من الغير. فلو حصلت الإجازة في المثالين (٣) لغت ، لعدم بقاء المحلّ (٤) قابلا.

والحاصل (٥) : أنّ الفسخ القوليّ وإن قلنا إنّه غير مبطل لإنشاء

______________________________________________________

من عدم بطلان إنشاء الأصيل بفسخه.

وعليه فجواز تصرف الأصيل ـ بناء على النقل ـ غير متفرع على ما تقدم في الثمرة الثانية ، وذلك لأنّه بناء على كون فسخه مبطلا لإنشائه ـ كما هو رأي ما عدا الميرزا القمي ـ يجوز له التصرف في ماله ، لعدم خروجه عن ملكه ، لأنّ المخرج له عن ملكه هو العقد غير المتحقق حسب الفرض. وبناء على كون فسخه غير مبطل لإنشائه ـ كما ذهب إليه المحقق القمي قدس‌سره ـ فكذا يجوز للأصيل التصرف في ماله ، لبقائه على ملكه إلى أن يجيز المالك ، فيكون تصرفه في ملكه.

(١) أي : بأن فسخ الأصيل غير مبطل لإنشاء نفسه كما اختاره المحقق القمي قدس‌سره.

(٢) هذا متفرع على جواز تصرف الأصيل في متعلق العقد قبل الإجازة ـ بناء على النقل. واستشهد المصنف بفرعين ، أحدهما بيع الأمة ، والآخر تزويج الحرّة. وفي كليهما يكون الفضولي في جانب القابل كالمشتري في باب البيع ، والزوج في باب النكاح.

والفرع الأوّل هو : أنّه لو باع الجارية مالكها الأصيل من فضوليّ ، بمعنى كون المشتري فضوليا ، جاز له وطؤها ، لأنّها ملكه ، ولم تخرج بعد عن ملكه ، فلو استولدها صارت أمّ ولد له ، ويفوت محلّ الإجازة حينئذ.

والفرع الثاني هو : أنّ الحرّة لو زوّجت نفسها من زيد فقبل عمرو عنه فضولا ، جاز لها تزويج نفسها من بكر قبل إجازة زيد ، وتلغو إجازة زوجها الأوّل وهو زيد ، لعدم بقاء المحلّ.

(٣) وهما بيع الجارية من فضوليّ ، وتزويج المرأة نفسها من فضولي.

(٤) بعد الوطء في المثال الأوّل ، وبعد التزويج من الغير في المثال الثاني.

(٥) غرضه من هذا الحاصل بيان الفرق بين ما إذا فسخ الأصيل بقوله : «فسخت

١٠٨

الأصيل (١) ، إلّا أنّ له (٢) فعل ما ينافي انتقال المال عنه على وجه (٣) يفوت محلّ الإجازة (٤) ، فينفسخ العقد بنفسه (٥) بذلك (٦).

وربما احتمل عدم جواز التصرّف على هذا القول (٧) أيضا (٨).

______________________________________________________

العقد ورجعت عمّا أنشأته مع الفضولي» ، وبنى تصرّفه ـ في ما انتقل عنه بذلك العقد ـ بما يتوقف على مالكيته له ، وينافي انتقاله عنه ، فيفوت بذلك محل الإجازة.

ومحصّل الفرق بين الفسخ القولي والتصرّف هو : أنّ الفسخ متعلق بالعقد ، لأنّه حلّ العقد ، فاحتمال شرطية عدم تخلل الفسخ بين إنشاء الأصيل والإجازة يدفع بمثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فلا يبطل الفسخ إنشاء الأصيل قبل الإجازة والتصرف متعلق بالمال ، فيعمّه عموم دليل السلطنة وخصوص أدلة نفوذ التصرفات الخاصة.

وعليه فالتصرف جائز تكليفا ووضعا ، وحيث إنّ موضوع الأمر بالوفاء بالعقود مقيّد بتراضي الطرفين ، فقبل الإجازة لا يتعلق بالأصيل وجوب الوفاء حتى يمنع عن نفوذ التصرفات. وبعد البناء على جواز التصرفات وضعا وتكليفا لا يبقى للحوق الإجازة أثر حتى يبطل التصرف ، لأنّ صحة أحد المتنافيين تنافي وقوع المنافي الآخر صحيحا ، فلا جرم ينفسخ العقد قهرا.

(١) وفاقا للمحقق القمي قدس‌سره كما تقدم في الثمرة الثانية.

(٢) هذا الضمير وضمير «عنه» راجعان إلى الأصيل ، والجملة خبر قوله : «انّ الفسخ».

(٣) متعلق ب «ينافي» أي : التصرف المنافي لانتقال المال عنه بالعقد الفضولي يكون مفوّتا لمحلّ الإجازة. وعلى هذا فقوله : «على وجه» مبيّن للمنافاة والتفويت ، وليس للتنويع ، بأن يكون المنافي مفوّتا تارة لمحل الإجازة ، وغير مفوّت له اخرى.

(٤) فلا تقع الإجازة مؤثّرة بعد وقوع التصرفات صحيحة.

(٥) لانتفاء موضوعه بالتصرّف الجائز تكليفا ووضعا.

(٦) أي : بسبب الفعل المنافي المفوّت لمحلّ الإجازة ، كالوطء والتزويج من الغير.

(٧) وهو كون الإجازة ناقلة. وقوله : «وربما احتمل» في قبال قوله : «ومنها جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه .. إلخ».

(٨) أي : كعدم جواز التصرف الأصيل فيما انتقل عنه على القول بالكشف.

١٠٩

ولعلّه (١) لجريان عموم وجوب الوفاء بالعقد في حقّ الأصيل وإن لم يجب (٢) في الطرف الآخر ، وهو (٣) الذي يظهر من المحقّق الثاني في مسألة شراء الغاصب بعين المال المغصوب ، حيث قال : «لا يجوز للبائع ولا للغاصب التصرّف في العين (٤) ، لإمكان (٥).

______________________________________________________

(١) أي : ولعلّ وجه عدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه على القول بالنقل هو كون عقد الفضولي جامعا لجميع الشرائط سوى الرضا ، فيشمله عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فيجب على الأصيل الوفاء بالعقد ، ومقتضاه عدم جواز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه.

(٢) لإناطة وجوب الوفاء على الطرف الآخر بأن يجيز العقد.

(٣) أي : وعدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه على القول بالنقل لأجل جريان عموم وجوب الوفاء بالعقد هو الذي يظهر من المحقق الثاني. والعبارة منقولة بالمعنى ، وإليك نصّها : «وليس لكل من البائع والغاصب التصرف في العين ، لإمكان إجازة المالك ، خصوصا على القول بأنّ الإجازة كاشفة».

(٤) وهي عين المبيع المنتقلة عن البائع الأصيل ، فإنّ الظاهر من حكم المحقق الثاني قدس‌سره بعدم جواز تصرف البائع في العين المنتقلة عنه إنّما هو لأجل كونه أصيلا ، وتمامية العقد مع إضافته إليه الموجبة لحرمة تصرفه فيما انتقل عنه. وأمّا عدم جواز تصرف المشتري الغاصب فلعدم انتقال المبيع إليه ، وكونه أجنبيا عنه ، لأنّ المبيع في صورة إجازة المغصوب منه يكون ملكا له ، وفي صورة عدم الإجازة يكون باقيا على ملك البائع ، فتصرف المشتري الغاصب فيه عدواني على كلا التقديرين.

(٥) تعليل لعدم جواز تصرف البائع في المبيع ، وحاصله : أنّه مع احتمال لحوق الإجازة من المغصوب منه ـ وهو مالك الثمن ـ وصيرورته ملكا لمالك الثمن ، لا يجوز للبائع التصرف فيه ، رعاية لهذا الاحتمال ، فكأنّ هذا الاحتمال يحجر المالك عن التصرف في ماله.

١١٠

الإجازة (*) ولا سيّما على القول بالكشف» انتهى (١).

وفيه (١) : أنّ الإجازة على القول بالنقل له (٢) مدخل في العقد شرطا أو شطرا ، فما لم يتحقّق الشرط أو الجزء لم يجب الوفاء على أحد من المتعاقدين ، لأنّ المأمور به بالوفاء هو العقد المقيّد الذي لا يوجد إلّا بعد القيد. وهذا (٣) كلّه على النقل.

______________________________________________________

(١) أي : وفي احتمال عدم جواز تصرف الأصيل. والغرض من هذا الكلام دفع احتمال عدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النقل نظرا إلى عموم وجوب الوفاء بالعقد.

توضيح وجه الدفع هو : أنّ الإجازة على القول بالنقل لها دخل في العقد جزءا أو شرطا ، فقبل حصول الإجازة لا يجب الوفاء على أحد من المتعاقدين ، لعدم تماميّة موضوع وجوب الوفاء وهو العقد المقيّد بالإجازة ، ومن المعلوم أنّ المقيد لا يوجد إلّا بعد قيده.

(٢) خبر : «أنّ الإجازة».

(٣) أي : البحث عن جواز تصرف الأصيل وعدمه فيما انتقل عنه بناء على النقل.

وقد تحصل : أنّ الحق جواز تصرف الأصيل على النقل ، وسيأتي حكم تصرفه بناء على الكشف.

__________________

(*) هذا التعليل عليل جدّا ، إذ لا دليل عقلا ولا نقلا ـ بعد وضوح عدم خروج المال عن ملك الأصيل بناء على النقل ـ على مانعية العلم بلحوق الإجازة ـ فضلا عن احتماله ـ عن تصرف المالك في ماله. نعم بناء على بعض أنحاء الكشف يتجه ما أفاده المحقق الثاني قدس‌سره ، وهو ما يكون الإجازة فيه كاشفة عن تمامية العقد من حين وقوعه ، بأن تكون الإجازة واسطة في الإثبات فقط من دون دخل لها في مؤثرية العقد.

__________________

(١) جامع المقاصد ، ج ٦ ، ص ٣٣١.

١١١

وأمّا على القول بالكشف (١) فلا يجوز التصرّف (٢) فيه ، على ما يستفاد من كلمات جماعة ، كالعلّامة والسيّد العميدي والمحقّق الثاني ، وظاهر غيرهم (١).

______________________________________________________

(١) بأقسامه الثلاثة ، من قسمين للكشف الحقيقي ، وقسم للكشف الحكمي. أمّا قسما الحقيقي فهما : كون الشرط نفس الإجازة بناء على الشرط المتأخر ، وكون الشرط الوصف المنتزع ، وهو تعقب الإجازة ولحوقها.

وأمّا الكشف الحكمي فهو : انتقال النّماء إلى المشتري مع بقاء أصل المال على ملك مالكه إلى زمان صدور الإجازة من المالك الأصيل.

ومحصّل ما أفاده بناء على الكشف هو عدم جاز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه على ما يظهر من جماعة.

(٢) أي : تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه. والظاهر أنّ المسألة معنونة في النكاح لا في البيع ، وإن كانا متحدين مناطا. وسيأتي في (ص ١٢٨) نقل كلام العلامة في فروع النكاح الفضولي ، ومحصّله : أنّه إذا كان الزوج ـ مثلا ـ أصيلا ، وزوّج المرأة فضوليّ ، وجب على الزوج ترتيب أحكام العقد الصحيح ، فتحرم عليه أخت المعقودة عليها وبنتها وأمّها في الزمان المتخلل بين العقد والإجازة أو الفسخ.

وقال المحقق الثاني في شرحه : «وإنّما قلنا إنه يلزم في حق المباشر بناء على أنّ الإجازة كاشفة عن ثبوت العقد ولزومه من حين وقوعه ، كما أنّ عدمها كاشف عن عدم ذلك. فلو فسخ المباشر ثم أجاز الآخر تبيّنا أنّ فسخه وقع بعد ثبوت العقد ولزومه فلم يؤثر شيئا ..».

ويظهر من فخر المحققين والفاضل الأصفهاني قدس‌سرهما ابتناء حرمة الخامسة والأخت ـ على الأصيل ـ على كون الإجازة كاشفة ، فراجع (٢). وإن كانت عندهما ناقلة كما ذكرناه في (ص ٧).

فالمتحصل : أنّ حرمة تصرف الأصيل في متعلق العقد بما ينافيه مسلّمة عند جماعة بناء على الكشف.

__________________

(١) قواعد الأحكام ، ج ٣ ، ص ١٦ (طبعة مركز النشر الإسلامي) ، كنز الفوائد ، ج ٢ ، ص ٣٢٢ و ٣٥٧ جامع المقاصد ، ج ١٢ ، ص ١٦٠ و ٢٩٧ و ٢٩٨.

(٢) إيضاح الفوائد ، ج ٣ ، ص ٢٨ و ٣٠ ، كشف اللثام ، ج ١ ، كتاب النكاح ، ص ١٨ و ٣١.

١١٢

وربما اعترض عليه (١) بعدم (٢) المانع له من التصرّف ، لأنّ مجرّد احتمال انتقال المال عنه في الواقع لا يقدح في السلطنة الثابتة له ، ولذا (٣) صرّح بعض المعاصرين بجواز التصرّف مطلقا (٤).

نعم إذا حصلت الإجازة (٥) كشفت عن بطلان

______________________________________________________

(١) أي : على عدم جواز تصرف الأصيل ـ فيما انتقل عنه ـ على الكشف. وهذا الاعتراض يستفاد ممّا حكاه صاحب الجواهر في النكاح الفضولي بقوله : «لكنه قد يناقش ـ يعني في تحريم المصاهرة ـ باعتبار تحقق النكاح في تحريم ذلك. وليس ، إذ الفرض عدم حصول الإجازة من الآخر. واحتمال حصولها غير كاف في تحققها. بل الأصل يقتضي عدمها ، بل مقتضاه جواز ذلك كله له حتى تحصل ، وإن انكشف بعد حصولها بطلان التصرف الحاصل بين العقد وبينها. فمن باع ماله من فضوليّ لم يمتنع عليه الانتفاع به ولو المتلف» (١). لكن تأمّل فيه صاحب الجواهر بمثل ما سيأتي في المتن ، فراجع.

(٢) متعلق ب «اعترض» وتقريب للاعتراض. توضيحه : أنّه لا مانع من جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه قبل الإجازة ، إذ المانع المتوهّم هو احتمال انتقال المال عن ملكه ، وذلك ليس بمانع عن السلطنة الثابتة له على ماله بمقتضى قاعدة سلطنة الناس على أموالهم ، ولذا صرّح بعض بجواز التصرف للأصيل مطلقا من غير فرق بين الكشف بكلا قسميه والنقل.

(٣) أي : ولأجل عدم قدح مجرّد احتمال انتقال المال عن الأصيل في السلطنة الثابتة له ، صرّح بعض المعاصرين .. إلخ.

(٤) أي : سواء أكان التصرف والانتفاع متلفين للعين أم لا ، فإن لم يكن التصرف متلفا ردّ العين بعد الإجازة ، وإلّا ردّ بدله كما سيصرّح به.

(٥) بعد تصرف الأصيل فيما انتقل عنه ، فالإجازة تكشف عن بطلان كل تصرف مناف لانتقال مال الى المجيز ، لأنّه تصرّف في مال غيره بدون إجازته.

__________________

(١) جواهر الكلام ، ج ٢٩ ، ص ٢١٧ و ٢١٨.

١١٣

كلّ تصرّف مناف (١) لانتقال (٢) المال إلى المجيز ، فيأخذ (٣) المال مع بقائه ، وبدله مع تلفه ، قال (٤) : «نعم لو علم (٥) بإجازة المالك لم يجز له التصرّف» (١) انتهى.

أقول (٦) : مقتضى عموم وجوب الوفاء

______________________________________________________

(١) صفة ل «تصرف».

(٢) متعلق ب «مناف» يعني : يبطل كلّ تصرّف يكون منافيا لانتقال المال إلى المجيز وملكية ذلك المال له ، كعتق العبد المبيع ، فإنّه ينافي ملكية هذا العبد للمجيز ، فيبطل العتق.

(٣) يعني : فيأخذ المجيز. وهذه نتيجة كشف الإجازة عن بطلان التصرف المنافي لملكية المال للمجيز.

(٤) يعني : قال بعض المعاصرين.

(٥) يعني : لو علم الأصيل بإجازة المالك لم يجز له التصرف. وهذا مبني على الكشف الحقيقي التعقبي ، ضرورة كفاية العلم بحصول إجازة المجيز في ترتيب أحكام العقد من زمان وقوعه.

(٦) هذا تأييد لعدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على الكشف ، وردّ للاعتراض بعدم مانع من جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه.

وتوضيح ما أفاده المصنف قدس‌سره هو : أنّ مقتضى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وجوب وفاء الأصيل بعهده ، ولزوم العقد من ناحيته ، ضرورة انحلال هذا الخطاب إلى كلّ من له عقد والتزام. والفضولي وإن لم يخاطب بالوفاء ، لكونه أجنبيّا عن العوضين. إلّا أن طرفه الأصيل ـ لكونه وليّا على عقده ـ يجب عليه البقاء على التزامه بنقل ماله إلى المجيز ، فلا وجه لجواز تصرفه فيما انتقل عنه ، بل عليه التربص إلى تحقق الإجازة أو الرّد من المالك الذي عقد الفضولي على ماله.

__________________

(١) لم أظفر بهذه العبارة في الجواهر والمستند وأنوار الفقاهة وكشف الظلام. لكن المنع من التصرف في صورة العلم بلحوق الإجازة قد التزم به صاحب الجواهر فيما سبق من كلامه في (ص ٣١) فراجع. فلعلّ ما في المتن نقل له بالمعنى ، وإن كان ظاهره حكاية نصّ كلام القائل.

١١٤

وجوبه (١) على الأصيل ، ولزوم (٢) العقد وحرمة (٣) نقضه من جانبه. ووجوب الوفاء عليه (٤) ليس مراعى بإجازة المالك ، بل مقتضى العموم وجوبه (٥) حتّى مع العلم بعدم إجازة المالك (٦).

______________________________________________________

(١) خبر «مقتضى». وهذا ظاهر في كون وجوب الوفاء تكليفيّا ، كما يقتضيه ظاهر صيغة الأمر. خصوصا مع تفسير العقود بالعهود كما في صحيحة ابن سنان ، ومن المعلوم أعميّة العهد من العقد ، لشموله للالتزام والتعهد من طرف واحد كما في النذر والعهد.

(٢) لزوم العقد خطاب وضعي ينتزع من التكليف بناء على ما حققه المصنف في بحث الأحكام الوضعية من الاستصحاب. وليس المراد جعل الأمر بالوفاء إرشادا إلى الحكم الوضعي من الصحة أو اللزوم.

(٣) هذا يناسب وجوب الوفاء تكليفا ، كما أنّ عدم نفوذ الفسخ يناسب اللزوم الوضعي.

(٤) هذا دفع دخل ، حاصله : أنّه لا وجه لتحريم تصرف الأصيل في ماله تمسكا بالأمر بالوفاء. وذلك لعدم تنجز هذا الخطاب في حقه قبل الإجازة ، فإن حصلت الإجازة كشفت عن بطلان كل تصرف ، وإن لم تحصل صحّ التصرف ، وحيث إنّه لم يعلم تحقق الإجازة لم يحرز توجه خطاب الوفاء إلى الأصيل ، هذا.

ومحصّل دفعه : أنّ الأصيل يجب عليه الوفاء بمجرّد عقده مع الفضولي ، وليس الوجوب في حقّه مراعى بإجازة المالك ، لما عرفت من انحلال الأمر ، وعدم كونه من قبيل الارتباطيين. فلو شك الأصيل في أنّ الآخر يجيز عقد الفضول أم يردّه ، حرم عليه التصرف أيضا.

(٥) أي : وجوب الوفاء. والوجه في الترقي واضح ، فإنّه مع العلم بعدم إجازة الطرف الآخر يعلم الأصيل بعدم انتقال ماله عن ملكه ، فيتجه جواز تصرفه فيه. ولكن المصنف قدس‌سره منع من التصرف في هذه الصورة أيضا ، لأنّ تمام المناط هو تحقق العقد ووجوب الوفاء به ، والمفروض حصول الإيجاب والقبول بين الأصيل والفضولي عن قصد جدّي للبيع.

(٦) يعني : لا ينحلّ العقد إلّا بردّ المالك ، فما لم ينحل بردّه كانت المعاملة من

١١٥

ومن هنا (١) يظهر أنّه لا فائدة في أصالة عدم الإجازة (*).

______________________________________________________

طرف الأصيل تامّة واجبة الوفاء ، وإن علم بأنّها لا تتم من الطرف الآخر أصلا ، لعدم إجازة المالك للمعاملة. فوجوب الوفاء على الأصيل لا يرتفع إلّا بردّ المالك للمعاملة ، ولا يرتفع بمجرد عدم إمضاء المالك لها. فالمعاملة تامة من ناحية الأصيل ، فيجب عليه الوفاء بالعقد من حيث إنّه عقد ، لا من حيث إنّه مؤثر في الملكية ، ولا يرتفع وجوب الوفاء بالعقد إلّا بالردّ الذي متعلّقه العقد كالإجازة والفسخ.

(١) أي : ومن كون مقتضى العموم وجوب الوفاء على الأصيل ـ حتى مع العلم بعدم إجازة المالك ـ يظهر منع ما أفاده القائل بجواز تصرّف الأصيل على القول من التمسك بأصالة عدم الإجازة.

وجه المنع أنّه لا فائدة في إجراء أصالة عدم الإجازة في ظرف الشك فيها بعد عدم إجداء العلم بعدم تحققها في إثبات جواز التصرف ، لعدم ترتب أثر شرعي على الإجازة حتى يصح جريان الأصل في عدمها كما لا يخفى.

__________________

(*) قد يقال : بأنّ الإجازة ليست ممحّضة في انتساب عقد الفضول إلى المالك ، بل هي محقّقة لحقيقة العقد أيضا ، إذ العقد متقوم بقرارين معامليين ، والقرار يتقوّم بمن يقوم به القرار. فإن كان المنشئ ممّن له ولاية التصرف في المال كان إنشاؤه محقّقا لعنوان العقد والعهد. وإن لم يكن له ولاية التصرف كان إنشاؤه محقّقا لاعتباره فقط ، ولا عهد ولا عقد له عرفا وشرعا. وعليه فللأصيل التصرف في ما انتقل عنه ، إذ لا قرار معاملي له حقيقة عند كون الطرف فضوليا. هذا.

لكن يمكن أن يقال : إنّ إناطة صدق العقد بلحوق الإجازة يوجب إنكار البيع الفضولي رأسا وبطلان مبنى الكشف ، مع أنّهم جعلوا ولاية التصرف من شرائط المتعاقدين لا العقد.

مضافا إلى : لزوم ارتكاب خلاف الظاهر في الأدلة المتكفلة لتصحيح العقود الفضولية بالإجازة ، كما في صحيحة محمّد بن قيس ، لقوله عليه‌السلام : «فلما رأي سيد الوليدة ذلك أجاز بيع ابنه» إذ لا بدّ من حمله على نوع من المجاز باعتبار أول إنشاء الابن الى البيع

١١٦

لكن ما ذكره (١) البعض المعاصر صحيح على مذهبه في الكشف من كون العقد مشروطا بتعقّبه (٢) بالإجازة ، لعدم (٣) إحراز الشرط مع الشك ، فلا يجب الوفاء به على أحد من المتعاقدين.

وأمّا على المشهور في معنى الكشف ـ من كون نفس الإجازة المتأخرة شرطا (٤) لكون (٥) العقد السابق بنفسه (٦)

______________________________________________________

(١) من جواز تصرف الأصيل في العين المنتقلة عنه مطلقا ، من دون فرق بين الكشف والنقل.

(٢) الذي هو وصف انتزاعي مقارن للعقد على ما قيل ، كما تقدم سابقا.

(٣) تعليل لقوله : «صحيح على مذهبه» وحاصل التعليل : أنّه مع الشك في الشرط ـ وهو التعقب ـ للشك في حصول الإجازة ، لا يجب الوفاء بالعقد ، لأنّ موضوع وجوب الوفاء خصوص العقد المقيّد بتعقبه بها ، فالعقد المجرّد عن القيد لا يجب الوفاء به.

(٤) أي : بنحو الشرط المتأخر الذي يكون مشروطه متقدّما على شرطه بناء على إمكانه.

(٥) متعلق ب «شرطا» ، وشرطية نفس الإجازة في مقابل شرطية الأمر الانتزاعي أعني به وصف التعقب الذي هو مختار جماعة.

(٦) أي : من دون ضمّ ضميمة ـ وهي الإجازة ـ إليه ، فلا شأن للإجازة إلّا جعل العقد نفسه سببا تامّا لحصول الملكية ، حيث إنّ الإجازة لكونها إنفاذا وإمضاء تقتضي التأثير في الملكية. فموضوع وجوب الوفاء نفس العقد من حيث إنّ العقدية تقتضي ذلك ،

__________________

بإجازة الأب. وهو كما ترى. وكذا الحال في نصوص نكاح الفضولي من العبد والصغير وغيرهما ، ولا وجه لرفع اليد عن هذا الظهور. وعليه فلا يتوقّف القرار المعاملي على ولاية التصرف.

نعم ما أفاده المصنف من حرمة التصرف حتّى مع العلم بعدم لحوق الإجازة مشكل ، إذ بناء على الكشف يعلم بعدم تأثير العقد أصلا ، ومثله خارج موضوعا عن عموم الأمر بالوفاء

١١٧

مؤثّرا (*) تامّا (١) ـ فالذي (٢) يجب الوفاء به هو نفس العقد (٣) من غير تقييد (٤) ،

______________________________________________________

فليس وجوب الوفاء من مقتضيات الملك. فيمتاز مقام الموضوعية لوجوب الوفاء عن مقام السببية للملكية ، فإنّ الإجازة على الكشف الانقلابي تؤثّر في انقلاب العقد وصيرورته مؤثّرا من حين وقوعه ، فللإجازة دخل في سببية العقد للملكية ، لا في وجوب الوفاء ، هذا.

لكن لا يخفى أنّ التفكيك بين موضوع وجوب الوفاء والسببية للملك ـ بعد وضوح كون الوفاء بالعقد هو العمل على طبقه ومضمونه الذي هو المبادلة مثلا ـ في غاية الإشكال ، فتدبّر.

(١) من حين وقوعه على ما هو مقتضى الشرط المتأخر ، حيث إنّ لازم الشرط المتأخّر وجود المشروط قبل شرطه.

(٢) جواب الشرط في قوله : «وأما على المشهور».

(٣) يعني : من حيث إنّه عقد ، لا من حيث إنّه سبب للملكيّة ، كما مرّ آنفا.

(٤) أي : موضوعية العقد لوجوب الوفاء ليست مقيّدة بالإجازة ، وإنّما المقيّد بها هو سببيّة العقد للملك.

__________________

(*) لم يظهر مراده قدس‌سره من هذه العبارة ، فإنّ شرطية نفس الإجازة تنافي استقلال العقد وكونه بنفسه مؤثّرا تامّا ، حيث إنّ مقتضى سببيّته التامة في التأثير عدم دخل شي‌ء في تأثيره ، وإلّا لم يكن تامّا ، بل كان العقد ناقصا ومنوطا تأثيره بذلك الشي‌ء ومشروطا به ، وليس هذا إلّا التناقض.

إلّا أن يقال : بما أفاده المحقق صاحب الكفاية قدس‌سره : من عدم كون الإجازة قيدا للعقد ، بل هي شرط لصيرورة العقد مقتضيا وسببا وعلّة تامّة للتأثير ، فالإجازة جهة تعليلية لحدوث المقتضي للتأثير في العقد ، نظير علّيّة التغير والملاقاة لصيرورة الماء مقتضيا للتنجس بهما (١).

__________________

(١) حاشية المكاسب ، ص ٦٤

١١٨

وقد تحقّق (١) ، فيجب (٢) على الأصيل الالتزام به ، وعدم (٣) نقضه إلى أن ينقض. فإنّ ردّ المالك فسخ للعقد [فسخ العقد] من طرف الأصيل (٤) ، كما أنّ إجازته (٥) إمضاء له من طرف الفضولي.

والحاصل : أنّه إذا تحقّق العقد فمقتضى العموم (٦) ـ على القول بالكشف (٧) المبني على كون ما يجب الوفاء به هو العقد من دون ضميمة شي‌ء شرطا أو شطرا ـ حرمة (٨) نقضه على الأصيل مطلقا (٩) ، فكلّ (١٠) تصرّف يعدّ نقضا لعقد المبادلة

______________________________________________________

(١) يعني : وقد ثبت العقد الذي يجب الوفاء به بإنشاء العاقد الفضولي له.

(٢) هذه نتيجة ثبوت العقد الذي يجب الوفاء به. وضمير «به» راجع الى العقد.

(٣) معطوف على «الالتزام» ومفسّر له.

(٤) غرضه أنّ العقد لا يبطل من طرف الأصيل إلّا بردّ المالك ، لأنّه يوجب بطلان العقد.

(٥) أي : كما أنّ إجازة المالك إمضاء للعقد من طرف الفضولي ، وحاصله : أنّ رد المالك فسخ للعقد ، وإجازته إمضاء له من ناحية الفضولي.

(٦) أي : عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

(٧) الظاهر أنّ المراد بالكشف ما عدا الحقيقي منه المبني على كون الإجازة شرطا متأخرا ، وذلك بقرينة قوله : «من دون ضم ضميمة شي‌ء شرطا أو شطرا» لوضوح كون الإجازة شطرا بناء على النقل ، وشرطا متأخرا بناء على الكشف الحقيقي.

(٨) خبر لقوله : «فمقتضى» وضمير «نقضه» راجع إلى العقد.

(٩) أي : سواء علم بصدور الإجازة من المالك ، أم علم بعدم صدورها منه ، أم شكّ في ذلك.

(١٠) هذه نتيجة وجوب الوفاء بالعقد من دون ضمّ شي‌ء شطرا أو شرطا إليه ، وحاصله : أنّ عقد المبادلة والالتزام بها يقتضي حرمة كل تصرف يعدّ نقضا لما التزم به العاقد الأصيل ورافعا له ، بحيث لا يجتمع ذلك التصرف الناقض مع صحة العقد. فإذا اشترى الأصيل متاعا من البائع الفضولي اقتضى التزامه الشرائي أن لا يتصرف في الثمن ، فإن تصرّف فيه تصرفا يتوقف على الملك ـ بل وغيره ـ ممّا ينافي التزامه بخروجه عن ملكه وسلطنته ، كان ذلك التصرف نقضا لالتزامه الشرائي وإبطالا له.

١١٩

ـ بمعنى عدم (١) اجتماعه مع صحّة العقد ـ فهو (٢) غير جائز.

ومن هنا (٣) تبيّن فساد توهّم أنّ العمل بمقتضى العقد كما يوجب (٤) حرمة تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه ، كذلك (٥) يوجب جواز تصرّفه فيما انتقل إليه ، لأنّ (٦) مقتضى العقد مبادلة المالين ، فحرمة التصرّف في ماله مع حرمة التصرّف في عوضه تنافي (٧) مقتضى العقد أعني المبادلة (٨).

______________________________________________________

(١) أي : عدم اجتماع التصرف مع صحة العقد.

(٢) خبر قوله : «فكلّ تصرف» والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط.

(٣) أي : ومن كون مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقد لزوم التزام الأصيل بالعقد وحرمة نقضه عليه ، ظهر فساد توهم آخر ، وهو : أنّ لوجوب العمل بالعقد والوفاء به اقتضائين.

أحدهما : حرمة تصرف الأصيل فيما انتقل عنه كما ذكر.

وثانيهما : جواز تصرّفه فيما انتقل إليه ، لاقتضاء عقد المعاوضة ذلك ، ضرورة أنّ التزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه لم يكن التزاما به مجّانا ، بل كان بعنوان العوضية والبدلية ، ومقتضى هذا العنوان خروج ماله عن ملكه ، ودخول مال غيره بدلا عنه في ملكه. ولازم ذلك جواز تصرفه فيما انتقل إليه ، وحرمة تصرفه فيما انتقل عنه.

(٤) هذا هو الاقتضاء الأوّل المذكور بقولنا : «أحدهما حرمة تصرف الأصيل ..».

(٥) خبر «أنّ العمل» وهذا هو الاقتضاء الثاني المتقدّم بقولنا : «وثانيهما جواز تصرفه».

(٦) تعليل للتوهم وتثبيت له ، وقد مرّ توضيح ذلك بقولنا : «لاقتضاء المعاوضة ذلك ضرورة .. إلخ».

(٧) خبر قوله : «فحرمة التصرف».

(٨) حيث إنّ حقيقة العقد المعاوضي ـ وهي المبادلة بين المالين ، وعوضية كل واحد من المالين عن الآخر ـ تقتضي ما ذكره المتوهم من حرمة التصرف فيما انتقل عنه ، وجوازه فيما انتقل إليه.

١٢٠