أسرار التكرار في القرآن

محمود بن حمزة بن نصر الكرماني

أسرار التكرار في القرآن

المؤلف:

محمود بن حمزة بن نصر الكرماني


المحقق: عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفضيلة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٩

«٦٤ ، ٦٥ ، ٦٦» وليس له فى القرآن نظير (١).

٤٥٤ ـ قوله : (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ) (٧٨) ، وختم بقوله : (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) (٨٥) ، لأن الأول متصل بقوله :(قُضِيَ بِالْحَقِ) (٧٨) ، ونقيض الحق الباطل ، والثانى متصل بإيمان غير مجد (٢) ، ونقيض الإيمان الكفر.

سورة فصّلت

٤٥٥ ـ قوله تعالى : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) (١٠) ، أى : مع اليومين الذين تقدما قوله : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) (٩). لئلا يزيد العدد على ستة أيام ، فيتطرق إليه كلام المعترض.

وإنما جمع بينهما ولم يذكر اليومين على الانفراد بعدهما لدقيقة لا يهتدى إليها كل أحد ، وهى : أن قوله : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ).

صلة الذى ، و (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) عطف على قوله : (لَتَكْفُرُونَ) (٩) ، (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) (١٠) عطف على قوله : (خَلَقَ الْأَرْضَ) (٩) ، وهذا تفريع فى الإعراب لا يجوز فى الكلام ، وهو فى الشعر من أقبح الضرورات لا يجوز أن يقال : جاءنى الذى يكتب وجلس ويقرأ ، لأنه لا يحال بين صلة الموصول وما يعطف بأجنبى من الصلة.

فإذا امتنع هذا لم يكن بد من إضمار فعل يصح الكلام به ومعه ، فيضمر خلق الأرض بعد قوله : (ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٩) فيصير التقدير : ذلك رب العالمين خلق الأرض وجعل فيها رواسى من فوقها وبارك فيها ، وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام ، ليقع هذا كله فى أربعة أيام ، ويسقط الاعتراض والسؤال. وهذه معجزة وبرهان.

__________________

(١) وسبب التكرار والله أعلم هو : تأكيد ربوبية الله للعالمين على أسماع الكفار جميعا ، لا سيما أهل التثليث ثلاث مرات.

(٢) وهو قوله تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) [٨٥].

٢٢١

٤٥٦ ـ قوله : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ) (١) (٢٠) ، وفى الزخرف وغيره : (حَتَّى إِذا جاءَنا) (٣٨) و (حَتَّى إِذا جاؤُها) «٣٩ : ٧٣» بغير (ما) ، لأن حتى هاهنا هى التى تجرى مجرى واو العطف ، نحو قولك : أكلت السمكة حتى رأسها. أى ورأسها. وتقدير الآية : فهم يوزعون إذا جاءوها. و (ما) هى التى تزاد مع الشروط نحو : أينما ، وحيثما ، و (حتى) فى غيرها من السور للغاية.

٤٥٧ ـ قوله : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ (٢) مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٣٦) ، ومثله فى الأعراف ، لكنه ختم بقوله :(إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢٠٠) ، لأن الآية فى هذه السورة متصلة بقوله :(وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (٣٥) فكان مؤكدا بالتكرار وبالنفى والإثبات ، فبالغ فى قوله : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٣٦) بزيادة (هُوَ) وبالألف واللام ، ولم يكن فى الأعراف هذا النوع من الاتصال ، فأتى على القياس : المخبر عنه معرفة ، والخبر نكرة.

٤٥٨ ـ قوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) (٤٥) ، وفى «حم عسق» بزيادة قوله : (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وزاد فيها أيضا : (بَغْياً بَيْنَهُمْ) ، لأن المعنى : تفرق قول اليهود فى التوراة ، وتفرق قول الكافرين فى القرآن ، ولو لا كلمة سبقت من ربك بتأخر العذاب إلى يوم الجزاء ، لقضى بينهم بإنزال العذاب عليهم.

وخصت حم عسق بزيادة قوله : (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ، لأنه ذكر البداية فى أول الآية ، وهو : (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) (١٤) وهو مبدأ كفرهم ، فحسن ذكر النهاية التى أمهلوها إليها ، ليكون محدودا من الطرفين.

__________________

(١) الآية بين الحاصرين سقطت من ب.

(٢) ينزغنك : يوسوس لك.

٢٢٢

٤٥٩ ـ قوله : (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) (٤٩) (١) ، وبعده : (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) (٥١) لا منافاة بينهما ، لأن معناه : قنوط من الضيم ، دعاء لله ، وقيل : يئوس قنوط بالقلب دعاء باللسان ، وقيل : الأول فى قوم ، والثانى فى آخرين. وقيل : الدعاء مذكور فى الآيتين ، ودعاء عريض فى الثانى.

٤٦٠ ـ قوله : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) (٥٠) بزيادة (مِنَّا) و (مِنْ) ، وفى هود : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) (١٠) ، لأن ما فى هذه السورة بين جهة الرحمة ، وبالكلام حاجة إلى ذكرها ، وحذف فى هود اكتفاء بما قبله ، وهو قوله : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) (٩) وزاد فى هذه السورة (مِنْ) لأنه لما حد الرحمة والجهة الواقعة منها ، حد الطرف الذى بعدها ، ليتشاكلا فى التحديد.

وفى هود لما أهمل الأول أهمل الثانى.

٤٦١ ـ قوله : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) (٥٢) ، وفى الأحقاف : (وَكَفَرْتُمْ بِهِ) (١٠) بالواو ، لأن معناه فى هذه السورة : كان عاقبة أمركم بعد الإمهال للنظر والتدبر : الكفر ، فحسن دخول (ثُمَ) ، وفى الأحقاف عطف عليه (وَشَهِدَ شاهِدٌ) فلم يكن عاقبة أمرهم ، فكان من مواضع الواو.

سورة الشّورى

٤٦٢ ـ قوله : (إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٤٣) ، وفى لقمان : (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (١٧) ، لأن الصبر على وجهين : صبر على مكروه ينال الإنسان ظلما ، كمن قتل بعض أعزته ، وصبر على

__________________

(١) قنوط : شديد اليأس.

٢٢٣

مكروه ينال الإنسان ليس بظلم. كمن مات بعض أعزته. فالصبر على الأول أشد ، والعزم عليه أوكد وكان ما فى هذه السورة من الجنس الأول ، لقوله : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ) (٤٣) فأكد الخبر باللام.

وفى لقمان من الجنس الثانى فلم يؤكده.

٤٦٣ ـ قوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍ) (٤٤) ، وبعده : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) (٤٦) ، ليس بتكرار ، لأن المعنى : ليس له من هاد ولا ملجأ.

٤٦٤ ـ قوله : (إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٥١) ليس له نظير. والمعنى : تعالى أن يكلم أو يتناهى ، حكيم فى تقسيم وجوه التكليم.

٤٦٥ ـ قوله : (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) (١٧) ، وفى الأحزاب :(تَكُونُ قَرِيباً) (٦٣). زيد معه (تَكُونُ) مراعاة للفواصل وقد سبق.

٤٦٦ ـ قوله تبارك وتعالى : (جَعَلَ لَكُمْ) (١١) قد سبق.

سورة الزّخرف

٤٦٧ ـ قوله : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (٢٠) ، وفى الجاثية : (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٢٤) ، لأن ما فى هذه السورة متصل بقوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (١٩). والمعنى : أنهم قالوا : الملائكة بنات الله ، وإن الله قد شاء منا عبادتنا إياهم. وهذا جهل منهم وكذب ، فقال سبحانه :(ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (٢٠) أى : يكذبون.

وفى الجاثية خلطوا الصدق بالكذب. فإن قولهم : (نَمُوتُ وَنَحْيا) (٢٤) صدق ، فإن المعنى : يموت السلف ويحيى الخلف ، وهى كذلك إلى أن تقوم الساعة. وكذبوا فى إنكارهم البعث وقولهم :(ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) (٢٤) ، ولهذا قال : (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٢٤) أى : هم شاكون فيما يقولون.

٢٢٤

٤٦٨ ـ قوله : (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) (٢٢) ، وبعده :(مُقْتَدُونَ) (٢٣). خص الأول بالاهتداء ، لأنه كلام العرب فى محاجتهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وادعائهم أن آباءهم كانوا مهتدين ، فنحن مهتدون ، ولهذا قال عقبه : (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى) (٢٤) والثانية حكاية عمن كان قبلهم من الكفار ، وادعوا الاقتداء بالآباء دون الاهتداء ، فاقتضت كل آية ما ختمت به (١).

٤٦٩ ـ قوله : (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) (١٤) ، وفى الشعراء :(إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) (٥٠) ، لأن ما فى هذه السورة عام لمن ركب سفينة أو دابة ، وقيل : معناه : إلى ربنا لمنقلبون على مركب آخر وهو الجنازة ، فحسن إدخال اللام على الخبر للعموم ، وما فى الشعراء كلام السحرة حين آمنوا ولم يكن فيه عموم.

٤٧٠ ـ قوله : (إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) (٦٤) سبق (٢).

سورة الدّخان

٤٧١ ـ قوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) (٣٥). مرفوع ، وفى الصافات منصوب ، ذكر فى المتشابه وليس منه ، لأن ما فى هذه السورة مبتدأ وخبر ، وما فى الصافات استثناء (٣).

٤٧٢ ـ قوله : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٣٢) أى على علم منا. ولم يقل فى الجاثية ، وفضلناهم على علم ، بل قال :

__________________

(١) ومن دلائل وبراهين إعجاز القرآن من وجهة الدقة البالغة فى رعاية المعانى : أن من طبائع المترفين : التقليد الأعمى ، والخضوع لتقاليد المجتمعات ، والآية الثانية تترجم عن هذا المعنى :

(وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [٢٣].

(٢) سبق فى سورة مريم.

(٣) ما فى الصافات هو قوله تعالى : (فَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [٥٨ ، ٥٩].

٢٢٥

(وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (١٦) ، لأنه مكرر فى : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) (٢٣).

سورة الجاثية (١)

٤٧٣ ـ قوله : (لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ) (١٢). أى : البحر وقد سبق.

٤٧٤ ـ قوله : (وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) (١٧) نزلت فى اليهود وقد سبق.

٤٧٥ ـ قوله : (نَمُوتُ وَنَحْيا) (٢٤). قيل : فيه تقديم (نَمُوتُ) وتأخير (نَحْيا). قيل : يحيا البعض ويموت البعض ، وقيل : هو كلام من يقول بالتناسخ.

٤٧٦ ـ قوله : (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (٢٢) (٢) بالياء موافقة لقوله : (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (١٤).

٤٧٧ ـ قوله : (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) (٣٣). لتقدم : (كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٩) ، (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٣٠).

٤٧٨ ـ قوله : (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) (٣٠) تعظيما لإدخال الله المؤمنين فى رحمته.

سورة الأحقاف

٤٧٩ ـ ما فى هذه السورة من المتشابه قد سبق ، وذكر فى المتشابه (أُولئِكَ) (١٤) و (أُولئِكَ) (٦١) (أى) (٣) لم يجتمع فى القرآن همزتان مضمومتان فى غيرها.

__________________

(١) سقط عنوان السورة من أ.

(٢) الذى فى سورة الجاثية : (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [٢٢].

(٣) سقطت من ب.

٢٢٦

سورة محمّد

٤٨٠ ـ قوله : (لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) (٢٠) ، نزل وأنزل كلاهما متعد ، وقيل : نزل للتعدى والمبالغة ، وأنزل للتعدى ، وقيل : نزل دفعه مجموعا ، وأنزل متفرقا.

وخص الأولى بنزلت لأنه من كلام المؤمنين ، وذكر بلفظ المبالغة ، وكانوا يأنسون لنزول الوحى (١) ، ويستوحشون لإبطائه ، والثانى : من كلام الله ، ولأن فى أول السورة : (نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) (٢) ، وبعده : (أَنْزَلَ اللهُ) (٩) ، كذلك فى هذه الآية قال : (نُزِّلَتْ) ثم (أُنْزِلَتْ).

٤٨١ ـ قوله : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ) (٢٥) نزلت فى اليهود ، وبعده : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) (٣٢) نزلت فى قوم ارتدوا ، وليس بتكرار.

سورة الفتح

٤٨٢ ـ قوله عزوجل : (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (٤) ، وبعده : (عَزِيزاً حَكِيماً) «٧ ، ١٩» ، لأن الأول متصل بإنزال السكينة ، وازدياد إيمان المؤمنين ، فكان الموضع موضع علم وحكمة. وقد تقدم ما اقتضاه الفتح عند قوله : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً).

وأما الثانى والثالث الذى بعده فمتصلان بالعذاب والغضب وسلب الأموال والغنائم ، فكان الموضع موضع عز وغلبة وحكمة.

٤٨٣ ـ قوله : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ

__________________

(١) فى أ : بنزول الوحى.

٢٢٧

ضَرًّا) (١١) ، وفى المائدة : (فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ) (١٧) زاد فى هذه السورة (لَكُمْ) ، لأن ما فى هذه السورة نزلت فى قوم بأعيانهم ، وهم المخلفون (١) ، وما فى المائدة عام لقوله : (أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).

٤٨٤ ـ قوله : (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ) (١٥) بلفظ الجمع ، وليس له نظير ، وهو خطاب للمضمرين فى قوله : (لَنْ تَتَّبِعُونا) (١٥).

سورة الحجرات

٤٨٥ ـ قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) (١) مذكورة فى السورة خمس (٢) مرات ، والمخاطبون المؤمنون ، والمخاطب به أمر ونهى ، وذكر فى السادس : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) (١٣) فعم المؤمنين والكافرين ، والمخاطب به قوله : (إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) (١٣) ، لأن الناس كلهم فى ذلك شرع سواء.

سورة ق

٤٨٦ ـ قوله : (فَقالَ الْكافِرُونَ) (٢) بالفاء. سبق.

٤٨٧ ـ قوله : (وَقالَ قَرِينُهُ) (٢٣) ، وبعده : (قالَ قَرِينُهُ) (٢٧) ، لأن الأول خطاب الإنسان من قرينه ، ومتصل بكلامه. والثانى استئناف خطاب الله سبحانه به من غير اتصال بالمخاطب الأول ، وهو قوله : (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) (٢٧) ، وكذلك الخطاب بغير واو (٣) ، وهو

__________________

(١) كما فى صدر الآية : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا).

(٢) الأولى مذكورة ، والثانية رقم ٢ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) ، والثالثة رقم ٦ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ، والرابعة رقم ١١ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) ، والخامسة رقم ١٢ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ ...) الآية.

(٣) فى أ : بفراق ، وفى ب : بغير أو ، والسياق يقتضى ما أثبتناه.

٢٢٨

قوله : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) (٢٨) ، وكذلك : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) (٢٩) ، فجاء الأول على نسق واحد.

٤٨٨ ـ قوله : (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) (٣٩) ، وفى طه : (وَقَبْلَ غُرُوبِها) (١٣٠) ، لأن فى هذه السورة راعى الفواصل ، وفى طه راعى القياس ، لأن الغروب للشمس كما أن الطلوع لها.

سورة الذّاريات

٤٨٩ ـ قوله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. آخِذِينَ) «١٥ ، ١٦» ، وفى الطور : (فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ. فاكِهِينَ) «١٧ ، ١٨». ليس بتكرار ، لأن ما فى هذه السورة متصل بذكر ما به يصل الإنسان إليها ، وهو قوله : (كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) (١٦) ، وفى الطور متصل بما ينال الإنسان فيها إذا وصل إليها ، وهو قوله : (وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ. كُلُوا وَاشْرَبُوا) الآيات «١٨ ، ١٩ ، ٢٠».

٤٩٠ ـ قوله : (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥٠) ، وبعده :(إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥١) ، ليس بتكرار ، لأن كل واحد منهما متعلق بغير ما تعلق به الآخر ، فالأول : متعلق بترك الطاعة إلى المعصية ، والثانى : متعلق بالشرك بالله تعالى.

سورة الطّور

٤٩١ ـ قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ) (٣٠). أعاد (أَمْ) خمس عشرة مرة (١) ، وكلها إلزامات ليس للمخاطبين بها جواب.

٤٩٢ ـ قوله : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) (٢٤) بالواو عطف على قوله :

__________________

(١) فى الأصول خمسة عشرة مرة (وهو خطأ لغوى) وهى محصورة بين الآية رقم ٣٠ إلى رقم ٤٣. وكرر (أَمْ) لأن لإلزامهم بها إضراب عما سبقها حتى لم يبق أمل فى جوابهم عنها. ولو استعمل غيرها مما لا يفيد الإضراب لاحتمل جواز إجابتهم.

٢٢٩

(وَأَمْدَدْناهُمْ) (٢٢) ، وكذلك : (وَأَقْبَلَ) (٢٥) بالواو ، وفى الواقعة (يَطُوفُ) (١٧) بغير واو. فيحتمل أن يكون حالا ، أو يكون خبرا ، وفى الإنسان : (وَيَطُوفُ) (١٩) عطف على : (وَيُطافُ) (١٥).

٤٩٣ ـ قوله : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) (٤٨) بالواو ، سبق.

سورة النجم

٤٩٤ ـ قوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) (٢٣) ، وبعده :(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) (٢٨). ليس بتكرار ، لأن الأول : متصل بعبادتهم اللات والعزى ومناة ، والثانى : بعبادتهم الملائكة ، ثم ذم الظن فقال : (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٢٨).

٤٩٥ ـ قوله : (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) (٢٣) فى جميع القرآن بالألف إلّا فى الأعراف ، وقد سبق.

سورة القمر

٤٩٦ ـ قصة نوح وعاد وثمود ولوط فى كل واحدة منها من التخويف والتحذير مما حل بهم ، فيتعظ بها حامل القرآن وتاليه ، ويعظ غيره.

٤٩٧ ـ وأعاد فى قصة عاد : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) «١٨ ، ٢١» ، لأن الأولى فى الدنيا والثانية فى العقبى ، كما قال فى هذه القصة : (لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى) ، وقيل : الأول : لتحذيرهم قبل إهلاكهم ، والثانى : لتحذير غيرهم بهم بعد هلاكهم.

٢٣٠

سورة الرّحمن

٤٩٨ ـ قوله : (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) «٧ ، ٨ ، ٩». أعاده ثلاث (١) مرات ، فصرح ولم يضمر ، ليكون كل واحد قائما بنفسه ، غير محتاج إلى الأول ، وقيل : لأن كل واحد غير الآخر. الأول : ميزان الدنيا ، والثانى : ميزان الآخرة ، والثالث : ميزان العقل ، وقيل : نزلت متفرقة فاقتضى الإظهار.

٤٩٩ ـ قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ). كرر الآية إحدى وثلاثين مرة ، ثمانية منها ذكرت عقيب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله ، وبدائع صنعه (٢) ، ومبدأ الخلق ومعادهم. ثم سبعة منها عقيب آيات فيها ذكر النار وشدائدها على عدد أبواب جهنم (٣). وحسن ذكر الآلاء عقيبها ، لأن فى صرفها (٤) ودفعها نعما توازى النعم المذكورة ، أو لأنها حلت بالأعداء وذلك يعد أكبر النعماء.

وبعد هذه السبعة ثمانية (٥) فى وصف الجنان وأهلها على عدد أبواب الجنة. ثمانية أخرى بعدها للجنتين اللتين دونهما ، فمن اعتقد الثمانية الأولى وعمل بموجبها استحق كلتا الثمانيتين من الله ، ووقاه السبعة السابقة ، والله تعالى أعلم.

سورة الواقعة

٥٠٠ ـ قوله : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) (٨). أعاد ذكرها ، وكذلك : (الْمَشْئَمَةِ) (٩) ، ثم قال : (وَالسَّابِقُونَ) (١٠) ، لأن التقدير عند بعضهم والسابقون ما السابقون. فحذف

__________________

(١) أعاد (الميزان) فقط.

(٢) وهى الآيات من ١٦ إلى ٣٤.

(٣) والسبعة الثانية من ٣٤ إلى ٤٥.

(٤) على هامش أ : حذفها. من نسخة ثانية.

(٥) والثمانية التى فى نعيم الجنان من ٤٧ إلى ٦١ ، والتى للجنتين دون الأولين من ٦٣ إلى ٧٥.

٢٣١

(ما) لدلالة ما قبله عليه ، وقيل : تقديره : أزواجا ثلاثة. فأصحاب الميمنة ، وأصحاب المشئمة ، والسابقون ، ثم ذكر عقيب كل واحد منهم تعظيما وتهويلا فقال : (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) (٨) و (ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) (٩) و (السَّابِقُونَ) (١٠) أى : هم السابقون والكلام فيه.

٥٠١ ـ قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) (٥٨) و (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) (٦٣) و (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) (٦٨) و (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) (٧١) بدأ بذكر خلق الإنسان ، ثم (ذكر) (١) ، ما لا غنى له عنه وهو الحبّ الذى منه قوامه وقوته ، ثم الماء الذى منه سوغه وعجنه ، ثم النار التى منه نضجه وصلاحه ، وذكر عقيب كل ما يأتى عليه ويفسده.

فقال فى الأولى : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) (٦٠) ، وفى الثانية : (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) (٦٥) ، و (فى) (٢) الثالثة :(لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) (٧٠) ولم يقل فى الرابعة ما يفسدها ، بل قال : (نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) (٧٣) يتعظون بها (وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) (٧٣) أى : المسافرين ينتفعون بها.

سورة الحديد

٥٠٢ ـ قوله تعالى : (سَبَّحَ لِلَّهِ) (١) ، وكذلك الحشر والصف ، ثم (يُسَبِّحُ) فى الجمعة (١) والتغابن (١) هذه الكلمة استأثر الله بها ، فبدأ بالمصدر فى بنى إسرائيل (الإسراء) ، لأنه الأصل ، ثم بالماضى لأنه أسبق الزمانين ، ثم بالمستقبل ، ثم بالأمر فى سورة الأعلى استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها (٣) ، وهى أربع : المصدر ، والماضى ، والمستقبل ، والأمر للمخاطب.

٥٠٣ ـ قوله : (ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) ، وفى السور

__________________

(١) سقطت من أ.

(٢) سقطت من ب.

(٣) فى ب : أزمنتها.

٢٣٢

الخمس : (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (١) إعادة (ما) هو الأصل ، وخصت هذه السورة بالحذف موافقة لما بعدها ، وهو :(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (٤) وبعدها : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) «٢ ، ٥» ، لأن التقدير فى هذه السورة : سبح لله خلق السموات والأرض ، وكذلك قال فى آخر الحشر بعده قوله : (الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى خلقهما (١).

٥٠٤ ـ قوله : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢) ، وبعده :(لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٥) ليس بتكرار ، لأن الأولى (فى الدنيا (٢)) يحيى ويميت ، والثانى فى العقبى ، لقوله : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٥).

٥٠٥ ـ قوله (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١٢) بزيادة (هُوَ) لأن (بُشْراكُمُ) مبتدأ ، وجنات خبره (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) صفة لها (خالِدِينَ فِيها) حال (ذلِكَ) إشارة إلى ما قبله و (هُوَ) تنبيه على عظم شأن المذكور (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبره.

٥٠٦ ـ قوله : (لَقَدْ (٣) أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) (٢٥) ابتداء كلام (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) (٢٦) عطف عليه.

٥٠٧ ـ قوله : (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) (٢٠) سبق.

٥٠٨ ـ قوله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) (٢٢) ، وفى التغابن : (مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (١١) ، فصل فى هذه السورة وأجمل هناك موافقة لما قبلها فى هذه السورة ، فإنه فصّل أحوال الدنيا والآخرة فيها بقوله : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ

__________________

(١) فى الأصول : خالقها. والسياق يقتضى ما أثبتناه.

(٢) ما بين الحاصرين أكلته الأرضة فى ب.

(٣) فى الأصول : (وَلَقَدْ) وليس فيها واو.

٢٣٣

وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) (٢٠) (١).

سورة المجادلة

٥٠٩ ـ قوله تعالى : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ) (٢) ، وبعده : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) (٣) ، لأن الأول خطاب للعرب ، وكان طلاقهم فى الجاهلية الظّهار ، فقيّده بقوله : (مِنْكُمْ) ، وبقوله : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) (٢) ، ثم بين أحكام الظهار للناس عامة ، فعطف عليه فقال : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) فجاء فى كل آية ما اقتضاه معناه.

٥١٠ ـ قوله : (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤) ، وبعده :(وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) (٥) ، لأن الأول : متصل بعده وهو الإيمان ، فتوعد على الكفر بالعذاب الأليم الذى هو جزاء الكافرين ، والثانى : متصل بقوله : (كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (٥) وهو الإذلال والإهانة ، فوصف العذاب بمثل ذلك فقال : (مُهِينٌ).

٥١١ ـ قوله : (جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٨) بالفاء لما فيها من معنى التعقيب ، أى فبئس المصير ما صاروا إليه وهو جهنم (٢).

__________________

(١) ويجوز ألا يكون تكرارا ، لاتصال الأولى بالدنيا وخلقها ، فالمصيبة مصيبة الدنيا ، والثانية فى الآخرة بدليل قوله قبلها : (يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) [٩] و (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) [١٠] ، فقوله : (بِإِذْنِ اللهِ) يجيز أن يعفو الله عمن يشاء ويعذب من باب الجواز العقلى.

وجه الاختصار فى الآية الثانية على الوجه الأول : أن ما قبلها مختصرة.

(٢) وفى الحديد : (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [١٥] ، لأن ما فى الحديد تعداد لما حل بهم من آلام ولاية النار لهم ، ومصيرهم السيئ البئيس ولم يلاحظ تعقيبا ، بل هو إخبار عن أن النار لا تفديهم ، لأنها ولى لا يعتق من تحت ولايته وبئست الولاية.

٢٣٤

٥١٢ ـ قوله : (مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ) (١٧) بغير فاء ، موافقة للجمل التى قبلها ، وموافقة لقوله : (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ) (٢٢) (١).

سورة الحشر

٥١٣ ـ قوله : (وَما أَفاءَ اللهُ) (٦) ، وبعدها : (ما أَفاءَ) (٧) بغير واو ، لأن الأول معطوف على قوله : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) (٥) ، والثانى استئناف كلام ، وليس له به تعلق ، وقول من قال : إنه بدل من الأول مزيف عند أكثر المفسرين (٢).

٥١٤ ـ قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (١٣) ، وبعده :(قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (١٤) ، لأن الأول متصل بقوله : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) (١٣) ، لأنهم يرون الظاهر ، ولا يفقهون علم ما استتر عليهم ، والفقه : معرفة ظاهر الشيء وغامضه بسرعة وفطنة ، فنفى عنهم ذلك ، والثانى متصل بقوله : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) (١٤) أى : لو عقلوا لاجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا.

سورة الممتحنة

٥١٥ ـ قوله تعالى : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (١) ، وبعده :(تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (١). الأول : حال من المخاطبين ، وقيل : أتلقون إليهم؟ والاستفهام مقدر ، وقيل : خبر مبتدأ. أى : تلقون ، والثانى : بدل من الأول على الوجوه المذكورة ، والباء زيادة عند الأخفش ، وقيل : بسبب أو تودوا ، وقال الزجاج : تلقون إليهم أخبار النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسره بالمودة (٣).

__________________

(١) وما قبلها : (عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ) [١٥] ، وبعدها كذلك : (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ) [١٩].

(٢) نقل أبو حيان أن (ما أَفاءَ) الثانية بيان الأولى يبين لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يصنع بهذا الفيء ، وعن ابن عطية : أهل القرى المذكورين فى الثانية هم أهل الصفراء وينبع ووادى القرى ، وما هنالك قرى عربية ، وحكمها مخالف لبنى النضير ، ولم يحبس النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم منها شيئا. (البحر المحيط ٨ / ٢٤٥). وهذا دليل على تزييف من قال : إنه بدل أو بيان.

(٣) وكرر ، لأن الأول : فى مودة عدو الله جهرا ، والثانى : فى مودتهم سرا ونفاقا للمؤمنين.

٢٣٥

٥١٦ ـ قوله : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (٤) ، وبعده :(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)). أنث الفعل الأول مع الحائل ، وذكّر الثانى لكثرة الحائل ، وإنما كرر لأن الأول فى القول ، والثانى فى الفعل ، وقيل : الأول : فى إبراهيم عليه‌السلام ، والثانى : فى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

سورة الصّفّ

٥١٧ ـ قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) (٧) بالألف واللام. فى غيرها : (افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) (١) بالنكرة ، لأنها أكثر استعمالا فى المصدر فى المعرفة ، وخصت هذه السورة بالمعرفة لأنه إشارة إلى ما تقدم من قول اليهود والنصارى.

٥١٨ ـ قوله : (لِيُطْفِؤُا) (٨) باللام ، لأن المفعول محذوف ، وقيل : اللام زيادة ، وقيل : محمول على المصدر (٢).

٥١٩ ـ قوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (١٢) جزم على جواب الأمر ، فإن قوله : (تُؤْمِنُونَ) (١١). محمول على الأمر ، أى : آمنوا ، وليس بعده : (مِنْ) ولا (خالِدِينَ).

سورة الجمعة

٥٢٠ ـ قوله : (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ) (٧) ، وفى البقرة : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) «٢ : ٩٥» سبق.

سورة المنافقون

٥٢١ ـ قوله : (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) (٧) ، وبعده :(لا يَعْلَمُونَ) (٨) ، لأن الأول متصل بقوله : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٧) ، وفى معرفتها غموض يحتاج إلى فطنة ،

__________________

(١) الآية رقم ٦٨ من سورة العنكبوت (المراجع : أحمد عبد التواب).

(٢) وهو قوله تعالى فى الآية قبلها : (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) [٦].

٢٣٦

والمنافق لا فطنة له (١) ، والثانى متصل بقوله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨) معز لأوليائه ومذل لأعدائه.

سورة التغابن

٥٢٢ ـ قوله : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (١) ، وبعده : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) (٤) إنما كرر (ما) فى أول السورة لاختلاف تسبيح أهل الأرض (وتسبيح (٢)) أهل السماء فى الكثرة والقلة ، والبعد والقرب من المعصية والطاعة ، وكذلك : (ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) (٤) فإنهما ضدان ، ولم يكرر معها (يَعْلَمُ) (٣) لأن الكل بالإضافة إلى علم الله سبحانه جنس واحد ، لا يخفى عليه شىء.

٥٢٣ ـ قوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) (٩) ، ومثله فى الطلاق سواء ، لكنه زاد هنا : (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) ، لأن ما فى هذه السورة جاء بعد قوله : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) (٦) الآيات. فأخبر عن الكفار سيئات تحتاج إلى تكفير (٤) إذا آمنوا بالله ، ولم يتقدم الخبر عن الكفار بسيئات فى الطلاق فلم يحتج إلى ذكرها.

سورة الطّلاق

٥٢٤ ـ قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (٢). أمر بالتقوى فى أحكام الطلاق ثلاث مرات ، ووعد فى كل مرة نوعا من الجزاء فقال أولا : (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) ، يخرجه مما دخل فيه وهو

__________________

(١) فى ب : لا فقه له ، من نسخة ثانية.

(٢) سقطت من ب.

(٣) فى الأصول : ولم يكرر مع يعلم. وما أثبتناه أوضح.

) والذنوب هى : إنكار الهداية من البشر (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) [٦] ، وإنكار البعث : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) [٧].

٢٣٧

يكرهه ، ويبيح له محبوبه من حيث لا يأمل. وقال فى الثانى : يسهل عليه الصعب من أمره (١) ويبيح له خيرا ممن طلقها. والثالث : وعد عليه أفضل الجزاء ، وهو ما يكون فى الآخرة من النعماء (٢).

سورة التّحريم

٥٢٥ ـ قوله : (خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ) (٥) ، ذكر الجميع بغير واو ثم ختم بالواو فقال : (وَأَبْكاراً) (٥) ، لأنه استحال العطف على ثيبات ، فعطفها على أول الكلام (٣) ، ويحسن الوقف على ثيبات لما استحال عطف أبكارا عليها. وقول من قال : إنها واو الثمانية بعيد ، وقد سبق.

٥٢٦ ـ قوله : (فَنَفَخْنا فِيهِ) (١٢) سبق.

سورة الملك

٥٢٧ ـ قوله : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) (٣) ، وبعده : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) (٤) أى : مع الكرة الأولى ، وقيل : هى ثلاث مرات. أى : ارجع البصر وهذه مرة ، ثم ارجع البصر كرتين ، فمجموعها ثلاث مرات.

قلت : يحتمل أن يكون أربع مرات ، لأن قوله : (ارْجِعِ) يدل على سابقه مرة (٤).

__________________

(١) وهو قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً).

(٢) وهو قوله تعالى : (وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً).

(٣) الواو التى قبل وأبكارا لا بدّ منها ، لأن المعنى : بعضهن ثيبات وبعضهن أبكارا.

ويستحيل العطف لأنه لا يمكن أن يكن ثيبات وأبكارا معا.

(إملاء ما من به الرحمن «٢ / ١٤١»).

(٤) عنى المؤلف بعدد الكرات ولم يذكر سبب التكرار. وأقول : إن رجع البصر فى الكرة الأولى تحد من الله للعالم أن يكتشف الإنسان خللا فى إحكام خلق السموات ، فقد قال

٢٣٨

٥٢٨ ـ قوله : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) (١٦) ، وبعده : (أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) (١٧). خوّفهم بالخسف أولا لكونهم على الأرض ، وبعده : (أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) (١) من السماء فلذلك جاء ثانية.

سورة القلم

٥٢٩ ـ قوله تعالى : (حَلَّافٍ مَهِينٍ) إلى قوله : (زَنِيمٍ) «١٠ ، ١٣» (٢) أوصاف تسعة ، ولم يدخل بينها واو العطف ، ولا بعد السابع ، فدل على ضعف القول بواو الثمانية.

٥٣٠ ـ قوله : (فَأَقْبَلَ) (٣٠) بالفاء. سبق.

٥٣١ ـ قوله : (فَاصْبِرْ) (٤٨) بالفاء. سبق.

سورة الحاقّة

٥٣٢ ـ قوله : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) (١٩) بالفاء ، وبعده : (وَأَمَّا) (٢٥) بالواو ، لأن الأول متصل بأحوال القيامة

__________________

= بعدها : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) «٣» أى : شقوق. أما رجع البصر الثانى فهو كالأمر بالنظر فى ملكوت السموات ، وهو متجه إلى تحدى الإنسان أن يحصى ما فيها من عجائب الخلق ، أو يحيط بما فيها من كواكب وسيارات. فقد ذكر بعدها : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) [٥] كما أعجز الخلق أن يعلموا شيئا عن السموات الأخرى غير الدنيا مهما استعانوا بوسائل الكشف جيلا بعد جيل ، وكرة بعد كرة ، فمهما حاولوا فإن البصر سينقلب خاسئا وهو حسير. والعجز متحقق من الإنسان فى الكرتين ، فى الأولى عجز عن إحصاء الكواكب والسيارات. وفى الثانية عجز عن معرفة حقيقة السماء الدنيا ، والسموات الأخرى.

(١) الحاصب : القذف بالشهب وغيرها.

(٢) الزنيم : الدعى من الزنمة وهى الهنة من جلد الماعز تقطع فتخلى معلقة فى حلقة. سمى بذلك لأنه زيادة معلقة بغير أهله. وكان الوليد دعيا فى قريش ، ادعاه أبوه بعد ثمانى عشرة من مولده (البحر المحيط ٨ / ٣١٠).

ولم يدخل الواو لأن الصفات المذكورة كلها كانت مجتمعة فى الوليد الذى نزلت فيه الآية ، ولو ذكر الواو لاقتضى أن تكون موجودة فيه فى بعض الأحيان دون بعض.

٢٣٩

وأهوالها ، فاقتضى الفاء للتعقيب ، والثانى متصل بالأول فأدخل الواو لأنه للجمع.

٥٣٣ ـ قوله : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ. وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) «٤١ ، ٤٢». خص ذكر الشعر بقوله :(ما تُؤْمِنُونَ) لأن من قال : القرآن شعر ، ومحمد شاعر ، بعد ما علم اختلاف آيات القرآن فى الطول والقصر ، واختلاف حروف مقاطعه ، فلكفره وقلة إيمانه. فإن الشعر : كلام موزون مقفى.

وخص ذكر الكهانة بقوله : (ما تَذَكَّرُونَ) لأن من ذهب إلى أن القرآن كهانة ، وأن محمدا كاهن ، فهو ذاهل عن كلام الكهان ، فإنه أسجاع لا معانى تحتها ، وأوضاع تنبو الطباع عنها ، ولا يكون فى كلامهم ذكر الله تعالى.

سورة المعارج

٥٣٤ ـ قوله : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) (٢٢). وعقيبه ذكر الخصال المذكورة أول سورة المؤمنون (١). وزاد فيها : (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) (٣٣) ، لأنه وقع عقيب قوله : (لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) (٣٢) ، وإقامة الشهادة أمانة يؤديها إذا احتاج إليها صاحبها لإحياء حق ، فهى إذن من جملة الأمانة.

وقد ذكرت الأمانة فى سورة المؤمنون (٢) ، وخصت هذه السورة بزيادة بيانها ، كما خصت بإعادة ذكر الصلاة حيث قال : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) (٣٤) ، بعد قوله : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ *

__________________

(١) أى بداية من قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ...) إلى قوله تعالى : (... أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ).

(٢) فى قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ).

٢٤٠