أسرار التكرار في القرآن

محمود بن حمزة بن نصر الكرماني

أسرار التكرار في القرآن

المؤلف:

محمود بن حمزة بن نصر الكرماني


المحقق: عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفضيلة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٩

وَالنَّصارى) (١٧). قدم الصابئين لتقدم زمانهم ، وقد تقدم فى البقرة.

٣٢٠ ـ قوله : (يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) (١٨) سبق فى الرعد.

٣٢١ ـ قوله : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها) (٢٢) ، وفى السجدة : (مِنْها أُعِيدُوا فِيها) (٢٠) ، لأن المراد بالغم : الكرب والأخذ بالنفس ، حتى لا يجد صاحبه متنفسا ، وما قبله من الآيات يقتضى ذلك ، وهو : (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) (١٩) إلى قوله : (مِنْ حَدِيدٍ) (٢١). فمن كان فى ثياب من نار وفوق رأسه حميم يذوب من حره أحشاء بطنه حتى يذوب ظاهر جلده ، وعليه موكلون يضربون بمقامع من حديد ، كيف يجد سرورا ، أو يجد متنفسا من تلك الكرب التى عليه ، وليس فى السجدة من هذا ذكر ، وإنما قبلها : (فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها).

٣٢٢ ـ قوله : (وَذُوقُوا) (٢٢) ، وفى السجدة : (وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا) (٢٠) القول هاهنا مضمر ، وخص بالإضمار لطول الكلام بوصف العذاب. وخصت السجدة بالإظهار ، موافقة للقول قبله فى مواضع منها : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) (٣) و (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا) (١٠) و (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ) (١١) و (حَقَّ الْقَوْلُ) (١٣). وليس فى الحج شىء منه.

٣٢٣ ـ قوله : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) «١٤ ، ٢٣» مكررة. وموجب هذا التكرار قوله : (هذانِ خَصْمانِ) (١٩) ، لأنه لما ذكر أحد الخصمين وهو : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) (١٩). لم يكن بد من ذكر الخصم الآخر فقال : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الآية (٢٣).

١٨١

٣٢٤ ـ قوله : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ) (٢٦) ، وفى البقرة : (لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ) (١٢٥). وحقه أن يذكر هناك ، لأن ذكر العاكف هاهنا سبق فى قوله : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) (٢٥) ، ومعنى (وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) : المصلون ، وقيل : القائمون ، بمعنى المقيمين ، وهم العاكفون ، لكن لما تقدم ذكرهم عبر عنهم بعبارة أخرى.

٣٢٥ ـ قوله : (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) (٣٦) كرر ، لأن الأول (١) متصل بكلام إبراهيم ، وهو اعتراض ، ثم أعاده مع قوله : (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ) (٣٦).

٣٢٦ ـ قوله : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) (٤٥) ، وبعده : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها) (٤٨). خصّ الأول بذكر الإهلاك (٢) لاتصاله بقوله : (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) (٤٤). أى : أهلكتهم.

والثانى بالإملاء ، لأن قبله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) (٤٧) فحسن ذكر الإملاء.

٣٢٧ ـ قوله : (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ) (٦٢) ، وفى سورة لقمان : (مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) (٣٠) ، لأن فى هذه السورة وقع بعد عشر آيات (٣) كل آية مؤكدة مرة أو مرتين ، ولهذا أيضا زيد فى السورة اللام فى قوله : (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (٦٤).

__________________

(١) الأول هو قوله تعالى : (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) [٢٨]. والقانع : السائل أو الراضى ، والمعتر : الذى يطلب ما عندك سائلا كان أو ساكنا. وقال مالك : القانع الفقير ، والمعتر : السائل (تفسير القرطبى ١٢ / ٦٤ ، ٦٥).

(٢) فى ب : إهلاك.

(٣) وهذه العشر من قوله تعالى : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [٥٣] ، إلى هذه الآية وكلها مؤكدة كما ذكر المؤلف.

١٨٢

وفى لقمان : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (٢٦) إذا لم تكن سورة لقمان بهذه الصفة.

وإن شئت قلت : لما تقدم فى هذه السورة ذكر الله سبحانه وذكر الشيطان أكدهما ، فإنه خبر وقع بين خبرين ، ولم يتقدم فى لقمان ذكر الشيطان فأكد ذكر الله تعالى وأهمل ذكر الشيطان ، وهذه دقيقة.

سورة المؤمنون

٣٢٨ ـ قوله تبارك وتعالى : (لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (١٩) بالجمع وبالواو ، وفى الزخرف : (فاكِهَةٌ) (٧٣) على التوحيد (مِنْها تَأْكُلُونَ) (٧٣) بغير واو. راعى فى السورتين لفظ الجنة. فكانت هذه جنات (١) بالجمع ، فقال : (فَواكِهُ) (١٩) بالجمع ، وفى الزخرف : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ) (٧٢) بلفظ التوحيد ، وإن كانت هذه جنة الخلد ، لكن راعى اللفظ فقال : (فِيها فاكِهَةٌ) (٧٣).

وقال فى هذه السورة : (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (١٩) بزيادة الواو ، لأن التقدير الآية : منها تدخرون ومنها تبيعون (٢) ، وليس كذلك فاكهة الجنة ، فإنها للأكل فحسب ، فلذلك قال فى الزخرف : (مِنْها تَأْكُلُونَ) (٧٣) ووافق هذه السورة ما بعدها أيضا وهو قوله : (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٢١). فهذا للقرآن معجزة وبرهان.

٣٢٩ ـ قوله : (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) (٢٤) ، وبعده : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٣٣) فقدم (مِنْ قَوْمِهِ) فى الآية الأخرى ، وفى الأولى أخّر ، لأن صلة (الَّذِينَ) فى الأولى اقتصرت على الفعل وضمير الفاعل (٣) ، ثم ذكر بعده الجار والمجرور ، ثم ذكر

__________________

(١) فى نفس الآية : (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ).

(٢) فى ب : ومنها تبغون.

(٣) وهى قوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا).

١٨٣

المفعول وهو المقول. وليس كذلك فى الأخرى ، فإن صلة الموصول طالت بذكر الفاعل والمفعول والعطف عليه مرة بعد أخرى ، فقدم الجار والمجرور ، ولأن تأخيره ملتبس (١) ، وتوسطه ركيك ، فخص بالتقديم.

٣٣٠ ـ قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) (٢٤) ، وفى حم (فصلت) : (لَوْ شاءَ رَبُّنا) (٢) (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) (١٤) ، لأن فى هذه السورة تقدم ذكر الله ، وليس فيه ذكر الرب.

وفى فصلت تقدم ذكر رب العالمين سابقا على ذكر الله. فصرّح فى هذه السورة بذكر الله ، وهناك بذكر الرب ، لإضافته إلى العالمين وهم جملتهم فقالوا : إما اعتقادا وإما استهزاء ، (لَوْ شاءَ رَبُّنا (٣) لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) (١٤) فأضافوا الرب إليهم.

٣٣١ ـ قوله : (وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (٥١) ، وفى سبأ : (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١١) كلاهما من وصف الله سبحانه وتعالى ، وخص كل سورة بما وافق فواصل الآى.

٣٣٢ ـ قوله : (فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤١) بالألف واللام ، وبعده : (لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (٤٤) ، لأن الأول لقوم صالح ، فعرفهم بدليل قوله : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) (٤١) ، والثانى نكرة ، وقبله : (قُرُوناً آخَرِينَ) (٤٢). فكانوا منكرين ، ولم يكن معهم قرينة عرفوا بهم فخصهم بالنكرة.

٣٣٣ ـ قوله : (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ) (٨٣) ، وفى النمل : (لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ) (٦٨) ، لأن ما فى هذه السورة على القياس ، فإن الضمير المرفوع المتصل لا يجوز

__________________

(١) وجه الالتباس أنه لو قال : «... وأترفناهم فى الحياة الدنيا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم». لاحتمل أنه من مقول الذين آمنوا وكانوا مترفين فى معيشتهم كما هو مقول الكفار من هذا النوع. وهذا التقديم فى هذه الآية من براهين الإعجاز المبنى على دقة مراعاة الملابسات.

(٢) فى الأصول : ولو شاء ربك ـ وليس كذلك.

١٨٤

العطف عليه حتى يؤكد بالمنفصل ، فأكد (وُعِدْنا نَحْنُ) ثم عطف عليه (آباؤُنا) ثم ذكر المفعول وهو (هذا).

وقدم فى النمل المفعول موافقة لقوله : (تُراباً) (٦٧) (١) ، لأن القياس فيه أيضا : كنا نحن وآباؤنا ترابا ، فقدم ترابا ليسد مسد (نَحْنُ) ، فكانا لفقين.

٣٣٤ ـ قوله : (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) (٨٥) ، وبعده : (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) (٨٧) ، وبعده : (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) (٨٩). الأول : جواب لقوله : (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها) (٨٤) جواب مطابق لفظا ومعنى ، لأنه قال فى السؤال : قل لمن؟ فقال فى الجواب : لله.

وأما الثانى والثالث : فالمطابقة فيهما فى المعنى ، لأن القائل إذا قال لك : من مالك هذا الغلام؟ فإن لك أن تقول : زيد ، فيكون مطابقا لفظا ومعنى ولك أن تقول : لزيد ، فيكون مطابقا للمعنى ، ولهذا قرأ أبو عمرو الثانى والثالث الله. الله ، مراعاة للمطابقة.

٣٣٥ ـ قوله : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) (١٠٥) ، وقبله : (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) (٦٦) ليس بتكرار ، لأن الأول فى الدنيا عند نزول العذاب ، وهو : الجدب عند بعضهم ويوم بدر (٢) عند بعضهم ، والثانى فى القيامة وهم فى الجحيم ، بدليل قوله : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها) (١٠٧).

__________________

(١) أى فى قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) الآية [٦٧ من سورة النمل].

(٢) أخرج البخارى (٥ / ٨٣) ، ومسلم (٤ / ١٣) ، والترمذى (٢ / ١٢٦) عن ابن مسعود : أن قريشا أبطأت عن الإسلام فدعا عليهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ـ فجاء أبو سفيان فقال : يا محمد ، جئت تأمر بطاعة الله وصلة الرحم ، وإن قومك هلكوا ، فادع الله ، فقرأ : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) فاستسقى لهم فسقوا. ثم عادوا إلى كفرهم ، فذلك قوله : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) : يوم بدر.

١٨٥

سورة النّور

٣٣٦ ـ قوله تعالى على رأس العشر : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) (١٠) محذوف الجواب. تقديره : لفضحكم ، وهو متصل ببيان حكم الزانيين ، وحكم القاذف ، وحكم اللعان ، وجواب لو لا محذوفا أحسن منه ملفوظا به ، وهو المكان الذى يكون الإنسان فيه أفصح ما يكون إذا سكت.

٣٣٧ ـ وقوله على رأس العشرين : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٢٠) فحذف الجواب أيضا. تقديره : لعجل لكم العذاب ، وهو متضمن بقصتها رضى الله عنها وعن أبيها ، وقيل : دل عليه قوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٤) ، وقيل : دل عليه قوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) (٢١).

وفى خلال هذه الآيات : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ) (١٢) ، (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) (١٣) ، (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ) (١٦) وليس هو الدال على امتناع الشيء لوجود غيره ، بل هو للتحضيض.

قال الشاعر :

تعدون عقر النيب أفضل مجدكم

بنى ضوطرى لو لا الكمى المقنعا (١)

__________________

(١) البيت من قصيدة لجرير يهجو الفرزدق. والنيب جمع ناب وهى : المسنة من الإبل ، والكمى المقنع : الشجاع المغطى بالسلاح ، والضوطرى : المرأة الحمقاء.

(فوائد القلائد ص ١٩٦).

١٨٦

وهو البيت للتحضيض ، والتحضيض يختص بالفعل ، والفعل فى البيت مقدر ، تقديره : هلا تعدون الكمى ، أو : هلا تعقرون الكمى ، ويختص الثانى بالفعل ، والأول يختص بالاسم ، ويدخل المبتدأ ويلزم خبره الحذف.

٣٣٨ ـ قوله : (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) (٣٠) متصل بآيات الغض (١) وليس له نظير.

٣٣٩ ـ قوله : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ) (٣٤) ، وبعده : (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ) (٤٦) ، لأن اتصال الأول بما قبله أشد ، فإن قوله : (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (٣٤) محمول ومصروف إلى قوله : (وَلْيَسْتَعْفِفِ) (٣٣) ، وإلى قوله : (فَكاتِبُوهُمْ) (٣٣) ، (وَلا تُكْرِهُوا) (٣٣) فاقتضى الواو ، ليعلم أنه عطف على الأول ، واقتضى بيانه بقوله : (إِلَيْكُمْ) ليعلم أن المخاطبين بالآية الثانية هم المخاطبون بالآية الأولى. وأما الثانية فاستئناف كلام. فخص بالحذف.

٣٤٠ ـ قوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) (٥٥) إنما زاد (مِنْكُمْ) لأنهم المهاجرون ، وقيل : عام ، و (من) للتبيين.

٣٤١ ـ قوله : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ) (٥٩) ، ختم الآية بقوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) (٥٩) ، وقبلها وبعدها : الآيات «٥٨ ، ٦١» ، لأن الذى قبلها والذى بعدها يشتمل على علامات يمكن الوقوف عليها ، وهى فى الأولى : (ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) (٥٨) ، وفى الأخرى : (مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ) الآية (٦١). فعد فيها آيات كلها معلومة ، فختم الآيتين

__________________

(١) وهى قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) ، وقبلها : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا).

١٨٧

بقوله : (لَكُمُ الْآياتِ) (٦١) ، ومثلها : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) «١٧ ، ١٨». يعنى حد الزانيين وحد القاذف ، فختم بالآيات.

وأما بلوغ الأطفال فلم يذكر له علامات يمكن الوقوف عليها ، بل تفرد سبحانه بعلم ذلك ، فخصها بالإضافة إلى نفسه ، وختم كل آية بما اقتضى أولها.

سورة الفرقان

٣٤٢ ـ قوله تعالى : (تَبارَكَ) هذه لفظة لا تستعمل إلّا لله ، ولا تستعمل إلّا بلفظ الماضى. وجاءت فى هذه السورة فى ثلاث مواضع : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) (١) ، و (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ) (١٠) ، و (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) (٦١) ، تعظيما لذكر الله. وخصت هذه المواضع بالذكر ، لأن ما بعدها عظائم :

الأول : ذكر الفرقان وهو القرآن المشتمل على معانى جميع كتب الله.

والثانى : ذكر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والله خاطبه بقوله : لولاك يا محمد ما خلقت الكائنات (١).

والثالث : ذكر للبروج والسيارات ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، ولولاها ما وجد فى الأرض حيوان ولا نبات.

ومثلها : (فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) «٤٠ : ٦٤» ، و (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) «٢٣ : ١٤» ، و (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) «٦٧ : ١».

٣٤٣ ـ قوله : (مِنْ دُونِهِ) (٣) فى هذه السورة ، وفى مريم (٤٨) ،

__________________

(١) هذه العبارة تحتاج إلى دليل صحيح (المراجع).

١٨٨

ويس (٧٤) (مِنْ دُونِ اللهِ) ، لأن هذه السورة وافق ما قبله (١) ، وفى السورتين لو جاء (مِنْ دُونِهِ) لخالف ما قبله ، لأن ما قبله فى السورتين بلفظ الجمع تعظيما فصرح.

٣٤٤ ـ قوله : (ضَرًّا وَلا نَفْعاً) (٣). قدم الضر موافقة لما قبله وما بعده ، فما قبله نفى وإثبات ، وما بعده موت وحياة ، وقد سبق.

٣٤٥ ـ قوله : (ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ) (٥٥). قدم النفع موافقة لقوله : (هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) (٥٣) وقد سبق.

٣٤٦ ـ قوله : (وَعَمِلَ عَمَلاً) (٧٠) بزيادة (عَمَلاً) ، قد سبق.

٣٤٧ ـ قوله : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ) (٥٩) ، ومثلها فى السجدة.

يجوز أن يكون الذى فى السورتين مبتدأ ، والرحمن خبره فى الفرقان. و (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ) خبره فى السجدة ، وجاز غير ذلك.

سورة الشّعراء

٣٤٨ ـ قوله تعالى : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) (٥) سبق فى الأنبياء.

٣٤٩ ـ قوله : (فَسَيَأْتِيهِمْ) (٦) سبق فى الأنعام ، وكذا : (أَوَلَمْ يَرَوْا) (٧). وما يتعلق بقصة موسى وفرعون سبق فى الأعراف (فى).

٣٥٠ ـ قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ...) (٨) إلى آخر الآية. مذكور فى ثمانية مواضع : أولها : فى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن لم يتقدم ذكره صريحا فقد تقدم كناية ووضوحا. والثانية : فى قصة موسى (٦٧) ، ثم إبراهيم (١٠٣) ، ثم نوح (١٢١) ، ثم هود (١٣٩) ، ثم

__________________

(١) لأن ما قبله بالإفراد والغيبة (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [٢] و (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) [٣].

١٨٩

صالح (١٥٨) ثم لوط (١٧٤) ، ثم شعيب (١٩٠) (١) عليه‌السلام.

٣٥١ ـ قوله : (أَلا تَتَّقُونَ ...) إلى قوله : (الْعالَمِينَ) مذكور فى خمسة مواضع : فى قصة نوح «١٠٦ ـ ١٠٩» ، وهود «١٢٤ ـ ١٢٧» ، وصالح «١٤٢ ـ ٤٥» ، ولوط «١٦١ ـ ١٦٤» ، وشعيب «١٧٧ ـ ١٨٠» عليهم الصلاة والسلام ، ثم كرر : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) فى قصة نوح (١١٠) ، وهود (١٣١) ، وصالح (٥٠) ، فصار ثمانية مواضع (وليس فى قصة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) ، لذكرها فى مواضع) (٢) ، وليس فى قصة موسى عليه‌السلام ، لأنه رباه فرعون حيث قال : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) (١٨) ولا فى قصة إبراهيم عليه‌السلام ، لأن أباه فى المخاطبين ، حيث يقول : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) (٧٠) وهو رباه ، واستحيا موسى وإبراهيم أن يقولا : (ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) وإن كانا منزهين من طلب الأجرة.

٣٥٢ ـ قوله تعالى فى قصة إبراهيم : (ما تَعْبُدُونَ) (٧٠) ، وفى الصافات : (ما ذا تَعْبُدُونَ) (٨٥) ، لأن (ما) لمجرد الاستفهام ، فأجابوا فقالوا : (نَعْبُدُ أَصْناماً) (٧١) ، (وَما ذا) فيه مبالغة ، وقد تضمن فى الصافات معنى التوبيخ ، فلما وبخهم قال : (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ. فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) «٨٦ ، ٨٧» ، فجاء فى كل سورة ما اقتضاه ما قبله وما بعده.

٣٥٣ ـ قوله : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) «٧٨ ـ ٨٠» زاد (هُوَ) فى الإطعام والشفاء ، لأنهما مما يدعى الإنسان أن يفعله ، فيقال : زيد يطعم ، وعمرو يداوى ، فأكّد إعلاما أن ذلك منه سبحانه ، لا من غيره ، وأما الخلق والموت والحياة فلا يدعيهما مدع فأطلق.

٣٥٤ ـ قوله فى قصة صالح : (ما أَنْتَ) (٣) (١٥٤) بغير

__________________

(١) فى الأصول : ثم شعيب ثم لوط والترتيب يقتضى ما أثبتناه.

(٢) ما بين الحاصرين سقط من أ.

(٣) فى الأصول : (ما منت) فى الموضعين خطأ.

١٩٠

واو ، وفى قصة شعيب : (وَما أَنْتَ) (١٨٦) ، لأنه فى قصة صالح بدل من الأولى ، وفى الثانية عطف ، وخصت أولى بالبدل (١) ، لأن صالحا قلل فى الخطاب فقللوا الجواب ، وأكثر شعيب فى الخطاب فأكثروا.

سورة النّمل

٣٥٥ ـ قوله تبارك وتعالى : (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ) (٨) ، وفى القصص (٣٠) ، وفى طه (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ) (١١) ، لأنه قال فى هذه السورة : (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) (٧) فكرر (آتِيكُمْ) ، فاستثقل الجمع بينهما وبين (فَلَمَّا أَتاها) ، فعدل إلى قوله : (فَلَمَّا جاءَها) بعد أن كانا بمعنى واحد.

وأما فى السورتين فلم يكن إلّا (لَعَلِّي آتِيكُمْ(٢)) و (فَلَمَّا أَتاها).

٣٥٦ ـ قوله : (وَأَلْقِ عَصاكَ) (١٠) ، وفى القصص : (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) (٣١) ، لأن فى هذه السورة : (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَأَلْقِ عَصاكَ) «٨ ، ٩ ، ١٠» فحيل بينهما بهذه الجملة ، فاستغنى عن إعادة (أَنْ).

وفى القصص : (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ. وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) «٣٠ ، ٣١» ، فلم يكن بينهما جملة أخرى عطف بها على الأول ، فحسن إدخال (أَنْ).

٣٥٧ ـ قوله : (لا تَخَفْ) (١٠) ، وفى القصص : (أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ) (٣١) ، خصت هذه السورة بقوله : (لا تَخَفْ) ، لأنه

__________________

(١) أى : بدل من (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) [١٥٣].

(٢) فى أ : (سَآتِيكُمْ) ، وليس فى السورتين إلا ما أثبتناه (طه ١٠ ، القصص ٢٩).

١٩١

بنى على ذكر الخوف كلام يليق به وهو قوله : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) (١٠).

وفى القصص اقتصر على قوله : (لا تَخَفْ) ولم يبن عليه كلام ، فزيد قبله (أَقْبِلْ) ليكون فى مقابلة (مُدْبِراً) (٣١) ، أى : أقبل آمنا غير مدبر ولا تخف. فخصت هذه السورة به.

٣٥٨ ـ قوله : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) (١٢) ، وفى القصص : (اسْلُكْ يَدَكَ) (٣٢). خصت هذه السورة بأدخل ، لأنه أبلغ من قوله : (اسْلُكْ) ، لأن (اسْلُكْ) يأتى لازما ومتعديا ، و (أَدْخِلْ) متعد لا غير ، ولأن فى هذه السورة (فِي تِسْعِ آياتٍ) (١٢). أى : مع تسع آيات مرسلا إلى فرعون.

وخصت القصص بقوله : (اسْلُكْ) موافقة لقوله : (اضْمُمْ) (٣٢) ، ثم قال : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ) (٣٢) فكان دون الأول ، فخص بالأدنى (١) (والأقرب) من اللفظين.

٣٥٩ ـ قوله : (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (١٢) ، وفى القصص : (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) (٣٢) ، لأن الملأ أشراف القوم ، وكانوا فى هذه السورة موصوفين بما وصفهم الله به من قوله : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَجَحَدُوا بِها) «١٣ ، ١٤» ، فلم يسمهم ملأ ، بل سماهم قوما. وفى القصص لم يكونوا موصوفين بتلك الصفات فسماهم ملأ ، وعقبه : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (٣٨) ، وما يتعلق بقصة موسى سوى هذه الكلمات قد سبق.

٣٦٠ ـ قوله : (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) (٥٣) ، وفى حم

__________________

(١) فى أ : بالإذن. والكلمة بين الحاصرين سقطت من ب.

١٩٢

(فصلت) : (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (١٨). نجينا وأنجينا بمعنى واحد ، وخصت هذه السورة بأنجينا لموافقته لما بعده وهو : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ) (٥٧) ، وبعده : (وَأَمْطَرْنا) (٥٨) ، (وَأَنْزَلَ ... فَأَنْبَتْنا) (٦٠) (١) كله على لفظ أفعل.

وخص حم (فصلت) بنجينا ، لموافقته ما قبله (وَزَيَّنَّا) (١٢) ، وبعده : (قَيَّضْنا لَهُمْ) (٢٥) ، وكله على لفظ فعلنا.

٣٦١ ـ قوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ) (٦٠) قد سبق.

٣٦٢ ـ قوله : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) فى خمس آيات وختم الأولى بقوله : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (٦٠). ثم قال : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٦١) ، ثم قال : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٦٢) ، ثم قال : (تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٦٣) ، ثم قال : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٦٤) أى : عدلوا إلى الذنوب (٢) وأول الذنوب : العدل عن الحق ، ثم لم يعلموا ، لو علموا ما عدلوا ، ثم لم يذكروا فيعلموا بالنظر والاستدلال ، فأشركوا عن غير حجة (٣) وبرهان ، قل لهم يا محمد : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٦٤).

٣٦٣ ـ قوله : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ) (٨٧) ، وفى الزمر : (فَصَعِقَ) (٦٨). خصت هذه السورة بقوله : (فَفَزِعَ) موافقة لقوله : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) (٨٩) ، وخصت الزمر بقوله : (فَصَعِقَ) موافقة لقوله : (وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٣٠) ، لأن معناه : مات.

__________________

(١) فى الأصول : وأنزلنا ، ولم يذكر : فأنبتنا. والمثبت هو ما فى المصحف من هذه السورة بعد تلك الآية. وهى قوله تعالى : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ...) النمل : ٦٠ (المراجع).

(٢) فى جميع الأصول : عدلوا عن الذنوب ، وهو خطأ.

(٣) فى ب : فأشربوا على حجة.

١٩٣

سورة القصص

٣٦٤ ـ قوله تبارك وتعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى) (١٤) أى : كمل أربعين سنة ، وقيل : كمل قوله ، وقيل : خرجت لحيته ، وفى يوسف : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ) (٢٢) ، لأنه أوحى إليه فى صباه.

٣٦٥ ـ قوله : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) (٢٠) ، وفى يس : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) (٢٠) ، اسمه حزبيل (١) من آل فرعون ، وهو النجار ، وقيل : شمعون ، وقيل : حبيب (٢) ، وفى يس هو هو (٣) ، وقوله : (مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ) يحتمل ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون من أقصى المدينة صفة لرجل.

والثانى : أن يكون صلة لجاء.

والثالث : أن يكون صلة ليسعى. والأظهر فى هذه السورة أن يكون وصفا ، وفى يس : أن يكون صلة.

وخصت هذه السورة بالتقديم (٤) لقوله قبله : (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ) (١٥) ، ثم قال : (وَجاءَ رَجُلٌ) (٢٠).

وخصت سورة يس بقوله : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ) لما جاء فى التفسير : أنه كان يعبد الله فى جبل ، فلمّا سمع خبر الرسل سعى مستعجلا (٥).

__________________

(١) فى الدر المنثور (حزقيل) أخرجه ابن أبى حاتم عن الضحاك (٥ / ١٢٢).

(٢) أخرج السيوطى أن اسمه شمعون عن ابن جرير وابن أبى حاتم (الدر المنثور ٥ / ١٢٣) ، وأخرج عن عبد الرزاق أنه مؤمن آل فرعون.

(٣) هو هو ، أى : اسم الرجل ، لا نسق الآية.

(٤) يعنى تقديم (رجل).

(٥) أى : إن المراد الإخبار عن سعيه لا عنه ، وهو للاهتمام.

١٩٤

٣٦٦ ـ قوله : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٢٧) ، وفى الصافات : (مِنَ الصَّابِرِينَ) (١٠٢) ، لأن ما فى هذه السورة من كلام شعيب ، أى : من الصالحين فى حين المعاشرة ، والوفاء بالعهد ، وفى الصّافات من كلام إسماعيل حين قال له أبوه : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) (١٠٢) ، فأجاب : (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (١٠٢).

٣٦٧ ـ قوله : (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ) (٣٧) ، وبعده : (مَنْ جاءَ) بغير باء ، الأول هو أم الأوجه ، لأن أفعل هذا فيه معنى الفعل ، ومعنى الفعل لا يعمل فى المفعول به ، فزيد بعده باء تقوية للعمل.

وخص الأول بالأصل ثم حذف من الآخر الباء اكتفاء بدلالة الأول عليه ، ومحله نصب بفعل آخر ، أى : يعلم من جاء بالهدى ، ولم يقتض تغييرا كما قلنا فى الأنعام (١) ، لأن دلالة الأول قام مقام التغيير.

وخص الثانى به لأنه فرع.

٣٦٨ ـ قوله : (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) (٣٨) ، وفى المؤمن (غافر) : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ. أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) «٣٦ ، ٣٧» ، لأن قوله : (أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) ، وفى هذه السورة خبر لعلى ، وجعل قوله : (أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) فى المؤمن : خبر لعلى ، ثم أبدلت منه (أَسْبابَ السَّماواتِ).

وإنما زادها ليقع فى مقابلة قوله : (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) «٤٠ : ٢٦» ، لأنه (زعم) (٢) أنه إله الأرض فقال : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (٣٨) ، أى : فى الأرض. ألا ترى أنه قال : (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) فجاء على كل سورة ما اقتضاه ما قبله.

__________________

(١) الذى فى الأنعام قوله تعالى : (رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) [١١٧].

(٢) سقطت من أ.

١٩٥

٣٦٩ ـ قوله : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٣٨) ، وفى المؤمن : (كاذِباً) (٣٧) ، لأن التقدير فى هذه السورة : وإنى لأظنه كاذبا من الكاذبين. فزيد (من) لرءوس الآيات ، ثم أضمر كاذبا لدلالة الكاذبين عليه. وفى المؤمن جاء على الأصل ، ولم يكن فيه موجب تغيير.

٣٧٠ ـ قوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ) (٦٠) بالواو ، وفى الشورى : (فَما أُوتِيتُمْ) (٣٦) بالفاء ، لأنه لم يتعلق فى هذه السورة بما قبله كبير تعلق فاقتصر على الواو ، لعطف جملة على جملة (١) ، وتعلق فى الشورى بما قبلها ، أشد تعلق ، لأنه عقب ما لهم من المخافة (٢) بما أوتوا من الأمنة ، والفاء حرف للتعقيب.

٣٧١ ـ قوله : (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها) (٦٠) ، وفى الشورى : (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) (٣٦) فحسب ، لأن فى هذه السورة ذكر جميع ما بسط من الرزق ، وأعراض الدنيا كلها مستوعبة بهذين اللفظين. فالمتاع : ما لا غنى عنه فى الحياة من المأكول والمشروب والملبوس ، والمسكن والمنكوح. والزينة : ما يتجمل به الإنسان ، وقد يستغنى عنه ، كالثياب الفاخرة ، والمراكب الرائقة ، والدور المجصصة ، والأطعمة الملبقة (٣).

وأما فى الشورى فلم يقصد الاستيعاب ، بل ما هو مطلوبهم فى تلك الحالة ، ومن النجاة والأمن فى الحياة فلم يحتج إلى ذكر الزينة.

٣٧٢ ـ قوله : (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) (٧١) ، وبعده : (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً) (٧٢) ، قدم الليل على

__________________

(١) أى : إن جملة (وَما أُوتِيتُمْ) [٦٠] معطوفة على جملة (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى) [٥٩].

(٢) المخافة مذكورة فيما قبله فى قوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ) [٣٠] ، و (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا) [٣٤].

(٣) الأطعمة الملبقة : الشهية.

١٩٦

النهار ، لأن ذهاب الليل بطلوع الشمس أكثر فائدة من ذهاب النهار (١) بدخول الليل ، ثم ختم الآية الأولى بقوله : (أَفَلا تَسْمَعُونَ) (٧١) ، بناء على الليل ، وختم الأخرى بقوله : (أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٧٢) بناء على النهار ، والنهار مبصر ، وآية النهار مبصرة.

٣٧٣ ـ قوله : (وَيْكَأَنَ) (٨٢) و (وَيْكَأَنَّهُ) (٨٢). ليس بتكرار ، لأن كل واحد منهما متصل بغير ما اتصل به الآخر. قال ابن عباس : وى : صلة ، وإليه ذهب سيبويه فقال : وى : كلمة يستعملها النادم بإظهار ندامته ، وهى مفصولة من كأنه (٢). وقال الأخفش : أصله : ويك ، وأن الله بعده منصوب بإضمار العلم. أى : أعلم (٣) أن الله ، وقال بعضهم : أصله ويلك ، وفيه ضعيف ، وقال الضحاك : الياء والكاف صلة ، وتقديره : وإن الله ، وهذا كلام مزيف (٤)

سورة العنكبوت

٣٧٤ ـ قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) (٨) ، وفى لقمان : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ) (١٤) ، وفى الأحقاف : (بِوالِدَيْهِ إِحْساناً) (١٥) (٥). الجمهور على أن الآيات الثلاث نزلت فى سعد بن مالك ، وهو سعد بن أبى وقاص ، وأنها فى سورة لقمان اعتراض بين كلام لقمان لابنه ، ولم يذكر فى لقمان (حُسْناً) ، لأن قوله بعده : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) (١٤) قام

__________________

(١) فى الأصول : من ذهاب الليل : والسياق لا يقتضيه.

(٢) وإليه ذهب البصريون ، والكاف متصلة بأن (إملاء ما منّ به الرحمن ٢ / ٩٤).

(٣) وبه قال الفراء وهو ضعيف ، لأن معنى الخطاب هنا بعيد ، ولأن تقدير أى بأعلم لا نظير له ، وهو غير سائغ (إملاء ما من به الرحمن ٢ / ٩٤).

(٤) لم يذكر المؤلف اتصال كل كلمة بما اتصلت به. والظاهر أن الأولى اتصلت بحكمة الله تعالى فى بسط الرزق وتقديره. والثانية اتصلت بعاقبة قارون وأمثاله من الكافرين حيث لا يفلحون والله أعلم.

(٥) فى الأصول : (حُسْناً) وما أثبتناه هو الصحيح.

١٩٧

مقامه ، ولم يذكر فى هذه السورة : (حَمَلَتْهُ) ، ولا (وَضَعَتْهُ) موافقة لما قبله من الاختصار ، وهو قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٧) ، فإنه ذكر فيها جميع ما يقع بالمؤمنين بأوجز كلام ، وأحسن نظام ، ثم قال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) (٨) ، أى : ألزمناه (حُسْناً) فى حقهما ، وقياما بأمرهما ، وإعراضا عنهما ، وخلافا لقولهما ، وخلافا لقولهما إن أمراه بالشرك بالله.

وذكر فى لقمان والأحقاف حالة حملهما ووضعهما.

٣٧٥ ـ قوله : (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي) (٨) ، وفى لقمان : (عَلى أَنْ تُشْرِكَ) (١٥) ، لأن ما فى هذه السورة وافق ما قبله لفظا ، وهو قوله : (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) (٦) ، وفى لقمان محمول على المعنى ، لأن التقدير : وإن حملاك على أن تشرك.

٣٧٦ ـ قوله : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) (٢١) بتقديم العذاب على الرحمة فى هذه السورة فحسب ، لأن إبراهيم خاطب به نمرود وأصحابه ، وأن العذاب وقع بهم فى الدنيا.

٣٧٧ ـ قوله : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (٢٢) ، وفى الشورى : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) (٣١) ، لأنه فى هذه السورة خطاب لنمرود حين صعد الجو موهما أنه يحاول؟ السماء ، فقال إبراهيم له ولقومه (١) : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ). أى : من فى الأرض من الجن والإنس ، ولا من فى السماء من الملائكة ، فكيف تعجزون الله.

وقيل : ما أنتم بفائتين عليه ولو هربتم فى الأرض أو صعدتم فى

__________________

(١) فى الأصول : فقال له ولقوم إبراهيم. وما اخترناه أوضح.

١٩٨

السماء فقال : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) لو كنتم فيها.

وما فى الشورى خطاب للمؤمنين ، وقوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (٣٠) يدل عليه ، وقد جاء : (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٥١) فى قوله : (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) «٣٩ : ٥١» من غير ذكر الأرض ولا السماء.

٣٧٨ ـ قوله : (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢٤) ، وقال بعده : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (٤٤). فجمع الأولى ووحد الثانية ، لأن الأولى إشارة إلى إثبات النبوة ، وفى النبيين ـ صلوات الله عليهم ـ كثرة ، والثانى إشارة إلى التوحيد ، وهو سبحانه واحد لا شريك له.

٣٧٩ ـ قوله : (أَإِنَّكُمْ) (٢٩). جمع بين استفهامين ، قد سبق فى الأعراف.

٣٨٠ ـ قوله : (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) (٣٣) ، وفى هود : (وَلَمَّا جاءَتْ) (٧٧) بغير (أَنْ) ، لأن (لما) يقتضى جوابا ، وإذا اتصل به (أن) دل على أن الجواب وقع فى الحال من غير تراخ كما فى هذه السورة ، وهو قوله : (سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) (٣٣) ، ومثله فى يوسف : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) (٩٦).

وفى هود اتصل به كلام بعد كلام إلى قوله : (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) (٨١). فلما طال لم يحسن دخول (أن) (١).

__________________

(١) وطول الكلام هذا قرينة على أن الجواب لم يقع فى الحال ، بدليل قوله تعالى : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) «٨١». أما فى هذه السورة فإن فيها : (إِنَّا =

١٩٩

٣٨١ ـ قوله : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ) (٣٦). هو عطف على قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ) (١٤).

٣٨٢ ـ قوله : (قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) (٥٢) أخّره فى هذه السورة لما وصف ، وقد سبق.

٣٨٣ ـ قوله : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) (٦٢) ، وفى القصص : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) (٨٢) ، وفى الرعد (٢٦) ، وفى الشورى : (لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) (١٢) ، لأن ما فى هذه السورة اتصل بقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) الآية (٦٠) ، وفيها عموم ، فسار تقدير الآية : يبسط الرزق لمن يشاء من عباده أحيانا ، ويقدر له أحيانا ، لأن الضمير (١) يعود إلى (من) ، وقيل : يقدر له : البسط من التقدير.

وفى القصص تقديره : يبسط الرزق لمن يشاء ، ويقدر لمن يشاء ، وكل واحد منهما غير الآخر ، بخلاف الأولى.

وفى السورتين يحتمل الوجهين فأطلق.

٣٨٤ ـ قوله : (مِنْ بَعْدِ مَوْتِها) (٦٣) ، وفى البقرة والجاثية والروم : (بَعْدَ مَوْتِها) ، لأن فى هذه السورة وافق ما قبله وهو : (مِنْ قَبْلِهِ) فإنهما يتوافقان. وفيه شىء آخر ، وهو : أن ما فى هذه السورة سؤال وتقرير (٢) ، والتقرير يحتاج إلى التحقيق فوق غيره ، فقيد الظرف بمن ، فجمع بين طرفيه كما سبق.

٣٨٥ ـ قوله : (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (٥٨) بغير واو ، لاتصاله بالأول أشد اتصال ، وتقديره : ذلك نعم أجر العاملين.

__________________

مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً) «٣٤» وليس فيها ما يدل على إمهال ، وهذا برهان للقرآن من حيث الدقة فى استعمال الكلمات.

(١) المراد : الضمير فى (لَهُ).

(٢) والسؤال فى نفس الآية ، وهو قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ).

٢٠٠