أسرار التكرار في القرآن

محمود بن حمزة بن نصر الكرماني

أسرار التكرار في القرآن

المؤلف:

محمود بن حمزة بن نصر الكرماني


المحقق: عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفضيلة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٩

ولما كان كناية عن غير مذكور لم يزد معه الظهر ، لئلا يلتبس بالدابة ، لأن الظهر أكثر ما يستعمل فى الدابة. قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إن المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» (١).

وأما فى الملائكة فقد تقدم ذكر الأرض فى قوله (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) (٤٤) ، وبعدها : (وَلا فِي الْأَرْضِ) (٤٤) فكان كناية عن مذكور سابق ، فذكر الظهر حيث لا يلتبس.

قال الخطيب : لما قال فى النحل : (بِظُلْمِهِمْ) (٦١) لم يقل : (على ظهرها) احترازا عن الجمع بين الظلمين ، لأنها تقل فى الكلام ، وليست لأمة من الأمم سوى العرب.

قال : ولم يجيء فى هذه السورة إلّا فى سبعة أحرف ، نحو : الظلم ، والنظر ، والظل ، وظل وجهه ، والظهر ، والعظم ، والوعظ ، فلم يجمع بينهما فى جملتين معقودتين عقد كلام واحد وهو : لو وجوابه.

٢٦٧ ـ قوله : (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) (٦٥) ، وفى العنكبوت : (مِنْ بَعْدِ مَوْتِها) (٦٣) ، وكذلك حذف من قوله : (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) (٧٠) ، وفى الحج : (مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) (٥) ، لأنه أجمل الكلام فى هذه السورة (وفصل فى الحج) (٢) فقال : (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ...) إلى قوله : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) (٥) فاقتضى الإجمال

__________________

(١) أخرجه البزار والحاكم والبيهقى وأبو نعيم والقضاعى عن جابر مرفوعا.

(المقاصد الحسنة ص ٣١٩).

(٢) ما بين الحاصرين سقط من ب فى أ : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ..) الآية ، وهو مخالف لما فى سورة الحج.

ولم يذكر المؤلف وجه التفصيل فى العنكبوت. ووجه : أن الله تعالى ذكر الدواب وأرزاقها وخلق السموات والأرض وتسخير الشمس والقمر وبسط الرزق وتقديره وهو تفصيل اقتضى إثبات (بِهِ) فى الآية رقم (١) من العنكبوت.

١٦١

الحذف ، والتفصيل الإثبات. فجاء فى كل سورة بما اقتضاه الحال.

٢٦٨ ـ قوله : (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) (٦٦) ، وفى المؤمنين : (فِي بُطُونِها) (٢١) ، لأن (الضمير) فى هذه السورة يعود إلى البعض وهو الإناث ، لأن اللبن لا يكون للكل ، فصار تقدير الآية : وإن لكم فى بعض الأنعام. بخلاف ما فى المؤمنين ، فإنه عطف عليه ما يعود على الكل ولا يقتصر على البعض ، وهو قوله : (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ. وَعَلَيْها) «٢١ ، ٢٢» ، ثم يحتمل أن يكون المراد البعض ، فأنّث حملا على الأنعام ، وما قيل من أن الأنعام هاهنا بمعنى النعم ، لأن الألف واللام تلحق الآحاد بالجمع ، وفى إلحاق الجمع بالآحاد حسن ، لكن الكلام وقع فى التخصيص ، والوجه ما ذكرت والله أعلم.

٢٦٩ ـ قوله : (وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) (٧٢) ، وفى العنكبوت : (يَكْفُرُونَ) (٦٧) بغير (هُمْ) ، لأن فى هذه السورة اتصل (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) (١) (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) (٧٢). ثم عاد إلى الغيبة فقال : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) (٧٢). فلا بد من تقييده بهم ، لئلا تلتبس الغيبة بالخطاب والتاء بالياء.

وما فى العنكبوت اتصل بآيات استمرت على الغيبة فيها كلها ، فلم يحتج إلى تقييده بالضمير.

٢٧٠ ـ قوله : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١٠). كرّر (إِنَ) ، وكذلك فى الآية الأخرى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ) (٢) ، لأن

__________________

(١) حفدة : جمع حفيد وهو : ولد الابن.

(٢) هى قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [١١٩]. فقد كررت إن أيضا.

١٦٢

الكلام لما طال بصلته أعاد إن واسمها ، وثم ، وذكر الخبر ، ومثله : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) «٢٣ : ٣٥» أعاد أن واسمها لمّا طال الكلام.

٢٧١ ـ قوله : (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا) (١٢٧) ، وفى النمل : (وَلا تَكُنْ) (٧٠) بإثبات النون. هذه الكلمة كثر دورها فى الكلام ، فحذف النون منها تخفيفا من غير قياس ، بل تشبيها بحروف العلة ، ويأتى ذلك فى القرآن فى بضع عشرة موضعا ، تسعة منها بالتاء ، وثمانية بالياء ، وموضعان بالنون ، وموضع بالهمزة ، وخصّت هذه السورة بالحذف دون النمل موافقة لما قبلها وهو قوله : (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٢٠).

والثانى : إن هذه الآية نزلت تسلية للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قتل عمه حمزة ومثّل به ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لأفعلن بهم ولأصنعن» ، فأنزل الله تعالى : (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) «١٢٦ ، ١٢٧» (١) فبالغ فى الحذف ليكون ذلك مبالغة فى التسلى ، وجاء فى النمل على القياس ، ولأن الحزن هنا دون الحزن هناك.

سورة الإسراء

٢٧٢ ـ قوله تعالى : (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (٩). وخصت سورة الكهف بقوله : (أَجْراً حَسَناً) (٢) ، لأن الأجر فى السورتين : الجنة. والكبير والحسن من أوصافها ، لكن خصت هذه السورة بالكبير موافقة لفواصل الآى قبلها وبعدها ، وهى : (حَصِيراً (٨) ـ أَلِيماً (١٠) ـ عَجُولاً (١١)). وجلها وقع قبل آخرها مدة ، وكذلك فى سورة الكهف جاء على

__________________

(١) أخرجه أحمد فى المسند (٥ / ١٣٥) ، والترمذى (١ / ٨٩) طبع الهند والسيوطى فى الدر المنثور (٤ / ١٣٥) وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبى حاتم وابن حبان والبيهقى فى الدلائل.

١٦٣

ما تقتضيه الآيات قبلها وبعدها ، وهى : (عِوَجاً (١) ـ أَبَداً (١) ـ وَلَداً). وجلّها قبل آخرها متحرك.

وأما رفع (يُبَشِّرُ) فى سبحان ، ونصبها فى الكهف ، فليس من المتشابه.

٢٧٣ ـ قوله : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً) (٢٢) ، وقوله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (٢٩) ، وقوله : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) (٣٩) ، فيها بعض المتشابه ويشبه التكرار ، وليس بتكرار ، لأن الأولى فى الدنيا ، والثالثة فى العقبى (الثانية) الخطاب فيها للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد به غيره ، وذلك أن امرأة بعثت صبيّا لها إليه مرة بعد أخرى تسأله قميصا ، ولم يكن عليه ولا له صلى‌الله‌عليه‌وسلم قميص غيره فنزعه ودفعه إليه ، فدخل وقت الصلاة فلم يخرج حياء ، فدخل عليه أصحابه فوجدوه على تلك الحالة ، فلاموه على ذلك ، فأنزل الله تعالى : (فَتَقْعُدَ مَلُوماً) يلومك الناس (مَحْسُوراً) مكشوفا (٢). هذا هو الأظهر من تفسيره.

٢٧٤ ـ قوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا) (٤١) ، وفى آخر السورة : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ) (٨٩). إنما لم يذكر فى أول سبحان الناس لتقدم ذكرهم فى السورة (٣) ، وذكرهم فى آخر السورة (٨٩) ، وذكرهم فى الكهف (٤) إذ لم يجر ذكرهم ، لأن ذكر الإنس والجن جرى معا (٥) ، فذكر الناس كراهة

__________________

(١) فى ب : وكذا خطأ.

(٢) أخرجه السيوطى فى : (الدر المنثور ٤ / ١٧٨) ، وعزاه إلى ابن أبى حاتم عن المنهال ابن عمرو ، وابن جرير عن ابن مسعود ، والأجهورى فى (إرشاد الرحمن ورقة ١٢٤ أ).

(٣) وذلك قوله تعالى : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) [٣].

(٤) فى الكهف : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) [٥٤].

(٥) جرى ذكر الإنس والجن معا فى الكهف آية ٥٠ : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) [٥٠].

١٦٤

الالتباس (١).

وقدمه على قوله : (فِي هذَا الْقُرْآنِ) كما قدمه فى قوله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) (٨٨) ، ثم قال : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ) (٨٩).

وأما فى الكهف فقدم (فِي هذَا الْقُرْآنِ) لأن ذكره جل الغرض ، وذلك أن اليهود سألته عن قصة أصحاب الكهف وقصة ذى القرنين فأوحى الله إليه فى القرآن ، فكان تقديمه فى هذا الموضع أجدر ، والعناية بذكره أحرى.

٢٧٥ ـ قوله : (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً (٢) أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) (٤٩) ، ثم أعادها فى آخر السورة بعينها ، من غير زيادة ولا نقصان (٩٨) ، لأن هذا ليس بتكرار ، فإن الأول من كلامهم فى الدنيا ، حين جادلوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنكروا البعث. والثانى من كلام الله تعالى ، حين جازاهم على كفرهم ، وقولهم وإنكارهم البعث ، فقال : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ) (٣) (زِدْناهُمْ سَعِيراً. ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) «٩٧ ، ٩٨».

٢٧٦ ـ قوله : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا) (٩٨) ، وفى الكهف : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا) (١٠٦) ، اقتصر فى هذه السورة على الإشارة لتقدم ذكر جهنم (٤).

ولم يقتصر فى الكهف على الإشارة دون العبارة لما اقترن بقوله :

__________________

(١) لأنه لو لم يذكر الناس لالتبس بالملائكة والجن.

(٢) الرفات : الحطام.

(٣) خبت : طفئت.

(٤) ذكرت جهنم فى الإسراء : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ) [٦٧].

١٦٥

(جَنَّاتُ) (١٠٧) (١) ، فقال : (جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا) الآية (١٠٦). ثم قال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) (١٠٧) ليكون الوعد والوعيد كلاهما ظاهرين للمستمعين.

٢٧٧ ـ قوله : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ) (٥٦) ، وفى سبأ : (ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) (٢٢) ، لأنه يعود إلى الرب (فى هذه السورة) ، وقد تقدم ذكره فى الآية الأولى وهو قوله : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ) (٥٥) ، وفى سبأ لو ذكر بالكناية لكان يعود إلى الله كما صرح (٢) ، فعاد إليه ، وبينه وبين ذكره سبحانه صريحا أربع عشرة آية ، فلما طالت الآيات صرح ولم يكن.

٢٧٨ ـ قوله : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي) (٦٢) ، وفى غيرها : (أَرَأَيْتَ) ، لأن ترادف الخطاب يدل على أن المخاطب به أمر عظيم ، وخطب فظيع ، وهكذا هو فى هذه السورة ، لأنه لعنة الله ضمن أخطال ذرية بنى آدم عن آخرهم إلّا قليلا ، ومثل هذا : (أَرَأَيْتَكُمْ) فى الأنعام فى موضعين وقد سبق (٣).

٢٧٩ ـ قوله : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) (٩٤) ، وفى الكهف بزيادة : (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) (٥٥) ، لأن ما فى هذه السورة ، معناه : ما منعهم عن الإيمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا قولهم : (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) (٩٤) ، هلّا بعث ملكا؟ وجهلوا أن التجانس يورث التآنس ، والتغاير يورث التنافر. وما فى الكهف معناه : منعهم عن الإيمان والاستغفار (٤) إلّا إتيان سنّة الأولين.

__________________

(١) فى قوله تعالى : (كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) [١٠٧].

(٢) وذلك فى قوله تعالى فى هذه السورة : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) [٨].

(٣) هما الآيتان : ٤٠ ، ٤٧ من سورة الأنعام ، وسبق الكلام فيهما فى الفقرة رقم ١٠١.

(٤) فى ب : والاستعفاء.

١٦٦

قال الزّجّاج : إلّا طلب سنة الأولين ، وهو قوله : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً) «٨ : ٣٢» ، فزاد : (وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ) (٥٥) لاتصاله بقوله : (سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) «١٨ : ٥٥» وهم : قوم نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، كلهم أمروا بالاستغفار. فنوح يقول : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (١) «١١ : ٥٢». وصالح يقول : (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ) «١١ : ٦١». وشعيب يقول : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) «١١ : ٩٠» ، فلما خوفهم سنة الأولين أجرى المخاطبين مجراهم.

٢٨٠ ـ قوله : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) (٩٦) ، وفى العنكبوت : (قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) (٥٢) كما فى الفتح : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٢٨) ، والرعد : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٤٣) ، ومثله : (كَفى بِاللهِ نَصِيراً) «٤٠ : ٤٥» (٢) ، (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) «٤ : ٦» ، فجاء فى الرعد وسبحان على الأصل ، وفى العنكبوت آخر (شَهِيداً) ، لأنه لما وصفه بقوله : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) طال فلم يجز الفصل به.

٢٨١ ـ قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ) (٩٩) ، وفى الأحقاف : (بِقادِرٍ) (٣٣) وفى يس : (٨١) ، لأن ما فى هذه السورة خبر أن ، وما فى يس خبر ليس (٣) ، فدخل الباء الخبر ، وكان القياس ألا يدخل فى (حم «الأحقاف») ولكنه شابه ليس لما ترادف النفى ، وهو قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) (٣٣) ،

__________________

(١) مدرارا : دائما.

(٢) فى أ : قدمت كفى بالله حسيبا على كفى بالله نصيرا.

(٣) ما فى يس آية ٨١ : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ) فهو خبر ليس.

١٦٧

(وَلَمْ يَعْيَ) (٣٣) (١) ، وفى هذه السورة نفى واحد ، وأكثر أحكام المتشابه فى العربية ثبت من وجهين ، قياسا على باب ما لا ينصرف وغيره.

٢٨٢ ـ قوله : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) (١٠١) قابل موسى ـ عليه‌السلام ـ كل كلمة من فرعون بكلمة من نفسه ، فقال : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) (٢) (١٠٢).

سورة الكهف

٢٨٣ ـ قوله تعالى : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ) (٢٢) ، بغير واو (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) (٢٢) بزيادة واو.

فى هذه الواو أقوال : إحداها : أن الأول والثانى وصفان لما قبلها ، أى : هم ثلاثة ، وكذلك الثانى ، أى : هم خمسة سادسهم كلبهم ، والثالث عطف على ما قبله ، أى : هم سبعة ، عطف عليه (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ).

وقيل : كل واحد من الثلاثة جملة وقعت بعدها جملة ، وكل جملة وقعت بعدها جملة فيها عائد يعود منها إليها ، فأنت فى إلحاق واو العطف وحذفها بالخيار ، وليس فى هذين القولين ما يوجب تخصيص الثالث بالواو.

وقال بعض النحويين : السبعة نهاية العدد ، ولهذا كثر ذكرها فى القرآن والأخبار ، والثمانية تجرى مجرى استئناف كلام ، ومن هنا لقبه جماعة من المفسرين بواو الثمانية ، واستدلوا بقوله سبحانه : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ ـ إلى ـ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) «٩ : ١١٢» (٣)

__________________

(١) الآية فى الأحقاف آية ٣٣ : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ) فتكرار النفى قام مقام ليس.

(٢) مثبورا : ملعونا.

(٣) ما بين إلى الحاصرين سقط من ب.

١٦٨

الآية ، وبقوله : (مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ) ـ إلى ـ (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) «٦٦ : ٥» الآية ، وبقوله : (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) «٣٩ : ٧٣» وزعموا أن هذه الواو تدل على أن أبوابها ثمانية ، ولكل واحد من هذه الآيات وجوه ذكرتها فى موضعها.

وقيل : إن الله حكى القولين الأولين ولم يرضهما ، وحكى القول الثالث فارتضاه ، وهو قوله : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ) ، ثم استأنف فقال : (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) ، ولهذا عقب الأول والثانى بقوله : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) (٢٢) ، ولم يقل فى الثالث.

فإن قيل : وقد قال فى الثالث : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) (٢٢).

فالجواب : تقديره : قل ربى أعلم بعدتهم وقد أخبركم أنهم سبعة وثامنهم كلبهم ، بدليل قوله : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) (٢٢) ، ولهذا قال ابن عباس : أنا من ذلك القليل ، فعد أسماءهم.

وقال بعضهم : الواو فى قوله : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ) (٢٢) ، يعود إلى الله تعالى ، فذكر بلفظ الجمع ، كقوله : (أَمَّا) وأمثاله ، هذا على الاختصار.

٢٨٤ ـ قوله : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) (٣٦) ، وفى حم (فصلت) : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي) (٥٠) ، لأن الرد عن الشيء يتضمن كراهة المردود. ولما كان فى الكهف تقديره : ولئن رددت عن جنتى هذه التى أظن ألّا تبيد أبدا إلى ربى. كان لفظ الرد الذى يتضمن الكراهة أولى. وليس فى حم ما يدل على الكراهة ، فذكر بلفظ الرجع ليقع فى كل سورة ما يليق بها.

٢٨٥ ـ قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها) (٥٧) ، وفى السجدة : (ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) (٢٢) ، لأن الفاء للتعقيب ، وثم للتراخى ، وما فى هذه السورة فى الأحياء من الكفار ، إذ ذكروا فأعرضوا عقيب ما ذكروا ، ونسوا ذنوبهم وهم بعد متوقع منهم

١٦٩

أن يؤمنوا ، وما فى السجدة فى الأموات من الكفار ، بدليل قوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (١٢). أى : ذكروا مرة بعد أخرى ، وزمانا بعد زمان ، ثم أعرضوا عنها بالموت ، فلم يؤمنوا ، وانقطع رجاء إيمانهم.

٢٨٦ ـ قوله : (نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ) (٦١). وفى الآية الثالثة : (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ) (٦٣) ، لأن الفاء للتعقيب والعطف ، فكان اتخاذ الحوت للسبيل عقيب النسيان ، فذكر بالفاء. وفى الآية الأخرى لما حيل بينهما بقوله : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) (٦٣) زال معنى التعقيب ، وبقى العطف المجرد ، وحرفه الواو.

٢٨٧ ـ قوله : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) (٧١) ، وبعده : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) (٧٤) ، لأن الإمر : العجب والمعجب (١). والعجب يستعمل فى الخير والشر ، بخلاف النكر ، لأن ما ينكره العقل فهو شر ، وخرق السفينة لم يكن معه غرق ، فكان أسهل من قتل الغلام وإهلاكه ، فصار لكل واحد معنى يخصه.

٢٨٨ ـ قوله : (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ) (٧٢) ، وبعده : (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ) (٧٥) ، لأن الإنكار فى الثانية أكثر ، وقيل : أكد التقدير الثانى بقوله : لك ، كما تقول لمن توبخه : لك أقول ، وإياك أعنى ، وقيل : بين فى الثانى المقول له لما لم يبين فى الأول.

٢٨٩ ـ قوله فى الأول : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) (٧٩) ، وفى الثانى : (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما) (٨١) ، وفى الثالث : (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) (٨٢) ، لأن الأول فى الظاهر إفساد ، فأسنده إلى نفسه ، والثالث إنعام محض فأسنده إلى الله ـ عزوجل ـ ، والثانى إفساد من حيث القتل ، إنعام من حيث التأويل ، فأسنده إلى نفسه وإلى الله عزوجل.

__________________

(١) فى ب : لأن الإمر والمعجب.

١٧٠

وقيل : القتل كان منه ، وإزهاق الروح كان من الله سبحانه.

قوله : (ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (٧٨) ، جاء فى الأول على الأصل ، وفى الثانى : (تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (٨٢) على التخفيف ، لأنه الفرع.

٢٩٠ ـ قوله : (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) (٩٧) اختار التخفيف فى الأول ، لأن مفعوله (١) حرف وفعل وفاعل ومفعول ، فاختار فيه الحذف ، والثانى مفعوله (٢) ، اسم واحد ، وهو قوله : (نَقْباً).

وقرأ حمزة (٣) ، بالتشديد وأدغم التاء فى الطاء فى الشواذ ، فما استطاعوا بفتح الهمزة وزنه استفعلوا. ومثلها : استخذ فلان أرضا ، أى : أخذ أرضا وزنه استفعل ومن أهراق ووزنه استفعل ، وقيل : استعمل من وجهين ، وقيل : السين بدل التاء ووزنه افتعل.

سورة مريم

٢٩١ ـ قوله : (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) (١٤) ، وبعده : (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) (٣٢) ، لأن الأول فى حق يحيى ، وجاء فى الخبر عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من أحد من بنى آدم إلّا أذنب أو همّ بذنب إلّا يحيى بن زكريا عليهما‌السلام» (٤) ، فنفى عنه العصيان. والثانى

__________________

(١) فى ب : لأن مفعول.

(٢) فى ب : مفعول.

(٣) قراءة حمزة ذكرها القرطبى ١١ / ٦٣ فى تفسيره ، وقال : كأنه أراد استطاعوا فأدغم التاء فى الطاء وشددها ، وهى قراءة ضعيفة الوجه. قال أبو على : وهى غير جائزة ، وعدها الدانى فى السبع ولم يشر إلى ضعفها (التيسير فى القراءات السبع ص ١٤٦). وأشار العكبرى إلى أنها قراءة بعيدة (إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات فى القرآن ، لأبى البقاء محب الدين عبد الله بن الحسين العكبرى ٢ / ٥٨) ط الميمنية بمصر ١٣٠٦. وانظر (البحر المحيط ٦ / ١٦٥) وقال فيه : قرأ الأعشى عن أبى بكر : فما اصطاعوا ، والأعمش استاعوا.

وفى هذه الفقرة فى : استجد بدل استخذ ، والفراق بدل أهراق ، واهتفعل بدل افتعل.

(٤) أخرجه الإمام أحمد فى (مسنده ١ / ٢٥٤) عن ابن عباس وفيه : «ما من أحد ولد أم إلّا =

١٧١

فى عيسى عليه‌السلام فنفى عنه الشقاوة ، وأثبت له السعادة ، والانبياء عندنا معصومون عن الكبائر غير معصومين عن الصغائر.

٢٩٢ ـ قوله : (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ) (١٥) (١) ، فى قصة يحيى : (وَالسَّلامُ عَلَيَ) (٣٣) فى قصة عيسى. فنكّر فى الأول ، وعرّف فى الثانى ، لأن الأول من الله تعالى ، والقليل منه كثير كما قال الشاعر :

قليل منك يكفينى ولكن

قليلك لا يقال له قليل

ولهذا قرأ الحسن : (اهدنا صراطا مستقيما) «١ : ٦» (٢) ، أى : نحن راضون منك بالقليل ، ومثل هذا فى الشعر كثير قال :

وإنّى لراض منك يا هند بالّذى

لو أبصره الواشى لقرت بلابله

 بلا وبأن لا أستطيع وبالمنى

وبالوعد حتّى يسأم الوعد آمله

والثانى : من عيسى عليه‌السلام ، والألف واللام لاستغراق الجنس ، ولو أدخل عليه التسعة والعشرين والفروع المستحسنة والمستقبحة لم تبلغ عشر معشار سلام الله عليه.

ويجوز أن يكون ذلك وحيا من الله عزوجل ، فيقرب من سلام يحيى.

وقيل : إنما دخل الألف واللام لأن النكرة إذا تكررت تعرفت.

وقيل : نكرة الجنس ومعرفته سواء ، تقول : لا أشرب ماء ، ولا أشرب الماء ، فهما سواء.

__________________

= قد أخطأ أو هم بخطيئة ...» الحديث. وكما هو هنا أخرجه فى (المسند ١ / ٢٩٢ ، ٢١٥ ، ٣٠١) عن ابن عباس رضى الله عنهما.

ملحق :

(١) جاء فى هذه السورة : حيّا ، فى قوله تعالى : (ما دُمْتُ حَيًّا) [٣١] و (يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [٣٣]. ولا تكرار فيها ، لأن الأولى فى الدنيا ، والأخرى يوم البعث.

(٢) قراءة الحسن ذكرها أبو حيان فى (البحر ١ / ٢٦) رواية عن زيد بن على والضحاك ، ونصر بن على عن الحسن.

١٧٢

٢٩٣ ـ قوله : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) (٣٧) ، وفى حم (الزخرف) : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) (٦٥) ، لأن الكفر أبلغ من الظلم ، وقصة عيسى فى هذه السورة مشروحة ، وفيها ذكر نسبتهم إياه إلى الله تعالى حين قال : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) (٣٥). فذكر بلفظ الكفر. وقصته فى الزخرف مجملة ، فوصفهم بلفظ دونه ، وهو : الظلم.

٢٩٤ ـ قوله : (وَعَمِلَ صالِحاً) (٦٠) ، وفى الفرقان : (وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) (٧٠) ، لأن هذه السورة أوجز فى ذكر المعاصى ، فأوجز فى التوبة ، وأطال هناك فأطال.

سورة طه

٢٩٥ ـ قوله تبارك وتعالى : (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى. إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ) (١) (ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) (٢) (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) «٩ ، ١٠» ، وفى النمل : (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (٣) (٧) ، وفى القصص : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (٢٩). هذه الآيات تشتمل على ذكر رؤية موسى النار ، وأمره أهله بالمكث ، وإخباره أنه آنس نارا ، وإطماعهم أن يأتيهم بنار يصطلون بها ، أو بخبر يهتدون به إلى الطريق التى ضلوا عنها ، لكنه نقص فى النمل (٤) ذكر رؤية النار ، وأمر أهله بالمكث ، اكتفاء بما تقدم ، وزاد فى

__________________

(١) آنست : رأيت من بعيد. قبس : خشبة فى رأسها شعلة (المعجم الوسيط ٢ / ٨١٨).

(٢) تصطلون : تستدفئون (المعجم الوسيط ١ / ٥٢٤).

(٣) أخرج البخارى تعليقا عن ابن عباس ٧ / ١١٨ قال : ضلوا الطريق وكانوا شاتين ، فقال موسى : إن لم أجد عليها (أى نار) من يهدى الطريق آتيكم بنار تستدفئون بها.

(٤) فى ب : نقص فى النار.

١٧٣

القصص : قضاء موسى الأجل المضروب ، وسيره بأهله إلى مصر ، لأن الشيء قد يجمل ثم يفصل ، وقد يفصل ثم يجمل ، وفى طه فصل ، وأجمل فى النمل ، ثم فصل فى القصص وبالغ فيه.

وقوله فى طه : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) (١٠) ، أى : من يخبرنى بالطريق فيهدينى إليه. وإنما أخر ذكر المخبر فيهما وقدمه فيهما مرات لفواصل الآى ، وكرر (لَعَلِّي) فى القصص لفظا ، وفيهما معنى ، لأن (أَوْ) فى قوله : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) (١٠) ، نائب عن (لَعَلِّي) ، و (سَآتِيكُمْ) تتضمن معنى لعلى ، وفى القصص : (أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ) (٢٩) ، وفى النمل : (بِشِهابٍ قَبَسٍ) (٧) ، وفى طه : (بِقَبَسٍ) (١٠) ، لأن الجذوة من النار خشبة فى رأسها (١) قبس له شهاب ، فهى فى السور الثلاث عبارة عن معبر واحد.

٢٩٦ ـ قوله : (فَلَمَّا أَتاها) (١١) هنا ، وفى النمل : (فَلَمَّا جاءَها) (٨) ، وفى القصص : (أَتاها) (٣٠) ، لأن أتى وجاء بمعنى واحد ، لكن كثر دور الإتيان فى طه نحو : (فَأْتِياهُ) (٤٧) ، (فَلَنَأْتِيَنَّكَ) (٥٨) ، (ثُمَّ أَتى) (٦٠) ، (ثُمَّ ائْتُوا) (٦٤) ، (حَيْثُ أَتى) (٦٩). ولفظ (جاء) فى النمل أكثر ، نحو (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ) (١٣) ، (وَجِئْتُكَ) (٢٢) ، (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ) (٣٦) وألحق القصص ب (طه) لقرب ما بينهما.

٢٩٧ ـ قوله : (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ) (٤٠) ، وفى القصص : (فَرَدَدْناهُ) (١٣) ، لأن الرجع إلى الشيء والرد إليه بمعنى ، وارد على الشيء يقتضى كراهة المردود ، ولفظ الرجع ألطف ، فخصّ ب (طه) ، وخصّ القصص بقوله : (فَرَدَدْناهُ) تصديقا لقوله : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) (٧).

__________________

(١) فى ب : من رأسها.

١٧٤

٢٩٨ ـ قوله : (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) (٥٣) ، وفى الزخرف : (وَجَعَلَ) (١٠) ، لأن لفظ السلوك مع السبيل أكثر استعمالا به ، فخصّ به طه ، وخصّ الزخرف بجعل ازدواجا للكلام ، وموافقة لما قبله وما بعدها (١).

٢٩٩ ـ قوله : (إِلى فِرْعَوْنَ) (٤٣) ، وفى الشعراء : (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ) «١٠ ، ١١» ، وفى القصص : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) (٣٢) ، لأن طه هى السابقة ، وفرعون هو الأصل المبعوث إليه ، وقومه تبع له ، وهم كالمذكورين معه ، وفى الشعراء : (قَوْمَ فِرْعَوْنَ) ، أى : قوم فرعون وفرعون ، فاكتفى بذكره فى الإضافة عن ذكره مفردا. ومثله : (أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) (٢) أى : آل فرعون وفرعون ، وفى القصص : (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) (٣٢) فجمع بين الآيتين ، فصار كذكر الجملة بعد التفصيل.

٣٠٠ ـ قوله : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) (٢٧) صرح بالعقدة فى هذه السورة لأنها السابقة ، وفى الشعراء : (وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) (١٣). كناية عن العقدة بما يقرب من التصريح ، وفى القصص : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) (٣٤). فكنّى عن العقدة كناية مبهمة ، لأن الأول يدل على ذلك.

__________________

(١) جاء بعد هذه الآية فى الزخرف : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) [١٢] ، (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) [١٥] ، وقبلها فى نفس الآية : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) [١٠]. ويصح أن يكون سبب التكرار ما ذكره المؤلف فى غير هذا الموضع من أن (خلق) تأتى لما لا يتكرر ويتبدل و (جعل) تأتى لما يتكرر ويتبدل. فالسبل تتغير بفعل الإنسان ، وكذلك الأرض الممهدة يحيلها الإنسان إلى وعر وبالعكس. أما الأزواج والسموات والأرض فخلقها الله ولا يمكن تكرار نماذج أخرى منها.

(٢) وردت فى البقرة مغايرة لها : (فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) [٥٠] ، وفى الأنفال : (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) [٥٤].

١٧٥

٣٠١ ـ وقوله فى الشعراء : (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) (١٤) ، وفى القصص : (إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) (٣٣) ، وليس له فى طه ذكره ، لأن قوله : (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) (٢٦) مشتمل على ذلك وغيره ، لأن الله عزوجل إذا يسر له أمره فلن يخاف القتل.

٣٠٢ ـ قوله : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. هارُونَ أَخِي) «٢٩ ، ٣٠» صرح بالوزير لأنها الأولى فى الذكر ، وكنّى عنه فى الشعراء حيث قال : (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) (١٣) ليأتينى ، فيكون لى وزيرا ، وفى القصص : (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) (٣٤). أى : اجعله لى وزيرا. فكنّى عنه بقوله : (رِدْءاً) لبيان الأول.

٣٠٣ ـ قوله : (فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) (٤٧) وبعده : (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) «٢٦ : ١٦» ، لأن الرسول مصدر يسمى به ، فحيث وحده حمل على المصدر ، وحيث ثنى حمل على الاسم.

ويجوز أن يقال : حيث وحد حمل على الرسالة ، لأنهما أرسلا لشىء واحد ، وحيث ثنى حمل على الشخصين.

وأكثر ما فيه من المتشابه سبق.

٣٠٤ ـ قوله : (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) (١٢٨) بالفاء من غير (من) ، وفى السجدة (٢٦) بالواو ، وبعده (من) ، لأن الفاء للتعقيب والاتصال بالأول ، فطال الكلام ، فحسن حذف (من) ، والواو تدل على الاستئناف ، وإثبات (من) مستثقل وقد سبق الفرق بين إثباته وحذفه.

سورة الأنبياء

٣٠٥ ـ قوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) (٢) ، وفى الشعراء : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) (٥).

١٧٦

خصت هذه السورة بقوله : (مِنْ رَبِّهِمْ) (٢) بالإضافة ، لأن الرحمن لم يأت مضافا ، ولموافقته ما بعده ، وهو قوله : (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ) (٤) وخصت الشعراء بقوله : (مِنَ الرَّحْمنِ) (٥) لتكون كل سورة مخصوصة بوصف من أوصافه ، وليس فى أوصاف الله اسم أشبه باسم الله من الرحمن ، لأنهما اسمان ممنوعان أن يسمى بهما غير الله عزوجل ، ولموافقة ما بعده وهو قوله : (لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٩) ، لأن الرحمن الرحيم مصدر واحد.

٣٠٦ ـ قوله : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) (٧) ، وبعده : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) (٢٥). كلاهما لاستيعاب الزمان المتقدم ، إلّا أن (مِنْ) إذا دخل دل على الحصر بين الحدين ، وضبطه بذكر الطرفين ، ولم يأت (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) (٧) إلّا هذه ، وخصت الحذف لأن قبلها : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) (٦) فبناه عليه ، لأنه هو. وأخّر (مِنَ) فى الفرقان : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ) (٢٠) وزاد فى الثانى : (مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) «٢١ : ٢٥ ، ٢٢ : ٥٢» على الأصل للحصر.

٣٠٧ ـ قوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ (١) بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٣٥) ، وفى العنكبوت : (ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٥٧) ، لأن ثم للتراخى ، والرجوع هو : الرجوع إلى الجنة أو النار ، وذلك فى القيامة ، فخصت سورة العنكبوت به ، وخصت هذه السورة بالواو لما حيل (٢) الكلامين بقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (٣٥) ، وإنما ذكرا (٣) لتقدم ذكرهما ، فقام مقام التراخى وناب الواو منابه.

__________________

(١) فى ب : (ولنبلونكم) خطأ.

(٢) فى أ : ولما قيل. وفى الأصلين : ولما حيل. فحذفنا الواو ليستقيم الكلام.

(٣) فى أ : ولما ذكر.

١٧٧

٣٠٨ ـ قوله : (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) (٣٦) ، وفى الفرقان : (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) (٤١) ، لأنه ليس فى الآية التى تقدمتها ذكر الكفار (هنا) ، فصرح باسمهم ، وفى الفرقان قد ذكر الكفار (١) ، فخص الإظهار بهذه السورة ، والكناية بتلك.

٣٠٩ ـ (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ. قالُوا وَجَدْنا آباءَنا) «٥٢ ، ٥٣» ، وفى الشعراء : (قالُوا بَلْ وَجَدْنا) (٧٤) بزيادة (بَلْ) ، لأن قوله : (وَجَدْنا آباءَنا) (٥٣) جواب لقوله : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ) (٥٢) ، وفى الشعراء أجابوا عن قوله : (ما تَعْبُدُونَ) (٧٠) ، بقولهم : (نَعْبُدُ أَصْناماً) (٧١). ثم قال : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ. أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) «٧٢ ، ٧٣». فأتى بصورة الاستفهام ومعناه النفى ، قالوا : (بَلْ وَجَدْنا). أى : قالوا : لا. بل وجدنا عليه آباءنا ، لأن السؤال فى الآية يقتضى فى جوابهم أن ينفوا ما نفاه السائل ، فأضربوا عنه إضراب من ينفى الأول ويثبت الثانى ، فقالوا : بل وجدنا. فخصت السورة به.

٣١٠ ـ قوله : (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) (٧٠) ، وفى الصافات : (الْأَسْفَلِينَ) (٩٨) ، لأن فى هذه السورة كادهم إبراهيم عليه‌السلام بقوله : (لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) (٥٧). وكادوا هم إبراهيم بقوله : (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً). فجرت بينهم مكايدة فغلبهم إبراهيم ، لأنه كسر أصنامهم ، ولم يغلبوه ، لأنهم لم يبلغوا من إحراقه مرادهم ، فكانوا هم الأخسرون.

وفى الصّافات : (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) (٩٧)

__________________

(١) سبق ذكر الكفار ضمنا عند ذكر القرية التى أمطرت مطر السوء. وعند ذكر قوم نوح ، وصريحا فى قوله : (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا) [٣٦].

١٧٨

فأججوا نارا عظيمة ، وبنوا بنيانا عاليا ، ورفعوه إليه ، ورموه منه إلى أسفل ، فرفعه الله ، وجعلهم فى الدنيا من الأسفلين ، وردهم فى العقبى أسفل سافلين ، فخصت الصافات بالأسفلين.

٣١١ ـ قوله : (وَنَجَّيْناهُ) (٧١) بالفاء سبق فى يونس ، ومثله فى الشعراء : (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) «١٧٠ ، ١٧١».

٣١٢ ـ قوله : (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ) (٨٣) ، ختم القصة بقوله : (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) (٨٤) ، وقال فى ص : (رَحْمَةً مِنَّا) (٤٣) ، لأنه هنا بالغ فى التضرع بقوله : (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٨٣) فبالغ سبحانه فى الإجابة وقال : (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) (٨٤) ، لأن (عند) حيث جاء دل على : أن الله سبحانه تولى ذلك من غير واسطة.

وفى (ص) لما بدأ القصة بقوله : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا) (٤١) ختم بقوله : (مِنَّا) ليكون آخر الآية لفقا بالأول (١). الآية.

٣١٣ ـ قوله : (فَاعْبُدُونِ. وَتَقَطَّعُوا) «٩٢ ، ٩٣» ، وفى المؤمنون : (فَاتَّقُونِ. فَتَقَطَّعُوا) «٥٢ ، ٥٣» ، لأن الخطاب فى هذه السورة للكفار ، فأمرهم بالعبادة التى هى التوحيد ، ثم قال : (وَتَقَطَّعُوا) (٩٣) بالواو ، لأن التقطع قد كان منهم قبل هذا القول لهم ، ومن جملة خطاب المؤمنين ، فمعناه : داوموا على الطاعة. وفى المؤمنون الخطاب للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللمؤمنين ، بدليل قوله : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) (٥١) ، والأنبياء والمؤمنون مأمورون بالتقوى. ثم قال : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ) (٥٣) أى : ظهر منهم التقطع بعد هذه القول ، والمراد أممهم.

٣١٤ ـ قوله : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها) (٩١) ،

__________________

(١) فى ب : لفقا للأول.

١٧٩

وفى التحريم : (فَنَفَخْنا فِيهِ) (١٢) ، لأن المقصود فى هذه السورة ذكرها ، وما آل إليه أمرها حتى ظهر فيها (١) ابنها ، وصارت هى وابنها آية ، وذلك لا يكون إلّا بالنفخ فى حملها وتحملها ، والاستمرار على ذلك إلى ولادتها. فلهذا اختصت بالتأنيث.

وما فى التحريم مقصور على ذكر إحصانها ، وتصديقها بكلمات ربها ، وكأن النفخ أصاب فرجها وهو مذكر. والمراد به : فرج الجيب ، أو غيره فخصت بالتذكير.

سورة الحجّ

٣١٥ ـ قوله : (يَوْمَ تَرَوْنَها) (٢) ، وبعده : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) (٢) محول على : أيها المخاطب ، كما سبق فى قوله : (وَتَرَى الْفُلْكَ) «١٦ : ١٤».

٣١٦ ـ قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) (٨) فى هذه السورة ، وفى لقمان : (وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) (٢٠) ، لأن ما فى هذه السورة وافق ما قبلها من الآيات ، وهى : (قَدِيرٌ (٦)) ، (الْقُبُورِ (٧)) ، وكذلك فى لقمان وافق ما قبلها وما بعدها ، وهى : (الْحَمِيرِ (١٩)) ، (السَّعِيرِ (٢١)) ، (الْأُمُورِ (٢٢)).

٣١٧ ـ قوله : (مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) (٥) بزيادة (مِنَ) لقوله تعالى : (مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) الآية (٥) وقد سبق فى النحل.

٣١٨ ـ قوله : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) (١٠) ، وفى غيرها : (أَيْدِيكُمْ) «٣ : ١٨٢» ، لأن هذه الآية نزلت فى النضر بن الحارث ، وقيل : فى أبى جهل ، فوحّده ، وفى غيرها نزلت فى الجماعة التى تقدم ذكرهم.

٣١٩ ـ قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ

__________________

(١) فى ب : حتى يظهر فيها.

١٨٠