أسرار التكرار في القرآن

محمود بن حمزة بن نصر الكرماني

أسرار التكرار في القرآن

المؤلف:

محمود بن حمزة بن نصر الكرماني


المحقق: عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفضيلة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٩

ساعَةً) (٤٩) ، لأن التقدير فيها : لكل أمة أجل فلا يستأخرون ساعة إذا جاء أجلهم ، فكان هذا فيمن قتل ببدر. والمعنى : لم يستأخروا.

١٩٣ ـ قوله : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٥٥). ذكر بلفظ (ما) فى هذه الآية ولم يكرّره ، لأن معنى (ما) هاهنا : المال ، فذكر بلفظ (ما) دون (مَنْ) ولم يكررها بقوله قبله :(وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ) (٥٤).

١٩٤ ـ قوله : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) (٦٦). ذكر بلفظ (مَنْ) وكرر ، لأن هذه الآية نزلت فى قوم آذوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزلت : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) (٦٥) فاقتضى لفظ (مَنْ) وكرر ، لأن المراد : من فى الأرض هاهنا ، لكونهم فيها ، لكن قدم ذكر (مَنْ فِي السَّماواتِ) تعظيما ، ثم عطف (مَنْ فِي الْأَرْضِ) على ذلك.

١٩٥ ـ قوله : (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (٦٨) ذكر بلفظ (ما) وكرّر لأن بعض الكفار قالوا : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) (٦٨) فقال سبحانه : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (٦٨) فكان الموضع موضع (ما) ، وموضع التكرار للتأكيد والتخصيص.

١٩٦ ـ قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) (٦٠) ، ومثله فى النمل ، وفى البقرة ، ويوسف ، والمؤمن : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (١) ، لأن فى هذه السورة تقدم (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥٥) فوافقه ، وفى غيرها جاء بلفظ الصريح.

١٩٧ ـ وفيها أيضا قوله : (فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (٦١) فقدم الأرض لكون المخاطبين فيها ، ومثله فى آل عمران ، وإبراهيم ،

__________________

(١) فى النمل آية ٧٣ ، وفى البقرة آية ٢٤٣ ، وفى يوسف آية ٣٨ ، وفى المؤمن (غافر) آية ٦١.

١٤١

وطه ، والعنكبوت (١).

١٩٨ ـ وفيها : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٦٧) ، بناء على قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) (٤٢) ، ومثله فى الروم : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٢٣) فحسب (٢).

١٩٩ ـ قوله : (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) (٦٨) بغير واو ، لأنه اكتفى بالفاء عن الواو العاطف ، ومثله فى البقرة على قراءة ابن عامر : (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) (١١٦).

٢٠٠ ـ قوله : (فَنَجَّيْناهُ) (٧٣) سبق ، ومثله فى الأنبياء (٣) والشعراء.

٢٠١ ـ قوله : (كَذَّبُوا) (٤) سبق ، وقوله : (نَطْبَعُ عَلى) (٧٤) قد سبق.

٢٠٢ ـ قوله : (مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) (٨٣) بالجمع ، وفى غيرها : (مَلَئِهِ) (٥) ، لأن الضمير فى هذه السورة يعود إلى الذرية ، وقيل : يعود إلى القوم ، وفى غيرها يعود إلى فرعون.

٢٠٣ ـ قوله : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٤) وفى

__________________

(١) فى آل عمران : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [٥].

وفى إبراهيم : (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [٣٨] ، وفى العنكبوت : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) [٢٢] ، وفى طه : (تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى) [٤].

(٢) من سمع أن النوم من صنع الله لا يمكن جلبه ولا دفعه من قبل الإنسان آمن. وقد ذكر هذه العلة فى غير هذا الموضع ، وسبق ذكر النوم فى هذه السورة.

(٣) الذى فى الأنبياء : (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً) [٧١] ، وفى الشعراء [١٧٠].

(٤) وردت كلمة (كَذَّبُوا) فى سورة يونس فى الآيات رقم : ٣٩ ، ٤٥ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٩٥.

(٥) وردت كلمة (وَمَلَائِهِ) فى الأعراف ١٠٣ ، ويونس ٧٥ ، وهود ٩٧ ، والمؤمنون ٤٦ والقصص ٣٢ ، والزخرف ٤٦.

١٤٢

النمل : (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٩١) ، لأن ما قبله فى هذه السورة : (الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٣) فوافقه ، وفى النمل وافق ما قبله وهو قوله : (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (٨١). وقد قدم فى يونس : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٧٢).

سورة هود

٢٠٤ ـ قوله تعالى : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا) (١٤) ، بحذف النون والجمع ، وفى القصص : (فَإِنْ لَمْ) بإثبات النون (لَكَ فَاعْلَمْ) (١٣) على الواحد. عدت هذه الآية من المتشابه فى فصلين :

أحدهما : حذف النون من (فَإِلَّمْ) فى هذه السورة وإثباتها فى غيرها ، وهذا من فعل الخط ، وقد ذكرته فى «كتابة المصاحف».

والثانى : جمع الخطاب هاهنا ، وتوحيده فى القصص ، لأن ما فى هذه السورة خطاب للكفار. والفعل يعود ل (مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) ، وما فى القصص خطاب للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والفعل للكفار (١).

٢٠٥ ـ قوله : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (١٩) سبق.

٢٠٦ ـ قوله : (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (٢٢) ، وفى النحل : (هُمُ الْخاسِرُونَ) (١٠٩) ، لأن هؤلاء صدوا عن سبيل الله وصدوا غيرهم فضلوا. فهم الأخسرون يضاعف لهم العذاب. وفى النحل : صدوا فهم الخاسرون. قال الخطيب : لأن ما قبلها فى هذه السورة : (يُبْصِرُونَ) (٢٠) ، (يَفْتَرُونَ) (٢١) لا يعتمدان على ألف بينهما. وفى النحل : (الْكافِرُونَ) (٨٣) و (الْغافِلُونَ) (١٠٨) فللموافقة بين الفواصل جاء فى هذه السورة

__________________

(١) فى قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) [١٣]. فالفعل هو : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا). مراد به (مَنِ) فى قوله : (مَنِ اسْتَطَعْتُمْ).

١٤٣

(الْأَخْسَرُونَ) ، وفى النحل (الْخاسِرُونَ).

٢٠٧ ـ قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ) (٢٥) بالفاء ، وبعده : (فَقالَ الْمَلَأُ) (٢٧) بالفاء ، وهو القياس ، وقد سبق.

٢٠٨ ـ قوله : (وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) (٢٨) ، وبعده : (وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً) (٦٣) ، وبعدهما : (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) (٨٨) لأن (عِنْدِهِ) وإن كان ظرفا فهو اسم ، فذكر الأولى بالصريح ، والثانية والثالثة بالكناية ، لتقدم ذكره ، فلما كنّى عنه قدمه ، لأن الكناية يتقدم عليها الظاهر ، نحو : ضرب زيد عمرا ، فإن كنيت عن عمر قدمته ، نحو : عمرو ضربه زيد ، وكذلك : زيد أعطانى درهما من ماله ، فإن كنيت عن المال قلت : المال زيد أعطانى منه درهما.

قال الخطيب : لما وقع (آتانِي رَحْمَةً) (٢٨) فى جواب كلام فيه ثلاثة أفعال كلها متعد إلى مفعولين ، ليس بينهما حائل بجار ومجرور ، وهو قوله : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) (٢٧) و (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ) (٢٧) و (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) (٢٧) أجرى الجواب مجراه ، فجمع بين المفعولين من غير حائل.

وأما الثانى : فقد وقع فى جواب كلام قد حيل بينهما بجار ومجرور ، وهو قوله : (قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا) (٦٢) لأن خبر كان بمنزلة المفعول ، كذلك حيل فى الجواب بين المفعولين بالجار والمجرور.

٢٠٩ ـ قوله : (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) (٢٩) فى قصة نوح ، وفى غيرها : (أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ) (١) ، لأن فى قصة نوح وقع بعدها (خَزائِنُ) (٣١) ولفظ المال بالخزائن أليق.

__________________

(١) وردت هكذا فى هود ٥١ ، والشعراء ١٠٩ وفيها : (مِنْ أَجْرٍ) ، وكذلك فى رقم ١٢٧ ، ٢٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠ ، وفى سبأ ٤٧.

١٤٤

٢١٠ ـ قوله : (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) (٣١) ، وفى الأنعام : (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (٥٠) ، لأن فى الأنعام آخر الكلام فيه (جاء) (١) بالخطاب ، وختم به ، وليس فى هذه السورة آخر الكلام ، بل آخره : (تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) (٣١) ، فبدأ بالخطاب وختم به فى السورتين.

٢١١ ـ قوله : (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) (٥٧) ، وفى التوبة : (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) (٣٩). ذكر هذا فى المتشابه وليس منه ، لأن قوله : (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) عطف على قوله : (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي) (٥٧) فهو مرفوع ، وفى التوبة معطوف على (يُعَذِّبْكُمْ) ـ (يَسْتَبْدِلْ) (٣٩) وهما مجزومان فهو مجزوم.

٢١٢ ـ قوله : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً) «٥٨ ، ٩٤» فى قصة هود وشعيب بالواو. وفى قصة صالح ولوط : (فَلَمَّا) «٦٦ ، ٨٢» بالفاء ، لأن العذاب فى قصة هود وشعيب تأخّر عن وقت الوعيد ، فإن فى قصة هود : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) (٥٧) ، وفى قصة شعيب : (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٩٣). والتخويف قارنه التسويف ، فجاء بالواو المهملة. وفى قصة صالح ولوط وقع العذاب عقيب الوعيد ، فإن فى قصة صالح : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) (٦٥) ، وفى قصة لوط : (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) (٨١) فجاء الفاء للتعجيل والتعقيب.

٢١٣ ـ قوله : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) (٦٠) ، وفى قصة موسى : (فِي هذِهِ لَعْنَةً) (٩٩) ، لأنه لما ذكر فى الآية الأولى الصفة والموصوف ، اقتصر فى الثانية على الموصوف للعلم ، والاكتفاء بما قبله.

__________________

(١) سقطت من أ.

١٤٥

٢١٤ ـ قوله : (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (٦١) وبعده : (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (٩٠) لموافقة الفواصل ، ومثله : (لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (٧٥) (١) ، وفى التوبة : (لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (١١٤) للروى (٢) فى السورتين.

٢١٥ ـ قوله : (وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (٦٢) ، وفى إبراهيم : (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (٩) ، لأنه فى السورتين جاء على الأصل وتدعونا خطاب مفرد ، وفى إبراهيم لما وقع بعده (تَدْعُونَنا) بنونين ، لأنه خطاب جمع ، حذف منه (٣) النون استثقالا للجمع بين النونات ، ولأن فى إبراهيم اقترن بضمير قد غير ما قبله بحذف الحركة وهو الضمير المرفوع فى قوله : (لَكَفَّرْنا) (٤) فغيّر ما قبله فى إننا بحذف النون. وفى هود اقترن بضمير لم يغير ما قبله ، وهو الضمير المنصوب والضمير المجرور فى قوله : (... فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) (٦٢) فصح كما صح.

٢١٦ ـ قوله : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) (٦٧) ، ثم قال : (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) (٩٤) التذكير والتأنيث حسنان ، لكن التذكير أخف فى الأولى بحذف حرف منه ، وفى الأخرى وافق ما بعدها وهو : (كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) (٩٥).

قال الخطيب : لما جاءت فى قصة شعيب مرة : (الرَّجْفَةُ) ، ومرة : (الظُّلَّةِ) ، ومرة : (الصَّيْحَةُ) ، ازداد التأنيث حسنا.

٢١٧ ـ قوله : (فِي دِيارِهِمْ) «٦٧ ، ٩٤» فى موضعين فى هذه السورة ، لأنه اتصل بالصيحة ، وكانت من السماء ، فازدادت على الرجفة ، لأنها : الزلزلة ، وهى تختص بجزء من الأرض ، فجمعت مع الصيحة ، وأفردت مع الرجفة.

__________________

(١) الأواه : الكثير التأوه والألم. والمنيب : الراجع إلى الله.

(٢) هكذا فى الأصل ، وكان ينبغى أن يقول : «مراعاة الفواصل» تأدبا مع القرآن ، إذ أن الروى يطلق فى الشعر (المرجع).

(٣) سقطت ب.

(٤) فى نفس الآية : (وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا ...)

.

١٤٦

٢١٨ ـ قوله : (إنّ ثمودا) (٦٨) بالتنوين ، ذكر فى المتشابه ، فقلت : ثمود من الثمد ، وهو : الماء القليل ، جعل اسم قبيلة ، فهو منصرف من وجه ، وغير منصرف من وجه (١) ، فصرفوه فى حال النصب ، لأنه أخف أحوال الاسم ، ولم يصرفوه فى حال الرفع ، لأنه أثقل أحوال الاسم ، وجاز الوجهان فى الجر ، لأنه واسطة بين الخفة والثقل.

٢١٩ ـ قوله : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) (١١٧). وفى القصص : (مُهْلِكَ الْقُرى) (٥٩) ، لأن الله تعالى نفى الظلم عن نفسه فأبلغ لفظ يستعمل فى النفى ، لأن هذه اللام لام الجحود ، وتظهر بعدها أن ، ولا يقع بعدها المصدر ، وتختص بكان ، معناه : ما فعلت فيما مضى ، ولا أفعل فى الحال ، ولا أفعل فى المستقبل ، فكان الغاية فى النفى. وما فى القصص لم يكن صريح ظلم (٢) ، فاكتفى بذكر اسم الفاعل ، وهو أحد الأزمنة غير معين ، ثم نفاه.

٢٢٠ ـ قوله : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ) (٣) (مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) (٨١) ، وفى الحجر : (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) (٦٥). استثنى فى هذه السورة من الأهل قوله : (إِلَّا امْرَأَتَكَ) (٨١). ولم يستثن فى الحجر اكتفاء بما قبله ، وهو قوله : (إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا امْرَأَتَهُ) «٥٨ ـ ٦٠». فهذا الاستثناء الذى تفردت به

__________________

(١) قال سيبويه : ثمود يكون اسما للقبيلة والحى. فمن صرفه ذهب به إلى الحى ، لأنه اسم عربى مذكر سمى بمذكر. ومن لم يصرفه ذهب به إلى القبيلة وهى مؤنثة.

(لسان العرب ٣ / ١٠٥).

(٢) الظلم فى هود صريح ، فإهلاك المصلحين ظلم. أما فى القصص فليس صريحا : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ). وذلك لأن العقل كاف فى استنباط وجود الخالق ، فالإهلاك من الغفلة ليس صريحا فى الظلم.

(٣) بقطع من الليل : بسواد من الليل. (القرطبى ص ٧٩٩).

١٤٧

سورة الحجر قام مقام الاستثناء من قوله : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) ، وزاد فى الحجر : (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) (٦٥) ، لأنه إذا ساقهم وكان من ورائهم علم بنجاتهم ولا يخفى عليه حالهم.

سورة يوسف

٢٢١ ـ قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦) ليس فى القرآن غيره أى : عليم علّمك تأويل الأحاديث ، حكيم باجتبائك للرسالة.

٢٢٢ ـ قوله : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) (١٨) فى هذه السورة فى موضعين ليس بتكرار ، لأنه ذكر الأول حين نعى إليه يوسف ، والثانى لما رفع إليه ما جرى على بنيامين (١).

٢٢٣ ـ قوله : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) (٢٢). ومثلها فى القصص ، فى قصة موسى ، وزاد فيها : (وَاسْتَوى) (١٤) ، لأن يوسف ـ عليه‌السلام ـ أوحى إليه وهو فى البئر ، وموسى ـ عليه‌السلام ـ أوحى إليه بعد أربعين سنة ، وقوله : (وَاسْتَوى) إشارة إلى تلك الزيادة. ومثله : (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) بعد قوله : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) «١٥ : ٤٦». والخلاف فى أشده قد ذكره فى موضعه.

٢٢٤ ـ قوله : (مَعاذَ اللهِ) (٢٣) فى هذه السورة فى موضعين (٢). ليس بتكرار ، لأن الأول ذكر حين دعته إلى المواقعة. والثانى حين دعى إلى تغيير حكم السرقة ، فليس بتكرار.

٢٢٥ ـ قوله : (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) «٣١ ، ٥١» فى الموضعين : أحدهما : فى حضرة يوسف ـ عليه‌السلام ـ حين نفين عنه البشرية بزعمهن. والثانى : بظهر الغيب حين نفين عنه السوء فليس بتكرار.

__________________

(١) بنيامين : أخو يوسف عليه‌السلام (المراجع).

(٢) هنا : (مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) [٢٣] ، والثانى : (مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) [٧٩].

١٤٨

٢٢٦ ـ قوله : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) «٣٦ ، ٧٨» ، فى موضعين (١) ليس بتكرار ، لأن الأول من كلام صاحبى السجن ليوسف عليه‌السلام ، والثانى من كلام إخوة يوسف ليوسف.

٢٢٧ ـ (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) «٣٩ ، ٤١» ، فى موضعين : الأول منهما : ذكره يوسف حين عدل عن جوابهما إلى دعائهما إلى الإيمان (٢) ، والثانى : حين دعياه إلى تعبير الرؤيا لهما (٣) ، تنبيها على أن الكلام الأول قد تمّ.

٢٢٨ ـ قوله : (لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ) (٤٦) ، كرّر لعل رعاية لفواصل الآى ، إذ لو جاء بمقتضى الكلام لقال : لعلى أرجع فيعلموا ، بحذف النون على الجواب ، ومثله فى هذه السورة سواء قوله : (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٦٢) ، فمقتضى الكلام : لعلهم يعرفونها فيرجعوا.

٢٢٩ ـ قوله : (تَاللهِ) «٧٣ ، ٨٥ ، ٩١ ، ٩٥» فى أربعة مواضع (٤) : الأول : يمين منهم أنهم ليسوا سارقين ، وأن أهل مصر بذلك عالمون. والثانى : يمين منهم أنك لو واظبت على الحزن تصير حرضا ، أو تكون من الهالكين. والثالث : يمين منهم أن الله فضله عليهم ، وأنهم كانوا خاطئين. والرابع : ما ذكره ، وهو قوله : (قالُوا

__________________

(١) الموضع الأول قوله : (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [٣٦] ، والثانى : (فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [٧٨].

(٢) وذلك فى قوله : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [٣٩].

(٣) وذلك فى قوله : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) الآية [٤١].

(٤) فى الأصول : ثلاثة : هى قوله تعالى : (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) [٧٣] ، وقوله : (قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) [٨٥] ، وقوله : (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) [٩١].

١٤٩

تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) (٩٥) وهو يمين من أولاده على أنه لم يزل على محبة يوسف.

٢٣٠ ـ قوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) (١٠٩) ، وفى الأنبياء : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) (٧) بغير (مِنْ) ، لأن (قبل) اسم للزمان السابق على ما أضيف إليه. و (مِنْ) تفيد استيعاب الطرفين ، وما فى هذه السورة للاستيعاب (١) ، وقد يقع (قبل) على بعض ما تقدم ، كما فى الأنبياء فى قوله : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) (٦). ثم وقع عقيبها : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) (٧) بحذف (مِنْ) لأنه بعينه.

٢٣١ ـ قوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) (١٠٩) بالفاء ، وفى الروم (٩) ، والملائكة (٢) (٤٤) بالواو ، لأن الفاء تدل على الاتصال والعطف ، والواو تدل على العطف المجرد ، وفى السورة قد اتصلت بالأول لقوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) حال من كذبهم ، وما نزل بهم من العذاب ، وليس كذلك فى الروم والملائكة.

٢٣٢ ـ قوله : (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) (١٠٩) ، وفى الأعراف : (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ) (١٦٩) على الصفة ، لأن فى هذه السورة تقدم ذكر الساعة ، وصار التقدير : ولدار الساعة الآخرة ، فحذف الموصوف ، وفى الأعراف تقدم قوله : (عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) (١٦٩). أى : المنزل الأدنى ، فجعله وصفا للمنزل ، والدار الدنيا والدار الآخرة بمعناه ، فأجرى مجراه. تأمل فى هذه السورة فإن فيها برهانا لأحسن القصص.

__________________

(١) إنما كان ما فى هذه السورة للاستيعاب لأن المراد ـ والله أعلم ـ هو توجيه الأنظار إلى استيعاب تواريخ المكذبين ومعرفة عواقبهم ، وهو أمر لا يتحقق إلا فى استيعاب قاعدة الهلاك لجميع المكذبين.

أما فى سورة الأنبياء فالمراد ـ والله أعلم ـ هو توجيه النظر إلى أن المرسلين بشر يوحى إليهم وليسوا ملائكة لا يأكلون ولا يشربون. وهو أمر يتحقق بمعرفة البعض.

(٢) سورة الملائكة : أى سورة فاطر (المراجع).

١٥٠

سورة الرّعد

٢٣٣ ـ قوله تعالى : (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) (٢) ، وفى سورة لقمان : (إِلى أَجَلٍ) (٢٩) لا ثانى له ، لأنك تقول فى الزمان : جرى ليوم كذا ، وإلى يوم كذا (١) ، والأكثر اللام ، كما فى هذه السورة وسورة الملائكة (١٣) ، وكذلك فى يس : (تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) (٣٨) ، لأنه بمنزلة التاريخ. تقول : لبثت لثلاث بقين من الشهر ، وآتيك لخمس تبقى من الشهر. وأما فى لقمان فوافق ما قبلها وهو قوله : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) (٢٢). والقياس : لله ، كما فى قوله : (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) «٣ : ٢٠» لكنه حمل على المعنى ، أى : يقصد بطاعته إلى الله ، وكذلك : (يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) «٢٩ : ٣١» أى يجرى إلى وقته المسمى له.

٢٣٤ ـ قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٣) ، وبعدها : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٤) ، لأن (٢) بالتفكر فى الآيات يعقل ما جعلت الآيات دليلا عليه ، فهو الأول المؤدى إلى الثانى.

٢٣٥ ـ قوله : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) «٧ ، ٢٧» فى هذه السورة (فِي) موضعين ، وزعموا أنه لا ثالث لهما. ليس بتكرار محض ، لأن المراد بالأول : آية مما اقترحوا ، نحو ما فى قوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) «١٧ : ٩٠» ، والمراد بالثانى : آية ما ، لأنهم لم يهتدوا إلى أن القرآن آية فوق كل آية ، وأنكروا (٣) سائر آياته صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) والأجل المسمى قيل : منافع العباد. وقال ابن عباس : منازل الشمس والقمر. وقيل : يوم القيامة. (البحر المحيط ٥ / ٢٦٧).

(٢) على هامش أ : لأنه من نسخة ثانية.

(٣) فى ب : فأنكروا.

١٥١

٢٣٦ ـ قوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١٥) ، وفى النحل : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ) (٤٩) ، وفى الحج : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ) (١٨) لأن ما (١) فى هذه السورة تقدم آية السجدة ذكر العلويات من البرق والسحاب والصواعق ، ثم ذكر الملائكة وتسبيحهم ، وذكر بآخره الأصنام والكفار ، فبدأ فى آية السجدة بذكر من فى السموات لذلك ، وذكر الأرض تبعا ، ولم يذكر (مَنْ) فيها استخفافا بالكفار والأصنام.

وأما فى الحج فقد تقدم ذكر المؤمنين وسائر الأديان ، فقدم ذكر من فى السموات تعظيما لهم ولها ، وذكر من فى الأرض لأنهم هم الذين تقدم ذكرهم.

وأما فى النحل فقد تقدم ذكر ما خلق الله على العموم ، ولم يكن فيه ذكر الملائكة ولا الإنس بالصريح ، فاقتضت الآية (ما فِي السَّماواتِ) فقال فى كل آية ما لاق بها.

٢٣٧ ـ قوله : (نَفْعاً وَلا ضَرًّا) (١٦) قد سبق.

٢٣٨ ـ قوله : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) (١٧) ، ليس بتكرار ، لأن التقدير : كذلك يضرب الله الحق والباطل الأمثال ، فلما اعترض بينهما (فأما ـ وأما) (٢) وأطال الكلام ، أعاد فقال : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) (١٧).

٢٣٩ ـ قوله : (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) (١٨). وفى المائدة (لِيَفْتَدُوا بِهِ) (٣٦) ، لأن لو وجوابها يتصلان بالماضى ، فقال فى هذه السورة : (لَافْتَدَوْا بِهِ).

__________________

(١) سقطت من أ.

(٢) يعنى قوله تعالى : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) [١٧].

١٥٢

وجوابه فى المائدة : (ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ) (٣٦) وهو بلفظ الماضى ، وقوله : (لِيَفْتَدُوا بِهِ) علة ، وليس بجواب.

٢٤٠ ـ قوله : (ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) «٢١ ، ٢٥» فى موضعين من هذه السورة. ليس بتكرار ، لأن الأول : متصل بقوله : (يَصِلُونَ) (٢١) وعطف عليه (وَيَخْشَوْنَ) (٢١) (١) ، والثانى : متصل بقوله : (يَقْطَعُونَ) (٢٥) (٢) وعطف عليه : (وَيُفْسِدُونَ).

٢٤١ ـ قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ) (٣٨) ، ومثله فى المؤمن (٧٨) ، ليس بتكرار. قال ابن عباس : عيّروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باشتغاله بالنكاح والتكثر منه ، فأنزل الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) (٣٨) (٣) بخلاف ما فى المؤمن فإن المراد منه : لست ببدع من الرسل (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) (٧٨).

٢٤٢ ـ قوله : (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ) (٤٠). مقطوع ، وفى سائر القرآن (وَإِمَّا) (٤) موصل ، وهو من اللهجات. وقد ذكر فى موضعه.

سورة إبراهيم

٢٤٣ ـ قوله : (وَيُذَبِّحُونَ) (٦) بواو العطف قد سبق والله أعلم.

٢٤٤ ـ قوله : (وَإِنَّا) (٩) بنون واحدة (٥) و : (تَدْعُونَنا) (٩) بنونين على القياس ، وقد سبق فى هود.

__________________

(١) من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ).

(٢) من قوله تعالى : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ).

(٣) الآية جاءت للنهى عن التبتل كما نقله القاشى عن الدارمى والنسائى والترمذى (المعتمد ورقة ٣٠١) ، وما أورده المؤلف ذكره القرطبى فى تفسيره ٧ / ٣٢٧ غير منسوب إلى ابن عباس.

وأخرجه النسائى ٦ / ٦٠ عن عائشة وأحمد فى المسند ٦ / ٩١ ، ٩٧ بنحوه ، والترمذى ٨ / ٩٣ بتحفة الأحوذى والدارمى بنحوه ٢ / ١٢٣.

(٤) يريد أن الأولى مركبة من إن وما.

(٥) فى قوله تعالى : (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ).

١٥٣

٢٤٥ ـ قوله : (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١١) ، وبعده : (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (١٢) ، لأن الإيمان سابق على التوكل ، لأن (عَلى) من صفة القدرة ، ولأن (مِمَّا كَسَبُوا) صفة لشىء ، وإنما قدم مما كسبوا فى هذه السورة ، لأن الكسب هو المقصود بالذكر ، فإن المثل ضرب للعمل ، يدل عليه ما قبله : (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ).

٢٤٦ ـ قوله تعالى : (لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) (١٨) وقال فى البقرة : (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) (٢٦٤) ، لأن الأصل ما فى البقرة.

٢٤٧ ـ قوله : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) (٣٢) ، وفى النمل : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) (٦٠) بزيادة (لَكُمْ) ، لأن (لَكُمْ) فى هذه السورة مذكور فى آخر الآية. فاكتفى بذكره ، ولم يكن فى النمل فى آخرها ، فذكر فى أولها ، وليس قوله : (فَما كانَ لَكُمْ) يكفى عن ذكره (١) ، لأنه نفى ولا يفيد معنى الأول.

سورة الحجر

٢٤٨ ـ قوله : (لَوْ ما تَأْتِينا) (٧) ، وفى غيرها : (فَلَوْ لا) «٣٤ : ٣» ، لأن (فَلَوْ لا) تأتى على وجهين :

أحدهما : امتناع الشيء لوجود غيره ، وهو الأكثر.

والثانى : بمعنى هلا ، وهو للتحضيض ، ويختص بالفعل ، ولو لا بمعناه ، وخصت هذه السورة بلو ما موافقة لقوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ) (٢) ، فإنها أيضا ممّا خصت به هذه السورة.

٢٤٩ ـ قوله : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً) (٢٨)

__________________

(١) فى ب : من ذكره.

١٥٤

هنا ، وفى ص (٧١) ، وفى البقرة : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ) (٣٠) ، ولا ثالث لهما ، لأن جعل إذا كان بمعنى خلق يستعمل فى الشيء يتجدد ويتكرر ، كقوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) «٦ : ١» ، لأنهما يتجددان زمانا بعد زمان ، وكذلك الخليقة ، يدل لفظه على أن بعضهم يخلف بعضا إلى يوم القيامة ، وخصت هذه السورة بقوله : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً) (٢٨) إذ ليس فى لفظ البشر ما يدل على التجدد والتكرار ، فجاء فى كل واحدة من السورتين ما اقتضاه ما بعده من الألفاظ.

٢٥٠ ـ قوله : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (٣٠) فى هذه السورة ، وفى ص (٧٣) ، لأنه لما بالغ فى السورتين فى الأمر بالسجود وهو قوله : (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) فى السورتين ، بالغ فى الامتثال فيهما فقال : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) لتقع الموافقة بين أولاها وأخراها. وباقى قصة آدم وإبليس سبق.

٢٥١ ـ قوله فى هذه السورة لإبليس : (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ) (٣٥) بالألف واللام ، وفى «ص» : (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي) (٧٨) بالإضافة ، لأن الكلام فى هذه السورة جرى على الجنس من أول القصة فى قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) (٢٦) و (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ) (٢٧) و (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ) (٣٠) ، كذلك قال : (عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ) ، وفى «ص» تقدم : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (٧٥) ، فختم بقوله : (عَلَيْكَ لَعْنَتِي) (٧٨).

٢٥٢ ـ قوله : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) (٤٧) (١) ، وزاد فى هذه السورة (إِخْواناً) ، لأنها نزلت فى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما سواها عام فى المؤمنين.

__________________

(١) الغل : الحقد ، غل صدره يغل (القاموس المحيط ٤ / ٦١).

١٥٥

٢٥٣ ـ قوله فى قصة إبراهيم : (فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) (٥٢) ، لأن هذه السورة متأخرة ، فاكتفى بها عمّا فى هود ، لأن التقدير : فقالوا : سلاما ، قال : سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ، فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ، قال : (إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ). فحذف للدلالة عليه.

٢٥٤ ـ قوله : (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) (٦٥) قد سبق.

٢٥٥ ـ قوله : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ) (٧٤) ، وفى غيرها (١) : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها) «١ : ٨٠». قال بعض المفسرين : عليهم. أى : على أهلها ، وقال بعضهم : على من شذ من القرية منهم.

قلت : وليس فى القولين ما يوجب تخصيص هذه السورة بقوله : (عَلَيْهِمْ) ، بل هو يعود على أول القصة ، وهو : (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) (٥٨) ، ثم قال : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (٢) (٧٤) فهذه لطيفة فاحفظها.

٢٥٦ ـ قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (٧٥) بالجمع ، وبعدها : (لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (٧٧) على التوحيد.

قال الخطيب : الأولى إشارة إلى ما تقدم من قصة لوط وضيف إبراهيم ، وتعرض قوم لوط لهم طمعا فيهم ، وقلب القرية على من فيها ، وإمطار الحجارة عليها وعلى من غاب منهم ، فختم بقوله : (لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) أى : لمن تدبر السمة ، وهى ما وسم الله به قوم لوط وغيرهم. قال : والثانية تعود إلى القرية وإنها لسبيل مقيم ، وهى واحدة ، فوحد الآية.

__________________

(١) وورد (أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ) فى غير هذه السورة فى الأعراف ، آية ٤ ، والشعراء ، آية ١٧٢ ، والنمل ، آية ٥٨. إذ كلام المؤلف يوهم أنها هنا فحسب.

(٢) سجيل : شديد كبير وهى ، وسجين واحد. قال تميم بن مقبل :

ورجلة يضربون البيض ضاحية. حتى تواصى به الأبطال سجينا (البحر المحيط ٦ / ٢٠٠ ، ولسان العرب ١٢ / ٣٢٧).

١٥٦

قلت : ما جاء من الآيات فلجمع الدلائل ، وما جاء من الآية فلوحدانية المدلول عليه. فلما ذكر عقيبه المؤمنون وهم المقرون بوحدانية الله تعالى وحد الآية ، وليس لها نظير فى القرآن إلّا فى العنكبوت ، وهو قوله تعالى : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (٤٤) ، فوحد بعد ذكر الجمع لما ذكرت والله أعلم.

سورة النّحل

٢٥٧ ـ قوله فيها فى موضعين : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) «١٢ ، ٧٩» بالجمع. وفى خمس مواضع : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) على الوحدة. أما الجمع فلموافقة قوله : (مُسَخَّراتٌ) فى الآيتين ، لتقع الموافقة فى اللفظ والمعنى ، وأما التوحيد فلتوحيد المدلول عليه.

ومن الخمس قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) (١٣) وليس له نظير ، وخص الذكر لاتصاله بقوله : (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) (١٣) ، فإن اختلاف ألوان الشيء وتغير أحواله يدل على صانع حكيم فما يشبهه شىء ، فمن تأمل فيها تذكر.

ومن الخمس (١) : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) «١١ ، ٦٩» فى موضعين ، وليس لهما نظير ، وخصّتا بالتفكر ، لأن الأولى : متصلة بقوله : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) (١١) وأكثرها للأكل ، وبه قوام البدن ، فيستدعى تفكرا وتأملا ، ليعرف به المنعم عليه فيشكر ، والثانية : متصلة بذكر النحل ، وفيها أعجوبة من انقيادها لأميرها ، واتخاذها البيوت على أشكال يعجز عنها الحاذق ، ثم تتبعها الزهر والطل (٢) من الأشجار ، ثم خروج ذلك

__________________

(١) وتمام الخمس قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [٦٥] ، و (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [٦٧].

(٢) يعنى السّكر فى قوله تعالى : (سَكَراً) وهو : اللذة ، والبهجة.

(لسان العرب ١٥ / ١٧).

١٥٧

من بطونها لعابا هو شفاء (١) ، فاقتضى ذلك ذكرا بليغا ، فختم الآية بالتفكير.

٢٥٨ ـ قوله : (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا) (١٤) ما فى هذه السورة جاء على القياس ، فإن الفلك المفعول الأول لترى ، ومواخر المفعول الثانى ، وفيه ظروف ، وحقّه التأخر ، والواو فى (وَلِتَبْتَغُوا) للعطف على لام العلّة فى قوله : (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ) (١٤) ، وأما فى الملائكة فقدم (فِيهِ) (١٢) موافقة لما قبله ، وهو قوله : (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) (١٢) فوافق تقديم الجار والمجرور على الفعل والفاعل ، ولم يزد الواو على (لِتَبْتَغُوا) ، لأن اللام فى لتبتغوا هنا لام العلّة ، وليس بعطف على شىء قبله : ثم إن قوله : (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) فى هذه السورة و (فِيهِ مَواخِرَ) فى فاطر ، اعتراض فى السورتين يجرى مجرى المثل ، ولهذا وحّد الخطاب (فِيهِ) (٢) ، وهو قوله : (وَتَرَى) ، وقبله وبعده جمع وهو قوله : (لِتَأْكُلُوا) ـ (وَتَسْتَخْرِجُوا) ـ (وَلِتَبْتَغُوا) (١٤) ، وفى الملائكة : (تَأْكُلُوا) ـ (تَسْتَخْرِجُونَ) (١٢) ، ومثله فى القرآن كثير : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا) «٥٧ : ٢٠» ، وكذلك : (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) «٤٨ : ٢٩» و (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) «٣٩ : ٧٥» ، وأمثاله. أى : لو حصرت أيها المخاطب لرأيته بهذه الصفة ، كما تقول : أيها الرجل وكلكم ذلك الرجل ، فتأمل فإن فيه دقيقة.

٢٥٩ ـ قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ (٣)

__________________

(١) حرّفت العبارة فى أ : هو لها شفاء.

(٢) سقطت من أ.

(٣) أساطير : أقاصيص.

١٥٨

الْأَوَّلِينَ) (٢٤) ، وبعده : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) (٣٠). إنما رفع الأول لأنهم أنكروا إنزال القرآن ، فعدلوا عن الجواب فقالوا : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ). والثانى من كلام المتقين ، وهو مقرون بالوحى والإنزال ، فقالوا : (خَيْراً). أى : أنزل خيرا ، فيكون الجواب مطابقا.

وخيرا نصب بأنزل ، وإن شئت جعلت خيرا مفعول القول ، أى : قالوا خيرا ، ولم يقولوا شرّا كما قالت الكفار ، وإن شئت جعلت خيرا صفة مصدر محذوف ، أى : قالوا قولا خيرا. وقد ذكرت مثله ما زاد فى موضعها.

٢٦٠ ـ قوله : (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (٢٩) ليس له فى القرآن نظير. الفاء للعطف على فاء التعقيب فى قوله : (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) (٢٩) واللام للتأكيد ، يجرى مجرى القسم موافقة لقوله : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) (٣٠) وليس له نظير ، وبينهما (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) (٣٠).

٢٦١ ـ قوله : (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) (٣٤) هنا ، وفى الجاثية (٣٣) (١) ، وفى غيرهما (ما كَسَبُوا) «٣٩ : ٥١» ، لأن العمل أعم من الكسب ، ولهذا قال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٩٩) : (٧ ، ٨). وخصت هذه السورة لموافقة ما قبله ، وهو قوله : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٨) ، ولموافقة ما بعده ، وهو قوله : (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) (١١١) ، وفى الزمر (٧٠) ، وليس لها نظير.

__________________

(١) فى الجاثية : (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) وشاهد التكرار بين : (ما عَمِلُوا) ـ (ما كَسَبُوا).

١٥٩

٢٦٢ ـ قوله : (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) (٣٥) قد سبق.

٢٦٣ ـ قوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ) (٤٩) قد سبق.

٢٦٤ ـ قوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ) قد سبق أيضا.

٢٦٥ ـ قوله : (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٥٥) ، ومثله فى الروم (٣٤) ، وفى العنكبوت : (وَلِيَتَمَتَّعُوا (١) فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٦٦) باللام والياء ، أما التاء فى السورتين فإضمار القول ، أى : قل لهم تمتعوا ، كما فى قوله : (قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) «١٤ : ٣» ، وكذلك : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) «٣٠ : ٨». وخصت هذه بالخطاب بقوله : (إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ) (٥٤) وألحق ما فى الروم به (٢).

وأما فى العنكبوت فعلى القياس ، عطف على اللام قبله ، وهى للغائب (٣).

٢٦٦ ـ قوله : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) (٦١) ، وفى الملائكة : (بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) (٤٥). الهاء فى هذه السورة كناية عن الأرض ، ولم يتقدم ذكرها ، والعرب تجوز ذلك فى كلمات منها : الأرض ، تقول : فلان أفضل من عليها. ومنها : السماء ، تقول : فلان أكرم من تحتها. ومنها : الغداء (تقول) : إنها اليوم لباردة. ومنها : الأصابع ، تقول : والذى شقهن خمسا من واحدة ، يعنى الأصابع من اليد. وإنما جوزوا ذلك لحصولها بين يدى كل متكلم وسامع.

__________________

(١) فى أ ، ب (وَتَمَتَّعُوا) خطأ.

(٢) فى الروم : (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) [٣٣] وألحق بالخطاب.

(٣) وهى فى قوله تعالى : (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا) الآية.

١٦٠