أسرار التكرار في القرآن

محمود بن حمزة بن نصر الكرماني

أسرار التكرار في القرآن

المؤلف:

محمود بن حمزة بن نصر الكرماني


المحقق: عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفضيلة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٩

المؤمنون (١) تقدم ذكر نوح ضمنا فى قوله : (وَعَلَى الْفُلْكِ) (٢٢) ، لأنه أول من صنع الفلك ، فعطف فى السورتين بالواو.

١٣٠ ـ قوله : (أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ) (٥٩) بالفاء فى هذه السورة ، وكذلك فى المؤمنون فى قصة نوح : (فَقالَ) (٢٣) ، وفى هود فى قصة نوح : (إِنِّي لَكُمْ) (٢٥) بغير (قالَ) ، وفى هذه السورة فى قصة عاد بغير فاء (٢) ، لأن إثبات الفاء هو الأصل ، وتقديره : أرسلنا نوحا فجاء فقال. فكان فى هذه السورة والمؤمنون على ما يوجبه اللفظ.

وأما فى هود فالتقدير : فقال إنى. فأضمر قال ، وأضمر معه الفاء ، وهذا كما قلنا فى قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) «٣ : ١٠٦» أى فيقال لهم : أكفرتم. فأضمر الفاء والقول معا.

وأما قصة عاد فالتقدير : وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودا فقال. فأضمر (أَرْسَلْنا) ، وأضمر الفاء لأن داعى الفاء أرسلنا.

١٣١ ـ قوله : (قالَ الْمَلَأُ) (٦٦). بغير فاء فى قصة نوح وهود فى هذه السورة ، وفى سورة هود والمؤمنون : (فَقالَ) (بالفاء) (٣) ، لأن ما فى هذه السورة فى السورتين لا يليق بالجواب ، وهو قولهم لنوح : (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٦٠) ، وقولهم لهود : (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) «٧ : ٦٦» بخلاف السورتين ، فإنهم أجابوا فيهما بما زعموا أنه جواب (٤).

١٣٢ ـ قوله : (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ) (٦٢) فى

__________________

(١) فى أ : وقى نوح. خطأ.

(٢) وهو قوله : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ) [٦٥].

(٣) سقطت من ب.

(٤) وهو قولهم فى هود : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) [٢٧] ، وفى المؤمنون : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [٢٤].

١٢١

قصة نوح. وقال فى قصة هود : (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) (٦٨) ، لأن ما فى هذه الآية : (أُبَلِّغُكُمْ) بلفظ المستقبل ، فعطف عليه (أَنْصَحُ لَكُمْ) كما فى الآية الأخرى : (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) «٧ : ٧٩». فعطف الماضى ، لكن فى قصة هود قابل باسم الفاعل على قولهم له : (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٦٦) ليقابل الاسم بالاسم.

١٣٣ ـ قوله : (أُبَلِّغُكُمْ) (٦٢) فى قصة نوح وهود بلفظ المستقبل ، وفى قصة صالح وشعيب : (أَبْلَغْتُكُمْ) «٧٩ ، ٩٣» بلفظ الماضى ، لأن فى قصة نوح وهود وقع فى ابتداء الرسالة ، وفى قصة صالح وشعيب وقع فى آخر الرسالة ودنوّ العذاب ، ألا تسمع قوله : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) فى القصتين؟

١٣٤ ـ قوله : (رِسالاتِ رَبِّي) فى جميع القصص ، إلّا فى قصة صالح فإن فيها : (رِسالَةَ) (٧٩) على الواحدة ، لأنه سبحانه حكى عنهم بعد الإيمان بالله والتقوى أشياء أمروا قومهم بها ، إلّا فى قصة صالح ، فإن فيها ذكر الناقة فصار كأنها رسالة (١) واحدة ، وقوله : (بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) «٧ : ١٤٤». مختلف فيها (٢).

١٣٥ ـ قوله : (فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) (٦٤). وفى يونس : (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) (٧٣) ، لأن أنجينا ونجينا للتعدى ، لكن التشديد يدل على الكثرة والمبالغة فكان فى يونس (وَمَنْ مَعَهُ) ، ولفظ (مَنْ) يقع على كثرة مما يقع عليه (الَّذِينَ) لأن من يصلح للواحد والتثنية والجمع ، والمذكر والمؤنث ، بخلاف الذين ، فإنه (٣) لجمع

__________________

(١) فى أ : كأنه رسالة.

(٢) قرأ نافع وابن كثير المكى (برسالتى). انظر : (تفسير القرطبى ٧ / ٢٨٠).

(٣) فى ب : لأنه.

١٢٢

المذكر فحسب ، فكان التشديد (مع من) (١) أليق.

١٣٦ ـ قوله فى هذه السورة : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧٣) ، وفى هود : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ) (٦٤) ، وفى الشعراء : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٥٦) ، لأنه فى هذه السورة بالغ فى الوعظ ، فبالغ فى الوعيد ، فقال : (عَذابٌ أَلِيمٌ) ، وفى هود لما اتصل بقوله : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) (٦٥) وصفه بالقرب فقال : (عَذابٌ قَرِيبٌ) ، وزاد فى الشعراء ذكر اليوم ، لأنه قبله : (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (١٥٥) ، فالتقدير : لها شرب يوم معلوم ، فختم الآية بذكر اليوم فقال : (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

١٣٧ ـ قوله : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (٧٨) على الوحدة ، وقال : (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) «١١ : ٩٤» حيث (ذكر الرجفة وهى الزلزلة) (٢) ، وحد الدار. وحيث ذكر الصيحة جمع ، لأن الصيحة كانت من السماء ، فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة ، فاتصل كل واحد بما هو لائق به.

١٣٨ ـ قوله : (ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) (٧١) فى هذه السورة (نَزَّلَ) وفى غيرها (أَنْزَلَ) «١٢ : ٤٠» ، لأن أفعل كما ذكرت آنفا للتعدى ، وفعل للتعدى والتكثير ، فذكر فى الموضع الأول بلفظ المبالغة ليجرى مجرى ذكر الجملة والتفصيل ، وذكر الجنس والنوع ، فيكون الأول كالجنس وما سواه كالنوع.

١٣٩ ـ قوله : (وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) (٧٤) فى هذه

__________________

(١) ساقطة من ب.

(٢) ما بين الحاصرين سقط من ب.

١٢٣

السورة ، وفى غيرها (مِنَ الْجِبالِ) «١٥ : ٨٢ و ٢٦ : ١٤٩» ، لأن فى هذه السورة تقدمه (مِنْ سُهُولِها قُصُوراً) (٧٤) فاكتفى بذلك.

١٤٠ ـ قوله : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (٨٤) فى هذه (السورة) ، وفى غيرها : (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) «٢٧ : ٥٨» ، لأن فى هذه السورة وافق ما بعده ، وهو قوله : (وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (٨٦).

١٤١ ـ قوله : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) (٨٠) بالاستفهام ، وهو استفهام تقريع وتوبيخ وإنكار. وقال بعده : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) (٨١) فزاد مع الاستفهام (إِنَ) لأن التقريع والتوبيخ والإنكار فى الثانى أكثر ، ومثله فى النمل : (أَتَأْتُونَ) (٥٤). وبعده (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) (٢٩) فجمع بين : إن ، وأئن ، وذلك لموافقة آخر القصة ، فإن فى الآخرة : (إِنَّا مُنَجُّوكَ) (٣٣) ، (إِنَّا مُنْزِلُونَ) (٣٤) فتأمل فيه فإنه صعب المستخرج (١).

١٤٢ ـ قوله : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (٨١) ، فى هذه السورة بلفظ الاسم ، وفى النمل : (قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (٥٥) بلفظ الفعل ، لأن (٢) كل إسراف جهل ، وكل جهل إسراف (٣) ، ثم ختم الآية بلفظ الاسم موافقة لرءوس الآيات التى تقدمت ، وكلها أسماء (الْعالَمِينَ) (٨٠) ، (النَّاصِحِينَ) (٧٩) و (جاثِمِينَ(٤)) (٧٨) و (الْمُرْسَلِينَ) (٧٧) و (كافِرُونَ) (٧٦) و (مُؤْمِنُونَ) (٧٥) و (مُفْسِدِينَ) (٧٤) ،

__________________

(١) صعب استخراجه لأن جميع القصص المذكورة لم يأت الجزاء فيها مؤكدا ، فقد جاء فى الأعراف : (فَأَنْجَيْناهُ) [٦٤] ، وفى النمل : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ) [٥٧] ، أما فى العنكبوت فالجزاء : (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) [٣٣] ، و (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً) [٣٤]. فاقتضى تكرار التأكيد لمعنى التقريع مرتين : إحداهما بالاستفهام الإنكارى وإن.

(٢) فى أ : أو لأن. زيادة لا معنى لها.

(٣) يعتبر الجهل إسرافا على النفس من حيث حرمانها من العلم والنظر ، وتعريفها بالحدود.

(٤) فى أ : وقع (جاثِمِينَ) بعد (الْمُرْسَلِينَ) وهو مخالف للترتيب.

١٢٤

وفى النمل وافق ما قبلها من الآيات وكلها أفعال : (تُبْصِرُونَ) ـ (يَتَّقُونَ) ـ (يَعْلَمُونَ) (١).

١٤٣ ـ قوله : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) (٨٢) بالواو فى هذه السورة ، وفى غيرها (٢) : (فَما) بالفاء ، لأن ما قبله اسم ، والفاء للتعقيب ، والتعقيب يكون مع الأفعال ، فقال فى النمل : (تَجْهَلُونَ. فَما كانَ) «٥٥ ، ٥٦» ، وكذلك فى العنكبوت فى هذه القصة : (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ) (٢٩) وفى هذه السورة : (مُسْرِفُونَ. وَما كانَ) «٨١ ، ٨٢» (٣).

وفى هذه السورة : (أَخْرِجُوهُمْ) (٨٢) (٤) ، وفى النمل : (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ) (٥٦) ولأن ما فى هذه السورة كناية فسّرها فى السورة التى بعدها. وفى النمل قال الخطيب : سورة النمل نزلت قبل هذه السورة ، فصرّح فى الأولى وكنّى فى الثانية.

١٤٤ ـ قوله : (كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) (٨٣) فى هذه السورة ، وفى النمل : (قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) (٥٧) (أى : كانت فى علم الله من الغابرين فقدّرناها من الغابرين. وعلى وزن قول الخطيب : قدّرناها من الغابرين) (٥) فصارت من الغابرين. وكان بمعنى صار وقد فسر (كانَ مِنَ الْجِنِ) «١٨ : ٥٠» بالوجهين.

١٤٥ ـ قوله : (بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) (١٠١) فى هذه السورة ، وفى يونس : (بِما كَذَّبُوا بِهِ) (٧٤) ولأن أول القصة فى هذه السورة : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا ...) (٩٦) ، وفى الآية : (... وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ) (٩٦) وليس بعدها الباء ، فختم القصة بمثل ما بدأ به ، وكذلك فى يونس وافق ما قبله : (فَكَذَّبُوهُ

__________________

(١) سقطت (يَعْلَمُونَ) من ب.

(٢) وذلك فى سورة النمل آية ٥٨ ، والعنكبوت آية ٢٩.

(٣) سقطت (وما كان) من ب.

(٤) ما بين الحاصرين سقط من أ.

(٥) ما بين الحاصرين سقط من ب.

١٢٥

فَنَجَّيْناهُ) (٧٣) ، (كَذَّبُوا بِآياتِنا) (٧٣) فختم بمثل ذلك فقال : (بِما كَذَّبُوا بِهِ) (٧٤).

وذهب بعض أهل العلم إلى أن ما فى حق العقلاء (١) من التكذيب فبغير الباء نحو قوله : (فَكَذَّبُوا رُسُلِي) و (فَكَذَّبُوهُ) وغيره. وما فى حق غيرهم ب (باء. نحو) (٢) (كَذَّبُوا بِآياتِنا) وغيرها ، وعند المحققين تقديره : فكذبوا رسلنا برد آياتنا حيث وقع.

١٤٦ ـ قوله : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ) (١٠١) ، وفى يونس : (نَطْبَعُ) (٧٤) بالنون ، لأن فى هذه السورة قدّم ذكر الله سبحانه بالصريح (٣) والكناية ، فجمع بينهما فقال : (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) (١٠٠) بالنون وختم الآية بالصريح فقال : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ). وأما فى يونس فمبنى (٤) على ما قبله من قوله : (فَنَجَّيْناهُ) (٧٣) (٥) ، (وَجَعَلْناهُمْ) (٧٣) و (ثُمَّ بَعَثْنا) (٧٤) بلفظ الجمع ، فختم بمثله فقال : (كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) (٧٤).

١٤٧ ـ قوله : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) (١٠٩) ، وفى الشعراء : (قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ) (٢٥) ، لأن التقدير فى هذه الآية : قال الملأ من قوم فرعون وفرعون بعض لبعض. فحذف فرعون لاشتمال الملأ من آل فرعون. فحذف فرعون ، لأن آل فرعون اشتمل على اسمه ، فالقائل هو فرعون وحده (٦) بدليل الجواب وهو : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) (١١١) (٧) بلفظ التوحيد والملأ هم المقول

__________________

(١) حرفت الكلمة فى ب إلى (العقد).

(٢) ما بين الحاصرين سقط من ب.

(٣) فى ب : بالتصريح.

(٤) فى ب : فمشى.

(٥) فى أ : (فنجيناهم) خطأ.

(٦) فى أ : فرعون واحد.

(٧) (قالُوا) أى الملأ من أتباع فرعون : (أَرْجِهْ) ردا على قوله : (لَساحِرٌ عَلِيمٌ. يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ) [١١٠] وهذا دليل على أن القائل هو فرعون وحده ، لا الملأ.

١٢٦

لهم ، إذ ليس فى الآية مخاطبون بقوله : (يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) (١١٠) غيرهم. فتأمل فيه فإنه برهان للقرآن شاف.

١٤٨ ـ قوله : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ) (١١٠) ، وفى الشعراء : (مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) (٣٥) ، لأن الآية الأولى فى هذه السورة بنيت على الاقتصار ، وكذلك الآية الثانية ، ولأن لفظ الساحر يدل على السحر.

١٤٩ ـ قوله : (وَأَرْسِلْ) (١١١) ، وفى الشعراء : (وَابْعَثْ) (٣٦) ، لأن الإرسال يفيد معنى البعث ، ويتضمن نوعا من العلو ، لأنه يكون من فوق ، فخصصت هذه السورة به لما التبس ، ليعلم أن المخاطب به فرعون دون غيره.

١٥٠ ـ قوله : (بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) (١١٢) ، وفى الشعراء : (بِكُلِّ سَحَّارٍ) (٣٧) ، لأنه راعى ما قبله فى هذه السورة وهو قوله :(إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) (١٠٩) وراعى فى الشعراء الإمام فإنه فيه :(بِكُلِّ سَحَّارٍ) ، بالألف. وقرئ فى هذه السورة (سَحَّارٍ) أيضا طلبا للمبالغة ، وموافقة لما فى الشعراء.

١٥١ ـ قوله : (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا) (١١٣) ، وفى الشعراء : (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ) (٤١) ، لأن القياس فى هذه السورة ، فلما جاء السحرة فرعون قالوا ، أو فقالوا ، لا بدّ من ذلك. لكن أضمر فيه (فَلَمَّا) فحسن حذف الفاء ، وخص هذه السورة بإضمار فلما ، لأن ما فى هذه السورة وقع على الاختصار والاقتصار على ما سبق. وأما تقديم فرعون وتأخيره فى الشعراء فلأن التقدير فيهما : فلما جاء السحرة فرعون قالوا لفرعون ، فأظهر الأول فى هذه السورة ، لأنها الأولى ، وأضمر الثانى فى الشعراء ، لأنها الثانية.

١٥٢ ـ قوله : (قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (١١٤) ، وفى الشعراء (إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٤٢) ، لأن (إِذاً) فى هذه

١٢٧

السورة مضمرة مقدرة ، لأن إذا جزاء ، ومعناه : إن غلبتم قربتكم ورفعت منزلتكم ، وخص هذه السورة بالإضمار اختصارا.

١٥٣ ـ قوله : (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) (١١٥) ، وفى طه : (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) (٦٥). راعى فى السورتين أواخر الآى (١) ، ومثله : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) فى السورتين (٢) ، وفى طه : (سُجَّداً) (٧٠) ، وفى السورتين أيضا (آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٣) وليس فى طه : (رَبُّ الْعالَمِينَ) (٤) ، وفى السورتين : (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) (٥) ، وفى هذه : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ، لَأُقَطِّعَنَ) «١٢٣ ، ١٢٤» ، وفى الشعراء : (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَ) (٤٩) ، وفى طه : (فَلَأُقَطِّعَنَ) (٧١) ، وفى السورتين : (لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) (٦) ، وفى طه : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) (٧١) وهذا كله مراعاة لفواصل الآى ، لأنها مرعية تنبنى عليها مسائل كثيرة.

١٥٤ ـ قوله فى هذه السورة : (آمَنْتُمْ بِهِ) (١٢٣) ، وفى

__________________

(١) أواخر الآى فى هذه السورة : (الْغالِبِينَ) ـ (الْمُلْقِينَ) ـ (عَظِيمٌ) ـ (يَأْفِكُونَ).

وفى طه : (النَّجْوى) ـ (الْمُثْلى) ـ (اسْتَعْلى) ـ (أَلْقى) ـ (تَسْعى).

(٢) أى فى سورة الأعراف ، آية ١٢٠ ، وفى سورة الشعراء ، آية ٤٦.

(٣) فى الأعراف ، آية ١٢١ ، وفى الشعراء ، آية ٤٧.

(٤) ولكنها هنا : (بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) [٧٠].

(٥) فى الأعراف ، آية ١٢٢ ، والشعراء ، آية ٤٨.

(٦) فى الأعراف : (ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) [١٢٤] ، وفى الشعراء : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) [١٤٩] ، وفى أ : (فَلَأُقَطِّعَنَ) خطأ. والملاحظ أن فى الأعراف (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَ). والتسويف فى الآيتين ، لأن مراد فرعون قتل السحرة المؤمنين وذرياتهم أجمعين ، وفى طه ليس فيه ما يدل على استقصائهم ، بل فيه أنه سيوقع عقوبة عاجلة بهم والله أعلم ، وإنما اقترنت لام القسم بالتسويف فى الشعراء ، لأنه سبقها (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ. لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ) [٣٩ ، ٤٠].

فلما غلب موسى السحرة وآمنوا اقتضى تأكيد العقوبة مستقبلا ، لئلا يتبع الناس السحرة إيمانهم ـ والله أعلم.

١٢٨

السورتين : (آمَنْتُمْ لَهُ) لأن (الضمير) هنا يعود إلى رب العالمين ، وهو المؤمن به بحانه وفى السورتين يعود إلى موسى (وهو المؤمن له) ، لقوله : (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ) ، وقيل : آمنتم به وآمنتم له واحد.

١٥٥ ـ قوله : (قالَ فِرْعَوْنُ) (١٢٣) ، وفى السورتين : (قالَ آمَنْتُمْ) ، لأن هذه السورة متعقبة على السورتين ، فصرّح فى الأولى وكنّى فى الأخريين وهو القياس. قال الخطيب : لأن فى هذه السورة بعد عن ذكر فرعون بآيات فصرّح ، وقرب فى السورتين من ذكره فكنّى.

١٥٦ ـ قوله : (ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ) (١٢٤) ، وفى السورتين : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ) ، لأن ثم تدل على أن الصلب يقع بعد التقطيع ، وإذا دل فى الأولى ، علم فى غيرها ، ولأن موضع الواو تصلح له ثمّ.

١٥٧ ـ قوله : (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) (١٢٥) ، وفى الشعراء : (لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) (٥٠) بزيادة (لا ضَيْرَ) ، لأن هذه السورة اختصرت فيها هذه القصة ، وأشبعت فى الشعراء ، وذكر فيها أول أحوال موسى مع فرعون إلى آخرها ، فبدأ بقوله : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) (١٨) ، وختم بقوله : (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) (٦٦) ، فلهذا وقع فيها زوائد لم تقع فى الأعراف وطه ، فتأمل وتدبر تعرف إعجاز القرآن (١).

١٥٨ ـ قوله : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ) (١٤١) بغير واو على البدل وقد سبق.

١٥٩ ـ قوله : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) (١٧٨) بإثبات الياء على الأصل ، وفى غيرها بغير ياء على التخفيف (٢).

__________________

(١) وفائدة قوله تعالى : (لا ضَيْرَ) فى الشعراء ، وهى السورة التى وقع فيها استقصاء القصة : أن العذاب الذى حاول فرعون إنزاله بالسحرة المؤمنين لا ضير منه ، لأنه ساعة ينقلبون بعدها إلى الله فى النعيم المقيم. ولكن الضير يقع على فرعون أبدا فى الآخرة.

انظر : (درة التنزيل ص ١٨٠).

(٢) وسبب تكرار هذه الآية : التنبيه على أن الهداية من الله أولا وسبيلها اتباع ما أرشد الله إليه ، أما العمل بمقتضى الفكر دون ميزان الشرع فهو الضلال.

١٢٩

١٦٠ ـ قوله : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (١٨٨) فى هذه السورة ، وفى يونس : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (٤٩) ، لأن أكثر ما جاء فى القرآن من لفظى الضر والنفع معا جاء بتقديم لفظ الضر على النفع ، لأن العابد يعبد معبوده خوفا من عقابه أولا ، ثم طمعا فى ثوابه ثانيا ، يقويه قوله : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) «٣٢ : ١٦» وحيث تقدم النفع على الضر تقدم لسابقة لفظ تضمن نفعا ، وذلك فى ثمانية مواضع ، ثلاثة منها بلفظ الاسم. وهى : هاهنا ، والرعد ، وسبأ (١) ، وخمسة بلفظ الفعل ، وهى فى الأنعام : (يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) (٧١) ، وآخر فى يونس : (ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) (١٠٦) ، وفى الأنبياء : (ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ) (٦٦) ، وفى الفرقان : (ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ) (٥٥) ، وفى الشعراء : (يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ) (٧٣).

أما فى هذه السورة فقد تقدمه : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ ...) (١٧٨) فقدم الهداية على الضلالة ، وبعد ذلك :(لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) (١٨٨) ، فقدم الخير على السوء ، فلذلك قدم النفع على الضر.

وفى الرعد : (طَوْعاً وَكَرْهاً) (١٥) فقدم الطوع ، وفى سبأ : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) (٣٦) فقدم البسط.

وفى يونس قدّم الضر على الأصل ، ولموافقة ما قبلها : (ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) (١٨) وفيها : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ) (١٢) فيكون فى الآية ثلاث مرات.

وكذلك ما جاء بلفظ الفعل فلسابقة معنى يتضمن فعلا.

__________________

(١) فى الرعد : (أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) [١٦] ، وفى سبأ : (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) [٤٢].

١٣٠

أما سورة الأنعام ففيها : (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) (٧٠) ثم وصلها بقوله : (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) (٧١) ، وفى يونس تقدمه قوله : (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٣) ، ثم قال : (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) (١٠٦) ، وفى الأنبياء تقدم فى الكفار لإبراهيم فى المجادلة : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ. قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ) «٦٥ ، ٦٦» ، وفى الفرقان تقدمه قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) (٤٥). وعدّ نعما جمّة فى الآيات ، ثم قال : (يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ) (٥٥). فتأمل فإنه برهان القرآن.

١٦١ ـ قوله : (وَخِيفَةً) (٢٠٥) ذكرت فى المتشابه وليست منه ، لأنها من الخوف. و (خفية) (١) من قوله تعالى : (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) من خفى الشيء إذا استتر.

سورة الأنفال

١٦٢ ـ قوله : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى) (١٠) ، وقوله : (وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ) (١٣) ، وقوله : (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) (٣٩) وقد سبق (٢).

__________________

(١) سورة الأنعام ، آية ٦٣. ووردت كذلك فى سورة الأعراف ، آية ٥٥ : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً).

ملحق :

(٢) لم يذكر المؤلف قوله تعالى فى الأنفال : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) [٣٥] ، وفى الأعراف : (بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) [٣٩] ، لأن ما فى الأعراف جاء بعد مناقشة بين أهل النار ، وادعاء كل فريق أن على غيره ضعف العذاب بما أضله ، يعنى على قدر اكتسابه من الإثم فناسب (تَكْسِبُونَ). أما الأنفال فما قبلها خاص بالكفار وصلاتهم عند البيت ، وهم كفار قريش ، وليس فيه ما يدل على زيادة كسب على كسب ، فجاء على الأصل (تَكْفُرُونَ). انظر : (درة التنزيل ص ١٨٨).

١٣١

١٦٣ ـ قوله : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) (٥٢) ، ثم قال بعد آية : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) (٥٤). قال الخطيب : قد أجاب فيها بعض أهل النظر بأن قال : ذكر فى الآية الأولى عقوبته إياهم عند الموت كما فعله بآل فرعون ومن قبلهم من الكفار ، وذكر فى الثانية ما يفعل بهم بعد الموت كما فعله بآل فرعون ومن قبلهم ، فلم يكن تكرارا.

قال الخطيب : والجواب عندى :

أن الأول : إخبار عن عذاب لم يمكن الله أحدا من فعله ، وهو : ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند نزع أرواحهم.

والثانى : إخبار عن عذاب مكّن الناس من فعل مثله ، وهو الإهلاك ، والإغراق.

قلت : وله وجهان آخران محتملان :

أحدهما : كدأب آل فرعون فيما فعلوا.

والثانى : كدأب آل فرعون فيما فعل بهم ، فهم فاعلون على الأول ، ومفعولون فى الثانى.

والوجه الآخر : أن المراد بالأول كفرهم بالله ، وبالثانى تكذيبهم بالأنبياء ، لأن تقدير الآية : كذبوا الرسل بردهم آيات الله.

وله وجه آخر ، وهو : أن يجعل الضمير فى (كَفَرُوا) لكفار قريش على تقدير : كفروا بآيات الله كدأب آل فرعون. وكذلك الثانى : كذبوا بآيات ربهم كدأب آل فرعون.

١٦٤ ـ قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) (٧٢) فى هذه السورة بتقديم (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ). وفى براءة بتقديم : (فِي سَبِيلِ اللهِ) (٢٠) ؛ لأن فى هذه السورة تقدم ذكر المال والفداء والغنيمة فى قوله : (تُرِيدُونَ عَرَضَ

١٣٢

الدُّنْيا) (٦٧) ، (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ) (٦٨) أى من الفداء ، (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ) (٦٩) فقدم ذكر المال ، وفى براءة تقدم ذكر الجهاد وهو قوله : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) (١٦) ، وقوله : (كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) (١٩). فقدم ذكر الجهاد فى هذه الآى فى هذه السورة ثلاث مرات ، فأورد فى الأولى : (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، وحذف من الثانية : (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) اكتفاء بما فى الأولى ، وحذف من الثالثة : (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) ، وزاد حذف (فِي سَبِيلِ اللهِ) (اكتفاء بما فى الآيتين قبلها) (١).

سورة التّوبة

١٦٥ ـ قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) «٢ ، ٣». ليس بتكرار ، لأن الأول للمكان ، والثانى للزمان ، وقد تقدم ذكرهما فى قوله : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) (٢).

١٦٦ ـ قوله : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) (١١). ليس بتكرار ، لأن الأول : فى الكفار ، والثانى : فى اليهود فيمن حمل قوله : (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) (٩) على التوراة. وقيل : هما فى الكفّار ، وجزاء الأول : تخلية سبيلهم ، وجزاء الثانى : إثبات الأخوة لهم ، والمعنى بإثبات الله القرآن (٢).

١٦٧ ـ قوله : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) (٧) ، ثم ذكر بعده : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) (٨) (٣). واقتصر عليه ، فذهب بعضهم إلى أنه

__________________

(١) ما بين الحاصرين سقط من أ.

(٢) وذلك لأن الجزاء فى الآية الأولى رقم [٥] قوله : (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) وفى رقم [١٠] قوله : (فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ). والأخوة فى الدين إثبات للقرآن ضمنا.

(٣) الإل : العهد ، أو الحلف ، والذمة : اليمين أو الحرمة. (القرطبى ٨ / ٨٩).

١٣٣

تكرار للتأكيد ، واكتفى بذكر (كَيْفَ) عن الجملة بعده ، لدلالة الأولى عليه. وقيل : تقديره : كيف لا تقتلونهم ، فلا يكون من التكرار فى شىء.

١٦٨ ـ قوله : (لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) (٨) ، وقوله : (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) (١٠) ، الأول : للكفار ، والثانى : لليهود. وقيل : ذكر الأول وجعل جزاء للشرط ، ثم أعاد ذلك تقبيحا لهم فقال : (ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) فلا يكون تكرارا محضا.

١٦٩ ـ قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) (٢٠). إنما قدم (فِي سَبِيلِ اللهِ) فى هذه السورة لموافقة قوله قبله : (وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ) (١٩) وقد سبق ذكره فى الأنفال ، وقد جاء بعده فى موضعين : (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، ليعلم أن الأصل ذلك ، وإنما هاهنا لموافقة ما قبله فحسب.

١٧٠ ـ قوله : (كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ) (٥٤) بزيادة باء ، وبعده : (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا) «٨٠ ، ٨٤» (١) بغير باء فيهما ، لأن الكلام فى الآية الأولى إيجاب بعد نفى ، وهو الغاية فى باب التأكيد ، وهو قولهم : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ) (٥٤). فأكّد المعطوف أيضا ، فالباء ليكون الكل فى التأكيد على منهاج واحد ، وليس كذلك الآيتان بعده ، فإنهما خلتا من التأكيد.

١٧١ ـ قوله : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ) (٥٥) بالفاء ، وقال فى

__________________

(١) ما بين الحاصرين سقط من ب.

١٣٤

الآية الأخرى : (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ) (٨٥) بالواو ، لأن الفاء تتضمن معنى الجزاء ، والفعل الذى قبله مستقبل يتضمن معنى الشرط ، وهو قوله : (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) (٥٤). أى : إن يكن منهم ذلك فما ذكر جزاؤهم ، فكان الفاء هاهنا أحسن موقعا من الواو ، والتى بعدها جاء قبلها : (كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا) (٨٤) بلفظ الماضى وبمعناه ، والماضى لا يتضمن معنى الشرط ، ولا يقع من الميت فعل ، فكان الواو أحسن.

١٧٢ ـ قوله : (وَلا أَوْلادُهُمْ) (٥٥) بزيادة (لا) ، وقال فى الأخرى : (وَأَوْلادُهُمْ) (٨٥). بغير (لا) ، لأنه لمّا أكّد الكلام الأول بالإيجاب بعد النفى وهو الغاية ، وعلق الثانى بالأول تعليق الجزاء بالشرط ، اقتضى الكلام الثانى من التوكيد ما اقتضاه الأول ، فأكد معنى النهى بتكرار (لا) فى المعطوف.

١٧٣ ـ وقوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) (٥٥) ، وقال فى الأخرى : (أَنْ يُعَذِّبَهُمْ) (٨٥) ، لأن (أَنْ) فى هذه الآية مقدرة ، وهى الناصبة للفعل فصار فى الكلام هاهنا زيادة كزيادة (الباء ، ولا) فى الآية.

١٧٤ ـ قوله : (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٥٥) ، وفى الآية الأخرى : (فِي الدُّنْيا) (٨٥) ، لأن الدنيا صفة الحياة فى الآيتين ، فأثبت الموصوف والصفة فى الأولى ، وحذف الموصوف فى الثانية ، اكتفاء بذكره فى الأولى (١) ، وليس الآيتان مكرّرتين ، لأن الأولى فى قوم ،

__________________

(١) فى الأصول : وهو أن المحذوف فى هذه الآية محذوف. والمثبت عن (البحر المحيط ٥ / ٨١) وعن السياق. وقدره أبو حيان : إنما يريد الله ابتلاءهم بالأموال والأولاد ليعذبهم. وهو أوضح.

ويرى أبو حيان أنه ليس تكرارا ، لأن الآيتين فى فريقين من المنافقين ، وقيل : أراد بالأولى لا تعظمهم فى حال حياتهم ولا بعد مماتهم (المصدر السابق).

١٣٥

والثانية فى آخرين ، وقيل : الأولى فى اليهود ، والثانية فى المنافقين.

وجواب آخر : وهو أن المفعول فى هذه الآية محذوف (١) ، أى أن يزيد فى نعمائهم بالأموال والأولاد ليعذبهم بها فى الحياة الدنيا. والآية الأخرى إخبار عن قوم ماتوا على الكفر ، فتعلقت الإرادة بما هم فيه ، وهو العذاب.

١٧٥ ـ قوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) (٣٢) ، وفى الصف : (لِيُطْفِؤُا) (٨). هذه الآية تشبه قوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ) (٨٥) ، و (لِيُعَذِّبَهُمْ) (٥٥). حذف اللام من الآية الأولى ، لأن مرادهم إطفاء نور الله بأفواههم ، والمراد الذى هو المفعول به فى الصف مضمر ، تقديره : ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب ليطفئوا نور الله ، واللام لام العلة ، وذهب بعض النحاة إلى أن الفعل محمول على المصدر ، أى : إرادتهم لإطفاء نور الله.

١٧٦ ـ قوله : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٧٢) هذه الكلمات تقع على وجهين :

أحدهما : (ذلِكَ الْفَوْزُ) بغير (هُوَ) وهو فى القرآن فى ستة مواضع : فى براءة موضعان ، وفى يونس ، والمؤمن (غافر) ، والدخان والحديد (٢). وما فى براءة أحدهما بزيادة الواو ، وهو قوله : (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١١١) ، وكذلك ما فى المؤمن ، بزيادة واو.

__________________

(١) وقد حذف (الْحَياةِ) فى الآية الثانية تنبيها على خساستها وأنها لا تستحق أن تسمى حياة (البحر المحيط ٥ / ٨٢).

(٢) الموضعان فى براءة ذكرهما المؤلف «٧٢ ، ١١١» ، وفى يونس : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [٦٤]. وفى المؤمن : (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [٩]. وفى الدخان : (فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [٥٧]. وفى الحديد : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [١٢].

١٣٦

والجملة إذا جاءت بعد جملة من غير تراخ بنزول جاءت مربوطة بما قبلها (١) ، إما بواو العطف ، وإما بكناية تعود من الثانية إلى الأولى ، وإما بإشارة فيها إليها ، وربما يجمع بين الاثنين منها (٢) والثلاثة للدلالة على مبالغة فيها ، ففي براءة : (خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ) (٨٩) ، (خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ) (١٠٠) ، وفيها أيضا : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ) (٧٢) فجمع بين اثنين ، وبعدها : (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١١١) فجمع بين الثلاثة تنبيها على : أن الاستبشار من الله تعالى يتضمن رضوانه ، والرضوان يتضمن الخلود فى الجنان.

قلت : ويحتمل أن ذلك لما تقدمه من قوله : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) (١١١) ، ويكون كل واحد منها فى مقابلة واحد ، وكذلك فى المؤمن تقدمه (٣) (فَاغْفِرْ) (٧) (وَقِهِمْ) (٧) (وَأَدْخِلْهُمْ) (٨) فوقعت فى مقابلة الثلاثة.

١٧٧ ـ قوله : (وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) (٨٧) ، ثم قال بعده : (وَطَبَعَ اللهُ) (٩٣) ، لأن قوله : (وَطُبِعَ) محمول على رأس المائة ، وهو قوله : (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) (٨٦) مبنى للمجهول ، والثانى : محمول على ما تقدم من ذكر الله تعالى مرات ، فكان اللائق (وَطَبَعَ اللهُ). ثم ختم كل آية بما يليق بها فقال فى الأولى : (لا يَفْقَهُونَ) ، وفى الثانية : (لا يَعْلَمُونَ) ، لأن العلم فوق الفقه ، والفعل المسند إلى الله فوق المسند إلى المجهول.

١٧٨ ـ قوله : (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ) (٩٤) ، وقال فى الأخرى : (فَسَيَرَى (٤) اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ

__________________

(١) فى أ : مما قبلها.

(٢) فى الأصول : بين اثنين منها والثلاثة.

(٣) فى ب : فى المؤمن أى «غافر» لقومه. تحريف.

(٤) فى أ : (وَسَيَرَى) خطأ.

١٣٧

وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ) (١٠٥) ، لأن الأولى فى المنافقين ، ولا يطلع على ضمائرهم إلّا الله تعالى ، ثم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم باطلاع الله إياه عليها ، كقوله : (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ) «٩ : ٩٤» ، والثانية فى المؤمنين وطاعات المؤمنين وعبادتهم ظاهرة لله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين. وختم آية المنافقين بقوله : (ثُمَّ تُرَدُّونَ) ، فعطفه على الأول ، لأنه وعيد ، وختم آية المؤمنين بقوله : (وَسَتُرَدُّونَ) ، لأنه وعد ، فبناه على قوله : (فَسَيَرَى اللهُ).

١٧٩ ـ قوله : (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) (١٢٠) ، وفى الأخرى : (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) (١٢١) ، لأن الآية الأولى مشتملة على ما هو من عملهم وهو قوله : (وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً) (١) (يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) (١٢٠) وعلى ما ليس من عملهم ، وهو : الظمأ والنّصب والمخمصة. والله سبحانه وتعالى بفضله أجرى ذلك مجرى عملهم فى الثواب فقال : (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ). أى : جزاء عمل صالح. والثانية : مشتملة على المشاق وقطع المسافات ، فكتب لهم ذلك بعينه ، وكذلك ختم الآية بقوله : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢١) لكن الكل من عملهم ، فوعدهم أحسن الجزاء عليه ، وختم الآية بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (١٢٠) حتى ألحق ما ليس من عملهم بما هو من عملهم ، ثم جازاهم على الكل أحسن الجزاء.

سورة يونس

١٨٠ ـ قوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) (٤) ، وفى هود : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) (٤) ، لأن ما فى هذه السورة خطاب للمؤمنين والكافرين جميعا ، يدل عليه قوله : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

__________________

(١) الموطىء : المنزل فى السفر.

١٣٨

الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ (١) وَالَّذِينَ كَفَرُوا ...) الآية (٤). وكذلك ما فى المائدة : (مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) (٤٨) ، لأنه خطاب للمؤمنين والكافرين ، بدليل قوله : (فِيهِ مُخْتَلِفُونَ). وما فى هود خطاب للكفار ، يدل عليه : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) (٣).

١٨١ ـ قوله : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ) (١٢) بالألف واللام ، لأنه إشارة إلى ما تقدم من الضر فى قوله : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) (١١) فإن الضر والشر واحد ، وجاء الضر فى هذه السورة بالألف واللام ، وبالإضافة ، وبالتنوين (٢).

١٨٢ ـ قوله : (وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) (١٣) بالواو ، لأنه معطوف على قوله : (ظَلَمُوا) من قوله : (لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) (١٣) وفى غيرها بالفاء للتعقيب.

١٨٣ ـ قوله : (فَمَنْ أَظْلَمُ) (١٧) بالفاء لموافقة ما قبلها وقد سبق فى الأنعام.

١٨٤ ـ قوله : (ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) (١٨) سبق فى الأعراف.

١٨٥ ـ قوله : (فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٩) فى هذه السورة ، وفى غيرها : (فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) «٣٩ : ٣» ، بزيادة (هُمْ) لأن فى هذه السورة تقدم (فَاخْتَلَفُوا) فاكتفى به عن إعادة الضمير.

١٨٦ ـ وفى الآية : (بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) (١٨) بزيادة (لا) وتكرار (فِي) ، لأن تكرار (لا) مع النفى كثير حسن ، فلما كرر (لا) ، كرر (فِي) تحسينا للفظ بالألف ،

__________________

(١) القسط : العدل.

(٢) بالإضافة (ضُرَّهُ) [١٢]. والتنوين : (ضُرٍّ مَسَّهُ) [١٢] و (ضَرًّا وَلا نَفْعاً) [٤٩].

١٣٩

لأنه وقع فى مقابلة (أَنْجَيْتَنا) ومثله فى سبأ فى موضعين والملائكة (١).

١٨٧ ـ قوله : (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ) (٢٣) بالألف ، لأنه فى مقابلة (أَنْجَيْتَنا) (٢٢) (٢).

١٨٨ ـ قوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) (٣٨) ، وفى هود : (بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) «١١ : ١٣» ، لأن ما فى هذه السورة تقدير : سورة مثل سورة يونس ، فالمضاف محذوف فى السورتين ، وما فى هود إشارة إلى ما تقدمها من أول الفاتحة إلى سورة هود ، وهو عشر سور.

١٨٩ ـ قوله : (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) (٣٨) فى هذه السورة ، وكذلك فى هود (١٣) ، وفى البقرة : (شُهَداءَكُمْ) (٢٣) ؛ لأنه لما زاد فى هود السور زاد فى المدعوين ، ولهذا قال فى سبحان : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ) (٨٨) ، مقترنا بقوله : (بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ) (٨٨) ، والمراد : به كله.

١٩٠ ـ قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) (٤٢) بلفظ الجمع ، وبعده : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) (٤٣) بلفظ المفرد ، لأن المستمع إلى القرآن كالمستمع إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بخلاف النظر ، فكان فى المستمعين كثرة ، فجمع ليطابق اللفظ المعنى ، ووحّد (يَنْظُرُ) حملا على اللفظ ، إذا لم يكثر كثرتهم.

١٩١ ـ قوله : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) (٤٥) فى هذه الآية فحسب ، لأن قوله قبله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) (٢٨) ، وقوله : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) (٤) يدلان على ذلك ، فاكتفى به.

١٩٢ ـ قوله : (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ

__________________

(١) فى سبأ : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [٣] ، (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [٢٢] ، وفى الملائكة : (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [٤٤].

(٢) فى الأصول : أنجينا ، ولا توجد فى يونس.

١٤٠