أسرار التكرار في القرآن

محمود بن حمزة بن نصر الكرماني

أسرار التكرار في القرآن

المؤلف:

محمود بن حمزة بن نصر الكرماني


المحقق: عبد القادر أحمد عطا
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفضيلة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٥٩

٨٤ ـ قوله : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (١٣) وبعده : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) (٤١) ، لأن الأولى فى أوائل اليهود ، والثانية فيمن كانوا فى زمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أى : حرفوها بعد أن وضعها الله مواضعها ، وعرفوها وعملوا بها زمانا (١).

٨٥ ـ قوله : (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) «١٣ ، ١٤» كرّر لأن الأولى فى اليهود ، والثانية فى حق النصارى ، والمعنى : لم ينالوا منه نصيبا. وقيل : معناه : ونسوا نصيبا. وقيل : معناه : تركوا بعض ما أمروا به.

٨٦ ـ قوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ ..) (١٥) ثم كرّرها (٢) فقال : (يا أَهْلَ الْكِتابِ) (١٩) ، لأن الأولى نزلت فى اليهود حين كتموا صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآية الرجم (٣) من التوراة ، والنصارى حين كتموا بشارة عيسى بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤) فى الإنجيل ، وهو قوله : (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) (١٥). ثمّ كرّر فقال : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (١٨) فكرّر : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ) ، أى :

__________________

(١) قال الإسكافى : «عن» فى كلام العرب موضوع لما عدا الشيء ، وكان اليهود يعدلون بالكلم تأويله الذى له ، وتنزيله الذى جاء عليه إلى غيره مما هو باطل ، و «عن» فى هذا الموضع تقترب من معنى «بعد» ، إلا أن الأصل فى هذا المكان أن يستعمل «عن» ، لأن «بعد» قد تكون لما تأخر زمانه بأزمنة كثيرة ، و «عن» لما جاوز الشيء صار ملاصقا زمنه لزمنه.

وأما الآية الثانية : فهى فى قوم من اليهود أخبر الله عنهم بأنهم يسمعون ليكذبوا ، فهم يسمعون مع نية التحريف ، وهذا يكون بعد زمان منفصل عن السماع. (درة التنزيل ص ٩٢).

وقيل : المراد ما ذهب إليه المفسرون ، وهو أن قوما أرسلوا هؤلاء إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى قصة زان محصن ، فقالوا لهم : إن أفتاكم محمد بالجلد فحدوه ، وإن أفتاكم بالرجم فلا تقتلوه.

انظر (البخارى فى الحدود ٤ / ٢٥١ ومسلم فى الحدود ٤ / ٢٢).

(٢) فى ب : ثم كرر.

(٣) أخرج الحاكم فى المستدرك ٤ / ٣٥٩ عن ابن عباس : «من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب» ، وهو قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ).

(٤) فى ب : عليهما‌السلام.

١٠١

شرائعكم ، فإنكم على ضلال لا يرضاه الله (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) (١٩) : على انقطاع منهم ودروس مما جاءوا به (١) والله أعلم.

٨٧ ـ قوله : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ) (١٧). ثم كرّر فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١٨) كرّر ، لأن :

الأولى : نزلت فى النصارى حين قالوا : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (١٧) ، فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) ، ليس فيهما معه شريك ، ولو كان عيسى إلها لاقتضى أن يكون معه شريكا ، ثم من يذبّ عن المسيح وأمه وعمن فى الأرض جميعا إن أراد إهلاكهم ، فإنهم كلهم مخلوقون له ، وإن قدرته شاملة عليهم ، وعلى كل ما يريد بهم (٢).

والثانية : نزلت فى اليهود والنصارى حين قالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (١٨) فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) (١٨) ، والأب لا يملك ابنه ، ولا يهلكه ، ولا يعذّبه ، وأنتم مصيركم إليه ، فيعذب من يشاء منكم ، ويغفر لمن يشاء (٣).

__________________

(١) هذه الكلمة (على فترة من الرسل) برهان لإعجاز القرآن ، لأنها تبطل دعوى التكرار بلا فائدة ، إذ أن فترة الرسل تحتم نسيان الشرائع ، وتعين أن البيان متوجه إلى الشرائع ، لا إلى ما كتموه مما هو مبيّن فى الآية (١٥).

(٢) كما أن قوله تعالى : (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) يفيد أن الله خلق ما يشاء من أنواع الخلق باعتبار «ما» نكرة موصوفة محلها النصب على المصدرية ، لا على المفعولية. أى : يخلق أى خلق يشاؤه ، فتارة يخلق من غير أصل كالسماوات والأرض ، أو من أصل كخلق ما بينهما ، ومن ذكر وأنثى ، أو من ذكر فقط كآدم ، أو من أنثى وحدها كعيسى ، وبتوسط كخلق الطير على يد عيسى ... إلخ. انظر (إرشاد العقل السليم ٣ / ٣٠ والأنموذج الجليل ، ورقة ١٨ [أ]).

(٣) أخرج ابن جرير فى تفسيره ١٠ / ١٥٠ / ١٥١٠ عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نعمان بن أضاء ، وبحرى بن عمرو ، وشاس بن عدى ، فكلموه وكلمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودعاهم إلى الله ، وحذرهم نقمته ، فقالوا : ما تخوفنا يا محمد؟ نحن والله أبناء الله وأحباؤه ، كقول النصارى فأنزل الله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).

١٠٢

٨٨ ـ قوله : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا ...) (٢٠) ، وقال فى سورة إبراهيم : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا ..) (٦) ، لأن تصريح اسم المخاطب مع حرف الخطاب يدل على تعظيم المخاطب به (١) ، ولما كان ما فى هذه السورة نعما جساما ما عليها من مزيد ، وهو قوله : (جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (٢٠) صرح فقال : يا قوم ، ولموافقته ما قبله وما بعده من النداء ، وهو قوله : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا) (٢١) و (يا مُوسى إِنَّا) (٢٤) ، ولم يكن ما فى إبراهيم بهذه المنزلة ، فاقتصر على حرف الخطاب (٢).

٨٩ ـ قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) كرّره ثلاث مرات ، وختم الأولى بقوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٤٤) ، والثانية بقوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٤٥) ، والثالثة بقوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤٧) ، قيل : لأن الأولى : نزلت فى حكّام المسلمين ، والثانية : فى حكّام اليهود ، والثالثة : فى حكّام النصارى ، وقيل : الكافر والفاسق والظالم كلها بمعنى واحد ، وهو الكفر ، عبّر عنه بألفاظ مختلفة لزيادة الفائدة ، واجتناب صورة التكرار.

وقيل : ومن لم يحكم بما أنزل الله إنكارا له فهو كافر ، ومن لم يحكم بالحق مع اعتقاده حقّا وحكم بضده فهو ظالم ، ومن لم يحكم بالحق جهلا وحكم بضده فهو فاسق. وقيل : ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر بنعمة الله ، ظالم فى حكمه ، فاسق فى فعله.

٩٠ ـ قوله : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) (٧٣) كرّر ، لأن النصارى اختلفت أقوالهم :

__________________

(١) فى ت : المخاطب له ، بكسر الطاء.

(٢) فى ب : حرف المخاطب.

١٠٣

فقالت اليعقوبية : إن الله تعالى ربّما تجلّى فى بعض الأزمان فى شخص ، فتجلى يومئذ فى شخص عيسى ، فظهرت منه المعجزات.

وقالت الملكية : إن الله اسم يجمع أبا وابنا وروح القدس ، اختلفت بالأقانيم والذات واحدة ، فأخبر الله ـ عزوجل ـ أنهم كلهم كفار (١).

٩١ ـ قوله : (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١١٩) ، ذكر فى هذه السورة هذه الخلال جملة ، ثم فصّل لأنها أول ما ذكرت.

سورة الأنعام

٩٢ ـ قوله : (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ) (٥) ، وفى الشعراء : (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ) (٦) ، لأن سورة الأنعام متقدمة ، فقيد التكذيب بقوله : (بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) ، ثم قال : (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ) على التمام. وذكر فى الشعراء : (فَقَدْ كَذَّبُوا) مطلقا ، لأن تقييده فى هذه السورة يدل عليه ، ثم اقتصر على السين هنا بدل سوف ليتفق اللفظان فيه على الاختصار.

٩٣ ـ قوله : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا) (٦) فى بعض المواضع بغير واو كما فى هذه السورة ، وفى بعضها بالواو ، وفى بعضها بالفاء. هذه الكلمة تأتى فى القرآن على وجهين :

__________________

(١) هذه الآية برهان للقرآن من وجهين :

١ ـ أن تكرار كلمة (ثلاثة) دلت على المذهبين اللذين ذهب إليهما النصارى فى شخص المسيح.

٢ ـ إن قوله تعالى عقيبها : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) يصلح ردّا على المذهبين ، فهو رد على من قال : إن المسيح إله من حيث تجلى الله فى المسيح. ومعناها : ما من إله إلا إله واحد ، من حيث مصدر الموجودات ، ورد على من قال : إن الله جوهر فى ثلاثة أقانيم ومنها المسيح.

ومعناها : ما من إله إلا إله واحد بالذات ، منزه عن التعدد فهو بيان للمذهبين ، ورد عليهما مع إيجاز معجز ، ووفاء بالغرض أشد إعجازا.

١٠٤

أحدهما : متصل بما كان الاعتبار فيه بالمشاهدة ، فذكره بالألف والواو ، لتدل الألف على الاستفهام ، والواو على عطف جملة على جملة (١) قبلها. وكذا الفاء ، لكنها أشد اتصالا بما قبلها.

والوجه الثانى : متصل بما الاعتبار فيه بالاستدلال ، فاقتصر على الألف دون الواو والفاء ، لتجرى مجرى الاستئناف.

ولا ينقص هذا الأصل قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) (٧٩) فى النحل لاتصالها بقوله : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) (٧٨) وسيلة الاعتبار بالاستدلال ، فبنى عليه (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ).

٩٤ ـ قوله : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا) (١١) فى هذه السورة فحسب ، وفى غيرها : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا) «٣ : ١٣٧ و ١٦ : ٣٦ و ٢٧ : ٦٩ و ٣٠ : ٤٢» ، لأن ثم للتراخى ، والفاء للتعقيب ، وفى هذه السورة تقدم ذكر القرون فى قوله : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) (٦) ، ثم قال : (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (٦). فأمروا باستقراء الديار ، وتأمل الآثار ، وفيها كثرة ، فيقع ذلك سيرا بعد سير ، وزمانا بعد زمان (٢) ، فخصت ب (ثم) على التراخى بين (٣) الفعلين (٤) ، ليعلم أن السير مأمور به على حدة ، والنظر مأمور به على حدة ، ولم يتقدم فى سائر السور مثله ، فخصت بالفاء الدالة على التعقيب (٥).

٩٥ ـ قوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) «١٢ ، ٢٠»

__________________

(١) الجملة التى عطف عليها مقدرة. والتقدير : أكذبوا ولم يروا.

(٢) فى أ ، ب : سير بعد سير ، وزمان بعد زمان.

(٣) فى ب : فخصت بهم الدار. خطأ.

(٤) فى ب : من الفعلين.

(٥) يرى أبو السعود : أن (ثم) لإبانة ما بين السير والنظر من التفاوت فى مراتب الوجود ، فإن وجوب السير ليس إلا لكونه وسيلة إلى النظر ، والعطف بالفاء دليل على هذا المعنى.

انظر : (إرشاد العقل السليم ٢ / ١٧٧).

١٠٥

ليس بتكرار ، لأن الأول فى حق الكفار ، والثانى فى حق أهل الكتاب.

٩٦ ـ قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢١) ، وقال فى يونس : (فَمَنْ أَظْلَمُ) (١٧) ، وختم الآية بقوله : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) (١٧).

لأن الآيات التى تقدمت فى هذه السورة عطف بعضها على بعض بالواو ، وهو قوله : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ... ـ إلى ـ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (١٩). ثم قال : (وَمَنْ أَظْلَمُ) ، ختم الآية بقوله : (الظَّالِمُونَ) ليكون آخر الآية لفقا لأول الأولى.

وأما فى سورة يونس فالآيات التى تقدمت عطف بعضها على بعض بالفاء ، وهو قوله : (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٦) ، ثم قال : (فَمَنْ أَظْلَمُ) بالفاء ، وختم الآية بقوله : (الْمُجْرِمُونَ) أيضا ، موافقة لما قبلها ، وهو : (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (١٣) فوصفهم بأنهم مجرمون. وقال بعده : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) (١٤) فختم الآية بقوله :(الْمُجْرِمُونَ). ليعلم أن سبيل هؤلاء سبيل من تقدمهم.

٩٧ ـ قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) (٢٥) ، وفى يونس : (يَسْتَمِعُونَ) (٤٢) ، لأن ما فى هذه السورة نزل فى أبى سفيان ، والنّضر بن الحارث وعتبة ، وشيبة ، وأميّة ، وأبىّ بن خلف (١) ، فلم يكثروا كثرة (٢) من فى يونس ولأن المراد بهم فى يونس جميع الكفار ، فحمل هاهنا مرة على لفظ (من) فوحد لقلتهم ، ومرة على المعنى

__________________

(١) روى أنه اجتمع أبو سفيان ، والوليد ، والنضر بن الحارث ، وشيبة ، وأبو جهل ، وأضرابهم يستمعون إلى تلاوة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا للنضر وكان صاحب أخبار : يا أبا قتيلة ، ما يقول محمد؟ فقال : والذى جعلها بينه ، ما أرى ما يقول إلا أن يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين ، مثل ما حدّثتكم عن القرون الماضية. فقال أبو سفيان : إنى لأراه حقا ، وقال أبو جهل :

كلا ، فنزلت الآية. انظر : (المعتمد من المنقول فيما أوحى إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورقة ١٢٠ ـ أ).

(٢) فى ب : ككثرة.

١٠٦

فجمع ، لأنهم وإن قالوا كانوا جماعة ، وجمع ما فى يونس ليوافق اللفظ المعنى ، وأما قوله فى يونس : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) (٤٣) فسيأتى فى موضعه إن شاء الله.

٩٨ ـ قوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) (٢٧) ، ثم عاد فقال : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) (٣٠) ، لأنهم أنكروا النار فى القيامة ، جزاء الله ونكاله ، فقال فى الأولى : (إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ).

وفى الثانية : (وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) ، أى : (على) (١) جزاء ربهم ونكاله فى النار ، وختم بقوله : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٣٠).

٩٩ ـ قوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (٢٩) ، ليس غيره. وفى غيرها بزيادة : (نَمُوتُ وَنَحْيا) «٢٣ : ٣٧ و ٤٥ : ٢٤» ، لأن ما فى هذه السورة عند كثير من المفسرين متصل بقوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٢٨) ، (وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (٢٩). ولم يقولوا : (أى نموت ونحيا) بخلاف ما فى سائر السور ، فإنهم قالوا ذلك ، فحكى الله عنهم ذلك.

١٠٠ ـ قوله : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) (٣٢). قدّم اللعب على اللهو فى هذه السورة فى موضعين ، وكذلك (سورتى) القتال «محمد» (٢) (٣٦) والحديد (٢٠).

وقدم اللهو على اللعب فى الأعراف والعنكبوت (٣) ، وإنما قدم اللعب فى الأكثر ، لأن اللعب زمانه الصبا ، واللهو زمانه الشباب ،

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) الإضافة من عند المراجع ، وكذا فى الهامش.

(٣) الموضع الثانى هنا قوله تعالى : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) [٧٠] ، وفى سورة القتال «محمد» : (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ)

١٠٧

وزمان الصبا مقدم على زمان الشباب ، يبينه ما ذكر فى الحديد :(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ) كلعب الصبيان ، (وَلَهْوٌ) كلهو الشبان ، (وَزِينَةٌ) كزينة النسوان ، (وَتَفاخُرٌ) كتفاخر الإخوان ، (وَتَكاثُرٌ) كتكاثر السلطان.

وقريب من هذا (فى) (١) ، تقديم لفظ اللعب على اللهو قوله تعالى : (وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ. لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) «٢١ : ١٦ ، ١٧».

وقدم اللهو فى الأعراف ، لأن ذلك فى القيامة ، فذكر على ترتيب ما انقضى ، وبدأ بما به الإنسان انتهى من الحالتين ، أما العنكبوت فالمراد بذكرها زمان الدنيا ، وأنه سريع الانقضاء ، قليل البقاء : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) (٦٤) ، أى : الحياة التى لا أمد لها ، ولا نهاية لأبدها ، بدأ بذكر اللهو لأنه فى زمان الشباب ، وهو أكثر من زمان اللعب ، وهو : زمان الصّبا.

١٠١ ـ قوله : (أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) (٤٠). ثم قال : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً) (٤٧) وليس لهما ثالث. وقال فيما بينهما : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) (٤٦) ، وكذلك فى غيرها ، وليس لهذه الجملة فى العربية نظير ، لأنه جمع بين علامتى خطاب وهما : التاء والكاف. والتاء اسم الإجماع ، والكاف حرف عند البصريين يفيد الخطاب فحسب (٢) ، والجمع بينهما يدل على أن ذلك تنبيه على شىء ما عليه من مزيد ، وهو : ذكر الاستئصال بالهلاك ،

__________________

= أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) [٣٦] ، وفى الحديد : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ) [٢٠] ، وفى الأعراف تقدم اللهو فى قوله : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً) [٥١] ، وكذا فى العنكبوت : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) [٦٤].

(١) سقط من ب.

(٢) الكاف لتأكيد الخطاب : ومبنى التركيب وإن كان على الاستخبار عن الرؤية القلبية أو البصرية. فالمراد الاستخبار عن متعلقها. انظر : (إرشاد العقل السليم ٢ / ٢٠٥).

١٠٨

وليس فيما سواهما ما يدل على ذلك ، فاكتفى بخطاب واحد ، والعلم عند الله (١).

١٠٢ ـ قوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (٤٢) ، فى هذه السورة ، وفى الأعراف : (يَضَّرَّعُونَ) (٩٤) ، بالإدغام ، لأن هاهنا وافق ما بعده ، وهو قوله : (جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) (٤٣) ، ومستقبل تضرعوا : يتضرعون لا غير.

١٠٣ ـ قوله : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) «٤٦ ، ٦٥» مكرّر ، لأن التقدير : انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون عنها ، فلا تعرض عنهم ، بل تكررها لهم لعلهم يفقهون.

١٠٤ ـ قوله : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (٥٠) ، فكرّر (لَكُمْ) ، وقال فى هود : (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) (٣١) فلم يكرر (لَكُمْ) ، لأن فى هود تقدم : (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ) (٢٥) ، وعقبه (وَما نَرى لَكُمْ) (٢٧).

__________________

(١) بيان ذلك أن ترادف الخطابين (التاء ، والكاف) لا يكونان إلا عند المبالغة فى التنبيه ، والمبالغة فيه : أن يعلم المخاطب ألا تنبيه بعده ، وما يتصل بقوله : (أَرَأَيْتَكُمْ) فى الموضعين كلام بدل على أنه إذا وقع لم ينفع عنده الزجر والتنبيه. فإتيان العذاب ، أو قيام الساعة فى الموضع الأول وإتيان عذاب الله بغتة أو جهرة فى الموضع الثانى لا ينفع عنده تنبيه ولا زجر ، ولذلك تناهت الآية فى التخويف فترادف الخطابان معا.

أما ما اقتصر فيه على خطاب واحد ففي الأنعام : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ) [٤٦] ، وفى يونس : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) [٥٠]. فى الأنعام لم يهدد الله الكافرين بالاستئصال ، وفى يونس لا يوجد ما يدل على التهديد بالاستئصال ، لأن قبلها : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). فهم لا يخافون ، وقوله : (ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) دليل على عدم التصريح بالاستئصال حتى ينذر بأقصى أدوات الإنذار. وهذا من أسرار إعجاز القرآن ، لأنه ليس من دأب البشر الدقة البالغة فى ملاحظة الملابسات ، ومناسبة الكلمات والحروف للحالة النفسية للمخاطبين على هذا الوجه العجيب الذى لا يمكن أن يخطئه القرآن الكريم المعجز العالمين حقّا.

١٠٩

وبعده (أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ) (٣٤) ، فلما تكرر (لَكُمْ) فى القصة أربع مرات اكتفى بذلك.

١٠٥ ـ قوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) (٩٠) فى هذه السورة ، وفى سورة يوسف ـ عليه‌السلام ـ : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (١٠٤) ، منوّن ، لأن فى هذه السورة تقدم (بَعْدَ الذِّكْرى) (٦٨) (وَلكِنْ ذِكْرى) (٦٩) ، فكان الذكرى أليق بها.

١٠٦ ـ قوله : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) (٩٥) فى هذه السورة ، وفى آل عمران : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) (٢٧) ، وكذلك فى الروم (١٩) ، ويونس (٣١) : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) ، لأن (ما) (١) فى هذه السورة وقعت بين أسماء الفاعلين ، وهو : (فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) (٩٥) ، (فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) (٩٦) (٢) ، واسم الفاعل يشبه الاسم من وجه ، فيدخله الألف واللام والتنوين والجر وغير ذلك ، ويشبه الفعل من وجه ، فيعمل عمل الفعل ، ولا يثنى ولا يجمع إذا عمل ، وغير ذلك ، ولهذا جاز العطف عليه بالفعل (٣) نحو قوله : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) «٥٧ : ١٨» ، وجاز عطفه على الفعل نحو قوله : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) «٧ : ١٩٣».

فلما وقع بينهما ، ذكر (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) بلفظ الفعل ،

__________________

(١) سقطت من أ.

(٢) قرأ الكوفيون (وَجَعَلَ اللَّيْلَ) بالفعل الماضى. وقرأ باقى السبعة وجاعل الليل باسم الفاعل مضافا إلى الليل. انظر : (البحر المحيط ٤ / ١٨٦).

(٣) فى ب : جاز العطف عليه بالاسم نحو قوله : (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ). وهى زيادة لا معنى لها فحذفناها.

١١٠

(وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) بلفظ الاسم ، عملا بالشبهين ، وأخّر لفظ الاسم ، لأن الواقع بعده اسمان (١) ، والمتقدم اسم واحد ، بخلاف ما فى آل عمران ، لأن ما قبله وما بعده أفعال ، فتأمل فيه فإنه من معجزات القرآن.

١٠٧ ـ قوله : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٩٧) ، ثم قال : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (٩٨) ، وقال بعدهما : (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٩٩) ، لأن من أحاط علما بما فى الآية الأولى (٢) صار عالما ، لأنه أشرف العلوم ، فختم الآية بقوله : (يَعْلَمُونَ) ، والآية الثانية (٣) مشتملة على ما يستدعى تأملا وتدبرا ، والفقه علم يحصل بالتدبر (والتأمل) (٤) والتفكر (٥) ولهذا لا يوصف به الله سبحانه وتعالى ، فختم الآية بقوله : (يَفْقَهُونَ) ، ومن أقر بما فى الآية الثالثة صار مؤمنا حقّا (٦) ، فختم الآية بقوله : (يُؤْمِنُونَ) (٧) ، حكاه أبو مسلم عن الخطيب.

وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ) (٩٩) ، فى هذه السورة بحضور الجماعات وظهور الآيات ، عم الخطاب وجمع الآيات.

١٠٨ ـ قوله : (أَنْشَأَكُمْ) (٩٨) ، وفى غيرها : (خَلَقَكُمْ)

__________________

(١) الأسماء هما : (فالِقُ ـ جاعِلٌ) على قراءة باقى السبعة. انظر (الهامش رقم ٢ من الصفحة السابقة).

(٢) وهى قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ).

(٣) هى قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) والفقه هنا التأمل لإرجاع ذلك كله إلى الله.

(٤) سقطت من أ.

(٥) فى ب : التفكير والتدبر.

(٦) وهى قوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ).

(٧) وجاء فى الآية ١٣٦ من نفس السورة : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ). وأغفلها المؤلف. ووجهه : أن من فقه وعلم وآمن نفعه التذكر ، وقد سبقها تحذير من الهوى الذى يضل على علم ، ومن إيحاء الشياطين إلى أوليائهم ، ومن أكابر المجرمين ، ومن تذكر وهو عالم فقيه نجا من كل ذلك. كما أن مادة (ذكر) سبقت فى الآية فى قوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ، وقوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) فكان مناسبا له والله أعلم.

١١١

«١ : ٢١ و ٤ : ١ و ٦ : ٢ و ٧ : ١٨٩ ... إلخ» ، لموافقة ما قبلها وهو : (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) (٦) ، وما بعدها : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ) (١٤١).

١٠٩ ـ قوله : (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) (٩٩) ، وفى الأخرى : (مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) (١٤١) ، لأن أكثر ما جاء (١) فى القرآن من هاتين الكلمتين جاء بلفظ التشابه ، نحو قوله : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) «٢ / ٢٥» ، (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) «٢ / ٧٠» ، (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) (١١٨) ، (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) «٣ : ٧» فجاء قوله : (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) (٢) فى الآية الأولى و (مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) والآية الأخرى على تلك القاعدة.

ثم كان لقوله : تشابه معنيان :

أحدهما : التبس.

والثانى : تساوى.

وما فى البقرة معناه : التبس فحسب ، فبين بقوله : (مُتَشابِهاً) ومعناه : ملتبسا ، لأن ما بعده من باب التساوى ، والله أعلم.

١١٠ ـ قوله : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (١٠٢) فى هذه السورة ، وفى المؤمن «غافر» : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (٦٢) ، لأن (فيها) (٣) قبله ذكر الشركاء والبنين والبنات ، فدفع قول قائله بقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ثم قال : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ). وفى المؤمن قبله ذكر الخلق وهو : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) ، فخرج الكلام على

__________________

(١) فى ب : الأكثر مما جاء.

(٢) فى ب : متشابها وغير متشابه. وليس كذلك فى الآية.

(٣) سقط من ب.

١١٢

إثبات خلق الناس ، لا على نفى الشريك ، فقدم فى كل سورة ما يقتضيه ما قبله من الآيات.

١١١ ـ قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) (١١٢) ، وقال فى الآية الأخرى من هذه السورة : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) (١٣٧) ، لأن قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) وقع عقيب آيات فيها ذكر الرب مرّات ، ومنها : (جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) (١٠٤) (فختم بذكر الرب) (١) ليوافق آخرها أولها ، وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ) وقع بعد قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) (١٣٦) فختم بما بدأ به.

١١٢ ـ قوله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) (١١٧) ، وفى (ن وَالْقَلَمِ) : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) (٧) ، بزيادة الباء ولفظ الماضى ، لأن إثبات الباء هو الأصل ، كما فى (ن وَالْقَلَمِ) وغيرها من السور ، لأن المعنى لا يعمل فى المفعول به ، فنوى الباء ، وحيث حذفت أضمر فعل يعمل فيما بعده. وخصت (٢) هذه السورة بالحذف موافقة لقوله (٣) : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (١٢٤). وعدل هنا إلى لفظ المستقبل ، لأن الباء لما حذفت التبس اللفظ بالإضافة ، تعالى الله عن ذلك ، فنبّه بلفظ المستقبل على قطع الإضافة ، لأن أكثر ما يستعمل لفظ أفعل (٤) من يستعمله مع الماضى ، نحو : «أعلم من دب ودرج» ، «وأحسن من قام وقعد» ، «وأفضل من حج واعتمر» ، فتنبه. فإنه (من) (٥) أسرار القرآن ، لأنه لو قال : أعلم من ضل بدون الياء مع الماضى لكان المعنى : أعلم الضالين.

١١٣ ـ قوله : (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ

__________________

(١) ما بين الحاصرين سقط من ب.

(٢) فى ب : خصصت.

(٣) فى ب : الموافقة قوله.

(٤) فى ب : بلفظ أفعل.

(٥) سقط من ب.

١١٣

تَعْلَمُونَ) (١٣٥) بالفاء حيث وقع ، وفى هود : (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٩٣) بغير فاء ، لأنه تقدم فى هذه السورة وغيرها (قُلْ) فأمرهم أمر وعيد بقوله : (اعْمَلُوا) (أى اعملوا) (١) فستجزون. ولم يكن فى هود (قُلْ) فصار استئنافا ، وقيل : (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) فى سورة هود صفة لعامل ، أى : (إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) ، فحذف الفاء.

١١٤ ـ قوله : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) (١٤٨) ، وقال فى النحل : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) (٣٥) ، فزاد (مِنْ دُونِهِ) مرتين ، وزاد (نَحْنُ) ، لأن لفظ الإشراك يدل على إثبات شريك لا يجوز إثباته ، ودل على تحريم أشياء وتحليل أشياء من دون الله ، فلم يحتج إلى لفظ (مِنْ دُونِهِ) بخلاف لفظ العبادة ، فإنها غير مستنكرة ، وإنما المستنكر عبادة شىء مع الله سبحانه وتعالى ، ولا يدل على تحريم شىء كما يدل (٢) عليه (أشرك) ، فلم يكن لله هنا من يعتبره بقوله : (مِنْ دُونِهِ) ولما حذف (مِنْ دُونِهِ) مرّتين حذف معه (نَحْنُ) لتطرد الآية فى حكم التخفيف.

١١٥ ـ قوله : (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) (١٥١) ، وقال فى «سبحان» «الإسراء» : (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) (٣١) على الضد ، لأن التقدير : من إملاق بكم (٣) ، نحن نرزقكم وإياهم ، وفى (سبحان). خشية إملاق يقع بهم (٤) نحن نرزقهم وإياكم (٥).

١١٦ ـ قوله : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٥١) ، وفى

__________________

(١) ما بين الحاصرين سقط من أ.

(٢) فى ب : دل عليه.

(٣) فى أ : من إملاق لكم.

(٤) فى أ : من إملاق لهم.

(٥) يعنى : أن الإملاق وهو الفقر قد تعلق بالآباء فى هذه السورة ، فقال : (نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) ، وتعلق بالأبناء فى الإسراء فقال : (نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ).

١١٤

الثانية : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١٥٢) ، وفى الثالثة : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١٥٣) ، لأن الآية الأولى : مشتملة على خمسة أشياء كلها عظام جسام. فكانت الوصية بها من أبلغ الوصايا (١) ، فختم الآية الأولى بما فى الإنسان من أشرف السجايا وهو العقل ، الذى امتاز به الإنسان عن سائر الحيوان.

والآية الثانية : مشتملة على خمسة أشياء يقبح تعاطى ضدها (٢) وارتكابها (٣) ، وكانت الوصية بها تجرى مجرى الزجر والوعظ ، فختم الآية بقوله : (تَذَكَّرُونَ) أى : تتعظون بمواعظ الله.

والآية الثالثة (٤) : مشتملة على ذكر الصراط المستقيم ، والتحريض على اتباعه ، واجتناب مناهيه ، فختم الآية بالتقوى التى هى ملاك العمل ، وخير الزاد.

١١٧ ـ قوله : (جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) (١٦٥) فى هذه السورة ، وفى يونس والملائكة : (جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) (٥) ، لأن فى هذا العشر تكرر ذكر المخاطبين كرّات ، فعرفهم بالإضافة ، وقد جاء فى السورتين على الأصل وهو : (جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) «٢ : ٣٠» ، (جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ) «٧ : ٥٧».

١١٨ ـ قوله : (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٦٥) ، وقال فى الأعراف : (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ

__________________

(١) وهى قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ).

(٢) فى الأصول : يقبح تعاطيها وارتكابها. خطأ.

(٣) وهى فى قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا).

(٤) فى ب : الثانية. خطأ.

(٥) فى يونس آية ١٤ ، وفى الملائكة (فاطر) آية ١٩ ، وما فى يونس : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ).

١١٥

رَحِيمٌ) (١٦٧) ، لأن ما فى هذه السورة وقع بعد قوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (١٦٠) ، وقوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) (١٦٥) ، فقيّد قوله : (لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) باللام ترجيحا للغفران على العقاب.

ووقع ما فى الأعراف بعد قوله : (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ) (١٦٥) ، وقوله : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (١٦٦) فقيد رحمة منه للعباد ، لئلا يرجح جانب الخوف على الرجاء ، وقدم سريع العقاب فى الآيتين مراعاة لفواصل الآى.

سورة الأعراف

١١٩ ـ قوله : (قالَ ما مَنَعَكَ) (١٢) ، فى هذه السورة ، وفى «ص» : (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ) (٧٥) ، وفى الحجر : (قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ) (٣٢) بزيادة (يا إِبْلِيسُ) فى السورتين ، لأن خطابه قرب من ذكره فى هذه السورة وهو قوله : (إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. قالَ ما مَنَعَكَ) «١١ ، ١٢» فحسن حذف حرف النداء والمنادى ، ولم يقرب فى «ص» قربه منه فى هذه السورة ، لأن فى «ص» : (إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٧٤) بزيادة (اسْتَكْبَرَ) (١) ، فزاد حرف النداء والمنادى فقال : (يا إِبْلِيسُ) ، وكذلك (فى) (٢) الحجر ، فإن فيها : (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٣١) بزيادة (أَبى) ، فزاد حرف النداء والمنادى فقال : (يا إِبْلِيسُ ما لَكَ).

١٢٠ ـ قوله : (أَلَّا تَسْجُدَ) (١٢) ، وفى «ص» : (أَنْ تَسْجُدَ) (٧٥) ، وفى الحجر : (ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ) (٣٢) فزاد فى

__________________

(١) فى أ : أبى واستكبر. خطأ.

(٢) سقطت من أ.

١١٦

هذه السورة (لا) وللمفسرين فى (لا) أقوال : قال بعضهم : (لا) صلة ، كما فى قوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ) «٥٧ : ٢٩» (١) ، وقال بعضهم : الممنوع من الشيء مضطر إلى ما منع ، وقال بعضهم : معناه : ما الذى جعلك فى منعة من عذابى ، وقال بعضهم : معناه : من قال لك لا تسجد. وقد ذكرت ذلك وأخبرت بالصواب فى كتابى «لباب التفسير». الذى يليق بهذا الكتاب أن نذكر ما السبب الذى خص هذه السورة بزيادة (لا) دون السورتين.

قلت : لما حذف منها (يا إِبْلِيسُ) واقتصر على الخطاب ، جمع بين لفظ المنع ولفظ (لا) زيادة فى النفى ، وإعلاما أن المخاطب به إبليس ، خلافا للسورتين ، فإنه صرح فيهما باسمه.

وإن شئت قلت : جمع فى هذه السورة بين ما فى «ص» وما فى الحجر ، فقال : ما منعك أن تسجد ـ مالك ألا تسجد. فحذف (أَنْ تَسْجُدَ) ، وحذف (ما لَكَ) لدلالة الحال ودلالة السورتين عليه ، فبقى (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) ، وهذه لطيفة فاحفظها.

١٢١ ـ قوله : (أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١٤) ، وفى الحجر (٢٦) و «ص» (٧٩) : (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) ، لأنه سبحانه لما اقتصر فى السؤال على الخطاب دون صريح الاسم فى هذه السورة اقتصر فى الجواب أيضا على الخطاب دون ذكر المنادى. وأما زيادة الفاء فى السورتين دون هذه السورة فلأن داعية الفاء ما يتضمنه النداء من : أدعو ، أو أنادى ، نحو : (رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا) «٣ : ١٩٣» أى : أدعوك. وكذلك داعية الواو فى قوله : (رَبَّنا وَآتِنا) «٣ : ١٩٤» فحذف

__________________

(١) وقيل : لا زائدة لتوكيد المعنى الذى دخلت عليه ، منبهة على أن الموبخ عليه ترك السجود (إرشاد العقل السليم ٢ / ٣٢٧). ومعنى (أَلَّا تَسْجُدَ) على أن (لا) صلة ، لأن يعلم ، وكأنه قيل : ليتحقق علم أهل الكتاب. والدليل على زيادتها سقوطها فى : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ). وقيل : ليست زائدة ، ومعناها : ما منعك فأحوجك ألا تسجد.

انظر (البحر المحيط ٣ / ٢٧٢).

١١٧

المنادى فى هذه السورة ، فلما حذفه انحذفت الفاء.

١٢٢ ـ قوله : (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) (١٥) فى هذه السورة ، وفى السورتين : (قالَ فَإِنَّكَ) (١) ، لأن الجواب يبنى (٢) على السؤال ولما خلا فى هذه السورة عن الفاء خلا الجواب عنه. ولما ثبتت الفاء فى السؤال فى السورتين ثبتت (فى الجواب ، والجواب) (٣) فى السور الثلاث إجابة ، وليس باستجابة.

١٢٣ ـ قوله : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) (١٦) فى هذه السورة ، وفى «ص» : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ) (٨٢) ، وفى الحجر : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) (٣٩) ، لأن ما فى هذه السورة موافق لما قبله فى الاقتصار على الخطاب دون النداء ، وما فى الحجر موافق لما قبله فى مطابقة النداء ، وزاد فى هذه السورة الفاء التى (هى) (٤) للعطف ، ليكون الثانى مربوطا بالأول ، ولم تدخل فى الحجر ، فاكتفى بمطابقة النداء ، لامتناع النداء منه ، لأنه ليس بالذى يستدعيه النداء ، فإن ذلك يقع مع السؤال والطلب ، وهذا قسم عند أكثرهم ، بدليل ما فى «ص» ، وخبر عند بعضهم والذى فى «ص» على قياس ما فى الأعراف «١٦ ، ١٧» دون الحجر «٣٩ ، ٤٠» ، لأن موافقتهما أكثر على ما سبق فقال : (فَبِعِزَّتِكَ) (٥) والله أعلم (٦).

وهذا الفصل فى هذه السورة برهان لامع. وسأل الخطيب نفسه عن هذه المسائل فأجاب عنها ، وقال : إن اقتصاص ما مضى إذا لم يقصد به أداء الألفاظ بأعيانها كان اختلافها واتفاقها سواء إذا أدّى

__________________

(١) فى سورة الحجر ، آية ٢٧ ، وفى سورة ص ، آية ٨٠.

(٢) فى (أ) ينبنى.

(٣) ما بين الحاصرين سقط من ب.

(٤) سقط من ب.

(٥) سقط من ب.

(٦) وقيل : الباء للسببية ، أى بسبب إغرائك لى. وقال ابن عطية : فيها معنى المجازاة ، كما تقول : فبإكرامك. وهذا أليق بالقصة. (البحر المحيط ٥ / ٢٧٥).

١١٨

المعنى المقصود. وهذا جواب حسن ، إن رضيت به كفيت مؤنة السهر إلى السحر.

١٢٤ ـ قوله : (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) (١٨) ليس فى القرآن غيره ، لأنه سبحانه لما بالغ فى الحكاية عنه بقوله : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) الآية (١٦). بالغ فى ذمه فقال : (اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً) (١) (مَدْحُوراً). والذأم : أشد الذم.

١٢٥ ـ قوله : (فَكُلا) (١٩) سبق فى البقرة.

١٢٦ ـ قوله : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) (٣٤). بالفاء حيث وقع ، إلا فى يونس (٤٩) فإنه هنا جملة عطفت على جملة بينهما اتصال وتعقب ، فكان الموضع موضع الفاء وما فى يونس يأتى فى موضعه.

١٢٧ ـ قوله : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) (٤٥) ما فى هذه السورة جاء على القياس ، وتقديره : وهم كافرون بالآخرة ، (فقدم بالآخرة) (٢) تصحيحا لفواصل الآى ، وفى هود لما تقدم : (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) (١٨) ، ثم قال : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (١٨). ولم يقل : (عليهم) ، والقياس ذلك ، (ولو قال) (٣) لالتبس أنهم هم أم غيرهم ، فكرّر وقال : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (١٩) ليعلم أنهم هم المذكورون لا غيرهم ، وليس (هم) هاهنا للتوكيد كما زعم بعضهم ، لأن (ذلك) (٤) يزاد مع الألف واللام ملفوظا أو مقدرا.

١٢٨ ـ قوله : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) (٥٧) فى هذه

__________________

(١) فى أ : (مذموما) فى الموضعين. خطأ. وفى معنى الذأم قال قتادة لعينا. وقال الكلبى :

ملوما. وقال مجاهد : منفيا ، وقيل : ممقوتا مدحورا.

(البحر المحيط ٤ / ٢٧٧ ، ولسان العرب ١٢ / ٢١٩).

(٢) ما بين الحاصرين سقط من ب.

(٣) سقطت من أ.

(٤) سقطت من ب.

١١٩

السورة وفى الروم (١) بلفظ المستقبل. وفى الفرقان (٢) وفاطر (٣) بلفظ الماضى ، لأن ما قبلها فى هذه السورة ذكر الخوف والطمع ، وهو قوله : (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) (٥٦) وهما يكونان فى المستقبل لا غير ، فكان (يُرْسِلُ) بلفظ المستقبل أشبه بما قبله. وفى الروم قبله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ) (٤٦) فجاء بلفظ المستقبل وفقا لما قبله.

وأما فى الفرقان فإن قبله : (كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) (٤٥) الآية. وبعد الآية : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) (٤٧) و (مَرَجَ) (٥٣) و (خَلَقَ) (٥٤). فكان الماضى أليق به.

وفى فاطر مبنى على أول السورة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ) وهما بمعنى الماضى لا غير ، فبنى (على) (٤) ذلك فقال : (أُرْسِلَ) بلفظ الماضى ، ليكون الكل على مقتضى اللفظ الذى خصّ به.

١٢٩ ـ قوله : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) (٥٩). فى هذه السورة بغير واو ، وفى هود (٢٥) ، والمؤمنون (٢٣) (وَلَقَدْ) (٥) بالواو ، لأنه لم يتقدم فى هذه السورة ذكر رسول ، فيكون هذا عطفا عليه ، بل هو استئناف كلام. وفى هود تقدم ذكر الرسول مرات (٦) ، وفى

__________________

(١) فى الروم : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) الآية [٤٨].

(٢) فى الفرقان : (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) [٤٨].

(٣) فى فاطر : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) الآية [٩].

(٤) سقطت من ب.

(٥) ما بين الحاصرين سقط من ب.

(٦) فى هود من أولها احتجاج على الكفار بآيات الله التى أظهرها على أيدى أنبيائه وألسنتهم ، وتوعد لهم على كفرهم ، وذكر قصص من جحد آيات الأنبياء من قبلهم. وبعد عشر آيات جاء : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ..») إلى الآية [٢٥] منها تتحدث عن الرسالات والرسل.

١٢٠