إرشاد الأذهان إلى تفسير القرآن

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

إرشاد الأذهان إلى تفسير القرآن

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٩

بماله وضنّ به كما فعل مالك النخلة ثم التمس الغنى وطلبه بمنع العطاء وبالبخل (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) أي لم يصدّق بحسنى الثواب وبالجنّة (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) أي سنخلّي بينه وبين الأعمال الموجبة للعذاب (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) أي لا يفيده ماله إذا هلك ومات.

١٢ ـ ٢١ ـ (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى ...) أي إن علينا بيان الهدى بالدلالة عليه وأما الاهتداء فإليكم. (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) أي أن لنا أمرهما لأننا نملكهما (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) أي فحذّرتكم وخوّفتكم نارا تستعر وتلتهب وتتوقّد. (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) أي لا يلزمها إلّا الكافر بالله والكافر أشقى الأشقياء (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) أي كذّب بآيات الله ودلائله وانصرف عنها بتكذيب رسله (وَسَيُجَنَّبُهَا) أي يجنّب النار المتلظية (الْأَتْقَى) المبالغ في التقوى (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ) ينفقه في مرضاة الله (يَتَزَكَّى) يطلب أن يكون زكيّ النفس عند ربّه (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) أي أن الذي أعطى ماله لمستحقّيه وأنفقه في سبيل الله ولم يبتغ من وراء ذلك جزاء ممّن يعطيهم ولا يريد عوضا أو منة (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) أي إنما فعل ذلك مبتغيا وجه الله ورغبة في رضاه وثوابه (وَلَسَوْفَ يَرْضى) أي وسوف نعطيه حتى نرضيه من الثواب في الآخرة.

سورة الضحى

مكية ، عدد آياتها ١١ آية

١ ـ ٥ ـ (وَالضُّحى ...) هذا قسم منه سبحانه بالضّحى الذي هو وقت ارتفاع الشمس في الثلث الأول من النهار ، يعني أنه أقسم بقدرة من جعل الضّحى وأظهره في كل يوم (وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) أي سكن واستقرّ ظلامه وخيّم (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) يعني ما فارقك ربّك يا محمد ولا قطع عنك الوحي ولا أبغضك وهذا جواب القسم وقصة ذلك أنه احتبس الوحي عن النبيّ (ص) خمسة عشر يوما فقال المشركون : إنّ محمدا قد ودّعه ربّه وقلاه ، ولولا ذلك لتتابع الوحي عليه فنزلت هذه الآية الكريمة ... (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) أي أن ثواب الآخرة المعدّ لك خير ممّا في الدنيا الزائلة والحياة فيها (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) أي سيمنحك من الشفاعة وأنواع الكرامة ما ترضى به.

٦ ـ ١١ ـ (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ...) أي ألم تكن يتيم الأب والأم فآويتك إلى كنف عبد المطلّب وسخّرته لتربيتك وتعهّدك ، ثم عند ما مات آويتك إلى ظل أبي طالب فحماك وقدّمك على أولاده ودافع عنك؟ (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) أي غائب الفكر عمّا أنت فيه الآن من النبوّة والرسالة فهداك. فالضلال هنا عدم العلم بالشيء وانصراف الذهن عنه. وقيل في معناه : وجدك متحيّرا في معاشك فهداك إلى ذلك (وَوَجَدَكَ عائِلاً) أي فقيرا لا تملك مالا (فَأَغْنى) فأغناك بمال خديجة وبالغنائم وبالقناعة والرضى بما أعطاك فصرت غنيّ النفس. (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) أي لا تذهب بحقه لضعفه ولا تقهره بماله كما يفعل العرب وسائر الناس باليتامى (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) أي لا تردّ السّائل إذا أتاك وطلب منك صدقة ، حتى ولو كنت فقيرا فخاطبه خطابا ليّنا وردّه ردّا جميلا. وقيل إن المراد بالسائل هو طالب العلم ، ومعناه : علّم من يسألك الشرائع ولا تزجره (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) أي اذكر نعم ربّك وأفضاله بشكرها. وقيل إن نعمة الله هنا هي القرآن الذي هو من أعظم نعم الله على رسول الله (ص) فأمره بقراءته ، وقيل بل هي النبوّة والرسالة فبلّغ ما أرسلت به وأخبر الناس به.

سورة الشرح

مكية ، عدد آياتها ٨ آيات

١ ـ ٨ ـ (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ...) شرح الصدر هو التوسعة والتعبير عن سعة القلب والسرور والانبساط. وهو يعني ألم نفتح صدرك ونوسّع قلبك يا محمد بالعلم وبالنبوّة حتى قدرت على القيامة بأداء الرسالة؟. (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) أي حططنا عنك الثقل (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) أي الذي أثقله حتى سمع له نقيض أي صوت تعب (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) أي وقرنا ذكرك بذكرنا فلا أذكر أنا

٦٠١

في أذان ولا إقامة ولا تشهد ولا خطبة إلا وتذكر أنت. (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) أي إن مع الفقر سعة وغنى أو إن مع الشدة والضّيق فرجا (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) كرّرها سبحانه للتأكيد على ذلك. وقد قال الزّجاج : إنه ذكر العسر مع الألف واللام ثم ثنّى ذكره فصار المعنى : إن مع العسر يسرين (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) أي إذا انتهيت من أمر الصلاة المكتوبة فانصب وأتعب نفسك بالدّعاء والتضرّع إلى الله تعالى (وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) أي أقبل عليه وأطمع فيما عنده من الرحمة.

سورة التين

مكية ، عدد آياتها ٨ آيات

١ ـ ٨ ـ (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ...) إنه كغيره ممّا سبق ، قسم بالتين الذي نأكله أخضر ويابسا ، وبالزيتون الذي نأكله ونعصر منه الزيت (وَطُورِ سِينِينَ) أي الجبل ـ الطور ـ الذي كلّم الله عليه موسى (ع) ، وسينين وسيناء واحد. (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) أي مكة المكرّمة والبلد الحرام (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) هذا جواب القسم السابق ، وربما أراد سبحانه جنس الإنسان الذي هو آدم (ع) وذريته ، فقد جعلهم على اعتدال في الخلقة ، فهم منتصبوا القامة في حين أن الحيوان مكبّ على وجهه ، كما أنهم في كمال في أجسامهم وجوارحهم وأنفسهم ، وقد ميّزهم عن غيرهم بالعقل والنطق والتمييز والاختيار والتدبير. (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) أي أرجعناه إلى أرذل العمر والخوف ونقصان العقل. وقيل : المعنى إننا رددناهم بسبب كفرهم في الدرك الأسفل من النار. (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي الذين صدّقوا بوحدانيّة الله ورسله وقاموا بالطاعات والواجبات (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي أجر يستحقونه ولا منة عليهم به ، وقيل إنه أجر غير مقطوع. (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) أي أيّ شيء بعد هذه الحجج يجعلك أيها الإنسان تكذّب بالحساب والثواب والجزاء. أفلا تعتبر بما بين ولادتك وشبابك وهرمك لتستدل على أن الله الذي فعل ذلك بك قادر على بعثك وحسابك وجزائك (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) هذا سؤال يحمل معنى التقرير. يعني : إن الله تعالى أحكم الحاكمين في صنعه وفعله وتدبيره وحكمته التي لا خلل فيها.

سورة العلق

مكية عدد آياتها ١٩ آية

١ ـ ٥ ـ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ...) الخطاب لمحمد (ص) يأمره فيه ربّه بأن يقرأ باسمه وأن يدعوه به لأن في تعظيم الاسم تعظيم المسمّى (الَّذِي خَلَقَ) يعني ابتدع وأوجد جميع المخلوقات على مقتضى حكمته ، فأخرجها من العدم إلى الوجود بقدرته الكاملة (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) الإنسان هو الجنس من بني آدم ، يعني خلقهم من قطعة دم جامدة بعد النّطفة (اقْرَأْ) يا محمد ما نوحيه إليك (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) أي الأعظم كرما من كلّ كريم لأنه يهب ما لا يقدر عليه غيره ، وهو (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) أي علّم الكاتب أن يكتب بالقلم ليرسم ما يدور في فكره على القرطاس ممّا ينتفع به هو أو غيره. (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) فقّهه وفهمّه أنواع الهدايات ، وأبان له أمور الدين والأحكام والشرائع مما لم يكن على دراية بها.

٦ ـ ١٩ ـ (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى ...) أي : حقّا إن الإنسان ليتجاوز حدّه في ظلم نفسه وغيره حين يستكبر على خالقه (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) أي لأنه رأى نفسه غنيّا بقومه أو بماله أو بقوّته ، فقد تعدّى طوره وظنّ أنه بغنى عن ربّه (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) أي إليه مرجع جميع المخلوقات بما في ذلك هذا الطاغية الذي غرّته أمواله وأولاده وحياته الدنيا (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى) معناه : ألا ترى يا محمد هذا الكافر الذي ينهاك عن صلاتك ويعاديك من أجل دعوتك الناس إلى توحيد ربّك وعبادته؟ ففي الأخبار أن أبا جهل قال للناس : هل يعفّر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا : نعم ، قال : فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته. فقيل له : ها هو ذاك يصلّي. فانطلق ليطأ على رقبته فما فجأهم إلّا وهو ينكص على عقبيه ويتّقي بيديه؟ ... فقالوا : مالك يا أبا الحكم؟ ... قال : إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة ... وقال نبيّ الله :

٦٠٢

والذي نفسي بيده لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ... (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى) أي إذا كان محمد العبد المصلّي على هدى ونهي عن صلاته (أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى) أي أمر الآخرين بتقوى الله ومخافته ولزوم طاعته. والتقدير هنا : كيف تكون حال من يمنعه عن ذلك؟ (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ) هذا الضالّ الكافر أبو جهل (وَتَوَلَّى) انصرف وأعرض عن تصديقك (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) فهل غفل عن أن الله تعالى يراه ويرى ما يصنعه معك (كَلَّا) يعني : لا يعلم ذلك ولا يصدّقه لأنه كافر (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) إذا لم يمتنع أبو جهل عن تكذيبك وإيذائك (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) أي لنسحبنّه بشعر مقدم رأسه ولنجرّنه بها إلى النار. (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) وصفها سبحانه بالكذب والخطإ لأن صاحبها كاذب في ما يقوله في محمد ، وخاطئ في فعله معه (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) أي ليصرخ بعشيرته وأهل مجلسه لينصروه منّا (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) يعني سننتدب لعذابه ملائكة العذاب الموكّلين بالنار (كَلَّا) أي ليس الأمر كما يشاء أبو جهل (لا تُطِعْهُ) إذا نهاك عن الصلاة (وَاسْجُدْ) لربّك (وَاقْتَرِبْ) إليه بالثواب الذي أعدّه لك بطاعتك ، أو اسجد له متقرّبا إليه بالطاعة.

سورة القدر

مكية ، عدد آياتها ٥ آيات

١ ـ ٥ ـ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ...) القدر هو كون الشيء مساويا لغيره دون زيادة أو نقصان. وقدر الله الأمر : جعله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة. والهاء في (أَنْزَلْناهُ) تعني القرآن الكريم والمعنى أننا أنزلنا القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) أي وما علمك يا محمد بخطر هذه الليلة وحرمتها؟ (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي أن قيامها والعبادة فيها خير من القيام والعبادة في ألف شهر (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) أي تتنزل فيها من السماء (وَالرُّوحُ) أي جبرائيل (ع) (فِيها) في ليلة القدر ، ينزلون إلى الأرض ليسمعوا قراءة القرآن ، والثناء على الله سبحانه وتعالى ، وليروا الطاعات والعبادات. (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بأمره ينزلون. (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) أي بكل أمر يأتيهم من عندنا فيه خير لهم وبركة ورزق من هذا العام إلى العام المقبل. (سَلامٌ هِيَ) أي سلامة من الشرور والبلايا ومن همزات الشياطين (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) تبقى كذلك ليلة مباركة إلى وقت طلوع الفجر من صبيحتها.

سورة البيّنة

مدنية ، عدد آياتها ٨ آيات

١ ـ ٥ ـ (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ ...) المعنى أن الكافرين بنبوة محمد (ص) من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى والكافرين من مشركي العرب عبدة الأوثان أيضا ليسوا (مُنْفَكِّينَ) منتهين عن كفرهم ولا تاركين له (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) حتى يجيئهم البيان الواضح الذي هو محمد (ص) (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) والعبارة بيان للبينة وتفسير أي أن البيّنة كانت الرسول من الله الذي (يَتْلُوا) يقرأ عليهم (صُحُفاً مُطَهَّرَةً) أي مطهرة في السماء لا يمسّها إلّا الملائكة المطهّرون. وهذه الصّحف (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) ذات قيمة ، مستقيمة عادلة ليس فيها عوج ، لأنها تظهر الحق من الباطل ، وهي تعني القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) أي ولم يختلف هؤلاء اليهود والنصارى في محمد (ص) إلّا بعد مجيء البشارة به في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم فصارت الحجة قائمة عليهم. وقيل معناها : أنّ أهل الكتاب ظلّوا مجتمعين على تصديق البشارة بمحمد (ص) حتى بعثه الله تعالى ، وعندئذ تفرّقوا واختلفوا في أمره (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) أي لم يأمرهم ربّهم ولا أمرهم رسلهم إلّا بتوحيد الله وعبادته (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) لا يشاركون في عبادته أحدا غيره (حُنَفاءَ) مائلين عن جميع العقائد إلى عقيدة الإسلام (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) فيداومون على إقامة الصلاة ويدفعون زكاة أموالهم لمستحقّيها (وَذلِكَ) الدين الذي تقدّم ذكره (دِينُ الْقَيِّمَةِ) أي دين الكتب القيّمة الرفيعة القدر التي مرّ ذكرها.

٦ ـ ٨ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ ...) أي : إن من جحد توحيد الله وأنكر نبوّة محمد (ص)

٦٠٣

ومن أشرك مع الله إلها آخر في العبادة ، أولئك جميعا (فِي نارِ جَهَنَّمَ) فهي مقرّهم في الآخرة (خالِدِينَ فِيها) لا ينتهي عقابهم ولا يخفّف عنهم (أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) فهم أسوأ الخليقة وشرّها. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) صدّقوا رسولنا وعملوا بأمره (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وقاموا بالطاعات (أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أي أحسن الخليقة وخيرها. (جَزاؤُهُمْ) ثوابهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ) يوم القيامة (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) مرّ تفسير مثله (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) فارتضى عملهم (وَرَضُوا عَنْهُ) بما أعطاهم من ثواب. (ذلِكَ) الرضا والثواب يكون (لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) أي لمن خاف منه فعمل بأوامره وامتنع عن نواهيه.

سورة الزلزلة

مدنية ، عدد آياتها ٨ آيات

١ ـ ٨ ـ (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها ...) الزّلزلة ارتجاف الأرض واهتزازها ، أي : ما حالكم مع أهوال يوم القيامة إذا ارتجفت الأرض ارتجافا عظيما لقيام الساعة (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) أي لفظت الموتى من بطنها أحياء للحساب والعقاب والثواب. (وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها؟) أي أن المرء يقول متعجّبا من ذلك : ما للأرض تتزلزل ويحدث فيها ما لم يحدث قبل هذا؟ (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) أي تخبر بما جرى على ظهرها. (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) يعني أنها تحدّث بالأخبار قائلة إن ربّك يا محمد ألهمها التحدث بالأخبار. (يَوْمَئِذٍ) أي يوم القيامة وزلزال الأرض (يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) يرجعون من موقف الحساب بعد العرض على ربّهم متفرّقين ، فأهل الإيمان وحدهم ، وأهل الكفر وحدهم ، وكل أمة وحدها. (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) يعني ليروا ثواب أعمالهم أو عقابها (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) أي أن من يعمل خيرا يجد خير جزاء (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) يعني يجد عقاب ما عمله من السّيئات والقبائح.

سورة العاديات

مكية ، عدد آياتها ١١ آية

١ ـ ١١ ـ (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ...) العاديات هي الخيل التي تركض في الغزو للجهاد في سبيل الله ، أقسم بها سبحانه وهي تضبح ضبحا أي تصوّت من أجوافها أثناء الركض من غير أن تصهل أو تحمحم (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) هي الخيل التي توري النار بحوافرها إذا سارت في الأرض المحصبة. (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) أي الخيل التي تغير على العدو بفرسانها وقت الصّبح. (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) أي هيّجن الغبار فانعقد وراءها كالغيوم (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) أي توسّطن جميع العدوّ بعدوهنّ (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) هذا جواب القسم ، أي : وحقّ ما ذكرنا إن الإنسان لكافر جاحد بربّه (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) أي أن الله سبحانه يشهد ويرى كفر ذلك الإنسان. وقيل : إن الضمير يعود إلى الإنسان أي تشهد جوارحه على كفره وجحوده يوم القيامة. (وَإِنَّهُ) أي الإنسان (لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) يعني أنه شديد الحب للمال (أَفَلا يَعْلَمُ) أفلا يعرف هذا الإنسان (إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) أي إذا بعث الموتى وأخرجوا من القبور ونشروا للحساب.

٦٠٤

(وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) أي أظهر ما أخفته الصدور ليجازى من يكتم كفرا بكفره كما يجازى الكافر المعلن لكفره (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) أي أنه تعالى خبير بحالهم في ذلك اليوم وإن كان خبيرا بهم في كل حال.

سورة القارعة

مكية ، عدد آياتها ١١ آية

١ ـ ١١ ـ (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ ، وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ ...) القارعة : البليّة وهي هنا اسم من أسماء يوم القيامة لأنها تقرع القلوب بالخوف وتقرع أعداء الله بالعذاب. وقوله : (مَا الْقارِعَةُ) تعظيم لشأن القارعة وتهويل له. وما أدراك : أي أنك يا محمد لا تعلم حقيقة القارعة ، ولا تعرف وصفها بدقّة ، وهذا كلّه تخويف منها. (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) أي ذلك يكون حين ترى الناس متحيرين متفرقين كأنهم الفراش المتفرّق ها هنا وها هنا (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) أي تصير الجبال كأنها الصوف المندوف (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) في ذلك اليوم ، أي رجحت حسناته على سيئاته (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي أنه يصير إلى معيشة ذات رضا يرضاها صاحبها. (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) بأن قلّت حسناته وكثرت سيئاته فرجحت (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) أي فمأواه النار يسكن فيها ، وقد سمّاها (فَأُمُّهُ) لأنه يأوي إليها كما يأوي الإنسان إلى حضن أمّه. (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) هذا تهويل لأمر جهنّم يراد به أنك لا تعلم تفصيل حال جهنّم وما فيها من ألوان العذاب (نارٌ حامِيَةٌ) أي نار حارّة شديدة الحرارة.

سورة التكاثر

مكية ، عدد آياتها ٨ آيات

١ ـ ٨ ـ (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ ...) أي شغلكم تفاخركم وتكاثركم بالأموال والأولاد عن العمل للآخرة (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) يعني إلى أن متّم قبل أن تتوبوا وأنتم مثابرون على ذلك. وقيل بل حتى زرتم المقابر وعددتم الأموات تتكاثرون بهم قبيلة مع قبيلة وعشيرة مع عشيرة. (كَلَّا) أي ليس الأمر كما أنتم عليه من التكاثر بالمال والولد (سَوْفَ تَعْلَمُونَ ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) قالها مكرّرة لتكون وعيدا بعد وعيد ، أي أنكم سترون عاقبة تفاخركم هذا بالتأكيد ، إذا نزل الموت بساحتكم (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) أي : لا ، وليتكم تعلمون هذا الأمر علما يقينيّا ، وإذن لشغلكم علمكم به عن التباهي بالمال والرجال (لَتَرَوُنَ) هذا كأنّه قسم ، وهو يعني أن (الْجَحِيمَ) تبدو يوم القيامة للكفرة قبل دخولها (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها) بعد الدخول إليها (عَيْنَ الْيَقِينِ) أي بالمشاهدة المؤكّدة (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) يعني ستسألون ـ يا كفّار مكة ـ عن شكر ما كنتم فيه من النعيم الذي هو من الله ثم عبدتم غيره وأشركتم به. وقيل النعيم المسؤول عنه هو ولاية أهل البيت (ع).

٦٠٥

سورة العصر

مكية ، عدد آياتها ٣ آيات

١ ـ ٣ ـ (وَالْعَصْرِ ...) العصر هنا العشي أي الطرف الأخير من النهار. وقد أقسم سبحانه به لأنه يدل على إدبار النهار وإقبال الليل ، وذلك دليل على وحدانيّة موجدهما ومقدّرهما (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) فهذا جواب القسم الذي تقدّم. ومعناه أن كلّ إنسان في خسر ، أي في نقصان من عمره يوما بعد يوم وهو رأس ماله فإذا لم يقضه في الطاعة يكون قد خسر رأسماله ذاك (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فإنه سبحانه استثناهم من جملة الناس لأنهم مصدّقون به وبرسله وكتبه وملائكته ، عاملون بطاعاته ومنتهون عن معاصيه ، فليسوا في خسر كغيرهم (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) يعني وصّى بعضهم بعضا باتّباع الحق (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) أي بتحمّل الصّعاب والمشاق في الطاعات ، وبالصّبر على ترك المعاصي والمحرّمات.

سورة الهمزة

مكية ، عدد آياتها ٩ آيات

١ ـ ٩ ـ (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ...) الهمزة هو كثير الطّعن على غيره بدون حقّ ، واللّمزة : العائب للآخرين أيضا ، فالويل للطاعن في الناس بغير حقّ ، العائب لهم ، المفرّق بينهم بالنّميمة (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) أي كدّس المال عنده وأحصاه مرارا ، ويقال : معناه أعدّه لآفات الزمان وادّخره من غير الحلال ومنع الحق الذي فيه عن المستحقّين من الفقراء والمساكين. وقيل إن هذه الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة الذي كان كثير الغيبة والأذى لرسول الله (ص) وقيل غيره. (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) يظنّ أن ما جمعه من ماله يجعله من الخالدين في الدنيا ويحول بينه وبين الموت (كَلَّا) أي لا يكون ذلك (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) يعني ليطرحنّ ويقذفنّ في جهنّم ، التي تحطم العظام وتأكل اللحوم. (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ؟) أي وما علمك يا محمد ، ويا أيها الإنسان ما شأن تلك الحطمة؟ (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) أي المشعلة المؤجّجة بالوقود الهائجة اللهب (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) أي تعرف ما في القلوب ، وتشرف عليها فيبلغها ألمها الشديد (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) أي مطبقة مقفلة أبوابها على الكافرين لييأسوا من الخروج منها. (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) يعني أطبقت عليهم وشدّت أبوابها بأوتاد وبأعمدة من نار ممتدّة على مداخلها لإحكام إقفالها بحيث لا يدخل إليها روح ولا راحة من حرّها وألمها.

سورة الفيل

مكية ، عدد آياتها ٥ آيات

١ ـ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ ...) هذا خطاب منه سبحانه لرسوله محمد (ص) يلفت نظره فيه إلى الآية السماويّة العجيبة التي أمر بحلولها بأصحاب الفيل الذين قدموا من اليمن بقيادة ملكها أبرهة بن الصباح الأشرم المكنّى بأبي يكسوم الذي بنى (كعبة) باليمن وجعل فيها قبابا من ذهب وأمر أهل مملكته بالحج إليها وأراد بذلك مضاهاة بيت الله الحرام ، وأراد أن يدعو سائر العرب للحج إليها وأن يهجروا الكعبة المشرفة. ثم حلف أن يهدم بيت الله في مكة حتى لا يحج إليه حاجّ أبدا. ثم دعا قومه وركب فيلا وسار بهم نحو بيت الله فسمي ذلك العام بعام الفيل وفيه ولد رسول الله (ص). (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) يعني ألم يجعل ربّك يا محمد مكرهم وكيدهم في تخريب البيت وقتل أهله (وَأَرْسَلَ) بعث الله (عَلَيْهِمْ) على أصحاب الفيل (طَيْراً أَبابِيلَ) أي رفوفا وأسرابا يتبع بعضها بعضا ، قيل إنها كانت لها خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب (تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) يعني تقذفهم بها ـ وقد فسّرنا السجّيل في سورة هود (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) أي تركتهم كالزرع اليابس وتبنه الذي أكلته الدواب وراثته ثم ديس وتفرّق.

٦٠٦

سورة قريش

مكية ، عدد آياتها ٤ آيات

١ ـ ٤ ـ (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ ...) الإيلاف عكس الإيحاش ، كالإيناس وسكون النفس إلى من تألفه. وكلمة (لِإِيلافِ) جارّ ومجرور متعلّقان بالآية : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) ، التي في سورة الفيل السابقة. فقد فعل الله تعالى ذلك بأصحاب الفيل من أجل لمّ شمل قريش والتأليف بينهم ، وهذه نعمة منّا عليهم تضاف إلى نعمتنا التي تشملهم في رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى الشام. (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) أمر منه سبحانه بأن تكون عبادتهم موجهة لربّ الكعبة المقدّسة التي حماها الله لهم بآية من آياته العجيبة على مرأى منهم ومسمع (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) أطعمهم بما فتح عليهم من الأرزاق في رحلاتهم ، وآمنهم بأن لم يتعرّض لهم أحد في أسفارهم إذا قالوا له : نحن أهل حرم الله.

سورة الماعون

مكية ، عدد آياتها ٧ آيات

١ ـ ٧ ـ (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ...) يعني هل نظرت فعلمت يا محمد هذا الكافر المنكر للتوحيد والنّبوّة والبعث والجزاء فعن السدّي أنها نزلت في الوليد بن المغيرة ، وعن الكلبي أنها نزلت في العاص بن وائل السهمي ، بل قيل إنها نزلت في أبي سفيان بن حرب الذي كان ينحر جزورين في كل أسبوع فأتاه يتيم فسأله أن يعطيه شيئا فضربه بعصاه وطرده ، ولذلك قال سبحانه : (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) أي يدفعه بعنف وجفوة ، وإهانة. (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ولا يطعمه ولا يأمر بذلك غيره ولا يحثه عليه (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) أي الويل لمن يؤخّرون الصلاة عن وقتها ، أو هم الذين أبطنوا النّفاق وكانوا لا يرون ثوابا للصلاة ولا يخافون العقاب على تركها ، وهم يتغافلون عنها حتى يذهب وقتها لعدم اهتمامهم بها ، فإذا كانوا مع المؤمنين صلّوها في وقتها رياء ، وإذا كانوا وحدهم أهملوها ولم يعتنوا بها (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) يفعلونها رياء أمام الناس (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) الماعون لغة هو كلّ ما فيه منفعة ، وقد روي عن أبي عبد الله (ع) أنه القرض تقرضه ، والمعروف تصنعه ، ومتاع البيت تعيره ، ومنه الزكاة.

سورة الكوثر

مكية ، عدد آياتها ٣ آيات

١ ـ ٣ ـ (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ...) الكوثر من الكثرة وهو يعني الخير الكثير ، والشيء الكثير. وهذا خطاب منه سبحانه لنبيّه محمد (ص) أورد في مجال تعداد النّعم التي أنعم سبحانه بها عليه. وقد قيل في الكوثر أنه نهر في الجنّة أعطاه الله تعالى لرسوله (ص) وهو أشدّ بياضا من اللبن حافتاه قباب الدرّ والياقوت. (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) أي اشكر ربّك على نعمه الجزيلة وصلّ صلاة العيد لأنه عقّبها بنحر الأضحية والهدى. وقيل : يعني صلّ صلاة الغداة المفروضة بجمع ، وانحر البدن بمنى. (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) أي : إن مبغضك يا رسول الله هو المنقطع عن الخير ، أو منقطع النسل. وقيل إن الآية الكريمة نزلت في العاص بن وائل السهمي الذي التقى برسول الله (ص) يخرج من المسجد عند باب بني سهم فحدثه قليلا على مرأى من جبابرة قريش الذين كانوا يجلسون في المسجد ، فلما دخل العاص عليهم سألوه عمّن كان يتحدّث معه ، فقال : ذلك الأبتر ـ أي الذي لا عقب له ولا ولد ـ.

٦٠٧

سورة الكافرون

مكية ، عدد آياتها ٦ آيات

١ ـ ٦ ـ (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ... قُلْ) يا محمد : (يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) المنكرون لله ولرسوله (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) أي ولا أعبد أصنامكم التي تعبدونها. (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) وهو الله عزوجل الآن وفي هذه الحال أيضا. (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) فيما بعد اليوم وإلى الأبد (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) في المستقبل وفيما بعد اليوم. وقد أعلمه الله سبحانه أنهم لا يؤمنون به لشدة عنادهم. (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) أي لكم كفركم الذي قنعتم به وسيوردكم موارد الهلاك ، ولي دين التوحيد والإخلاص الذي به النجاة والفوز.

سورة النّصر

مدنية ، عدد آياتها ٣ آيات

١ ـ ٣ ـ (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ ...) أي إذا جاءك يا محمد نصر الله على من قاومك وعادى رسالتك ، وهم القرشيّون وأشباههم. (وَالْفَتْحُ) أي فتح مكة الذي نعدك به قبل وقوعه. (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) أي رأيتهم يسلمون ويسلّمون لك جماعة بعد جماعة وفرقة بعد فرقة (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) أي نزّهه عمّا لا يليق به من الصفات القبيحة ، واطلب رحمته ومغفرته حين يوليك هذه النّعمة العظيمة مع ما له من نعم جسمية عليك ، واحمده واشكره على ذلك (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) أي : إنه كان منذ كان ، يقبل التوبة ولو أذنب الإنسان وتاب ، ثم عاد للذنب وعاد للتوبة ، فإنه تعالى كثير القبول لتوبة التائبين متجاوزين عن المذنبين.

سورة المسد

مكية ، عدد آياتها ٥ آيات

١ ـ ٥ ـ (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ ...) تبّت : من التّباب أو التّب وهو الخسران المؤدي للهلاك. فالمعنى : خسرت يدا أبي لهب ، أي : خسر هو نفسه. وقد عبّر باليدين لأنهما يكون العمل بهما. وقد خسر خسرانا أكيدا ولا ينال خيرا لأن مصيره إلى النار بتكذيبه للنبيّ (ص) وما نفعه ولا دفع عنه عذاب الله ماله وما كسبه من حطام الدنيا. (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) أي سيدخل نارا ذات اشتعال واتّقاد شديد ، وهي نار جهنّم. (وَامْرَأَتُهُ) التي هي أم جميل بنت حرب ، أخت أبي سفيان رأس الشّقاق والنّفاق ، فلا غرو أن تكون مثله ، وقد ذمّها سبحانه بأن وصف كونها (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) بسبب أنها كانت تحمل الشوك فتطرحه في طريق رسول الله (ص) إذا خرج إلى الصلاة ليعقر رجليه الشريفتين إلى جانب أنها كانت تمشي بين الناس بالنميمة وتوقع بينهم الفتن وتبثّ الضغائن وتحتطب بذلك السيئات. (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) أي يكون في عنقها حبل كحبل الليف ولكنه من سلاسل النار إذلالا لها وخزيا لصنيعها في دار الدنيا. وقد سمّيت هذه السلسلة مسدا لأنها تكون ممسودة في عنقها ، أي مفتولة فتلا جيدا.

٦٠٨

سورة الإخلاص

مكية ، عدد آياتها ٤ آيات

١ ـ ٤ ـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ...) أي : قل يا محمد لجميع المكلفين : هو الله الذي تحق له العبادة و (أَحَدٌ) أصله :

وحد ، وقد قلبت الواو همزة. أما معنى الأحد فهو يختلف عن الواحد الذي يدخل في الحساب ويضمّ إليه ثان وثالث إلخ ... فإن الأحد متفرّد عن الشّبه والمثل لا يدخل في الحساب ولا يكون مجموعا لثان مثله. فكونه سبحانه أحدا يجعله متصفا بصفة لا يشاركه فيها أحد يجيز تعداد أحديّته وإضافتها إلى غيره ممن يمكن أن يكون مثله. (اللهُ الصَّمَدُ) أي أنه السيد المعظّم الذي يصمد إليه في الحوائج ، أي أنه المقصود. (لَمْ يَلِدْ) أي لم يخرج منه ولد (وَلَمْ يُولَدْ) يعني لم يتولّد ـ هو نفسه تعالى ـ من شيء آخر (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) أي ليس كمثله شيء يكون عديلا له ونظيرا فيشاكله ويكون ندا له.

سورة الفلق

مكية ، عدد آياتها ٥ آيات

١ ـ ٥ ـ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ...) هذا خطاب من الله سبحانه لنبيّه (ص) يأمره فيه بأن يستعيذ برب (الْفَلَقِ) الذي هو الفرق الواسع لغة ، فاستعذ يا محمد واعتصم ، وليستعذ كل واحد من أمّته وليعتصم ، بربّ الصبح الذي ينبلج ضياؤه فيبدّد الظّلمة بقدرة خالقه ومطلعه (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) أي استعذ من شر الإنس والجن وسائر الحيوانات التي قد تؤذي. (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) يعني واستعذ من شرّ الليل الهاجم بما تستر ظلمته من كائنات ضارّة موعد خروج السباع والهوامّ. وقد عبّر سبحانه عنه بالغاسق لهجومه شيئا فشيئا والوقب : الدخول. (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) أي من شر الساحرات اللواتي يقرأن وينفثن في عقد الخيط الذي يرقينه ليتمّ السّحر. (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) والحاسد هو الذي يتمنّى زوال النّعمة عن صاحبها وإن لم يردها لنفسه ، فالحسد يؤدي إلى إيقاع الشر بالمحسود ، فأمر سبحانه بالتعوذ من شرّ الحاسد ، وقيل من شرّ نفس الحاسد ، ومن شرّ عينه فإنه ربّما أصاب بهما فأضر.

سورة الناس

مكية ، عدد آياتها ٦ آيات

١ ـ ٦ ـ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ...) أي استعذ يا محمد بخالق الناس ومنشئهم ومدبّرهم (مَلِكِ النَّاسِ) يعني سيّدهم والقادر عليهم (إِلهِ النَّاسِ) الذي تحق العبادة له دون غيره. (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) فمعناه من شرّ الوسوسة الواقعة من الجن ، أو هو : من شر ذي الوسواس الذي هو الشيطان الذي وصفه سبحانه بقوله : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) أي ينفث في قلوبهم كلاما خفيّا يصل مفهومه إليها من غير أن يكون قول ومن غير أن يكون سماع. ثم ذكر أن الشيطان الموسوس قد يكون (مِنَ الْجِنَّةِ) الذي هم الشياطين (وَ) قد يكون من (النَّاسِ) فاستعذ من شرّ الإنس والجن.

٦٠٩