آلاء الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

الشيخ محمد جواد البلاغي

آلاء الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد جواد البلاغي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

(٢٩) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

____________________________________

أمهلتك زمانا. ومن تأكيد الاحتجاج المسوق بسياق الامتنان ولله الشكر قوله تعالى ٢٩ (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ) لمنافعكم التي تعرفونها والتي لا تعرفونها ومن منافعكم اعتباركم بخلقتها (ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) من نبات ومياه وحيوان ومعادن فتبصروا واعتبروا والتفتوا إلى ما في الأرض والبحار والنبات والحيوان من مظاهر قدرة الإله وإرادته وحكمته ورحمته (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أي جهة العلو. والتعبير بالاستواء مجاز باعتبار توجه إرادته وحكمته الى خلق السماوات في العلوّ بعد أن خلق الأرض وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام (فَسَوَّاهُنَ) وفسر إبهام الضمير بقوله تعالى (سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ) مما خلفه (عَلِيمٌ) كما يظهر على المخلوقات دلائل علمه وخلقه بالإرادة على مقتضى حكمته. وذكر جل اسمه من السماوات سبعا باعتبار ما يرونه ويعرفونه في تلك العصور من السيارات السبع وكسف بعضها لبعض وإن كانت السماوات في الهيئة القديمة تسعا لأن فلك الثوابت والأطلس كما يزعمون سماء ان أيضا. وفي الهيئة الجديدة باعتبار المدارات للسيارات اكثر من ذلك (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

تنبيه

لا يخفى ان الحذف لما يدل عليه المقام ويرشد وجه الكلام إلى حذفه باب من أبواب البلاغة عند العرب وهو في نثرهم وشعرهم كثير. ولنذكر له شيئا من شعرهم لمناسبة المقام وتوطئة لما يأتي في بلاغة القرآن الكريم من نوع الحذف. قال لبيد بن ربعة العامري

قالت غداة انتجينا عند جارتها

أنت الذي كنت لو لا الشيب والكبر

فحذف خبر «كنت» اي جميلا ونحو ذلك وغيرك الشيب والكبر. وقال مساور بن هند بن قيس

زعمتم أن إخوتكم قريش

لهم الف وليس لكم إلاف

أولئك أومنوا خوفا وجوعا

وقد جاعت بنو اسد وخافوا

فحذف تكذيبهم لدلالة حجته على ذلك. وقال عبد مناف الهذلي في آخر قصيدته

حتى إذا سلكوهم في قتائدة

شلا كما تطرد الجمالة الشردا

فحذف جواب إذا وعاملها لدلالة المقام وقوله «شلا» وقال الحارث بن حلزة اليشكري في معلقته

٨١

(٣٠) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً

____________________________________

لا تخلنا على غراتك انا

قبل ما قد وشى بنا الأعداء

فحذف المفعول الثاني وهو نهاب الملك أو نبالي به ونحو ذلك. أو حذف خبر «إنا» بهذا المعنى. أو كليهما فحذف المفعول الثاني بالمعنى المتقدم وخبر «إنا» بما يريد ان يتصوره السامع من التهويل بالتحمس. وقال آخر

إذا قيل سيروا ان ليلى لعلها

جرى دون ليلى مائل القرن أغضب

فحذف خبر «لعل» لنكتة آثرها فيما يتمناه من ليلى. وقال عبيد بن الأبرص يخاطب

امرء القيس نحن الأولى فاجمع جمو

عك ثم وجههم إلينا

فحذف الصلة ليحضر في ذهن السامع ما يريده الشاعر من وجوه الحماسة والتهويل.

وقد جمعنا في هذه المقدمة بعض الشواهد للحذف وأغراضه السامية لنحيل عليه في الاستشهاد لما يأتي من فرائد القرآن الكريم في وجوه البلاغة وبراعة البيان : هذا وقد استفاضت الرواية عن أهل البيت عليهم‌السلام في انه كان قبل آدم في الأرض نوع من الخلق قد أفسدوا وأهلكوا كما في رواية علي بن ابراهيم في تفسيره في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام والقوي عن الباقر (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام ورواه الصدوق أيضا في العلل. ورواية تفسير البرهان عن العياشي عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) والعياشي عن علي بن الحسين وعن عيسى بن حمزة عن أبي عبد الله. وروى ذلك الحاكم في مستدركه من طريق الجمهور وصححه عن ابن عباس. وأخرجه الطبري في تفسيره أيضا ولما ذكر الله خلقه للأرض وما فيها لينتفع الإنسان بذلك وذكر خلق السماوات ذكر ابتداء خلقه للإنسان وما جرى في ذلك من الشؤون وما في خلق الإنسان من الحكمة والكرامة لبعض أفراده ذوي الفضل فقال عزوجل ٣٠ (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) «إذ» ظرف وعامله محذوف يفسره قوله تعالى «قالوا» إلى آخر القصص كما يأتي ان شاء الله. وجاعل خالق من أجعله خليفة. والخليفة من يخلف غيره ويجوز أن يكون المراد من يخلف الخلق السابق المذكور في الروايات المشار إليها. وقيل ان «إذ» مفعول به أي اذكر في القرآن ذلك الحين للناس كقوله تعالى (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ) ولكن يلزم من هذا القول ان يكون

٨٢

قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ

____________________________________

الذكر مختصا بقول الله تعالى للملائكة (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ويكون ما بعده أجنبيا لأنه لم يفرّع عليه ليكون مرتبطا به كالارتباط الذي في قوله تعالى فأجاءها المخاض إلى آخره فالمناسب إذن هو أن تكون «إذ» ظرفا متعلقا بمحذوف يدل عليه سوق الكلام الذي يفسره وذلك بأن يكون التقدير وحين قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة جرت في ذلك محاورات وشؤون يفسرها قوله تعالى (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) قالوا ذلك حيث قد رأوا الخلق السابق وافسادهم وسفكهم للدماء كما دلت عليه الروايات المشار إليها وروى العياشي بسنده عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ما علم الملائكة بقولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء لو لا انهم قد رأوا فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. ولا يلزم أن يكون قولهم هذا اعتراضا وذنبا منهم. بل قالوا ذلك لأن الله أخبرهم في هذا الخطاب بأن الخليفة هو بشر من طين كما في قوله تعالى في سورة ص المكية ٧١ (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) فعرفوا من بشريته انه ذو شهوة وغضب وقد عهدوا من حال السابقين ان الشهوة والغضب ينشأ منهما الفساد وسفك الدماء. ولأجل بغضهم للفساد ومعصية الله سألوا عن الحكمة في خلق هذا الخليفة مع انه في الشهوة والغضب مثل السابقين الذين طهرت الأرض من فسادهم (وَنَحْنُ) من لطفك في خلقنا بلا شهوة ولا غضب إنا دائما (نُسَبِّحُ) والتسبيح (بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ) والتقديس (لَكَ) فإن شئت عمران الأرض بصلاح عبادتك فاجعلنا فيها. ولكن مع ذلك كان الأولى بهم أن لا يصدر منهم هذا السؤال في هذا المقام وإن كان سؤالهم للتعلم بل يفوّضوا الأمر إلى الله وحكمته وعلمه بما هو الصالح (قالَ) الله لهم (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) فإن في ذلك حكمة شريفة ولطفا خفيا إذ يكون من البشر أنبياء ورسل وأئمة فيهم شهوة وغضب وهم مع ذلك في أعلى درجات الطهارة والعصمة الاختيارية والطاعة والعبادة لله والتفاني في هداية الناس وإصلاحهم. وفيما أشرنا اليه في تفسير القمي وعلل الصدوق عن امير المؤمنين عليه‌السلام جاعل في الأرض خليفة تكون حجة لي على خلقي. وفيه ايضا. اجعل من ذريته أنبياء وعبادا

٨٣

(٣١) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٢) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٣) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ

____________________________________

صالحين وأئمة مهديين وأجعلهم خلفاء الحديث. ٣١ (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) اي اسماء هؤلاء الهداة. روى الصدوق بسندين معتبرين عن الصادق (ع) ان الله تبارك وتعالى علم آدم اسماء حججه كلها ثمّ عرضهم وهم أرواح على الملائكة فقال انبؤوني بأسماء هؤلاء (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) وهم أرواح طاهرة وأنوار قدسية تضيء بالهدى والطهارة والعصمة الاختيارية (عَلَى الْمَلائِكَةِ) ليعرفوا فضلهم الفائق ويظهر لهم شيء من وجه الحكمة في خلق الله للبشر وعلمه بالذين تشرق الأرض بنورهم وتقوم بهم الحجة على الملائكة (فَقالَ) الله بعد ان عرضهم وعرف الملائكة حالهم من الفضل (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) الذين عرفتم فضلهم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في دعوى العلم حتى قلتم قولكم ذلك ٣٢ (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) في أعمالك ٣٣ (قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ) الله للملائكة (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) فيما علمتكم من جلال الإلهية أو في معنى القول السابق إني أعلم ما لا تعلمون (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وفوق ذلك إني أعلم ما في الضمائر (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) يدل قوله تعالى (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) ان هناك شيئا كتمته الملائكة ... هذا وقيل في هذه الآيات ان الله علم آدم اسم الصفحة والقدر وكل شيء حتى البعير والبقر والشاة. وقيل اسماء الأدوية والنبات والشجر والجبال ونحو ذلك. ولكن هذا كله ليس فيه مناسبة لسؤال الملائكة ولا للاحتجاج عليهم بالعلم بمواقع الحكمة في خلق الخليفة. بل ليس فيه جواب لسؤال أصلا. مع ان ذلك لا يناسب قوله تعالى. عَرَضَهُمْ. هؤُلاءِ. بِأَسْمائِهِمْ) فإن الإشارة وهذه الضمائر مختصة بمن يعقل. ودعوى ان الله غلب من يعقل على سائر الأشياء ما هي إلا مجازفة. مضافا إلى ان الله قال (الْأَسْماءَ كُلَّها) ليظهر فضل العلم بهذا العموم خصوصا على ما قيل فلا يناسب ان يؤتى بلفظ مختص في اللغة بالعاقلين على خلاف

٨٤

(٣٤) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ

____________________________________

العموم لما ذكروه ولا ينطبق على ما يدّعى من العموم لكل الأشياء إلا بعد التي واللتيا من دعوى التغليب الذي لا قرينة عليه في اللفظ ولا في سياق الكلام وليس هو كالتغليب في قوله تعالى (خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ) الآية ٣٤ (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) الظاهر ان «إذ» هنا كسابقتها في المعنى والعامل وان قوله تعالى (فَسَجَدُوا) إلى قوله تعالى (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) يكون تفريعا وتفسيرا لما حدث في ذلك الحين. والأمر للملائكة بالسجود شامل لإبليس لاندماجه حينئذ في زمرتهم وان كان في الأصل من الجن وقد علم إبليس بشمول الأمر له ولذا لم يعتذر بأن الأمر لم يكن شاملا له بل التجأ في استكباره إلى القياس .. والسجود يجوز ان يكون لآدم ابتداء بعنوان التكريم لا العبادة. فإن السجود الذي يختص بالله ويمنع العقل والشرع ان يؤتى به لغيره إنما هو ما كان بعنوان العبادة والخضوع بعنوان الإلهية. ويجوز ان يكون لله شكرا على خلقه لآدم وما له ولبعض ذريته من الفضل ومن ذلك يحصل لآدم نوع من التكريم والتعظيم وبهذا الاعتبار قال الله (اسْجُدُوا لِآدَمَ) والوجه الأول أظهر من اللفظ. وإن ثبت في شرعنا تحريم مطلق السجود لغير الله فلم يثبت المنع منه حتى في ذلك الحين (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) عن السجود (وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ ٣٥ وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) يقال لامرأة الرجل زوج وزوجة والأول هو اللغة العالية وبها جاء القرآن. والجنة اسم للبستان وروى الكليني وابن بابويه مسندا والقمي مرفوعا عن أبي عبد الله (ع) ان جنة آدم من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة او الخلد لما أخرج منها انتهى. وهذا لا يستلزم كونها في الأرض (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) الأمر بالأكل كالأمر بالسكنى في الجنة إنما هو للاباحة والإنعام. والرغد صفة للمصدر اي اكلا رغدا رافها ليس فيه عناء وكلا من أي مكان شئتما مما يؤكل منه بلا حجر ولا نهي ارشادي (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) لا يخفى من دلالة المقام والنظائر ورواية العياشي عن الباقر (ع) ان المراد هنا هو عدم الأكل منها لا مطلق القرب ولكن صدر النهي بصورة النهي عن

٨٥

فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٦) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ

____________________________________

القرب لأجل بيان التحذر من الأكل منها كقوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ). و (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى). ولم يصح ما روي في حقيقة الشجرة. والنهي هاهنا للإرشاد. لا للتحريم بدليل قوله تعالى في بيان الحال في سورة طه المكية ١١٥ ـ ١١٨ انه عدو لكما (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) اي تقع في شقاء العيش ومشقته ويؤكد دلالة السياق على ذلك انه نسب الشقاء إلى آدم دون زوجته نظرا إلى ما جرت به العادة في الأرض في ان الرجل هو الذي يتعب في تحصيل المعيشة والمرأة عيال عليه (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها) اي في الجنة (وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) ولا تحتاج لأن تتعب فكرك وبدنك في تحصيل المأكول والملبوس والمشروب والشيء الذي يظلك من حرارة الشمس. فلم يرتب على إخراج إبليس لهما اثم معصية وفسق خروج عن الطاعة ولا حذّره من ذلك كما يقتضيه اللطف فالنهي لمحض الإرشاد إلى ان لا يقع في ورطة الأكل المستتبع بحسب الحكمة للخروج من نعيم الجنة إلى شقاء عيش الأرض وتعبه. وإن مخالفة النهي الإرشادي تسمى ايضا معصية وما كلّ معصية تساوي الذنب والإثم (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) لأنفسكما بالخروج من النعيم إلى التعب. ومثل هذا الظلم لا يستوجب ذما ولا يعد ذنبا. والظلم في اللغة يساوق وضع الشيء في غير محله. وضدّ الإنصاف او العدول ومنه الحديث لزموا الطريق فلم يظلموه اي لم يعدلوا عنه. ولقد اغرب من قال ان الظلم اسم ذم لا يجوز ان يطلق على غير المستحق للعن لقوله تعالى (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). أفلا يدري ان الآية المذكورة وردت في سورة الأعراف ٤٢ وسورة هود ٢١ (عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) ٣٦ (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) زلت قدمه ورجله لم تثبت في مكانها وتحولت عنه وكذا الإنسان وأزله حمله او ألجأه إلى الزلة والزلل فأزلهما الشيطان بوسوسته وغوايته ومخادعته باليمين الكاذبة عن الوصية المدلول عليها بقوله تعالى (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ). و (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ (١) الْجَنَّةِ فَتَشْقى). او ازلهما عن الجنة ولم يتركهما ثابتين فيها. وقد رويت في كيفية وصوله إليهما بالوسوسة والمخاطبة بالإغواء روايات لم تصح (فَأَخْرَجَهُما) صار بإغوائه لهما سببا لخروجهما من حيث تبدل المصلحة في إسكانهما الجنة فنسب الإخراج اليه على سبيل المجاز في الاسناد (مِمَّا كانا فِيهِ) من النعيم

٨٦

وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٧) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٨) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً

____________________________________

واللباس والعيش الرغيد (وَقُلْنَا اهْبِطُوا) الخطاب لآدم وحوا وإبليس. وإذا كان إبليس هابطا الى الأرض قبل ذلك جاز هذا الخطاب بمعنى تساووا في الهبوط منها (بَعْضُكُمْ) إبليس وآدم وحوّا او ذريتهما (لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) وعداوة البشر لإبليس باعتبار النوع وان أطاعه بعض الناس (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) اسم مكان أي موضع استقرار ومصدر والاستقرار معروف (وَمَتاعٌ) اسم لما ينتفع به (إِلى حِينٍ) محدود لكل بموته حتى إبليس عند الصعقة الأخيرة قريب القيامة والبعث ٣٧ (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) التلقي هنا أخذ آدم للكلمات من الله باستقبال وقبول وتعلم وعمل. ومقتضى السياق هو ان آدم ندم على مخالفة الله في أمره الارشادي وأراد التوبة والرجوع الى مقام الأولياء المتبعين لإرشاد الله في العمل والترك وصار يحاول الوسائل التي يتوب الله بها عليه فيعلمه الله كلمات توقفه في مقام المنيبين وتعرفه فضيلة ذوي الفضل. وقد روي من طرق الفريقين انه نحو من الدعاء وفي الدر المنثور مما أخرجه الديلمي في الفردوس مسندا عن علي عليه‌السلام دعاء فيه اللهم إني اسألك بحق محمد وآل محمد مكررا. ومما أخرجه ابن النجار والبيهقي مسندا عن ابن عباس عن رسول الله «ص» سألته عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه قال سئل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فتاب عليه وروي من طريق الإمامية نحو ذلك كما رواه الكليني والصدوق عن ابن عباس ومرفوعا والعياشي نحوه عن عبد الرحمن بن كثير عن الصادق عليه‌السلام وعنه ايضا مرسلا. ولا منافاة بين روايات الدعاء وروايات الاستشفاع بأهل البيت لجواز الجمع بينهما (فَتابَ عَلَيْهِ) فرجع عليه بالرحمة ولطف الإرشاد وقرب المنزلة والزلفى (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ولأجل الاختصار لم تذكر هنا توبة حوّا ولأنها معلومة مذكورة في سورة الأعراف المكية ٢٢ ٣٨ (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) كرر ذكر الأمر بالهبوط لأجل ان يذكر ما كان مرتبطا به من الكلام كما تدل على ذلك سورة طه المكية ١٢١ و ١٢٢ فقد جمع فيها ما بعد الأمرين بالهبوط هنا بعد امر واحد. وجميعا يراد منه ايضا ذرية آدم باعتبار هبوط أبويهم (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) اما شرطية

٨٧

فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٠) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ

____________________________________

والهدى الرسالة والآيات ودلائل الحق (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) في الآخرة وهذه الجملة جواب للشرط في (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ ٣٩ وَالَّذِينَ) لا يتبعون الهدى بل (كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ٤٠ يا بَنِي إِسْرائِيلَ) خطاب للموجودين منهم عند النزول. وإسرائيل لقب يعقوب بن اسحق بن ابراهيم الخليل معرّب يسرئيل في العبرانية. وروي ان معناه عبد الله او قوة الله (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) فيما خص الله به آباءهم من التوفيق للتوحيد الموروث من ابراهيم وإرساله موسى والأنبياء منهم ونجاتهم من فرعون وقومه وظهور الآيات لهم وإنزال المن والسلوى عليهم وتوريثهم الأرض المقدسة وإهلاك أعدائهم وغير ذلك. وهذا النهج متعارف في الخطاب بأن يخاطب الموجودين من القبيلة والأمة بأمور أسلافهم لا سيما ما يعود أمره في الفخر والوبال على الموجودين. وشواهده في النثر والنظم من العرب وغيرهم كثيرة جدا (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) قد قطع الله العهد مع بني إسرائيل على العمل بما في التوراة من توحيده وعبادته واتباع دين الحق والعمل بالشريعة واتباع النبي الذي يقيمه الله لهم من إخوتهم بني إسماعيل ويجعل كلامه في فمه وان يسمعوا له ويطيعوا. ومهما حرّفت التوراة فقد بقي هذا العهد فيها. وان قراءة اليهود لها والالتزام بها في جميع اجيالهم التزام بهذا العهد وكذا المخاطبين بالآية من اليهود المعاصرين لرسول الله «ص» (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) من اللطف والتوفيق والتسديد وثواب الآخرة. ويؤخذ من الآية قاعدة كلية وهي ان من لم يف بعهد الله فيما أخذه من الدين والشريعة فهو بنفسه قد نقض عهد الله معه وخرج عن كونه أهلا لما وعد به من اللطف والرحمة واستجابة الدعاء وعلى ذلك جاءت صحيحة القمي عن جميل عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام في استجابة الدعاء. ومن عهود الله ومصاديق هذه القاعدة كما في الكافي في موثقة سماعة عن الصادق عليه‌السلام ورواية ابن بابويه عن ابن عباس هو ما عقد رسول الله «ص» لأمير المؤمنين «ع» في غدير خم كما تواتر به الحديث بين المسلمين (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) الرهبة الخوف والتقدير وإياي ارهبوا أي ولتكن رهبتكم منحصرة

٨٨

(٤١) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤٢) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٣) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ

____________________________________

بي ولا يحملكم على نقض عهدي رهبة من شيء فارهبوني ولا تنقضوا عهدي وحذفت كلمة ارهبوا لدلالة «فارهبون» ٤١ (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ) اي القرآن الذي أنزلته على رسولي محمد (ص) وهو النبي الذي وعدكم به الله وموسى وأخذ الله عهدكم باتباعه (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) وبقي عندكم حتى في توراتكم المحرقة وهو أن الله يجعل كلامه في فم ذلك النبي. وقد دلكم اعجاز القرآن على أنه كلام الله. أو مصدقا لما معكم من الإيمان بالله واسم توحيده والاعتقاد بالنبوات ورسالة موسى وآياته. ولا يصح أن يقال أنه مصدّق لما معهم من التوراة محرّف (١) بأشد التحريف المشتمل على الكفر والخرافات. والقرآن صريح في مخالفتها في ذلك وقد أشرنا إلى شيء من ذلك في الفصل الأول من المقدمة في اعجاز القرآن في وجهة التاريخ (وَلا) تكفروا به (تَكُونُوا) مع عهد توراتكم بالنبي وجعل الله كلامه في فمه ومع دلالة الوجوه المتعددة في اعجاز القرآن (أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) أول من يعدّ من الكافرين به. وذلك لتفاحش كفركم بعد قيام الحجة عليكم من وجوه عديدة. يقال لكثير الكذب وشديد الفسق أول كاذب وأول فاسق اي أول من يعد من الكاذبين ومن الفاسقين (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي) مع وضوح الحجة عليكم (ثَمَناً قَلِيلاً) الثمن يشتريه الإنسان في معاملته كما أن الآخر يشتري السلعة واستعير لاستبدالهم آيات الله بأهوائهم لفظ الشراء لما فيه من استبدال شيء بشيء كما قال ابو ذؤيب الهذلي

وان تزعميني كنت أجهل فيكم

فإني شريت الحلم بعدك بالجهل

والثمن القليل الحقير هو خوفهم من أكابرهم او حرصهم على جامعتهم الاسرائيلية او حسدهم للرسول (ص) وغير ذلك من أباطيل الأهواء (وَإِيَّايَ) اتقوا او احذروا نكالي وعذابي للكافرين المعاندين للحق بأهوائهم (فَاتَّقُونِ ٤٢ وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) ولا تجعلوا على الحق المعروف لباس الباطل ترويجا لباطلكم (وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) به. فأسلموا وفاء بعهد الله وعملا بالحق الذي تعلمون به ٤٣ (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) من المسلمين

__________________

(١) فان ما معهم من التوراة محرف

٨٩

(٤٤) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٥) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ الَّذِينَ

____________________________________

٤٤ (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) من الصدق واتباع الحق وطاعة الله (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) فإن فيه بقية من وصايا التوراة الحقيقة في الإرشاد والتعليم باتباع الحق والعمل بالعلم (أَفَلا تَعْقِلُونَ) كيف لا يقبح من الإنسان ان يترك عمل البر الذي يعلم به ٤٥ (وَاسْتَعِينُوا) على ما يراد منكم مما فيه سعادتكم في الدين والدنيا وتوصلوا اليه بالأسباب المروضة للنفس والموجهة لكم الى الله في استعانته وطلب توفيقه وتسديده (بِالصَّبْرِ) على الوفاء بعهد الله والإيمان برسوله محمد (ص) وما أنزل اليه وعلى طاعة الله في أوامره ونواهيه وعلى مخالفة النفس الأمّارة وعلى مكافحة الكفر والضلال بنصر الدين ونشر الهدى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى نوائب الدنيا بالتسليم لأمر الله. فإن الصبر في الآية الكريمة مطلق وأثره في جميع ما ذكرناه جلي محمود كما يدل عليه ما جاء في الكتاب والسنة في فضل الصبر وفي بعض رواياتنا المعتبرة تفسير الصبر بالصوم وذلك باعتبار كونه احد المصاديق وله الأثر الكبير في ترويض النفس وتمرينها على الصبر وتصفيتها وتوجيهها الى الله (وَالصَّلاةِ) فإن أقوالها وأحوالها تعلّم بكل وجهة من تهذيب الأخلاق. وان الإتيان بها بحقيقتها والتدبر لمضامين آياتها وأذكارها يهدي الى كل خير وهي باب الله في مناجاته والاستعانة به (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) على نوع الناس يرونها حملا كبيرا يثقل عليهم فيقوم إليها من يقوم على كسل وتثاقل (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) الخشوع فوق الخضوع لا يقبل التصنع فيه نوع من الانكسار يظهر على الإنسان وعلى القلب وعلى البصر وعلى الصوت كما جاء في القرآن الكريم أي إلا على الذين شعارهم الخشوع من خوف الله كأنهم أشرفوا على الموت والمعاد والحساب فخشعوا لذلك واستعدوا للزاد وطلب المغفرة ومناجاة الحق رغبة ورهبة ودعاء وثناء لم يغلبهم طول الأمل ليروا الموت بعيدا فيطمئنوا بالحياة ويسوفوا الأعمال الصالحة والاستعداد للآخرة بل غلبوا الأمل وقرّبوا الموت الى ظنهم كما قال امير المؤمنين لهمام في صفة المتقي يراه قريبا أجله أي يرى آثار ذلك عليه. وحالهم كما قال الحسن (ع) في وصيته لجنادة واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ٤٦ (الَّذِينَ) نظروا الى الدنيا

٩٠

يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٧) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٨) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٩) وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ

____________________________________

وفنائها بعين البصيرة واشتاقوا الى نعيم الآخرة فهم (يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) ومستوفو آجالهم في ساعتهم وما يقرب منها (وَأَنَّهُمْ) عن قريب (إِلَيْهِ راجِعُونَ) رجوع جزاء واستسلام ٤٧ (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) وقد مرّ شيء من بيان ذلك في الآية الثامنة والثلاثين وكرر هنا تأكيدا في استلفاتهم الى النعم واقامة للحجة بها عليهم (وَ) اذكروا (أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ) بها (عَلَى الْعالَمِينَ) في زمان اسلافكم ٤٨ (وَاتَّقُوا) يوم القيامة يوم الحساب والنكال (يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) أي لا تقضي ولا تؤدي مما عليها شيئا من جزى الدين إذا قضاه (وَلا يُقْبَلُ مِنْها) من النفس الأولى (شَفاعَةٌ) من حيث انها نفس لها نحو صلة بالمشفوع له. وقد تقدم في تفسير سورة الفاتحة ما يدل من القرآن الكريم على تحقق الشفاعة بإذن الله ورضاه واجمع المسلمون على ان لرسول الله (ص) شفاعة مقبولة وان جازفت المعتزلة بدعوى اختصاصها بمنافع المؤمنين. وأجمعت الإمامية على ثبوت الشفاعة للنبي الكريم وأهل بيته الطاهرين وأصحابه المنتجبين وصالحي المؤمنين وبذلك جاءت أحاديث الفريقين (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها) من النفس الثانية (عَدْلٌ) عدل الشيء بالفتح ما يقوم مقامه من غير جنسه بمعنى ولا يقبل منها فداء معادل. واحتمل عود الضمير هنا الى النفس الأولى ايضا بمع نى لا تقبل شفاعتها ولا يؤخذ منها فداء للنفس الثانية والأول اظهر وأنسب بالاستقصاء وأبعد عما يعود الى التكرار لمعنى لا تجزي (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي اهل ذلك اليوم المدلول عليه بتعدد النفوس ليس لهم ناصر على الله وحسابه وعذابه وناهيك بالتهديد بذلك اليوم ما ذكر فيه فليتقه ذوو الشعور ٤٩ (وَ) اذكروا يا بني إسرائيل (إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) حال كونهم (يَسُومُونَكُمْ) قريب من معنى يولونكم (سُوءَ الْعَذابِ) قال عمر بن كلثوم في معلقته

إذا ما الملك سام الناس خسفا

أبينا ان يقر الخسف فينا

٩١

يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٥٠) وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥١) وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ

____________________________________

(يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) أي يكثر ويعم ذبحهم لهم (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أي البنات اللاتي يولدن لكم ولا يذبحونهن كالأبناء. فكأنهم يتركهنّ طلبوا حياتهنّ وسميت نساء باعتبار بقائهن نوعا إلى زمان الكبر (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) نسب البلاء إلى الله باعتبار قدره وقدرته على رفعه وإملائه لآل فرعون ٥٠ (وَ) اذكروا (إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) فصلنا البحر بعضه من بعض. ومن قوله تعالى في سورة الشعراء (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) يعرف ان إفراقه كانت متعدة وطرق بني إسرائيل فيما بينها متعددة. فرقنا بكم أي أنتم الفاصل والفارق ما بين اجزائه في عبوركم فيه على اليابسة وهذا أوضح في المعجز وأوضح في خرق العادة (فَأَنْجَيْناكُمْ) من مضايقة فرعون وجنوده ومن البحر (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) حين اتبعوكم في البحر (وَأَنْتُمْ) خارج البحر (تَنْظُرُونَ) إلى غرقهم. والبحر هو خليج السويس من البحر الأحمر وعرضه بحسب اختلاف مواقعه من نحو عشرة أميال إلى نحو عشرين ميلا واقتصر هنا في ذكر الغرق على آل فرعون باعتبار الامتنان بالنجاة من جيشهم بغرقه. وفي ذكر فرعون وعتوه والانتقام منه قال الله في سورة الاسراء ١٠٥ (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) ٥١ (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) باعتبار مجموع الوعدين الوعد الأول وهو ثلاثون ليلة والثاني وهو إتمامها بعشر كما في سورة الأعراف ١٣٨ (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) إلها كما في سورة طه المكية ٩٠ (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) ولم نجد صراحة يعوّل عليها في ان الذين عبدوا العجل هم كل بني إسرائيل الموجودين حينئذ ما عدا هارون أو بعضهم. لأن سوق الخطاب هنا وفي سورة النساء إنما هو باعتبار البعض من بني إسرائيل فيجوز ان يكون باعتبار البعض من جيش موسى نعم في سورتي الأعراف وطه نسب اتخاذ العجل وإضلال السامري إلى قوم موسى ولكن يجوز ان يكون ذلك باعتبار البعض الكثير. نعم ربما يستظهر انهم البعض من قول هارون كما في سورة طه (إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ولكن تزاحم الاحتمالات في مراده من التفريق يزاحم ذلك الاستظهار. وغرض القرآن الكريم من قصصه

٩٢

مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ

____________________________________

إنما هو التذكير والموعظة ولا يهمه تاريخيتها لكي ينص على الكل أو البعض (مِنْ بَعْدِهِ) من بعد ان غاب عنكم موسى في ميعاد ربه (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) لأنفسكم ولعقولكم وللحقايق ٥٢ (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي من بعد ما وقعت عبادة العجل. والسياق في خطاب بني إسرائيل بأحوال بعضهم لا يترك في الآية ظهورا في العفو عمن عبد العجل ويجوز ان يكون حينئذ من لم يعبد العجل ولكنهم تخاذلوا ولم ينصروا هارون بالنهي عن هذا المنكر العظيم فعفا عنهم بتوبتهم كما في الآية الآتية (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) جيئ بلعل عوضا عن لام الغاية للوجه الذي سنذكره ان شاء الله في الآية الحادية والثمانين بعد المائة ٥٣ (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ) ترتيب القصة يقضي انها الألواح التي جاء فيها في سورة الأعراف ١٤٢ (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) ١٥٣ : (أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ) فتكون بهداها فارقة بين الحق والباطل فسميت فرقانا ويجوز ان يراد بالكتاب والفرقان التوراة (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي لغاية ان تهتدوا وجيء بلعل لما أشرنا اليه ٥٤ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) إلها (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) الله الذي خلقكم وبرأكم بعد عدمكم. وما ذكرناه من سياق الآيات في خطاب القبيلة بفعل بعضها لا يترك في الآية ظهورا بأنهم كلهم عبدوا العجل. وإن أردتم التوبة الصادقة التي تمحو ما وقع فيكم من الشرك بالله بعبادة العجل (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) الجملة بدل من «فتوبوا» لبيان أن الذي تتحقق به توبتكم هو ان تقدموا على قتل بعضكم بعضا فكان ذلك نفس التوبة هنا والظاهر انه ليس المراد ان ينتحروا ويقتل كل انسان نفسه بل قتل النفوس المضافة إليهم بالقرابة والرحم الماسة فقد كانوا عبارة عن آباء وأبناء واخوان وأعمام وبني أعمام وكلهم مرتبطون بولاء القبيلة والقومية والجامعة الاسرائيلية (ذلِكُمْ) اي توبتكم بقتلكم نفوسكم وأقدامكم على ذلك طاعة لله وتكفيرا لما وقع من الشرك وردعا عن مثله (خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) وفي التعبير بقوله تعالى «بارئكم» في

٩٣

فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٥) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٦) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٧) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا

____________________________________

الآية اشارة إلى أن الله هو بارئكم والمنعم بخلقكم فما أهون نفوس المشركين وقتلهم في جنب الحماية لتوحيده وقمع ضلال الإشراك به وفي جنب رضاه وتوبته عليكم. ففعلوا شيئا من ذلك كما يدل عليه السياق مع قوله تعالى (فَتابَ عَلَيْكُمْ) وهو خطاب لبني إسرائيل الموجودين في عصر الرسول بالنهج المتقدم من خطاب بعض القبيلة باعمال بعضها وباعتبار ان التوبة على قوم موسى في تلك الواقعة يعود نفعها على المخاطبين وعلى كل بني إسرائيل في جميع أجيالهم ببقاء جامعتهم القومية وصورة الدين والتوحيد (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ٥٥ وَإِذْ قُلْتُمْ) خوطبوا بذلك باعتبار قول الأسلاف من قبيلتهم (يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) الصوت الشديد وأخذها هو استيلاؤها عليهم والمراد اماتتها لهم (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) توهما منكم انكم ترون الله تعالى شأنه. روى ابن بابويه في العيون عن الرضا عليه‌السلام ما ملخصه : ان بني إسرائيل قالوا لموسى لن نؤمن لك بأن الله أرسلك وكلمك حتى نسمع كلام الله فاختار منهم سبعين رجلا فلما سمعوا كلام الله من الجهات الست قالوا لن نؤمن بأنه كلام الله حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فماتوا ٥٦ (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) كل الخطاب باعتبار أحوال السلف (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) اي لغاية ان تشكروا الله على الاحياء بعد الموت ٥٧ (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) الظاهر من الامتنان بالتظليل انه غير السحاب الذي للمطر (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَ) ويسمى بذلك أيضا في التوراة العبرانية الدارجة او يسمى مان بفتحة مشالة إلى الألف. وقال بعض المفسرين انه الترنجبين وليس له مستند يعوّل عليه (وَالسَّلْوى) وتسمى في التوراة العبرانية ايضا سلو. او سلاو. وفي السبعينية تقرأ سليو وفي كتب اللغة انه طائر او نحو الحمامة (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) حكاية لخطاب القدماء في عصر موسى (وَما ظَلَمُونا) بما صدر منهم من المعاصي وكفران النعم وعبادة العجل وقولهم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فإن الله غني عن طاعتهم ولا تضره معصيتهم. بل هم الذين تنفعهم الطاعة وتضرهم

٩٤

وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٨) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٩) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ

____________________________________

المعصية (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بمعاصيهم ٥٨ (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) لا اعرف قرية في زمان موسى (ع) أمروا بدخولها ودخول بابها سجدا على ما هو مذكور في الآية في نسق هذه القصص ومن البعيد جدا أن يراد بها الخيمة التي نصبها موسى في البر وقدسها للعبادة (١) إذ لا يناسبها اسم القرية ولا قوله تعالى (فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) نعم يناسبها ان تكون قرية بيت المقدس الذي بناه سليمان وكان بنو إسرائيل يأتونها في مواسمهم للعبادة ويتمتعون فيها بالرغد والأمن. ويمكن أن يكون هذا القول من الله قد جاء في الوحي إلى موسى (ع) فإن التوراة الرائجة تذكر ان موسى (ع) كان يذكر لهم من وحي الله احكام مجيئهم إلى المكان الذي يختاره الله بعد الخيمة كما في سفر التثنية متفرقا من الفصل الثاني عشر إلى الحادي والثلاثين. ولا بعد في ان يوجد في هذه التوراة المحرفة شيء من انقاض التوراة الحقيقية والله العالم بحقائق الأمور (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) جمع ساجد ولعل المراد باب بيت المقدس والمعنى ان دخولكم يكون للسجود والعبادة والاستغفار كما هو شأن المساجد (وَقُولُوا حِطَّةٌ) بالرفع خبر لمحذوف اي سجودنا وعبادتنا حطة لذنوبنا والجملة خبرية يراد بها الدعاء أي اجعل سجودنا وعبادتنا سببا لحط ذنوبنا عنا يقال حط الحمل من الدابة أي ازاله وأنزله عنها (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) بأعمالهم على المغفرة بالثواب ٥٩ (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) وقالوا ما لا يرجع إلى الاستغفار وطلب الحط لأثقال ذنوبهم عنهم. ولعل من مصداق ذلك انهم حذفوا الأمر بالعبادة والاستغفار ودوام السجود في بيت المقدس وبدلوه بأن الله أمرهم في التوراة بأنهم إذا لم يقدروا ان يحملوا زكواتهم ان يبيعوها بفضة وينفقوها في بلد بيت المقدس

__________________

(١) ذكرت في دعاء السمات بعنوان قبة الزمان بالزاي المعجمة وإن كان الناس يقرءونها قبة الرمان بالراء المهملة وهذا ترجمة حرفية لاسمها في التوراة العبرانية الرائجة «اهل موعد» اهل. قبة. وموعد. الزمان. والمترجمون للتوراة يترجمونها تحريفا بخيمة الاجتماع إلا طبعة قديمة بيروتية ترجمتها في بعض الموارد قبة الزمان

٩٥

فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٦٠) وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠) وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها

____________________________________

بما تشتهي نفوسهم في البقر والغنم والخمر والمسكر (١) كما في الفصل الرابع عشر من سفر التثنية وهل يقبل ذو شعور ان الله يأمر بإنفاق الزكاة بشرب الخمر والمسكر في بيت عبادته (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) كرر ذكر الظالمين اما لتخصيص الرجز بالظالمين أو تسجيلا لقبيح ظلمهم وبيانا لأن ظلمهم هو السبب في إنزال الرجز عليهم (رِجْزاً) أي عذابا (مِنَ السَّماءِ بِما) أي بسبب ما (كانُوا يَفْسُقُونَ) ولم يستغفروا ويطلبوا حط ذنوبهم عنهم بل بدلوا ما قيل لهم ٦٠ (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى) طلب من الله السقيا (لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) فضرب به وحذف ذلك لأن دلالة المقام عليه واضحة (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) يشربون من مائها (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) وإن عدد العيون وامتياز الأناس بعضهم من بعض بالمشرب ليستفاد منه ان كل عين كانت مشربا لسبط من أسباط بني إسرائيل الإثني عشر (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ) الذي رزقكم إياه على سبيل المعجز وخارق العادة بدون شائبة من سعي أو تسبيب منكم وذلك هو المن والسلوى وهذا الماء المنفجر من الحجر فاشكروا الله واطلبوا رحمته وأطيعوه وتوكلوا عليه (وَلا تَعْثَوْا) معناه قريب من لا تطغوا ونحوه (فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) حال من الضمير في لا تعثوا ٦١ (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) لا نجد له بديلا في بعض الأيام وهو المن والسلوى (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها) وهو النبات الذي تخضر به الأرض ومنه النعنع والكراث والكرفس ونحوها مما يأكله الإنسان (وَقِثَّائِها) وهو الخيار الطويل الأخضر (وَفُومِها) روى في مجمع البيان مرسلا عن الباقر «ع» ان الفوم الحنطة ورواه ابن جرير في تفسيره والسيوطي في الدر المنثور عن ابن عباس مستشهدا بقول

__________________

(١) ذكروا ذلك بنحو لا يقبل التأويل ففي الأصل العبراني «وبيايين» وهو اسم الخمر الصريح «وبسكار» وهو اسم صريح في المسكر

٩٦

وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا

____________________________________

أبي محجن الثقفي أو احيحة بن الجلاح «ورد المدينة عن زراعة فوم» وروي في الدر المنثور عن ابن عباس ايضا انه الثوم وانه استشهد له بشعر امية بن الصلت ولا شهادة فيه وكلام اللغويين غير كاف في البيان (وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) منه (اهْبِطُوا مِصْراً) بالتنوين يحتمل ان يراد بها مصر المعروفة ونوّنت لجواز صرفها بسبب سكون وسطها كهند ودعد وان ذكرت في غير هذا الموضع اربع مرات غير منصرفة. أو اهبطوا مصرا من الأمصار كما هو انسب بالتنوين والأمر بالهبوط على كلا الوجهين إنما هو للتعجيز لأن مصر هي بلاد عبوديتهم وذلتهم ومجمع عدوهم المنكوب مضافا إلى انهم كتب عليهم التيه فكيف يستطيعون الهبوط إلى مصر (فَإِنَّ لَكُمْ) هناك إن قدرتم وانى (ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) الظاهر ان الضمير لا يختص بالذين طلبوا البصل وما ذكر. فإنهم لم يعهد منهم قل النبيين. بل يعود الضمير على نوع بني إسرائيل إذ ضربت عليهم الذلة (وَالْمَسْكَنَةُ) كما يعرف ذلك جليا بعد انحلال مملكتهم في السامرة وتمم ذلك بسبي بابل (وَباؤُ) يقارب معنى رجعوا (بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ. ذلِكَ) أي ضرب الذلة والمسكنة ولزوم غضب الله عليهم (بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) والصفة اللازمة لقتل النبيين كونه (بِغَيْرِ الْحَقِ) كقوله تعالى (لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) في قوله جل شأنه في سورة المؤمنون (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ)(ذلِكَ) يحتمل أن يكون تأكيدا للاشارة الأولى ويحتمل قريبا انه اشارة الى قتلهم النبيين (بِما عَصَوْا) أي بعصيانهم الذي اعتادوه (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) بحيث صار لهم الاعتداء عادة ٦٢ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي أظهروا الإيمان من المسلمين (وَالَّذِينَ هادُوا) أي انتحلوا اليهودية. يقال في التاريخ ان بني إسرائيل من بعد سليمان ارتد اكثر اسباطهم الى الشرك وعبادة الأوثان وعجلي الذهب الذين عملهما ملكهم ثم بادوا من بعد ذلك بالقتل والأسر ولم يبق لهم اسم ولا رسم قومي في الاسرائيلية. والذين بقوا على صورة التوحيد والشريعة على

٩٧

وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ

____________________________________

تقلب في الوثنية والإيمان بحسب الأزمنة والملوك وبقي اسمهم وعنوان الموسوية واحترام بيت المقدس في اكثر الأزمنة فيهم الى اليوم إنما هم سبط يهودا ومن تبعهم كسبط بنيامين. فصار العنوان لمن ينتمي الى الملة الموسوية هم الذين هادوا. وذكر لهذه الصفة وجوه أخر والله العالم (وَالنَّصارى) وهم المنتمون الى اتباع الرسول عيسى. قيل مفرده نصران ونصرانة واستشهدوا له بقول الشاعر (وهو نصران شامس) وقول الآخر (كما سجدت نصرانة لم تحنف) وقيل في وجه التسمية انه من النصرة لقول المسيح (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) كما في سورتي آل عمران والصف. وقيل نسبة الى الناضرة قرية من بلاد الجليل في فلسطين نشأ فيها المسيح وكان يسمى الناصري فلحق المنتمين الى اتباعه هذا اللقب والله العالم (وَالصَّابِئِينَ) قيل فيهم اقوال كثيرة والظاهر ان منهم الصابئة الموجودين فيما بين البصرة وبغداد ولعلهم شعبة من اليهود امتازوا بديانة سرّية وربما عرف من بعضهم انهم ينتمون الى اتباع يحيى بن زكريا. ولهم في ديانتهم ولع شديد بالماء وعناية بأمره (مَنْ آمَنَ) من هؤلاء (بِاللهِ) بحقيقة الإيمان به في الإخلاص بتوحيده في الإلهية وما له جل شأنه من صفات الجلال والجمال (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) على حقيقة الإيمان بالمعاد الجسماني والجنة والنار والحساب والجزاء وما ذكر في القرآن الكريم في شأن اليوم الآخر. ومن كان كذلك لم يتمرّد على آيات الله ودلائله ولم تأخذه نخوة القومية بل يتفانى في طلب الحق ولا تأخذه فيه لومة لائم او نزعة أهواء (وَعَمِلَ صالِحاً) على حقيقة الشريعة المقدسة ولا يخفى ان الإيمان برسول الله محمّد (ص) وبما جاء به لازم لحقيقة الإيمان المذكور والعمل الصالح. ألا ترى اقلا ان حقيقة الإيمان بالمعاد واليوم الآخر على ما جاء في القرآن الكريم لا توجد عند فرقة من الفرق فضلا عن الإيمان بالله وما له من الجلال والقدس والوحدانية حق الإيمان (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) وجزاؤهم معدّ (عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) في الآخرة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) وخبر «ان» اما جملة من آمن مع جزائها واما جملة فلا خوف. ويكون من آمن بدلا من اسم ان والمعطوف عليه ودخلت الفاء على الخبر لأجل تضمن «من» معنى الشرط ولعل الأول اظهر. وقد روعي في «من» لفظها في آمن. وعمل. ومعناها في «لهم»

٩٨

(٦٣) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٤) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٦) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ

____________________________________

وما بعدها ٦٣ (وَإِذْ) واذكروا يا بني إسرائيل إذ (أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) وهو العهد الموثق الذي أشير اليه في الآية الثامنة والثلاثين (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) جبل سينا او قطعة منه وقد قيل في رفعه وتسميته ما لا يصلح حجة والله العالم (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) وهو التوراة (بِقُوَّةٍ) وفي موثقة البرقي سئل ابو عبد الله الصادق (ع) أقوة الأبدان او قوة القلب قال فيهما جميعا وعن العياشي عن الصادق (ع) نحو ذلك أي لا تهنوا في أبدانكم وقلوبكم عن أخذ ما في التوراة (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) أي في التوراة ولا تنسوه ومن ذلك وصف النبي الذي يقيمه الله لهم من إخوتهم ولد إسماعيل لا منهم ويجعل كلامه وهو القرآن الكريم في فمه (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي لأجل أن تتقوا الله وجيء بلعلّ في مقام الغاية لأن حصول التقوى منهم غير لازم بل هو راجع الى حسن اختيارهم ٦٤ (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) التولي بمعنى الاستدبار واستعمل هنا كناية عن الاعراض عما أخذ عليهم من الميثاق (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) الأخذ للميثاق (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بقبول التوبة (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) الذين ذهب رأس ما لهم كني بالخسران عن هلكتهم بالضلال ٦٥ (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ) شأن (الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) بعد ان نهاهم الله عن الصيد فيه وهم أهل القرية التي كانت حاضرة البحر كما ذكرت قصتها قبل هذا في سورة الأعراف المكية من الآية الثالثة والستين بعد المائة الى السابعة والستين (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) على نحو قوله تعالى (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ٦٦ (فَجَعَلْناها) أي حادثة المسخ ولعلّ الأقرب انها القرية المدلول عليها في سورة الأعراف (نَكالاً) النكال اسم للعقوبة الظاهرة أو الباقية الأثر او لنفس الأثر والمصدر هو التنكيل (لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها) أي ظاهر لما بين يديها من القرى والأمكنة باعتبار أهلها كما يقال أثر للناظرين (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) أي وتزيد بالنسبة للمتقين ان تكون لهم موعظة تزيدهم بصيرة في الإيمان والمعرفة وتسددهم للثبات على التقوى وهناك احتمالات أخر والله العالم

٩٩

(٦٧) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ

____________________________________

٦٧ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) وملخص القصة مما رواه القمي بسند معتبر عن الصادق عليه‌السلام وابن بابويه في العيون في الصحيح عن الرضا عليه‌السلام ان رجلا من بني إسرائيل قتل ابن عمه غيلة واتهم بقتله بني إسرائيل فصاروا يتدارءون ويدفعون عن أنفسهم هذه التهمة فرجعوا في أمرهم الى موسى فشاء الله ان يظهر حقيقة الأمر بنحو المعجز فقال لهم موسى ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة فاستغربوا الحال و (قالُوا) بجهلهم (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) وفي الصحيح عن الرضا عليه‌السلام لو انهم عمدوا الى اي بقرة لأجزأتهم ولكن شدّدوا فشدد الله عليهم. وروي ذلك في الدّر المنثور من طرق متعددة عن النبي (ص) وابن عباس. وفي رواية القمي ان الله أشار بأوصاف البقرة الى بقرة رجل بارّ بابيه جزاء لبره ليشتروها بالثمن الغالي ولا تنافي بين الروايتين لجواز ان يكون ذلك نتيجة علم الله بتشديدهم على أنفسهم (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ) لا مسنة (وَلا بِكْرٌ) فتية في أوائل سنها بل هي (عَوانٌ) ومتوسطة في منتصف عمرها (بَيْنَ ذلِكَ) اي ما ذكر من الوصفين (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ ٦٨ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها) اي شديد الصفرة وخالصها (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ٦٩ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) بهذه الصفات (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ٧٠ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ) الذلول السهلة المنقادة بالتذليل والتعليم للأعمال التي تراد من نوعها وهذه لا تنقاد لكل اعمال البقر وبين ذلك بأنها (تُثِيرُ الْأَرْضَ)

١٠٠