آلاء الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

الشيخ محمد جواد البلاغي

آلاء الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد جواد البلاغي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

(١٢٥) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ

____________________________________

وفي مجمع البيان احد الوجهين. ويدفعه زيادة على وهن اعتراض الجملة ان التوبة والعذاب لا مناسبة لكونهما غاية للنصر لكي يقال بعطفها على «ليقطع او يكبت» ونقل في الكشاف قولا حاصله ان يتوب ويعذبهم منصوبان بان مضمرة بعد او. والمصدر في محل الجر بالعطف بأو على الأمر أي ليس لك من الأمر والتوبة عليهم او عذابهم شيء. او في محل الرفع بالعطف على شيء أي ليس لك من الأمر شيء او التوبة عليهم او تعذيبهم. وفي التبيان ومجمع البيان ذكرا وجها آخر نسبه الكشاف الى القيل وهو ان او بمعنى إلا. وذلك كقول زياد الأعجم

 «وكنت إذا غمزت قناة قوم

كسرت كعوبها او تستقيما»

بمعنى ليس لك من الأمر شيء إلا توبة الله عليهم او عذابهم فيكون أمرك تابعا لأمر الله لرضاك بتدبيره كما في التبيان ومجمع البيان وأقول ان الأمر في توبة الله عليهم او تعذيبه لهم إنما هو لله وحده فلا يصح استثناؤه وإثباته للرسول بالاستثناء المتصل ولا يجدي في ذلك التفريع بقولهما فيكون أمرك تابعا لأمر الله مع انه لا دلالة على هذا التفريع. فالوجه ان تكون «او» الأولى بمعنى «الا» التي هي للاستدراك مثل «لكن» المخففة كما في الاستثناء المنقطع الرافعة لما يتوهم من الكلام السابق عليها فإن سياق قوله تعالى (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) بعد ذكر الذين كفروا في الآية السابقة قد يتوهم منه انه لا يقع شيء مما يرجوه الرسول من صلاحهم وإسلامهم فجرى الاستدراك بما يؤدي إلا ان رجاء الرسول لا ينقطع بالنفي المتقدم بل يتوب الله على من يتوب وينيب الى الإسلام ويعذب الذين لا يتوبون لأنهم ظالمون بكفرهم وسوء اعمالهم. وروي في الدر المنثور في نزول الآية روايات لا تكاد أن تنطبق. منها عن احمد والبخاري والترمذي والنسائي وغيرهم عن ابن عمر ان رسول الله قال يوم أحد اللهم العن أبا سفيان وذكر ثلاثة معه فنزلت الآية. ويدفعه ان الدعاء باللعن ليس من الأمر المنفي عن رسول الله بل دعاء جعله الله لرسوله ولسائر المؤمنين بقوله تعالى (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). وقد لعن الله الظالمين والكافرين. وكذا الكلام فيما أخرجه البخاري ومسلم وجماعة عن أبي هريرة ان النبي قنت بعد الركوع ودعا بنجاة اشخاص ولعن بعضا فنزلت الآية. مضافا الى ان الآية لا تناسب الدعوة بالنجاة مع ان هاتين الروايتين وأمثالهما متنافية بالتعارض في سبب النزول ١٢٥ (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) والأمر بيده (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) كقوله تعالى في سورة ط

٣٤١

وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٢٧) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (١٢٨) وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٢٩) وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٠) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ

____________________________________

المكية ٨٤ (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)(وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) من لم يحسن توبته (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن تاب وأناب ١٢٦ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) هذا بيان لنحو من جهات المفسدة فيه وذلك انه بحسب طبعه وجوره يستهلك اموال المديون ويكون ما يأخذه منه أضعافا مضاعفة بالنسبة لما استدانه فإياكم وباب هذا الجور (وَاتَّقُوا اللهَ) فإن التقوى هي التي يقوم بها النظام ويستقيم الاجتماع (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي لغاية ان تفلحوا ١٢٧ (وَاتَّقُوا النَّارَ) جهنم (الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) وما أخس مقامها وأعظم عذابها بهذا الاعداد المشوم وما اخس المسلم الذي يلقي نفسه بسوء اعماله واكله الربا في هذه النار ١٢٨ (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي لغاية ان ترحموا إذا ثبتم على الطاعة الكاملة ١٢٩ (وَسارِعُوا) بصالح اعمالكم وحسن توبتكم ولا تسوفوا فيفوتكم حظكم (إِلى مَغْفِرَةٍ) لكم (مِنْ رَبِّكُمْ) وولي أموركم (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا) اي مقدار عرضها (السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) ولا بد من ان يكون طولها اكثر من ذلك بحسب ما شاء الله. وان أوهام الهيئة القديمة في أفلاكها ومحدد الجهات لتثير هاهنا سؤالا ولكن من يعرف قدرة الله وسعة ملكوته لا تعترض هذه الأوهام ايمانه. وذكرت سعة الجنة ليطمئن الإنسان بأن له ما تشتهيه نفسه من المحل الواسع ولعل هذا التقدير للعرض جار على ما يناله تصور نوع الناس من التمثيل بالموجود في الخارج وهذه الجنة (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) لله وكانت التقوى لهم ملكة ثابتة. وإليك شيئا من صفاتهم الكريمة ١٣٠ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) لوجه الله (فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) في الدر المنثور عن ابن عباس في حالتي اليسر والعسر. وفي التبيان وقيل في حال السرور والاغتمام أي لا يقطعهم شيء من ذلك عن الإنفاق فيدخل فيه اليسر والعسر انتهى وينبغي ان يراد اسباب الاغتمام نوعا من انواع الضراء وهذا اقرب وادخل بعمومه في المدح (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) كظم غيظه حبسه

٣٤٢

الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ

____________________________________

ورده بالصبر عن هيجان آثاره من الكلام او الانتقام. وكظم البعير امسك عن الجرة. قيل واصله كظم القربة أي شد رأسها عند ملئها أقول كان المراد كظم مائها عن أن يطفح وكظم البعير ما في كرشه عن ان يخرجه للاجترار (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) والعفو اقرب للتقوى. وان كظم الغيظ والعفو عن الناس من محاسن الأخلاق وآثار الفضيلة التي تعين على السلم والهدو وحسن الاجتماع وراحة البشر في الجملة. وصفات هذه الآية من أهم موارد الإحسان (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وكفى بذلك فخرا وفوزا ١٣١ (وَالَّذِينَ) قيل انها مجرورة بالعطف على المتقين و «أولئك» في الآية الآتية اشارة إلى الجميع وذكرت المغفرة لأن كل من عدا المعصوم محتاج إليها. وقيل الذين مبتدأ وجملة أولئك خبره والقول الاول انسب ببيان الجزاء للمتقين وبقوله تعالى (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) فان الاستغفار وان كان عملا صالحا لكنه يبعد ان يترك التنويه باعمال المتقين ويقتصر في التنويه على استغفار أولئك المستغفرين هذا وإذا قيل ان خصوص ما ذكر من اتفاق فعل الفاحشة وظلم النفس مع ذكر الله واستغفاره وعدم الإصرار لا ينافي كونهم من المتقين قبل ذلك وبعد ذكر الله والاستغفار وإن تضعضعت فيهم ملكة التقوى عند الذنب فعليه تكون كلمة «الذين» معطوفة على «العافين» في طرد صفات المتقين وفيه نوع اشكال والله العالم (إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) في النهاية الفاحشة كل ما اشتد قبحه من الذنوب والمعاصي وكثيرا ما ترد بمعنى الزنا. وفي المصباح فحش مثل قبح وكل شيء تجاوز الحد فهو فاحش ومنه غبن فاحش. وفي القاموس الفاحشة الزنا وكل ما يشتد قبحه من الذنوب أقول وأظن ان ارادة الزنا من الفاحشة في بعض الموارد إنما هو باعتبار كونه من الافراد الظاهرة في الفحشاء فالأظهر في الآية استعمال الفاحشة في مطلق المعصية الفاحشة في قبحها (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بما دون ذلك من الذنوب (ذَكَرُوا اللهَ) قيل ذكروا وعبدوا الله. والأقرب ان يكون المراد انهم بعد ان اغفلهم الشيطان والنفس الأمارة حين الذنب وأنساهم ما يجب له من الطاعة وعدم المخالفة ذكروا الله وماله من الجلال وانه ربهم العظيم ومالك أمرهم ومرجع خوفهم ورجائهم وتنبهوا الى زللهم (فَاسْتَغْفَرُوا) الله (لِذُنُوبِهِمْ) فيكون السر في ذلك تمييزهم عمن

٣٤٣

وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٢) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (١٣٣) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ

____________________________________

كان الله على ذكرهم حين المعصية ففعلوها محادة له وعنادا فإن هؤلاء بعيدون ـ والعياذ لله ـ عن التوبة والاستغفار (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) وهل يلتجأ العارف بالله لغفران ذنبه إلا الى الله ولئن استشفع الى الله بمن جعلت له الشفاعة فإن ذلك مما يؤكد الفزع والالتجاء الى الله. ولعل في هذا الإنكار اشارة الى من يطلب المغفرة من الأوثان او من القسوس ويعتمد على غفرانهم كما هو المتعارف عند فرقة «الكاثوليك» من النصارى حتى في هذه الأزمنة. ومن يغفر الذنوب إلا الله (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) من ذنوبهم ولم يقيموا عليها تماديا على المعصية (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الجملة حالية أي لم يصروا حال كونهم عالمين بأن فعلهم معصية فإن هذا هو الإصرار الموبق واما من أصر على ما يجهل كونه معصية فليس بمصر على معصية ١٣٢ (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) والمخصوص بالمدح في «نعم» هي المغفرة والجنات المذكورة باعتبار ان ذكر الله واستغفاره عمل صالح جلت آلاء الله وألطافه ١٣٣ (قَدْ خَلَتْ) ومضت (مِنْ قَبْلِكُمْ) يا ايها الناس أو يا ايها الذين آمنوا (سُنَنٌ) منها سنن المؤمنين المصدقين للأنبياء والمجاهدين في سبيل الله والجارين على ما ارشدوا اليه من العمل الصالح والاستعداد لسعادة الآخرة وطلب ما عند الله فجعلوا الدنيا دار رحلة وتزود ، ومع ذلك قد تنعموا فيها بالرضا بما قسم الله بأحسن من نعيم غيرهم المكدّر المنغص بالحرص وطموح الشهوات وجماح الأنفس في الطمع. ومنها سنن الكافرين المكذبين مع قيام الحجة عليهم ووضوح البينات لهم كل ذلك لانهماكهم بالضلال والشهوات وقصر نظرهم على الدنيا (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) لزيادة الاعتبار والتبصر (فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) للرسل وآيات الله إذ قطعت الدنيا آمالهم وكدرت عيشهم وتركت ديارهم للخراب او لسكنى الأعداء ونعيمهم للبوار وجمعهم للشتات. فانظروا الى آثار عاد وثمود وقوم لوط. بل وانظروا الى الملوك المكذبين للأنبياء من بني إسرائيل واتباعهم من

٣٤٤

(١٣٤) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٥) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ

____________________________________

تلكم الأمم الطاغية كيف قد صارت عاقبتهم للفناء والشتات والجلاء من الديار وذلة الأسر والقتل ولم يبق في ديارهم إلا الاسم ١٣٤ (هذا) الظاهر ان الآيات من قوله تعالى (وَإِذْ غَدَوْتَ) الى هنا سابقة على هذه الآية في نسق التنزيل فتكون الإشارة راجعة إلى مضامين تلك الآيات الكريمة وما احتوت عليه من المطالب العالية. او إلى مضمون الآية السابقة. ولأجل الشك من بعضهم في ترتيب النزول قال ان الاشارة إلى القرآن أقول وهو بعيد. إذ لو كانت الإشارة إلى القرآن لقيل هذا القرآن ونحو ذلك كما قيل في أمثال ذلك (بَيانٌ لِلنَّاسِ) حتى من لا يهتدي ولا يتعظ (وَهُدىً) موصلا الى الحق (وَمَوْعِظَةٌ) تدعو الى الاتعاظ (لِلْمُتَّقِينَ) لله فان البيان يؤثر فيهم الاهتداء والاتعاظ ١٣٥ (وَلا تَهِنُوا) ايها المسلمون بسبب ما أصابكم في يوم احد. وفي كتب اللغة الوهن الضعف. لكن المترائى من موارد الاستعمال انه نحو خاص من الضعف. وفي القاموس وتبعه صاحب المنار انه ضعف في العمل. فإن أراد ضعف العامل في عمله بأن يكون الوهن صفة للعامل فقد نسيا قوله تعالى (إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) وان أراد ضعف العمل او ضعف المعمول بأن يكون الوهن صفة للعمل او للمعمول من حيث انه معمول فقد غفلا عن هذه الآية وعن قوله تعالى (فَما وَهَنُوا) كما سيأتي قريبا ان شاء الله. والمراد لا يظهر عليكم اثر الضعف والخور (وَلا تَحْزَنُوا) مما أصابكم (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) وفي هذه الجملة وجوه «أولها» في التبيان ومجمع البيان والكشاف انها حالية فتكون كالاحتجاج عليهم في النهي عن الوهن والحزن بمعنى انكم رأيتم نصر الله لكم وعلوكم على عدوكم فقد كنتم نحو ربع المشركين فهزمتموهم وأثخنتم فيهم القتل في أول الحرب. ومع انكم طمعتم في الغنيمة واخليتم مراكزكم في الحرب وشعبكم الذي يحمي ظهوركم وانهزمتم تلك الهزيمة من الله وأنعم عليكم برسوله وثبات الصادقين في جهادهم فتراجعتم وانخذل المشركون وأحجموا عن قتالكم فإنكم الأعلون في هذا الحرب وخاتمتها مهما أصابكم بما كسبت أيديكم «ثانيها» احتمل في التبيان والمجمع ان تكون جملة «وأنتم الأعلون» ابتدائية أي لا تهنوا ولا تحزنوا ان كنتم مؤمنين وأنتم الأعلون فتكون

٣٤٥

إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٦) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ

____________________________________

متضمنة للبشرى بالعلو المطلق حتى في المستقبل «ثالثها» ان يراد أنتم الأعلون مطلقا بحسب ما ذكر في الوجه الأول وبحسب علمكم بما وعد الله رسوله وبشراه لكم بعلو أمر الدين وبوار المشركين فيصح عليه كون الجملة حالية. ويكون قوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) قيدا للتصديق بالبشرى أو للبشرى وعلى الوجهين الأولين تكون مبينة ان انتهاءهم عن الوهن والحزن تابع لإيمانهم بالله. ويجوز ايضا على الوجه الأول ان تكون قيدا لإذعانهم وايمانهم بأن ما ذكر فيه من علوهم في أول الحرب وخاتمتها كان من نصر الله لهم. والأظهر هو الوجه الثالث ١٣٦ (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) لعل التعبير بالمس لتهوين ما أصابهم ببيان انه مس لا نكاية والقرح بفتح القاف فسره في التبيان ومجمع البيان والكشاف بالجرح وعن مجاهد جراح وقتل. ويجوز ان يكون واحد القروح كناية عما أصابهم وهو الأظهر (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ) المشركين (قَرْحٌ مِثْلُهُ) قيل ان ذلك اشارة الى ما أصاب المشركين يوم بدر وهو المروي عن الحسن البصري. ولكن الأظهر والمناسب للمقام وأسلوبه وتسليته وتشجيعه ان يراد ما أصاب المشركين يوم احد فقد قتل منهم يومئذ خلق كثير من شجعانهم واهل نجدتهم فقد عدّ في التاريخ عشرة وعشرة وفلانا وفلانا بحيث لا يقل عن شهداء المسلمين بكثير. وأما قوله تعالى في الآية التاسعة والخمسين بعد المائة (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) فيمكن ان يراد به القتلى والأسرى من المشركين في يوم بدر ويمكن ان يراد به قتلى المشركين في بدر واحد ولكن هون على المشركين يوم احد انهم أدركوا فيه شيئا من ثار بدر ولم يصدموا بصدمته. وشدد على المسلمين ما لقوه انه على خلاف ما يرجونه من نصر الله لهم ولدين الحق وانهم أذنبوا بفرارهم فنالهم بعض الخذلان ولذلك صارت حربهم بانثيالهم على اطماع الغنائم وفرارهم حربا عادية لم تستمر معها روح النصر الأول فجرت على سنة الحروب المبتنية غلبتها على الاقدام والفرار والكثرة والقلة وما يعرض من الأحوال الحربية والتقدير الإلهي المنوط بالأسباب العادية في عالم التكوين من مداولة الأيام بحسب التقدير لأسبابها. وعلى هذا الوجه قال الله جل اسمه (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) بمقتضى التقدير على الأسباب. والأيام عطف بيان «لتلك» اي ايام الحرب او ايام الدنيا.

٣٤٦

وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٣٧) وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٣٨) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ

____________________________________

ونداولها خبر. وجرى ما جرى على مقتضى أحوال الناس من نفاق عبد الله بن أبي وأصحابه ورجوعهم من الجيش ومن مخالفة من خالف كالكثير من اصحاب عبد الله بن جبير ومن فرار من فر وكان ما كان من جري الأمور على أسبابها لإجراء الأمور على مقاديرها (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي ولتكون العاقبة ان يتحقق في الخارج ايمان الذين آمنوا واتبعوا الرسول إلى الحرب وجاهدوا ويعلمهم الله في الأزل بعلمه التابع ويقارن ذلك في استمراره عملهم في الإيمان والجهاد (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) اي ولتكن العاقبة ان يفوز بعضكم بالشهادة. وفي التعبير بقوله تعالى (وَيَتَّخِذَ) تكريم عظيم للشهداء إذا كان استشهادهم باتخاذه لهم واختياره لهم الحسنى (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ولكنكم فررتم وخالفتم فتسلط عليكم الظالمون بحسب مجرى الأسباب والمقادير واحوال الحرب ١٣٧ (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي ولتكن العاقبة ايضا تمحيص المؤمنين من غيرهم. والتمحيص التخليص اما من شين الخليط بتمييز المؤمن بإيمانه من غيره. واما بتخليص المؤمن من الذنوب والأظهر الأول (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) بنقصهم شيئا فشيئا حتى يضمحلوا ١٣٨ (أَمْ حَسِبْتُمْ) أم منقطعة في مقام الاستفهام الانكاري (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) جملة «ولما يعلم» حال من «تدخلوا» وكلمة «لما» تفيد النفي المستمر إلى زمان الخطاب او متعلق الحال لما هو في مقام الوقوع. اي حسبتم ان تدخلوا الجنة حال عدم علم الله التابع من الأزل إلى أوان دخول الجنة بجهاد المجاهدين. وحاصل المعنى أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يجاهد المجاهدين منكم فذكر علم الله لأنه لازم للوقوع وفي ذلك اشارة الى وقوع الجهاد وحصول المجاهدين والصابرين (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) بنصب يعلم بان مضمرة والواو بمعنى مع أي يعلم الذين جاهدوا مع علمه بالصابرين. كما يقال لا تأكل السمك وتشرب اللبن بنصب تشرب أي لا تأكله مع شريك اللبن ويكون العلم بالصابرين قيدا لاثر العلم بالمجاهدين وحاصله ان دخولكم الجنة منوط بجهاد المجاهدين مع صبر الصابرين الثابتين مدة الجهاد في مركز الحرب واحتدام لظاها. فلا تظنوا انكم تدخلون الجنة

٣٤٧

لو لا هذين العمادين الذين قام بهما الدين وانتظمت جامعة الإسلام والهدى وبصبر الصابرين في ذلك وصادق جهادهم وثباتهم حفظت في ذلك اليوم شوكة الإسلام فتيسر رجوعكم إلى الرسول الأكرم بالكرة وتوبتكم من الفرار من الزحف فتأهلتم لدخول الجنة ببركة الإسلام وصالح الأعمال. هذا والمحصل من واقعة أحد بحسب التاريخ والحديث ان عليا (ع) قتل طلحة من بني عبد الدار صاحب لواء المشركين واكثر الحديث والتاريخ وأصحه انه عليه‌السلام قتل تسعة تعاقبوا على حمل لواء المشركين من بني عبد الدار وعاشرهم صواب مولاهم واشتدت الحرب فانهزم المشركون فانثال المسلمون على الغنيمة وطمع فيها اكثر اصحاب عبد الله ابن جبير ولم يصغوا إلى نهي عبد الله عن مبارحة الشعب ولم يحفظوا وصية رسول الله (ص) وامره بذلك فلم يبق مع عبد الله إلا عشرة فما دون فاغتنم ذلك خالد بن الوليد وهجم عليهم بخيل المشركين فقتلهم ودهم المسلمين من ورائهم وهم غارون بالغنائم ففر المسلمون بهزيمة مهولة والذي اتفق التاريخ على انه ثبت في ذلك في حومة الحرب والدفاع عن رسول الله هو امير المؤمنين علي واختلف في غيره وربما تذكر لبعضهم اعمال بغد ان فاء المسلمون إلى رسول الله من فرارهم فيحسب انه كان من الثابتين الذين لم يفروا. روى الطبراني في الكبير كما في كنز العمال ومنتخبه مسندا عن أبي رافع لما أقبلت على علي يوم احد اصحاب الألوية قال جبرائيل يا رسول الله ان هذه لهي المواساة فقال النبي (ص) انه مني وانا منه فقال جبرائيل وانا منكما يا رسول الله ، وروى ابن جرير في تاريخه مسندا برجال الصحة عندهم عن محمد ابن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده لما قتل علي اصحاب الألوية ابصر رسول الله جماعة من مشركي قريش فقال لعلي احمل عليهم فحمل عليهم ففرق جمعهم وقتل عمرو الجمحي ثم ابصر رسول الله جماعة من مشركي قريش فقال لعلي احمل عليهم فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل شيبة بن مالك فقال جبرائيل يا رسول الله ان هذه لمواساة فقال رسول الله (ص) «انه مني وانا منه» فقال جبرائيل وانا منكما قال فسمعوا صوتا «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي». وذكر نحوه ابن الأثير في تاريخه إلا انه لم يذكر المقتولين في الحملتين. وفي اللئالئ المصنوعة عن ابن عدي مسندا برجال الصحة عندهم عن محمد المذكور عن أبيه عن جده قال كانت راية رسول الله (ص) يوم احد مع علي (ع) وراية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة فذكر خبرا طويلا وفيه وحمل راية المشركين سبعة ويقتلهم علي (ع) فقال جبرائيل يا محمد هذه المواساة

٣٤٨

فقال النبي (ص) انا منه وهو مني ثم سمعنا صائحا في السماء يقول «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي» (١). وعن ابن المغازلي الشافعي في المناقب مسندا عن أبي رافع نادى ملك من السماء يوم احد لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. وروى ابن عدي مسندا عن ابن عباس قال صاح صائح يوم احد لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. لكن قال

__________________

(١) ثم ذكر عن ابن عدي قوله عبيد رافضي يحدث بالموضوعات. أقول ولعل ذلك وهم من الناسخ او الطابع وان الذي ذكره ابن عدي ورماه بالرفض هو محمد بن عبيد الله فإن عبيد الله من رجال الجوامع الست والظاهر اتفاقهم على انه ثقة. ومحمد روى عنه الترمذي وابن ماجه في جامعيهما وذكره ابن حبان في الثقاة. لكن عن البخاري وأبي حاتم انه منكر الحديث. أقول وذنبه الذي لا يغفره بعض هو تشيعه وروايته للفضائل ويكشف عن ذلك قول ابن عدي هو في عداد شيعة اهل الكوفة ويروي من الفضائل أشياء لا يتابع عليها أقول وهذا هو السبب في عده منكر الحديث وذاهبا. ومن ذلك ان الذهبي غمز عليه بأنه روى عن أبيه عن جده قول رسول الله (ص) لعلي (ع) أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وذرياتنا خلفنا وشيعتنا عن ايماننا وشمائلنا. وقد ذكرنا في صفحة ٤٥ عن ابن عدي انه يعد ما عليه اهل الكوفة من التشيع ميلا عن الحق. ولا يخفى ان التشيع في الاصطلاح واستعمال اصحاب الرجال من اهل السنة هو غير ما يسمونه رفضا بل هو عبارة عن مجانبة معاوية واتباعه وولاء علي واهل البيت عليهم‌السلام ومودتهم أخذا بقوله تعالى قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى لكن هذا التشيع عند بعض ذنب لا يغفر. ففي ميزان الذهبي في ترجمة عبد الله بن ابراهيم الأنصاري عن أبي بكر القطيعي قوله فيه انه متماسك لكنه من شيوخ الشيعة لارعوا. وفي ترجمة يحيى بن عبد الحميد الحماني انه وثقه ابن معين وغيره وان ابن عدي ارتضاه ولكنه شيعي بغيض : وقد سرى هذا الداء للذهبي من العصور السابقة ففي اللئالي عن ابن معين انه قال في أبي الصلت الهروي انه ثقة صدوق إلا انه يتشيع. وان العباس بن محمد الدوري وصالح بن محمد بن حبيب وعبد الخالق بن منصور وغيرهم اعترضوا على يحيى بن معين في توثيقه لأبي الصلت بأن أبا الصلت يروي حديث «انا مدينة العلم وعلي بابها» فقال لهم يحيى قد رواه الفيدي ايضا. فانظر إلى ما تغلغل في الصدور من ان رواية هذا الحديث تفتح باب الطعن على راوية ويكون بسببه منكر الحديث. وفي تهذيب التهذيب في ترجمة على بن غراب عن ابن معين لم يكن به بأس ولكنه كان يتشيع. وعن الخطيب أظنه طعن عليه لأجل مذهبه لأنه كان يتشيع.

٣٤٩

ابن عدي ان في سنده يحيى بن سلمة بن كهيل وهو متروك (١). وقال ابن أبي الحديد في أواخر الجزء الثالث من شرحه للنهج روى ابو عمر الزاهد ومحمد بن حبيب في اماليه قال لما فرّ معظم اصحاب النبي (ص) يوم احد كثرت عليه كتائب المشركين وذكر نحو ما ذكره ابن جرير وزاد ان عليا (ع) قتل من الكتيبة الأولى عشرة وزاد في قول جبرائيل لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى. وان رسول الله (ص) سئل عن المنادى فقال (ص) هذا جبرائيل. ثم قال ابن أبي الحديد وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين وهو من الأخبار المشهورة ووقفت عليه في بعض نسخ مغازي ابن اسحق ورأيت بعضها خاليا عنه وسئلت شيخي عبد الوهاب بن سكينه عن هذا الخبر فقال خبر صحيح فقلت فما بال الصحاح لم تشتمل عليه فقال او كلما كان صحيحا تشتمل عليه كتب الصحاح فلكم أهمل جامعوا الصحاح من الاخبار الصحيحة وعن السمعاني في كتاب فضائل الصحابة بسنده عن الباقر (ع) وذكر نحو هذا النداء. وعن ابن المغازلي انه روى بسنده عن الباقر (ع) انه نودي بهذا النداء يوم بدر وروى ابن عدي بسنده عن الباقر (ع) نادى مناد من السماء يوم بدر يقال له رضوان «لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى إلا علي» (٢). وعن سبط الجوزي انه نودي في يوم خيبر وصححه لا سيف إلا ذو

__________________

(١) في التقريب متروك وكان شيعيا أقول هو من رجال الترمذي وروى عنه احمد في مسنده حبة العرني وقواه الحاكم واخرج عنه في المستدرك وأخذ عنه جماعة وذكره ابن حبان في الثقاة وقال ان في حديث ابنه عنه مناكير انتهى وما ادعى كونه متروكا إلا من يأخذ على ظنه التشيع ويثقل عليه حديثه في الفضائل. وقد غمز عليه الذهبي بذلك في ميزانه بأنه روى بسنده عن ثوبان عن رسول الله (ص) قوله : «النظر إلى عليّ (ع) عبادة» وقال العجلي كان يغلو في التشيع. أقول ولك العبرة بأن عمران بن حطان وأمثاله من الخوارج المبغضين لأمير المؤمنين (ع) يحتج بحديثهم في الجوامع. والذين يصفونهم بالنصب يصفونهم بأنهم ثقات ويسمون بعضهم أئمة. وان عمر بن سعد قاتل الحسين (ع) وتاركه بالعراء بلا دفن وناهب رحله وسابي عياله يقول الذهبي في ميزانه فيه انه في نفسه غير متهم وعن العجلي روى عنه الناس تابعي ثقة وهو الذي قتل الحسين. وفي التقريب صدوق لكنه مقته الناس لكونه كان أميرا على الجيش الذي قتلوا الحسين. فانظر إلى نسبة القتل إلى الجيش مع ان عمر هو الآمر والمثابر وفاعل الأفاعيل.

(٢) وقال ابن عدي ان في سنده عمار الثوري ابن اخت سفيان وهو متروك. أقول هو من رجال مسلم والترمذي وابن ماجة وقد وثقه جماعة وفي ميزان الذهبي هو من الأبدال ثبت حجة.

٣٥٠

(١٣٩) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ

____________________________________

الفقار ولا فتى إلا علي وانه رواه احمد في الفضائل وذكر ايضا انه مما روي به النداء ايضا يوم بدر أقول ولا تنافي بين هذه الروايات إذ يمكن صدور هذا النداء في بدر واحد وخيبر فإن امير المؤمنين (ع) قد امتاز في تلك الأيام بالمواقف العظيمة. فإن قلت الحديث عن أبي رافع مختلف في لفظه أفلا يعد هذا من الاضطراب الموهن للرواية قلت ان الاختلاف انما هو بالنقيصة وهذا ليس من الاضطراب بل تحمل النقيصة على النسيان أو دواع أخر وقد ابتلي الحديث بالاختلاف الذي هو أشد من هذا فإن جل ما تكرر من الحديث في مسند احمد والجوامع الست وغيرها او كله لا ينفك عن مثل هذا الاختلاف وما هو اكثر منه واكثر فانظر إلى كتب الحديث واعتبر ، «ظريفة» قال الطنطاوي في صفحة ١٤٣ من الجزء الثاني من تفسيره «فانهزم المسلمون وبقي رسول الله (ص) في جماعة من أصحابه كأبي بكر وعلي والعباس وطلحة وسعد» قلت ربما روى ما يترائى منه ان أبا بكر من الثابتين ولكن المعروف في الحديث والتاريخ انه ليس ممن دام ثباته في أول الحرب إلى آخرها وفي صحيح ابن حبان مسندا عن عائشة قالت قال ابو بكر لما كان يوم احد انصرف الناس كلهم عن رسول الله فكنت أول من فاء اليه دع هذا ولكن قل الطنطاوي اين كان العباس يوم احد والعباس لم يدخل في جامعة المسلمين ويأتي المدينة إلا بعد فتح مكة وأي عباس هذا ولقد تخيلت ان كلمة «والعباس» من غلط المطبعة فنظرت إلى جدول التصحيح فرأيته صحح من الصفحة المذكورة غلطتين لفظيتين دون هذا المعنوي الكبير نعم ذكر في صفحة ١٥٤ ان الذين ثبتوا يومئذ مع النبي (ص) من المهاجرين سبعة لم يذكر منهم العباس «فظن خيرا» وان كان له في تاريخ الشرق غرائب وأحوالا. ١٣٩ (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ) تتمنون فحذفت احدى التائين ومثله شايع كثير في العربية والتمني معروف (الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) في تفسير القمي وفي رواية أبي الجارود عن الباقر (ع) ان المؤمنين لما أخبرهم بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر ومنازلهم في الجنة رغبوا في ذلك وقالوا اللهم أرنا قتالا نستشهد فيه فأراهم الله إياه يوم احد فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم. وفي الدر المنثور اخرج

__________________

وفي اللئالي كلا بل هو ثبت ثقة من الأبدال. وفي التقريب صدوق يخطي أقول ولعل نسبته إلى الخطأ جاءته من روايته لهذا الحديث وأمثاله

٣٥١

فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٠) وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤١) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ

____________________________________

ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس وذكر نحوا من ذلك. ولئن لم تنهض الروايات حجة في ذلك فالآية ناطقة بما هو نحوه. ومقامها يقتضي ان يكون المراد من الموت المتمنى هي الشهادة (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) قيل رأيتم أسبابه من الحرب والقتال أقول وان الشهادة والقتل وبقاء الأبدان بلا أرواح امر مرئي ولا مانع من ان يراد ذلك مع انه اظهر واولى. والرؤية هي الاحساس بالباصرة (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) والنظر غير الرؤية المتعدية إلى مفعولها بل هو اعمال الباصرة لأجل الرؤية ويكفي في بيان المغايرة انه لا يتعدى إلا بكلمة «إلى» كما عليه اللغة واستعمال القرآن الكريم اي رأيتموه لا صدقة وأنتم تعملون باصرتكم لأجل رؤية الحال والقتال والشهادة وموت الشهداء. ولا ضير في تمني الشهادة بعد العلم العادي بأن الدفاع في نصرة الدين لا بد فيه من ان ينال بعض المسلمين سعادة الشهادة وحياتها الأبدية خصوصا بعد ما يروى من ان النبي (ص) أخبرهم بأنهم يستشهد بعدد اسرى بدر واين هذا من تمني تسلط الشرك ونقص عدد المسلمين كما يذكر في الاشكال الواهي ١٤٠ (وَما مُحَمَّدٌ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِلَّا رَسُولٌ) من البشر المقدر عليه الموت ببلوغ اجله (قَدْ خَلَتْ) ومضت وسلفت (مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) دعاهم الله فأجابوا وهو مثلهم امره بيد الله يدعوه إلى دار السعادة والزلفى فيجيب (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) ناكصين عن الطاعة او الدين. والاستفهام للإنكار عليهم. وقد روى البخاري في باب الحوض وغيره في غيره ولعله من الحديث المعلوم بين الفريقين ان رسول الله (ص) اخبر بانقلاب ناس من أصحابه (وَمَنْ يَنْقَلِبْ) عن الطاعة او الدين (عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) وإنما يهلك نفسه فإن الله غني عن العالمين (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) لنعمته عليهم بالإيمان والشريعة إذ عرفوا ما لهذه النعمة من القدر العظيم فثبتوا عليها ١٤١ (وَ) لا تحسبوا ان الموت يأتيكم مصادفة واتفاقا من عروض العوارض بلا تقدير من الله فتتوهموا انه ينجيكم منه الحذر والفرار والقعود عن الجهاد بل (ما كانَ) ولم يثبت بل ولا يثبت (لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ومشيئته وتقديره (كِتاباً) في التبيان والمجمع

٣٥٢

إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ

____________________________________

والكشاف انه مصدر منصوب بفعل من لفظه أي كتب ذلك كتابا أقول ويجوز ان لم يكن الظاهر ان يكون بمعنى المكتوب وهو حال مفسرة من الاذن (مُؤَجَّلاً) اي كتبت فيه الآجال بحدودها (وَمَنْ يُرِدْ) من الله بعمله (ثَوابَ الدُّنْيا) والجزاء فيها (نُؤْتِهِ مِنْها) أي من الدنيا (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ) وما أعده الله لطالبيها (نُؤْتِهِ مِنْها) بحسب عمله وإخلاصه (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) لله على نعمه وأعظمها توفيقهم لطاعته وطلب ما عنده. هذا هو الظاهر من الآية وذكر في التبيان ومجمع البيان أقوالا لا حجة عليها ولا بها ١٤٢ (وَكَأَيِّنْ) الظاهر من المغني وشرح الكافية للشيخ الرضي اتفاق النحويين وأمثالهم على انها مركبة من كاف التشبيه و «أي» الموصولة ورسمت النون للمحافظة على التنوين في الأصل وانها صارت بعد التركيب اسما يفيد معنى «كم» الخيرية والتكثير وان خالفتها من وجوه وان محلها الابتداء وما بعد تمييزها خبرها وعلى ذلك جرى مجمع البيان بل وظاهر التبيان وأما الكشاف فلم يتعرض في تفسيره لشيء من ذلك أقول ان لم يجدوا منها في موارد استعمالها معنى كاف التشبيه ومعنى «اي» فمن أين جاؤوا بحديث تركيبها وأصلها وصيرورتها بالتركيب اسما فإن العرب لا يتحدثون ولا يحدثون بمثل ذلك وإنما يستعملون ما في لغتهم بمقتضى غريزتهم العربية وعلى رسلهم بدون تحليل. وإذا كانوا يجدون منها معنى جزءيها فلما ذا يقولون انها صارت اسما ولماذا لا يجرون على مقتضى جزءيها. وقد جاءت في القرآن الكريم سبع مرات كما في الآية وسور يوسف ١٠٥ والحج ٤٤ و ٤٧ والعنكبوت ٦٠ ومحمد (ص) ١٤ والطلاق ٨ قال حسان

كأين قد أصيب غداة ذاكم

من ابيض ماجد من سر عمرو

وقد تسهل همزتها وتكون على وزن فاعل كقول زهير في معلقته :

وكائن ترى من صامت لك معجب

زيادته او نقصه في التكلم

(مِنْ نَبِيٍ) تمييز وبيان (قاتَلَ) خبر (مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) «ربيون» فاعل لقاتل وفي الكشاف ومجمع البيان جواز ان يكون الفاعل ضمير يعود للنبي و «معه ربيون» جملة حالية

٣٥٣

فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ

____________________________________

لقاتل ويدفع ذلك ان الجملة الاسمية تحتاج في كونها حالا إلى ربطها بالواو او بها مع الضمير. واما الاكتفاء بالضمير وحده فهو من الضعيف الذي يجل عنه قدر القرآن الكريم. والزمخشري يصرح بالضعف في نحوه. اما الربيون ففي الكشاف ان الربي كالرباني هو المنسوب إلى الرب وكسرت الراء من تغيير النسب. يعني ان النسبة تكون معها تغييرات كثيرة في بناء الكلمة حتى في أولها كما يقال في المنسوب إلى الدهر دهري بضم الدال. وبصريّ بكسر الباء وتوافقه احدى الروايتين عن ابن عباس. وقد اختلفت الرواية في تفسير الربي ففي الدر المنثور عن ابن عباس علماء كثير وعنه ايضا جموع. والجموع الكثيرة. وعن ابن مسعود ألوف. وفي التبيان الربي عشرة آلاف وهو المروي عن أبي جعفر يعني الباقر (ع) ولم أجد الرواية وكأنها من رواية أبي الجارود في تفسيره وهو ضعيف. وعن العياشي عن منصور بن الصيقل عن الصادق (ع) ألوف الألوف. ومنصور مجهول الحال ورواية العياشي عنه مرسلة. وفي تفسير القمي الربيون الجموع الكثيرة والربوة الواحدة عشرة آلاف. وفي القاموس الربوة بالكسر عشرة آلاف والربي واحد الربيين وهم ألوف من الناس. وعليه فنسبة الربي الى الربوة يحتاج إلى تصرف زائد بقلب الواو ياء ثم حذف الياء مع ان ظاهر الآية توبيخ اصحاب النبي (ص) في احد لأجل وهنهم بفرارهم وعدم صبرهم في الجهاد في سبيل ربهم وحماية الدين مع ان اصحاب النبيين قاتلوا معهم فما عراهم ذلك فإذا كان اصحاب كل نبي ينسبون إلى الربوة والجموع الكثيرة وعشرات الألوف لم يأخذ التوبيخ موقعه من الحجة لأن الجموع الكثيرة والعشرات من الألوف فما زاد إلى ألوف الألوف يعتزون بحسب العادة بكثرة جموعهم وعدد ألوفهم مضافا إلى كون وصفهم بالكثيرين لا فائدة فيه وبهذا تزداد الرواية ضعفا واستيجابا للاطراح اللهم إلا ان يقال انهم ينسبون إلى الربوة وعشرات الألوف فما زاد باعتبار تكرر المعارك الكثيرة مع ذلك النبي وتناوب المجاهدين وفي جميعها يثبتون. وفيه بعد. وعليه يكون المعنى وكم من نبي قاتل معه في جهاده كثيرون فثبتوا وصبروا على ما أصابهم فما لكم لم تصبروا ولم يثبت منكم إلا اثنان ونحو ذلك. وعلى قول الكشاف ايها المنتسبون إلى الرب والجهاد في سبيل ربهم لماذا فررتم ولم تصبروا كما صبر الكثيرون من المنتسبين بالإيمان والطاعة إلى ربهم الذين جاهدوا في سبيل ربهم مع الأنبياء (فَما وَهَنُوا لِما) اي لأجل ما (أَصابَهُمْ) من شدائد

٣٥٤

فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٣) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١٤٤) فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ

____________________________________

الحرب والجهاد (فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا) وهذا يدل على ان معنى الوهن اما ما هو قريب في المعنى من الضعف او هو قسم خاص منه فإن محض التأكيد بالمترادفين بعيد فيمكن ان يراد فما اختل نظام اجتماعهم ولم يعرض لهم الهلع وخمود العزائم وما ضعفت أبدانهم لكونهم استسلموا للرعب والخوف وروعة الحرب (وَمَا اسْتَكانُوا) الاستكانة الذل والخضوع. ويحتمل ان يكون ذلك تعريضا بما يروى من ان بعضا هموا بأن يوسطوا عبد الله بن سلول ليطلب لهم الأمان من قريش. بل ان الربيون صبروا صبر الكرام في حروبهم (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) وكفاهم بذلك فضلا وفخرا ١٤٣ (وَما كانَ قَوْلَهُمْ) في شدائد الحروب وأمثالها (إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) قول المستصغر لعمله الخائف من هفوات الزلل والطالب من الله التسديد والمغفرة لما سلف (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) في الجهاد في سبيلك وطاعتك قول الصابر الموطن نفسه على الثبات والطالب من الله التوفيق والتسديد (وَانْصُرْنا) في جهادنا (عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ١٤٤ فَآتاهُمُ اللهُ) جزاء بما عملوا (ثَوابَ الدُّنْيا) من النصر والفتح وسائر النعم (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) وفي ذكر الحسن بيان لعظمة ثوابهم في الآخرة وان كان كله حسن واي حسن جزاء لإحسانهم (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ١٤٥ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) بالطاعة العامة أو في أمر الجهاد والدين. وقيل ان الآية نزلت في عبد الله بن أبي سلول الذي رجع من جيش النبي (ص) عن حرب احد بثلاثمائة من أصحابه وصار يخذل المسلمين عن رسول الله. وفي الكشاف ومجمع البيان وتفسير البرهان مرسلا عن علي (ع) نزلت في قول المنافقين أي للمسلمين عند الهزيمة ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم وعليه يكون مورد النزول من احد المصاديق والآية على عمومها (يَرُدُّوكُمْ) عن دين الحق والإيمان والجهاد إلى الوراء والضلال (عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا) بردهم إلى الضلال (خاسِرِينَ) وكفى بذلك هلكة

٣٥٥

(١٤٦) بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٤٧) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٤٨) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ

____________________________________

فلا تطيعوهم ١٤٦ (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) وولي أمركم وهو لكم وناصركم (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ١٤٧ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) قد استفاض الحديث بأن المشركين رجعوا من حرب أحد إلى مكة مرعوبين والآية عامة فقد كان رسول الله (ص) منصورا برعب أعدائه منه كما يشهد به الحديث والتاريخ واحوال المشركين وحروبهم للمسلمين (بِما أَشْرَكُوا) أي بسبب اشراكهم (بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ) في إلهيته واستحقاقه للاشراك مع الله في الإلهية (سُلْطاناً) وحجة من عنده فإن كل هؤلاء المشركين قد أسسوا شركهم على الاعتراف بالله وإلهيته وما له من كمال الإلهية. ولكنهم يزعمون في الشركاء انهم آلهة صغار بحسب ما صوره لهم ضلالهم من الولادة من الله او تنزلات الإلهية ونحو ذلك فتقوم الحجة على المشركين بأن الله جل شأنه كيف يهمل شأن الإله المتولد منه أو الذي هو من تنزلاته ولا ينزل سلطانا على إلهيته ومقامه فيها واستحقاقه للعبادة كما يزعمون فإنه جلت آلاؤه لم يترك نبيا يبعثه بدون اقامة الحجة على نبوته لئلا يضيع مقامه وتضيع الفائدة من نبوته فكيف يضيع الفائدة ويبطل الحكمة فلا يقيم حجة ولا ينزل سلطانا بإلهية من تولد منه أو صار من تنزلاته. دع عنك هذا التقرير ولكن من اين لهم الحجة على إلهية شركائهم وهل نزل الله بذلك سلطانا يحتجون به فإن مرجع ذلك إلى الله لا إلى أوهام الضلال. وهذه حجة الزامية على المشركين زيادة على الحجج العقلية على وحدة الإله وبطلان الشرك وان كل ما يشركونه مع الله ملزوم بلوازم المخلوقية والحدوث وامتناع إلهيته (وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) المأوى هو المحل الذي يعد ويؤتى ليستراح ويحتمي به. والمثوى هو المحل الذي يطول المكث فيه. وجرى التعبير بالمأوى تبكيتا بسوء عاقبتهم. وان النار مثواهم ومحل مكثهم وبئس المثوى المعد للظالمين ١٤٨ (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) لكم بالنصر وظهر لكم مصداقه (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) اي تقتلونهم بنصر الله ومشيئته. وفي التبيان الحس هو القتل على وجه الاستئصال. وفي النهاية حسوهم بالسيف حسا استأصلوهم قتلا. وفي الكشاف تقتلونهم قتلا ذريعا. وعلى هذا يدور كلاء

٣٥٦

حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ

____________________________________

اللغويين في كتبهم. قال عتبة الليثي : ـ

نحسهم بالبيض حسا كأننا

نفلق منهم بالجماجم حنظلا

والحسيس القتيل. قال صلاءة بن عمرو كما في لسان العرب وغيره

نفسي لهم عند انكسار القنا

وقد تردوا كل قرن حسيس

وقد كان في قتل المسلمين للمشركين في أول الحرب يوم احد قتل استئصال فقد استأصلوا حملة اللواء بني عبد الدار وسرى القتل الذريع في المشركين حتى انهزموا وأكب المسلمون على رحالهم للغنائم وكان ذلك القتل والانهزام بإذن الله ونصره على خلاف الموازنة الحربية ومصادمة القوة بالقوة وكثرة عدد المشركين وعدتهم فقد كانوا نحو اربعة أمثال المسلمين المجاهدين. وفي التبيان إذ تحسونهم يوم بدر حتى إذا فشلتم يوم احد. وفي مجمع البيان اكثر المفسرين على ان المراد بالجميع يوم احد ونقل ما ذكره التبيان عن أبي علي الجبائي. وما ذكرناه مقتضى سوق القرآن فهو الظاهر وعليه روايتا ابن عباس في الدر المنثور وان كان فيما صححوه منها ظهوره في حضور ابن عباس يوم احد وهو خلاف المعروف من التاريخ من ان ابن عباس لم يكن حينئذ مهاجرا بل لم تعرف هجرته إلا بعد فتح مكة (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) أي ظهر مصداق وعد الله لكم بالنصر وصرتم تقتلونهم قتلا ذريعا ودام ذلك حتى إذا فشلتم انقطع ذلك بسبب فشلكم وما جرى منكم. وفسر الفشل بالجبن اي جبنهم حينما كر عليهم المشركون بعد فرارهم. وعلى هذا يكون العطف بعد ذكر الفشل على خلاف الترتيب وهو سائغ مع الواو (وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) ومن ذلك ما وقع من الرماة اصحاب ابن جبير في الشعب حيث رغب أكثرهم في الغنيمة وخالفوا امر الرسول وفارقوا الثابتين الآمرين لهم بالثبات في مركزهم (وَعَصَيْتُمْ) بالذهاب من الشعب الى الغنيمة وفراركم عن رسول الله (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ) الله (ما تُحِبُّونَ) من النصر وقتلكم لهم وهزيمتهم ١٤٩ (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) فآثر الغنيمة على طاعة الرسول أو آثر الحياة الدنيا بالفرار على الجهاد في سبيل الله (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) فثبت وجاهد جهاد الصابرين (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) عطف على صدقكم الله اي صرفكم

٣٥٧

لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا

____________________________________

بما اقتضاه التقدير في احوال الحرب والتخاذل فيها فوكلكم إلى أنفسكم (لِيَبْتَلِيَكُمْ) اللام للغاية أي ومن غايات ما جرى ان يمتحنكم وتظهر اعمالكم فيرفع الله درجات الصابرين (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) أي عمن خالف ولم يصبر وهذا العفو من فضل الله ببركة ايمانكم (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ١٥٠ إِذْ تُصْعِدُونَ) «إذ» ظرف لصرفكم والمراد فرارهم و «تصعدون» بضم التاء من «اصعد» بمعنى دخل وأخذ في الصعود إلى الجبال مثل «انجد واتهم» او دخل في الصعود في الأرض اي السير فيها قال حسان : «يبارين الأعنة مصعدات» وقال الآخر «هواي مع الركب اليمانين مصعد» ولا تلتفتون في فراركم واصعادكم (وَلا تَلْوُونَ) أبدانكم (عَلى أَحَدٍ) سواء كان داعيا منكم للثبات أو مستجيرا بأحدكم او عدوا محاربا (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ) إلى نصره وجهاد المشركين. قيل وكان دعاءه صلى‌الله‌عليه‌وآله إليّ عباد الله ارجعوا انا رسول الله (فِي أُخْراكُمْ) أخرى القوم الجماعة التي هي آخرهم والظاهر ان الجار والمجرور متعلق بيدعوكم كما يقال نادى في الناس. وهذا يقتضي بأن أوائلهم قد أمعنت بالفرار وبعدت فيكون الدعاء والنداء في أخراهم. ويجوز ان يكون حالا من الفاعل في «يدعوكم» أي حال كونه في الجماعة التي هي اخراكم من ناحية العدو والقتال والمراد منها الثابتين (فَأَثابَكُمْ) الله وهو عطف على صرفكم أي جزاكم. والثواب الجزاء على الطاعة والمعصية وان كثر استعماله في الطاعة (غَمًّا بِغَمٍ) في التبيان غما على غم وقيل مع غم. وفي تفسير القمي والدر المنثور في تفسير غما بغم ببيان السبب للغم روايات لا تنهض حجة للتعويل عليها خصوصا مع التعارض في روايات الدر المنثور. وفي الكشاف غما بسبب غم أذقتموه رسول الله بعصيانكم انتهى ولا حجة على ما قال وقال بعد ذلك ما حاصله يجوز ان يكون فاعل اثابكم هو رسول الله (ص) أي كما اغتممتم لما اصابه غمه ما نزل بكم وآساكم بغمه لتسليتكم (لِكَيْلا تَحْزَنُوا) الآية انتهى وهو اجنبي عن سوق الآيات وحال الواقعة. والغم معروف وان فسر بالحزن لكن الاستعمال والتبادر يشهدان بأنه عبارة عن حالة معروفة تعرض على الإنسان عند المصائب والحزن بضيق بها صدره وهي اقرب إلى معنى الكرب من الحزن (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) من

٣٥٨

تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٥١) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى

____________________________________

الظفر بعدوكم وانتصاركم عليه (وَما أَصابَكُمْ) من اثم المعصية لله والمخالفة لرسوله والهزيمة ووبالهما الدنيوي من الانكسار والوهن والخوف والرعب من كرة العدو عليكم وعلى بلادكم وأهليكم هذا هو الظاهر من السياق أي واثابكم غما بغم والغاية من تراكم الغموم عليكم ان تذهلوا عن الحزن المذكور (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) لا تخفى عليه من اعمالكم ووجوهها خافية ١٥١ (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) أي يشغلهم ويغفلهم عن الخوف فتساوي حالتهم حالة الآمن كقوله تعالى في سورة الأنفال في ذكر وقعة بدر ١١ (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) وهذا نحو من اللطف بهذه الطائفة الذي عراهم في جملة غمومهم غم المعصية بالفرار خوفا من الله وندما على الذنب (وَطائِفَةٌ) أخرى منكم وهم الذين لم يكونوا أهلا لهذا اللطف بل هم مرتكسون في همومهم وغمومهم (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) في امر الحياة الدنيا وقد يئسوا من النصر «طائفة» مبتدأ وجملة قد أهمتهم خبر (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) في وعده لرسوله بالنصر وان يظهره على الدين كله (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) والجملة خبر ثان (يَقُولُونَ) حال من ضمير «يظنون» او خبر ثالث (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) أي من النصر وان لم يكن خطابا لرسول الله بل فيما بينهم فيحتمل ان يريدوا من الأمر الحق ويكون استفهامهم إنكاريا كما يومي اليه ما يأتي (قُلْ) لهم يا رسول الله في جواب سؤالهم منك أو محاورتهم فيما بينهم (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) وبيده ازمة الأمور (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) عليك (ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ) في أنفسهم او فيما بينهم في محاورتهم (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ) يا رسول الله للناس في بيان الحقيقة ما يكون جوابا لما أخبرتك به مما يخفيه عليك هؤلاء ان امر القتل تابع للتقدير والقضاء ليفوز الشهداء بسعادة الشهادة ويهلك المنافق والمشرك. (لَوْ كُنْتُمْ) يا ايها الناس (فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) في الشهادة او الهلاك على حكم قضاء

٣٥٩

مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٢) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ

____________________________________

الله. ومن غايات ذلك ان يفوز السعيد بسعادته ويشقى الشقي بهوانه (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ) ويظهر مكنونها من الطاعة والنفاق. والتعليل بلام الغاية معطوف على غاية مقدرة كما ذكرناه ونحوه مما يدل عليه السياق (وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) ويخلص ما في قلب المؤمن المجاهد الصابر من النيات الصالحة والإيمان الثابت ويميز ذلك عما في قلوب غير الصابرين وقلوب المنافقين والكافرين (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) وما فيها ولكن الابتلاء والتمحيص لظهور ذلك في الخارج بعروض المحركات ١٥٢ (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ) منهزمين (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) في احد (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) وأوقعهم بالزلة (بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) اي بسبب انقيادهم اليه بما كسبوه من الذنوب التي سهلت له استزلالهم بمثل هذا الذنب الكبير (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) بسبب توبتهم وبركة الرسول الأكرم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لمن يحسن التوبة (حَلِيمٌ) فلم يعاجلهم بالعقوبة ١٥٣ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) بالله فينسبون حوادث الكون الى صدفة أسبابها العادية دون تصرف الله في العالم وجريان الأمور بمشيئته وتقديره وقضائه (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) الذين من قبيلهم وقومهم أي في شأن إخوانهم (إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) سفرا عاديا (أَوْ كانُوا غُزًّى) ومات بعضهم أو قتل. والغزى جمع غاز كشهد وعود جمع شاهد وعائد. وجيء بكلمة «إذا» لأن هذا القول منهم كلي وظرفه كلي بالنسبة للسفر وللغزو وليس الظرف وقتا شخصيا لكي يقال «إذ» (لَوْ كانُوا عِنْدَنا) ولم يسافروا ولم يغزوا (ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) يعتقدون ذلك بكفرهم وسوء رأيهم ويقولونه (لِيَجْعَلَ اللهُ) اي ومن غايات ذلك ان يجعل بتقديره (ذلِكَ) الاعتقاد وذلك القول (حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) اي سبب حسرة إذ يأسفون ويقولون في اسفهم وحسراتهم لماذا تركناهم يسافرون. لماذا تركناهم يغزون (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ)

٣٦٠