آلاء الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

الشيخ محمد جواد البلاغي

آلاء الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد جواد البلاغي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

(١١) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ

____________________________________

القمي ان هؤلاء بنو القينقاع من اليهود لما نقضوا بعد وقعة بدر عهدهم مع رسول الله (ص) فغزاهم وخوفهم بما فعل الله بالمشركين فافتخروا برجالهم فانزل الله الآية وغلبوا واخرجوا من ديارهم وأموالهم الى الجلاء صاغرين خاسئين ، وفي الدر المنثور أخرجه ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس. وذكر في التبيان قولا بانه اخبار لليهود بان عبدة الأوثان ومنهم قريش سيغلبون وهو على هذه القراءة وهي خلاف المتواتر المتعارف ونقل في الكشاف غير ذلك والأول اقرب الى الصواب ١١ (قَدْ كانَ لَكُمْ) هذه الآية ايضا مما امر الله به رسوله ان يقوله لهم (آيَةٌ) ودلالة وموعظة (فِي فِئَتَيْنِ) فرقتين من الناس (الْتَقَتا) في الحرب (فِئَةٌ) منهما (تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَ) فئة (أُخْرى) منهما (كافِرَةٌ) يظهر من القمي انهما فئتا المسلمين والمشركين في وقعة بدر. وهي رواية الدر المنثور وابن جرير عن ابن عباس وذلك هو المناسب لخطاب بني القينقاع (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) المعروف أن المسلمين في بدر كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. والمشهور في الرواية انّ المشركين كانوا نحو التسعمائة وخمسين. فيكون المعنى ان المسلمين كانوا يرون جمع قريش مثليهم بحسب رؤية العين للجمع وصورة التجند لا بحسب الاحراز للعدد ومعرفة الكمية. أراهم الله إياهم مثليهم لئلا يستقلوهم ويتساهلوا في حربهم استقلالا واستضعافا لهم وأراهم إياهم بدون عددهم في المقدار لئلا تهولهم كثرتهم فيحجموا عن مناجزتهم ويتخاذلوا في لقائهم كما قال الله تعالى في سورة الأنفال (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) وقيل في معناها ان المشركين بعد أن اشتبكت الحرب خذلهم الله فصاروا يرون المسلمين مثليهم وان كانوا نحو ثلثهم. والأول بلحاظ الآيتين اظهر وأقرب (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) الأيد القوة والتأييد التقوية وقد أيد الله المسلمين بذلك النصر الباهر (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) وموعظة (لِأُولِي الْأَبْصارِ) يجوز أن يكون البصر هنا بمعنى البصيرة كما ذكره اللغويون ، ويجوز أن يراد به حسن العين فإن اراءة الشيء بالإرادة الإلهية على غير العادة آية وعبرة لأولي الأبصار العارفين بعادة البصر. أو أن ذلك النصر بما عليه المسلمون

٢٦١

(١٢) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ

____________________________________

من القلة وضعف العدة وما عليه المشركون من قوة العدة وكثرة العديد عبرة لمن رأى ذلك ١٢ (زُيِّنَ لِلنَّاسِ) بحسب النوع بالنسبة لجميع المذكورات (حُبُّ الشَّهَواتِ) اي المشتهيات كما يقال فلان طلبتي وهذا سؤلي وحاجتي و «من» بيانية ولو كان لفظ الشهوات على حقيقته لعدي وربط بما بعده باللام (مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) في التبيان في القنطار وقيل هو ملء مسك ثور ذهبا وهو المروي عن أبي جعفر (ع) يعني الباقر (ع) وفي مجمع البيان وأبي عبد الله يعني الصادق (ع). وفي الدر المنثور أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري. قلت وذلك احد الاحتمالات التي ذكرت في كتب اللغة. وأورد في الدر المنثور عن رسول الله روايات متعددة متعارضة انه الف ومائتان اوقية وفي رواية انه الف اوقية. وفي اخرى الف دينار وفي اخرى الف ومائتا دينار ، وينبغي ان تكون الرواية عن الباقر والصادق وأبي سعيد في مورد السؤال عن قنطار الذهب او سقط منها قولهم او فضة. والمقنطرة المجموعة قناطير كقولهم ألوف مؤلفة (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) اي المرسلة لأن ترعى سائمة لكثرتها (وَالْأَنْعامِ) وهي الإبل والبقر والغنم بأصنافها (وَالْحَرْثِ) وهو المغروس والمزروع. ولم يذكر في هذه ما هو محرّم العنوان ليكون تزيين الله له أشد في المنافاة لقدس الله من الأمر بالفحشاء والمنكر الذي تمجد الله وله المجد بتقديس جلاله وتنزهه عنه. فلا مانع من أن يكون الله تبارك اسمه هو المزين لحب المشتهيات المذكورة من طريق حلها كما تكفلت ببيانه الشريعة المقدسة وحددته بحدوده ، زين حبها لنوع البشر تمهيدا لحسن اجتماعهم وبقاء نوعهم وانتظام اقتصادهم ، وتشابكهم في عموم المنافع ، وانتظام التبادل فيها ، زين حب النساء والبنين لكي يسهل على الأزواج تحملهم لعشرة النساء ونفقاتهن ونقصهن نوعا في الأخلاق والاستقامة فينتظم بذلك التحمل امر التوالد والتناسل. وزين حب البنين لكي يطلب البشر التناسل ويقوموا بالمشقات المعروفة في نفقتهم وتربيتهم وحسن المداراة لهم في تربيتهم والنظر الى إصلاح أمورهم وعواقبهم. وزين حب الأموال المذكورة لينهض الناس الى العمل والعمران فتتوفر نعم الله على عباده وينالوا به اللذة والتنعم على حسب حبهم لمشتهياتهم ويعرفوا منها أنموذجا لنعيم

٢٦٢

ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ

____________________________________

الآخرة الدائم فيدفعهم الشوق اليه الى الأعمال الصالحة فلا يستولي على الناس او يغالطهم العجز بالتصوف البارد ، وقد تكاثرت الأحاديث في ان الزهد في الدنيا هو الورع عن محارم الله وقد صرح امير المؤمنين علي (ع) بانه يتعاطى التقشف في معيشته لأنه رئيس المسلمين والمنظور اليه في الاقتداء فيتسلى بحاله (ع) من الحّ الفقر عليه ومسته البأساء. وفي سورة الأعراف ٢٩ (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ٣٠ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) يتنعمون بها بحسب ايمانهم الصادق على الحدود المشروعة والجارية على المصالح والصلاح (خالِصَةً) من تبعات العقاب والنكال (يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) وما هذا التزيين الا للحكمة التي خلق الله بها للإنسان شهوة وقوى يتنعم بها في الحياة الدنيا بما أحله الله وجعل في الحلال كفاية في الحاجة وبلغة في التنعم وحدد حدوده بنهي العقل والشريعة عن الفحشاء والمنكر والبغي وما فيه المفسدة للشخص والنوع ونظامه ووعظ في ذلك وانذر وتوعد وحذر وأرسل في ذلك الرسل وانزل الكتب وشرع الشرايع واستحفظ على إقامتها الأئمة ، واستخدم لها علماء الامة. نعم ان الذي يزينه الشيطان ليس هو القسم الذي يبقى به نوع الإنسان ، وشرف العمران ، ويقوم به نظام الاجتماع. بل هو خصوص المحرمات وما فيه فساد النظام (ذلِكَ) اي ما ذكر من المشتهيات (مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) الفانية (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) والمرجع وهو المآب الذي لا فناء فيه ولا عناء ولا تكدير في نعيمه فهو الحسن المطلق ١٣ (قُلْ) يا رسول الله للناس (أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) مما هو (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) الله ورغبوا في رضاه وطلبوا ما عنده وما أعد لهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ) هي (جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) اي مساقي أشجارها لا بنحو تكون به كلها من قسم المستنقعات ولا يخفى ما في وصف القرآن من البهجة الفائقة الممتازة (خالِدِينَ فِيها) اي في الجنات لا فناء لهم ولا لنعيمها كما يفنى متاع الحياة الدنيا وأهلها ولا إخراج لهم منها (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) بما يرغب العقلاء فيه من طهارة الأزواج في الخلق والأخلاق

٢٦٣

وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧) شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ

____________________________________

وفي ذلك النعيم الهنيّ (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) وهو الغاية القصوى لأولي الألباب في النعيم (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) وما يعملون وما يستحقونه من الجزاء ١٤ (الَّذِينَ) في هذا بيان لصفات الذين اتقوا. وما أكرمها وأحسنها من صفات (يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا) اي يؤمنون ويعترفون لله بايمانهم ويجعلونه وسيلة الى الله في الدعاء لنجاتهم وغفران ذنوبهم (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ ١٥ الصَّابِرِينَ) عن المعاصي وعلى الطاعات وعلى نوائب الدهر تسليما لأمر الله ورضى بقضائه (وَالصَّادِقِينَ) وأكرم بها صفة واحسن (وَالْقانِتِينَ) الدائبين في العبادة (وَالْمُنْفِقِينَ) كما أمرهم الله وندبهم اليه (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) السحر هو الوقت الذي قبيل طلوع الفجر وهو احسن الأوقات نوعا لحضور القلب في العبادة والإقبال على المناجاة والدعاء ، وأبعدها عن مداخلة الرياء (شَهِدَ اللهُ) اصل الشهادة من الشهود والحضور والمعاينة ثم شاعت فيما ينشأ عن ذلك ونحوه من الاعلام بالأمر والشيء لإثباته ومنه المقام فيقال شهد بكذا (أَنَّهُ) اي بانه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وشهادة الله اعلامه بإلهيته ووحدانيته بالدلالات الجلية والحجج القاطعة ومن ذلك خلقه للعالم ودلائل الحكمة ، وقوانين النظام الباهر فيه ودوام انتظامه على ذلك (وَ) شهد بذلك ايضا (الْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) وهم الذين لم يعمهم الجهل عن النظر اقلا الى نظام العالم ودوام انتظامه فشهدوا بذلك عن علم وبصيرة وحجة قيمة يرشدون بها الجاهل ويقاومون بها المعاند (قائِماً بِالْقِسْطِ) في التبيان وروي في تفسيرنا ان في الآية تقديما وتأخيرا تقديره شهد الله انه لا إله الا هو قائما بالقسط والملائكة الآية اي على انه حال من الضمير «هو» انتهى وفيه ان مثل هذا الإرسال لا ينهض بإثبات شيء فضلا عن مصادمته بالمتواتر من القراءة والمصاحف ، وفي الكشاف جوّز كونه حالا من الضمير ايضا على القراءة المتعارفة ، أقول والأنسب بكرامة القرآن الكريم في سياقه وأسلوبه المجيد ان يكون حالا من لفظ الجلالة فإنه هو الذي له عنوان الكلام ووجهه الذي يقرب له البعيد من جملته ويوصل به المنفصل دون ضمائره فكل ما صلح ان يرتبط به من حال او غيره جره عنوان

٢٦٤

لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٧) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ

____________________________________

الكلام ووجهه اليه ولا يرتبط بغيره الا بالقرينة كما هو الشأن في كل كلام له حظ من البلاغة والاستقامة. وفسروا القسط بالعدل. والظاهر ارادة التقارب في المعنى لا الترادف والاتحاد في المفهوم. فان الاستعمال وما ورد في القرآن الكريم ينافيان ذلك لأنه يقال عادل ولا يقال قاسط الا للجائر ونحوه. بل يقال لما يجعلونه بمعنى العادل مقسط وان اقسط يعدى بإلى كما في قوله تعالى في سورة الممتحنة ٨ (أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) والعدل لا يعدى بإلى وأظن ذلك منهم كتفسير الظلم بالجور مع ان الجور لا يتعدى الا بعلى. والظلم يتعدى بنفسه فإنهم يفسرون اللفظ بما يقاربه في المعنى حيث لا يجدون له مرادفا. ومن الظاهر في التبادر ان الجور ابلغ في العدوان من الظلم. وقد استفاض في حديث الفريقين في المهدي (ع) يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، وفي سورة الحجرات ٩ (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا) والظاهر من ذلك هو التأسيس لا التأكيد. وقال الله تعالى في سورة المائدة ١١ (شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) فالقسط انسب بالشهادة من العدل والقائم بالشيء هو محققه ومجريه ومديمه اي شهد الله وهو المجري للقسط والحق ومديمه في الشهادة وغيرها. فما أعظمها وما اكبر شانها من شهادة (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وهذا تأكيد للمشهود به بعد الاخبار به كما تقول اشهد بكذا وهو كذلك (الْعَزِيزُ) في إلهيته ووحدانيته (الْحَكِيمُ) في اعماله ١٧ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) قد مر تفسير الإسلام في الآية الثانية والعشرين بعد المائة ، وتفسير الدين في التاسعة والثمانين بعد المائة من سورة البقرة. وان دين الإسلام هو دين الفطرة الذي تجلت فيه ادلة العقل والنظر في ملكوت العالم ودعوة الأنبياء والرسل وصراحة الكتب الإلهية المشهود لها بدلالة المعجزات. وقد بقي ما يكفي في ذلك فيما حرف من التوراة والإنجيل (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) في هذا الدين وهم بنو إسرائيل وخصوص اليهود والنصارى فتقلب الغالب من بني إسرائيل في الشرك من يوم مروا على عبدة الأوثان وذلك بعد ما اسلموا لموسى ورأوا الآيات النيرات في مصر وانشقاق البحر لهم وعبورهم فيه على الأرض اليابسة فقالوا لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة (١) ويوم عبدوا العجل واستمروا على التقلب في الشرك في اجيالهم كما هو

__________________

(١) كما في سورة الأعراف ١٣٤ ـ ١٣٧

٢٦٥

إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ

____________________________________

معروف في تاريخهم وكتبهم وذهب الكثير من النصارى الى تثليث الآلهة وتأليه المسيح وابطال الشريعة بالرأي حتى استوعبهم ذلك أخيرا (١)(إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بالتوحيد والدين الصحيح من دلالة العقل والفطرة والمعجزات الباهرات ، والآيات البينات وصراحة كتبهم. كما بقي شيء من ذلك فيما حرفوه. ولكن حدث الاختلاف فيهم (بَغْياً بَيْنَهُمْ) من الكافرين على الموحدين. او بغيا حاصلا بينهم على الحق وتمردا على ما يعلمون ، واستمر ذلك البغي فيهم حتى جحدوا رسالة رسول الله وقرآنه وما فيه من معارف الحق وشريعته بعد ما دل على ذلك المعجز وكتبهم في البشرى برسول الله وقرآنه (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ) ويجحد دلالتها البينة (فَإِنَّ اللهَ) محاسبهم ومعاقبهم ومجازيهم على كفرهم يوم القيامة وهو سَرِيعُ الْحِسابِ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً (٢) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها)(٣) ١٨ (فَإِنْ حَاجُّوكَ) وجادلوك يا رسول الله في التوحيد وما جئت به. (فَقُلْ) لهم في الحجة الدامغة لهم انكم قد وافقتمونا في بعض أقوالكم وما عندكم من الكتب في توحيد الله في الإلهية والقدس والكمال. كما هو الحق والحقيقة وهل عن ذلك من محيد (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)(٤) إني (أَسْلَمْتُ) ووكلت وخليت (وَجْهِيَ لِلَّهِ) لا اصده بضلال الأهواء عن الله وتوحيده ، وطاعته ودين الحق (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) على الحق الواضح ايضا أسلم وجهه لله. وجاز عطف الموصول على الضمير المرفوع المتصل في «أسلمت» لوجود للفاصل (وَقُلْ) يا رسول الله بعد هذا النحو من الاحتجاج (لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) من اليهود والنصارى (وَالْأُمِّيِّينَ) أهل أم القرى وهي مكة. أو العرب لأنهم بحسب النوع والغالب لا يقرءون ولا يكتبون بل هم على ما ولدتهم أمهاتهم من الجهل بذلك. فإن هؤلاء الأميين معترفون ايضا بالله وإلهيته وقدسه وكماله (أَأَسْلَمْتُمْ) ودخلتم

__________________

(١) وقد أشرنا إلى شيء من ذلك من صراحة كتبهم في المقدمة الخامسة من كتاب الهدى في الجزء الأول صفحة ١٩ ـ ٣٤

(٢) سورة المعارج ٦

(٣) النازعات ٤٦

(٤) يونس ٣٣

٢٦٦

فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ

____________________________________

في سلم الله فلا تحاربونه ولا تحادونه بالشرك والتمرد على آياته ورسوله وقرآنه (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) وذلك هو الفوز العظيم (وَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإسلام وحادوا الله ورسوله فليس عليك من حسابهم من شيء وليس عليك أن لا يتولوا (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) والدعوة الى الله ودين الحق (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) يعلم ما يكون منك ومنهم ويوفق من هو اهل للتوفيق ١٩ (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍ) بيان لأن قتل النبيين لا يكون إلا بغير الحق (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ) وهو الحق والمعروف وقيل العدل (مِنَ النَّاسِ) من العباد الصالحين من غير النبيين (فَبَشِّرْهُمْ) يعني القاتلين الكافرين (بِعَذابٍ) في الآخرة (أَلِيمٍ) وعبر بالتبشير للسخرية بهم والتوبيخ لهم. ودخلت الفاء على بشرهم لأن الخبر هنا بمنزلة الجزاء المتفرع على الكفر وقتل النبيين كما في قوله تعالى (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ٢٠ (أُولئِكَ الَّذِينَ) لأجل ما ذكر من كفرهم وقتلهم للأنبياء والصالحين (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) التي فيها حسن كالإحسان الى الفقير والعاني ونحو ذلك فلا أثر لها في استحقاق الجزاء والتخفيف عنهم بل سقطت (فِيالدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ينصرونهم على الله وينجونهم من عذابه ٢١ (أَلَمْ تَرَ) أي ألم يصل علمك (إِلَى) حال (الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً) أي حظا وبعض الشيء (مِنَ الْكِتابِ) لا يبعد أن يكون المراد هنا التوراة والإنجيل أي من جنس الكتاب وان روي ان مورد النزول هم بعض اليهود. وعبر بالنصيب من الكتاب باعتبار ان التوراة والإنجيل قد حرّفا وبدلا في أكثرهما ولم يبق منهما على ما أنزل إلا البعض وهو النصيب الذي بقي من التوراة لليهود والنصارى المعاصرين لرسول الله ومن الإنجيل الذي بقي للنصارى منهم. فقد بقي من التوراة إيمان ابراهيم وتوحيده وتاريخه المبين انه كان قبل اليهودية والنصرانية واقاويلها في الدين والتوحيد. وبقي فيها البشرى لبني إسرائيل

٢٦٧

يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ

____________________________________

بأن الله يرسل نبيا من إخوتهم أي من ولد إسماعيل لا منهم ويجعل كلامه في فمه كما في الفقرة الخامسة عشرة الى العشرين من الفصل الثامن عشر من سفر التثنية. وبقي فيها حكم القصاص في النفس والعين والسن والجروح كما في العدد الحادي والعشرين من الفصل التاسع عشر منه. وبقي في الإنجيل شيء من الدعوة الى الاعتراف بأن الله هو الإله الحقيقي وحده وان عيسى رسوله كما في العدد الثالث من الفصل السابع عشر من إنجيل يوحنا. وبقيت البشرى برسول الله احمد «بيركلوطوس» وان حرّفوه الى «بيراكليطوس» وعبروا عنه «فارقليط» و «المعزي» كما في الفصل السادس عشر والسابع عشر من إنجيل يوحنا. وحال هؤلاء انهم (يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ) وهو القرآن الذي قامت عليهم الحجة بأنه كتاب الله بدلائل اعجازه وبشرى كتبهم (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) وهم الأكثر (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) عن القرآن ودلائل حجته. ومنهم من وفق للإسلام والخضوع لأحكام الله في قرآنه المجيد. ومقتضى روايتي الدر المنثور ومجمع البيان عن ابن عباس هو ان المراد من كتاب الله الذي يدعون اليه هو التوراة. وكفى بذلك موهنا للروايتين فإن التوراة كانت حينئذ محرفة بأشد التحريف كما تراها الآن فكيف يسميها القرآن «كتاب الله» روي في الدر المنثور عن ابن عباس ان رسول الله «ص» دعا اليهود الى حكم التوراة بأن ابراهيم لم يكن يهوديا ، ويوهن هذه الرواية بعد غض النظر عن سندها ان التوراة ليس فيها ان ابراهيم لم يكن يهوديا وغاية ما فيها ذكر التاريخ المضطرب ومنه ان الله أوحى اليه أن نسله أي بني إسرائيل يستعبدون ويذلون في ارض غريبة أي ارض مصر اربعمائة سنة (١) وقالت التوراة ايضا في الفصل الثاني عشر من سفر الخروج ان المدة كانت اربعمائة وثلاثين سنة هذا مع ان النسخة السامرية والنسخة السبعينية قد زادتا في الاضطراب وجعلتا المدة المذكورة مدة لإقامة بني إسرائيل وآبائهم في ارض مصر وكنعان وقد تكلمنا على هذا الاضطراب في الجزء الثاني من كتاب الهدى (٢) فهل يدعوهم رسول الله الى لا شيء في مثل هذا الكتاب المضطرب. وفي مجمع البيان عن ابن عباس دعاهم رسول الله

__________________

(١) كما في الفصل الخامس عشر من سفر التكوين عدد ١٣ ـ ١٥

(٢) صفحة ٢٤ ـ ٢٩

٢٦٨

(٢٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُون(٢٣) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٤) قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ

____________________________________

الى حكم التوراة برجم الزاني. وهذه الرواية موهونة ايضا بمضمونها فضلا عن وهنها بإرسالها وبما ذكرناه في موهن الروايتين. فإن الموجود في توراتهم ان الرجم على الفتاة التي لم يجد لها زوجها بكارة وعلى العذراء المخطوبة إذا زنت وعلى الزاني بها كما في الفصل الثاني والعشرين من سفر التثنية. واما من يكون عليه الرجم في شريعة رسول الله فلم تذكر فيه التوراة الموجودة الا القتل كما في الفصل المذكور والفصل العشرين من سفر اللاويين. إذن فلا يحكم رسول الله «ص» بالرجم على خلاف شريعته ويحتج بالتوراة المحرفة ويسميها كتاب الله ٢٢ (ذلِكَ) أي توليهم وعنادهم لما يعرفونه من الحق اغترارا منهم (بِأَنَّهُمْ قالُوا) أي بسبب انهم زعموا في اعتقادهم الفاسد بأن عذابهم على مخالفة الحق هين قصيرة مدته لا ينبغي أن يصدهم عن المحافظة على جامعة أهوائهم وعصبيتهم القومية (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) ولا نعذب بها (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) قليلة (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ) الذي يجب أن يدينوا به فخالفوه الى أهواء العصبية وضلالها (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) بقولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودات فكفروا بدين الحق ورسول الله وكتابه وضلوا وأضلوا ٢٣ (فَكَيْفَ) حالهم (إِذا جَمَعْناهُمْ) في الحشر بعد موتهم (لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) وهو يوم القيامة (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) أي جوزيت بجزائه وافيا أي تاما (وَهُمْ) أي اهل المحشر (لا يُظْلَمُونَ) بنقص الثواب او بالعقاب. يا رسول الله لا تأس من تمرد اهل الكتاب على دين الحق ومظاهرتهم للمشركين على الكفر فإن الله يظهرك عليهم ويعزك ويذلهم ويجعل لك السلطة على اظهار دينه ٢٤ (قُلِ اللهُمَ) معناه يا الله وكأن الميم المشددة المفتوحة في آخر الكلمة عوض عن حرف النداء فإنهما لا يجتمعان. وشذ قول الراجز «أقول يا اللهم يا اللهما» (مالِكَ الْمُلْكِ) الملك بضم الميم وسكون اللام هو التسلط والسلطنة. والله مالكه وبيده أمره وهو الخالق لما تكون عليه السلطنة ولمن يكون سلطانا. له ملك السموات والأرض (تُؤْتِي الْمُلْكَ) والسلطنة الموقتة (مَنْ تَشاءُ) من الناس أن تؤتيه. وإيتاء الله للملك يكون على

٢٦٩

وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ

____________________________________

وجهين «أولهما» هو الإيتاء الخاص للممتاز من عباده بالصلاح والأهلية لتكميل البشر وإصلاحهم في المعارف الدينية ، والأخلاق الفاضلة ، وحسن الاجتماع ، والحصول على المستقبل الصالح السعيد. وهذا هو ملك الرسل والأنبياء وأئمة الحق «وثانيها» إيتائه لا بهذا النحو بل بحسب سير التقدير في العالم واقتضاء الأسباب التي قدرها الله في هذا الكون نعمة في الحياة الدنيا محددا لذلك بحدود الأخلاق الكريمة والواجبات العقلية والشرعية والنهي عن محرماتها كما أنعم على الإنسان بالقوى ليتمتع بها في الواجب والندب والمباح. فيستقيم على الجادة من يستقيم ويحظى من ذلك بالكمال ، وحسن الجزاء. ويضل بسوء اختياره من يضل فيخسر حظه ويستوجب ما يستوجب. ولكل من إيتاء الملك والقدرة والقوى اثر وغاية تحصل عن حسن اختيار الإنسان او سوئه. ففي سورة النمل في شأن سليمان النبي في تواضعه لله الناشئ من عصمته الاختيارية قوله في مسألة عرش بلقيس ٤٠ (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) وفي سورة يونس ٨٨ (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) الآية اي وكانت عاقبتهم ان يضلوا عن سبيلك بسوء اختيارهم. وفصل الكلام بقوله «ربنا» لإيضاح ان المراد من اللام هي العاقبة لا التعليل وفي سورة البقرة ٢٥٨ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) ومما ينبغي التنبيه عليه ان الشيخ في التبيان قال ان الهاء في آتاه الله الملك كناية عن المحاج لإبراهيم ونسب عودها الى ابراهيم الى القيل. ثم قال في (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) ما ملخصه لا يجوز ان يعطي الله الملك الفاسق لقوله تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فكأنه نظر في هذه الآية الى الوجه الاول من وجهي إيتاء الملك وفي آية البقرة الى الوجه الثاني ولعل صورة هذا التدافع نشأت من اختصار التبيان ولذا لم يقع مثله في مجمع البيان وفي تفسير البرهان عن الكافي باسناده عن عبد الأعلى وعن تفسير العياشي عن داود بن فرقد جميعا عن الصادق (ع). رواية تنزل على نظر السائل الى الوجه الاول من إيتاء الملك الذي ينبغي ان يسير من رسول الله الى الائمة من اهل بيته وعترته احد الثقلين (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) ان تنزعه منه بموته

٢٧٠

وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ

____________________________________

او بتحويله الى آخر (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) ان تجعله عزيزا (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) ان تجعله ذليلا بان تجعل كلا من الفريقين بحسب سير التقدير الجاري بحكمتك في نظام العالم بتسبيبك للأسباب وتصيره في حالة تعد عزا او اخرى تعد ذلا وقد تجعل كلا منهما كذلك بارادة خاصة من النصر والمعونة او الخذلان والاهانة (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) اقتصر على ذكر الخير لان المقام مقام تعليم بالدعاء بالخير والنصر وتعريض بالبشرى بهما (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ولك من مظاهر القدرة وعجائب التصرف بالكون ما يبهر العقول. فإنك ٢٥ (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) الإيلاج إدخال شيء في شيء يحتوي عليه ويستره ومعنى إيلاج الليل في النهار هو ان ما يكون في الدورة اليومية ليلا او جزء من الليل في بعض الفصول من السنة والامكنة التي تبعد عن خط الاستواء يجعله نهارا في فصل آخر او مكان آخر. وقد قدر الله نظام العالم بحكمته الباهرة في سير الأرض او الشمس على منطقة البروج وفي هذا النظام العجيب من الحكم العظيمة وآثار القدرة وعموم الرحمة والعمران ما يبهر العقول وان الليل والنهار على مدار خط الاستواء (١) متساويان ويتساويان ايضا تقريبا في جميع الأرض ويوم دخولها او دخول الشمس في برج الحمل او الميزان ويتفاوتان بالزيادة والنقصان بحسب الأزمان والمواقع من الأرض في المدارات الشمالية والجنوبية بتفاوت منظم موزون لا محل لذكره هاهنا ففي المدارات الشمالية يأخذ الليل بعدا كمال طوله في النقيصة المتفاوتة على الانتظام من دخول الأرض او الشمس في برج الجدي ويولج في النهار. فيأخذ النهار بالطول بعد كمال نقصه او بوجوده متزايدا بعد عدمه ويستمر على ذلك الى الدخول في برج السرطان فيشرع حينئذ بالزيادة. وفي المدارات الجنوبية يأخذ الليل بعد نهاية طوله في النقيصة ويستمر عليها ويولج ما ينقص منه في النهار على ما أشرنا اليه من الميزان والانتظام وذلك من حين الدخول في برج السرطان الى الدخول في برج الجدي فيشرع حينئذ بالزيادة (وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أي تدخل النهار في الليل فيأخذ النهار بالنقص في المدارات الشمالية على نهج ما ذكرناه من حين الدخول في برج السرطان الى الدخول في برج الجدي. وفي المدارات

__________________

(١) وهو الدائرة المنصفة للكرة الارضية على السواء فيما بين قطبي الجنوب والشمال

٢٧١

وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٦) لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ

____________________________________

الجنوبية من حين الدخول في برج الجدي الى الدخول في برج السرطان حتى يبلغ كل من الليل والنهار تحت القطبين في وقت واحد تقريبا على التبادل نحو ستة أشهر. فسبحان الحكيم القدير (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) قيل مثل إخراج البيضة من الطير وإخراج الفرخ من البيضة. او إخراج الحيوان من النطفة والنطفة من الحيوان. وقيل يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن وفي مجمع البيان روى ذلك عن الباقر والصادق عليهما‌السلام. وفي تفسير البرهان قال ابن بابويه في حديث عن الإمام العسكري قال حدثني أبي عن أبيه عن جده الصادق «ع» وذكر ذلك. وفي الدر المنثور اخرج سعيد بن منصور وابن جرير (١) وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات وابو الشيخ في العظمة عن سلمان في حديث نحو ذلك. واخرج ابن مردويه عن سلمان ايضا نحو ذلك. واخرج ابن مردويه ايضا عن ابن مسعود او عن سلمان عن النبي «ص» نحو ذلك. واخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق الزهري عن عبد الله ان رسول الله «ص» في شأن خالدة المؤمنة بنت الأسود ابن عبد يغوث المشرك قال سبحان الذي يخرج الحيّ من الميت. واخرج ابن مسعود من طريق أبي سلمة عن عائشة عن رسول الله «ص» نحوه (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ) أن ترزقه (بِغَيْرِ حِسابٍ) ومراعاة لمقدار الرزق ومداقة في العطاء كما يفعله من يخاف النقص في ملكه ٢٦ (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) في النصرة والمودة لقرابة او محبة او صداقة او ولاء قبل الإسلام والآية نهي للمؤمنين عن أن يتخذوا الكافرين اولياء (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) و «من» لابتداء الغاية و «دون» للمكان الذي هو قبل المكان الذي تضاف اليه ثم شاع استعمالها في الكناية عن عدم الوصول بالشيء الى ما تضاف اليه وجعله في غيره. فالمراد لا يعدل المؤمن بولايته عن المؤمنين الى الكافرين (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) من رضى من الله او لطف او توفيق او ولاية او جزاء او فضيلة إيمان وغير ذلك مما يحظى به العبد الضعيف المحتاج

__________________

(١) عن عثمان النهدي عن سلمان او عن ابن مسعود واكبر ظني انه عن سلمان

٢٧٢

إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٧) قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ

____________________________________

من الله ربه ومالك أموره. يقال هو من فلان في مقام ومكانة وحظوة او ليس منه في شيء من ذلك. ويفهم من مناسبات المقام ان هذا النهي وهذا التهديد جاريان في الموالاة الصورية ويتوهم جريان النهي والتهديد فيها حتى لو كانت للدفاع عن النفس واتقاء الشر في بعض الأحيان ، فاستدرك ذلك بقوله تعالى (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) ايها المؤمنون (مِنْهُمْ) أي من الكافرين (تُقاةً) مصدر مفعول مطلق لتتقوا الاتقاء والتقوى والتقية والتاء فيها للوحدة ومأخذها الوقاية بأن تقي نفسك من محذور شيء بشيء آخر. كما يقال ضربه بسيفه فاتقاه بالدرقة ووقى نفسه بها من محذوره. وتاء الوحدة تفيد تحديد الاتقاء أي إلا ان تدفعوا شرهم عنكم وعن دينكم عند انتظار الفرصة في نصره وإظهاره وتتقوا منهم تقاة موقتة محدودة بأن تظهروا لهم ما يدفع شرهم من صورة الموالاة الموقتة حيث لا مندوحة لكم إلى غير ذلك ولا فائدة في نصر الدين بقتل الرجل بل ينقص بقتله رجل من رجال الإسلام وأنصاره. ولا تسترسلوا في ذلك وتجاوزوا به مقدار الضرورة بحيث يرجع إلى الضعف في الدين والتساهل في امره واستظهار الكافرين فإن أمر الدين عظيم فاحذروا إذن من غضب الله وعقابه (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ليس المراد بالنفس ما يرادف الروح المرتبطة بالبدن. بل ذاته العظيمة فإنه العزيز الجبار الذي لا نصير عليه وهو استعمال شائع في اللغة والقرآن الكريم ومنه قوله تعالى (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) ومنه ما جاء من تعليق الظلم بالنفس كقوله (كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ونحوه في اكثر من عشرين موردا ومنه ذكر الجهاد بالأموال والأنفس نحو عشر مرات. فاحذروا الله فإنه شديد النكال اليم العذاب ولا تتساهلوا في أمر دينكم فإن الدنيا فانية وظل زائل (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) فيوفي كل نفس ما عملت ٢٧ (قُلْ) يا رسول الله محذرا (إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ) من نياتكم ووجوه اعمالكم (أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ) فاحذروا نيات النفاق وموادة من حاد الله ورسوله وكيف يخفى على الله شيء من ذلك وهو خالق نفوسكم وأجسادكم والقائم عليها بالتدبير والإبقاء والشهيد عليها يعلم ذلك منكم (وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ)

٢٧٣

وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ

____________________________________

اي جميع العالم لأنه خالقه ومدبره (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) من العقاب والجزاء والأخذ للمصير اليه ٢٨ (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ) قيل «يوم» معمول لقوله تعالى : (يُحَذِّرُكُمُ) وأقول لا يكون «يوم» مفعولا ليحذركم لأن يحذر لا تتعدى إلا إلى مفعولين وقد استوفاهما ولا بدلا من أحدهما كما لا يخفى ولا ظرفا للتحذير لأن التحذير وفائدته إنما هما في الدنيا. ولا ظرفا للحذر لو صح في نظائره اعرابا لأن الحذر في ذلك اليوم لا فائدة فيه ولا غاية وقيل ان «يوم» معمول لا ذكر مقدرة. ويرد عليه انه ليس من شيء يدل على ذلك. ولا يقاس على تقدير ذلك عند قوله تعالى (وَإِذْ) أي واذكر إذ. لأن السياق هناك يشير إلى ذلك. وتكرر في القرآن الكريم ذكره صريحا في السور المكية سور مريم ١٦ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ) وص ٤٠ (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى) والأحقاف ٢٠ (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ) هذا مع ان المقام في أكمل الصلاحية والمناسبة لكون (يَوْمَ) ظرفا للمصير. والفاصل ليس باجنبي (ما عَمِلَتْ) أي جزاء ما عملت و «ما» موصولة والعائد مقدر (مِنْ خَيْرٍ) «من» بيانية ولو كانت «ما» مصدرية لقيل من الخير (مُحْضَراً) بلا تسويف ولا بعد منال بل هو حاضر أعده الله تكريما وتبجيلا للمحسنين (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) أي وتجد جزاء ما عملته من سوء محضرا اهانة لها وانتقاما حال كون ذلك الجزاء من شدة هوله وآلامه وخزيه (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) والأمد بمعنى الغاية والمراد هنا البعد المكاني لئلا تروعها أهواله وتقاسي آلامه ومكارهه. فإن البعد الزماني لا يجدي مع اليقين فإن كل آت قريب. وقيل ان الموصول في «ما عملت» مبتدأ وجملة تود خبره وجملة المبتدأ معطوفة على جملة تجد. والأول اظهر في افادة المعنى المذكور الذي لا معدل عنه. واقل حاجة إلى التقدير والتأويل. واما ما في الكشاف ، وجمع الجوامع من ان «يوم» في أول الآية معمول لتود والضمير في «بينه» يعود إلى ذلك اليوم يوم القيامة. ففيه ان الآية اخبار عن حال كل نفس وهل يخفى ان كثيرا من النفوس الزكية إذا وجدت ما عملت من خير محضرا تود لو ان

٢٧٤

(٢٩) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٠) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ

____________________________________

يوم القيامة عجل لها من حين موتها لكي تفوز بسعادتها (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) ومن رأفته تكراره للتحذير والإنذار والإرشاد إلى سبيل النجاة والسعادة وهداه إلى الصراط المستقيم ٢٩ (قُلْ) للناس يا رسول الله (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ) كما تزعمون فأول المصادق لهذا الحب ان تسارعوا إلى طلب رضاه ، والاهتداء بهداه ، وامتثال امره ونهيه. وقد أوضحت لكم الدلائل البينة والحجج القاطعة على اني رسول الله ، وباب رضاه ونور هداه ، وترجمان امره ونهيه ، ومدرس تعاليمه ، ووسيلة تكميلكم وتطهيركم للقرب منه. إذن (فَاتَّبِعُونِي) في ارشادي لكم ، ووجوده تقريبكم من الله ونيل السعادة الأبدية. فإني الكتاب الناطق (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أمر الله بطاعته ونوه بفضلها في القرآن الكريم في اكثر من عشرين موردا. واخرج ابو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم في مستدركه على شرط البخاري ومسلم وعن ابن حبان في أبواب السنة والعلم ونحو ذلك بأسانيدهم عن أبي رافع عن رسول الله (ص) قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من امري مما أمرت به او نهيت عنه فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه. وفي رواية الحاكم من طريق الليث والا فلا. وأخرجه أحمد في مسنده بعبارة أخرى. واخرج احمد في مسنده وابو داود والترمذي في الأبواب المذكورة بأسانيدهم عن أبي المقدام عن النبي (ص) نحو هذا المضمون. كما اخرج احمد وابن ماجه والحاكم عن أبي المقدام ايضا عنه (ص) نحوه. وكذا ابو داود في تعشير اهل الذمة عن العرباض عنه (ص). وكذا ابن ماجه عن أبي هريرة عنه (ص). وهذه الأحاديث الموصوفة بالصحة والمستفيضة عن اربعة من الصحابة متفقة المضمون في اتباع رسول الله (ص) في امره ونهيه. وانه ليس لأحد أن يرد ذلك ويقول في ذلك حسبنا كتاب الله (يُحْبِبْكُمُ اللهُ) أي ان اتبعتموني يحببكم الله. وكفى بذلك فضلا وفوزا وسعادة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٣٠ قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) وهذا تأكيد لما سبق (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن ذلك (فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) وذلك هو الخسران المبين

٢٧٥

(٣١) إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ

____________________________________

٣١ (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) الطاء في اصطفى بدل من تاء الافتعال في مثل اختار اي اختاره صافيا من الخليط والاختلاط. فقد يكون الصفاء من حيث الاندماج والاختلاط بالغير والمساواة له فيصطفي بالرسالة كقوله تعالى في شأن موسى في سورة الأعراف ١٤١ (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي) او للملك ونصرة الدين كما في سورة البقرة في شأن طالوت ٢٤٨ (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ) او على سائر الأمم الوثنية باعتبار الانتساب إلى التوحيد ونبذ الأوثان كما في سورة فاطر ٢٩ (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) او من الاختلاط بصنف آخر كما في سورة الصافات ١٥٣ (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) او من حيث التخليص عن الشركاء وتمييزه عن المشترك من جنسه كاصطفاء الرسول من الغنائم ما يختار أو من حيث التخليص من الشرك وسفاهة الأهواء كما في سورة البقرة ١٢٦ (إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) او باعتبار التقدم في اختيار الإيمان والدعوة اليه كما في سورة البقرة في شأن ابراهيم ١٢٤ (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) وكما في سورة ص في شأنه وشأن اسحق ويعقوب ٤٧ (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) فجهة الاصطفاء والصفاء تعرف من مقام الكلام وقرائنه ولأن الله لم يذكر بين آدم ونوح في هذه الآية «شيئا» هبة الله و «إدريس» الصديق النبي عرف ان هذا الاصطفاء فوق مقام الصلاح والنبوة بل هو في أمر الدعوة العامة ، والإمامة للناس وزعامتها الكبرى. ولم يذكر ابراهيم في هذه الآية لأنه ذكر جعله الناس إماما وأن الله اصطفاه في الدنيا أي لذلك كما في سورة البقرة ١١٨ و ١٢٤ وفي مجمع البيان في قوله تعالى (وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ) قيل أراد نفس ابراهيم ونفس عمران انتهى وفيه مع غرابته في اللفظ ومخالفته للمأثور ان عمران سواء كان أبا موسى او أبا مريم ام المسيح ليس ممن له هذا المقام الخاص من الاصطفاء على العالمين. وفي الدر المنثور اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال هم المؤمنون من آل ابراهيم وآل عمران وآل يس وآل محمد (ص) وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم‌السلام ان امير المؤمنين عليا (ع) أمر الحسن (ع) ان يخطب فخطب ونزل فقال (ع) (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ

٢٧٦

بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). وعن تفسير الثعلبي مسندا عن الأعمش عن أبي وائل قال قرأت في مصحف ابن مسعود ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل محمد على العالمين. وفي التبيان وفي قراءة اهل البيت وآل محمد على العالمين. وقالوا ايضا ان آل ابراهيم هم آل محمد الذين هم اهله وكذا في مجمع البيان. وتفصيل الكلام ان الشيخ الطوسي روى في اماليه عن محمد بن ابراهيم قال سمعت جعفر بن محمد (ع) يقرأ وآل ابراهيم وآل عمران وآل محمد على العالمين. وفي تفسير القمي قال العالم نزل آل ابراهيم وآل عمران وآل محمد على العالمين. ونحوه عن تفسير العياشي عن أيوب عن الصادق (ع). وعن أبي عمر الزبيري عنه (ع) نحوه وايضا عن هشام بن سالم سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله تعالى (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) فقال هو آل ابراهيم وآل محمد على العالمين فوضعوا اسما مكان اسم. أقول وهذه الرواية معارضة بما يرجح عليها مما دل على ثبوت آل عمران في القرآن فلا بد من صرفها عن ظاهرها ويعارض ما تقدم رواية العياشي عن سدير عن الباقر (ع) قال (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) قال نحن منهم ونحن بقية تلك العترة. وعن أبي حمزة عن الباقر (ع) انه استشهد بالآية وقرأها على ما هو المرسوم في المصاحف وفي العيون بسنده عن الريان بن الصلت ان الرضا (ع) قرأها كذلك محتجا. وفي غيبة النعماني بسنده عن جابر الجعفي عن الباقر (ع) ان صاحب الأمر عجل الله فرجه يحتج عند ظهوره بالآية على ما هو مرسوم على انه أولى الناس بنوح وابراهيم ، وعن الشيخ الطوسي بسنده عن يونس ابن حباب عن الباقر (ع) عن آبائه (ع) ان رسول الله في خطابه لأمير المؤمنين تلا الآية على النحو المذكور. وهذه الروايات أوضح سندا من الأولى واسلم من التعارض والتدافع فيما بينها وأولى بالترجيح. ويمكن الجمع بأن آل محمد (ص) كانوا مقصودين في التنزيل من آل ابراهيم بنص الوحي على الرسول في ذلك. وربما أثبت في مصحف علي امير المؤمنين (ع) ومصحف ابن مسعود بعنوان التأويل المقصود عند التنزيل كما ذكرناه في المقدمة في أواخر الكلام على روايات فصل الخطاب. والظاهر ان موسى (ع) ورسول الله (ص) والأئمة الذين لهم الإمامة والزعامة العامة الكبرى هم القدر المتيقن في المراد من آل ابراهيم. واما إسماعيل وإسحاق ويعقوب فلم يعلم ان مقامهم في النبوة والزعامة فوق مقام شيث (ع) وإدريس اللذين أهملا من اصطفاه هذه الآية كما ان الظاهر من عمران انه عمران ابو مريم أم المسيح وانه ذكر

٢٧٧

(٣٢) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٣) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ

____________________________________

لخفاء الاشارة الى المسيح بعموم آل ابراهيم مع اقتضاء المقام للاشارة اليه بنحو جلي ويشهد له ايضا قوله تعالى بعد هذه الآية (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) إلى آخر قصة المسيح ٣٢ (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ) لدعاء الداعين ورجاء الراجين مستجيب لهم كدعاء ابراهيم بقوله (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)(عَلِيمٌ) بما تقتضيه المصلحة ومواقع اللطف ٣٣ (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) جد المسيح. ودعوى زيادة «إذ» هنا من الغلط. وجعلها ظرفا لسميع عليم لا يناسب مجيئها بعنوان الصفة الدالة على الثبوت الدائم المطلق. وجعلها مفعولا لأذكر مقدرة بعيدة في السوق والسياق كما ذكرت هذه الأقوال في التبيان ومجمع البيان وذكر الأخير في الكشاف وجعلها ظرفا لاصطفى المذكورة لا يصح إذ لا تكون ظرفا لاصطفاء آدم ونوح. فالوجه جعلها ظرفا لفعل مقدر يدل عليه الكلام. وهو سميع الدعاء أي استجابه إذ قالت. او اصطفى آل عمران إذ قالت بمعنى انه لاحت مظاهر الاصطفاء إذ قالت. والأول اقرب. وفي تفسير القمي في الحسن كالصحيح عن الصادق (ع) ان امرأة عمران اسمها حنة. وكذا في الدر المنثور مما أخرجه إسحاق بن بشير وابن عساكر عن ابن عباس. وأخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة. وفي تفسير القمي في سورة مريم وطرد الرواية عن أبي الجارود عن الباقر (ع) ان زكريا كان رئيس الأحبار وامرأته اخت مريم بنت عمران بن ماثان وبنو ماثان من ولد سليمان بن داود. وفي الدر المنثور مما أخرجه البيهقي في سننه عن ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة ان زكريا كان أفضل الذين يكتبون التوراة وكانت اخت مريم تحته. وفي ضمن ما أخرجه ابن بشير وابن عساكر عن ابن عباس ان مريم كانت بنت امام القراء وكان إمام القراء من ولد هارون وكان زكريا رأس الأحبار وكانت خالة مريم عنده انتهى والله العالم. وابو الجارود ضعيف ، وفي الفصل الأول من إنجيل لوقا ان زكريا من الكهنة أي من ولد هارون سدنة بيت المقدس وان زوجته أم يحيى هي نسيبة مريم أي قرابتها ومشاركتها في النسب وان حملها بيحيى قبل حمل مريم بالمسيح بستة أشهر. والأناجيل الرائجة لم تذكر نسب مريم ولا نسب عيسى من جهتها. بل ذكرت نسب يوسف النجار الذي يزعمون ان مريم كانت مخطوبة له. فإنجيل متى قال ويعقوب ولد يوسف. وإنجيل لوقا قال ان يوسف بن هالي.

٢٧٨

رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٣) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٥) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً

____________________________________

والنصارى من أجل هذا الاختلاف في كتبهم التي ينسبونها الى الوحي تكلفوا وتعسفوا بدعواهم ان «هالي» هو ابو مريم. وقد تعرضنا لهذا المقام في الجزء الأول من كتاب الهدى(١)(رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) أي للمسجد بيت المقدس. وفي تفسير القمي في الحسن كالصحيح عن الصادق (ع) ان الله أوحى الى عمران اني واهب لك ذكرا مباركا يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذني وجاعله رسولا الى بني إسرائيل فحدث بذلك امرأته حنة فلما حملت كان حملها عند نفسها غلاما ، الرواية ونحوه عن العياشي عن جابر عن الباقر (ع) فحسبت ان المبشر به ولدها الأدنى (فَتَقَبَّلْ مِنِّي) نذري أي اجعله واتخذه مقبولا عندك (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ) للدعاء أي نذري وما يئول اليه من الدعاء بسلامة الحمل وجعله ذكرا يقوم بما نذر له (الْعَلِيمُ) بنيتي ٣٤ (فَلَمَّا وَضَعَتْها) أنت الضمير باعتبار كون المولود أنثى (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) فإنه هو الذي خلقها وصورها. وفي رواية القمي المتقدم ذكرها يقول الله والله اعلم بما وضعت (وَلَيْسَ الذَّكَرُ) الذي كان في نيتي وبشرى عمران ومقصد نذري (كَالْأُنْثى) فإنها لا تكون رسولا ولا تقوم بما يراد من المنذور المحرر (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) المرجوم بالشهب او باللعن. وكأنها تشير بذلك الى ما معناه انك رب تدفع بلطفك شر الشيطان وغوايته كما جعلته رجيما فأعذها وذريتها بلطفك من شره ٣٥ (فَتَقَبَّلَها رَبُّها) ومولاها وجعلها واتخذها مقبولة عنده (بِقَبُولٍ حَسَنٍ) كما سألته أمها وفوقه (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) النبات يكون اسم مصدر لنبت ويكون مفعولا مطلقا لأنبتها بدلا عن مصدره ويستعمل ايضا فيما ينبت كقوله تعالى في سورة الأعراف. وطه. وعمّ (يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً) فيكون المعنى أنبتها حال كونها

__________________

(١) صفحة ٢٠٥ ـ ٢١٠

٢٧٩

وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٦) هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٧) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ

____________________________________

نباتا حسنا. والمراد من كلا الوجهين حسن نشأتها وتربيتها في صلاحها وكمالها (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) أي جعل زكريا كفيلها والقائم بأمرها بحسب التقدير او بجعل القرعة ، بالأقلام له وأكرم به من كفيل صالح أمين رؤف (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) المسجد (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) في رواية القمي المتقدمة يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف. ونحوه ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس. وفي الدر المنثور أخرج ابو يعلى عن جابر حديث الزهرا (ع) والجفنة التي ملئت خبزا ولحما ببركة الله وعطائه ان رسول الله (ص) سألها عن ذلك فقالت هو من عند الله فقال (ص) الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل وروى الشيخ في أماليه عن حذيفة بن اليمان ما يشبه ذلك (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) ومن أين جاءك (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) لا في الجريان على العادة ولا على مقدار الضرورة ٣٦ (هُنالِكَ) أي حين ما رأى زكريا المعجز بوجود فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء رجا ان يرزقه الله ولدا وإن صار شيخا كبيرا وكانت امرأته عاقرا. و (دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) الذرية النسل والولد. والطيبة الصالحة. وهذا إجمال لما سبق نزوله في سورة مريم المكية من قوله (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)(إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) القادر على اجابته (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) أي نوعهم تمييزا عن نداء نوع البشر وإن كان المنادي واحدا كما يقال قتله الجن (وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ ٣٧ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) فكان ذلك بشرى بالولد الذكر (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) وهو المسيح رسول الله كما سيأتي إن شاء الله في الآية الثالثة والأربعين وقوله تعالى في سورة النساء ١٦٩ (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) باعتبار أنه مخلوق بكلمة «كن» لا بالتناسل العادي. وان التصديق برسالة المسيح من الكهنة الذين بيدهم الرئاسة الشرعية على بني إسرائيل

٢٨٠