آلاء الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

الشيخ محمد جواد البلاغي

آلاء الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد جواد البلاغي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣) وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

____________________________________

على الصحابي او التابعي هو الصحيح وقال الحافظ بن حجر في المرفوع منكر لا يصح من وجه كما صرح بذلك البخاري والبزار والنسائي انتهى. أقول وذهب أصحابنا الى جوازه على كراهية شديدة وهي المحصل من أحاديثنا ووجه الجمع بينها وبذلك يستنكر ان يكون نزول الآية في إباحته نعم لا بأس في نزولها للعموم (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) اى هذه احكام ما يعود الى دنياكم وقدموا لآخرتكم من الخيرات والأعمال الصالحة ما ينفعكم فيها (وَاتَّقُوا اللهَ) فان خير الزاد التقوى (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) اي وليكن عملكم عمل العالم المتيقن بأنه يموت ويحشر ويلاقي ربه يوم الحساب والجزاء لا عمل الغافل مع إقراره بالمعاد في إسلامه (وَبَشِّرِ) يا رسول الله (الْمُؤْمِنِينَ) حق الايمان والثابتين عليه بحيث استحقوا الوصف بذلك ٢٢٢ (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) العرضة ما تكثر ملاقاته ومصادفته كما يقال الإنسان عرضة للبلاء فلا تكثروا أيمانكم بالله بحسب كل ما يسنح لكم وتميلون له في الرضا والغضب فتقولون في ذلك والله لا اعطي فلانا. والله لا أنفق على الفقراء والله لا أكلم اخي. والله لا ازور امي والله لا أصلح بين الناس. وفي رواية العياشي عن منصور بن حازم عن الصادق (ع) وعن محمد بن مسلم عن الباقر (ع) في الآية يعني الرجل يحلف ان لا يكلم أخاه وما أشبه ذلك او لا يكلم امه (أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ) اي لأن تبروا وتتقوا وتصلحوا تعليلا وبيانا لبعض ما يكون وجها وغاية للنهي في لا تجعلوا وان كان هناك وجه آخر لتعظيم الله وإجلاله ففي الكافي في صحيح الخزاز عن الصادق (ع) لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين فان الله عزوجل يقول ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم. وربما كان هذا الوجه يدخل في البر والتقوى. فيكون النهي عن الحلف المعارض للبر والتقوى والإصلاح كناية عن عدم انعقاده في هذه الموارد ففي الكافي عن اسحق بن عمار عن الصادق (ع) في الآية قال إذا دعيت لتصلح بين اثنين فلا تقل علي يمين ان لا افعل. ويشبه ذلك ما أورد روايته في الدر المنثور عن ابن عباس. وقيل المعنى لا تجعلوا الله بواسطة الحلف به مانعا وحاجزا عما حلفتم على تركه بتسمية المحلوف على تركه يمينا. وهذا مرجع ما ذكره في التبيان أولا وصريح ما اقتصر عليه في الكشاف والأول أظهر وانسب بالمروي واجمع (وَاللهُ سَمِيعٌ) لأيمانكم (عَلِيمٌ)

٢٠١

(٢٢٣) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٤) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(٢٢٥) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

____________________________________

بأحوالكم وما يصلحكم ٢٢٣ (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) اي بسبب اللغو في ايمانكم إذا خالفتم اليمين او لم يطابق الواقع. واللغو ما لم يقصد به عقد اليمين بل يجري على اللسان توكؤا في الكلام كما ترى الرجل تقول له ماذا فعلت اليوم فيقول والله جلست من النوم والله خرجت الى المحل الفلاني بلا قصد لليمين وفي مجمع البيان وهو المروي عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله. وقد تنجرّ العادة في الكلام الى لا والله بلى والله. ففي الكافي عن مسعدة عن الصادق (ع) في الآية اللغو قول الرجل لا والله بلى والله ولا يعقد على شيء (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) من الآثام فيما عقدتم عليه الايمان وكذبتم او حنثتم فيه (وَاللهُ غَفُورٌ) ان تبتم (حَلِيمٌ) لا يعاجلكم بالعقوبة لعلكم تتوبون ٢٢٤ (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ) الإيلاء الحلف من الالية اي الحلفة ويعرف من تتمة الآية وباقي القرائن انه الحلف على ترك وطء الزوجة مطلقا او مدة معينة والموضوع لأحكام الآية هو ما يزيد على اربعة أشهر. والجار والمجرور خبر مقدم متعلق في التقدير بحاصل وكائن ونحو ذلك (مِنْ نِسائِهِمْ) اي من جانب نسائهم وحقوقهن في المعاشرة بالمعروف. والجار والمجرور متعلقان بحاصل ونحوه (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) تربص مبتدأ مؤخر فلا حق للزوجات فيها في المطالبة بالجماع ولهن المطالبة بعدها فإن سكتن او رضين فلا حرج على الزوج لأن الأمر في جماعهن من الحقوق لا التكاليف فإن انقضت الأربعة أشهر وطالبن او طالبن بعد ذلك (فَإِنْ فاؤُ) اي رجعوا عن يمينهم الى جماعهن (فَإِنَّ اللهَ) يغفر لهم الحنث ومخالفة اليمين رحمة بالزوجين في حسن اجتماعهم ونظام امر الأولاد فإنه (غَفُورٌ رَحِيمٌ ٢٢٥ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) او أوقعوه (فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لما يقولون (عَلِيمٌ) بنياتهم. والآيتان تدلان على ان المؤلي إذا طالبته المرأة بحقها بعد الأربعة أشهر ينحصر امره ويدور بين ان يفيء او يطلق فإن فاء ووطأ لزمته كفارة حنث اليمين المذكورة في سورة المائدة في الآية الحادية والتسعين. وليست اليمين بالنسبة الى ما بعد الاربعة أشهر يمينا على ظلم لكي تنحل حينئذ وتسقط كفارتها وذلك لأنه يمكن للمؤلي أن يخرجها عن الظلم بأن يطلق. وعلي هذا كله جاءت

٢٠٢

(٢٢٦) وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ

____________________________________

أحاديث الفريقين ٢٢٦ (وَالْمُطَلَّقاتُ) بالطلاق المشروع (يَتَرَبَّصْنَ) جملة خبرية يراد بها الأمر وذلك ابلغ من الإنشاء في الطلب والإيجاب لصوغه بقالب ان المطلوب منه يقع منه ذلك ولا يكذبك (بِأَنْفُسِهِنَ) ويمسكنها عما يقتضيه الحال وطبايعهن من الطموح الى الزواج ومقدماته ولا يخرجن من رعاية الزوج وحيطته (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) القرء يأتي للطهر والحيض وهو هنا الطهر وعليه اجماع الإمامية وحديثهم وقول المالكية والشافعية والمروي عن عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر كما في الدر المنثور. وفيه قال ابن شهاب سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول ما أدركت أحدا من فقهائنا الا وهو يقول هذا انتهى (١) ولقوله تعالى في أول سورة الطلاق الموسومة بأنها مكية (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) اي في عدتهن التي تراد لاستبراء الرحم وعندها كما يقال ولد لست خلون من الشهر او لسبع بقين منه وقد انعقد الإجماع من المسلمين على ان طلاق السنة هو ما كان في الطهر وبه جاء قول الرسول الأكرم (ص) لابن عمر حين طلق امرأته وهي حائض ما هكذا أمرك الله انما السنة ان تستقبل الطهر استقبالا وقوله (ص) فإن بدا له ان يطلقها طاهرا قبل ان يمسها فذاك الطلاق للعدة كما انزل الله عزوجل. او فتلك العدة التي امر الله ان تطلق لها النساء كما في جوامع الجمهور وجوامعنا في الحديث واطلاق حكم المطلقات هنا مقيد بحكم الآية الثامنة والأربعين من سورة الأحزاب والرابعة من سورة الطلاق مع تأكيدها برواياتنا في اليائس بغير ريبة (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعني ان من كانت تؤمن بالله واليوم الآخر

__________________

(١) قال الأعشى في خطابه لكثير الغزو «لما ضاع فيها من قروء نسائكا» يريد ان أطهار نسائه ضاعت لما فات فيها من الجماع والحبل. ومن الغريب تأويل الكشاف للقروء في شعر الأعشى بالعدة : وفي المصباح عن ابن فارس ويقال انه اي «القرء» للطهر «اي بحسب الوضع» وذلك ان المرأة الطاهر كان الدم اجتمع في بدنها وامتسك: وفي لسان العرب قال ابو اسحق ان الذي عندي في حقيقة هذا ان القرء في اللغة الجمع ـ فإن القرء اجتماع الدم في الرحم وذلك انما يكون الطهر. وأقول ان المحصل من معناه بحسب موارد الاستعمال هو ما يناسب الجمع والاحتواء والضم. ففي معلقة عمر بن كلثوم «ذراعي عيطل ادماء بكر هجان اللون لم تقرء جنينا» اي لم تضم جنينا ولم تحتو عليه. وفي لسان العرب «ولم تقرء جنينا ولا دما» ومنه قولهم أقرأت النجوم إذا غابت اي دخلت فيما يضمها عن الظهور. ويكون استعمال القرء بالحيض مجازا بعلاقة ان الدم الخارج فيه كان مقروءا في الجسم او الرحم. واما ان معنى القرء الوقت فلم يعرف له شاهد. وحمل الآية عليه تعسف وشذوذ

٢٠٣

وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً

____________________________________

لا تجترئ على كتمان ما خلق الله في رحمها. وهذا الزجر الشديد يناسب ان يكون على كتمان الحمل اما لأن تخرج من العدة في ظاهر الحال عاجلا او لأن تكتمه لكراهية انتسابه لأبيه او لغير ذلك من اسباب الكتمان واما كتمان الحيض في ايام العدة وبعد آخرها لأجل الازدياد من مدة العدة لتأكل النفقة وتأمل الرجعة بعد انقضاء العدة الواقعية فهو بعيد لاستلزامه ان تكون صلة الموصول وهي (خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) واردة باعتبار ما مضى عن زمان الكتمان كما سيأتي في الجمع بين المعنيين. إذا فالمناسب لأسلوب اللفظ وظاهره وذلك الزجر الشديد هو كتمان الحمل. ويؤيده رواية البرهان والوسائل عن العياشي عن أبي بصير عن الصادق (ع) في الآية لا يحل لها ان تكتم الحمل إذا طلقت وهي حبلى والزوج لا يعلم : ولا يمكن الجمع بين المعنيين من هذا اللفظ كما ذكر في الدر المنثور روايته عن ابن عمر ومجاهد وذلك لأن كتمان ما خلق الله في أرحامهن من الحيض إنما هو باعتبار خروجه من الرحم ويكون المراد من خلقه في أرحامهن إنما هو باعتبار ما مضى فالكلام على هذا بمعنى ان يقال ولا يكتمن ما خرج من أرحامهن مما خلق فيها قبل ذلك. وكتمان الحمل إنما هو باعتبار استقراره في الرحم. واللفظ الواحد لا يصلح للجمع بين هذين اللحاظين والاعتبارين. وفي تفسير القمي في الآية قال لا يحل للمرأة ان تكتم حملها أو حيضها او طهرها وقد فوض الله تعالى إلى النساء ثلاثة أشياء الطهر والحيض والحمل انتهى ولا يظهر من المقام كونها رواية واردة عن امام في بيان المراد بما خلق الله في أرحامهن ان لم يظهر خلاف ذلك فضلا عما بيناه من انه لا يمكن الجمع بين الأمرين في اللفظ الواحد. وفي مجمع البيان نسب ما ذكرناه من تفسير القمي إلى الرواية عن الصادق (ع) ولم نجد لها أثرا ولعله اعتمد على تفسير القمي (وَبُعُولَتُهُنَ) جمع بعل والتاء لتأنيث الجمع ومعنى البعل الزوج مع معنى التمتع بزوجته وملاعبتها ومباشرتها والبعال والمباعلة مباشرة النساء وملاعبتهن ولعل العدول عن التعبير بالأزواج إلى التعبير بالبعولة لإخراج غير المدخول بها وللإيماء إلى الوجه في انهم (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) نظرا إلى الحالة التي قبل الطلاق من الزوجية ولا حق للمرأة في معارضة البعل في ردها (فِي ذلِكَ) التربص (إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً) لا مضارة. او جيء بلفظ «ان» لذكر الحالة التي يتحقق بها الرد وارادته كما في قوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان أردن

٢٠٤

وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٧) الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ

____________________________________

تحصنا. وهذا الحكم في الرد مقيد بحكم المختلعة كما في الآية الآتية وحكم المطلقة ثلاثا كما في التي بعدها (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَ) من حسن المعاشرة (بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) في الفضل والتفوق. وجيء بلفظ الرجال دون الأزواج اشارة إلى وجه التفوق وكمال الرجولية وفضل قيام الرجل بأمورها. وإنفاقه عليها (وَاللهُ عَزِيزٌ) في حكمه (حَكِيمٌ) في احكامه ٢٢٧ (الطَّلاقُ) للزوجة الواحدة الذي شرع فيه الرد المذكور ولم يجعل الله زاجرا عنه بتعليق المراجعة بعده على نكاح المرأة زوجا غيره (مَرَّتانِ) ولأن الطلاق هو ان يقطع الزوج علقة الزوجية بينه وبين امرأته ويطلق سراحها من قيد زوجيته يكون من البديهي انه لا يتحقق بدون الزوجية وعلقتها العادية التي يتوقف عليها تحقق موضوعه كما روى هذا المعنى في الكافي وغيره عن الباقر والصادق عليهما‌السلاموعليه مذهب اهل البيت واجماع الإمامية ومذهب ابن عباس. وفي الدر المنثور أخرج البيهقي عن ابن عباس ان ركانة قال لرسول الله (ص) طلقتها ثلاثا في مجلس واحد قال (ص) نعم انما تلك واحدة. واخرج عبد الرزاق ومسلم وابو داود والنسائي والشافعي والحاكم والبيهقي عن ابن عباس كان على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاثة واحدة «أي الثلاثة في مجلس واحد ونحوه» فقال عمر ان الناس قد استعجلوا في امر لهم فيه اناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم. ونحوه من طريق طاوس. فإذا طلق الرجل طلاقا صحيحا فقد انقطعت من زوجيتها تلك العلقة التي يقطعها الطلاق فلا يقع منه طلاق لتلك المطلقة الا بأن تكون تلك العلقة قد رجعت اما برجعة واما بتزويج بعقد جديد. وان كان ما وقع لفظه أولا ليس صحيحا ولا طلاقا لم يكن ما يقع بعده طلاقا ثانيا بل هو أول وكذا الكلام في الثالث فإذا وقع الطلاق المذكور (فَإِمْساكٌ) اي فحكم الله في ذلك اما ان تردوهن بالرجعة إلى الزوجية وتمسكوهن على ذلك (بِمَعْرُوفٍ) في المعاشرة (أَوْ تَسْرِيحٌ) بأن تتركوا الطلاق على رسله إلى ان تنقضي العدة (بِإِحْسانٍ) في أداء النفقة والإسكان والمعاملة. قال في التبيان وهو المروي عن أئمتنا وقال في مجمع البيان وهو المروي عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) أقول ولم أجد ذلك مرويا بعنوان التفسير للتسريح

٢٠٥

وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ

____________________________________

بالإحسان ولعلهما أخذاه مما روي في شرح طلاق السنة او يكون المراد بالتسريح بالإحسان هي التطليقة الثالثة كما رواه في الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله (ع) وفي الفقيه عن الرضا (ع) وعن تفسير العياشي عن الباقر (ع) والصادق (ع) وفي الدر المنثور عن النبي (ص) (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ) في مطلق الطلاق (أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَ) ولا من غيره (شَيْئاً) وخص الأخذ مما اوتين نظرا إلى الغالب من أن الزوج عند تفرقه من زوجته او نفرة الزوجة منه ينظر في امر طلاقها إلى استرداد ما أتاها من المهر (إِلَّا أَنْ يَخافا) أي الزوجان بسبب كراهية الزوجة له وتهديدها له بالإثم ان لم يطلقها فيكون كل من الزوجين معرضا لمخالفة الله في أوامره ونواهيه ومحرماته فيخافا (أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) فيما بين الأزواج لدواع خصوصية. وعدل من الخطاب إلى الغيبة تكريما وتبعيدا من الخطاب بما يراد هنا من عدم الاقامة لحدود الله (فَإِنْ خِفْتُمْ) بحسب ما عرفتم من حالهما ومقالهما (أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ) ولا اثم (عَلَيْهِما) بحسب البذل والأخذ (فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) نفسها من زوجها. ويفهم من الآية أمور «الاول» يجوز ان تكون الفدية في مورد الآية تمام ما آتاها أو اكثر منه كما لا خلاف فيه عندنا نصا وفتوى لأن عدم الجناح انيط بما افتدت به مطلقا ولو أريد البعض مما أوتيت او الكل لا غير لقيل فلا جناح عليهما في أخذه «الثاني» ان تكون من الزوجة نفرة بحيث يخاف لأجل نفرتها ان لا تقيم حدود الله كما يدل ايضا قوله تعالى (افْتَدَتْ بِهِ) «الثالث» يعرف من لفظ الافتداء انه لا رجعة للزوج في العدة وإلا لم يتحقق الافتداء «الرابع» ان مورد هذه يغاير مورد الثالثة والعشرين من سورة النساء لأن تلك اقتصرت على استثناء موردها من الذهاب ببعض ما اوتين حينما تأتي بالفاحشة البينة بل يجوز للزوج عندنا ان يعضلها حينئذ «الخامس» ان صورة ما ذكر من الفراق بافتداء الزوجة هو بحكم سياق الآية من الطلاق الذي جرى البيان في احكامه فلا يفترق عنه من حيث وقوع الثلاث كما عليه نصوص أحاديثنا وهو المشهور بل عليه الإجماع وكذا وقوع التحليل به وان وقع بلفظ خلعتك بدون لفظ الطلاق كما هو المنصوص عليه في أحاديثنا (تِلْكَ) اشارة إلى ما ذكر من الأحكام. للطلاق والأخذ

٢٠٦

حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٨) فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٢٩) وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ

____________________________________

(حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها) اعتدى الحد وتعداه بمعنى واحد (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) لغيرهم. بل ولأنفسهم بإيقاعها في وبال المعصية ٢٢٨ (فَإِنْ طَلَّقَها) ثالثة ولا تنس ان الطلاق لا يتحقق إلا إذا ورد على زوجية (فَلا تَحِلُّ لَهُ) لا بالرجوع ولا بالنكاح (مِنْ بَعْدُ) أي بعد الطلاق الثالث مهما طال الأمد (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) وتكون له زوجة شرعية بخصوص العقد الدائم (فَإِنْ طَلَّقَها) ذلك الغير طلاقا صحيحا. والمراد من ذلك المثال لانقطاع علقة النكاح الدائم فإن الموت مثل الطلاق في التحليل بإجماع الأمة (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) في (أَنْ يَتَراجَعا) بأن يستأنفا عقدة النكاح برغبة منهما وثبات على حسن العشرة وتأدب بما تخلل من نكاح الثاني عن المسارعة إلى الشغب وخزازة الطلاق (إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) وقد ثبت في السنة من طريق الفريقين ان اطلاق الآية في نكاح الثاني مقيد بوطئه لها وعليه اجماع الأمة ولا يعتبر في الوطء الانزال لإطلاق السنة واما ذوق عسيلته في أحاديث الفريقين فالمراد منه لذة الجماع لا التذاذها بماء الرجل ويوضح ذلك ان فيها ذوق عسيلتها ومن المعلوم انه لا معتبر لنزول ماء المرأة كما انه لا لذة للرجل بماء المرأة ليكون له كذوق العسيلة بل المراد حتى تذوق لذة جماعه ويذوق لذة جماعها في القبل لأنه مجمع العسيلتين غالبا دون غيره. نعم يقتضي ذلك عدم الاكتفاء بمقدار الحشفة فما دون ولا بأس بالأخذ بما هو أحوط (وَتِلْكَ) عطف على قوله تعالى في الآية السابقة «تلك» (حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فيعرفوا وجوهها على حقيقتها ويعلموها على التفصيل للجاهلين بها ٢٢٩ (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) اي أشرفن على الوصول إلى آخر عدتهن كما يقال بلغت البلد أي أشرفت على الوصول اليه (فَأَمْسِكُوهُنَ) بسبب الرجعة (بِمَعْرُوفٍ) في معاملتها كقوله تعالى في سورة النساء ٢٣ وعاشروهن بالمعروف او المعنى فراجعوهن بمعروف (أَوْ سَرِّحُوهُنَ) واتركوهن على حالهن إلى أن تنقضي عدتهن

٢٠٧

بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ

____________________________________

(بِمَعْرُوفٍ) في المعاملة والنفقة والإسكان بدون إضرار في شيء من ذلك (وَلا تُمْسِكُوهُنَ) بالرجعة أو ولا ترجعوهن (ضِراراً) هو مصدر ضره يضره نائب عن المفعول المطلق اي إمساكا ضرارا (لِتَعْتَدُوا) عليهن (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) بظلمه للمرأة الضعيفة وأوقع نفسه في وبال معصية الله وغضبه ومخاصمة الضعيف الذي ضره واعتدى عليه (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ) بما بين فيها من احكامكم في صلاحكم ونظام اجتماعكم (هُزُواً) بل خذوا حظكم ورشدكم من العمل بها فإن من لم يسعد بالعمل بها كان كالمستهزئ او مستهزءا بها (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) بعظائم النعم في الحياة والمعيشة والإسلام (وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ) باعتبار النزول على رسول الله لتبليغكم (مِنَ الْكِتابِ) وهو القرآن الكريم لهداكم في الدين والشريعة والدعوة إلى الله (وَالْحِكْمَةِ) التي اشتمل عليها حال كون الكتاب (يَعِظُكُمْ) الله (بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ) فيما شرعه مما أمركم به أو نهاكم عنه فانه المطلع عليكم (وَاعْلَمُوا) اي واعملوا عملكم حال كونكم تعلمون (أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٢٣٠ وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) وأشرفن على انقضاء الأجل (فَلا تَعْضُلُوهُنَ) أيها المطلقون. والعضل المنع أو الحبس من (أَنْ يَنْكِحْنَ) من يكونون في المستقبل (أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) وذلك بأن يراجعها المطلق قريب انقضاء العدة لا لرغبة فيها بل لأجل ان يمنعها عن الأزواج وقيل ان المراد ان لا يمنعها الولي العرفي من ان تنكح من كان زوجها بعد انقضاء عدته كما روي في الدر المنثور نزولها في شأن معقل وأخته او جابر وابنة عمه ويلزمه التجوز في طلقتم النساء بحمله على تطليق نوع الإنسان فان الولي غير مطلق وفي هذا المجاز بعد وإذا صرنا اليه فالأولى جعل الخطاب لمطلق العاضل وإن كان المطلق. او ان المطلق يعضل زوجته ويمنعها بعد العدة من ان تتزوج وهو فرض نادر إذ قل من يكون من المطلقين من له هذه السلطة والأقرب الأول ولفظ أزواجهن مجاز اما من حيث كون الزوجية

٢٠٨

ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢٣١) وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ

____________________________________

في الماضي كما في الثاني او من حيث كونها في المستقبل كما في الأول والثالث (ذلِكَ) خطاب للنبي (ص) (يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ) أي من المسلمين (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فإنه هو الأهل لأن يوعظ فتنفعه الموعظة ويقف عند نواهي الشريعة (ذلِكُمْ) خطاب للمسلمين والمشار اليه ترك العضل المذكور (أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ) ما فيه صلاحكم (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ٢٣١ وَالْوالِداتُ) مطلقا مطلقات وغير مطلقات (يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) اخبار عن الوظيفة المقررة لهن في الشريعة جمعا لانحاء المصلحة على ما يأتي (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) لا تنقص عن اربعة وعشرين شهرا (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) ويعطي ما بإزائها من اجرة وهو الأب ومن بيده أمر الطفل بعده ومن أراد ارضاعه دون الحولين فله ذلك وحده احد وعشرون شهرا كما نقل عليه اتفاقنا وعليه روايتا سماعة وعبد الوهاب عن الصادق (ع) (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَ) الظاهر عدم الخلاف في ان الرزق والكسوة كناية عن الأجرة المذكورة في الآية السادسة من سورة الطلاق. والملحوظ في تقريرها حالتا السعة والضيق كما في السابعة منها ايضا. ولعل اجرة المثل تقارب مالية الرزق والكسوة ولكن عنوانهما اقرب إلى الحشمة من عنوان الأجرة والتماكس فيها. وجرى التعبير هنا عن الأب بالمولود له بيانا لوجه الحكمة في كون الأجرة للرضاع عليه لأن الولد بعضه ونماء مائه وان الأم تربي برضاعها من ولد له (بِالْمَعْرُوفِ) ومن دون إجحاف بأحد الأبوين ولا يضيق بذلك على الأب فوق وسعه بحسب حاله وما يراد منه في أمر معيشته ومن تجب نفقته عليه (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ) في جهة (إِلَّا وُسْعَها) في تلك الجهة (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) القراءة المعمول عليها بين الناس وعليها رسم المصاحف هي فتح الراء من «تضار» على انه مجزوم بلا الناهية وحركت لالتقاء الساكنين بالفتحة لمشاكلتها للألف التي قبلها. والكلمة صالحة لأن تكون مبنية للفاعل ومبنية للمفعول باعتبار ان

٢٠٩

وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ

____________________________________

الراء المدغمة مكسورة في التقدير او مفتوحة. ولكن الظاهر من الصحيح المروي في الكافي عن الصادق (ع) انها مبنية للفاعل لقوله (ع) نهى الله ان تضار المرأة الرجل وان يضار الرجل المرأة وان الوارث نهى ان يضارّ الصبي أو يضارّ امه بالرضاعة. هذا والنهي عن المضارة بسبب الولد مطلق سواء كانت المضارة من جهة الأجرة وما أشبه ذلك في امر الرضاع ام من جهة منع الوالدة لزوجها الوالد عن جماعها لخوفها من الحبل وضرره للرضيع او من حيث امتناع الوالد عما يجب للوالدة من الجماع لخوفه من حبلها وضرره للرضيع كما استشهد عليه‌السلام بالآية للأمرين وجاء بكل من المعنيين روايات أخر. وفي التبيان ذكر رواية الجهة الثانية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام وكذا في مجمع البيان. وكان عليهما ان يذكرا رواية الجهة الأولى كالصحيح. ولم أجد ما أشار اليه من الرواية عن أبي جعفر (ع) (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) في صحيحة الحلبي وروايتي الكناني وأبي بصير عن الصادق (ع) انه نهى ان يضارّ بالصبي او يضار امه في رضاعها. وفي الدر المنثور عن ابن عباس ان لا يضار فمن الغريب مع ذلك ما في كنز العرفان في تفسير الوارث بالصبي. وفي التبيان وقد روي في اخبارنا ان على الوارث كائنا ما كان النفقة. وأشار في الخلاف والمبسوط ايضا إلى الرواية. والظاهر كونها رواية غياث عن الصادق (ع) أتي امير المؤمنين (ع) بيتيم فقال خذوا بنفقته اقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه. والرواية ان لم يكن الوارث في واقعتها الخاصة هو الجد أمكن تنزيلها في واقعتها على الإلزام لشيوع الفتوى بذلك حينئذ فإن مذهب الإمامية حتى الشيخ في كتبه ان النفقة انما تجب على العمودين فهو اجماع منا فالوارث في الآية اما وارث الطفل بمعنى كون الطفل ارثا اي بقية له في القيام بأمره فهو وارثه بهذا المعنى كالجد والوصي والحاكم وليس في ذلك مجاز بحسب اللغة وان كان الدائر في المحاورات هو وارث المال. واما انه جار مجرى الغالب في كون من له الولاية بنفسه او بالوصاية وارثا كالجد والأخ والوصي مثلا او المولى من قبل الحاكم ولا دلالة من القرآن الكريم على اكثر مما في الروايات المتقدمة من ان الذي على الوارث هو ان لا يضار (فَإِنْ أَرادا) المرضعة والوالد وان كان جدا (فِصالاً) للطفل عن الرضاع قبل الحولين (عَنْ تَراضٍ) منهما (وَتَشاوُرٍ) بالنظر إلى صلاح الطفل

٢١٠

فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٢) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

____________________________________

لا مجرد تراضيهما مراعاة لأهوائهما (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) ويحتمل ان يشمل ذلك ما بعد الحولين حينما يكون تعجيل الفطام مضرا بالطفل كما إذا كان مريضا مثلا في المدة التي يجوز التأخير فيها (وَإِنْ أَرَدْتُمْ) عند عدم الإضرار (أَنْ تَسْتَرْضِعُوا) المراضع (أَوْلادَكُمْ) مفعول ثان لتسترضعوا (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا) راعيتم مصلحة الطفل بعدم مماطلة المرضعة باجرتها و (سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ) وقررتموه في الاسترضاع (بِالْمَعْرُوفِ) بلا مدافعة ولا معاسرة (وَاتَّقُوا اللهَ) فيما أمركم به ونهاكم عنه (وَاعْلَمُوا) أي واعملوا على مقتضى علمكم (أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فخافوه ٢٣٢ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) أي يؤخذون وافين ويراد بذلك الأخذ بالموت كما مر مشروحا في المقام الاول من الفصل الرابع من المقدمة (وَيَذَرُونَ) يتركون (أَزْواجاً) الذين مبتدأ وجملة (يُتَوَفَّوْنَ) صلته وجملة «يذرون» معطوفة عليها وجملة (يَتَرَبَّصْنَ) وهي خبر يراد به الأمر المؤكد تكون خبرا للمبتدأ والرابط بينهما هو الضمير الذي يجلوه المقام والسياق بمثل جلوة المذكور لوضوح ان فاعل التربص تلك الأزواج اللائي يتركها المتوفون. فقدر لذلك ما يناسب تقديره (بِأَنْفُسِهِنَ) ويمسكنها عن الزواج والزينة ونحوها (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) أي وعشر ليال (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) بإتمام ذلك (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ) من الخروج من البيوت وطلب الأزواج وترك الحداد مما يكون (بِالْمَعْرُوفِ) المشروع الموافق للاستقامة والعفة وفي تفسير القمي والتبيان ومجمع البيان وغيرها ان هذه الآية ناسخة لحكم الآية السابعة بعدها وعلى ذلك روايات الدر المنثور في هذه الآية عن ابن عباس وابن عمر أقول وربما كان تقديمها في ترتيب القراءة على تلك لكي تنتظم في نسق واحد مع الآيات المحكمة في الطلاق والعدد وربما يشير إلى النسخ في قوله تعالى (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) بأن يكون المراد لا جناح عليكم من خروجهن وتعرضهن للأزواج قبل الحول مما كان يجب عليكم النهي عنه (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ

٢١١

(٢٣٣) وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً

____________________________________

خَبِيرٌ) فلا تخالفوه ٢٣٣ (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) نظم الآيات وسياق الآية وقوله تعالى فيها (حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) تدل على ان المراد من النساء المعتدات للوفاة وعليه الاتفاق والآية صالحة للعموم لبعض المعتدات ايضا وتفصيل ذلك موكول إلى كتب الفقه. والتعريض هو خلاف التصريحات بما يسعه مجال الخطبة من وجوه الكلام وهو تضمين الكلام دلالة على شيء ليس فيه ذكر له والخطبة هو الكلام الدال على طلب المرأة للتزويج ولعل الأصل فيه ان الطلب كان يصاغ كثيرا بكلام ينشئه خطيب القوم ثم استعمل في مطلق الطلب فتعدى ويقال خطبها وهو خاطب (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) بأن خطر في أنفسكم الرغبة في نكاحها والعزم عليه واسررتموه (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَ) لسانا بابداء الرغبة في نكاحهن ولا يدل ذلك على التوبيخ لجواز ان يقصدوا في ذكرها وجها راجحا خصوصا في عصر الرسول (ص) كتطييب قلوب المؤمنات المهاجرات المنقطعات ذوات الأيتام لكي تطمئن قلوبهن بوجود الكافل (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) في صحيحة الحلبي عن الصادق (ع) ان يقول لها أواعدك بيت آل فلان ونحوها رواية عبد الله بن سنان عنه (ع) وفي رواية علي بن حمزة عنه (ع) أواعدك بيت آل فلان يعرض لها بالرفث ويرفث الرواية اي يرفث قولا بأن يذكر لها الجماع وما يرجع اليه صريحا على خلاف الكناية والاحتشام. فإن الجماع يعبر عنه بالسر كقول امرء القيس

الا زعمت بسباسة اليوم انني

كبرت وان لا يشهد السر أمثالي

وقول الأعشى

ولا تقربن جارة إن سرها

عليك حرام فانكحن او تأبدا

وقول الفرزدق

موانع للأسرار الا من أهلها

ويخلف ما ظن الغيور التعفف

(إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) الاستثناء منقطع لرفع ما يتوهم من المنع عن كل ما يدل على التزويج لأن التزويج يئول إلى الجماع. بل يجوز القول بالمعروف الموافق للحياء والحشمة وكريم الخطاب كقوله لا تسبقيني بنفسك إذا انقضت العدة او اني مكرم للنساء او لو انقضت عدتك لا تفوتيني ونحو هذا من معاريض الكلام وبه جاءت روايات الدر المنثور عن ابن عباس ٢٣٤ (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) ولا توقعوها وتوجبوها وبذلك جاءت رواية الدر المنثور

٢١٢

(٢٣٤) وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥) لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ

____________________________________

عن ابن عباس واما العزم على العقد بعد العدة فهو مرخص فيه في الآية خصوصا في قوله او أكننتم في أنفسكم (حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) في التبيان معناه انقضاء العدة بلا خلاف. ومقتضى اللفظ حتى يبلغ القرآن باعتبار فرض العدة اجله في انقضائها او حتى يبلغ الفرض من كتب بمعنى فرض وكلاهما في وجه التجوز ببلوغها الأجل سواء (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ) مما يبعث على الأعمال الخارجية ومنها ما هو محرم عليكم والمقصود تنبيههم على ما يعرفونه من علم الله زيادة في التحذير (فَاحْذَرُوهُ) من ان تخالفوه وتعملوا بالمعاصي (وَاعْلَمُوا) مع ذلك (أَنَّ اللهَ غَفُورٌ) ان تبتم فبادروا إلى التوبة ولا تقنطوا من رحمة الله واحذروه من ترك التوبة كما تحذرونه من المعصية (حَلِيمٌ) لا يعاجلكم بالعقوبة بل يمهلكم لأن تتوبوا اليه فيقبل عليكم بحلمه كأن لم تذنبوا ٢٣٥ (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ) اي لا اثم وهذا دفع لما يتوهم من الإثم في الصورتين المذكورتين لأنهما فراق قبل النتيجة المحبوبة المطلوبة شرعا من النكاح وقطع لما كان يؤمل من الفة الزواج وافراحه دون ان يصدر سوء صحبة خصوصا مع مجاملة المرأة وأهلها بعدم المعاسرة في تقديم الصداق وفرضه في العقد. وفي الكشاف فسر لا جناح بقوله لا تبعة عليكم من إيجاب مهر ويدفعه انه لم يعرف من اللغة والقرآن مجيء الجناح بغير معنى الإثم فلما ذا يفسره هنا بتبعة المال (إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما) اي في مدة وحال انكم (لَمْ تَمَسُّوهُنَ) بالوطء وكان ذلك على جاري العادة في فرض الصداق لهن في العقد (أَوْ تَفْرِضُوا) توجبوا وهو مجزوم بالعطف على تمسوهن (لَهُنَّ فَرِيضَةً) وهو الصداق والمراد رفع الجناح في كل من الحالين حال عدم الوطء مع فرض الصداق وحال عدمه مع عدم الفرض. وعطف بكلمة «أو» كما في قوله تعالى في سورة الدهر (وَلا تُطِعْ (١) مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) لئلا يتوهم اشتراط اجتماعهما. ولعله إلى هذا ينظر ما في التبيان ومجمع البيان ان التقدير ممن فرضتم لهن او لم تفرضوا. وان النظر إلى نظم هذه الآية مع التي بعدها لزعيم بما ذكرناه (وَمَتِّعُوهُنَ) وجوبا لظاهر الأمر. وان الآية الاخرى بحسب سوقها ونظمها مع هذه كالصريحة في ان نصف المهر هو تمام ما تستحقه التي فرض

٢١٣

عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ

____________________________________

لها الصداق فتختص المتعة الواجبة بمن لم تمس بالوطء ولم يفرض لها مهر وعلى ذلك إجماعنا وصحيحة الكافي عن الحلبي وصحيحته عن أبي بصير وروايته عنه ايضا ورواية الفقيه عن الكناني عن الصادق (ع) ورواية الدر المنثور عن ابن عباس وفي الخلاف عليه اجماع الصحابة. ويكون مفاد الآيتين في نظمهما تشريك القسمين من غير المدخول بهن في عدم الجناح بطلاقهن ثم التقسيم باختصاص نصف المهر بمن فرض لها واختصاص المتعة بمن لم تفرض لها فريضة. وعلى هذا التقسيم والتقييد يحمل اطلاق الآية الثانية والأربعين بعد المائتين من السورة والثانية والأربعين من سورة الأحزاب وليس المقام من النسخ لكي يتوقف على معرفة المتقدم والمتأخر بل هو من حمل المطلق على المقيد سواء كان الكلام تفصيلا بعد إجمال أو اجمالا مبنيا على التفصيل. والمتعة (عَلَى الْمُوسِعِ) اي ذي السعة في المال مثل المثري (قَدَرُهُ) أي المقدار الذي يليق بسعته من المال (وَعَلَى الْمُقْتِرِ) أي المقل من المال (قَدَرُهُ) وما يناسب اقلاله وكأنه بذكر الأمرين قيل على كل ما يناسب حاله. وفي الفقيه روى ان الغني يمتع بدار او خادم والوسط بثوب والفقير بدرهم أو خاتم وفي رواية أبي بصير عن الباقر (ع) ان ادنى المتعة على المعسر خمار وشبهه وفي رواية الحلبي وعبد الله بن سنان وسماعة عن الصادق (ع) ان الموسع يمتع بالعبد والامة ويمتع الفقير بالحنطة والزبيب والثوب والدراهم ولعل الكل على سبيل المثال ومناسبة الحال (مَتاعاً) المتاع ما يتمتع به فيكون مفعولا لمتعوهن وقد يجيء بمعنى التمتيع. وفي التبيان انه حال من «قدره» والعامل فيه الظرف وكأنه لما في كلمة «على» من معنى الإيجاب. وفي الكشاف انه تأكيد لمتعوهن والمآل واحد (بِالْمَعْرُوفِ) صفة للمتاع على الاولى ومتعلق به على الأخيرين والمآل في الكل واحد (حَقًّا) صفة للمتاع (عَلَى الْمُحْسِنِينَ) بيان لكون المتعة بالمعروف احسان يرغب فيه المحسنون ويرونها حقا عليهم في شريعة الإحسان ٢٣٦ (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً) بيان لحكم القسم الأول في الآية السابقة وحقه فيعرف منه اختصاص القسم الثاني بالمتعة (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) وهو حق لهن يجب إعطاؤه (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) عنه كلا او بعضا إذا كن بالغات جائزات التصرف في أموالهن سواء كان العفو منهن مباشرة ام من

٢١٤

يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧) حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى

____________________________________

وكيلهنّ على العفو ام الوكيل المأذون له في كل تصرف في أموالهن أم في خصوص هذا الطلاق مثلا (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) وهو ولي الصغيرة الذي جعل الله بيده ان يعقد عقدة نكاحها وليس ذلك عندنا إلا الأب والجد اعني أبا الأب او أباه ففي صحيحة التهذيب عن عبد الله بن سنان عن الصادق (ع) هو ولي أمرها وعن رفاعة عنه (ع) الولي الذي يأخذ بعضا ويترك بعضا وفي بعض أحاديثنا ما جمع فيه من يعفو بحسب الولاية او بحسب الوكالة العامة ففي معتبرة التهذيب بإرسال ابن أبي عمير عن الصادق (ع) الأب والذي توكله المرأة وتوليه أمرها من أخ أو قرابة او غيرهما وفي الصحيحة المروية في الكافي والفقيه والتهذيب عن الحلبي وأبي بصير وسماعه عنه (ع) هو الأب والأخ والرجل يوصى اليه والذي يجوز امره في مال المرأة فيبتاع لها ويتجر ونحوها صحيحة التهذيب عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن الباقر (ع) فأما الموصى اليه في الصحيحتين فهو من اوصى اليه الأب والجد بالقيام بأمر الصغيرة إذا رأى المصلحة في العفو كما في عفو الأب والجد واما الأخ فيعرف امره من مرسلة ابن أبي عمير والظاهر ان عدم ذكر الجد هنا لدخوله في عنوان الأب (وَأَنْ تَعْفُوا) وعفوكم ايها الناس (أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) ربما تجد المرأة الضعيفة النفس في نفسها شيئا إذا رجح الله لها العفو بخطاب خاص فلطف الله بها بما معناه انه لا يرجح العفو لها من حيث انها امرأة ولا من حيث انه مهر بل ان كل عفو هو حسن راجح من جميع الناس وهذا المقام منه وان الزوج لم ينتفع بلذة او خدمة بإزاء ما له فيكون طلب العفو بهذا النحو أطيب لقلب المرأة المطلقة وادعى لها لأن تعفو فإن لمطلق عفو الإنسان عن حقه فضلا وفضيلة وهو بفضيلته اقرب الى فضيلة التقوى (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) ايها الناس واسمعي أيتها المطلقة ولا تحملكم حزازات النفوس على ترك ما فيه الفضل (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيجازيكم على إحسانكم ٢٣٧ (حافِظُوا) ايها الناس (عَلَى الصَّلَواتِ) في إقامتها في أوقاتها بحدودها وشرائطها وإخلاصها وإقبالها عموما (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) وهي صلاة الظهر وعن الخلاف ان عليه اجماع الفرقة والمروي في أحاديثنا انها صلاة الظهر كصحيحة معاني الأخبار عن أبي بصير وروايتي العياشي عن عبد الله بن سنان

٢١٥

وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا

____________________________________

ومحمد بن مسلم عن الصادق (ع) وصحيحة زرارة عن الباقر (ع) وان ورد فيها بعد ذلك كما في الكافي والفقيه ما صورته وقال في بعض القراءات حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر. وبناء على هذه الرواية فلا يخفى ان الإمام لا يتعلل ببعض القراءات إلا محاذرة من الوقت واهله فذكر الرواية الرائجة عن مصحف عائشة وروايتها واحدى الروايات عن مصحف حفصة وروايتها عن قراءة ابن عباس وأبي بن كعب والسائب بن يزيد إسكاتا عن بيانه الأول للحكم الواقعي. وإذا نظرت إلى ما أحصاه الدر المنثور من روايات المقام ترى فيها من الاضطراب والتعارض شيئا مهولا ففي بعضها الفجر وفي بعضها الظهر وفي بعضها العصر وفي بعضها المغرب وكثيرا ما تتعارض الرواية عن الشخص الواحد «وما آفة الأخبار إلا رواتها» (وَقُومُوا) في الصلاة (لِلَّهِ قانِتِينَ) عن العياشي عن الصادق (ع) طائعين وفي رواية سماعة هو الدعاء ومنه قوله تعالى في سورة الزمر (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) وفي التبيان قيل أصله الدعاء في حال القيام أي في الصلاة وفي مجمع البيان وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله أقول ولم أجده عنهما (ع) في تفسير الآية نعم في صحيحة زرارة عن الباقر (ع) ونزلت هذه الآية في يوم الجمعة ورسول الله في سفره فقنت فيها. نعم كثر استعمالهم عليهم‌السلام للفظ القنوت بالدعاء في الصلاة في حال القيام وهو القنوت المعروف كما في رواياتنا وهو معروف في لسان الصحابة وغيرهم كما في روايات الدر المنثور وغيره في الآية ٢٣٨ (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً) جمع راجل وهو الماشي على رجله مثل قيام جمع قائم كما في سورتي الفرقان ٦٥ والزمر ٦٨ اي فإذا خفتم فحكمكم في صلاتكم ان تتركوا ما ينافي التحذر من الوقوف والركوع والسجود بحسب ما يقتضيه الخوف والحذر وعلى رسلكم حال كونكم رجالا (أَوْ رُكْباناً) جمع راكب ويبقى ما لا ينافي الحذر على حاله كالقراءة والتسبيح والتشهد والتسليم نعم قد تخفى دلالة الآية على الإيماء للركوع والسجود إلا بالنظر إلى انه ميسور من خضوعهما واتضاح قاعدة الميسور في هذا المورد للعقل والعقلاء كغيره من الموارد. وفي الكافي في صحيح عبد الرحمن قال سألت أبا عبد الله في الآية ما تقول إذا خاف من سبع أو لص كيف يصلي قال يكبر ويومي إيماء برأسه اي للركوع والسجود (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ)

٢١٦

اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٢٣٩) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠) وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ(٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

____________________________________

بلطفه في الصلاة وغيرها (ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) من اذكار الصلاة واحكامها وغير ذلك ٢٣٩ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) أي يشرفون على الوفاة (وَيَذَرُونَ) بعدهم (أَزْواجاً) كتب الله عليهم (وَصِيَّةً) تأتي الوصية بمعنى الموصى به (لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً) بدل من «وصية» بمعنى الموصى به وإذا جعلنا الوصية هنا بمعنى الإيصاء كان التقدير جعل الله لهن ما يوصى به في الإيصاء متاعا ونحو ذلك والأول أظهر (إِلَى الْحَوْلِ) من حين وفاته في مؤنتها (غَيْرَ إِخْراجٍ) صفة المتاع ليعم السكنى. وربما لم يكن هذا أجلا لعدة الوفاة على كل حال بل ان شاءت انّ تبقى في بيت زوجها فلها الإنفاق والإسكان بحسب الوصية حولا (فَإِنْ خَرَجْنَ) من قبل انفسهن مطلقا أو من بعد أن تقضي اربعة أشهر وعشرا او ابعد الأجلين إذا كانت حاملا فقد أسقطت حقها. وقيل ان الحول كان عدتها فنسخ والمراد من الآية خرجن بعد الحول (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ) من حيث الزواج الشرعي أو اختيار ما يوافق حالها وصلاحها في الخروج. اما وجوب الوصية ان كان فهو منسوخ بالاتفاق وأما جوازها فعن مجمع البيان انه باق عندنا لم ينسخ (وَاللهُ عَزِيزٌ) في احكامه (حَكِيمٌ) في شريعته ٢٤٠ (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) بحق (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ان كان المراد من الآية تأكيد ما تقدم من متعة من لم تمس ولم يفرض لها فريضة كان إطلاقها جاريا على ذلك التقييد وهذا هو المناسب لقربها من تينك الآيتين ولظاهر قوله تعالى (حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ولما أشرنا اليه آنفا من الإجماع والروايات. ويمكن ان تحمل هذه الآية على الاستحباب في مطلق المطلقات بالنظر إلى صحيحة الحلبي وروايته وصحيحة عبد الله بن سنان وسماعة كما في الكافي ورواية أبي بصير كما عن العياشي وفيه شك ٢٤١ (كَذلِكَ) خطاب لرسول الله (يُبَيِّنُ اللهُ) بلطفه (لَكُمْ آياتِهِ) خطاب للناس لاحتياجهم في نظام أمرهم إلى بيان هذه الأحكام (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) لغاية

٢١٧

(٢٤٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

____________________________________

ان تعقلوا إذا أقبلتم باختياركم على التدبر لهذه الآيات والعمل بها (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ) أي ألم تعلم بأمرهم ونزل علمه (ص) بما فيه من الإيمان واليقين بمنزلة الرؤية بالبصر (خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) أي خرجوا حذرا من الموت وفرارا (فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا) وإنما أمره إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون فعبر عن ارادته التكوينية بالأمر بالموت وبالكون اشارة إلى ان قدرته لا تحتاج إلى عمل وممارسة مقدمات (ثُمَّ أَحْياهُمْ) بعد موتهم. روى في روضة الكافي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام قصة هؤلاء وهربهم من الطاعون وموتهم وبقاءهم بلا دفن حتى صاروا عظاما فجمعها المارة ونحوها عن الطريق فمر عليها حزقيل النبي من بني إسرائيل فدعا الله في احيائهم فأحياهم. وعن العياشي وسعد بن عبد الله عن حمران عن باقر عليه‌السلام مختصر في هذه القصة. وروى في ذلك في الدر المنثور عدة روايات عن ابن عباس وبعض التابعين (١) (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) يعرفهم قدرته ويبصرهم بمواعظه ويحوطهم بألطافه ويجللهم برحمته (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ٢٤٣ وَقاتِلُوا) ايها الناس (فِي سَبِيلِ اللهِ) ولا تخافوا من الموت فإن الأمور بيد الله ولكم الموعظة بفرار هؤلاء من الموت وموتهم واحيائهم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لدعائكم واستنصاركم وما تقولونه في امر الجهاد والدعوة إلى الله ودين الحق (عَلِيمٌ) بنياتكم في جهادكم ٢٤٤ (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً

__________________

(١) ولهذه القصة شؤون. فقد ذكر نظيرها في العهد القديم في كتاب حزقيال من العدد الاول إلى الحادي عشر من الفصل السابع والثلاثين. فجاءت جمعية المرسلين الامريكان في الجزء الثاني من كتابهم الذي سموه «الهداية» واعترضوا على القرآن المجيد وأنكروا مضمونها والاحياء وجعلوا ما ذكر في كتاب حزقيال رؤيا منامية غايتها البشرى بانتعاش بني إسرائيل بعد السبي ورجوعهم إلى قوميتهم وحالتهم السياسية.

دع جمعية الأمير كان وهلم الخطب في بعض مفسري المسلمين المعاصرين من المصريين إذ كتبوا وطبعوا انكار الأمر الذي ذكره القرآن الكريم بالمحاورة الصريحة الدائرة بين العقلاء في بيان الحقائق وفسروا الآية بأن موت أولئك القوم هو ان العدو نكل بهم فأفنى قوتهم وأزال استقلال أمتهم حتى صارت لا تعد أمة. ومعنى حياتهم هو عود الاستقلال إليهم. إلى آخره. ويا ليت النزعة العصرية واللهجة السياسية لم يمدا أيديهما إلى القرآن الكريم.

٢١٨

(٢٤٤) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥) أَلَمْ

____________________________________

حَسَناً) قد اقتضت حكمة الله ورحمته في شأن الإنسان ونظام مدنيته وتشابكه في الاجتماع ان يجعل بعضهم محتاجا إلى بعض في شؤون التعيش والأموال. كما اقتضت حكمته ورحمته في كمال الإنسان ونيله كرامة الفضيلة وحسن الجزاء بأن يجعله مختارا في أفعاله وأحواله في الإيمان والكفر والطاعة والمعصية. واقتضت حكمته ورحمته ولطفه أن يأمر بالتعاون على البر والإحسان وان يعود الغني على الفقير بشيء مما هو من رزق الله وخلقه وينفق شيئا من مال الله في نصر الحق واهله ودفاع الباطل واهله. واقتضت رحمته ولطفه ان يرغّب الإنسان في الإنفاق في سبيل الله والخير في الفقراء والجهاد وينصره بهذا الترغيب على شح نفسه ونزعات حرصه وما يسوله له فقر إمكانه. فجاء القرآن الكريم على أحسن وجه في الترغيب وحاصل ما يشير اليه وينوه به هو انكم ايها الناس لا بدلكم من انكم تعرفون أن كل نعمة عندكم إنما هي من الله وخلقه للعالم وما فيه. ومع ذلك فإن الله بحسب حكمته ولطفه يندبكم إلى أن تنفقوا شيئا مما أنعم به عليكم في طريق صلاحكم وسعادتكم وان الذي ينفق في ذلك شيئا من ماله وهو يريد به وجه الله يجعله الله قرضا عليه إذا كان قرضا وإنفاقا حسنا من المال الحلال فاقدا لما يشينه من الرياء والمن ونحو ذلك (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) بنصب «يضاعفه» جوابا للاستفهام بعد الفاء وفي الحقيقة هو جواب لطلب القرض المؤكد بأسلوب قوله تعالى (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً). روى الصدوق في معاني الاخبار في الصحيح عن الخزاز والعياشي عن علي بن عمار عن الصادق (ع) لما نزل من جاء بالحسنة فله خير منها قال رسول الله اللهم زدني فأنزل الله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فقال رب زدني فأنزل الله (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) فعلم رسول الله (ص) ان الكثير منه لا يحصى وليس له منتهى (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) في تفسير البرهان عن الصدوق مسندا عن الصادق يمنع ويعطي والمراد استلفاتهم إلى ان امر الرزق بيد الله جل شأنه فليغتنم ذو السعة فرصة الإنفاق وقرض الله قبل ان يضيق عليه رزقه وتبقى له الحسرة. ولا يخف في إنفاقه فقرا فإن بيده بسط الرزق (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فيوفيكم جزاء ما أنفقتم وتشتد حسرات الحريص الشحيح على ما فرط ٢٤٥ (أَلَمْ

٢١٩

تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ(٢٤٦) وَقالَ لَهُمْ

____________________________________

تَرَ) الرؤية كما تقدم قريبا كناية عن العلم (إِلَى الْمَلَإِ) أي الأشراف والأعيان (مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ) موت (مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ) في تفسير القمي في الصحيح عن الباقر (ع) ان بني إسرائيل عملوا المعاصي وغيروا دين الله وعتوا عن أمر ربهم وكان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه وروى ان اسمه ارميا النبي أقول هذا وما بعده ليس من الصحيح بل هو إرسال من القمي وفيه ما هو خلاف الصحيح فإن نفس القمي سيروي في تفسير الآية الحادية والستين بعد المائتين في الصحيح عن الصادق ان ارميا النبي معاصر لبخت نصر وسبي بابل كما هو مقتضى التاريخ وبين ذلك العصر وعصر طالوت نحو اربعمائة سنة وتسعة اجيال. وفي التبيان ومجمع البيان وقيل هو اشموئيل وهو المروي عن أبي جعفر يعني الباقر (ع) وفي مجمع البيان وهو بالعربية إسماعيل وفيه منع فإن إسماعيل في العبرانية «يشمع ايل» (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ) معه (فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ) لهم نبيهم (هَلْ عَسَيْتُمْ) عسى معناها الترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه (إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا) المطرد فيما بعد عسى ان يأتي مقرونا بكلمة «ان» الناصبة ولكن لأجل ان المؤكدين بعد اختلاط اللسان ضاعت عليهم مزايا اللغة العربية بعد ان كانت معروفة لأهلها فقال بعض النحويين او جمهورهم ان عسى من الأفعال الناقصة والمنصوب بأن خبرها على حذف المضاف منه او من اسمها (قالُوا) ما مؤداه ماذا يمنعنا من القتال (وَما لَنا) من الفائدة في (أَلَّا) الا هي ان المصدرية ولا النافية (نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) بالحرب والطرد عن الأوطان وهل بعد هذا مانع نفساني عن القتال أو فائدة تدعو إلى تركه. مضافا إلى انه قتال في سبيل الله ودفاع عن الدين والتوحيد. ومع هذا البيان منهم (فَلَمَّا) بعث لهم طالوت ملكا و (كُتِبَ) وفرض (عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) معه (تَوَلَّوْا) وتخاذلوا (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) يعلم حالهم من قبل ذلك ٢٤٦ (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً) قيل سمي طالوت لطوله وفي

٢٢٠