آلاء الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

الشيخ محمد جواد البلاغي

آلاء الرحمن في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمد جواد البلاغي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

(١٥٦) إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً

____________________________________

وعلمهم واعترافهم بأنهم لله وانهم اليه راجعون ١٥٦ (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) موضعان معروفان بمكة يسعى بينهما في الحج والعمرة (مِنْ شَعائِرِ اللهِ) من معالم اعمال الطاعة التي جعلها الله في الحج والعمرة وان عرض ان المشركين جعلوا عليهما الأصنام كما جعلوها على البيت الحرام الى ان ألقاها عنه رسول الله في فتح مكة إذ أصعد امير المؤمنين على كتفيه ورمى بها الى الأرض (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) الحج والعمرة معروفان والتطوف الطواف. وسمي السعي تطوفا باعتبار تكرره فيكون كالطواف الذي يرجع الى مبتداه وطاف به أعم من الطواف حوله وجعله في وسط المطاف كالطواف بالبيت ومن المرور به في الطواف كما تسمى الكثيرة الخروج من دارها طوّافة بالبيوت. وقد اتفقت الرواية من المسلمين على ان قريشا جعلوا من أصنامهم على الصفا والمروة فتوقف المسلمون من الطواف بهما لمكان الأصنام فرفع توهم التحريم بقوله (لا جُناحَ) لأنها من شعائر الله وذلك لا ينافي الوجوب كما ثبت من السنة وعليه اجماع الإمامية واكثر الجمهور. ففي تفسير البرهان عنه أي عن محمد بن يعقوب في الكافي في الحسن كالصحيح عن أبي عبد الله «ع» في حديث حج النبي «ص» وان المسلمين كانوا يظنون ان السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون فأنزل الله تعالى (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) الآية. قلت ولم أجد هذا الكلام في مظانه في الكافي. وعن العياشي قال ابو عبد الله في خبر حماد بن عثمان انه كان على الصفا والمروة أصنام فلما ان حج الناس لم يدروا كيف يصنعون فأنزل الله هذه الآية فلما حج النبي رمى بها. وفي الكافي في باب السعي في المرسل المعتبر عن أبي عبد الله «ع» ان رسول الله «ص» شرط على قريش في عمرة القضاء ان يرفعوا الأصنام من الصفا والمروة فجاؤا اليه وقالوا يا رسول الله ان فلانا لم يسع بين الصفا والمروة وقد أعيدت الأصنام فأنزل الله عزوجل (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) وذكر القمي في تفسيره نحوه. وفيه ايضا ان عمرة القضاء كانت سنة سبع من الهجرة. وذكر الآية من أولها ولم ينسب شيئا من ذلك الى رواية (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) تجيء صيغة تفعل للاتخاذ والجعل نحو توسد الحجر. وقد يتجلى عليها معنى الطلب والرغبة والتحصيل نحو تعرّفت وتعلمت وتبصرت من البصيرة في

١٤١

فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٧) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٨) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٥٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦٠) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦١) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ

____________________________________

غير المطاوعة. ومن ذلك قول امرؤ القيس في معشوقته :

 «تنورتها من أذرعات ودارها

بيثرب أدنى دارها نظر عالي»

فالمعنى ومن اتخذ الخير المشروع طاعة بطلب لها ورغبة. ولا دليل من اللغة ولا من هيئة التطوع او مادته على اختصاصه بالمستحبات. بل ان المقام يأبى ذلك فإن السعي حق في الحج والعمرة المندوبين يجب بالشروع فيهما. وحاصل الآية ان التطوف بالصفا والمروة خير لأنه تعظيم لشعائر الله وطاعة له في ذلك من تطوع خيرا (فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) بالطاعة لا يخفى عليه شيء منها ومجاز عليها. وإن كان الشكر مختصا بالنعمة واليد فنسبته الى الله مجاز ١٥٧ (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) الواضحات في الإرشاد (وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ) وأوضحنا دلائله (فِي الْكِتابِ) والعموم في الكتاب للقرآن وغيره من كتب الله أنسب بعموم التوبيخ وقيام الحجة واستحقاق اللعنة. ولذلك مصاديق كثيرة. ومنها ما رواه في البرهان عن العياشي (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ) يطردهم عن رحمته (وَيَلْعَنُهُمُ) أي يدعو عليهم بالطرد عن الرحمة (اللَّاعِنُونَ ١٥٨ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا) اعمالهم (وَبَيَّنُوا) ما كانوا يكتمونه وغيره مما ينبغي بيانه من الحق (فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ) على من تاب حق التوبة (الرَّحِيمُ ١٦٠ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) وطردهم عن رحمته (وَ) لعنة (الْمَلائِكَةِ) اي دعائهم باللعنة (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) بلعنهم للظالمين والجاحدين للحق. ومن طرده الله عن رحمته فهو معذب ١٦٢ (خالِدِينَ فِيها) اي في اللعنة فهم خالدون في العذاب (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) من النظرة والإمهال في العذاب والإمهال للاعتذار والتوبة ١٦١ (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) في الإلهية وصفاتها لا شريك له فيها (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)

١٤٢

الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٢) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ

____________________________________

وهذه العبارة في توحيد الله في الإلهية ونفي ما عداه فيها أوضح من ان تشوش بقواعد الإعراب (الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) وقد مر تفسير الكلمتين في بسملة الفاتحة. ولعمر الحق ان مضمون هذه الآية الكريمة في وجود الإله ووحدانيته في الإلهية وإبداع العالم بحكمته وارادته ورحمانيته ورحمته امر تجلوه الفطرة للعقول الحرة بأوضح المجالي. ولكن الله جلت آلاؤه شاء بلطفه ان يستلفت العقول الى ذلك بالحجة القيمة بنحو يكتفي منه العامي بنظرته البسيطة ويستنبط العالم لها بحسب استعداده في العلوم من كل شيء يجلوه العلم برهانا كافيا. فذكر هنا جلت الطافه بعض الآيات المشاهدة من خليقته وقال ١٦٢ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ) وما يرى فيها من الكواكب الثابتة والسيارات المرتفعة بعضها عن بعض على مدار مخصوص والمستمرة كل على سيره المنتظم على منطقة البروج فضلا عما يعرف بالعلم من فوائد سير السيار على تلك المنطقة (وَالْأَرْضِ) وما فيها من الجبال وحكمها الباهرة. ومنها تفجر العيون من أعاليها وإخراج النار من براكينها. ومن انواع المعادن. ومن البحار وتياراتها وما في ذلك من الحكم (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) على نظام موزون مستمر متماثل في ايام السنين يزيد النهار في كل محل من نصف الأرض الشمالي بمقدار ما ينقص في ذلك اليوم من مثل ذلك المحل في العرض من النصف الجنوبي. وتجري نقيصة الليل وزيادته على عكس النهار في المحال المتماثلة في العرض من النصفين (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) من تجارة البلدان النائية والوصول الى البلاد البعيدة وكيف سخرت لها الرياح المسماة بالتجارية. فترى السفن تجري في زمان واحد وبحر واحد كل الى مقصدها شمالا او جنوبا او شرقا او غربا (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ) بالنبات والشجر والنمو (بَعْدَ مَوْتِها) بكونها قاحلة ماحلة وأوجد فيها روح قوة الإنبات لا تحصل بالدوامل (١) العادية. ولا الماء الجاري نعم قد يحصل من القوة شيء باطيان الفيضان المتشبعة بروح المطر (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) ببركة إحيائها (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) التي يسمونها استوائية

__________________

(١) الدوامل ما يداوى بها ضعف الأرض في الإنبات من سماد ونحوه

١٤٣

الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٣) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً

____________________________________

وقطبية وموسمية وتجارية. وما في استقامتها وهدوّها في البحر المسمى بالمحيط الهادئ أي الساكن وهو الواقع ما بين آسيا وامريكا مع ان مساحة قطره من المشرق الى المغرب تزيد على سبعة آلاف ميل ومن الجنوب الى الشمال اكثر من ذلك. واستقامة أنواعها ايضا في البحر المسمى بالمحيط الأطلسي وهو الواقع بين أوروبا وامريكا وربما يبلغ عرضه اربعة آلاف ميل فلا يكون في هذين المحيطين العظيمين والطريقين الموصلين ما بين الدنيا القديمة والدنيا الجديدة خطر العواصف والأعاصير التي تكون في بحر الصين والهند وبحر انتيلة المقابل لأمريكا الوسطى (وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) يجري حيث توجهه القدرة والحكمة تراه في محل واحد ينزل مطره قطرات وسحا وهكذا وتتخلل بين ذلك فترات واحوال مختلفة في نزوله وبينما هو واقف إذ اقلع مسرعا او على تأن. هذا وفي كل أمر من هذه الأمور وكل حال من هذه الأحوال المنتظمة بأحسن نظام يجد العقل الحر دلالة واضحة على ان كلا من ذلك إنما هو من إيجاد إله قادر عليم حكيم وتدبيره بحسب ارادته وحكمته ورحمته. ودلالة جلية على انه وحده لا شريك له في الإلهية وهذا الخلق العجيب والتدبير المنتظم ولو كان معه إله لاختل هذا النظام وفسدت المخلوقات كما قال جل شأنه في سورة الأنبياء (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) وفي سورة المؤمنون (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) وقد جرى الكلام بأكثر من هذا الشرح في مضامين هذه الآيات في الجزء الثاني من المدرسة السيارة في صفحة ١١٦ ـ الى ١٢٥ و ١٥٥ الى ١٦٠ وفي الجزء الثالث في صحيفة ١٧ و ١٨ وأنى يبلغ الشرح والبيان معشار ما في هذه الآيات من اسرار القدرة والحكم الدالة على الإله وتوحيده. وعلى الإجمال ان فيما ذكر في الآية الكريمة (لَآياتٍ) باهرات ودلالات نيرة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وكلما تفكروا فيما ذكر ظهرت لعقولهم من الآيات والدلالات اضعاف ما عرفوه ١٦٣ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً) قد مر الكلام في الند في الآية الثانية والعشرين. واتخاذ الأنداد أعم من تأليههم واتباعهم على ظلمهم وباعتبار القسم الثاني جاءت الرواية عن الباقر عليه‌السلام كما في التبيان والبيان. وعن العياشي مرفوعة عنه

١٤٤

يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٤) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ

____________________________________

(ع) وفي البرهان عن الكافي واختصاص الشيخ المفيد مسندة. وقيل في هذه الآية من دون الله باعتبار ان اتخاذ الأنداد حتى بالمعنى العام المذكور انما هو نكوص عن معرفة الله وحقيقة إلهيته وقدس توحيده وعبادته او نكوص عن طاعته واتباع شريعته ومن امر باتباعه (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) لصدق عرفانهم له في إخلاصهم في توحيده ويقينهم بأن الخلق والأمر بيده وهو الرحمن الرحيم (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) باتخاذهم الأنداد وتعديهم حدود الله في العدل (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) ويشاهدون أهواله وانه ليس من دونه نصير (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) جملة ان القوة أي مصدرها مفعول ليرى (وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ) عطف على مفعول يرى. وفي الآية توبيخ شديد وتسفيه لهؤلاء بالإشارة الى انهم لا يهتدون بعقولهم ودلالة العقل على وحدانية الله في الإلهية وانحصار القوة الإلهية به. ولزوم اتباع أوامره فيمن امر باتباعه. واتباع نواهيه فيمن نهى عن الضلال باتباعه. ولا يهتدون الى اليقين بما توعد الله به من انواع العذاب الأليم في يوم القيامة. وانه ليس من دونه وليّ ولا نصير. بل هؤلاء كالبهائم لا تلتفت إلا الى ما تراه وتحسه. فلو ان هؤلاء الظالمون حينما يرون بالحس عذاب القيامة وما تذكره الآيتان بعد هذه الآية من أهوالها ويرون انحصار القوة الإلهية بالله وشدة عذابه لأقلعوا عن غيهم واتخاذهم الأنداد وأنابوا الى توحيد الله وطاعته. وحذف جواب «لو» لدلالة المقام عليه اختصارا. وليقدر بكل نحو يناسب المقام. قال امرؤ القيس

 «فلو أنها نفس تموت سوية

ولكنها نفس تساقط أنفسا»

وقد مرّ بعد الآية السابعة والعشرين شيء من شواهد الحذف لدلالة المقام ١٦٤ (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) في التبيان والبيان العامل في إذ قوله تعالى (شَدِيدُ الْعِقابِ) والأظهر انها بدل من إذ يروا العذاب او عطف بيان فالعامل فيها «لو يرى» (وَرَأَوُا الْعَذابَ) جميعا التابعون والمتبوعون (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) السبب هو الحبل الذي يتوصل به الى الصعود فإذا انقطع بالشخص المتعلق به آيس من نجاته من ورطته. كنى بذلك عن انقطاع

١٤٥

(١٦٥) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٦) يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ

____________________________________

آمالهم بوسائلهم التي كانوا يتوهمونها ١٦٥ (وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) لو للتمني والتقدير لو يمكن ان لنا كرة كما تقدمت الإشارة اليه في الآية التسعين. وقيل انها لا تحتاج الى جواب كجواب الشرط. وقال بعضهم هي لو الشرطية أشربت معنى التمني ومعناه انها تحتاج الى الجواب ولكن الغالب حذفه لدلالة سياق الكلام عليه. واحتجوا بقول مهلهل بن ربيعة

فلو نبش المقابر عن كليب

فيخبر بالذنائب أي زير

بيوم الشعثمين لقرّ عينا

وكيف لقاء من تحت القبور

فجاء بجوابها مقرونا باللام. ولا بأس بهذه الحجة وقولها. وربما يكون بعض ما جيء بجوابها مع اللام في القرآن الكريم هي «لو» التي للتمني (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ) من المتبوعين بنصب نتبرأ لوقوعها في جواب التمني بعد الفاء (كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا) أي تبريا ينفعنا في العمل والجزاء في دار لا فيها عمل ولا حساب (كَذلِكَ) أي كما تبرأ بعضهم من بعض. وتقطعت بهم الأسباب وخابت آمالهم (يُرِيهِمُ اللهُ) في الآخرة (أَعْمالَهُمْ) في الدنيا (حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) أي اسباب حسراتهم على أنفسهم فيما فرّطوا فيها وأقيم المسبب مقام السبب مبالغة ومن مصاديق ذلك ما في التبيان والبيان. روي عن أبي جعفر «ع» قال الرجل يكسب المال ولا يعمل فيه خيرا فيرثه من يعمل منه عملا صالحا فيرى الأول ما كسبه حسنات في ميزان غيره. ورواه ايضا في تفسير البرهان عن أمالي الشيخ المفيد مسندا عن أحدهما عليه‌السلام. وعن الكافي نحوه مسندا ايضا عن أبي عبد الله «ع» كما رواه عن العياشي ايضا (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) وذلك معنى الخلود فيها والعياذ بالله ١٦٦ (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا) الأمر هنا للإباحة (مِمَّا فِي الْأَرْضِ) من بعضه مما أحله الله (حَلالاً) في نفسه (طَيِّباً) في مأخذه وفي ذلك بلاغ لكم تعيشون به من نعمة الله ورحمته في هناء وسلامة في الآخرة (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) وتقتفوا أثره في غوايته وطريق ضلاله ووسوسته لكم فإنه لا يوسوس لكم إلا بما يضركم ولا يدعوكم إلا الى ما يوبقكم في الدنيا والآخرة (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) لعداوته ولو تبصرتم فيما يغوي به الكفار

١٤٦

عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٧) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٨) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٦٩) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٧٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧١) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ

____________________________________

والفساق لعرفتم انه لا يتخفى بعداوته لكم وارادته مضرتكم في الدارين. وروى في الكافي والتهذيب عن الصادق والباقر عليهما‌السلام ان الحلف على ذبح الولد والحلف بالطلاق والعتاق والنذر وان يقول عليّ الف بدنة وانا محرم بألف حجة او ان جميع مالي هدي وكل مملوكي حرّ ان كلمت فلانا إن هذا كله من خطوات الشيطان كما في البرهان مسندا عن العياشي مرفوعا. وروى في الدر المنثور فيما أخرجه الرواة وصحح بعضه الحاكم شيئا من نحو هذا عن ابن عباس وابن مسعود والحسن وجابر بن زيد ١٦٧ (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ) الشيطان بغوايته ووسوسته (بِالسُّوءِ) بحيث تعرفون إذا نظرتم بعين البصيرة انه سوء يزجر عنه العقل والشرع (وَالْفَحْشاءِ) وهو ما يستعظم قبحه (وَأَنْ تَقُولُوا) كاذبين (عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) انه منه ١٦٨ (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) أي للضالين عن الحق (اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) من الدين والشريعة (قالُوا) لا نتبع ذلك (بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) من الاعتقاد والعمل ويقلدون بذلك آباءهم على عمى وضلال فسفها لهم (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) وهم كذلك إذ كانوا على غير ما يهدي اليه العقل والشرع ١٦٩ (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) في أقوالهم هذه التي لا يتفكرون في فساد معانيها ولا يعرفون غلطها وما يقولونه فيها (كَمَثَلِ) الأصم (الَّذِي يَنْعِقُ) كنعاق الراعي في غنمه (بِما لا يَسْمَعُ) ولا يميز من مداليل نعاقه معنى معقولا (إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) وصوتا بلا معنى وانهم في ذلك (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) كيف ينطقون ١٧٠ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) نعمه (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ليس المراد منه حقيقة الشرط وتعليق الشكر على عبادته. بل لبيان ان الشكر لنعمه ملازم لعبادته عن معرفة بأنه إله العالم وخالقه ومدبره ١٧١ (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) وهي الحيوان الذي عرض عليه

١٤٧

وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ

____________________________________

الموت والمراد منها غير الحيوان المذكى بما شرعه الله له من اسباب التذكية المحللة للأكل (وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) نص على لحم الخنزير الشامل هنا لشحمه عناية ببيان تحريمه وان كان من الميتة المحرمة (وَما أُهِلَّ بِهِ) ورفع الصوت عند ذبحه او نحره بالتسمية (لِغَيْرِ اللهِ) كالذي يذبح قربانا للصنم او الوثن والشجر او الذي يذكر عليه اسم الصنم والوثن وكلاهما مروي فإنه من الميتة. والحصر في الآية اضافي بالنسبة الى المأكول من الحيوان (فَمَنِ اضْطُرَّ) إلى أكل شيء من ذلك بمقدار ما يحفظ به حياته حال كونه (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) وقد جاء في القرآن باغ والبغي وما يشتق منه في اكثر من عشرين موردا على معنى واحد لا يتعدى بنفسه وإنما يعدى بعلى. واختلفت كلمات المفسرين واللغويين في تفسيره بحسب ما يتراءى لهم من مناسبات الموارد لاستعماله لا لاختلاف فيه او اختلافه في تلك الموارد. فقالوا انه الحسد او الظلم او الاعتداء او الفساد من بغى الجرح إذا فسد او مجاوزة الحد عن الحق او عن القصد كما في تبيان الشيخ والنهاية والقاموس والمصباح والكشاف ومجمع البيان وهذا غير معنى الباغي بمعنى الطالب. ومنه في القرآن (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) وابتغى ويبتغي وتبتغي ونحوه مما يتعدى بنفسه. وفي الكافي ومعاني الأخبار عن البزنطي عمن ذكره عن أبي عبد الله «ع» الباغي الذي يخرج على الإمام والعادي الذي يقطع الطريق. وسندها صحيح باعتبار رواية الصدوق وكون البزنطي ممن اجمع على تصحيح ما يصح عنه وبذلك فسره في المبسوط والشرائع والقواعد والإرشاد واللمعة. وفي الروضة انه الأشهر. وفي البرهان عن تفسير العياشي عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام الباغي الخارج على الإمام. وعن محمد بن إسماعيل يرفعه الى أبي عبد الله «ع» الباغي الظالم والعادي الغاصب. وفي التبيان وقيل غير باغ على إمام المسلمين ولا عاد بالمعصية طريق المحقين. وفي البيان هو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام. وفيه نظر فإن روايته عن الباقر غير مذكورة والرواية عن أبي عبد الله «ع» ليست منحصرة بذلك. ففي الكافي والتهذيب عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله «ع» قال الباغي باغي الصيد والعادي السارق. وفي رواية الفقيه والتهذيب عن عبد العظيم الحسني عن أبي جعفر الجواد (ع) الذي يبغي الصيد لهوا وبطرا. وتفسير الباغي في هذه الروايات باعتبار

١٤٨

فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٢) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٣) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٤) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ

____________________________________

ان ما ذكر فيها من مصاديق البغي والباغي. اما الخارج على الإمام فظاهر واما طالب الصيد لهوا وبطرا فباعتبار ان هذا النحو من التصيد مصداق من مصاديق البغي. ففي الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله (ع) ان الخروج الى الصيد صيد اللهو ليس بمسير حق. وفي الكافي والتهذيب وعن المحاسن انه مسير باطل. وعن الخصال عن الكاظم (ع) قال قال رسول الله اربعة يفسدن القلب وينبتن النفاق وعد منها الصيد. ثم ان كلا من الروايتين في تفسير الباغي تكون قرينة على ان لا ينحصر تفسير الباغي بما ذكرته. بل هو احد المصاديق ولكن خرج في نقل الرواية والسؤال والجواب بهذا الأسلوب. اذن فكل من صدق عليه انه باغ او عاد لم يجز له ان يتناول من الميتة وان اضطر إليها أخذا بإطلاق الكتاب المجيد (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) إذا أكل مما ذكر بمقدار ما يحفظ به نفسه وما فوق هذا المقدار محرم لأنه غير مضطر اليه (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ١٧٢ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ) اي يستبدلون به (ثَمَناً) ومها بلغ ذلك الثمن كان (قَلِيلاً) بالنسبة لكتمانهم لما انزل الله (أُولئِكَ) خبر ان (ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ) من هذا الثمن الخسيس (إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ) فلا يغتروا بأن الناس في الدنيا الفانية يكلمونهم ويزكونهم فإن لهم شديد العقاب (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ١٧٣ أُولئِكَ الَّذِينَ) في عملهم هذا قد (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ) ففعلوا بذلك فعل الصابر على النار بصبر عظيم (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ١٧٤ ذلِكَ) وهو ان الله لا يكلمهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم (بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) بينا هداه كافية دلائله (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ) شقاقا ونفاقا (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) امده ١٧٥ (لَيْسَ الْبِرَّ) ايها الناس هو (أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) فيما اعتدتم عليه من صور عباداتكم التي لا يسعكم

١٤٩

(١٧٥) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ

____________________________________

تركها بين الناس (قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) اي نحوهما على سبيل المثال (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) حق الإيمان ولم يشرك به شيئا ولم يهدم ايمانه باتباع الهوى والشيطان في مخالفة أوامر الله ونواهيه (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يوم القيامة وحقيقة الإيمان به ان يظهر اثره على أفعاله وأقواله وأخلاقه (وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ) القرآن ويلزمه الإيمان بما ذكر فيه من الكتب الإلهية (وَالنَّبِيِّينَ) ورأس ذلك وأساسه هو الإيمان بخاتمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه بالإيمان به ينفتح باب الايمان بمن سبقه من الأنبياء لأنه (ص) اخبر بهم وذكروا في القرآن المنزل عليه ولو لا ذلك لما وجد الطريق الى معرفتهم لأن نقل معجزاتهم وادعاءهم النبوة منقطع مريب (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) اي حب الله خالصا لوجهه الكريم (ذَوِي الْقُرْبى) قال في التبيان والبيان أراد به قرابة المعطي. أقول وهو اقرب من حيث اللفظ وفيهما ايضا ويحتمل ان يكون أراد قرابة النبي. أقول وهو اقرب في العادة الى إيتاء المال على حب الله خالصا لوجهه فإنه ابعد عن الدواعي النفسانية وحب الأقرباء وفي البيان وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام. قلت ولم أجد الرواية بالنسبة لهذه الآية (وَالْيَتامى) المحتاجين (وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) المسافر المحتاج في سفره وان كان له مال لا يصل اليه (وَالسَّائِلِينَ) منه مالا (وَفِي) عتق (الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ) بحدودها (وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) ذكر الشرط لبيان هذا النحو من العهد وهو الذي يصدر منهم وجيء بصيغة الجمع للاشارة الى العهود التي تقع بين الجماعات من الناس وللتعريض بغدر بني النضير وقريضة وأمثالهم ممن لم يرع في العهد إلا ولا ذمة (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ) الفقر ونحوه (وَالضَّرَّاءِ) المرض ونحوه (وَحِينَ الْبَأْسِ) الحرب وشدتها ونصب الصابرين على المدح لما في صبر هؤلاء الصابرين من الفضيلة الكبرى إذ عليه يبتني الثبات على الدين والطاعة لله وشكر نعمه والشدة والاقدام في نصرة الحق والسلامة من

١٥٠

(١٧٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى

____________________________________

الضلال والارتداد (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) ومن المعلوم انه لم يجمع هذه الصفات من صحابة رسول الله (ص) الا امير المؤمنين علي عليه‌السلام واستقراء الأحوال. ومنها يوم أحد والأحزاب وخيبر وحنين يعرفك اختصاصه (ع) بهذه الفضيلة. فهو معني بهذه الآية يقينا واما غيره فلا أقل من الشك في جامعيته لها. وفي مجمع البيان عن الزجاج والفراء انها اي هذه الصفات وجامعيتها مخصوصة بالأنبياء المعصومين وليت شعري ما ذا نقموا من أبي الحسن. واما قوله (تعالى) (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) فهو أسلوب فائق من البلاغة يخرج الكلام به من صورة الفرض الذي لا يهم في البيان الى صورة الوقوع والحجة بالعيان. قال الحارث بن حلزة اليشكري

والعيش خير في ظلال النو

ك ممن عاش كدا

وقال النابغة الجعدي

كأن غديرهم بجنوب سلى

نعام قاق في بلد قفار

وقال الحطيئة

وشر المنايا ميت وسط اهله

كهلك الفتى قد اسلم الحي حاضره

فالغرض من الآية هي الإشارة الى الذين اتصفوا بهذه الصفات وأشرقت الأرض بنورهم والاحتجاج والمقابلة بهم لا مجرد المقابلة بين تولية الوجه قبل المشرق والمغرب وبين حقيقة البر. ولو قيل ولكن البار من آمن الى آخره لخرج الكلام الى الفرض لا الوقوع. وكذا لو قيل ولكن البر بر من آمن ١٧٦ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ) في الشريعة رعاية لحق المقتول وأوليائه (الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) القصاص أخذ الجاني بمثل جنايته واتباع اثره فيها وهذا خاص بالعمد لقوله تعالى في سورة النساء (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) الآية. وعلى ذلك اجماع المسلمين وأحاديثهم وما كل المسلمين تتكافأ دماؤهم وتتساوى. بل (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) ويقيد اطلاق جنسهما في شموله للذكر والأنثى بقوله تعالى (وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) كما يتقيد اطلاق هذا بقوله تعالى (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) فإن الأمة المسلمة لا تكافئ المسلمة الحرة. وفيما يتعلق بهذه الآية مبحثان «الأول» فيما خرج من إطلاقها وفيه مسائل.

«الأولى» لا يقتل مسلم بكافر وان كان ذميا. وعليه إجماع الإمامية وكثير من الجمهور. ولم يعرف الخلاف فيه منهم الا عن الشعبي والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه. ويردهم قوله تعالى في

١٥١

سورة النساء (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) نعم تثبت الدية للذمي بنص الآية الرابعة والتسعين من سورة النساء. فإن كان ذلك منافيا لظاهر نفي السبيل كان تخصيصا له ويبقى ما عداه لحكم العموم. ويحتج عليهم ايضا بما أخرجه احمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي بأسانيدهم عن أبي جحيفة عن علي عليه‌السلام في الصحيفة التي عن رسول الله (ص) لا يقتل مسلم بكافر. واخرج احمد والنسائي وابو داود بأسانيد صحيحة عندهم عن أبي حسان تارة وعن قيس بن سعد اخرى عن علي (ع) في الصحيفة التي عهد بها رسول الله. المؤمنون تكافأ دماؤهم ـ لا يقتل مؤمن بكافر الحديث» والمراد من تكافأ دمائهم ان الصغير يكافئ الكبير والوضيع الشريف. وعن احمد وابن ماجة عن ابن عمر عن النبي (ص) مثله. وفي كنز العمال في ذلك عدة أحاديث. نعم المشهور عند الإمامية ولعله اجماع ان المسلم إذا اعتاد قتل اهل الذمة قتل تأديبا ولا كرامة له كما نطقت به أحاديثهم. وفي الكنز عن عبد الرزاق في جامعه وق عن عمر نحو ذلك

«الثانية» لا يقتل الأب بابنه بإجماع الإمامية وأحاديثهم الكثيرة وهو المعروف من فقهاء الجمهور ورواه في كنز العمال مما أخرجه ابن أبي شيبة وابن ماجه والطبراني في الأوسط وابن عساكر واحمد في العلل والدارقطني وعبد الرزاق في أحاديثهم عن عمر عن رسول الله (ص) وأسنده الترمذي عن عمر وسراقة بن مالك عنه (ص) وقال الترمذي ان العمل على هذا عند اهل العلم. وعن مالك ان ذبحه ذبحا او شق بطنه فعليه القود. واما الأم فإنها تقتل بولدها على أصولنا إذ لم يثبت المخرج لها

«الثالثة» لا يقتل حر بعبد ولا حرة بأمة سواء كان المقتول ملكا للقاتل او لغيره. وعليه اجماع الإمامية وأحاديثهم. قيل وهو مذهب الصحابة. بل لم يعرف الخلاف من الجمهور الا من النخعي حيث قال يقتل بعبده وعبد غيره. وقال ابو حنيفة يقتل بعبد غيره ويحتج عليها من حديثهم بما أخرجه البيهقي عن ابن عباس عن النبي (ص) لا يقتل حر بعبد. وما أخرجه ابن عبد الرزاق في جامعه عن عمر لا يقاد العبد من الحر. وما أخرجه ابن أبي شيبة والقزويني ان أبا بكر وعمر يقولان لا يقتل المولى بعبده.

«المبحث الثاني» ان الآية مسوقة لبيان التساوي والتكافؤ فلا دلالة فيها على حصر القصاص وانحصاره بخصوصيات هذه المقارنات الثلاث بحيث لا يقتل كل الا بمن جعل في الآية مقارنا

١٥٢

فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ

____________________________________

له. ولا بما إذا كان القاتل واحدا. ويشهد لذلك اجماع المسلمين وأحاديثهم على عدم الالتزام بهذه المقارنات وفي ذلك مسائل.

«الاولى» يعرف ما يحصل به التكافؤ والتساوي والجبران في القصاص بالنظر الى السنة في التفرقة بين دية الرجل والمرأه

«الثانية» إذا قتلت المرأة رجلا او قتل العبد حرا كفى قتل الجاني بإجماع الإمامية وحديثهم بانه لا يجني الجاني على اكثر من نفسه ولا يحضرني نقل خلاف فيه من الجمهور

«الثالثة» إذا قتل جماعة واحدا بحيث لو انفرد كل منهم بجنايته كان بها التلف جاز أن يقتلوا به جميعا الا من كان لو انفرد لا يقتل به كالأب بالنسبة للولد والمسلم بالنسبة للذمي والحر بالنسبة للعبد. وعلى كلي المسئلة اجماع الإمامية وأحاديثهم. والجمهور ومنهم في ملتقى الأنهر نقلوا عليه اجماع الصحابة وكأنهم لم يعتنوا بما يحكى من خلاف ابن الزبير ومعاذ. بل لم يعرف الخلاف من فقهائهم الا من ابن سيرين والزهري وربيعة وداود وأصحابه اهل الظاهر. والحجة ايضا على ما ذكرناه من القرآن الكريم اطلاق قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) والذي بعد ذلك إنما ينظر الى المساواة والمقابلة لا الى التقييد. نعم كل واحد يردّ عليه من ديته بقدر ما على أصحابه من الجناية. وظاهر بعض الأصحاب ان قتل الولي لكل واحد يتوقف على أداء ما يرد عليه من ديته. وفي المسئلة فروع تتكفل بها كتب الفقه

«الرابعة» إذا قتل الرجل امرأة جاز ان يقتل بها بعد أن يردّ أولياؤها ما يفضل به عليها وهو نصف ديته. ومن ذلك والمسئلة السابقة يعرف الحكم فيما لو اشترك اكثر من واحد. هذا وان كتابة القصاص وشرعيته على المؤمنين بأن ينقادوا ويسلموا أنفسهم له إذا جنوا ليدل بالأولوية على كتابته على غيرهم من اهل الذمة والمستأمنين إذا قتلوا محترم النفس ولو بالعرض. ولا ينافي ذلك سقوطه بعفو الولي كل العفو. وجوار العفو ورجحانه بآيات العفو في القرآن الكريم او بعفو بعض العفو كأن يعفو عن خصوصية القتل ويصالحه على الدية كقوله تعالى (فَمَنْ) كان ممن عليهم القصاص (عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ) وفي التعبير بالأخ ترغيب في العفو بالإشارة ان الجاني من المسلمين أخ اسلامي للولي والولي اخوه وينبغي للأخ ان يرعى

١٥٣

شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧) وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٨) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ

____________________________________

لأخيه اخوّته ويسامحه ويقيله عثرته (شَيْءٌ) صفة للمفعول المطلق النائب عن الفاعل اي بعض العفو وشيء منه بأن رضي منه بالدية كما يدل عليه باقي الكلام (فَاتِّباعٌ) اي فالمعاملة المناسبة ان تكون بينهما بعد العفو والشأن الذي ينبغي ان يكون بينهما في هذا المقام هو اتباع من الولي للجاني الذي استقرت عليه الدية (بِالْمَعْرُوفِ) كالنظرة إلى الميسرة (وَأَداءٌ) من الجاني (إِلَيْهِ) اي الولي (بِإِحْسانٍ) كما احسن اليه بالعفو عن القصاص (ذلِكَ) اي شريعة العفو والانتقال الى الدية بالاتباع بالمعروف (تَخْفِيفٌ) عليكم ايها الجانين (مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) وعاد الى القتل (فَلَهُ عَذابٌ) في الآخرة (أَلِيمٌ ١٧٧ وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ) المذكور (حَياةٌ) فانه احسن رادع للناس عن جرأتهم على قتل النفوس الذي ربما يجني حربا يفنى فيها كثير من الناس فإن القصاص قتل لا يقدم عليه لما فيه من ذلة الانقياد الى ما يعلمه من القتل صبرا حيث لا مانع ولا رادع. فهو فيه حياة للناس من حيث الأمن من القتل ظلما ومما تجنيه عواقبه وحياة لمن يرتدع عنه بخوف القصاص فهب انه مات اتفاقا بحق القصاص انسان واحد ظالم لكن تحفظ بذلك حياة كثيرين كما لا يخفى ذلك عليكم (يا أُولِي الْأَلْبابِ) والعقول الذين يعرفون الغلط في قول بعض الناس ان القصاص محض نقصان في حياة الإنسان. وقد كتب القصاص لغاية ان تتقوا قتل الناس خوفا منه او تتقوا الله في ذلك ولكن لأجل ان الاتقاء والتقوى امر اختياري للإنسان لا إلجاء فيه قيل فيه (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٧٨ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) اي قرب منكم بان ظهرت أماراته بالمرض ونحوه (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) اي مالا (الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ) بما هما والدان لا بقيد اجتماعهما في الحياة والوصية نائب الفاعل لكتب (وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) اقرب الأقرباء وقد يكونون اثنين او جماعة في مرتبة واحدة من القرابة وقد يكون الأقرب واحدا وجرى الجمع في الآية باعتبار الناس لا للتقييد بالجمع (حَقًّا) الظاهر انه حال من الوصية (عَلَى الْمُتَّقِينَ) لله وفي هذا تأكيد لكتابتها. ولا يخفى ان المسلمين مجمعون على ان هذه الوصية غير واجبة

١٥٤

(١٧٩) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨٠) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ

____________________________________

بعد زمان من الهجرة الى آخر الأمر. وأجمعت الإمامية على ان شرعية الوصية للوارث غير منسوخة وعلى ذلك أحاديثهم. ويمكن ان يكون الوجوب المذكور في الآية كان في بدء التغيير بالشريعة لمواريث الجاهلية فإنهم كانوا لا يورّثون النساء ولا الأطفال ولا من يعجز عن حمل السلاح فاقتضت الحكمة ان يكون التغيير تدريجيا بنحو الوصية أولا ثم بأحكام المواريث فإن تغيير الميراث الجاهلي صعب على الناس. ولذا ترى كثيرا من القبائل حتى في هذه الأزمنة لا ينقادون للميراث الشرعي. بل يجرون على النحو الجاهلي ١٧٩ (فَمَنْ بَدَّلَهُ) اي الإيصاء مطلقا المدلول عليه بذكر الوصية لا خصوص الوصية المتقدمة كما يدل عليه التذكير المتكرر لضميره اربع مرات كما يشهد له ما استفاضت روايته عن الأئمة عليهم‌السلام بهذه الآية للوصية بالمال في سبيل الله والحج (بَعْدَ ما سَمِعَهُ) وعلم به ولو بالبينة (فَإِنَّما إِثْمُهُ) اي الذي يترتب على مخالفة الإيصاء (عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) فإن الموصي إذا لم يكن مقصرا بتأخير ما اوصى به خرج بالوصية عن عهدته وإثمه دينا كان او عينا وبقي الإثم كله على المبدّل (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) لا يخفى عليه شيء من ذلك ١٨٠ (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً) ميلا عن الحق خطأ (أَوْ إِثْماً) كالوصية بما لا يخفى كونه معصية. وظاهر الآية خوف ما وقع من الجنف أو الإثم لا خوف وقوعهما في المستقبل او الخوف في المستقبل كما لو قيل ان خاف او ومن يخاف ومقتضى الخوف ان يكون ذلك في مقام الابتلاء والعمل وهو ما بعد موت الموصي وخوفهما هو الخوف من تبعات العمل بهما او ترك ردهما الى الحق ولو من باب الأمر بالمعروف للقادر عليه كما تقول خفت الأسد إذا خفت من تبعات عاديته (فَأَصْلَحَ) أصلح عمله وعمل الصالح برد الوصية الى الحق المشروع كقوله تعالى في سورة المائدة ٤٣ (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ) ونحوه في سورة المائدة ٤٨ و ٥٤ وغير ذلك (بَيْنَهُمْ) ظرف لأصلح والضمير يعود الى الوارث والموصى لهم كما يدل عليه المقام. وفي مجمع البيان انشد الفراء في مثله

 «أعمى إذا ما جارتي خرجت

حتى يواري جارتي الخدر»

 «ويصمّ عما كان بينهما

سمعي وما بي غيره وقر»

١٥٥

فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٢) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ

____________________________________

أي عما كان بينها وبين زوجها. وبما ذكرناه جاءت الرواية عن اهل البيت «ع» كما في الكافي في مرسل علي بن ابراهيم المضمر وصحيح محمد بن سوقه عن الباقر «ع». وفي الفقيه في مرفوعة يونس عن الصادق «ع». ورواه ابن جرير من الجمهور في تفسيره عن ابن عباس وقتادة والربيع وابراهيم بل والسدي ولم يذكر خلافا صريحا إلا عن مجاهد (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) بيان للأمن من إثم التبديل المذكور في الآية وتخصيص عمومه واكتفى برفع توهم الحظر لأن جهة الوجوب في هذا الإصلاح واضحة ولزيادة التأمين قال تعالى (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) للمذنبين. فكيف يخاف من أصلح وردّ جور الوصية الى حق الشريعة ١٨١ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ) وفرض (عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) وهو في اللغة الإمساك والكف عن الشيء قيل ومنه قول النابغة الذبياني

 «خيل صيام وخيل غير صائمة

تحت العجاج وخيل تعلك اللجما»

ويراد به في الشرائع إمساك مخصوص على حسب ما تقتضيه المصلحة في تخصيصه وحدوده في الشريعة ولا يخرج بإرادة الخصوصية ولا بفهم الخاص بقرائن الشريعة عن كونه مصداقا للمعنى اللغوي (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي ككتابته عليهم وحظيتم بفضله واللطف به كما حظوا. وقيل المراد تسلية المؤمنين بذلك وقد دلت الآثار على انه مختلف بحسب الشرائع في الحدود والوقت. ففي رواية العلل عن الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام عن جده «ص» ان الصوم على الأمم كان اكثر مما هو على المسلمين في شهر رمضان. وفي رواية الفقيه عن حفص بن غياث عن الصادق عليه‌السلام ان صوم شهر رمضان لم يفرض على الأمم قبلنا وإنما فرض على الأنبياء. وقد اختلفت روايات الجمهور في هذا المقام (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) بمعنى لتتقوا بلام الغاية وأبدلت بلعلّ لكون التقوى اختيارية وحصول التقوى بالصوم هي الغاية العامة للناس وان اشتمل على غايات أخر لكسره للشهوات الباعثة على المعاصي ١٨٢ (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) لا تتجاوز مقدار الشهر الى الأشهر. وقوله تعالى بعد آية شهر رمضان. (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً) الآية. يبين فيه مقدار الأيام ومحلها. والعامل في أياما هو الصيام وهو كاف في العمل في الظرف فلا حاجة الى فضول التقدير (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً)

١٥٦

فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ

____________________________________

يزيد الصوم مرضه او يبطؤ بسببه برؤه (أَوْ عَلى سَفَرٍ) وبيان السفر ومقداره موكول الى السنة (فَعِدَّةٌ) بالرفع كما عليه مصاحف المسلمين وقراءتهم المتداولة حتى القراءات السبع. والتقدير فالذي كتب الصيام فيه في الحالين كما يدل عليه اللفظ والسياق ولا دلالة على تقدير غيره هو عدة (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) في غير المرض والسفر والعدة هي بمقدار الفائت بالسفر والمرض كما يدل عليه قوله تعالى (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) وسوق الشرط والجزاء يدل على ان الصيام في المرض والسفر المذكورين غير مكتوب ولا مشروع كما انه في الأيام الأخر هو المكتوب والواجب المشروع وعلى ذلك اجماع اهل البيت «ع» وأحاديثهم (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) أي يأتون به جهد طاقتهم. قال في النهاية الطوق اسم لمقدار ما يمكن ان يفعل بمشقة منه. ومنه حديث عامر بن فهيرة «كل امرء مجاهد بطوقه» أي أقصى غايته. واخرج ابن جرير عن ابن عباس (الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) يتكلفونه. ومن طريق آخر عنه من لم يطق الصوم إلا على جهد. وفيما ورد من قراءته يطوّقونه. اخرج ابن جرير كما عن الأنباري عنه يتجشمونه ويتكلفونه. وقد كثرت الرواية في الكتب ان ابن عباس كان يقرأ يطوقونه لهذا المعنى. ورويت هذه القراءة عن عائشة وعكرمة وعطا ومجاهد وسعيد بن جبير. واخرج ابن جرير عن علي امير المؤمنين «ع» ان الآية نزلت في الشيخ الكبير وكثرت الرواية بذلك عن ابن عباس وتصريحه بأنها غير منسوخة. وعن أنس بن مالك انه ضعف عن الصوم عاما قبل موته فأفطر فصنع جفنة من ثريد فدعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم كما ذكر كل ذلك ونحوه في تفسير الطبري والدر المنثور. وفي الصحيح عن الباقر «ع» قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) قال الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش. ونحوها مرسلة ابن بكير عن أبي عبد الله. ورواية العياشي عن أبي بصير ورفاعة عن الصادق «ع». والروايات في نفس الحكم مستفيضة وفيها العجوز الكبيرة والمرأة تخاف على ولدها وعليهم (فِدْيَةٌ) لكل يوم (طَعامُ مِسْكِينٍ) وقدر في الروايات بمد من حنطة (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) تقدم تفسير ذلك في الآية السادسة والخمسين بعد المائة (فَهُوَ) أي التطوع (خَيْرٌ) حاصل (لَهُ) ولا دليل على اختصاصه بزيادة الإطعام بل هو عام ومن موارده الصوم

١٥٧

وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ

____________________________________

المكتوب (وَأَنْ تَصُومُوا) مصدره في مقام المبتدأ وعدل الى الفعل ليتجلى منه الصدور من الفاعل والترغيب في اختياره في المستقبل (خَيْرٌ لَكُمْ) خبر المبتدأ تعرفون انه خير لكم (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ان التكليف لطف من الله بعبده وان الطاعة وامتثال الفرائض معراج للسعادة وان الصيام فيه فضل كبير وفوائد كثيرة وقد تكرر الترغيب والتأكيد في أمر الصيام بقوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً). و (أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). وذلك لأجل ما في الصيام من الفضل العظيم والكلفة في إمساكه. وقال بعض ان قوله تعالى (وَأَنْ تَصُومُوا) الآية راجع الى من رخص له بالفدية. ويدفعه «أولا» انه لا معين لرجوعه الى ما ذكر مع صلاحيته للرجوع الى غيره «وثانيا» ان رجوعه الى ما زعموا لا يناسب التأكيد بقوله تعالى إن كنتم تعلمون «وثالثا» سياق الخطاب في الآية يقضي بأنه خطاب لمن خوطبوا بأنهم كتب عليهم الصيام. والذي عليه الفدية إنما جاء بلفظ الغيبة. وقال بعض انه راجع الى الصيام في السفر ويدفعه «أولا» انه لا معين لرجوعه الى ذلك مع صلاحيته للرجوع الى غيره «وثانيا» انه لا يناسب سوق الآية بأنّ المكتوب في السفر هو عدة من أيام أخر. وليس في حكم السفر ذكرا وإشارة الى البدلية لكي يفضل احد البدلين على الآخر. بل الذي ذكر هو ان صوم العدة من ايام آخر هو المكتوب ولو أراد الله الرجوع الى ما زعموا لما ساق كلامه المجيد بأسلوب يأباه «وثالثا» منافاته لما صح عن رسول الله (ص) من قوله ليس من البر الصيام في السفر. كما رواه احمد والبخاري ومسلم وابو داود والنسائي وعن ابن حبان في صحيحه عن جابر عنه (ص). وابن ماجه عن ابن عمر عنه (ص) واحمد والنسائي وعن عبد الرزاق في جامعه والطبراني والبيهقي عن كعب بن عاصم الأشعري عنه (ص). وما رواه ابن ماجة عن عبد الرحمن بن عوف عنه (ص) والنسائي عن عبد الرحمن موقوفا الصائم في السفر كالمفطر في الحضر. وما عن الديلمي في الفردوس وعبد الرزاق في جامعه عن ابن عمر عنه (ص) ان الله تصدق بإفطار الصائم على مرضى امتي ومسافريهم أفيحب أحدكم ان يتصدق على احد بصدقة ثم يظل يردها. وروى نحوه في الكافي والفقيه والعلل والتهذيب في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام عن رسول الله (ص). وما أخرجه النسائي والترمذي ونص على صحته

١٥٨

عن جابر ان رسول الله (ص) في سفره إلى مكة عام الفتح دعا بقدح ماء فأفطر وأفطر بعض الناس وصام بعض فبلغه ان ناسا صاموا فقال أولئك العصاة. ورواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن الصادق (ع) قال ان رسول الله الحديث. وما أخرجه احمد والأربعة وجماعة عن انس الكعبي عن النبي (ص) انه دعاه إلى الطعام فاعتذر بالصيام فقال له (ص) ان الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصيام. واخرج النسائي ايضا عن عمر بن امية الضمري عنه (ص) نحوه. وما في كنز العمال عن الشافعي والبيهقي في المعرفة عن سعيد بن المسيب مرسلا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله خياركم الذين إذا سافروا قصروا الصلاة وأفطروا ورواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن الباقر (ع). وما عن عبد الرزاق في جامعه وابن شاهين في السنة وجعفر الفريابي في سننه ان عمر أمر رجلا صام في شهر رمضان في سفره ان يقضيه. وما قاله الترمذي رأي بعض اهل العلم من اصحاب النبي (ص) ان الفطر في السفر أفضل حتى رأى بعضهم ان عليه الإعادة إذا صام في السفر. وحكى غير واحد هذا القول عن عمر بن الخطاب وابن عباس وعبد الله ابن عمر وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وعروة بن الزبير. هذا واما ما يتشبثون به من الأحاديث فمنه ما هو وارد في الصوم المستحب لحديث حمزة الأسلمي فإنه فيه كنت اسرد الصيام او كان كثير الصيام. ومنه ما هو مردد بين الواجب والمستحب فلا تشبث بذلك أصلا. واما ما كان التخيير فيه صريحا بالصيام في شهر رمضان فمع غضّ النظر عن سنده ومخالفته لأهل البيت وكثير من الصحابة واجماع الإمامية وابتلائه بما ذكرناه من المعارضات وعدم صلاحيته للتصرف بأسلوب الآية والتي بعدها لا يخفى انه يلزم في التشبث به ان يثبت ان مدلوله كان بعد نزول الآية الشريفة والتي بعدها وانى بإثبات ذلك. وعن العياشي عن محمد بن مسلم عن الصادق (ع) ان الآية نزلت ورسول الله في كراع الغميم عند صلاة الفجر فأفطر وامر الناس أن يفطروا وسمى من أراد الصيام بالعصاة. فإن قيل ان سورة البقرة كان نزول آية القبلة منها في السنة الثانية من الهجرة فكيف يتأخر النزول لبعض آياتها الى عام الفتح قلت أي بعد في ذلك وان سورة البقرة لم يحدد ختامها. وقد روي من طرقنا ما ذكر من ان آية الصفا والمروة نزلت في عمرة القضاء في السنة السابعة من الهجرة واخرج احمد والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن كعب بن عجرة انه نزل في شأنه في الحديبية قوله تعالى من السورة (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ) الآية. وكانت عمرة الحديبية في ذي القعدة من السنة

١٥٩

(١٨٣) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ

____________________________________

السادسة. ومن المعلوم ان التمتع بالعمرة الى الحج لم يكن معهودا في الشريعة قبل حجة الوداع. بل يعرف من أحاديثه ان أمره شيء نزل على رسول الله في ذلك الحين فكلما نزل في سورة البقرة في شأن حج التمتع وهديه نزل في حجة الوداع حتى قوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) كما هو في روايتنا عن الصادق عليه‌السلام ١٨٣ (شَهْرُ رَمَضانَ) تفسير للأيام المعدودات أي وهي شهر رمضان. وفي الكافي والفقيه وغيرهما عن الباقر (ع) لا تقولوا جاء رمضان وذهب رمضان فإن رمضان اسم من اسماء الله ولكن قولوا شهر رمضان. وعن امير المؤمنين (ع) ما يقرب من هذا. وفي كنز العمال مثل قول الباقر (ع) عن ابن عمر وأبي هريرة (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) الى البيت المعمور في السماء ثم صار ينزله جبرائيل نجوما على رسول الله (ص) كما في الكافي عن الصادق عليه‌السلام. وفي تفسير ابن جرير عن ابن عباس. وفي الدر المنثور فيما أخرجه جماعة وصححه الحاكم عن ابن عباس وفيه الى بيت العزة (هُدىً) حال من القرآن أي هاديا (لِلنَّاسِ وَ) دلائل (بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) في الكافي وعن العياشي عن أبي عبد الله (ع) القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به. ثم قسم الله حال الناس في وقت صومهم ومشروعيته ووجوبه تأكيدا لما سبق ورفعا للشكوك فقال جلّ شأنه (فَمَنْ شَهِدَ) أي حضر (مِنْكُمُ الشَّهْرَ) الشهر منصوب على الظرفية أي حضر فيه وهو غير مريض (فَلْيَصُمْهُ) فإنه الوقت الموقت لصيامه (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ) فالمكتوب عليه ووقت صيامه المكلف به عدة أي عدة ما لم يصمه في شهر رمضان (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) لا يكون فيها مريضا ولا مسافرا ففصل الله بين الحكمين وميز بين الموضوعين فجعل لصوم الحاضر وقتا ولصوم المسافر وقتا. ولو كان صوم المسافر في شهر رمضان راجحا عند الله لما أكد هذا التقسيم والتمييز بين الموضوعين والوقتين بهذا السياق البين ولكان ذكره في هذه الآية أولى من التي قبلها لما فيه من بيان الفضل لشهر رمضان وصومه بل ان الله جلت آلاؤه ذكر في هذه الآية ما يزيد في البيان ويعزز الإيضاح فقال جلت آلاؤه (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ)

١٦٠