عماد الدين بن محمد الطبري [ الكيا الهرّاسي ]
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٢
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الحديد
قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) ، الآية / ١٠.
عنى به فتح الحديبية ، ودل به على أن فضيلة العمل على قدر رجوع منفعته إلى الإسلام والمسلمين ، أو لكثرة المحنة به لقلة المسلمين وكثرة الكفار ، وهو مثل قوله تعالى : (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ)(١).
__________________
(١) سورة التوبة آية ١١٧.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة المجادلة
قوله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) ، الآية / ١.
وهي مفتتحة بذكر الظهار ، وكان طلاقا جاهليا ، فجعله الشرع على حكم آخر.
وروى أصحاب الأخبار : جاءت خولة بنت ثعلبة إلى النبي وزوجها أوس بن الصامت فقالت :
إن زوجها جعلها عليه كظهر أمه ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام :
ما أراك إلا حرمت عليه ، وهو حينئذ يغسل رأسه فقالت : أنظر جعلني الله فداك يا رسول الله ، فقال : ما أراك إلا حرمت عليه ، فكرر ذلك مرارا ، فأنزل الله تعالى :
(قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها)(١).
وقوله عليه الصلاة والسلام : «حرمت عليه» ، ظاهره يعني به تحريم الطلاق ، وإلا فحكم الظهار بينه الله تعالى من بعد ، وهذا يحتج به من يجوز
__________________
(١) أخرجه الحافظ ابن كثير في تفسيره ، والواحدي النيسابوري في أسباب النزول ، والسيوطي في الدر المنثور ج ٦.
رفع الحكم بعد ثبوته في الشيء الواحد في الوقت الواحد ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لها : «حرمت عليه» ، ثم حكم فيها بعينها بالظهار بعد حكمه بالطلاق ، وذلك القول بعينه في شخص واحد بعينه ، والنسخ عند من يخالف هؤلاء ، يوجب الحكم في المستقبل بخلاف الأول في الماضي.
وغاية جواب المخالف ، أن من الممكن أن الله تعالى وعد رسوله بذلك ، فلم يحكم بالطلاق جزما ، وإنما ذكره معلقا.
قوله تعالى : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ) ، الآية / ٢.
يدل على أن ذلك منكرا لأنه كذب.
قوله تعالى : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) ، الآية / ٣.
اعتبر العود ، وقد اختلف الناس فيه ، وأبو حنيفة ، يقول : هو استباحة الوطء ، فعليه الكفارة قبل الاستباحة ، ومعنى الاستباحة العزم على الوطء (١).
والشافعي يقول : هو أن يمسكها بعد الظهار مدة يمكنه أن يطلقها فيه فلا تطلق.
ورأى الشافعي أن ذلك أشبه بالعود ، لأنه إذا رآها ، كالأم فلم يمسكها ، فإن الأم لا تمسك بالنكاح ، وأما العزم على الفعل ، فهو عزم على محرم ، فلا أثر له قبل مواقعة المحرم(٢).
__________________
(١) أحكام القرآن للجصاص ج ٥.
(٢) راجع أحكام القرآن للقرطبي تفسير سورة المجادلة.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الحشر
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ) ، الآية /٢.
وعنى به جلاء بني النضير من اليهود ، فمنهم من خرج إلى خيبر ، ومنهم من خرج إلى الشام.
ومصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير سبي لا تجوز الآن ، وإنما جاز في أول الإسلام ثم نسخ ، والآن فلا بد من قتالهم أو سبيهم أو ضرب الجزية عليهم (١).
قوله تعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها) ، الآية / ٥.
قال مجاهد : كل نخلة لينة.
وقيل : اللينة كرام النخيل.
وقيل : إنه نهى بعض المهاجرين عن القطع ، وقال : إنما هي مغانم للمسلمين ، فنزل القرآن بتصديق من نهى وتحليل من قطعها عن الإثم ،
__________________
(١) أنظر تفسير الطبري ، والفخر ، والدر المنثور للسيوطي ، وأسباب النزول للواحدي.
وهو يدل على أن كل مجتهد مصيب ، وإن كان الاجتهاد يبعد في مثله مع وجود الرسول عليه الصلاة والسلام بين أظهرهم.
ولا شك أنّ النبي عليه الصلاة والسلام رأى ذلك فسكت ، فيؤخذ الحكم من تقريره فقط ، ويجوز لنا إحراق زرعهم إذا لم يمكنا نقله ، والمواشي تذبح وتحرق على هذا الوجه (١).
قوله تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) ، الآية / ٦.
كانت لرسول الله عليه الصلاة والسلام خاصة ، وكان ينفق على أهله نفقة سنة ، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله ، ولم يكن لأحد فيه حق إلا لمن جعله النبي عليه الصلاة والسلام.
ولما ذكر ما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب ، ذكر ما أوجف عليه المسلمون(٢).
فقال تعالى : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) ، الآية / ٧.
وذلك يمنع تنزيها للغانمين ، ثم نسخ ذلك بقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ)(٣).
ولما فتح عمر العراق ، سأل قوم من الصحابة قسمتها بينهم ، فقال : إن قسمتها بينهم بقي آخر الناس لا شيء لهم ، واحتج عليهم بهذه الآية
__________________
(١) أحكام القرآن للجصاص ج ٥ ، وابن عربي ج ٤.
(٢) أنظر تفسير القرطبي سورة الحشر.
(٣) سورة الأنفال آية ٤١
إلى قوله : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ)(١) ، الآية / ١٠ ، وشاور عليا في ذلك ، فأشار عليه بترك القسمة ، وأن يقر أهلها عليها ، وأن يضع الخراج عليها ، ففعل ، فقال أصحاب أبي حنيفة : فالآية غير منسوخة إذا ، فإنها غير مضمومة إلى آية الغنيمة في الأراضي المفتتحة ، فإن رأى قسمتها أصلح وأعود على المسلمين فعل ، ثم قال : وتقدير الآيتين : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه في الأموال سوى الأرضين ، وفي الأرضين إذا اختار الإمام ذلك.
والذي ذكروه بعيد جدا ، فإن قوله : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) ، ليس لهم حقا في الغنيمة ، وأن غير من شهد الوقعة يستحق ، والعجب أن الذين هم في الحياة لا يستحقون إذا لم يشهدوا الوقعة ، فكيف يستحق من جاء بعدهم ، فدل أن معنى الآية ظاهرها وهو قوله : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) ، الآية / ١٠ ، وهو ندب الآخرين إلى الثناء على الأولين ، فدل أن الحق ما قاله الشافعي ، إن ما كان غنموه من الأراضي وغيرها فخمسها لأهله وأربعة أخماسها للغانمين ، فمن طابت نفسه عن حقه فللإمام أن يجعلها وقفا عليهم ، ومن لم تطب نفسه فهو أحق بما له ، وعمر رضي الله عنه استطاب نفوس الغانمين واشتراها منهم (٢).
قوله تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ
__________________
(١) أنظر تفسير الطبري ، وابن كثير ، والدر المنثور للسيوطي.
(٢) راجع تفسير القرطبي تفسير سورة الحشر.
خَصاصَةٌ). الآية / ٩ (١).
والخصاصة الحاجة ، فأثنى الله تعالى عليهم بإيثارهم المهاجرين على أنفسهم فيما ينفقون عليهم ، وإن كانوا هم محتاجين إليه ، ووردت أخبار صحيحة في النهي عن التصدق بجميع ما يملكه الإنسان ، ولكن إنما كره ذلك في حق من لا يوثق منه بالصبر على الفقر ، وخاف أن يتعرض للمسألة إذا فقد ما ينفقه ، ألا ترى أنه قال : يأتيني أحدكم بجميع ما يملكه فيتصدق به ثم يقعد يتكفف وجوه الناس ، فإنما كره الإيثار لمن كانت هذه صفته ، فأما الأنصار الذين أثنى الله عليهم فلم يكونوا على هذه الصفة ، بل كانوا كما قال تعالى : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ)(٢).
فكان الإيثار منهم أفضل من الإمساك ، والإمساك لمن لا يصبر ويتعرض للمسألة أولى من الإيثار.
__________________
(١) والمؤلف لم يراع هنا ترتيب الآيات كما جاء في السورة ، وتركنا ذلك على ما هو عليه للأمانة واكتفينا بهذا التنبيه.
(٢) سورة البقرة آية ١٧٧.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الممتحنة
قوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) ، الآية / ١.
فيه دلالة على أن خوف الجائحة على المال والولد لا يبيح التقية في دين الله تعالى ، وأن العذر الذي أبرزه حاطب بن أبي بلتعه لا أثر له (١).
ويحتمل أن يقال إن ذلك لم يكن إكراما ، وإنما كان توددا إليهم ، لما كان يأمل من نفع من جهتهم.
قوله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) ، الآية / ٨.
فيه دليل على جواز التصدق على أهل الذمة دون أهل الحرب ، ووجوب النفقة للأب الكافر الذمي ، وأما الحربي فيجب قتله.
قوله تعالى : (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ) ، الآية / ١٠.
كان الشرط في صلح الحديبية أن يرد على المشركين من هاجر إلى المدينة ، ممن كان مسلما (٢) ، ونزلت سورة الممتحنة عن الصلح فكان من
__________________
(١) أنظر تفسير ابن جرير الطبري ج ٢٨ طبعة الحلبي.
(٢) أي من أسلم من أهل مكة بعد الصلح وهاجر الى المدينة.
أسلم من نسائهن تسأل : ما أخرجك؟ فإن كانت خرجت هربا من زوجها ردت عليه ، وإن كانت خرجت رغبة في الإسلام أمسكت وردت على زوجها ما أنفق عليها.
وقوله تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) ، الآية / ١٠ ، أو بظاهر قولها.
وفيه دليل على ارتفاع النكاح ، فإنه تعالى منع ردها إلى زوجها ، وأوجب عليها رد ما أنفق عليها.
وفيه تنبيه على أن المنع من الرد لمكان الإسلام ، فإنه تعالى قال : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) ، فلم يجعل الفرقة لاختلاف الدارين على ما قاله أبو حنيفة ، وإنما جعل للإسلام.
قوله تعالى : (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ) ، الآية / ١٢.
قال ابن عباس : لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم.
قوله تعالى : (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) ، الآية / ١٢.
هو عموم في جميع طاعات الله تعالى ، وقد علم الله تعالى أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا بمعروف ، إلا أنه شرط في النهي عن عصيانه إذا أمرهن بالمعروف ، لئلا يترخص أحد في طاعة السلاطين إذا لم تكن طاعة لله تعالى ، إذ شرط في طاعة خير العالمين أن يأمر بالمعروف ، وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وكذلك لا يجب طاعة أئمة العلم فيما يتعلق بالأغراض المتأولة ، ولا يسوغ لمسلم اتباعهم.
وقال عليه الصلاة والسلام : «من اتبع مخلوقا في معصية الخالق سلط الله عليه ذلك المخلوق». وفي لفظ آخر : «عاد حامده من الناس ذاما» (١).
__________________
(١) أخرجه الامام أحمد في مسنده والطبراني في معجمه الكبير.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الصف
قوله تعالى : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) ، الآية / ٢.
يحتج به في وجوب الوفاء بالنذر ، في نذر اللجاج ، على أحد قولي الشافعي.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الجمعة
قوله تعالى : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) ، الآية / ٩ :
وليس في الآية تعيين الصّلاة ، إلا أن الاتفاق منعقد على أن المراد به الجمعة ، والمراد بالنداء الأذان.
قال تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) ، الآية / ٩.
قرأ عمرو بن مسعود : فامضوا ، قال عبد الله : لو قرأت فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي.
ويجوز أن يكون ذلك تفسيرا كما قال : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ)(١).
وقيل : السعى بمعنى العمل ، كما قيل : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)(٢).
قوله تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) ، الآية / ٩ : يحتمل أن يريد به الصلاة ، ويحتمل الخطبة ، وهو عموم فيهما ، وإنما ثبت وجوبهما بدليل آخر غير هذا اللفظ.
__________________
(١) سورة الدخان آية ٤٣ ـ ٤٤.
(٢) سورة النجم آية ٣٩.
نعم في هذا اللفظ دليل على أن هناك ذكر يجب السعي إليه ، فأما عين الذكر فلا دليل عليه.
قال مالك ، قوله : (وَذَرُوا الْبَيْعَ) : يدل على فساد البيع ، ورآه أخص من العمومات الواردة في البيع ، ورأى أن البيع لما حرم دل على فساده ، وهذا مما بينا فساده في أصول الفقه.
قوله تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) ، الآية ١٠.
بالتصرف في التجارة وغيرها ، فهو إباحة.
قوله تعالى : (وَتَرَكُوكَ قائِماً) ، الآية / ١١ : يدل على أن الإمام يخطب قائما ، فإنهم كانوا انفضوا من الخطبة (١).
__________________
(١) أنظر أسباب النزول للواحدي النيسابوري.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة المنافقون
قوله تعالى : (قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) ـ إلى قوله ـ (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) ، الآية / ١ ، ٢.
فمنه قال الشافعي : إذا قال أشهد بالله ونوى به اليمين كان يمينا.
وأبو حنيفة يجعلها دون الله يمينا ، لأن الله تعالى أخبر عن الكفار أنهم يقولون نشهد إنك لرسول الله ولم يقولوا : نشهد بالله ، وقال تعالى : (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ)(١).
والشافعي يقول : أشهد ، ينبئ عن مبالغة ما ، ولكن إذا لم يقرنه بذكر الله لم يدل على معنى اليمين ، فإن خاصية اليمين في ذكر اسم الله تعالى ، أو صفة من صفاته (٢).
قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) ، الآية / ١٠.
فيه دلالة على أنه يجب تعجيل الزكاة ، ولا يجوز تأخيرها أصلا.
__________________
(١) سورة النور آية ٦.
(٢) أنظر أحكام القرآن للجصاص ج ٥ وتفسير القرطبي سورة المنافقون
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة الطلاق
قوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ، الآية / ١.
شرحنا معناه في سورة البقرة.
وزمان الطلاق المشروع المعلوم من هذه الآية زمان الطهر لا غير ، لا جرم قال الشعبي : يجوز أن يطلقها في طهر مسها فيه.
وقوله تعالى : (لِعِدَّتِهِنَّ).
يدل على أن الطهر إن جعل وقت الطلاق ، فالثاني والأول والثالث سواء ، وأن اللفظ عموم فيه.
وقد ظن قوم أنه لما قال : (لِعِدَّتِهِنَّ) ، فينبغي أن ينتظم الكلام على العدة.
وهذا باطل ، فإن فعل الطلاق من الزوج ، إنما يتصور في سماعه ، وإنما الشامل الحاوي وقت العدة والعدة وقت الطلاق.
قوله تعالى : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ) ، الآية / ١.
فيه دليل على وجوب السكنى لها ما دامت في العدة ، فإن بيوتهن التي نهى الله تعالى عن إخراجهن منها ، هي البيوت التي كانت تسكنها قبل
الطلاق ، فأمره بإقرارها في بيتها ، ونسبه إليها بالسكنى كما قال : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)(١).
قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ، الآية / ١.
فالفاحشة تحتمل البذاء ، وتحتمل الزنا وتحتمل النشوز (٢).
قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) ، الآية / ٢.
يدل على الإشهاد ، إلا أن الإشهاد لا يظهر انصرافه إلى الطلاق الذي يستحق الزوج به أبدا من غير حاجة إلى فترة ، والرجعة هي التي إذا تأخرت إلى انقضاء العدة امتنعت.
فالظاهر رجوع قوله : (وَأَشْهِدُوا) إلى الرجعة لا إلى الطلاق.
قوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ) ، الآية / ٤.
فدلت الآية على إثبات الإياس بعد ارتياب ، فلا يجوز أن يكون قوله (إِنِ ارْتَبْتُمْ) إثبات حكم الإياس في أول الآية ، فلا جرم اختلف أهل العلم في الريبة المذكورة في الآية (٣) ، فروي أن أبي بن كعب قال : يا رسول الله ، إن عددا من عدد النساء لم يذكر في الكتاب الصغار والكبار وذوات الأحمال أجلهن ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وأبان أن سبب نزول هذه الآية كان ارتيابهن في عددهن ، صغير أو
__________________
(١) سورة الأحزاب آية ٣٣.
(٢) وقد استفاض صاحب محاسن التأويل في شرح هذه المسألة في ج ١٦ ص ٥٨٣٧ فارجع اليه.
(٣) أنظر تفصيل القول في كتاب أحكام القرآن للجصاص وتفسير القرطبي.