أحكام القرآن - ج ٣-٤

عماد الدين بن محمد الطبري [ الكيا الهرّاسي ]

أحكام القرآن - ج ٣-٤

المؤلف:

عماد الدين بن محمد الطبري [ الكيا الهرّاسي ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٢
الجزء ١-٢ الجزء ٣-٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة لقمان

قوله تعالى : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) ، الآية / ١٤.

وفي آية أخرى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)(١).

فنحصل من مجموع الآيتين أن الحمل أقله ستة أشهر.

فاستدل به ابن عباس على مدة الحمل ، واتفق أهل العلم عليه.

قوله تعالى : (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) ، الآية / ١٧ ، من الناس في الأمر بالمعروف ، فظاهره يقتضي وجوب الصبر.

قوله تعالى : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) ، الآية / ١٨ ، نهي عن التكبر.

قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) ، الآية / ١٤.

بيناه في مواضع.

قوله تعالى : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ) ، الآية / ١٥. مثل

__________________

(١) سورة الأحقاف الآية ١٥.

٣٤١

قوله : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ)(١). إلا أن دلالة هذا على الإجماع أبعد لأن وصية لقمان لابنه لا تقتضي الاحتجاج بالإجماع.

قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) ، الآية / ٦.

قال ابن عباس : هو الغناء ، والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث ، ومثله عن مجاهد وزاد فيه : هو الغناء والاستماع إليه.

وقال الحسن : هم الكفر والشرك ، وأنهم يضلون عن سبيل الله بغير علم.

وتأوله قوم على الأحاديث التي يتلهى بها أهل الباطل واللعب ، وذلك أن المعنيّ بذلك ، النضر بن الحارث ، الذي قتله رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فإنه قد كان يشتري كتبا فيها أحاديث الفرس ، فكان يتلهى بها في مجالسهم ويجعلها كالمعارضة للقرآن.

وهذه الأقوال أليق بالظاهر ، لأن الغناء لا يطلق عليه الوصف بأنه حديث ولا إضلال ، وإنما يطلق ذلك على الأحاديث الكاذبة الجارية مجرى القدح في القرآن ، على ما روي فيما كان يتعاطاه النضر بن الحارث ، فمن هذا الوجه يدل على أن الاقدام على كل قوم بغير علم لا يحسن ، لأن الله تعالى قبح ذلك من حيث إنه كان إقداما بغير علم (٢).

__________________

(١) سورة النساء آية ١١٥.

(٢) لم يراع المؤلف في هذه السورة ـ سورة لقمان ـ ترتيب الآيات على نسق السورة ، ورأينا ترك ما وضعه المؤلف على وضعه ، ولم نتصرف فيه لمقتضى الأمانة ، واكتفينا بهذا التنبيه.

٣٤٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الأحزاب

قوله تعالى : (اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) ، الآية / ٤ :

أبان الله تعالى أنها لا تصير أمه بمجرد قوله ، وألزمه تحريما غايته الكفارة.

قوله تعالى : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) ، الآية / ٤.

قيل : نزلت في زيد بن حارثة ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد تبناه ، فكان يقال له : زيد بن محمد ، وهذا يدل على نسخ السنة بالقرآن ، لأن الحكم الأول ثابت بغير القرآن ونسخه بالقرآن.

قوله تعالى : (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) ، الآية / ٤.

يعني أنه لا حكم له ، وإنما هو قول لا معنى له ولا حقيقة.

وقوله تعالى : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ) ، الآية / ٥.

فيه إباحة اطلاق الأخوة ، وحظر اطلاق اسم الأبوة من غير جهة النسب.

٣٤٣

قوله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) ، الآية / ٥ :

قال قتادة : معناه أنك لو دعيت رجلا لغير أبيه ، وأنت ترى أنه أبوه ، ليس عليك بأس.

وسمع عمر رجلا يقول :

اللهم اغفر لي خطاياي ، فقال استغفر الله في العمد ، فأما في الخطأ فقد تجوز عنك.

وكان يقول : ما أخاف عليكم الخطأ ، وإنما أخاف عليكم العمد.

قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، الآية / ٦.

معناه ما قاله عليه الصلاة والسلام : «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، وأيما رجل مات وترك دينا فإلي ، وإن ترك مالا فهو لورثته».

وقيل في معنى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ) ، أنه أحق أن يختار ما دعاه النبي عليه الصلاة والسلام إليه من غيره ، وما تدعوه أنفسهم (١) إليه ، وهو أحق بأن يحكم على الإنسان في نفسه ، لوجوب طاعته المقرونة بطاعة الله عز وجل.

وقوله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) ، الآية / ٥ :

يحتمل أن يكون بمعنى الإجلال والتعظيم ، والثاني : في تحريمه نكاحهن.

وليس لأنهن كالأمهات في القضايا كلها ، ولا يجعلن أخوات للنساء ، ولا إرث لهن منا ولا محرمية.

وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) ، الآية / ٦.

__________________

(١) كذا بالأصل ، والأولى نفسه.

٣٤٤

أنزلت في جواز وصية المسلم لليهودي والنصراني.

وعن الحسن قال : أن تصلوا أرحامكم.

قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، الآية / ٢١.

يحتج به بعض الناس في وجوب التأسي بأفعال رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) ، الآية / ٢٨.

ظاهر الآية التخيير بين الدنيا والآخرة والله ورسوله ، وليس فيه ذكر الطلاق.

وقد قال قوم : إنه كناية عن التخيير للطلاق على شرائطه ، ولذلك قالت عائشة لما سئلت عن الرجل يخير امرأته قالت : خيرنا رسول الله وكان طلاقا.

وفي بعض الأخبار : ما خيرناه فلم يعد طلاقا.

ولم يثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا التخيير المأمور به ، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم لعائشة رضي الله عنها : أنا ذاكر لك أمرا فلا عليك أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك ، فقالت : إني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.

ومعلوم أنه لم يرد الاستئمار في اختيار الدنيا على الآخرة ، فثبت أن الاستئمار إنما وقع في الفرقة وفي النكاح.

واعلم أن اختيارهن للدنيا وزينتها وإرادتهن الطلاق ، لا يجوز أن يكون صريحا في الطلاق ، ولا كناية ، وإنما ذلك إرادة المفارقة ، فكان القياس أن الزوج يطلقها إن شاء ، غير أن الطلاق لا بد أن يكون مستحقا واجبا ،

٣٤٥

إذ لو لم يكن مستحقا واجبا ما كان للتخير معنى ، فإذا تبين أن ذلك طريق خلاصهن ، فوجوب الفراق لا محالة يقتضي بتخييره ، فإن النكاح صار مستحق الرفع وهذا بين (١).

قوله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ، الآية / ٣٠.

فيه وجهان ، أحدهما : أن تضعيف عذابهن لتضاعف نعم الله تعالى عليهن ، ولذلك قال :

(وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ) ، الآية / ٣٤.

وهذا لا نقطع به ، فإن مصاحبة الرسول عليه الصلاة والسلام ، يجوز أن تكون سببا في تخفيف العقوبة عنهن والتجاوز عن سيئاتهن ، فالحق هو الوجه الثاني ، وهو عظم الضرر في جرأتهن بإيذاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فكانت العقوبة على قدر عظم الجريمة في إيذاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ)(٢).

قوله تعالى : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ) ، الآية / ٣٢.

يريد تليينا للقول يطمع أهل الريب.

وفيه دليل على أن الأحسن بالمرأة أن لا ترفع صوتها بحيث يسمعها الرجال.

وقوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) ، الآية / ٣٣.

__________________

(١) أنظر محاسن التأويل.

(٢) سورة الأحزاب آية ٥٧.

٣٤٦

قيل لسودة بن زمعة : لم لا تخرجين كما تخرج أخواتك؟ فقالت : والله لقد حججت واعتمرت ، ثم أمرني الله تعالى أن أقر في بيتي ، فو الله ما أخرج من بيتي ، فما خرجت حتى أخرجوا جنازتها.

قوله تعالى : (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) ، الآية / ٣٣.

أي المشي على تكسر وتغنج وإظهار المحاسن للرجال.

قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ، الآية / ٣٦.

وذلك يدل على أن أوامر الله تعالى ورسوله على الوجوب.

وقال الله تعالى بعد ذلك : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) ، وذلك يؤكد ما تقدم.

قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ) ، الآية / ٣٧.

دلت الآية على أحكام عدة منها :

الإبانة عن علة الحكم في إباحة ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام ، وأن ذلك قد اقتضى إباحته للمؤمنين ، فدل ذلك على إثبات القياس في الأحكام ، واعتبار المعاني في إيجابها.

والثاني : أن النبوة من جهة النبي عليه الصلاة والسلام لا تمنع جواز النكاح.

والثالث : أن الأمة مساوية للنبي عليه الصلاة والسلام في الحكم ، إلا ما خصه الله تعالى ، أخبر أنه أجاز ذلك للنبي ليكون المؤمنون مساوين له فيه :

٣٤٧

قوله تعالى : (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ، الآية / ٤٢ :

يعني صلاة الصبح والعصر.

وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) ، الآية / ٤٩ :

يدل على أن لا طلاق قبل النكاح ، فإنه رتب عليه بكلمة ثم.

وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) ، الآية / ٥٠.

فيه دليل على إباحة الأزواج لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم مطلقا ، وتخصيص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلا مهر أو بلفظ الهبة ، إلا أن التعري عن المهر أظهر من لفظ الهبة ، لأنه فسوق على قوله : (آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) ، وذلك المهر ، ثم قال : (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ).

وقوله تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) ، الآية / ٥١.

قال أبو رزين : في هذه الآية المرجئات : ميمونة ، وصفية وسودة ، وجويرية ، وأم حبيبة.

وكانت عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب سواء في القسم.

وكان صلّى الله عليه وسلّم يسوي بينهن.

وقد قيل : ما أرجأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واحدة منهن ، ولكن وهب نسوة منهن لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصصهن ، فظاهر الآية يقتضي تخيير النبي عليه الصلاة والسلام في إرجاء من شاء منهن وإيواء من شاء منهن ، وليس يمتنع أن يختار إيواء الجميع إلا سودة ، فإنها رضيت بأن تجعل يومها لعائشة.

٣٤٨

وقوله تعالى : (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) ، الآية / ٥١.

يعني إيواء من أرجأ منهن.

وفيه دليل على أن القسم لم يكن واجبا على النبي عليه الصلاة والسلام ، وأنه كان مخيرا في القسم لمن شاء منهن وترك من شاء.

قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) ، الآية / ٥٢.

قال مجاهد ، من بعد ما سمى له من مسلمة ولا يهودية ولا نصرانية ولا كافرة.

وقال ناس : له أن يشتري اليهودية والنصرانية ، فهو معنى قوله (إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ).

ولا شك أن ظاهر الآية يقتضي تحريم سائر النساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سوى من كن عنده حتى حل له النساء ، وهذا يوجب نسخ الآية ، وليس في القرآن ما يوجب نسخها فهي منسوخة بالسنة .. ويحتج به على جواز نسخ القرآن بالسنة.

قوله تعالى : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ) ، الآية / ٥٣ :

كان ذلك بعد نزول الحجاب ، ودل عليه قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ).

قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ) ، الآية / ٥٥ :

فيه بيان زوال حكم الحجاب في حق ذوي الأرحام ، وعنى بما ملكت أيمانهن الإماء.

٣٤٩

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) ، الآية / ٥٩ :

الجلباب : الرداء ، فأمرهن بتغطية وجوههن ورؤوسهن ، ولم يوجب على الإماء ذلك.

وقوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، الآية / ٦٠. فيه دليل على تحريم الإيذاء بالإرجاف.

٣٥٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة سبأ

قوله تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) ، الآية / ١٣.

قال عليه الصلاة والسلام : «ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي أهل داود ، قيل : وما هن يا رسول الله قال :

العدل في الغضب والرضا ، والقصد في الغنا والفقر ، وخشية الله في السر والعلانية»(١).

قوله تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) ، الآية / ١٣.

يدل على جواز اتخاذ الصور في ذلك ، وأنه نسخ في ديننا.

__________________

(١) أخرجه المنذر عن عطاء بن يسار رضي الله عنه ، وأخرجه الحكيم الترمذي ، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

٣٥١
٣٥٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة فاطر

قوله تعالى : (وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) ، الآية / ١٢.

فيه دليل على أن من حلف لا يلبس الحلي ، حنث بلبس اللؤلؤ.

وقوله تعالى : (وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) ، الآية / ٣٧.

يجوز أن يكون هو النبي صلّى الله عليه وسلم ، ويجوز أن يكون الدلائل على التوحيد ، وصفات الله تعالى وصدق الرسل.

٣٥٣
٣٥٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة يس

قوله تعالى : (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) ، الآية / ٧٨ ، ٧٩.

فيه دليل على استعمال القياس والاعتبار والتعلق بطريق الأولى ، فإن الابتداء أصعب من الإعادة ، والإعادة أيسر من الابتداء ، والقادر على الأعظم قادر على الأهون الأدون لا محالة.

فاستدل قوم من أصحاب الشافعي بذلك على أن العظام فيها حياة ، وقد بينا ضعف ذلك في الفقه ، وبينا أن الحياة تطلق بمعنى حياة النمو وذلك حقيقة في العظم والشعر ، والأخرى الحس ولا يتحقق ذلك في العظام.

٣٥٥
٣٥٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الصافات

قوله تعالى : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) ، الآية / ١٠٢ ، ظاهره أنه كان مأمورا بذبح الولد ، ويجوز أن لا يكون في المأمور به سوى التل للجبين ، ولكن ظن إبراهيم عليه السلام أنه يتعقبه الأمر بالذبح فقال : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ).

أي ما يدل على أني أذبحك.

ويحتمل أن يكون قد أمر بذبحه حقيقة (١) ، ولكنه لو قدر ذلك ، فلا يصح نسخه عند من لا يجوز النسخ ، قبل إمكان الأمر ، لأن الذبح متى كان حسنا في وقت ، فلا يجوز أن يصير في ذلك الوقت قبيحا عندهم ، فيصعب عليهم الخروج عند ذلك.

ويحتمل أن يكون قد ذبح ولكنه كان يلتئم ويبرأ ، وهذا أبعد الاحتمالات ، لأنه لو كان جرى ذلك ، لكان قد نبه الله تعالى عليه تعظيما لرتبة إبراهيم وإسماعيل صلوات الله عليهما ، وكان أولى بالشأن من هذا ، ولو حصل الفراغ من امتثال الأمر الأول ما تحقق الفداء.

__________________

(١) أنظر تفسير الفخر الرازي وتفسير الطبري لسورة الصافات وكتب التفسير الأخرى.

٣٥٧

إذا ثبت ذلك ، فقد احتج قوم من أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية في مصيرهم ، إلى من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة عندهم ، وقالوا : إن الله تعالى جعل الأمر بذبح الولد ، في حالة حرم ذبح الولد سببا لوجوب ذبح شاة ، فيجوز أن يكون إيجاب الواحد منا ذبح ولده على نفسه سببا لذبح شاة ، ويجعل اللفظ عبارة عن ذبح شاة (١).

وهذا إغفال منهم ، فإنه إن ثبت أن إبراهيم كان مأمورا بذبح الولد ، فقد ارتفع الأمر إلى بدل جعل فداء ، فكان الأمر متقررا في الأصل ، ثم أزيل ونسخ إلى بدل ، وفيما نحن فيه لا أمر بذبح الولد ، بل هو معصية قطعا ، فلم يكن للأمر تعلق بذبح الولد بحال ، فإذا لم يتعلق به بحال ، فلا يجوز أن يجعل له فداء وخلفا ، وقد استقصينا هذا في كتب الفقه وهو مقطوع به.

قوله تعالى : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) ، الآية / ١٤١.

يحتج به من يرى للقرعة أثرا في تعيين المستحق بعد تردد الحق في أعيان لا سبيل إلى نفيه عنها ، ولا إثباته في جميعها ، فتدعو الحاجة إلى القرعة ، وهذا بين.

نعم في مثل واقعة يونس لا تجرى القرعة ، لأن إلقاء مسلم في البحر لا يجوز ، وفي ذلك الزمان جاز ، فرجع الإختلاف إلى نفس الحق.

وأما قولنا الحق تردد في محال وأعيان فلا يجوز إخراجه منها ، فذلك شيء ثابت ، وهو موضع احتجاجنا.

__________________

(١) أنظر أحكام القرآن للجصاص ج ٥

٣٥٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة ص

قوله تعالى : (يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) ، الآية / ١٨.

عن ابن عباس أنه قال :

لم يزل في نفسي من صلاة الضحى شيء حتى قرأت : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ).

وعلى صلاة الضحى تأول ابن عباس قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ)(١).

قوله تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) ، الآية / ٢١.

ذكر المحققون الذين يرون تنزيه الأنبياء عليهم السلام عن الكبائر ، أن داود عليه السلام كان قد أقدم على خطبة امرأة كان قد خطبها غيره ، ويقال : هي أوريا ، فمال القوم إلى تزويجها من داود راغبين فيه (٢) ،

__________________

(١) سورة النور آية ٣٦.

(٢) أنظر أسباب النزول للواحدي النيسابوري.

٣٥٩

وزاهدين في الخاطب الأول ، ولم يكن لذلك عارفا ، وقد كان يمكنه أن يعرف فيعدل عن هذه الرغبة وعن الخطبة لها ، فلم يفعل ذلك من حيث أعجب بها. إما وصفا أو مشاهدة على غير تعمد ، وقد كان لداود من النساء العدد الكثير ، وذلك الخاطب لا امرأة له ، فنبهه الله تعالى على ما فعل ، بما كان من تسور الملكين ، وما أورداه من التمثيل على وجه التعريض ، لكي يفهم من ذلك موضع العتب ، فيعدل عن هذه الطريقة ، ويستغفر ربه من هذه الصغيرة.

ومتى قيل : فكيف يجوز أن يقول الملكان خصمان بغى بعضنا على بعض ، وهو كذب ، والملائكة لا تكذب وهي منزهة عن ذلك؟

فالجواب عنه : أنه لا بد في الكلام من مقدمة ، فكأنهما قالا : قدرنا كأنا خصمان بغى بعضنا على بعض ، فاحكم بيننا بالحق ، وعلى هذا يحمل قولهما : إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ، لأن ذلك وإن كان بصورة الخبر ، فالمراد به إيراده على سبيل التقدير لينبه داود على ما فعل.

والقول في هذا مستقصى في تبرئة الأنبياء صلوات الله عليهم (١).

قوله تعالى : (وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) ، الآية / ٢٤ :

لا يرى فيه الشافعي سجدة لها ، لأنه لا يرى التعلق بشريعة من قبلنا ، ولأنها توبة ، فليس فيه دلالة على الأمر بالسجود لنا ، وإنما يعلم السجود عند ذلك توقيفا.

قوله تعالى : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) ، الآية / ٢٦.

__________________

(١) أنظر تفسير محاسن التأويل ج ١٤ في تفسيره لسورة ص.

٣٦٠