أحكام القرآن - المقدمة

أحكام القرآن - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧

١
٢

٣
٤

مقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

التفسير الفقهي

في القرآن الكريم آيات تتضمن الأحكام الفقهية ميزها الفقهاء وفسروها في مصنفات خاصة تعرف ب (أحكام القرآن) وهذه المصنفات متأخرة بالنسبة لتدوين المذاهب الفقهية المتّبعة. وأول كتاب عرف في هذا الشأن هو (أحكام القرآن) للشيخ أبي الحسين علي بن حجر السعدي المتوفى سنة ٢٤٤ ه‍. ثم توالت التآليف يعرض من خلالها رأي المذهب في استنباط الأحكام من تلك الآيات ، بل ونهج هؤلاء المفسرون وهم من فقهاء المذاهب .. منهج الفقهاء في كتبهم من التعصب المذهبي الذي يلوح من خلال التفسير .. ومن يطالع كتاب (أحكام القرآن) للجصاص ... يقف على اختيار الأحناف من آراء السلف .. وكذلك من يطالع (أحكام القرآن) لابن العربي يتعرف على مذهب الامام مالك ... ومثله هذا الكتاب للهراسي حيث قدم ما اختاره فقهاء الشافعية من آراء فقهية مستنبطة من كتاب الله تعالى.

٥

ويعتبر هذا النموذج من كتب التفسير الموضوعي للقرآن الكريم عدّة الباحثين والفقهاء حيث يسهل مهمة الوقوف على الأحكام الشرعية وهو ما يعرف بفقه الكتاب.

وقد مهّد السلف لهذا المنهج حيث تركوا بين أيدي الخلف وفرة وافرة من حصيلة جهدهم في التفكير وما تفهموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعتبر هذا محورا يرتكز عليه البحث وينطلق منه ولا يمكن إغفاله البتة أو تجاوزه كليا.

المصنفات في هذا العلم :

أشهر المصنفات في هذا الفن يمكن سردها على الوجه التالي :

١ ـ (أحكام القرآن) للإمام المجتهد محمد بن إدريس الشافعي المتوفى بمصر سنة ٢٠٤ ه‍. وهو أول من صنف فيه. جمعه من كلامه البيهقي صاحب السنن ، وهو مطبوع.

٢ ـ (أحكام القرآن) للشيخ أبي الحسن علي بن حجر السعدي المتوفى سنة ٢٤٤ ه‍.

٣ ـ (أحكام القرآن) للقاضي الامام أبي اسحق إسماعيل بن اسحق الأزدي البصري المتوفى سنة ٢٨٢ ه‍. أظنه غير موجود.

٤ ـ (أحكام القرآن) للشيخ أبي الحسن علي بن موسى بن يزداد القمي الحنفي المتوفى سنة ٣٠٥ ه‍ ، وهو على مذهب أهل العراق.

٥ ـ (أحكام القرآن) للشيخ الامام أبي جعفر أحمد بن علي المعروف بالجصاص الرازي الحنفي المتوفى سنة ٣٧٠ ه‍ ، وهو مطبوع ومتداول.

٦

٦ ـ (أحكام القرآن) للشيخ الامام أبي الحسن علي بن محمد المعروف ب (الكيا الهراسي) الشافعي البغدادي المتوفى سنة ٥٠٤ ه‍. وهو الذي نقدم له.

٧ ـ (أحكام القرآن) للقاضي أبي بكر محمد بن عبد الله المعروف : بابن العربي الحافظ المالكي المتوفى سنة ٥٤٣ ه‍. مطبوع ومتداول (١).

__________________

(١) كشف الظنون ج ١ / ٢٢٠.

٧
٨

المؤلف

الكيا الهراسي

٤٥٠ ـ ٥٠٤ ه

مؤلف هذا التفسير هو : عماد الدين أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري المعروف بالكيا الهراسي (١) شيخ الشافعية في بغداد ، ولد في ذي القعدة سنة ٤٥٠.

ـ أصله من خراسان ، فيها ولد ونشأ وتلقى علومه الأولى.

شيوخه : تفقه على امام الحرمين الجويني مدّة حتى برع وهو أجل تلاميذه بعد الغزالي.

كما حدث عن أبي علي الحسن بن محمد الصفّار وغيرهم.

تلاميذه : تفقه عليه السلفي ، وسعد الخير بن محمد الأنصاري وآخرون رحلاته : قدم نيسابور ودرس بها مدّة ، ثم خرج منها إلى بيهق ودرّس بها أيضا ، وبعد ذلك قصد العراق حيث تولى التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد إلى أن توفي سنة ٥٠٤ ه‍.

__________________

(١) الكيا ، بكسر الكاف وفتح الياء المخففة معناه في لغة العجم : الكبير القدر بين لناس ، ١ ه‍. وفيات الأعيان (١ / ٥٩٠).

٩

رتبته العلمية : كان من رؤوس معيدي إمام الحرمين في الدرس ووصف بأنه ثاني الغزالي بل أملح وأطيب في النظر والصوت ، وأبين في العبارة والتقرير منه ، وإن كان الغزالي أحد وأصوب خاطرا وأسرع بيانا وعبارة منه. وقد اتصل بخدمة محمد الملك بركياروق بن ملكشاه السلجوقي وحظي عنده بالمال والجاه ، وارتفع شأنه ، وتولى القضاء بتلك الدولة ، وكان محدثا يستعمل الأحاديث في مناظراته ومجالسته.

تعصّبه : ان تفقه الهراسي على امام الحرمين قد أثر ذلك في فكره وظهر ذلك جليا من خلال أسلوبهما المشترك. فامام الحرمين عرف بتعصبه للشافعية وحمله على مذهب الامام أبي حنيفة وكذلك فعل الهراسي .. وهذا ما يبدو واضحا من مقدمة تفسيره هذا حيث يقول:

(ان مذهب الشافعي رضي الله عنه أسدّ المذاهب وأقومها. وأرشدها وأحكمها ، وان نظر الشافعي في أكثر آرائه ومعظم أبحاثه ، يترقى عن حدّ الظن والتخمين إلى درجة الحق واليقين. والسبب في ذلك أنه ـ يعني الشافعي ـ بنى مذهبه على كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وأنه أتيح له درك غوامض معانيه ، والغوص على تيار بحره لاستخراج ما فيه ، وأن الله تعالى فتح له من أبوابه ، ويسّر عليه من أسبابه ، ورفع له من حجابه ما لم يسهل لمن سواه ...) (١).

وانطلاقا من هذا المبدأ كان نهجه في تفسيره حيث التزم الدفاع عن مذهب الامام الشافعي أصولا وفروعا وتخريجا .. وربما أداه ذلك إلى التعسف في التأويل شأن المتعصبين أنى توجهوا.

وان التعصب المذهبي سلاح ذو حدين .. فقد حمل هؤلاء على خدمة

__________________

(١) انظر ج ١ / ٢.

١٠

المذهب وفي نفس الوقت خدمة الفقه الاسلامي .. ولكن في بعض الوجوه نرى محاولة ليّ النص وقسره في حمله على معنى معين تأييدا لتصور ذهني مسبق. وعلى أي حال فالرابح من كل هذا هو الفقه الإسلامي.

وفاته : توفي رحمه الله يوم الخميس وقت العصر مستهل المحرّم سنة ٥٠٤ ه‍ ببغداد ، ودفن بتربة الشيخ أبي اسحق الشيرازي وحضر دفنه الشريف أبو طالب الزيني ، وقاضي القضاة أبو الحسن بن الدامغاني وكانا مقدمي الطائفة الحنفية ، وكان بينه وبينهما في حال الحياة منافسة (١).

__________________

(١) الشذرات ٤ / ٨ و ٩.

١١
١٢

الكتاب

أحكام القرآن

التعريف بالكتاب وطريقة المؤلف :

يعتبر هذا الكتاب من أهم المؤلفات في التفسير الفقهي عند الشافعية ، وأول ما وصل إلينا مطبوعا في مذهبهم. مع العلم بأن كتاب (أحكام القرآن) المنسوب للشافعي إنما هو من جمع البيهقي ولا يستوعب آيات الأحكام بكاملها ، بينما هذا الكتاب أحاط بها جميعا ، وفق أسلوب الباحثين في هذا الفن.

والمؤلف يعرف بمنهجه قائلا : ولما رأيت الأمر كذلك. يريد رجحان مذهب الشافعي على غيره ـ أردت أن أصنف كتابا في (أحكام القرآن) أشرح ما ابتدعه الشافعي رضي الله عنه. من أخذ الدلائل في غوامض المسائل ، وضممت إليه ما نسجته على منواله ، واحتذيت فيه على مثاله ، على قدر طاقتي وجهدي ومبلغ وسعي وجدي.

من يعرف قدر هذا الكتاب؟

يقول المؤلف : ولا يعرف قدر هذا الكتاب ، وما فيه من العجب العجاب ، ولب الألباب ، إلا من وفر حظه من علوم المعقول والمنقول ،

١٣

وتبحر في الفروع ، ثم انكب على مطالعة هذه الفصول ، بمسكة صحيحة ، وقريحة همة غير قريحة (١).

هذا وقد عمدت (دار الكتب العلمية) في بيروت لإعادة طباعة هذا الكتاب بأسلوب متميز عن الطبعة الأولى .. حيث عهدت إلى لجنة علمية متخصصة .. فأمعنت النظر في التعليقات الواردة .. فأبقت على ما يخدم النص .. وحذفت ما لا نفع فيه .. خاصة وان مراجع الكتاب مطبوعة ومتداولة .. فلا داعي لنقل الفصول بطولها وهي متيسرة بين أيدي الباحثين.

راجين المولى سبحانه أن يحسن إلى كل من سعى في خدمة هذا الكتاب والذي يعتبر خدمة مباشرة (للقرآن الكريم) كتاب الله تعالى المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

نفع الله به آمين.

الناشر

__________________

(١) انظر ج ١ /.

١٤