عقائد الإماميّة

الشيخ محمّد رضا المظفّر

عقائد الإماميّة

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
الطبعة: ١٢
ISBN: 978-964-438-093-8
الصفحات: ١٣٥

للإسلام وقدسيته المحكوم عليهم بالمروق عن الدين والكفر برب العالمين.

* * *

٢٢ ـ طريقة اثبات الإسلام والشرائع السابقة

لو خاصمنا أحد في صحة الدين الاسلامي نستطيع أن نخصمه بإثبات المعجزة الخالدة له ، وهي القرآن الكريم على ما تقدم من وجه إعجازه ، وكذلك هو طريقنا لإقناع نفوسنا عند ابتداء الشك والتساؤل اللذين لا بد أن يمرا على الإنسان الحر في تفكيره عند تكوين عقيدته أو تثبيتها.

وأما الشرائع السابقة كاليهودية والنصرانية ، فنحن قبل التصديق بالقرآن الكريم أو عند تجريد أنفسنا عن العقيدة الإسلامية ، لا حجة لنا لإقناع نفوسنا بصحتها ، ولا لإقناع المشكك المتسائل ، إذ لا معجزة باقية لها كالكتاب العزيز ، وما ينقله أتباعها من الخوارق والمعاجز للأنبياء السابقين ، فهم متهمون في نقلهم لها أو حكمهم عليها. وليس في الكتاب الموجودة بين أيدينا المنسوبة إلى الأنبياء كالتوراة والإنجيل ، ما يصلح أن يكون معجزة خالدة تصح أن تكون حجة قاطعة ، ودليلا مقنعا في نفسها قبل تصديق الإسلام لها.

وإنما صح لنا نحن المسلمين أن نقر ونصدق بنبوة أهل الشرائع السابقة ، فلأنا بعد تصديقنا بالدين الإسلامي ، كان علينا أن نصدق بكل ما جاء به وصدقه ، ومن جملة ما جاء به وصدقه ، نبوة جملة

٦١

من الأنبياء السابقين على نحو ما مر ذكره.

وعلى هذا فالمسلم في غنى عن البحث والفحص عن صحة الشريعة النصرانية وما قبلها من الشرائع السابقة ، بعد اعتناقه الإسلام ، لأن التصديق به تصديق بها ، والايمان به ايمان بالرسل السابقين ، والأنبياء المتقدمين ، فلا يجب على المسلم أن يبحث عنها ويفحص عن صدق معجزات انبيائها ؛ لأن المفروض أنه مسلم قد آمن بها بايمانه بالإسلام وكفى.

نعم لو بحث الشخص عن صحة الدين الإسلامي ، فلم تثبت له صحته وجب عليه عقلا ـ بمقتضى وجوب المعرفة والنظر ـ أن يبحث عن صحة دين النصرانية ؛ لأنه هو آخر الأديان السابقة على الإسلام ، فإن فحص ولم يحصل له اليقين به أيضا ، وجب عليه أن ينتقل فيفحص عن آخر الاديان السابقة عليه ، وهو دين اليهودية حسب الفرض ... وهكذا ينتقل في الفحص ، حتى يتم له اليقين بصحة دين من الأديان أو يرفضها جميعا.

وعلى العكس فيمن نشأ على اليهودية أو النصرانية ، فإن اليهودي لا يغنيه اعتقاده بدينه عن البحث عن صحة النصرانية والدين الإسلامي ، بل يجب عليه النظر والمعرفة بمقتضى حكم العقل ، وكذلك النصراني ليس له أن يكتفي بايمانه بالمسيح ـ عليه السلام ـ بل يجب أن يبحث ويفحص عن الإسلام وصحته ، ولا يعذر في القناعة بدينه من دون بحث وفحص ؛ لأن اليهودية وكذا النصرانية لا تنفي وجود شريعة لا حقة لها ، ناسخة لأحكامها ، ولم يقل موسى ولا المسيح ـ عليهما السلام ـ أنه

٦٢

لا نبي بعدي.

فكيف يجوز لهؤلاء النصارى واليهود أن يطمئنوا إلى عقيدتهم ، ويركنوا إلى دينهم قبل أن يفحصوا عن صحة الشريعة اللاحقة لشريعتهم ، كالشريعة النصرانية بالنسبة إلى اليهود ، والشريعة الإسلامية بالنسبة إلى اليهود والنصارى ، بل يجب بحسب فطرة العقول أن يفحصوا عن صحة هذه الدعوى اللاحقة ، فإن ثبتت لهما صحتها انتقلوا في دينهم إليها ، وإلّا صح لهم في شريعة العقل حينئذ البقاء على دينهم القديم والركون إليه.

أما المسلم كما قلنا ، فإنه إذا اعتقد بالإسلام لا يجب عليه الفحص ، لا عن الأديان السابقة على دينه ، ولا عن اللاحقة التي تدعي. أما السابقة فلأن المفروض أنه مصدق بها ، فلما ذا يطلب الدليل عليها ، وإنما فقط قد حكم بأنها منسوخة بالشريعة الاسلامية فلا يجب عليه العمل بأحكامها ولا بكتبها ، وأما اللاحقة فلأن نبي الإسلام محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : «لا نبي بعدي» وهو الصادق الأمين كما هو المفروض (ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) فلما ذا يطلب الدليل على صحة دعوى النبوة المتأخرة إن ادعاها مدع؟

* * *

نعم على المسلم بعد تباعد الزمان عن صاحب الرسالة واختلاف المذاهب والآراء ، وتشعب الفرق والنحل أن يسلك الطريق الذي يثق فيه أنه يوصله إلى معرفة الأحكام المنزلة على محمّد صاحب الرسالة ؛ لأن المسلم مكلف بالعمل بجميع الأحكام المنزلة في الشريعة كما انزلت ،

٦٣

ولكن كيف يعرف أنها الأحكام المنزلة كما انزلت ، والمسلمون مختلفون والطوائف متفرقة ، فلا الصلاة واحدة ولا العبادات متفقة ، ولا الأعمال في جميع المعاملات على وتيرة واحدة ... فما ذا يصنع؟ بأية طريقة من الصلاة ـ إذن ـ يصلي؟ وبأية شاكلة من الآراء يعمل في عباداته ومعاملاته كالنكاح والطلاق والميراث والبيع والشراء وإقامة الحدود والديات وما إلى ذلك؟

ولا يجوز له أن يقلد الآباء ، ويستكين إلى ما عليه أهله وأصحابه ، بل لا بد أن يتيقن بينه وبين نفسه ، وبينه وبين الله تعالى ، فإنه لا مجاملة هنا ولا مداهنة ولا تحيز ولا تعصب ، نعم لا بد أن يتيقن بأنه قد أخذ بأمثل الطرق التي يعتقد فيها بفراغ ذمته بينه وبين الله من التكاليف المفروضة عليه منه تعالى ، ويعتقد أنه لا عقاب عليه ولا عتاب منه تعالى باتباعها ، وأخذ الأحكام منها ، ولا يجوز أن تأخذه في الله لومة لائم (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) ، (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ).

(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) وأول ما يقع التساؤل فيما بينه وبين نفسه أنه هل يأخذ بطريقة آل البيت أو يأخذ بطريقة غيرهم. وإذا أخذ بطريقة آل البيت فهل الطريقة الصحيحة طريقة الإمامية الاثني عشرية أو طريقة من سواهم من الفرق الاخرى. ثم إذا أخذ بطريقة أهل السنة فمن يقلد من المذاهب الأربعة أو من غيرهم من المذاهب المندرسة؟ هكذا يقع التساؤل لمن أعطى الحرية في التفكير والاختيار حتى يلتجئ من الحق إلى ركن وثيق.

ولأجل هذا وجب علينا بعد هذا أن نبحث عن الإمامة وأن نبحث عما يتبعها في عقيدة الإمامية الاثني عشرية.

٦٤

الفصل الثالث

الامامة

٢٣ ـ عقيدتنا في الإمامة

نعتقد أنّ الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلّا بالاعتقاد بها ، ولا يجوز فيها تقليد الآباء والأهل والمربين مهما عظموا وكبروا ، بل يجب النظر فيها كما يجب النظر في التوحيد والنبوة.

وعلى الأقل أنّ الاعتقاد بفراغ ذمة المكلّف من التكاليف الشرعيّة المفروضة عليه يتوقف على الاعتقاد بها إيجابا أو سلبا فإذا لم تكن أصلا من الأصول لا يجوز فيها التقليد لكونها أصلا ، فإنّه يجب الاعتقاد بها من هذه الجهة أي من جهة أنّ فراغ ذمة المكلّف من التكاليف المفروضة عليه قطعا من الله تعالى واجب عقلا ، وليست كلّها معلومة من طريقة قطعيّة ، فلا بد من الرجوع فيها إلى من نقطع بفراغ الذمة باتباعه إمّا الإمام على طريقة الإمامية أو غيره على طريقة غيرهم.

كما نعتقد أنّها كالنبوة لطف من الله تعالى فلا بدّ أن يكون في كلّ عصر إمام هاد يخلف النبيّ في وظائفه من هداية البشر وإرشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في النشأتين ، وله ما للنبيّ من الولاية العامّة على الناس لتدبير شئونهم ومصالحهم وإقامة العدل بينهم ورفع

٦٥

الظلم والعدوان من بينهم.

وعلى هذا فالإمامة استمرار للنبوّة والدليل الذي يوجب إرسال الرسل وبعث الأنبياء هو نفسه يوجب أيضا نصب الإمام بعد الرسول.

فلذلك نقول : إنّ الإمامة لا تكون إلّا بالنصّ من الله تعالى على لسان النبيّ أو لسان الإمام الذي قبله ، وليست هي بالاختيار والانتخاب من الناس ، فليس لهم إذا شاءوا أن ينصبوا أحدا نصبوه وإذا شاءوا أن يعيّنوا إماما لهم عينوه ، ومتى شاءوا أن يتركوا تعيينه تركوه ؛ ليصح لهم البقاء بلا إمام ، بل من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية على ما ثبت ذلك عن الرسول الأعظم بالحديث المستفيض.

وعليه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالى سواء أبى البشر أم لم يأبوا ، وسواء ناصروه أم لم يناصروه ، أطاعوه أم لم يطيعوه ، وسواء كان حاضرا أم غائبا عن أعين الناس ، إذ كما يصحّ أن يغيب النبيّ كغيبته في الغار والشعب ، صحّ أن يغيب الإمام ، ولا فرق في حكم العقل بين طول الغيبة وقصرها.

قال الله تعالى : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) الرعد : ٨ وقال : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) فاطر : ٢٢.

* * *

٦٦

٢٤ ـ عقيدتنا في عصمة الإمام

ونعتقد أنّ الإمام كالنبيّ يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن من سن الطفولية إلى الموت عمدا وسهوا ، كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان ؛ لأنّ الأئمة حفظة الشرع ، والقوامون عليه ، حالهم في ذلك حال النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ والدليل الذي اقتضانا أن نعتقد بعصمة الأنبياء هو نفسه يقتضينا أن نعتقد بعصمة الأئمة بلا فرق.

ليس على الله بمستنكر

أن يجمع العالم في واحد

* * *

٢٥ ـ عقيدتنا في صفات الإمام وعلمه

ونعتقد أنّ الإمام كالنبيّ يجب أن يكون أفضل الناس في صفات الكمال من شجاعة وكرم وعفة وصدق وعدل ، ومن تدبير وعقل وحكمة وخلق. والدليل في النبيّ هو نفس الدليل في الإمام ...

أمّا علمه فهو يتلقى المعارف والأحكام الإلهية وجميع المعلومات ، من طريق النبيّ ، أو الإمام من قبله. واذا استجدّ شيء لا بدّ أن يعلمه من طريق الإلهام بالقوّة القدسيّة الّتي أودعها الله تعالى فيه ، فإن توجّه إلى شيء وشاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي لا يخطأ فيه ولا يشتبه ،

٦٧

ولا يحتاج في كلّ ذلك إلى البراهين العقليّة ، ولا إلى تلقينات المعلمين وإن كان علمه قابلا للزيادة والاشتداد ولذا قال ـ صلّى الله عليه وآله ـ في دعائه : (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً).

(أقول): لقد ثبت في الأبحاث النفسيّة أنّ كلّ إنسان له ساعة أو ساعات في حياته قد يعلم فيها ببعض الأشياء من طريق الحدس ، الّذي هو فرع من الإلهام بسبب ما أودع الله تعالى فيه من قوّة على ذلك. وهذه القوّة تختلف شدة وضعفا وزيادة ونقيصة في البشر ، باختلاف أفرادهم. فيطفر ذهن الإنسان في تلك الساعة إلى المعرفة من دون أن يحتاج إلى التفكير وترتيب المقدمات والبراهين أو تلقين المعلمين. ويجد كلّ إنسان من نفسه ذلك في فرص كثيرة في حياته ، وإذا كان الأمر كذلك فيجوز أن يبلغ الإنسان من قوّته الالهامية أعلى الدرجات وأكملها ، وهذا أمر قرّره الفلاسفة المتقدمون والمتأخرون.

فلذلك نقول ـ وهو ممكن في حدّ ذاته ـ : إنّ قوّة الإلهام عند الإمام الّتي تسمّى بالقوّة القدسيّة تبلغ الكمال في أعلى درجاته ، فيكون في صفاء نفسه القدسيّة على استعداد لتلقّي المعلومات ، في كلّ وقت وفي كلّ حالة ، فمتى توجه إلى شيء من الأشياء وأراد معرفته استطاع علمه بتلك القوّة القدسيّة الالهامية ، بلا توقف ولا ترتيب مقدمات ، ولا تلقين معلم ، وتنجلي في نفسه المعلومات ، كما تنجلي المرئيات في المرآة الصافية لا غطش فيها ولا إبهام.

ويبدو واضحا هذا الأمر في تاريخ الأئمة ـ عليهم السّلام ـ كالنبيّ محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ فإنّهم لم يتربوا ولم يتعلموا على

٦٨

يد معلم من مبدأ طفولتهم إلى سنّ الرشد ، حتى القراءة والكتابة ، ولم يثبت عن أحدهم أنّه دخل الكتاتيب أو تتلمذ على يد أستاذ في شيء من الأشياء مع ما لهم من منزلة علميّة لا تجارى. وما سئلوا عن شيء إلّا أجابوا عليه في وقته ، ولم تمر على ألسنتهم كلمة (لا أدري) ، ولا تأجيل الجواب إلى المراجعة أو التأمل أو نحو ذلك ، في حين أنّك لا تجد شخصا مترجما له من فقهاء الإسلام ورواته وعلمائه إلّا ذكرت في ترجمته تربيته وتلمذته على غيره وأخذه الرواية والعلم على المعروفين وتوقفه في بعض المسائل أو شكّه في كثير من المعلومات كعادة البشر في كل عصر ومصر.

* * *

٢٦ ـ عقيدتنا في طاعة الأئمة

ونعتقد أنّ الأئمة هم أولو الأمر الّذين أمر الله تعالى بطاعتهم ، وأنّهم الشهداء على الناس ، وأنّهم أبواب الله والسبيل إليه ، والادلاء عليه ، وأنّهم عيبة علمه ، وتراجمة وحيه ، وأركان توحيده ، وخزّان معرفته ، ولذا كانوا أمانا لأهل الأرض ، كما أن النجوم أمان لأهل السماء (على حد تعبيره صلّى الله عليه وآله). وكذلك ـ على حد قوله أيضا ـ إنّ مثلهم في هذه الامة كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى ، وأنهم حسبما جاء في الكتاب المجيد (عباد الله المكرمون الّذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) وأنهم الذين أذهب الله

٦٩

عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

بل نعتقد أن أمرهم أمر الله تعالى ، ونهيهم نهيه ، وطاعتهم طاعته ، ومعصيتهم معصيته ، ووليّهم وليّه ، وعدوّهم عدوّه ، ولا يجوز الردّ عليهم ، والرادّ عليهم كالرادّ على الرسول ، والرادّ على الرسول كالرادّ على الله تعالى ، فيجب التسليم لهم ، والانقياد لأمرهم والأخذ بقولهم.

ولهذا نعتقد أنّ الأحكام الشرعيّة الإلهيّة لا تستقى إلّا من نمير مائهم ولا يصحّ أخذها إلّا منهم ولا تفرغ ذمّة المكلّف بالرجوع إلى غيرهم ، ولا يطمئن بينه وبين الله إلى أنّه قد أدّى ما عليه من التكاليف المفروضة إلّا من طريقهم. إنّهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق في هذا البحر المائج الزاخر بأمواج الشبه والضلالات والادعاءات والمنازعات.

* * *

ولا يهمّنا من بحث الإمامة في هذه العصور إثبات أنّهم هم الخلفاء الشرعيون ، وأهل السلطة الإلهيّة ، فإنّ ذلك أمر مضى في ذمّة التأريخ ، وليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد أو يعيد الحقوق المسلوبة إلى أهلها. وإنّما الّذي يهمّنا منه ما ذكرنا من لزوم الرجوع إليهم ، في الأخذ بأحكام الله الشرعيّة وتحصيل ما جاء به الرسول الأكرم على الوجه الصحيح الّذي جاء به. وأنّ في أخذ الأحكام من الرواة والمجتهدين الّذين لا يستقون من نمير مائهم ولا يستضيئون بنورهم ابتعادا عن محجّة الصواب في الدين ، ولا يطمئن المكلّف من فراغ ذمّته من التكاليف المفروضة عليه من الله تعالى ؛ لأنّه مع فرض وجود الاختلاف

٧٠

في الآراء بين الطوائف والنحل فيما يتعلق بالأحكام الشرعيّة اختلافا لا يرجى معه التوفيق ، لا يبقى للمكلّف مجال أن يتخير ويرجع إلى أيّ مذهب شاء ورأي اختار ، بل لا بدّ له أن يفحص ويبحث حتّى تحصل له الحجة القاطعة بينه وبين الله تعالى على تعيين مذهب خاص يتيقن أنه يتوصل به إلى أحكام الله وتفرغ به ذمته من التكاليف المفروضة ، فإنّه كما يقطع بوجود أحكام مفروضة عليه يجب أن يقطع بفراغ ذمته منها ، فإنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

والدليل القطعيّ دالّ على وجوب الرجوع إلى آل البيت ، وأنّهم المرجع الأصلي بعد النبيّ لأحكام الله المنزلة ، وعلى الأقلّ قوله ـ عليه أفضل التحيات ـ : «إنّي قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ألا وأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض». وهذا الحديث اتفقت الرواية عليه من طرق أهل السنّة والشيعة.

فدقق النظر في هذا الحديث الجليل تجد ما يقنعك ويدهشك في مبناه ومعناه ، فما أبعد المرمى في قوله : (إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا) والّذي تركه فينا هما الثقلان معا إذ جعلهما كأمر واحد ، ولم يكتف بالتمسك بواحد منهما فقط ، فيهما معا لن تضل بعده أبدا. وما أوضح المعنى في قوله : «لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» فلا يجد الهداية أبدا من فرّق بينهما ولم يتمسك بهما معا فلذلك كانوا «سفينة النجاة» و«أمانا لأهل الأرض» ومن تخلّف عنهم غرق في

٧١

لجج الضلال ، ولم يأمن من الهلاك. وتفسير ذلك بحبهم فقط من دون الأخذ بأقوالهم واتباع طريقهم ، هروب من الحق لا يلجأ إليه إلّا التعصب والغفلة عن المنهج الصحيح في تفسير الكلام العربيّ المبين.

٢٧ ـ عقيدتنا في حبّ آل البيت

قال الله تعالى : (الشورى : ٢٣) : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).

نعتقد أنّه زيادة على وجوب التمسك بآل البيت ، يجب على كلّ مسلم أن يدين بحبّهم ومودّتهم ؛ لأنّه تعالى في هذه الآية المذكورة حصر المسئول عليه الناس في المودة في القربى.

وقد تواتر عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّ حبّهم علامة الإيمان ، وأنّ بغضهم علامة النفاق ، وأنّ من أحبّهم أحبّ الله ورسوله ، ومن أبغضهم أبغض الله ورسوله.

بل حبهم فرض من ضروريات الدين الإسلامي ، الّتي لا تقبل الجدل والشك. وقد اتفق عليه جميع المسلمين على اختلاف نحلهم وآرائهم عدا فئة قليلة اعتبروا من أعداء آل محمّد فنزوا باسم «النواصب» أي من نصبوا العداوة لآل بيت محمّد ـ صلّى الله عليه وآله ـ. وبهذا يعدّون من المنكرين لضرورة إسلامية ثابتة بالقطع ، والمنكر للضرورة الإسلامية ، كوجوب الصلاة والزكاة ، يعدّ في حكم المنكر لأصل الرسالة ، بل هو على التحقيق

٧٢

منكر للرسالة ، وإن أقرّ في ظاهر الحال بالشهادتين ، ولأجل هذا كان بغض آل محمّد ـ عليهم السّلام ـ من علامات النفاق وحبّهم من علامات الإيمان ، ولأجله أيضا كان بغضهم بغضا لله ولرسوله.

* * *

ولا شكّ أنّه تعالى لم يفرض حبّهم ومودّتهم إلّا لأنّهم أهل للحب والولاء من ناحية قربهم إليه سبحانه ، ومنزلتهم عنده ، وطهارتهم من الشرك والمعاصي ، ومن كل ما يبعد عن دار كرامته وساحة رضاه. ولا يمكن أن نتصور أنّه تعالى يفرض حبّ من يرتكب المعاصي ، أو لا يطيعه حق طاعته ، فإنّه ليس له قرابة مع أحد أو صداقة ، وليس عنده الناس بالنسبة إليه إلّا عبيدا مخلوقين على حدّ سواء ، وإنّما أكرمهم عند الله أتقاهم ، فمن أوجب حبّه على الناس كلّهم لا بدّ أن يكون أتقاهم وأفضلهم جميعا ، وإلّا كان غيره أولى بذلك الحب ، أو كان الله يفضّل بعضا على بعض في وجوب الحبّ والولاية عبثا أو لهوا بلا جهة استحقاق وكرامة.

* * *

٢٨ ـ عقيدتنا في الأئمة

لا نعتقد في أئمتنا ما يعتقده الغلاة والحلوليون (كبرت كلمة تخرج من أفواههم). بل عقيدتنا الخالصة أنّهم بشر مثلنا ، لهم ما لنا ، وعليهم ما علينا ، وإنّما هم عباد مكرمون اختصّهم الله تعالى بكرامته

٧٣

وحباهم بولايته ؛ إذ كانوا في أعلى درجات الكمال اللائقة في البشر من العلم والتقوى والشجاعة والكرم والعفة ، وجميع الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة ، لا يدانيهم أحد من البشر فيما اختصوا به. وبهذا استحقوا أن يكونوا أئمة وهداة ومرجعا بعد النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ في كلّ ما يعود للناس من أحكام وحكم ، وما يرجع للدين من بيان وتشريع ، وما يختصّ بالقرآن من تفسير وتأويل.

قال إمامنا الصادق ـ عليه السلام ـ : «ما جاءكم عنّا ممّا يجوز أن يكون في المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردّوه إلينا ، وما جاءكم عنّا ممّا لا يجوز أن يكون في المخلوقين فاجحدوه ولا تردوه إلينا».

* * *

٢٩ ـ عقيدتنا في أنّ الإمامة بالنصّ

نعتقد أن الإمامة كالنبوّة لا تكون إلّا بالنصّ من الله تعالى على لسان رسوله ، أو لسان الإمام المنصوب بالنصّ إذا أراد أن ينصّ على الإمام من بعده ، وحكمها في ذلك حكم النبوّة بلا فرق ، فليس للناس أن يتحكّموا في من يعيّنه الله هاديا ومرشدا لعامّة البشر ، كما ليس لهم حق تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه ؛ لأنّ الشخص الذي له من نفسه القدسيّة استعداد لتحمّل أعباء الإمامة العامّة ، وهداية البشر قاطبة ، يجب أن لا يعرف إلّا بتعريف الله ولا يعيّن إلّا بتعيينه.

٧٤

ونعتقد أن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ نصّ على خليفته والإمام في البرية من بعده ، فعيّن ابن عمه علي بن أبي طالب أميرا للمؤمنين ، وأمينا للوحي ، وإماما للخلق ، في عدة مواطن ، ونصبه وأخذ البيعة له بإمرة المؤمنين يوم الغدير ، فقال : «ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه كيف ما دار».

ومن أوّل مواطن النصّ على إمامته قوله حينما دعا أقرباءه الأدنين وعشيرته الأقربين فقال : «هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا» وهو يومئذ صبيّ لم يبلغ الحلم وكرّر قوله له في عدّة مرّات : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» إلى غير ذلك من روايات وآيات كريمة دلّت على ثبوت الولاية العامّة له كآية المائدة : ٥٥ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) وقد نزلت فيه عند ما تصدّق بالخاتم وهو راكع ، ولا يساعد وضع هذه الرسالة على استقصاء كلّ ما ورد في إمامته من الآيات والروايات ، ولا بيان وجه دلالتها(١).

ثم إنّه ـ عليه السلام ـ نصّ على إمامة الحسن والحسين ، والحسين نصّ على إمامة ولده علي زين العابدين ، وهكذا إماما بعد إمام ينصّ المتقدّم منهم على المتأخر إلى آخرهم ، وهو أخيرهم على ما سيأتي.

* * *

__________________

(١) راحع كتاب السقيفة المؤلف فيه بعض الشرح لهذه الشواهد القرآنية وغيرها.

٧٥

٣٠ ـ عقيدتنا في عدد الأئمة

ونعتقد أنّ الأئمة ـ الذين لهم صفة الإمامة الحقّة ، هم مرجعنا في الأحكام الشرعيّة المنصوص عليهم بالأدلة ـ اثنا عشر إماما نصّ عليهم النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ جميعا بأسمائهم ، ثم نصّ المتقدّم منهم على من بعده على النحو الآتي :

١ ـ أبو الحسن علي بن أبي طالب (المرتضى) المتولد سنة ٢٣ قبل الهجرة والمقتول سنة ٤٠ بعدها.

٢ ـ أبو محمّد الحسن بن علي «الزكي»

 (٢ ـ ٥٠)

٣ ـ أبو عبد الله الحسين بن علي «سيّد الشهداء»

(٣ ـ ٦١)

٤ ـ أبو محمّد علي بن الحسين «زين العابدين»

(٣٨ ـ ٩٥)

٥ ـ أبو جعفر محمّد بن علي «الباقر»

 (٥٧ ـ ١١٤)

٦ ـ أبو عبد الله جعفر بن محمّد «الصادق»

 (٨٣ ـ ١٤٨)

٧ ـ أبو إبراهيم موسى بن جعفر «الكاظم»

 (١٢٨ ـ ١٨٢)

٨ ـ أبو الحسن علي بن موسى «الرضا»

(١٤٨ ـ ٢٠٣)

٩ ـ أبو جعفر محمّد بن علي «الجواد»

 (١٩٥ ـ ٢٢٠)

١٠ ـ أبو الحسن علي بن محمّد «الهادي»

 (٢١٢ ـ ٢٥٤)

١١ ـ أبو محمّد الحسن بن علي «العسكري»

(٢٣٢ ـ ٢٦٠)

١٢ ـ أبو القاسم بن الحسن «المهدي»

(٢٥٦ ـ ...)

٢ ـ أبو محمّد الحسن بن علي «الزكي»

 (٢ ـ ٥٠)

٣ ـ أبو عبد الله الحسين بن علي «سيّد الشهداء»

(٣ ـ ٦١)

٤ ـ أبو محمّد علي بن الحسين «زين العابدين»

(٣٨ ـ ٩٥)

٥ ـ أبو جعفر محمّد بن علي «الباقر»

 (٥٧ ـ ١١٤)

٦ ـ أبو عبد الله جعفر بن محمّد «الصادق»

 (٨٣ ـ ١٤٨)

وهو الحجّة في عصرنا الغائب المنتظر عجّل الله فرجه وسهّل

٧٦

مخرجه ، ليملأ الأرض عدلا وقسطا بعد ما ملئت ظلما وجورا.

* * *

٣١ ـ عقيدتنا في المهديّ

إنّ البشارة بظهور المهديّ من ولد فاطمة في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ثابتة عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالتواتر ، وسجّلها المسلمون جميعا فيما رووه من الحديث عنه على اختلاف مشاربهم.

وليست هي بالفكرة المستحدثة عند (الشيعة) دفع إليها انتشار الظلم والجور ، فحلموا بظهور من يطهّر الأرض من رجس الظلم ، كما يريد أن يصوّرها بعض المغالطين غير المنصفين. ولو لا ثبوت (فكرة المهدي) عن النبيّ على وجه عرفها جميع المسلمين وتشبعت في نفوسهم واعتقدوها لما كان يتمكن مدّعو المهديّة في القرون الأولى كالكيسانيّة والعبّاسيين ، وجملة من العلويّين وغيرهم من خدعة الناس ، واستغلال هذه العقيدة فيهم ، طلبا للملك والسلطان ، فجعلوا ادعاءهم المهديّة الكاذبة طريقا للتأثير على العامّة وبسط نفوذهم عليهم.

ونحن مع إيماننا بصحّة الدين الإسلامي ، وأنّه خاتمة الأديان الإلهية ، ولا نترقب دينا آخر لإصلاح البشر ، ومع ما نشاهد من انتشار الظلم واستشراء الفساد في العالم على وجه ، لا تجد للعدل والصلاح موضع قدم في الممالك المعمورة ، ومع ما نرى من انكفاء المسلمين أنفسهم عن

٧٧

دينهم وتعطيل أحكامه وقوانينه في جميع الممالك الإسلامية ، وعدم التزامهم بواحد من الألف من أحكام الإسلام ، ونحن مع كلّ ذلك لا بدّ أن ننتظر الفرج بعودة الدين الإسلامي إلى قوّته وتمكينه من إصلاح هذا العالم المنغمس بغطرسة الظلم والفساد.

ثم لا يمكن أن يعود الإسلام إلى قوّته وسيطرته على البشر عامّة ، وهو عليه اليوم وقبل اليوم من اختلاف معتنقيه في قوانينه وأحكامه وفي أفكارهم عنه ، وهم على ما هم عليه اليوم وقبل اليوم من البدع والتحريفات في قوانينه والضلالات في ادعاءاتهم. نعم لا يمكن أن يعود الدين إلى قوّته إلّا إذا ظهر على رأسه مصلح عظيم يجمع الكلمة ، ويردّ عن الدين تحريف المبطلين ، ويبطل ما الصق به من البدع والضلالات بعناية ربّانيّة وبلطف إلهي ، ليجعل منه شخصا هاديا مهديّا ، له هذه المنزلة العظمى والرئاسة العامّة والقدرة الخارقة ، ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا.

والخلاصة أنّ طبيعة الوضع الفاسد في البشر البالغة الغاية في الفساد والظلم مع الإيمان بصحة هذا الدين وأنّه الخاتمة للأديان يقتضي انتظار هذا المصلح «المهديّ» ، لإنقاذ العالم ممّا هو فيه. ولأجل ذلك آمنت بهذا الانتظار جميع الفرق المسلمة ، بل الامم من غير المسلمين غير أنّ الفرق بين الإمامية وغيرها هو أنّ الإمامية تعتقد أنّ هذا المصلح المهدي هو شخص معيّن معروف ولد سنة ٢٥٦ هجرية ولا يزال حيّا هو ابن الحسن العسكري واسمه (م ح م د). وذلك بما ثبت عن النبي وآل البيت من الوعد به وما تواتر عندنا من

٧٨

ولادته واحتجابه. ولا يجوز أن تنقطع الإمامة وتحول في عصر من العصور وإن كان الإمام مخفيّا ليظهر في اليوم الموعود به من الله تعالى الذي هو من الأسرار الإلهية التي لا يعلم بها إلّا هو تعالى.

ولا يخلو من أن تكون حياته وبقاؤه هذه المدة الطويلة معجزة جعلها الله تعالى له ، وليست هي بأعظم من معجزة أن يكون إماما للخلق وهو ابن خمس سنين يوم رحل والده إلى الرفيق الأعلى ولا هي بأعظم من معجزة عيسى إذ كلّم الناس في المهد صبيّا وبعث في الناس نبيا.

وطول الحياة أكثر من العمر الطبيعي ، أو الذي يتخيل أنه العمر الطبيعي ، لا يمنع منها فن الطب ولا يحيلها ، غير أنّ الطبّ بعد لم يتوصل إلى ما يمكنه من تعمير حياة الإنسان. وإذا عجز عنه الطب فإنّ الله تعالى قادر على كلّ شيء ، وقد وقع فعلا تعمير نوح ، وبقاء عيسى ـ عليهما السّلام ـ كما اخبر عنهما القرآن الكريم ... ولو شكّ الشاك فيما أخبر به القرآن فعلى الإسلام السلام.

ومن العجب أن يتساءل المسلم عن إمكان ذلك ، وهو يدّعي الإيمان بالكتاب العزيز.

وممّا يجدر أن نذكره في هذا الصدد ونذكّر أنفسنا به ، أنّه ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ (المهدي ـ عليه السلام ـ) ، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحقّ من دينهم ، وما يجب عليهم من نصرته والجهاد في سبيله ، والأخذ بأحكامه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بل المسلم أبدا مكلّف بالعمل بما انزل من الأحكام الشرعيّة ، وواجب

٧٩

عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة ، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما تمكّن من ذلك وبلغت إليه قدرته (كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيته). فلا يجوز له التأخر عن واجباته بمجرّد الانتظار للمصلح (المهدي ـ عليه السلام ـ) والمبشّر الهادي. فإنّ هذا لا يسقط تكليفا ولا يؤجل عملا ولا يجعل الناس هملا كالسوائم.

* * *

٣٢ ـ عقيدتنا في الرجعة

إنّ الذي تذهب إليه الإمامية أخذا بما جاء عن آل البيت ـ عليهم السّلام ـ أنّ الله تعالى يعيد قوما من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها ، فيعزّ فريقا ، ويذلّ فريقا آخر ، ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين ، وذلك عند قيام مهدي آل محمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسّلام.

ولا يرجع إلّا من علت درجته في الإيمان ، أو من بلغ الغاية من الفساد ، ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت ومن بعده إلى النشور ، وما يستحقونه من الثواب أو العقاب كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمنّي هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله ، أنّ يخرجوا ثالثا لعلهم يصلحون : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) «المؤمن ١١».

٨٠