عقائد الإماميّة

الشيخ محمّد رضا المظفّر

عقائد الإماميّة

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
الطبعة: ١٢
ISBN: 978-964-438-093-8
الصفحات: ١٣٥

فرض علمه بحسن الحسن ، وقبح القبيح ، وغناه عن ترك الحسن وعن فعل القبيح ، فلا الحسن يتضرر بفعله حتى يحتاج إلى تركه ، ولا القبيح يفتقر إليه حتى يفعله. وهو مع كل ذلك حكيم ، لا بد أن تكون فعله مطابقا للحكمة ، وعلى حسب النظام الأكمل.

فلو كان يفعل الظلم والقبح ـ تعالى عن ذلك ـ فإن الأمر في ذلك لا يخلو عن أربع صور :

١ ـ أن يكون جاهلا بالأمر فلا يدري أنه قبيح.

٢ ـ أن يكون عالما به ، ولكنه مجبور على فعله وعاجز عن تركه.

٣ ـ أن يكون عالما به وغير مجبور عليه ، ولكنه محتاج إلى فعله.

٤ ـ أن يكون عالما به وغير مجبور عليه ، ولا يحتاج إليه ، فينحصر في أن يكون فعله له تشهيا وعبثا ولهوا.

وكل هذه الصور محال على الله تعالى ، وتستلزم النقص فيه ، وهو محض الكمال فيجب أن نحكم أنه منزه عن الظلم وفعل ما هو قبيح. غير أن بعض المسلمين جوز عليه تعالى فعل القبيح تقدست أسماؤه فجوز أن يعاقب المطيعين ، ويدخل الجنة العاصين بل الكافرين ، وجوز أن يكلف العباد فوق طاقتهم وما لا يقدرون عليه ، ومع ذلك يعاقبهم على تركه ، وجوز أن يصدر منه الظلم والجور والكذب والخداع ، وأن يفعل الفعل بلا حكمة وغرض ولا مصلحة وفائدة ، بحجة أنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

فربّ أمثال هؤلاء الذين صوروه على عقيدتهم الفاسدة ، ظالم ، جائر ، سفيه ، لاعب ، كاذب ، مخادع ، يفعل القبيح ، ويترك الحسن الجميل ،

٤١

تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وهذا هو الكفر بعينه وقد قال الله تعالى في محكم كتابه : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) وقال : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) وقال : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) الدخان : ٣٨ وقال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة. سبحانك ما خلقت هذا باطلا.

* * *

٩ ـ عقيدتنا في التكليف

نعتقد أنه تعالى لا يكلف عباده إلّا بعد إقامة الحجة عليهم ، ولا يكلفهم إلّا ما يسعهم ، وما يقدرون عليه ، وما يطيقونه ، وما يعلمون ؛ لأنه من الظلم تكليف العاجز والجاهل غير المقصر في التعليم.

أما الجاهل المقصر في معرفة الأحكام والتكاليف فهو مسئول عند الله تعالى ومعاقب على تقصيره ، إذ يجب على كل إنسان أن يتعلم ما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية.

ونعتقد أنه تعالى لا بد أن يكلف عباده ، ويسن لهم الشرائع ، وما فيه صلاحهم وخيرهم ، ليدلهم على طرق الخير والسعادة الدائمة ، ويرشدهم إلى ما فيه الصلاح ، ويزجرهم عما فيه الفساد والضرر عليهم وسوء عاقبتهم ، وان علم. أنهم لا يطيعونه ؛ لان ذلك لطف ورحمة بعباده ، وهم يجهلون أكثر مصالحهم ، وطرقها في الدنيا والآخرة ، ويجهلون الكثير مما يعود عليهم بالضرر والخسران. والله تعالى هو الرحمن الرحيم

٤٢

بنفس ذاته ، وهو من كماله المطلق ، الذي هو عين ذاته ، ويستحيل أن ينفك عنه. ولا يرفع هذا اللطف وهذه الرحمة أن يكون العباد متمردين على طاعته ، غير منقادين إلى أوامره ونواهيه.

* * *

١٠ ـ عقيدتنا في القضاء والقدر

ذهب قوم ، وهم المجبرة ، إلى أنه تعالى هو الفاعل لأفعال المخلوقين فيكون قد أجبر الناس على فعل المعاصي ، وهو مع ذلك يعذبهم عليها ، وأجبرهم على فعل الطاعات ومع ذلك يثيبهم عليها ، لأنهم يقولون : إن أفعالهم في الحقيقة أفعاله ، وإنما تنسب إليهم على سبيل التجوز ، لأنهم محلها ، ومرجع ذلك إلى إنكار السببية الطبيعية بين الأشياء ، وأنه تعالى هو السبب الحقيقي لا سبب سواه.

وقد أنكروا السببية الطبيعية بين الأشياء ، إذ ظنوا أن ذلك هو مقتضى كونه تعالى هو الخالق الذي لا شريك له ، ومن يقول بهذه المقالة فقد نسب الظلم إليه ، تعالى عن ذلك.

وذهب قوم آخرون وهم «المفوضة» إلى أنه تعالى فوض الأفعال إلى المخلوقين ورفع قدرته وقضاءه وتقديره عنها ، باعتبار أن نسبة الافعال إليه تعالى تستلزم نسبة النقص إليه وإن للموجودات أسبابها الخاصة وإن انتهت كلها الى مسبب الاسباب والسبب الاول وهو الله تعالى. ومن يقول بهذه المقالة فقد اخرج الله تعالى من سلطانه

٤٣

وأشرك غيره معه في الخلق.

واعتقادنا في ذلك تبع لما جاء عن أئمتنا الأطهار ـ عليهم السلام ـ من الأمر بين الأمرين والطريق الوسط بين القولين الذي كان يعجز عن فهمه أمثال اولئك المجادلين من أهل الكلام ففرّط منهم قوم وأفرط آخرون ولم يكتشفه العلم والفلسفة إلّا بعد عدة قرون وليس من الغريب ممن لم يطلع على حكمة الأئمة ـ عليهم السلام ـ وأقوالهم أن يحسب أن هذا القول وهو الأمر بين الأمرين من مكتشفات بعض فلاسفة الغرب المتأخرين ، وقد سبقه إليه أئمتنا قبل عشرة قرون.

فقد قال إمامنا الصادق ـ عليه السلام ـ لبيان الطريق الوسط كلمته المشهورة : «لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين الأمرين».

ما أجلّ هذا المغزى وما أدق معناه وخلاصته أن أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة ، ونحن أسبابها الطبيعية وهي تحت قدرتنا واختيارنا ، ومن جهة اخرى هي مقدورة لله تعالى وداخلة في سلطانه ؛ لأنه هو مفيض الوجود ومعطيه ، فلم يجبرنا على أفعالنا حتى يكون قد ظلمنا في عقابنا على المعاصي ؛ لأن لنا القدرة والاختيار فيما نفعل ، ولم يفوض إلينا خلق أفعالنا حتى يكون قد أخرجها عن سلطانه ، بل له الخلق والحكم والأمر وهو قادر على كل شيء ومحيط بالعباد.

وعلى كل حال فعقيدتنا أن القضاء والقدر سر من أسرار الله تعالى ، فمن استطاع أن يفهمه على الوجه اللائق بلا افراط ولا تفريط فذاك ، وإلّا فلا يجب عليه أن يتكلف فهمه والتدقيق فيه ، لئلا يضل وتفسد عليه عقيدته ؛ لأنه من دقائق الامور ، بل من أدق مباحث الفلسفة

٤٤

التي لا يدركها إلّا الأوحدي من الناس ، ولذا زلت به أقدام كثير من المتكلمين. فالتكليف به تكليف بما هو فوق مستوى مقدور الرجل العادي. ويكفي أن يعتقد به الإنسان على الاجمال اتباعا لقول الأئمة الأطهار ـ عليهم السلام ـ من أنه أمر بين الأمرين ليس فيه جبر ولا تفويض. وليس هو من الاصول الاعتقادية حتى يجب تحصيل الاعتقاد به على كل حال على نحو التفصيل والتدقيق.

* * *

١١ ـ عقيدتنا في البداء

البداء في الإنسان أن يبدو له رأي في الشيء لم يكن له ذلك الرأي سابقا ، بأن يتبدل عزمه في العمل الذي كان يريد أن يصنعه ، إذ يحدث عنده ما يغير رأيه وعلمه به ، فيبدو له تركه بعد أن كان يريد فعله ، وذلك عن جهل بالمصالح وندامة على ما سبق منه.

والبداء بهذا المعنى يستحيل على الله تعالى ؛ لأنه من الجهل والنقص ، وذلك محال عليه تعالى ، ولا تقول به الإمامية. قال الصادق ـ عليه السلام ـ : «من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم» وقال أيضا : «من زعم أن الله بدا له في شيء ولم يعلمه أمس فأبرأ منه».

غير أنه وردت عن أئمتنا الأطهار ـ عليهم السلام ـ روايات توهم القول بصحة البداء بالمعنى المتقدم ، كما ورد عن الصادق ـ عليه السلام ـ «ما بدا

٤٥

لله في شيء كما بدا له في اسماعيل ابني» ولذلك نسب بعض المؤلفين في الفرق الإسلامية ، إلى الطائفة الإمامية ، القول بالبداء ، طعنا في المذهب وطريق آل البيت ، وجعلوا ذلك من جملة التشنيعات على الشيعة.

والصحيح في ذلك أن نقول كما قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) ومعنى ذلك أنه تعالى قد يظهر شيئا على لسان نبيه ، أو وليه ، أو في ظاهر الحال لمصلحة تقتضي ذلك الإظهار ، ثم يمحوه فيكون غير ما قد ظهر أولا ، مع سبق علمه تعالى بذلك ، كما في قصة إسماعيل لما رأى أبوه إبراهيم أنه يذبحه. فيكون معنى قول الإمام ـ عليه السلام ـ أنه ما ظهر لله سبحانه أمر في شيء كما ظهر له في اسماعيل ولده ، إذ اخترمه قبله ، ليعلم الناس أنه ليس بإمام وقد كان ظاهر الحال أنه الإمام بعده ؛ لأنه أكبر ولده.

وقريب من البداء في هذا المعنى نسخ أحكام الشرائع السابقة ، بشريعة نبينا ـ صلّى الله عليه وآله ـ بل نسخ بعض الأحكام التي جاء بها نبينا ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ.

* * *

١٢ ـ عقيدتنا في أحكام الدين

نعتقد أنه تعالى جعل أحكامه من الواجبات والمحرمات وغيرهما طبقا لمصالح العباد في نفس أفعالهم ، فما فيه المصلحة الملزمة جعله واجبا ، وما فيه المفسدة البالغة ، نهى عنه ، وما فيه مصلحة راجحة ندبنا إليه ،

٤٦

وهكذا في باقي الأحكام وهذا من عدله ولطفه بعباده ولا بد أن يكون له في كل واقعة حكم ، ولا يخلو شيء من الأشياء من حكم واقعي لله فيه ، وإن انسد علينا طريق علمه.

ونقول أيضا : إنه من القبيح أن يأمر بما فيه المفسدة أو ينهى عما فيه المصلحة ، غير أن بعض الفرق من المسلمين يقولون : إن القبيح ما نهى الله تعالى عنه ، والحسن ما أمر به ، فليس في نفس الأفعال مصالح أو مفاسد ذاتية ، ولا حسن أو قبيح ذاتيان.

وهذا قول مخالف للضرورة العقلية ، كما أنهم جوزوا أن يفعل الله تعالى القبيح فيأمر بما فيه المفسدة ، وينهى عما فيه المصلحة ، وقد تقدم أن هذا القول فيه مجازفة عظيمة ، وذلك لاستلزامه نسبة الجهل او العجز إليه سبحانه تعالى علوا كبيرا.

والخلاصة أن الصحيح في الاعتقاد أن نقول : إنه تعالى لا مصلحة له ولا منفعة في تكليفنا بالواجبات ونهينا عن فعل ما حرمه ، بل المصلحة والمنفعة ترجع لنا في جميع التكاليف. ولا معنى لنفي المصالح والمفاسد في الأفعال المأمور بها والمنهي عنها ، فإنه تعالى لا يأمر عبثا ولا ينهى جزافا وهو الغني عن عباده.

٤٧

الفصل الثانى

النبوة

١٣ ـ عقيدتنا في النبوة

نعتقد أن النبوة وظيفة إلهية وسفارة ربانية يجعلها الله تعالى لمن ينتجبه ويختاره من عباده الصالحين وأوليائه الكاملين في انسانيتهم. فيرسلهم إلى سائر الناس لغاية ارشادهم إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة ، ولغرض تنزيههم وتزكيتهم من دون مساوئ الأخلاق ومفاسد العادات وتعليمهم الحكمة والمعرفة ، وبيان طرق السعادة والخير لتبلغ الإنسانية كمالها اللائق بها ، فترتفع إلى درجاتها الرفيعة في الدارين ، دار الدنيا ودار الآخرة.

ونعتقد أن قاعدة اللطف ـ على ما سيأتي معناها ـ توجب أن يبعث الخالق اللطيف بعباده رسله لهداية البشر وأداء الرسالة الاصلاحية وليكونوا سفراء الله وخلفاءه. كما نعتقد أنه تعالى لم يجعل للناس حق تعيين النبي أو ترشيحه أو انتخابه وليس لهم الخيرة في ذلك ، بل أمر كل ذلك بيده تعالى ؛ لأنه (أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ).

وليس لهم أن يتحكموا فيمن يرسله هاديا ومبشرا ونذيرا ، ولا أن يتحكموا فيما جاء به من أحكام وسنن وشريعة.

٤٨

١٤ ـ النبوة لطف

إن الإنسان مخلوق غريب الأطوار ، معقد التركيب في تكوينه وفي طبيعته وفي نفسيته وفي عقله ، بل في شخصية كل فرد من افراده ، وقد اجتمعت فيه نوازع الفساد من جهة ، وبواعث الخير والصلاح من جهة اخرى ، فمن جهة قد جبل على العواطف والغرائز ، من حب النفس والهوى والأثرة وإطاعة الشهوات ، وفطر على حب التغلب والاستطالة والاستيلاء على ما سواه ، والتكالب على الحياة الدنيا وزخارفها ومتاعها كما قال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) و (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) و (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) إلى غير ذلك من الآيات المصرحة والمشيرة إلى ما جبلت عليه النفس الإنسانية من العواطف والشهوات.

ومن الجهة الثانية خلق الله تعالى فيه عقلا هاديا يرشده إلى الصلاح ومواطن الخير وضميرا وازعا يردعه عن المنكرات والظلم ويؤنبه على فعل ما هو قبيح ومذموم.

ولا يزال الخصام الداخلي في النفس الإنسانية مستمرا بين العاطفة والعقل ، فمن يتغلب عقله على عاطفته كان من الأعلين مقاما ، والراشدين في انسانيتهم والكاملين في روحانيتهم. ومن تقهره عاطفته كان من الأخسرين منزلة والمتردين إنسانية ، والمنحدرين إلى رتبة البهائم.

وأشد هذين المتخاصمين مراسا على النفس هي العاطفة وجنودها.

٤٩

فلذلك تجد أكثر الناس منغمسين في الضلالة ومبتعدين عن الهداية باطاعة الشهوات ، وتلبية نداء العواطف «وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين». على أن الإنسان لقصوره وعدم اطلاعه على جميع الحقائق وأسرار الأشياء المحيطة به ، والمنبعثة من نفسه ، لا يستطيع أن يعرف بنفسه كل ما يضره وينفعه ، ولا كل ما يسعده ويشقيه ، لا فيما يتعلق بخاصة نفسه ولا فيما يتعلق بالنوع الإنساني ومجتمعه ومحيطه ، بل لا يزال جاهلا بنفسه ، ويزيد جهلا أو ادراكا لجهله بنفسه كلما تقدم العلم عنده بالاشياء الطبيعية والكائنات المادية.

وعلى هذا فالإنسان في أشد الحاجة ليبلغ درجات السعادة ، إلى من ينصب له الطريق اللاحب ، والنهج الواضح إلى الرشاد واتباع الهدى ، لتقوى بذلك جنود العقل حتى يتمكن من التغلب على خصمه اللدود اللجوج عند ما يهيئ الانسان نفسه لدخول المعركة الفاصلة بين العقل والعاطفة. وأكثر ما يشتد حاجته إلى من يأخذ بيده إلى الخير والصلاح عند ما تخادعه العاطفة وتراوغه ، ـ وكثيرا ما تفعل ـ فتزين له أعماله وتحسن لنفسه انحرافاتها ، إذ تريه ما هو حسن قبيحا ، أو ما هو قبيح حسنا ، وتلبس على العقل طريقه إلى الصلاح والسعادة والنعيم ، في وقت ليس له تلك المعرفة التي تميز له كل ما هو حسن ونافع ، وكل ما هو قبيح وضار ، وكل واحد منا صريع لهذه المعركة من حيث يدري ولا يدري إلّا من عصمه الله.

ولأجل هذا يعسر على الإنسان المتمدن المثقف ، فضلا عن الوحشي الجاهل ، أن يصل بنفسه إلى جميع طرق الخير والصلاح ومعرفة جميع

٥٠

ما ينفعه ويضره في دنياه وآخرته ، فيما يتعلق بخاصة نفسه أو بمجتمعه ومحيطه ، مهما تعاضد مع غيره من أبناء نوعه ، ممن هو على شاكلته وتكاشف معهم ، ومهما أقام بالاشتراك معهم المؤتمرات والمجالس والاستشارات.

فوجب أن يبعث الله تعالى في الناس رحمة لهم ولطفا بهم (رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) وينذرهم عما فيه فسادهم ، ويبشرهم بما فيه صلاحهم وسعادتهم.

إنما كان اللطف من الله تعالى واجبا فلأن اللطف بالعباد من كماله المطلق ، وهو اللطيف بعباده والجواد الكريم ، فإذا كان المحل قابلا ومستعدا لفيض الوجود واللطف ، فإنه تعالى لا بد أن يفيض لطفه ، إذ لا بخل في ساحة رحمته ، ولا نقص في جوده وكرمه.

وليس معنى الوجوب هنا أن أحدا يأمر بذلك فيجب عليه أن يطيع ـ تعالى عن ذلك ـ ، بل معنى الوجوب في ذلك هو كمعنى الوجوب في قولك : إنه واجب الوجود (أي اللزوم واستحالة الانفكاك).

* * *

١٥ ـ عقيدتنا في معجزة الأنبياء

نعتقد أنه تعالى إذ ينصب لخلقه هاديا ورسولا ، لا بد أن يعرفهم بشخصه ويرشدهم إليه بالخصوص على وجه التعيين ، وذلك منحصر بأن ينصب على رسالته دليلا وحجة يقيمها لهم ، إتماما للّطف واستكمالا

٥١

للرحمة. وذلك الدليل لا بد أن يكون من نوع لا يصدر إلّا من خالق الكائنات ومدبر الموجودات (أي فوق مستوى مقدور البشر) فيجريه على يدي ذلك الرسول الهادي ، ليكون معرفا به ومرشدا إليه. وذلك الدليل هو المسمى ب «المعجز أو المعجزة» لأنه يكون على وجه يعجز البشر عن مجاراته والإتيان بمثله.

وكما أنه لا بد للنبي من معجزة يظهر بها للناس لإقامة الحجة عليهم ، فلا بد أن تكون تلك المعجزة ظاهرة الإعجاز بين الناس ، على وجه يعجز عنها العلماء وأهل الفن في وقته ، فضلا عن غيرهم من سائر الناس ، مع اقتران تلك المعجزة بدعوى النبوة منه ، لتكون دليلا على مدعاه وحجة بين يديه ، فإذا عجز عنها أمثال اولئك علم أنها فوق مقدور البشر وخارقة للعادة ، فيعلم أن صاحبها فوق مستوى البشر بما له من ذلك الاتصال الروحي بمدبر الكائنات. وإذا تم ذلك لشخص من ظهور المعجز الخارق للعادة ، وادعى مع ذلك النبوة والرسالة ، يكون حينئذ موضعا لتصديق الناس بدعواه ، والايمان برسالته ، والخضوع لقوله وأمره ، فيؤمن به من يؤمن ويكفر به من يكفر.

ولأجل هذا وجدنا أن معجزة كل نبي تناسب ما يشتهر في عصره من العلوم والفنون ، فكانت معجزة موسى ـ عليه السلام ـ هي العصا التي تلقف السحر وما يأفكون ، إذ كان السحر في عصره فنا شائعا ، فلما جاءت العصا بطل ما كانوا يعملون ، وعلموا أنها فوق مقدورهم ، وأعلى من فنهم ، وأنها مما يعجز عن مثله البشر ويتضاءل عندها الفن والعلم.

وكذلك كانت معجزة عيسى ـ عليه السلام ـ وهي ابراء الأكمه

٥٢

والأبرص ، وإحياء الموتى ، إذ جاءت في وقت كان فن الطب هو السائد بين الناس ، وفيه علماء وأطباء لهم المكانة العليا فعجز علمهم عن مجاراة ما جاء به عيسى عليه السلام.

ومعجزة نبينا الخالدة هي القرآن الكريم ، المعجز ببلاغته وفصاحته في وقت كان فن البلاغة معروفا ، وكان البلغاء هم المقدمون عند الناس ، بحسن بيانهم وسمو فصاحتهم فجاء القرآن كالصاعقة ، أذلهم وأدهشهم وأفحمهم ، إنهم لا قبل لهم به فخنعوا له مهطعين عند ما عجزوا عن مجاراته وقصروا عن اللحاق بغباره ويدل على عجزهم أنه تحداهم باتيان عشر سور مثله ، فلم يقدروا ، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فنكصوا ، ولما علمنا عجزهم عن مجاراته مع تحديه لهم ، وعلمنا لجوءهم إلى المقاومة بالسنان دون اللسان علمنا أن القرآن من نوع المعجز ، وقد جاء به محمد بن عبد الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مقرونا بدعوى الرسالة فعلمنا أنه رسول الله جاء بالحق وصدق به صلّى الله عليه وآله.

* * *

١٦ ـ عقيدتنا في عصمة الأنبياء

ونعتقد أن الأنبياء معصومون قاطبة ، وكذلك الأئمة ـ عليهم جميعا التحيات الزاكيات ـ وخالفنا في ذلك بعض المسلمين فلم يوجبوا العصمة في الأنبياء فضلا عن الأئمة.

٥٣

والعصمة هي التنزه عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها وعن الخطأ والنسيان وإن لم يمتنع عقلا على النبي أن يصدر منه ذلك ، بل يجب أن يكون منزها حتى عما ينافي المروة كالتبذل بين الناس من أكل في الطريق أو ضحك عال وكل عمل يستهجن فعله عند العرف العام.

والدليل على وجوب العصمة أنه لو جاز أن يفعل النبي المعصية أو يخطأ وينسى وصدر منه شيء من هذا القبيل ، فإما أن يجب اتباعه في فعله الصادر منه عصيانا أو خطأ أو لا يجب ، فإن وجب اتباعه فقد جوزنا فعل المعاصي برخصة من الله تعالى ، بل أوجبنا ذلك وهذا باطل بضرورة الدين والعقل ، وإن لم يجب اتباعه فذلك ينافي النبوة التي لا بد أن تقترن بوجوب الطاعة أبدا.

على أن كل شيء يقع منه من فعل أو قول فنحن نحتمل فيه المعصية أو الخطأ ، فلا يجب اتباعه في شيء من الأشياء ، فتذهب فائدة البعثة ، بل يصبح النبي كسائر الناس ليس لكلامهم ولا لعملهم تلك القيمة العالية التي يعتمد عليها دائما ، كما لا تبقى طاعة حتمية لأوامره ولا ثقة مطلقة بأقواله وأفعاله.

وهذا الدليل على العصمة يجري عينا في الإمام ؛ لأن المفروض فيه أنه منصوب من الله تعالى لهداية البشر خليفة للنبي على ما سيأتي في فصل الإمامة.

* * *

٥٤

١٧ ـ عقيدتنا في صفات النبي صلّى الله عليه وآله

ونعتقد أن النبي كما يجب أن يكون معصوما ، يجب أن يكون متصفا بأكمل الصفات الخلقية والعقلية وأفضلها ، من نحو الشجاعة والسياسة والتدبير والصبر والفطنة والذكاء ، حتى لا يدانيه بشر سواه فيها ؛ لأنه لو لا ذلك لما صح أن تكون له الرئاسة العامة على جميع الخلق ، ولا قوة ادارة العالم كله.

كما يجب أن يكون طاهر المولد أمينا صادقا منزها عن الرذائل قبل بعثته أيضا ، لكي تطمئن إليه القلوب وتركن إليه النفوس بل لكي يستحق هذا المقام الإلهي العظيم.

* * *

١٨ ـ عقيدتنا في الأنبياء وكتبهم

نؤمن على الإجمال بأن جميع الأنبياء والمرسلين على حق ، كما نؤمن بعصمتهم وطهارتهم وأما إنكار نبوتهم أو سبهم أو الاستهزاء بهم فهو من الكفر والزندقة ؛ لأن ذلك يستلزم انكار نبينا الذي اخبر عنهم وصدقهم.

أما المعروفة أسماؤهم وشرائعهم كآدم ونوح وإبراهيم وداود وسليمان وموسى وعيسى وسائر من ذكرهم القرآن الكريم باعيانهم ، فيجب الإيمان بهم على الخصوص ومن أنكر واحدا منهم فقد أنكر

٥٥

الجميع وأنكر نبوة نبينا بالخصوص.

وكذلك يجب الايمان بكتبهم وما نزل عليهم ، وأما التوراة والإنجيل الموجودان الآن بين أيدي الناس ، فقد ثبت أنهما محرفان عما انزلا ، بسبب ما حدث فيهما من التغيير والتبديل والزيادات والاضافات ، بعد زماني موسى وعيسى ـ عليهما السلام ـ بتلاعب ذوي الأهواء والأطماع ، بل الموجود منهما أكثره أو كله موضوع بعد زمانهما من الأتباع والأشياع.

* * *

١٩ ـ عقيدتنا في الإسلام

نعتقد أن الدين عند الله الإسلام وهو الشريعة الإلهية الحقة التي هي خاتمة الشرائع وأكملها وأوفقها في سعادة البشر ، وأجمعها لمصالحهم في دنياهم وآخرتهم وصالحة للبقاء مدى الدهور والعصور ، لا تتغير ، ولا تتبدل ، وجامعة لجميع ما يحتاجه البشر من النظم الفردية والاجتماعية والسياسية ، ولما كانت خاتمة الشرائع ولا تترقب شريعة اخرى تصلح هذا البشر المنغمس بالظلم والفساد ، فلا بد أن يأتي يوم يقوى فيه الدين الإسلامي فيشمل المعمورة بعد له وقوانينه.

ولو طبقت الشريعة الإسلامية بقوانينها في الأرض تطبيقا كاملا صحيحا لعم السلام بين البشر وتمت السعادة لهم ، وبلغوا اقصى ما يحلم به الإنسان من الرفاه والعزة والسعة والدعة والخلق الفاضل ،

٥٦

ولا نقشع الظلم من الدنيا ، وسادت المحبة والإخاء بين الناس أجمعين ، ولا نمحى الفقر والفاقة من صفحة الوجود.

وإذا كنا نشاهد اليوم الحالة المخجلة والمزرية عند الذين يسمون أنفسهم بالمسلمين ، فلأن الدين الإسلامي في الحقيقة لم يطبق بنصه وروحه ابتداء من القرن الأول من عهودهم ، واستمرت الحال بنا ـ نحن الذين سمينا أنفسنا بالمسلمين ـ من سيئ إلى أسوأ ، إلى يومنا هذا ، فلم يكن التمسك بالدين الإسلامي هو الذي جر على المسلمين هذا التأخر المشين ، بل بالعكس ، إن تمردهم على تعاليمه واستهانتهم بقوانينه وانتشار الظلم والعدوان فيهم من ملوكهم إلى صعاليكهم ، ومن خاصتهم إلى عامتهم ، هو الذي شل حركة تقدمهم ، وأضعف قوتهم وحطم معنوياتهم ، وجلب عليهم الويل والثبور ، فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم. (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) تلك سنة الله في خلقه (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) ، (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) ، (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).

وكيف ينتظر من الدين أن ينتشل الامة من وهدتها وهو عندها حبر على ورق لا يعمل بأقل القليل من تعاليمه. من الإيمان والأمانة والصدق والاخلاص وحسن المعاملة والايثار وأن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه وأشباهها من أول اسس دين الإسلام ، والمسلمون قد ودعوها من قديم أيامهم إلى حيث نحن الآن ، وكلما تقدم بهم الزمن وجدناهم أشتاتا وأحزابا وفرقا يتكالبون على الدنيا ويتطاحنون

٥٧

على الخيال ويكفر بعضهم بعضا بالآراء غير المفهومة ، أو الامور التي لا تعنيهم ، فانشغلوا عن جوهر الدين وعن مصالحهم ومصالح مجتمعهم بأمثال النزاع في خلق القرآن ، والقول بالوعيد والرجعة وأن الجنة والنار مخلوقتان أو سيخلقان ونحو هذه النزاعات التي أخذت منهم بالخناق وكفّر بها بعضهم بعضا ، وهي وإن دلت على شيء فإنما تدل على انحرافهم عن سنن الجادة المعبدة لهم إلى حيث الهلاك والفناء ، وزاد الانحراف فيهم بتطاول الزمان حتى شلهم الجهل والضلال وانشغلوا بالتوافه والقشور وبالأتعاب والخرافات والأوهام وبالحروب والمجادلات والمباهاة ، فوقعوا بالأخير في هاوية لا قعر لها يوم تمكن الغرب المتيقظ العدو اللدود للإسلام من أن يستعمر هذه البقاع المنتسبة إلى الإسلام وهي في غفلتها وغفوتها ، فيرمى بها في هذه الهوة السحيقة ولا يعلم إلّا الله تعالى مداها ومنتهاها (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ).

ولا سبيل للمسلمين اليوم وبعد اليوم إلّا أن يرجعوا إلى أنفسهم فيحاسبوها على تفريطهم ، وينهضوا إلى تهذيب أنفسهم والأجيال الآتية بتعاليم دينهم القويمة ، ليمحوا الظلم والجور من بينهم ، وبذلك يتمكنون من أن ينجوا بأنفسهم من هذه الطامة العظمى ، ولا بد بعد ذلك أن يملأ الارض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ، كما وعدهم الله تعالى ورسوله ، وكما هو المترقب من دينهم الذي هو خاتمة الأديان ولا رجاء في صلاح الدنيا واصلاحها بدونه ، ولا بد من إمام ينفي عن الإسلام ما علق فيه من أوهام وألصق فيه من بدع وضلالات ،

٥٨

وينقذ البشر وينجيهم مما بلغوا إليه من فساد شامل وظلم دائم وعدوان مستمر واستهانة بالقيم الأخلاقية والأرواح البشرية ـ عجل الله فرجه وسهل مخرجه ـ.

* * *

٢٠ ـ عقيدتنا في مشرع الاسلام

نعتقد أن صاحب الرسالة الإسلامية هو محمّد بن عبد الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وهو خاتم النبيين وسيد المرسلين وأفضلهم على الاطلاق ، كما أنه سيد البشر جميعا ، لا يوازيه فاضل في فضل ولا يدانيه أحد في مكرمة ، ولا يقاربه عاقل في عقل ولا يشبهه شخص في خلق ، وأنه لعلى خلق عظيم ، ذلك من أول نشأة البشر إلى يوم القيامة.

* * *

٢١ ـ عقيدتنا في القرآن الكريم

نعتقد أن (القرآن) هو الوحي الإلهي المنزل من الله تعالى على لسان نبيه الأكرم ، فيه تبيان كل شيء وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة ، وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف ، وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل على النبي ، ومن ادعى فيه غير ذلك فهو مخترق كاذب ، أو مغالط ، أو مشتبه وكلهم على غير هدى ، فإنه كلام الله الذي

٥٩

(لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ).

ومن دلائل اعجازه أنه كلما تقدم الزمن وتقدمت العلوم والفنون فهو باق على طراوته وحلاوته ، وعلى سموّ مقاصده وأفكاره ، ولا يظهر فيه خطأ في نظرية علمية ثابتة ، ولا يتحمل نقض حقيقة فلسفية يقينية ، على العكس من كتب العلماء وأعاظم الفلاسفة مهما بلغوا في منزلتهم العلمية ومراتبهم الفكرية ، فإنه يبدو بعض منها على الأقل تافها ، أو نابيا ، أو مغلوطا ، كلما تقدمت الأبحاث العلمية ، وتقدمت العلوم بالنظريات المستحدثة ، حتى من مثل أعاظم فلاسفة اليونان كسقراط وافلاطون وأرسطو الذين اعترف لهم جميع من جاء بعدهم بالابوة العلمية والتفوق الفكري.

ونعتقد أيضا بوجوب احترام القرآن الكريم ، وتعظيمه بالقول والعمل ، فلا يجوز تنجيس كلماته حتى الكلمة الواحدة المعتبرة جزءا منه ، على وجه يقصد أنها جزء منه ، كما لا يجوز لمن كان على غير طهارة أن يمس كلماته أو حروفه (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) سواء كان محدثا بالحدث الأكبر كالجنابة والحيض والنفاس ، وشبهها أو محدثا بالحدث الأصغر حتى النوم ، إلّا إذا اغتسل أو توضأ على التفاصيل التي تذكر في الكتب الفقهية.

كما أنه لا يجوز احراقه ولا يجوز توهينه بأي ضرب من ضروب التوهين الذي يعد في عرف الناس توهينا مثل رميه أو تقذيره أو سحقه بالرجل ، أو وضعه في مكان مستحقر ، فلو تعمد شخص توهينه وتحقيره بفعل واحد من هذه الامور وشبهها فهو معدود من المنكرين

٦٠