عقائد الإماميّة

الشيخ محمّد رضا المظفّر

عقائد الإماميّة

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
الطبعة: ١٢
ISBN: 978-964-438-093-8
الصفحات: ١٣٥

١

لمحات من حياة الشيخ المظفر (*)

اسرته :

اسرة المظفر من الإسر العلمية في النجف الأشرف؟ ، عرفت فيما في أواسط القرن الثاني عشر وقطن بعض رجالها. (الجزائر) التابعة للواء البصرة.

وكان الفقيه المحتهد الشيخ محمد بن عبد الله والد الفقيه الشيخ محمد رضا المظفر من علماء النجف من علماء النجف ومراجع التقليد فيها (نشأ في النجف وترعرع فيها ، وكان في عنفوان شبلبه منقطعاً الى الجد والتحصيل ، مكبا على العبادة والتدريس ، الى أن برع في الفقه وعرف بجودة التحقيق فيه) وألف موسوعة فقهية جليلة شرح فيها كتاب (شرائع الاسلام) وسماها (بتوضيح الكلام) وقد استقصى فيها الفقهمن مبدأه الى منتهاه (١).

ولادته :

ولد الشيخ محمد رضا المظفر في اليوم الخامس من شعبان عام ١٣٢٢ بعد وفاة والده بخسسة أشهر فلم يقدر الله تعالى أن يظفر الطفل الرضيع برؤية والده ولا الوالد أن يظفر برؤيتة والره ولا الوالد أن يظفر برءية ولده فكفله أخوه الأكمبر الشيخ عبد النبي المتوفى سنة ١٣٣٧ وأولاه من عنايته وعطبه ما أغناه عن عطف الابوة.

نشاته الفكرية :

نشأ الشيخ المظفر في البينة النجفية ، وتقلئب في مجالها ونواديها وحلقابها ومحاضرها ومدارسها ، وحضر فيها حلقات الدراسة العالية ؛ وتحرج على كبار مراجع التقليد والتدريس ، وترعرع في هذا البيت العريق من بيوتات النجف العلمية ، وتعهد رعايه وتربيته أخواه العلمان الشيخ عبد النبي والشيخ محمد حسن.

__________________

(*) فصل مستل من كتاب (مدرسة النجف).

(١) آل المظفر : الشيخ محمود المظفر.

٢

وابتدأ حياته الدراسية بما يتعارف عليه الطالب النجفي من حضور الدراسات الأدبية والفقهية والاصولية والعقلية , وتتلمذ على الشيخ محمد طه الحويزي في الأدب والأصول كما أبقن الشعر ، وبرع في ذلك كله ، تتلمذ على غيره من أساتذة دروس مرحلة السطوح في ذلك الوقت ، وبرز الشيخ الفقيد في ذلك كله.

وبعد ان انهي الدور الاعدادي (السطح) تفرغ للدراسات العالية في الفقه والاصول والفلسفة.

وحضر فيها على أخيه الشيخ محمد حسن مع أخيه الآخر الشيخ محمد حسين كما حضر درس الشيخ اقا ضياء الدين العراقي في الاصول محمد حسين كما حضر درس الشيخ مرزا محمد حسين النائيني في الفقه والاصول وحضر بصورة خاصة أبحاث الشيخ محمد حسين الاصفهاني رحمه الله في الفقه والاصول والفلسفة الالهية العالية.

وانطبع الشيخ المظفر كثيرا با راء استاذه الشيخ الاصفهاني في الاصول والفقه والفلسفة وجرى على نهجه في البحث في كتابه (اصول الفقه) ، حيث تبع منهجه في تبويب الاصول ، كما يشير هو الى ذلك في ابتداء الكتاب ؛ كما تأثر بمبانيه الخاصة على ما يظهر ذلك من خلال كتابه الكبير (اصول الفقه) فيما انجز من هذا الكتاب. وكان يجله اجلالا كبيراً ، كلما جرى له ذكر ، او اتيح له أن يتحرث عنه ، ويخلص له الحب الاحترام ، أكثر مما يحلص تلميذ لاستاذه.

ويلبس القاري ء هذا الشعور والوفاء فيما كتب المظفر عن استاذه في مقدمات كتبه الفقهية والفلسفية وفي مقدمة الاصفار وغيرها من رسائله ومقالاته.

وتخرج كذلك على مشايخه في الفقه والاصول والفلسفة ، واستقل هو بالاجتهاد والنظر والبحث وشهد له شيوخه بذلك.

وكان خلال ذلك كله يشتغل بالتدريس على مستوى الدراسات الاعدادية

٣

والدراسات العالية في الفقه والاصول والفلسفة.

ذلك كله خارج مدارس منتدى النشر وكليتها اما فيها فقد نذر حيابه على تنميتها وتطويرها بمختلف الالوان.

وكان يقوم فيها بتدريس الأدب والمنطق والفلسفة والفقه والاصول من المستوى الاولي الى المستوى العالى ، لا تمتعه من ذلك مكانته المرموقة في الحوزة ، ولا امكانياته الفكرية العالية.

وكم رأينا الشيخ محمد رضا المظفر يحاضر على الصفوف الاولى من مدارس منتدى النشر ، ويتلقى اسئلتهم برحابة صدر ، ويدفعهم الى البحث والدرس والتفكير ، ويحشر نفسه معهم ، حتى كان يبدو للانسان ، لاول وهلة ، انه يخاطب زملاء له في الدراسة ، لا طلابا بهذا المستوى.

وكان الشيخ يمتاز فوق ذلك كله بعمق النظر ودقة الالتفاته وسلامة الذوق وبعد التفكير فيما تلقينا عنه من الفقه والاصول والفلسفة.

وقد حاول الشيخ في بدء حياته الدراسية أن يلم بعلوم الرياضة والفلك والطبيعة والعروض.

فقد اتفق أن وقعت يد الشيخ على طرف من الثقافة العصرية ، وهو في بدء شبابه ، فتذوقها ،وحاول أن يشق طريقا الى هذا اللون الجديد من الثقافة واتفق مع آخرين ممن كانوا يتذوقون هذا اللون الجديد من الثقافة على أن يراسلوا بعض المجلات العلمية كالمقتطف وبعض دور النشر لتبعث اليهم هذه الصحف والكتب التي تحمل اليهم هذا اللون الجديد من الفكر.

وأتيح للشيخ فيما بعد أن يستمر على هذه الحالة ويواكب الحركة الفكرية الناشئة ويأخذ نصيلا وافرامن هذه (العلوم الجديدة)، كما كانوا يسمونها ، ويتأثر بها تأثرا بالغا الى جنب تأثره بشيوخه في الفقه والاصول والفلسفة.

٤

آثار العلمية :

كان النشاط العلمي والكتابة والتأليف يشكل جزْا م هما من رساله الشيخ محمد رضا المظفر ونشامله.

واذا ضممنا بشاطه العلمي في التأليف والنشر الى نشاطه الاصلاحي على الصعيد العام والصعيد الدراسي للمسنا جانبا من هذا الجهد الكبير الذي كان يذله الشيخ في حياته.

وفي كتابات الشيخ يقترن جمال التعبير وسلامة الاداء وجدة الصوغ وروعة المرض بخصوبة المادة ودقة الفكرة وعمق النظرة وجدة المحتوى ويتألف منها مزيج من العلم والأدب يشبع العقل ويروي العاطفة.

فقد كان يجري في الكتابة ، كما يجري الماء ، من غير أن يظهر عليه شىء من الكلفة أو التصنع ، وينساق القارىء معه كما ينساق الماء على منحدر من الارض ، من دون أن يعرقل سيره شى ولا يصطنع في الكتابة هذه المحسنات البديعية التي تصرف الكاتب عن الانسياق مع الفكرة وتصرف القارى ء عن مجاراة الموضوع.

والمواضيع التي كان يتناولها بالكتابة والبحث مواضيع علمية كالاصول والمنطق والفلسفة ، يعسر على الاديب أن يصوغها صياعة أدبية أو يفرغها في قالب أدبي من التعبير. وقد توفق في كتابه (أحلام اليقظة) حيث يناجي فيها صدر المتألهين ويتحدث معه فيما يتعلق بنظرياته في الفلسفة الالهية العلية ويتلقى منه الجواب بصورة مشروحة وبعرض قصصي جميل.

ولا ابالغ اذا قلت ان الكتاب فبح كبير في الكتابة الفلسبية فلت تشكو الفلسفة شيئا كما تشكو الكتابة التي لا تخصع لها أداتها.

وقد حاول الشيخ المظفر ان يخضع الكتابة للفلسفة أو يخضع الفلسفة للكتابة ، ويجمع بينهما في كتابه هذا.

٥

وتمتاز كتابات الشيخ المظفر بعد ذلك بروعة. العرض والتنسيق ، حتى أن كل نقطة من البحث تأتي في موضعها الطبيعي ولا تتغير عن مكانها الخاص حتى تختل أطراف البحث ، ويبدو عليه الاضطراب ويتجلى توفيق الكاتب في التنسيق في كتاب (المنطق) أكثر من غيره ، ففي هذا الكتاب يجد القارى ء كيف تأخذ المواضيع بعضها برقاب بعض ، وكيف يترتب كل موضوع على سابقه في تسلسل طبيعي ، من غير ان يحيل الطالب الى موضوع آخر في غير هذا الكتاب أو الى ما يمر عليه فيما بعد.

ويعتبر الكتاب الانضمام الى شقيقاته (الاصول) و(الفلسفة) التي لم يقدر الله لها ان تظهر كاملة .. تجديدا في كتابة الكتب الدراسية وفتحا في هذا الباب ، وعسى أن يقيض الله من يتابع خطوات الشيخ المظفر في هذا السبيل.

ويجد ملامح هده الجدة في البحث والتحليل واضحة قوية في كتابه (السقيفة) عندما يحلل اجتماع المسلمين في سقيفة بني ساعدة ، وما حدث هناك.

وعندما يتحدث عن موقف المهاجرين والأنصار من مساألة الخلافة وموقف الامام مع الخلفاء.

كما يجد هذه الجدة في المنطق. عندما يستعير العلامات المستعملة في الرياضات للنسب الأربع أو عندما يعرض للقاري ء بحث القسمة ، أو في غير ذلك مما يزدحم به هذا السفر القيم من تجديد البحث وجمال العرض وترابط الفكرة.

شعره :

وكان الشيخ المظفر يمارس النظم في شبابه بين حين آخر وله شعر متين رقيق الديباجة ، تجده منشورا في بعض الكتب والصحف. ويجد

٦

القارى ء فيه صوراشعرية طريعة ويلتقي فيه بآفاق أدبية جديدة.

وانصرف عنه بعد ذلك الى غيره من الشؤون الفكرية البناءة.

نور الشيخ في تطوير مناهج الدراسة والاصلاح :

كان الشيخ المظفر يحتل القمة من النشاط الاصلاحي في النجف الاشرف فقد ساهم في جميع الحركات الاصلاحية التي أدركها ، وكان فيها العضو البارز الذي يشار اليه بالبنان.

الا ان الفكرة الاصلاحية على قوتها وايمان أصحابها بضرورة تحقيقها في الحوزة العلمية .. كان يفقدها الوضوح والتفكير المنهجي في العلاج.

وقد قدر للشيخ فيما قدر له ، بفضل تجاربه الطويلة ، أن تنبلور لديه فكرة الاصلاح وتنظيم الدراسة والدعو ة أكثر مما تقدم.

واتيح له بفضل ما اوتيمن نبوغ وحكنة في معالجة هذه القضايا ان يكشف عن الجذور الاولى للمشكلة من هذه الجذور. والمشكلة فيما كان يبدو للشيخ تواجهنا في جهتين : في مجال الدراسة وفي مجال الدعوة :

ففي مجال الدراسة لاحظ الن التدريس في مدرسة النجف الاشرف ينتظم في مرحلتين :

١ ـ مرحلة المقدمات والسطوح. ٢ ـ مرحلة البحث الخارجي.

وتعتبر مرحلة السطوح دورا العدادياً ، بينما تعتبر مرحلة الخارج دوراً للتخصص في الاجتهاد.

وطبيعة هذه المرحلة تأبى أي تعديل قي شكلها ومحتواها ولا يمكن اخضاع هذه المرحلة من الدراسة لأي تنظيم منهجي خاص. ولا تتبع الدراسة في هذه المرحلة تنظيماً خاصاً ولا تكاد تشبه الدراسى بالمعنى المنهجي الذي نفهمه من الدراسة.

٧

وطبيعة هذا البحث لاتتحمل أي تحديد وتنظيم ، ولا يمكن حصر النقاش أو تحديد البحث بحد خاص ، كما لا يمكن أن يكون الامتحان داعيا الى البحث والدرس في هذا الدور.

والدور الاول وحده هو الذي يماني شيئا من النقض ويحتاج الى شىء من التوجيه والتيظيم.

ولا الحظ ان أسباب ذلك يرجع الى نقص في المادة وضعف في الاسلوب.

اما من حيث المادة فأن المادة التي يتلقاها الطالب النجفي في هذا الدور من الدراسة لا تزال في كثير من الاحوال تقصر على دراسة النحو والصرف والبلاغة والمنطق والتفسير والفقه والاصول ، مع توسع في المادتين الاخيريتين.

وهذه المواد على ما لها من الاهمية في تكوين ذهنية الطالب لاتنهض وحدها بواجبات الطالب الرسالية من توجيه ودعوة وتبشير وتثقيف. ولا يستطيع الطالب أن يقتصر على هذه المادة التي يتلقاها في هذا الدور لو أراد القيام بدوره من التوجيه والدعوه على أوسع نطاق.

ومن حيث الاسلوب لاحظ الشيخ المظفر ان الكتب الدراسية التي يتحاطاها الطالب النجفي في هذا الدور لا يزال يطغى عليها طابع الغموض والتعقيد ، مما يحوج الطالب الى أن يصرف جهدأً كثيراً في فهم العبارة وما يظهر عليها من غموض وتعقيد.

ذلك بالاضافة الى سوء التنظيم في تنسيق الابحاث.

ذلك فيما بخص تنظيم الدراسة. اما ما يخص الدعوة والتوجيه :

فقد وجد الشيخ المظفر أن أداة الدعوة المفضلة هي الخكابة والكتابة. والدعوة الاسلامية تعاني ضعفاً في هذين الجانبين.

اما فيما يخص الخطابة فقد كان رحمه الله يلاحظ ان اسلوب الخطابة في النجف بوضعها الحاضر لا يفي برسالة النجف بالشكل الذي يليق بمركزها الديني ولا يتم للخطيب أن يقوم بواجبه الاسلامي على نطاق واسع ، ما لم

٨

يطلع على آعاق الفكر الحديث وشؤون المعرفة التجريبية ، بالاضافة الى الاحاطة الكاملة بشؤون الفكر الاسلامي من فقه وتفسير وحديث وتاريخ وما الى ذلك.

وفيما يخص الكتابة الاسلامية كان يلاحظ ان مكانة النجف الدينية تتطلب منها أن تساهم في نشر الفكر الاسلامي على نطاق اوسع من الشكل الحاضر ، وان تنطلق الدعوة الاسلامية منها عن طريق الكتابة والتأليف والصحافة والنشر على أوسع مجال ، وان يشمل هذا التيار الفكري الذي ينطلق عنقا والذي يحمل معه الايمان والاصلاح في وضوح وجلاء أقطار العالم وأينما يحل انسان على ظهر هذا الكوكب. في الوقت الذي كان يلاحظ فيه ان مدرسة النجف لا تعوزها في كثير من الاحيان مادة الكتابة والبحث.

ومن جهة ثانية كان يلاحظ ان طابع الفردية هو الذي يغلب على الكتابة النجفية والابحاث التي يعرضها الكاتب النجفي فهي أقرب الى الجهد الفردي منه الى الجهد الجماعي.

ومن جهة ثالثه لم تتوفر في النجف في ذلك العهد مطابع ولا دور جاهزة للنشر تليق بالمادة العلمية الخصبة التي تعرضها النجف على المطبعة.

وكذلك اتيح للشيخ المظفر أن يدرس الحالة في النجف بموضوعية وشمول تامين.

ولكنه كان يعلم في نفس الوقت ان عرض المشكلة لا يؤدي الى شى ء ما لم تتضافر الجهود مخلصة صادقة لتلافي القص.

كان يعلم في نفس الوقت ان عرض المشكلة لا يؤدي الى شيء ما لم تتضافر الجهود مخلضة صارقة لتلافي النقص.

وكان يفلم أن الاصاليب السلبية لا تنفع لمواجة الحالة والهدم لا يفيد ولا ينهض بشىء ، ما لم يكن هناك بناء وراء ذلك ، وان العمل الاصلاحي لا ينفع في مثل هذه الظروف ، ما لم يكن مقرونا الي جراسة الوضع دراسة موضوعية شاملة والى الروية والتدرج في الملاج.

أدرك الشيخ كل ذلك وفكّر في ذلك كله طويلا ، وشمر عن ساعد الجد

٩

ليخوض ميدان العمل ، وهو يدري ان هناك عقبات صعابل تعرقل سيره في هذا الطريق.

وأول ما بدا له ايجاد جماعة واعية من اخوانه فضلاة الحوزة تفهم ملابسات الحياة النجفية وتفي واقع الرسالة الفكرية الضخمة التي تحملها النجف.

وفي رابع شوال عام ١٣٥٣ المصادف ١٠/١/١٩٣٥ قدم ثلة من الشباب الروحانيين (فيهم الشيخ) بيانا الى وزارة الداخلية يطلبون فيه تأسيس جمعية دينية بالنجف الاشرف باسم منتدى النشر مصحوبا بالنظام الاساسي وبعد اللتيا والتي أجازت الوزارة فتح المنتدى (١).

وأعقبها بمحاولة لتنظيم الدراسة ، وتبسيط الكتب الدراسية ، وتوضيع المناهج الدراسية ، ووجد أن الدراسة المنهجية هي الخطورة الأولى عي هذا الطريق ، ومهما كانت ضرورة الدراسة الفردية ،. ومهما قيل في جدواها فلابد أن ينضم الى هذا اللون من الدراسة لون آخرمن الدراسة يعتمد على نظام خاص. وبهذا الشكل حاول أن يحقق جزءا من الاصلاح.

فوضع في سنة ١٣٥٥ (الخطة لاأسيس مدرسة عالية للعلوم الدينية أو كلية للاجتهاد بفتح الصف الاول الذي كان يدرس فيه أربعه علوم الفقه الاستدلالي والتفسير وعلم الاصول والفلسفة على شكل محاضرات توضع بالغة سهلة واضحة ، فتبرع بتدريس الاول والثاني الشيخ عبد الحسين الرشتي. وكان تبرع هذين العالمين بالتدريس دراسة منظمة من أهم الاحذاث في تاريخ النجف الاشرف ويعد تحضحية نادرة منهما تذكر مدى الدهر بالتقدير والاعجاب بروحهما الاصلاحية. ولم تأت العطلة الصيفية الا وتعطل هذا الصف ليمود بعدها ولكنه أبى ولكنه أبى ولا يدري غير بعض أعضاء مجلس الادارة أكان اباؤه عن دلال أم ملال أم عن شىء آخر غير منتظر حتى من مثل هذين العالمين نفسهما.

__________________

(١) نظام منتدى النشر ١٣٧٠/ آب.

١٠

قاتل الله الشجاعة الادبية كيف تعز في أشد ظروف الحاجة اليها) (١).

وفي سنة ١٣٧٦ ه بعد محاولات عديدة وتجارب طويلة أسس الشيخ المظفر كلية الفقه في النجف الاشرف ، واعترفت بها وزارة المعارف العراقية سنة ١٣٧٧ يدرس فيها الفقه الامامي ، والفقه المقارن واصول المقارن والصول الفقه، والتفسير واصوله ، والحديث واصوله (الدراية) والتربية ، وعلم النفس ، والأدب وتاريخه ، وعلم الاجتماع ، والتاريخ الاسلامي ، والفلسفة الاسلامية ، والفلسفة الحديثة ، والمنطق ، والتاريخ الحديث ، واصول التدريس ، والنحو والصرف ، واحدى اللغاب الاجنبية.

وقد بذل فقيديا الشيخ حياته في سبيل. تنمية هذه المؤسسة باخلاص وايمان يعز مثله في نفوس المجاهدين ، فكان يقوم بتدريس الفلسفة الاسلامية وادارة الصفوف عند غياب بعض المدرسين ، في سائر العلوم. وكان في الوقت نفسه يعد مجلدات كتابه القيم (اصول الفقه) للتدريس في (كلية الفقه) ، ويلاشر مهام الادارة والعمارة والتأليف وحتى تدوين بعض سجلات في بعض الاحيان.

وكم رأيت الشيخ ، وهو يقوم بتوين بعض سجلات الطلبة ، أو طباعة بعض الرسائل بالآلة الطابعة.

وكذلك قامت المؤسسة على عاتق الشيخ الفقيد ، والودعها حياته ، وشيدها بحبات قلبه ، وبذل في سبيلها جميع امكانياته.

كل ذلك الى جنب الؤسسات والمشاريع الثقافية الاسلامية الاخرى التي أسسها الشيخ والتيح لها الاستمرار أو أصابها الفشل ... والى جنب حركة النشر والتأليف التي تعثها الشيخ في النجف كانت منها مجلتا البذرة والنجف.

وكان الشيخ المذفر محور الحركة في مختلف وجوه هذا النشاط ،وباعثها في كثير من الاحيان ، ولم يظهر على حديثه أو قلمه طيلة هذه المدة

__________________

(١)منتدى النشر أعماله وأماله ٨ ـ ٩ : الشيخ محمد رضا المظفر.

١١

ما يشعر بأنه شى ء يذكر في هذه المؤسسة الا يأتي حساب المسؤولية فيظهر الشيخ على المسرح ليتحمل هذه المسؤولية بنفس ثابتة وايمان قوي.

وما أكثر ما شوهد الشيخ يلقي دروسا على طلابه الناشئين أو يلقي عليهم نصائح وارشادات أو يقوم بتوجيههم بنفسه في روحانية وبساطة.

ولم يعرف الشيخ الفقيد حينا من الزمن معنى لكلمة (أنا) ولما يلابس هذه الكلمة من بغض وحب في غير ذات الله.

فقد كانت نفيه الكبيرى تضيق بما يسمى (بالبغض) ولا تعرف معنى للخصومة والعداء فاستمع اليه كيف يحدد موقفه من خصومه أو بالاحرى من خصوم المؤسسة (... وأنا أكثر اخوالي عذرا لجماعة كبيرة ممن وقف موقف المخاصم لمشروعنا ولا سيما الذين نطمئن الى حسن نواياهم وطمئنون الى حسن نوايانا).

وقلما تعهد أن تبلغ التضحية ونكران الذات فيمن رأينا من أصحاب الأفكار هذا الحد ... في سبيل الفكرة التي يؤمن بها الانسان.

وان من أحب الأشياء الي أن أختنم هذا الحديث بهذه الجملة الرقيقة التي تشف عن نفسية كاتبها الكبيرة (ونحن مستعدون لتضحية جديدة بأنفسنا فتنتحي عن العمل عندما نجد من يحبون أن ينهضوا به دوييا خصوصأ اذا اعتقدوا أنهم سيطون المشروع صبغة عامة بدخولهم وليثقوا أنا عمال للمشروع أينما كنا ومهما كانت سبغتنا فيه ولا نريد أن نبرهن بهذا القول على حين نوايانا. ان هذا لا يهمتل بقليل ولا كثير بعد الذي كان ، انما الذي يهسنا أن ينهض المشروع نهضة تليق بسمعة النجف ويؤدي الواجب الملقي على عاتقه كاملا ، وبأي ثمن ، حتى اذا كان ثمته أرواحنا , وما أرخضها في سبيل الواجب.

وقد صرحنا مراراً أننا لم نخط حتى اللآن الا خطوة قصيرة في سبيل ما يقصد من أهدافه) .... وكذالك كانت قصة النفس الكبيرة.

النجف الاشرف : محمد مهدي الآصفي

١٢

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

كانت دار النشر المعروفة بـ «مطبوعات النجاح بالقاهرة» قد كلفت الدكتور حامد حفني داود استاذ الأدب العربي بكلية الالسن ـ القاهرة بوضع مقدمة للكتاب في طبعته الثانية ، وقد تفضل الدكتور في حينه بهذه الكلمة القيمة ، ونحن اثرنا اعادة نشر ها في هذه الطبعة لما تمتاز به من واقعية واصالة.

الناشر

يخطي ء كثيراً من يدعي أنه يستطيع أن يقف على عقائد الشيعة الإمامية وعلومهم وآدابهم مما كتبه عنهم الخصوم ، مهما بلغ هؤلاء الخصوم من العلم والاحاطة ، ومهما أحرزوا من الأمانة العلمية في نقل النصوص وو التعليق عليها بأسلوب نزيه بعيد عن التعصب الأعمى.

أقول ذلك جازما بصحة ما أدعى بعد أن قضيت ردحا طويلا من الزمن أدرس فيه عقائد الأئمة الأثنى عشر بخاصة وعقائد الشيعه بعامة. فما خرجت من هذه الدراسة الطويلة التي قضيتها متصحا في كتب المؤرخين والنقاد من علماء أهل السنة بشىء ذى بال. وما زادني اشتياقي الى هذه الدراسة وميلي الشديد في الوقوف على دقائقها إلا بعدا عنها وخروجا عما أردت من الوصول الى حقائقها ... ذلك لأنها كانت دراسة بتراء أحلت نفسي فيها على كتب الخصوم لهذا المذهب وهو المذهب الذي يمثل شطر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

ومن ثم اضطررت بحكم ميلي الشديد الى طلب الحقيقة حيث

١٣

كانت ، والحكمة حيث وجدت ، والحكمة ضالة المؤمن ، أن أدير دفة دراستي العلمية لمذهب الأئمة الأثنى عشر الى الناحية الأخرى ، تلك هي دراسة هذا مامذهب في كتب أربابه وأن أتعرف عقائد القوم مما كتبه شيوخهم والباحثون المحققون من علمائهم وجهابذتهم. ومن البديهي أن رجال المذهب أشد معرفة لمذهبهم من معرفة الخصوم به ،مهما بلغ أولئك الخصوم من الفصاحة والبلاغة أو أوتوا حظا من اللسن والابانة عما في النفس.

وفضلا عن ذلك فان «الأمانة العلمية» التي هي من أوائل أسس «المنهج العلمي الحديث» ـ وهو المنهج الذي اخترته وجملته دستوري في أبحاثي ومؤلفاتي حين أحاول الكشف عن الحقائق المادية والروحية ـ هذه الأمانة المذكوره تقضي التثبت التام في نقل النصوص والدراسة الفاحصة لها. فكيف لباحث بالغا ما بلغ من المهارة العلمية والفراسة التامة في إدراك الحقائق أن يتحقق من صحة النصوص المتعلقة بالشيعة والتشيع في غير مصادرهم!! إذن لارتاب في بحثه العلمي ، وكان بحثه على غير أساس متين.

ذلك ما دعاني أن أتوسع في دراسة الشيعة والتشيع في كتب الشيعة أنفسهم وأن أتعرف عقائد القوم نقلا عما كتبوه بأيديهم وانطلقت به السنتهم لا زيادة ولا نقص ، حتى لا اقع في الالتباس الذي وقع فيه غيري من المؤرخين والنقاد حين تصدروا للحكم عن الشيعة والتشيع وإن الباحث الذي يريد أن يدرس مجموعة ما من الحقائق في غير مصادرها الأولى مظانها الأصلية انما يسلك شططاً ويفعل عبثا ، ليس

١٤

هو من العلم ولا من العلم في شى».

ومثل هذا ما وقع فيه العلامة «الدكتور أحمد أمين» حين تعرض لمذهب الشيعة في كتبه. فقد حاول هذا العالم أن يجلي للمثقفين بعضاً من جوانب ذلك المذهب فورط نفسه في كثير من المباحث الشيعية ، كقوله : إن اليهودية ظهرت في التشيع ، وقوله : إن النار محرمة على الشيعي إلا قليلا وقوله بتبعيتهم لعبد الله بن سبأ .... وغير هذا من المباحث التي ثبت بطلانها وبراءة الشيعة منها ، وتصدى لها علماؤهم بالنقد والتجريح ، وفصل الحديث فيها العلامة محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتابه «أصل الشيعة وأصولها».

وقد سرني وأنا أتعقب مصادر الشيعة الامامية واصولها ومظانها الأولى أن التقي بصديق قديم وناشر عراقي كريم هو السيد مرتضى الرضوي الكشميري ويبده بعضا من عيون كتب الشيعة قام بطبحها في دور الطباعة باقاهرة. وكان مما أهداء الي هذا الناشر الفاضل كتاب «أصل الشيفة وأصولها» الآنف الذكر ، وكتاب «عبد الله بن سبأ» وأجزاء من كتاب «وسائل الشيعة» ، وغير هذا وذاك من عيون كتبهم في العقائد الشيعية والفقه الشيعي.

واليوم قدم الى السيد مرتضى الكشميري كتاباً جديداً للاستاذ محمدرضا المظفر عميد كلية الفقه في النجف الأشرف ، ألفه في عقائد الامامية. وطلب مني أن أكتب مقدمة لهذا السفر الجليل وأن أبدي رأيي الصريح حوله بعد أن أكد العزم على طبعه ونشره. وما كدت أتصفح هذا السفر حتى ملك علي َّ إعجابي للذي جمفه فيه مؤلفه بين

١٥

العرض الدقيق لعقائد الامامية والأ داء الواضح المفصح عما يمنيه الكاتب. فلا يكاد الكتاب يمتسمك بما حواه من عقائد الشيعة وتنبعها في صورة رتيبة منظمة وأداء مبوئب مفصل حتى يبهرك بجمال عبارته وإشراق ديباجته. وهو فوق هذا وذاك يجمع بوجه عام بين الافادة التامة التي يبغيها الباحثون في كتب الشيعة ، والايجاز والتركز فيما يريد الكاتب أن يعرضه على قرائه. فالكتاب على هذا النحو الذي يمنيه المؤلف حين يعرض بين يديك عقائد الامامية يعتبر مصدرا جامعا مانعا ملما بأطراف الموضوع من جميع نواحيه وأن كان في غاية من التزكيز والإيجاز.

ولست في هذا المفام أعني بما كتبت إطراء الكاتب أو تقريظه بالمدح والثناء البالغ بقدر ما أنا أبغيه من أنصاف الحقيقة وتجليتها لقراء هدا السفر الصغير ، عإن شيئاً من ذلك يعتبر في نظري من أوليات المبادىء العلمية التي يهدف اليها الباجثون حين يصورون الحقائق ويضعولها في موضعها اللائق بها.

لذلك فإني أعرض على القارى. الكريم صورا جميلة مما حواه هذا السفر الصفير في حجمه ومبناء الضخم في أفكاره ومعانيه ، هذا السفر الذي شحنه مؤلفه بالأدلة والبراهين وطرزه بالحجج والشواهد من القرآن تارة أخرى. هذه الصور الجميلة ـ التي سأعرضها عليك ـ لا أشك في نها ستستوقف القارىء المطلع كما استوقفتني وستستهويه كما استهوثني وأن لم يطالع هذا التقديم الذي كتبه ،

١٦

فكثيرا ما ترتبط المشاعر بين الباحثين والقراء وتتوحد أهدافهم في الحكم على الافكار والمعاني لأن الحق واحد لا يتعدد ما دام القائلون به والحاكمون عليه يرسلون أحكامهم من زاوية عققولهم قبل قلوبهم ، وأفئدتهم قبل أهواههم ، وما داموا نيصفون ولا يتعصبون.

ومن هذه الصور التي تستوقف القارىء مسألة القول بـ «الاجتهاد» عند الامامية , فإن الصورة المتوارثة عن جهابذة أهل السية أن الاجتهاد قفل بابه بأئمة القفه الأربعة : أبي حينفة ، ومالك. والشافعي ، وابن حنبل. هذا اذا عنينا الاجتهاد المطلق. اما ما حاوله الفقهاء بعد هؤلاء من اجتهاد لا يعدو أن يكون اجتهادا في المذهب أو اجتهادا جزئيا في القروع. وأن هذا ونحوه لايكاد يتجاوز عند أهل السنة القرن الرابع بحال من الأحوال أما ما جاء عن الغزالي في القرن الخامس ، وأبو طاهر السلفي في القرن السادس ، وعز الدين السبكي والمبتدع (١) ابن تيمية في القرن الثامن ، والعلامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في القرن التاسع ... فإن هذا ونحوه لا يتجاوز ـ في نظر المنهج العلمي الحديث ـ باب الفتوى ولا يدخل في شي من الاجتهاد ، وهو القدر الذي أوضحناء في كتابنا «تاريخ التشريع الاسلامي في مصر».

__________________

(١) ذهب كثير من علماء السنة الى القول بابتدامه أما الصوعية فانهم اجمعوا على ذلك. وقد كانت بين الامام تقي الدين السبكي وابن تيمية مساجلات فى نواح كثيرة من الفقه والعقيدة انظر كتابنا : «تاريخ التشريع الاسلامي عي مصر».

١٧

أما علماء الشيعة الامامية فإنهم يبيحون الأنفسهم الاحجتهاد في جميع صوره التي حدثناك عنها ـ ويصرون عليه كل الاصرار ولا نقفلون بابه دون علمائهم في أي قرن من من القرون حتى نومنا هذا. واكثر من ذلك نراهم يفترضون بل يشترطون وجود «المجتهد المعاصر» بين ظهرائيهم ويوجبون على الشيعة اتباعه رأساً دون من مات من المجتهدين ، ما دام هذا المجتهد المعاصر استمد مقومات اجتهاده ـ أصولها وفروعها ـ ممن سلفه من المجتهدين وورثها عن الأئمة كابرا ً عن كابر. وليس هذا غاية ما يلفت نظري أو يستهوي فؤادي في قولهم بالاجتهاد , وإنما الجميل والجديد في هذه المسألة أن الاجتهاد على هذا النحو الذي تقرء عنهم يساير سننن الحياة وتطورها ويجعل النصوص الشرعية حية متحركة ، نامية منظورة ، تتمشى مع نواميس الزمان والمكان ، علا تجمد ذلك الجمود المضد الذي يباعد بين الدين والدنيا أو بين العقيده والتطور العلمي ، وهو الأمر الذي نشاهده في أكثر المذاهب التي تخالفهم. ولعل ما تلاحظه من كثرة عارمة في مؤلفات الامامية وتضخم مطرد في مكتبة التشيع راجع ـ في نظرنا ـ الى فتح الباب الاجتهاد على مصراعيه.

أما الصورة الثانية التي تلفت أنظار المفكرين وتفريهم الى تتبع فرائد هذا المذهب وتحملهم على التعمق في مسائله هي مناقشة علماء الشيعة المامية مسألة «الحسن» والقبح في الاشياء ، وهل الشىء الحسن حسن بذاته وبحكم طبيعته ، أم هو حسن لأن الله أمر به وأقره لعباده!! وكذلك يقولون في الشىء القبيح ، أهو قبيح لذاته وطبيعته التي أودعت فيه ، أم أن القبح جاء اليه من تحريم الله سبحانه

١٨

وتعالى له!!

فأنت حين تقرأ هذا وتتبع ما قاله الؤلف عن عقائد الامامية تلحظ بنفسك قولهم بالرأي الأول في الحسن والقبح. فهما في نظر الشيعة بعامة والامامية بخصة جوهريان ذابيان في الأشياء وليسا آتين من قبل أمر الله ونهيه ، وذلك نهج يستوقف نظر الكثيرين من الباحثين ويدوعوهم الى الدهشة وإطالة الفكر والتأمل.

أما نحن فلا نجد في ذلك أدنى دهشة أو التباس في الأمر. ذلك أن الشيعة الامامية كانوا يأخذون في الكثير من مواطن الأحكام الدينية بمنهج العقل بقدر أخذهم بمنهج النقل وأن رأيهم في الحسن والقبح الذاتيين هو رأي جهابذة المعتزلة.

ويبقى هيا سؤال واحد يستلزم منا أن نجيبك عليه ،هو : هل تأثر الشيعة بالمعتزلة؟ أم تأثر المعتزلة بالشيعة؟ فأما جمهور الباحثين فيرون أن الشيعة تأثروا بالمعتزلة في الأخذ بالمنهج العقلي. ولكني أزعم لك أن المعتزلة هم الذين تأثروا بالشيعة ، وأن التشيع كعقيدة سابق على الاعتزال كعقيدة ، وأن الاعتزال ولد ودرج في أحضان التشيع ، وأن رءوس الشيعة كانوا أسبق في الوجود من جهابذة المعتزلة. أزعم لك ذلك ما دمنا نسلم بالحقائق التاريخية ، وما دمنا لا نشك في أن الرعيل الأول من الشيعة أخذوا في الظهور منذ عصر الراشدين وتطوروا في خلافة الامام علي كرم الله وجهه في صورة لا تقبل الجدل , وما كاد الامام يستشهد ظلما وعدواناً وينتقل الى الدار الآخرة حتى أصبح للشيعة حزب يناهض جميع الأحزاب السياسية والدينية في الاسلام.

١٩

ومن هنا أستطيع أن أحلي للقارىء المتدبر أن التشيع ليس كما يزعمه المخرفون والسفيانيون من الباحثين مذهباً تقلياً محضاً أو قائماً على الآثار الدينية المشحونة بالخرافات والأوهام والاسرائيليات ، أو مستمداً في مبادئه من عبدالله بن سبأ وغيره من الشخصيات الخيالية في التاريخ ، بل التشيع ـ في نظر منهجنا العلمي الحديث ـ على عكس بما يزعمه الخصوم تماماً ، فهو المذهب الاسلامي الأول الذي عنى كل العناية بامنقول والمعقول جميعاً ، ولستطاع أن يسلك بين المذاهب الاسلامية طريقاً شاملا واسع الآفاق. ولو لا ما امتاز به الشيعة من توفيق بين «المعقول» و«المنقول» لما لمسنا فيهم هذه الروح المتجددة في الاجتهاد وتطوير مسائلهم الفقهية مع الزمان والمكان بما لا يتنافي مع روح الشريعة الاسلامية الخالدة.

ودعني أعرض عليك «صورة ثالثة» قد يخيل إليك أنها تتنافى مع المنهج العقلي الذي حدثناك عنه في الصورة السالفة ، ألا وهي عناية الشيعة بزيارة القبور وزيارة أضرحة الأولياء والأئمة من آل البيت وتعبدهم بجوار مقاماتهم كإقامة الصلوات المفروضة ونشر مجالس العلم وإحياء ذكرى أئمتهم الاثنى عشر ، فإن شيئاُ من ذلك في نظر المعاصرين من المسلمين والتجريبييين الآخذين بالعقل والرأي يعتبر أباطيل وخرافات با هناك من الفرق الاسلامية من يعتبر ذلك كفراً ومروقاً وخرافات بل هناك من الفرق الاسلامية من يعتبر ذلك كفراً ومروقاً من الدين ولاسيما أتباع أحمد بن عبدالحليم بن تيمية ، واتباع تلميذه التاريخي محمد بن عبدالوهاب النجدي مؤسس المذهب الوهابي ، وغير هؤلاء جماعة من معاصرينا لترفع بالقلم عن ذكرهم.

٢٠