رحلة أفوقاي الأندلسي

أحمد بن قاسم الحجري أفوقاي

رحلة أفوقاي الأندلسي

المؤلف:

أحمد بن قاسم الحجري أفوقاي


المحقق: د. محمّد رزوق
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-36-504-0
الصفحات: ١٨٨

بالأعجمية (١٨٩) يطلب مني أن أكلم السلطان في فدائه. وقرأت الرسالة ، وبان لي مما كتب أنه من أكابر علمائهم. وكان في أعلى البراءة صليب مكتوب كما هي من عادتهم ، فكتبت له الجواب ، وقلت له أن يصير حتى نجد مفصلا (١٩٠) للكلام مع السلطان. ولما أنه صدر في أعلى كتابه الشرك بصورة الصليب الذي يعبدونه ، كتبت أن في أعلى الكتاب توحيد الله تعالى الذي هو ضد الشرك ، وكتبت بالأعجمية : بسم الله الواحد في ذاته ، واحد في صفاته ، واحد في أفعاله. وبعد أن قرأ الجواب كتب لي براءة ثانية ، وذكر فيها كلاما عن الذات الكريمة ، والصفات ، والأفعال ، موافقا لتوحيد المسلمين. ثم قال الله تبارك وتعالى : خلق آدم على هيئته ، أو على مثاله. وهذا القول هو ابتداء شركهم ، لأن مرادهم بالتشبيه أن سيدنا عيسى عليه‌السلام له أصل في ذلك الخلقة للألوهية ، التي يقولون فيه ـ لعنهم الله وأخزاهم ـ. ثم كتبت له الجواب على الكفر الذي ذكر في كتابه ، وقلت له : الله تعالى منزه عن الشبيه ، والمثال.

وبرهان ذلك أن أبانا آدم عليه‌السلام ولا شيء من جميع المخلوقات ، فلا تشبه إلى الله تعالى في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله. أما ذات الإنسان فهي حادثة ، والله تبارك وتعالى قديم ، والإنسان فان ، والله تعالى باق على الدوام ، والإنسان مفتقر أبدا إلى المحل ، والله تعالى غني عنه ، وقائم بنفسه ، والإنسان مفتقر أبدا ، والله تبارك وتعالى هو الغني ، وكل ما سواه مفتقر إليه. وأما الإنسان فله صفات مختلفات لصفات الله تعالى. فالإنسان له سمع ، وبصر ، وكلام ، وقدرة حادثة ، وعلم ، وغير ذلك من الصفات. أما السمع فيسمع الإنسان ما هو قريبا منه ، وإذا تكلم إليه جماعة من الناس في حين واحد ، فلا يفهم ما يقولون إلا أن يتكلم واحد وحده ، ويكون الكلام باللغة التي يعرف هو ، والله تبارك وتعالى يسمع البعيد والقريب ، وما تقوله جميع المخلوقات بلسان المقال ، ولسان الحال ، وما في الضمائر في حين واحد ، ولا يشغله شيء عن شيء. وأما البصر فالإنسان يبصر القريب بشروط ، مثل الضوء ، وأن

__________________

(١٨٩) «ب» : بالعجمية.

(١٩٠) «ب» : موصلا.

١٢١

لا يكون حائلا بينه وبين المنظر (١٩١) إليه ، والله تبارك وتعالى يرى البعيد والقريب ، وما تحت الثرى ، وما في داخل الأرحام (١٩٢). وأما الإنسان فلا يعلم من العلم إلا قليلا ، والله تعالى أحاط بكل شيء علما ، وكذلك سائر الصفات الإنسانية كلها ناقصة ، محدودة ، عاجزة ، فانية ، كلها مختلفة لصفات الله تعالى. وأما فعل الإنسان فلا يخرج عن عادته في الأعمال إلا نادرا حتى أن الخط الذي يكتب يكون معروفا له حتى تشهد الناس ، ونقول هذا خط فلان ، وكذلك سائر العمالات والصنائع ، وانظر ، وتأمل في أفعال الله تعالى ، الخالق العظيم ، أن جميع مخلوقاته لا يشبه أحدا أحدا ، ولو اجتمع كل من خلق من بني آدم في الدنيا ، وما يخلق فلا يشبه إنسان آخر غيره ، وإذا شبهه في بعض الأعضاء لابد أن يختلف عن غيره في شيء ، أما في الصوت ، أو غير ذلك ، فهو تبارك وتعالى واحد في ذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، لا شبه له ، ويزيد في هذا المعنى شيئا ، ولا تذكرت هل كتبته في البراءة أم لا؟ وهو إن [الإنسان](١٩٣) إذ دخل في غابة أشجار من نوع واحد مثل السّنوبر ، أو قسطل ، أو بلوط ، أو غير ذلك ، وينظر في الأشجار فيرى كل شجرة مختلفة عن جميعها في الطول أو العرض ، أو بعض الأغصان ، أو غير ذلك ، وهذا ظاهر للعيان ، دل هذا أن الله سبحانه وتعالى لا نهاية ولا حد له في علمه ، وقدرته ، وإرادته ، وجميع صفاته.

وأما الإنسان فبخلاف ذلك في فعله ، وعمله. وقد رأيت يوما رجلا اشترى بعض الصّبابط (١٩٤) أو رواحي صغارا لصبيانه ، وفي الزنقة التقى بمعلم خراز قال له : هذا الصّبابط (١٩٥) من دكاني؟ قال له : وكم من حوانيت في مراكش عامرة بمثل هذا ، قال

__________________

(١٩١) «ب» : المنظور.

(١٩٢) بالأصل «الاحرام» وقد أثبتنا ما يوجد بنسخة «ب» ، وهو الأصح.

(١٩٣) إضافة من «ب».

(١٩٤) الصبابط : جمع صباط وهي الحذاء ، والكلمة من أصل إسباني (Zapatos) وقد سقطت من «ب» ، والرواحي جمع ريحية : حذاء نسوي : (دارجة مغربية).

(١٩٥) «ب» : هذه السبابط هي من دكاني.

١٢٢

الخراز : لو كان شغلي بين مائة مثله أعرفه ، وقال رجل فخار : كنا نخدم نحو الثمانية من الصناع في عمل القلل ، أو قدور (١٩٦) ، أو غير ذلك من المواعين من عجنة واحدة ليس فيها إلا الطين ، والماء. والمواعين على مقدار واحد. وبعد العمل ، فنعرف ونميز شغل كل واحد ، ومن هو الذي عمله من الصناع ، وهذا من ملة ما ذكرنا من خط الإنسان أنه يعرف كاتبه. وبعد أن فرغت من الجواب للراهب كتبت له سؤالا في دينه ـ لما علمت من سوء اعتقادهم ـ ، وهذا معناه : ما قولكم في دينكم في رجل زنا بامرأة محصنة ، وحملت منه ، وولدت ، وزوج المرأة يعتقد أن المولود كان ابنه حتى كبر زوجه ، وأعطاه حظا من ماله ، واشتكى يوم الحساب لله سبحانه من زوجته ، وممن زنى بها ، والمال الذي أنفق ، وأعطى لابن الذي زنى بها ، فأحضر الزاني والزانية ، وقيل لهما في ذلك ، فقالت المرأة : أنا ذكرت ذنبي للقسيس الفلاني ، وغفر لي ، وقال الزاني إنه ذكر ذنبه لقسيس في الدنيا ، وغفر له ذنبه ، والسؤال منكم أيها الراهب ، العالم في دينه ، هل بقي للرجل المظلوم ما يطلب أم لا ، وكتب الجواب ، وقال : ليس للرجل ما يطلب من زوجته ، ولا ممن زنى بها بعد استقرارهما في الدنيا للقسيس من الذنوب ، لأنه غفر لهما ولم يبق للزوج حق عليهما ، انتهى.

فانظر هذا الاعتقاد الفاسد الذي عندهم في دينهم ، الأصل فيه يقولون بألوهية سيدنا عيسى عليه‌السلام ، وأن الباب (١٩٧) خليفته ، وجميع أئمة دينهم كل واحد خليفة الباب. ويأمرون الناس في كل عام في أيام صيامهم أن يمشي كل من هو بالغ من ذكر أو أنثى إلى الكنيسة ، ويذكر للقسيس جميع ذنوبه ، ويعطيه براءة بالمغفرة ، ويأخذ الدراهم عليها. حينئذ يذهب مغفورا له. وفي سائر الأيام إذا كان مريضا يمشي إليه القسيس إلى بيته ، ويغفر له ، ويأخذ أجرته دراهم (١٩٨).

__________________

(١٩٦) «ب» : في عمل واحد قلل وقدور وغير ذلك.

(١٩٧) «ب» : البابا.

(١٩٨) «ب» : سقطت من «ب».

١٢٣

وقد طالعت كتاب الترجمان (١٩٩) ـ رحمه‌الله ـ وقال في القاعدة الخامسة من كتابه في الرد على النصارى ، وذكر مثل هذا.

وإني أعطيت دراهم سنين عديدة في بروات الغفران ، معتقدا في كفرهم ، ولكن كانوا يطلبون لكل واحد براءته بعد أيام الصيام مكتوب فيها أن فلانا استقر للقسيس الفلاني بذنوبه ، وأنه غفر له ، ويعلم براءته ، وإن لم تكن له البراءة ، يحكم فيه (٢٠٠).

وأما راهب مصر ، كان يقرأ بالعربية ، وكان عنده القاموس بالعربية والعجمية. وقد التقيت به من أجل كتاب تعديل الكواكب ، فنعرف منه في أي يوم تكون الوقفة بعرفة ، وغير في أيام الأهلة ، وإن لم يكن العمل بقول المنجمين في الأهلة إلا بالرؤية للهلال ، فلا يضر النظر في ذلك ، وسألني الراهب عن اعتقادنا في الجنة : هل فيها أكل ، وشرب؟ قلت له : نعم فيها ذلك وأكثر من ذلك كما شهد به الإنجيل الذي عندكم ، لأن سيدنا عيسى عليه‌السلام قال لتلامذته : إني لا أشرب من عصير هذه الكرمة إلى ذلك اليوم الذي أشربه معكم في ملكوت أبي ، وفي موضع آخر في الإنجيل في ملكوت الله. قال الراهب : ليس ذلك الكلام على ظاهره ، ونكر ذلك أشد الإنكار ، كما هو في اعتقادهم وأما قول سيدنا عيسى عليه‌السلام في ملكوت أبي ، فلا يفهم منه أنه يعتقد أنه أبوه حقيقة ، والمراد بذلك أن أباه هو الذي أخرجه من العدم إلى الوجود ، كما لغيره في أكثر من عشرة مواضع من الإنجيل الأول في معنى العبادة في شهادة

__________________

(١٩٩) يقصد كتاب عبد الله الترجمان المسمى : تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب. وقد كتبه بتونس سنة ١٤٢٠.

ودرسه ونشره ميكيل دي أبالزا في بحثه : ـ La Tuhfa. autobiografia y polemica contra t cris tianismo de Abdallah al ـ Taruman) Fray An selmo turmeda (, Roma, Accademia Na ـ zionale dei lincei, ١٧٩١.

كما نشره بالقاهرة الدكتور محمودة حماية وانظر أيضا عن الكتاب : L. Cardaillac. Morisques et chretiens, pp. ١٦١, ١٠٢, ٥١٢, ٧١٢, ٨١٢, ٢٧٣.

(٢٠٠) في «ب» : وهم بهذا الاعتقاد الفاسد يعينون الرجال والنساء على الفساد لأنه إذا علم الإنسان أن الذنب الكبير يغفره لي القسيس فيسهل عليه عمله.

١٢٤

متى الذي كتب ربع الإنجيل. قال في الفصل السادس : إن إبليس جاء إلى سيدنا عيسى عليه‌السلام وقال له : هذا العالم ومجده أعطيه لك إن سجدت لي ، قال له عيسى عليه‌السلام : اذهب يا شيطان ، للرب إلهك أسجد ، وله وحده أعبد ، انتهى.

البرهان في هذا القول أن العبادة لا تكون إلا لله وحده ، وأنه عليه‌السلام كان يعبده ، إذ هو ليس بإله. وإما قلنا أن الله تعالى أبو المؤمنين ، ومن جملتهم سيدنا عيسى. منها في الفصل [الخامس](٢٠١) لمتى قال : «قال سيدنا عيسى عليه‌السلام : طوبى للنقية (٢٠٢) قلوبهم ، فإنهم يعاينون الله. طوبى لصانعي السلامة ، فإنهم يدعون أبناء الله. ثم قال بعد كلام آخر هكذا : فليضيء نوركم قدام الناس ليروا أعمالكم الصالحة ، ويمجدوا آباءكم الذي في السماء».

وأقول هذه الترجمة وعبارتها هي من إنجيل مكتوب بالعربية كان عند القسيس الذي وقع لي الكلام معه بمصر كتبت منه كما كان. [والمطلوب هو المعنى](٢٠٣).

الفصل التاسع :

احسنوا إلى من أبغضكم ، وصلوا من يطردكم ، ويغتصبكم ، لكيما تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات ، الذي يشرق شمسه على الأخيار والأشرار ، وتمطر على الصديقين والظالمين.

وقال أيضا : كونوا أنتم مثل أبيكم السمائي ، فهو كامل.

وقال أيضا وصيات ، في آخرها : أبوك الذي يرى ما في الخفاء يجزيك علانية.

الفصل العاشر :

صل لأبيك سرا ، وأبوك الذي يرى السر يعطيك علانية.

وقال أيضا : لأن أباك عالم بما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه.

__________________

(٢٠١) بياض بالأصل ، والإضافة للمحقق.

(٢٠٢) «ب» : للنقيين في قلوبهم.

(٢٠٣) «ب» : ما بين المعقوفتين لم يرد في «ب».

١٢٥

وقال أيضا : فهكذا تصلون أنتم ، أبونا الذي في السموات ليتقدس اسمك.

وقال أيضا : فإن غفرتم للناس خطياكم ، غفر لكم أبوكم السماوي ، وإن لم تغفروا للناس خطياهم ، فلا أبوكم يغفر لكم خطياكم.

وقال : إذا صمتم فلا تكونوا كالمرابين ، لأنهم يعبسون وجوههم. وأنت اغسل وجهك.

وقال أيضا : وصيات ، ولئلا يظهر للناس صيامكم ، لكن لأبيك الذي في السر.

وأبوك الذي يرى السر يجازيك علانية.

الفصل الثاني عشر :

قال : انظروا إلى طيور السماء ، وأبوكم السمائي يقوتها.

الفصل الثامن والعشرون :

قال : عصفران يباعان بفلس وواحد منهما لا يسقط على الأرض إلا بإرادة أبيكم. وأنتم ، فشعور رؤوسكم كلها محصاة ، فلا تخافوا ، فإنكم أفضل من عصافير كثيرة. كل من يعرفني قدام الناس أعترف أنا به قدام أبي الذي في السماء ، انتهى. قال بأن في ستة عشر موضعا مما كتبنا من الإنجيل أن سيدنا عيسى عليه‌السلام لم يختص باسمه ابن الله من دون الناس ، لأنه كان مخلوقا مثلهم من غير أن يكون له أب ، كما كانت أمنا حوى من غير أن يكون لها أم. ثم أخذ الراهب في ذكر سيدنا عيسى عليه‌السلام ، يقول فيه إنه إله ، وابن الله حقيقة ـ تعالى عن قوله ـ. وجئت إلى الدار وتلك الليلة قيل لي في النوم : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ)(٢٠٤). وقفت بهذه الكلمة. وفهمت أن القول كان على ما قال (٢٠٥) الراهب في ذلك اليوم من ألوهية سيدنا عيسى. وانظر ما في الآية الكريمة ، قال تعالى في أول سورة الكهف (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ ، كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ

__________________

(٢٠٤) سورة الكهف ، الآية ٥.

(٢٠٥) يبدأ هنا سقط كبير في «ب» يمتد إلى حوالي ١٤ ورقة.

١٢٦

أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً)(٢٠٦). ثم مشيت عنده بعد الصبح ، وتقوى عزمي من أجل الآية الكريمة ، وأخذنا في الكلام ، وقلت له : نحن في ديننا ، وجميع الأنبياء ، وجميع الكتب السماوية لم تذكر إلا إلها واحدا ، وأنتم تذكرون ثلاثة ، قال أيضا نقول واحد ، قلت له : هذا الواحد اتفقنا فيه لا خلاف بيننا ، قال : نعم ، قلت : من هما الإثنان اللذان في الألوهية؟ اذكر لي واحدا منهما ، وأنا أعرف ماذا يجوب به ، قال : سيدنا عيسى ، قلت له : الإله يجهل شيئا؟ قال : لا ، قلت : هي صفة العلم في الألوهية المتعلمة بكل ما كان وما يكون ، قال : نعم ، قلت : قال في الإنجيل : إن أربعة أو خمسة من تلامذ سيدنا عيسى عليه‌السلام أتوا إليه في جبل الزيتون ، بعد أن ذكر لهم أن هذا العالم يفنى ، قالوا : أعلمنا على وجه السر ، متى يكون انقضاء العالم؟ قال لهم : أما هذه المسألة ، فلا يعلمها أحد ، حتى ملائكة السماء ، لا يعلمها إلا الله وحده ، قلت : هكذا قال ، قال : نعم ، قلت : قد تقدم لنا أن الإله لا يجهل شيئا. وهذا برهان فظيع ، وباين أنه ليس بإله ، وبهذا تبين واتضح أن أحد الاثنين اللذين زدت للواحد ذهب. وذكر الملائكة على وجه المبالغة في العلم ، إنهم أعلام منه. وبقي لنا واحد من الإثنين من هو؟ قال : هو الروح القدس ، قلت : هذا الروح القدس هو الذي ذكر في الإنجيل أنه البارقليط ، قال : نعم هو ذلك ، قلت له : قال سيدنا عيسى : إذا جاء البارقليط فهو يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده ، بل يتكلم بكلما يسمع ، ويخبركم بما يأتي ، قلت له : هكذا هو في الإنجيل؟ قال : نعم ، قلت له : الإله لا يتكلم بما يسمع ، بل يتكلم من نفسه ، والذي يتكلم بما يسمع فهو نبي يتكلم بما يسمع من جانب الحق تعالى ، فهذا أيضا ذهب البرهان. لم يبق إلا الواحد الذي لا يزول. فخرس الراهب وقال : الأنبياء المتقدمون قالوا وأخبروا به ـ اعني سيدنا عيسى ـ قلت : لم تقل الأنبياء ذلك.

وإذا قالوا ابن الله ، فقد تبين أن من كان مؤمنا وعمل صالحا كان يسمى بابن الله. وقال أيضا في التوراية : إن الصلحاء هم أبناء الله تعالى. والنص فيما ذكرنا أن

__________________

(٢٠٦) سورة الكهف ، الآية ٥.

١٢٧

تلامذه سألوا سيدنا عيسى عليه‌السلام قال متى في الباب الرابع وعشرين : «قال سيدنا عيسى : فأما ذلك اليوم والساعة لا يعرفها أحد ، ولا الملائكة السموات ، إلا الأب وحده». وهذا إقرار من سيدنا عيسى عليه‌السلام أن الملائكة أعلم منه. وقال مركش في الباب الثالث عشر ، والمقالة اثنان وثلاثون : «سأل مركش ، وبدرس ، ويعقوب ، وجواز ، واندرس سيدنا عيسى في جبل الزيتون في خفاء من الناس عن الساعة متى تكون؟ قال : فأما ذلك اليوم ، وتلك الساعة لا يعرفها أحد ، والملائكة التي في السماء ، ولا الابن إلا الأب وحده». وهذا برهان الذي قلت للراهب أن سيدنا عيسى عليه‌السلام ليس بإله كما شهد على نفسه أن الملائكة أعلم منه. حيث قال : ولا الملائكة على وجه المبالغة ، وأيضا في الإنجيل ما ينسب لما قلت للراهب أن سيدنا عيسى عليه‌السلام إنسان ، وليس بإله ، قال في الفصل السابع والستين لمتى أن سيدنا عيسى عليه‌السلام كان راجعا إلى المدينة فجاع ونظر شجرة تين على الطريق ، فجاء إليها ، فلم يجد فيها شيئا إلا ورقا ، فقال لها : لا تخرج منك ثمرة إلى الأبد ، فيبست تلك الشجرة للوقت. فلو كان إلها ـ كما تعتقد الكفار أنه إنسان وإله ـ فلو كان إلها لعلم من موضعه أن الكرمة ليس فيها تين ، أليس هذا برهان أنه إنسان مقهور ، يجهل الغيب ، ولا يبصر إلا الظاهر فقط؟ وأيضا في الإنجيل أنه كان يسأل عن قبر لعازر حتى حملوه إليه.

وأما ذكر البارقليط فهو فيما كتب يوحنا في الفصل الثالث والثلاثين ، وخمس وثلاثين ، قال : «فإذا جاء روح الحق ذاك ، فهو يعلمكم جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده ، بل يتكلم بكل ما يسمع ، ويخبركم بما يأتي ، وهو يمجدني لأنه يأخذ مما هو لي ، ويخبركم». وقد سألت الراهب : ما معنى البارقليط؟ قال : هو اسم يوناني ، ومعناه الشفيع بالعربية. فهذا هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنه لم يتكلم من ذاته ، بل يتكلم في أمور الدين بكل ما يسمع من الوحي من عند الله تعالى. وأما معنى ما قال سيدنا عيسى عليه‌السلام للحواريين : «يعلمكم جميع الحق ، ويخبركم» ، فتقول النصارى : إنه جاء إليهم. وبذلك قال لي قسيس بمدينة بريش حين قلت له إن البارقليط شخص يتكلم وإنه نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والصحيح أن سيدنا عيسى عليه‌السلام كان يتكلم مع المؤمنين ، وليس الكلام معهم فقط ، لأنه قال لهم ما يكون في آخر الزمان ، بقوله :

١٢٨

إذا رأيتم كذا وكذا ، والصحيح أنهم لا يعيشون لآخر الزمان. والبرهان في ذلك ، قال متى في الفصل الثامن وسبعين : «فجاء إليه تلاميذه في خلوة قائلين : قل لنا متى يكون هذا؟ وما علامة مجيئه ، وانقضا الزمان؟ فأجاب ، وقال لهم : انظروا ، لا يضلكم أحد ، كثير يأتون باسمي ، قائلين : أنا المسيح ، ويضلون كثيرا. فإذا سمعتم بالحروب ، وأخبار الحروب ، انظروا ، لا تقلقوا ، فلا بد أن يكون هذا كله. ثم قال : فإذا رأيتهم رذلة الخراب الذي قيل في دانيال النبي قايما في المكان المقدس.» فليفهم القارئ ، والكلام كثير في هذا المعنى ، وهو من علامات القيامة. وكان الخطاب لهم. وكذلك الكلام على البارقليط معهم ، بأن قال : يأتيكم ، والمفهوم : بعدهم ـ كما ذكر في هذا الباب ـ. وأما قوله : «كثير يأتون باسمي قائلين أنا هو المسيح ويضلون كثيرا» ، فهذا والله أعلم ـ هم الباب ، لأنهم يضلون الناس ، بأن يشرطون بالله ، ويعبدون الخبز والخمر ، وآلات الصليب ، والانام. وسيدنا عيسى عليه‌السلام تقدم لنا حين جاء إليه إبليس ، وقال له : أن يسجد له ، قال سيدنا عيسى عليه‌السلام ـ مكتوب ـ : «هو الإله وحده ، نعبد ، وإليه نسجد». وتقدم أني سألت الراهب : ما معنى البارقليط ، قال : هو اسم يوناني ، ومعناه بالعربية : الشفيع وهذا شخص مخلوق يشفع في المذنبين. والإله كيف يشفع؟ أو ممن يطلب ويرغب؟ وقال يوحنا في الفصل الثالث والأربعين : قال سيدنا عيسى عليه‌السلام لامرأة اسمها مريم مضلين ـ وليست بأم سيدنا عيسى عليه‌السلام ـ : «امض إلى إخواني وقلي لهم : إني صاعد إلى أبي ، وأبيكم ، وإلهي ، وإلهكم» ، انتهى.

فهذا كلامه عليه‌السلام ، فهو بين الشمس بغير غمام ، إنه إنسان حقيقة ، إذ قال : «أبي وأبيكم ، وإلهي وإلهكم» ، انتهى.

اعلم أن النصارى أخذوا كفرهم ، وشركهم مما كتب يوحنا المنجيلي ، مما شاهد في ابتداء كلامه ، وخطبته في الباب الأول ، قال : «البدء كان الكلمة ، والكلمة كانت عند الله ، والله هو الكلمة. كان هذا قديما عند الله كله ، به كان ، ولغيره. لم يكن شيء مما كان ، وله كانت الحياة. والحياة هي نور الناس ، والنور أضاء في الظلم ، والظلمة لم تدركه» ، انتهى.

هذا هو الأساس إلى شركهم ، لأنهم يجعلون الكلمة إلها. وقال العلامة

١٢٩

الإسكندر أحمد الفيلسوفي الدربن وني (٢٠٧) ـ في تأليفه في الرد على النصارى ـ : «كلام الله لا ينحصر صدقه على عيسى عليه‌السلام فقط ، بل يصدق على كثير ، وهو موافق بآية كريمة : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ»)(٢٠٨). وليس كلام الله عين ذاته الله ، إذ الكلام غير المتكلم ، لأنه شبيه الكلام بالبذر ، والمتكلم بالحراث.

فإذن لو كان عيسى عليه‌السلام إلها على تقدير كونه كلام الله لزم أن يكون كلما صدق عليه أنه كلام الله أيضا إلها ، فحينئذ لزم إلهات متعددة ، فاللازم باطل بالبداهة ، والملزوم مثله. وهو موافق بآية كريمة : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(٢٠٩) ، انتهى.

وقال لي بمراكش شيخنا ، الخير الإمام ، الفقيه ، سيدي أحمد ابن الحاج أحمد التواتي أن فقيها من المسلمين كان أسيرا عند كافر نصراني يقرأ بالعربية ، وقال للمسلم : عندكم في القرآن أن عيسى هو روح من الله ، وأتى بآية قال : (وَرُوحٌ مِنْهُ)(٢١٠) ، وعزم أنه ينتقم من المسلمين إذا لم يأت بحجة تفكه من يده. قال الفقيه إن شاء الله بالقرآن ننجو منه. فتوضأ ، وقرأ من أوله إلى أن قال : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ)(٢١١) ، ففرح بذلك ، وقال للكافر : اسمع قول الله تعالى في القرآن العزيز ، وقرأ الآية ، وقال : هذه الآية مثل الذي قال الله تعالى : (وَرُوحٌ مِنْهُ). فكما خلق السموات والأرض ، خلق سيدنا عيسى. ولما رأى النصارى الحق ترك المسلم مما عزم عليه. ولو ذكر له قوله تعالى : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)(٢١٢) وكذلك (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)(٢١٣) ، فكان ينجوا من

__________________

(٢٠٧) لم نقف له على ترجمة.

(٢٠٨) سورة غافر ، الآية ١٥.

(٢٠٩) سورة الأنبياء ، الآية ٣.

(٢١٠) سورة النساء ، الآية ١٧١.

(٢١١) سورة الجاثية ، الآية ١٣.

(٢١٢) الحجر : ٢٩.

(٢١٣) المجادلة : ٢٢. وفي المخطوط : أيده بدل أيدهم.

١٣٠

الكافر.

واعلم أن النصارى فتشوا برهان التثليث في الألوهية ، ولا وجدوه ، لأن الباطل كان زهوقا. وقالوا : ليس لنا [إلا](٢١٤) الإيمان بذلك ، ويحصل به الأجر ، وهي قاعدة في دينهم أن يومنوا بما في الكنيسة الكبرى التي برومة. وهي عامرة بالأصنام والصلبان. وهي الباب الكبير للدخول في النيران ، يقودهم إليها وليهم الشيطان ، لعنهم الله تعالى بقوله في القرآن : (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)(٢١٥).

__________________

(٢١٤) ما بين المعقوفتين إضافة من المحقق.

(٢١٥) الآية ٦١ من سورة آل عمران. وفي المخطوط : ألا لعنة الله ....

١٣١

الباب الثالث عشر

في ذكر ما أنعم الله تعالى علي من فضله

في بلاد الأندلس وغيرها من البلاد

اعلم ـ رحمك الله تعالى ـ أن هذا الباب توقفت فيه من وجوه. وكنت نتردد فيه من وجوه بما نعرف من نفسي من التقصير والجهل والذنوب ـ نسأل الله المغفرة والسعادة ـ ولكن بعد أن رأيت ما أنعم الله تعالى به علي من اليقين في الاعتقاد في توحيده ، ولا سيما بعد أن طالعت كتب الأديان الثلاثة ، حتى لم يبق للنفس والشيطان بابا ، من كثرة بيانها من الكشوف والأوهام والظنون في دين الإسلام ، حتى تمنيت لكثير من المسلمين أن لو كانوا كذلك. وكنت نتردد في ذكر بعض الأمور ، لما ذكر السنوسي (٢١٦) ـ نفع الله به ـ في شرح الصغرى في التوحيد ـ في باب ذكر الله ـ : إن بعض من أنعم الله عليه من الملازمين لقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يجد تحت السجادة دراهم حتى شهر ذلك انقطع عنه. وكنت إخاف أني إذا ذكرت أمرا مما أنعم الله تعالى علي به يعينني على عبادته يذهب عني حتى رأيت ليلة في النوم أني أتلو آيات من القرآن العزيز إحداهن (كذا) ، قوله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(٢١٧) ، والثانية : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ، أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(٢١٨).

والثالثة : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً ، فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ)(٢١٩).

__________________

(٢١٦) انظر ترجمته عند م. بن عسكر ، دوحة ، ١٢١ ـ ١٢٢ رقم ١١٨.

(٢١٧) سورة الضحى ، الآية ١١.

(٢١٨) سورة فصلت ، الآية ٥٣.

(٢١٩) سورة ص ، الآية : ٤٣.

١٣٢

وفهمت من الآيتين الإباحة (كذا) لكتب الباب ، بل الأمر بذلك ، فالآية الأخيرة ما فهمت معناها ، وتكلمت مع العلامة الشيخ علي الأجهوري بذلك ، وقال لي : حتى الآية الأخيرة هي مثل التي قبلها بالأمر أن لا تتوقف ، واذكر ، واكتب ، ففي ذلك خير ـ إن شاء الله ـ وبعد أن كتبت ، وذكرت المسألة التي تعينني على عبادة الله ، فبقي الأمر أحسن مما كان قبل ذلك ـ لله المنة والشكر على نعمه وفضله وإحسانه ـ ، وبعد أن تكلمت مع الشيخ أو بقرب ذلك اليوم أو في اليوم أو في الليلة بنفسها ذكرت الأمر الذي ما ذكرته قط إلا لواحد مرة بعد ذكر لي بعض الأسرار الربانية. ففي الليلة التي ذكرتها هنا بمصر رأيت المسألة في اليقظة على عادتها ، ثم ذكرتها لأخ من المحبين في الله ولم تذهب عني ، وهل يخفى على أحد أن قراءتي في أقل من يوم واحد كان ذلك هيبة وتوفيقا من الله سبحانه ، وذلك ببركة الأندلس ، كما ذكرنا في الرحلة أن الله تعالى كان يسهل على أهل العلم على قدر حالهم ... (٢٢٠) لاحد تيسير في الحال ليقرأ في الألواح ... (٢٢١) بجمع فكر ، فإذا قرأ يخفى ... (٢٢٢) من منه ، ولما أن جئت لأبي قلت ... (٢٢٣) قال : كيف ذلك قلت له ... (٢٢٤) فكنت أقرأ الأسماء ... (٢٢٥) له القصيدة ، قال لي : سر عني ... (٢٢٦) وتقول إنها في الورق ... (٢٢٧) مرارا ، إن ذلك حق ، ولم يذهب عنه الشك حتى جاء إلى دارنا ابن عمه ـ رحمه‌الله ـ وقال له : قد فتح الله عليه. وقد كتبت السبع هياكل في ورقة ، وجعلتها علي حرزا ، رجاء بركاتها. ونمت ليلة ، وعند

__________________

(٢٢٠) بياض بالأصل.

(٢٢١) بياض بالأصل.

(٢٢٢) بياض بالأصل.

(٢٢٣) بياض بالأصل.

(٢٢٤) بياض بالأصل.

(٢٢٥) بياض بالأصل.

(٢٢٦) بياض بالأصل.

(٢٢٧) بياض بالأصل.

١٣٣

الصبح فتشت الورقة فلم نجدها ، وظننت أنها وقعت مني فتغيرت عليها من وجوه لئلا يجدها نصراني ، وينضر المسلمون ، وأيضا إذا أصابها مسلم فربما يعرف خطي ، ويكثر الكلام علي عند الأندلس. ولما أن صليت الصبح أخذت في الدعاء إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ متضرعا ... (٢٢٨) علي الحرز ، وكنت أقرأ دعاء كان ... (٢٢٩) الله يحفظانه ، فلم نتمه في القراءة ... (٢٣٠) كانت نزلت في كفي ففرحت ... (٢٣١) الله تعالى على ذلك ، وازداد ... (٢٣٢) إلى أختي رحمها الله ـ ... (٢٣٣) فرفعت حوايج الفراش ... (٢٣٤) فرمت بها على بعد ، فجاءت في الهواء ، ونزلت في كفي وهي مبسوطة ، ومرفوعة إلى الله تعالى. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله ينزل البلاء ، ويستخرج به الدعاء» (٢٣٥) ،

وهذا هو الدعاء المبارك الذي كنت أقرأه :

بسم الله الرحمان الرحيم

اللهم إني أسأل ، يا أول قديم ، يا فرد ، يا وتر ، يا أحد ، يا صمد ، يا الله ، يا رحمان ، يا رحيم ، يا حي ، يا قيوم ، يا عزيز ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا نور السموات والأرض وما بينهما ، ورب العرش العظيم ، يا من له ... (٢٣٦) ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ... (٢٣٧) يا هادي ، يا باري ، يا عالم ... (٢٣٨) يا حمعسق ، يا رب

__________________

(٢٢٨) بياض في الأصل.

(٢٢٩) بياض في الأصل.

(٢٣٠) بياض في الأصل.

(٢٣١) بياض في الأصل.

(٢٣٢) بياض في الأصل.

(٢٣٣) بياض في الأصل.

(٢٣٤) بياض في الأصل.

(٢٣٥) لا يوجد الحديث عند ج. السيوطي في الجامع الكبير.

(٢٣٦) بياض في الأصل.

(٢٣٧) بياض في الأصل.

(٢٣٨) بياض في الأصل.

١٣٤

الأرباب ... (٢٣٩) يا ملك الملوك يا ... (٢٤٠) الأرض ، ولا إلاه فيهما ... (٢٤١) في السموات ، ومن في الأرض ... (٢٤٢) غيرك قدرتك في الأرض ... (٢٤٣) في السماء سلطانك في الأرض كسلطانك في السماء.

أسألك اللهم باسمك الكبير ، ووجهك المنير ، أن تجعل لي من أمري فرجا ومخرجا ، إنك على كل شيء قدير» ، انتهى.

ومما منّى علي أن شفا لي مرضي بالنشر فقط والرقا بآيات من القرآن العزيز.

ولنذكر هنا بعض ما تذكرت إليها. ومن ذلك أن مملوكة سودانية اسمها مباركة كانت بدارنا بمراكش ... (٢٤٤) في جسدها البرص الكثير ، وهو في زيادة ... (٢٤٥) كما هي العادة في تلك العلة وذكرتها ... (٢٤٦) بأصعب ، وتحتاج أدوية كثيرة ... (٢٤٧) الصيف يليق العلاج. فتوقفت ... (٢٤٨) كتاب الدر النظيم في ... (٢٤٩) الوادياشي ، قال ... (٢٥٠) بماء ورد وزعفران ... (٢٥١) برص أنه يزول عنه ... (٢٥٢) هذا دواء

__________________

(٢٣٩) بياض في الأصل.

(٢٤٠) بياض في الأصل.

(٢٤١) بياض في الأصل.

(٢٤٢) بياض بالأصل.

(٢٤٣) بياض بالأصل.

(٢٤٤) بياض بالأصل.

(٢٤٥) بياض بالأصل.

(٢٤٦) بياض بالأصل.

(٢٤٧) بياض بالأصل.

(٢٤٨) بياض بالأصل.

(٢٤٩) بياض بالأصل.

(٢٥٠) بياض بالأصل.

(٢٥١) بياض بالأصل.

(٢٥٢) بياض بالأصل.

١٣٥

أسهل ، وأقرب مما ذكر ... (٢٥٣) فكتبت السورة كلها في إناء ، لم يدخلها طعام. ومحوت الحروف بماء نقي ، وأعطيت الماء للمبروصة ، وشربته. ولكن أخذت من الماء شيئا ، ونشرت أوضعت منه على مواضع البرص ، ومن ذلك اليوم بدأت كل لمعة تصغر على قدرها. وبعد ستة أشهر أو أكثر صارت مواضع البرص حمراء بعد أن كانت بيضاء. ثم اسودت مثل سائر الجسد. وشفاها الله ، وبعد عامين أو أكثر خرج فيها البرص مرة ثانية حتى أن بعض اللمع كانت قدر الدينار ، فكتبت له مرة ثانية السورة المباركة ، وشربت ماءها ، وبدأها الشفاء من ذلك إلى ثمانية أشهر. ولم يعد إليها إلى أن جازت نحو العشر سنين وماتت. وهذا من العجب ، إذ ليس في هذا العلاج شيء من العقاقير ، ولا من الأدوية التي تعالم بها الأمراض ، إنما ذلك شيء زعفران محلولا في قليل من ماء ورد ، لتظهر الحروف فقط.

وقد جاءني ببلاد الأندلس رجل مريض بالاستسقا ، وهو منفوخ متروك من الأطباء. وكتبت له نشرة بآيات القرآن ، ومحوتها وأعطيته الماء ، وشربه ، في نحو السبعة أيام ، وبرأ. وجاءني وقال : ما كنت نظن أنني نبرأ مما أصابني ، والآن شفاني الله تعالى بالماء الذي أعطيتني ، وليس لي بما نكفيك إلا أن تحب أن أخدمك ، فأكون كأني مملوك لك ، ونحب منك أن تخبرني بما داويتني؟ قلت : لا أطلب منك شيئا ، ولا أقول لك بما دويتك. وذهب سالما فارحا.

وجاءني رجل ، واشتكى أنه مهما يمد يده للوضوء وابتدأ به تبطل يده اليمنى. وكنت في موضع ما أمكنني أن أكتب له شيئا. وقبضت يده من مرفقه ، وقرأت ما شاء الله من آيات القرآن العزيز ، وبدأ يبرأ من حينه إلى يوم آخر قرأت أيضا ولا كان يحتاج ذلك ، وشفاه الله.

ومما اتفق لي ببلاد الفرنج بعد أن جازت علينا السنين ، ونحن فيها ، أني كنت أسمع حسا في البيت الذي أكون فيه وحدي في اليقظة ، يضرب في الحائط شيئا أو قريبا مني في لوح أو غير ذلك ، وبين الضربة والأخرى قدر ما يعد الإنسان ثلاثة من

__________________

(٢٥٣) بياض بالأصل.

١٣٦

واحد إلى أربعة. ودخل في قلبي الخوف والرعب من ذلك حتى خفت من الجن أن يصرعني. واشتغلت نذكر الله تعالى بلا فترة ، لعلي نتقوى بذلك ، وننجوا من الجن. وكان ذلك كل يوم ، ويضرب في البيت وفي غيره ، وإذا أكون وحدي ، ونغضب عليه ، ونضرب جهته ، يزيد في الضرب.

ورأيت أن الصبر أولا بي ، ولا كنت أدري ماذا كان مراده. ثم فهمت أنه كان يريد أن أخرج من بلاد الكفار.

وبعد أن وليت إلى بلاد المسلمين كان أيضا يعمل لي حسا يلهمني إلى الصلاة إذا نتعطل عنها ، وأيضا بعض الليالي عند السحر يضرب في البيت إلى أن أقوم ، أو نقرأ في الفراش.

وكنت متحيرا في أمره ، قلت هذا جن مومن ، ولا استعملت قط عزايم لنتخذ خديما من الجن ، ثم بان منه إذا أكون وحدي نقرأ القرآن العزيز ، وتأتيني سنة من النوم حتى يلتوي لساني بالقراءة ، فيضرب لي في البيت لنقف ونقرأ. ثم إذا جاءني النوم يضرب أيضا حتى نختم القراءة. وبعض الليالي بالسحر لا يهدى عن الضرب إلى أن أقوم ، وتارة إذا كان أحد معي في الفراش يطلق علي شيئا قليلا من التراب أو حجارة صغارا قدر الحمص ، ويضرب به قريبا من وجهي. ونأخذ الحجرة بعض المرات بيدي ، ونعرف أنه ليس مراده إلا أن أقوم نقرأ فقط. وإذا في البيت الذي بنيت فيه نجاسة خاثرة ، فيضرب ويعود للضرب حتى نخرجها. وتارة نستعمل من نفسي أن النعاس جائني ونظهر ذلك بالقراءة وهو ليس بالقرب مني لعله يضرب فلا يضرب أبدا إلا عن ابتداء النوم حقيقة. ثم تحققت منه أنه يحفظ القرآن ، فكم مرة أكون أقرأ ، ويضرب ، وننظر ماذا أقرأ ، ونرى أنه وقع مني غلط في القراءة. وكنت يوما بمدينة مراكش جالسا أترجم رسالة باللطين تتكلم على الكرة الأرضية والفلكية ، والكرتان كبيرتان ، كل واحدة في كرسي مرسوم في السماوية النجوم والثواب والبروج في الفلك ، والصور المعروفة عند المنجمين بأسمائها ، وكذلك في الأرضية ، كل مدينة معروفة في الدنيا ، والأقطار والبلدان ، والأقاليم. وكل بلد باسمه ، مكتوب عليه ، والأبحر والأنهار.

كان قد أمرني السلطان مولاي زيدان ـ رحمه‌الله ـ بترجمة ذلك

١٣٧

الرسالة (٢٥٤) ، قلت هي بلغة اللطين ، ولا نعرفها. قال من يعرف اللطين؟ قلت : أسير راهب من أسارى المقام العلي ، قال : يقعد معك. وكنا في دار السلطان نترجم ذلك ، والراهب معي وقت الظهر ، وتعطلت لنتم بالكتابة ما بقي من وجه ورقة ، وسمعت الضرب في ورا لوح من خشب ، قال الراهب : ما هذا الضرب؟ قلت : لا أدري ، وقام من موضعه ومشى إلى ظهر اللوح الذي كان الضرب فيه ، ولا أرى شيئا ، وبقي متعجبا.

وعلمت أن الضرب كان يقول لي أن أترك كل شيء وأصلي الظهر. وكان ابتداء هذا الأمر قبل هذا التاريخ بنحو الخمس وعشرين سنة. ونعرف أنه معي أين ما أكون ، ولا نراه ، ولا يجاوبني بأمره. وقد طلبتها منه ولا ظهر لي منه انتقال إلا يرعى ما نقول أو ما نعمل ، حتى أظن أنه الملك الذي على اليمنى ، وإن كان هذا الظن غريب وبعيد ، وأنا متعجب منه بعد أن عرفت ، وتحققت منه أنه يحفظ القرآن ، وتارة أقرأ سورتين أو ما شاء الله ، ونترك القراءة ، ويضرب لي أن أقوم إن تلك ساعة الإجابة للدعاء. وكنت ليلة أريد أن أختم القراءة إلى سورة «الناس» ، وكنت أقرأ حزب (صبح) (*) ، وتسلط علي النوم ـ وكان ذلك في الزمن الذي كنت مشغولا بتأليف هذا الكتاب ـ وإذا قرأت سورة أو سورتين أو أكثر يبدؤني النعاس قليلا من غير ترك القراءة ، فيضرب حتى نتقوى ، ولا ختمت الحزب حتى ضرب نحو الست مرات. ولما ختمت وقف عن الضرب ، والشكر لله الذي رقني من يعينني على عبادته.

وكنت أول الحال نكرهه أشد الكراهة ، وقال الله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)(٢٥٥).

__________________

(٢٥٤) يقصد رسالة زيج زكوط للإسرائيلي إبراهيم السلمنقي.

وقد ترجمها بالفعل الشهاب الحجري إلى العربية. مخطوط م. ح. بالرباط ، عدد ١٤٣٣ ضمن مجموع.

(*) يقصد حزب سبح.

(٢٥٥) سورة البقرة ، الآية ٢١٦.

١٣٨

وأزيد في هذه النسخة ما لا هو في النسخ التي كتبت قبلها.

وذلك في عام خمسين وألف كنت بمدينة تونس المحروسة بالله ساكنا في بيت وحدي ، وإذا خرجت لسد بالمفتاح ، ووجدت يوما شميسية من ذهب ، أعني مما ينتضم في شركة أو قلادة ، مما تجعل النساء في العنق ، وعلمت أن شيئا ربانيا أتاني بها. فمشيت إلى صايغ وقال لي : هي من ذهب ، فرفعتها وأنا أقول : لا أدري ما المراد بهذا؟

ثم بعد أشهر جاء ابني بزوجته من تسترت ـ بلاد ـ ، ونزل عندي. ثم إن زوجة ابني أرادت تمشي لموضع آخر ، وأودعت عندي شركة أزالتها من عنقها بتسع شميسيات مثل التي كانت عندي من ذهب. ولما أن جاءت أعطيتها الشركة ، وقلت لها : كم فيها من شميسيات؟ قالت : تسعة ، وكانت عشرة ، وقبل هذه الأيام بأشهر تلفت لي واحدة في تسترت. فأخرجت التي كانت عندي وأعطيتها لها ، وقلت المعلمون يعملون مثل التي عندك. وظننت أننا أمرت بعملها. فتعجبت من هذا الأمر ، كيف علم حين أتاني بالشميسية ، إن زوجة ابني ستأتي ، وتطرح عندي القلادة التي خصت منها التي تلفت. والمعلوم أنه لا يعلم الشيء قبل وقوعه إلا الله تبارك وتعالى أو من يوحي إليه بذلك.

ومما أنعم الله تعالى علي به في العام الماضي ، وكان عام ست وأربعين وألف ، في نحو العشرين من شوال ، يوم السبت ، وأنا في مصر ، وكان لي كتاب كتبته بيدي يتعلق بجملة الأسماء الحسنى لسيدي أحمد زروق بن عتبة الحضرمي ـ نفع الله به ـ وغير ذلك فجعلته على نفسي بين قفطنين إلى جانب القلب ومشيت إلى دكان محمد ابن أبي العاصي الأندلسي ، كنت فيه أمينا على قبض ما يبيع التاجر الذي كان فيه للبيع ، وفي الطريق حين كنت ماشيا اشتريت رغيفا ، وجعلته بين الكتاب والجسد. ولما وصلت إلى الدكان أردت نقبض الكتاب والرغيف ولا وجدت كتابا ولا رغيفا. وجلست في حزن وتغيير ما لا رأيت ذلك منذ زمن ، وتذكرت إلى كتب سرقت لي بمراكش ، مما كتبت بيدي في التوحيد وغير ذلك ، بقرب العهد الذي جئت أول مرة من بلاد الكفار ، وأيضا للكتب التي كتبت بيدي ، ومشت لي مع الحمل سنة قبل ذلك في طريق الحج. وتذكرت لما قرأت في كتاب اليافعي ، وهو

١٣٩

الشيخ الإمام العارف بالله عبد الله اليافعي (٢٥٦) ـ نفع الله به ـ قال : سمعت من بعض العارفين ، وهو يقول : «إن لكل وضع فيه حي وهاب ، ولي ، جواد ، أبدل واجدا بجواد ، لأن كل واحد ينقط أربعة عشر». انتهى ما كتبنا من كتاب اليافعي.

ولما أن قرأت ما ذكر عجبني كثير ، واخترت ذلك العمل ، ونظرت في أسماء الله تعالى ما تنقط ثلاثا وخمسين ، وهو عدد اسم أحمد ، ووجدت ذلك في ثلاثة أسماء ، وهي واحد ، هادي ، وهاب. ويكون بدلا عن (وهاب) (جواد) ، وبدلا عنه أيضا (واجد). ولكن ورد في (وهاب) : أنه الإسم الأعظم ، لقول سيدنا سليمان عليه‌السلام : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي).

وأما الساعة التي أصابني فيها التغيير على الكتاب الذي ذكرت أنه وقع مني في الطريق ، فألهمني الله تعالى أن نقرأ تلك الأسماء ، وكنت عزمت على أن نجعلهم في وفق حسبما ذكر من العمل لاسم محمد ، فلم يتيسر في تلك الساعة. ونويت في نفسي أن نقرأ الأسماء ، ونطلب من الله تعالى أن يعطيني عوض الكتاب الذي ذهب لي والهم الذي أصابني بسببه ما شاء من الخير ، ولا عاينت شيئا. فقرأت «الفاتحة» ثلاثا وخمسين مرة ، و «البسملة» مع كل واحدة ، «وألم نشرح» ثلاثا وخمسين ، والأسماء ثلاثا وخمسين مرة. وجلست اليوم في الدكان إلى بعد العصر ، وجئت إلى الدار ، ووجدت الكتاب في الموضع الذي كنت أجلس فيه ، ففرحت بذلك فرحا عظيما من وجوه.

ولا يتوهم قارئ هذا الكتاب أني تركته في الدار على يقين بأني مشيت به ، وجعلت القرصة تحته. وحصلت الإجابة ، ولا أدخلت الأسماء في جدول ، لأن القلب الحزن المضطر لا يفتقر إلى جدول. ولم نترك شيئا مما ذكر اليافعي في العمل ، بنية النفع للإخوان.

ومما أنعم الله تعالى علي به أن سخر لي ملوك الملتين ، وعلماءهم ، وصلحاء ديننا. ومن نعم الله تعالى علي بأسمائه الحسنى أن امرأة كانت بها ثلاث علل : كان ظهر يدها وأصابعها به ثالول كثيرة ، فكتبت جدولا مثمنا حرفيا أذكر فيه اسمين من

__________________

(٢٥٦) انظر ترجمته عند خ. الدين الزركلي ، الإعلام ، ٤ : ١٩٨ والمصادر بالهامش ١ من نفس الصفحة.

١٤٠