رحلة أفوقاي الأندلسي

أحمد بن قاسم الحجري أفوقاي

رحلة أفوقاي الأندلسي

المؤلف:

أحمد بن قاسم الحجري أفوقاي


المحقق: د. محمّد رزوق
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9953-36-504-0
الصفحات: ١٨٨

١
٢

٣

٤

«... أنتم الأندلس فيكم عادة غير محمودة. قلت : ما هي؟ قال : إنكم لا تمشون إلا بعضكم مع بعض ، ولا تعطون بناتكم للنصارى القدماء ، ولا تتزوجون مع النصرانيات القدماء. قلت له لماذا نتزوج النصرانيات القدما وكان بمدينة انتقير (مدينة قريبة من مالقه) رجل من قرابتي عشق بنتا نصرانية ، ففي اليوم الذي مشوا فيه بالعروسة إلى الكنيسة ليتم النكاح احتاج أن يلبس العروض الزرد المهند من تحت الحوايج ، وأخذ عنده سيفا لأن قرابتها حلفوا أنهم يقتلونه في الطريق ، وبعد أن تزوجها بسنين لم يدخل إليها أحد من قرابتها ، بل يتمنون موته وموتها ، والنكاح لا يكون ليتخذ به الإنسان أعداء بل أحبابا وقرابة.»

نص الرحلة ص ٤٠

«وبعد أن جلست يوما قال لي : ماذا تعرف من الألسن ، قلت له : العربية ، ولسان إشبانية ، ولسان أهل برتغال ، وكلام الفرنج نفهمه ولكن ما نعرف نتكلم به. قال لي : فأنا نعرف كلام الفرنج ، ونفهم كلام إشبانية ولا أعرف أتكلم به ، وإلى هذا فأكلمك بالفرنج ، وتكلمني بلسان أهل بلاد الأندلس العجمي ، قلت : نعم ، قال لي : ما السبب الذي ظهر لك حمل سلطان إشبانية على إخراج الأندلس من بلاده ، قلت : اعلم أن الأندلس كانوا مسلمين في خفاء من النصارى ، ولكن تارة يظهر عليهم الإسلام ، ويحكمون فيهم ، ولما تحقق منهم ذلك لم يأمن فيهم ، ولا كان يحمل منهم أحدا إلى الحروب ، وهي التي تفني كثيرا من الناس ، وكان أيضا يمنعهم من ركوب البحر لئلا يهربوا إلى أهل ملتهم (...) وهذا الذي ظهر لي حمله على إخراجهم ، لأنهم بطول الزمن يكثرون ..»

نص الرحلة ص ١١٣

«... وبعد أن خرجوا أهل سلطنة بلنسية ، فأمر بالخروج للذين كانوا بالأندلسية وغيرها من البلاد القريبة إليها أن يخرجوا. وبعد أن اكتروا السفن ـ وهم في واد إشبيلية ـ بعث السلطان أمرا عكس الأول ، وقال : إن كل من اكترى سفينة ليمشي لبلاد المسلمين أن يأخذوا لهم كل من كان من أقل من سبع سنين من الأولاد والبنات ، وأخرجوا كل من كان في عشرين سفينة. وأخذوا لأهل الحجر الأحمر نحو ألف من الأولاد. وكل من جاز على طنجة ، وسبتة ، فأخذوا لهم أولادهم مثل الآخرين.».

نص الرحلة ص ١١٩

٥
٦

استهلال

تهدف هذه السّلسلة بعث واحد من أعرق ألوان الكتابة في ثقافتنا العربية ، من خلال تقديم كلاسيكيّات أدب الرّحلة ، إلى جانب الكشف عن نصوص مجهولة لكتاب ورحّالة عرب ومسلمين جابوا العالم ودوّنوا يوميّاتهم وانطباعاتهم ، ونقلوا صورا لما شاهدوه وخبروه في أقاليمه ، قريبة وبعيدة ، لا سيما في القرنين الماضيين اللذين شهدا ولادة الاهتمام بالتجربة الغربية لدى النّخب العربية المثقفة ، ومحاولة التعرّف على المجتمعات والنّاس في الغرب ، والواقع أنه لا يمكن عزل هذا الاهتمام العربي بالآخر عن ظاهرة الاستشراق والمستشرقين الذين ملأوا دروب الشّرق ، ورسموا له صورا ستملأ مجلدات لا تحصى عددا ، خصوصا في اللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية ، وذلك من موقعهم القوي على خارطة العالم والعلم ، ومن منطلق المستأثر بالأشياء ، والمتهيء لترويج صور عن «شرق ألف ليلة وليلة» تغذّي أذهان الغربيين ومخيّلاتهم ، وتمهّد الرأي العام ، تاليا ، للغزو الفكري والعسكري لهذا الشرق. ولعل حملة نابليون على مصر ، بكل تداعياتها العسكرية والفكرية في ثقافتنا العربية ، هي النموذج الأتمّ لذلك. فقد دخلت المطبعة العربية إلى مصر مقطورة وراء عربة المدفع الفرنسي

٧

لتؤسس للظاهرة الاستعمارية بوجهيها العسكري والفكري.

على أن الظّاهرة الغربية في قراءة الآخر وتأويله ، كانت دافعا ومحرضا بالنسبة إلى النخب العربية المثقفة التي وجدت نفسها في مواجهة صور غربيّة لمجتمعاتها جديدة عليها ، وهو ما استفز فيها العصب الحضاري ، لتجد نفسها تملك ، بدورها ، الدوافع والأسباب لتشدّ الرحال نحو الآخر ، بحثا واستكشافا ، وتعود ومعها ما تنقله وتعرضه وتقوله في حضارته ، ونمط عيشه وأوضاعه ، ضاربة بذلك الأمثال للناس ، ولينبعث في المجتمعات العربية ، وللمرة الأولى ، صراع فكري حاد تستقطب إليه القوى الحيّة في المجتمع بين مؤيد للغرب موال له ومتحمّس لأفكاره وصياغاته ، وبين معاد للغرب ، رافض له ، ومستعدّ لمقاتلته.

وإذا كان أدب الرحلة الغربي قد تمكّن من تنميط الشرق والشرقيين ، عبر رسم صور دنيا لهم ، بواسطة مخيّلة جائعة إلى السحري والأيروسيّ والعجائبيّ ، فإن أدب الرحلة العربي إلى الغرب والعالم ، كما سيتّضح من خلال نصوص هذه السلسلة ، ركّز ، أساسا ، على تتبع ملامح النهضة العلميّة والصناعيّة ، وتطوّر العمران ، ومظاهر العصرنة ممثلة في التطور الحادث في نمط العيش والبناء والاجتماع والحقوق. لقد انصرف الرّحالة العرب إلى تكحيل عيونهم بصور النهضة الحديثة في تلك المجتمعات ، مدفوعين ، غالبا ، بشغف البحث عن الجديد ، وبالرغبة العميقة الجارفة لا في الاستكشاف فقط ، من باب الفضول المعرفي ، وإنما ، أساسا ، من باب طلب العلم ، واستلهام التجارب ، ومحاولة الأخذ بمعطيات التطور الحديث ، واقتفاء أثر الآخر للخروج من حالة الشّلل الحضاريّ التي وجد العرب أنفسهم فريسة لها. هنا ، على هذا المنقلب ، نجد أحد المصادر الأساسية المؤسّسة للنظرة الشرقية المندهشة بالغرب وحضارته ، وهي نظرة المتطلّع إلى المدنيّة وحداثتها

٨

من موقعه الأدنى على هامش الحضارة الحديثة ، المتحسّر على ماضيه التليد ، والتّائق إلى العودة إلى قلب الفاعلية الحضارية.

إن أحد أهداف هذه السّلسلة من كتب الرحلات العربية إلى العالم ، هو الكشف عن طبيعة الوعي بالآخر الذي تشكّل عن طريق الرحلة ، والأفكار التي تسرّبت عبر سطور الرّحالة ، والانتباهات التي ميّزت نظرتهم إلى الدول والناس والأفكار. فأدب الرحلة ، على هذا الصعيد ، يشكّل ثروة معرفيّة كبيرة ، ومخزنا للقصص والظواهر والأفكار ، فضلا عن كونه مادة سرديّة شاتقة تحتوي على الطريف والغريب والمدهش مما التقطته عيون تتجوّل وأنفس تنفعل بما ترى ، ووعي يلمّ بالأشياء ويحلّلها ويراقب الظواهر ويتفكّر بها.

أخيرا ، لابد من الإشارة إلى أن هذه السلسة التي قد تبلغ المائة كتاب من شأنها أن تؤسس ، وللمرة الأولى ، لمكتبة عربية مستقلّة مؤلّفة من نصوص ثريّة تكشف عن همّة العربيّ في ارتياد الآفاق ، واستعداده للمغامرة من باب نيل المعرفة مقرونة بالمتعة ، وهي إلى هذا وذاك تغطي المعمور في أربع جهات الأرض وفي قارّاته الخمس ، وتجمع إلى نشدان معرفة الآخر وعالمه ، البحث عن مكونات الذات الحضارية للعرب والمسلمين من خلال تلك الرحلات التي قام بها الأدباء والمفكرون والمتصوفة والحجاج والعلماء ، وغيرهم من الرّحالة العرب في أرجاء ديارهم العربية والإسلامية.

محمد أحمد السويدي

٩
١٠

المقدمة

يعد كتاب ناصر الدين أهم مصدر تاريخي أندلسي كتب بعد صدور قرار الأندلسيين المتبقين بالأندلس ، فصاحبه يتكلم وهو بمنأى عن محاكم التفتيش ، يجادل المسيحيين واليهود ، ويستعرض من خلال ذلك ما فعله الإسبان بالمورسكيين ، وظروف انتقال هؤلاء إلى شمال إفريقيا (١).

وقد وصل المؤلف : أحمد بن قاسم الحجري (المدعو أفوقاي وBejarano) إلى المغرب أواخر عهد المنصور الذهبي واشتغل لديه بالترجمة ، (١٥٩٩ / ١٠٠٧) كما قام بنفس المهمة لدى السلطان زيدان ، وابنيه عبد الملك والوليد.

وأهم ما يمكن تسجيله من حياته :

ـ سفارته عن السلطان زيدان إلى كل من فرنسا وهولاندا (١٦١٣ / ١٠٢٢ ـ ١٦١١ / ١٠٢٠) ، وهي السفارة التي فصلها في كتابه ناصر الدين.

ـ ذهابه إلى الحج عام ١٠٤٦ ه‍ / ١٦٣٦ م.

ـ توقفه بمصر (١٠٤٦ ه‍ / ١٦٣٧ م).

ـ رجوعه إلى تونس (١٠٤٧ ه‍) ، وتتمة ترجمة كتاب العز والمنافع (١٠٤٨ ه‍ / ١٦٣٨ م) ، ونسخه كتاب ناصر الدين بخطه في تونس عام ١٠٥١ ه‍ /

__________________

(١) انظر في هذا الشأن : محمد رزوق ، الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرنين ١٦ ـ ١٧.

١١

١٦٤١ ، وتنقطع بعد ذلك أخباره فلا ندري سنة وفاته ، ولا المكان الذي أقبر فيه.

أما أعماله المعروفة فسنستعرضها فيما يأتي :

* رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب (٢) : ألفه بطلب من الشيخ علي الأجهوري ليثبت فيه مناظراته للمسيحيين واليهود.

* ترجمة كتاب في المدفعية لإبراهيم غانم ، وقد سماه : العز والرفعة والمنافع ، للمجاهدين في سبيل الله بالمدافع (٣).

* ترجمة الرسالة الزكوطية للإسرائيلي إبراهيم السلمنقي (٤).

ونصل الآن إلى العمل الذي نحن بصدده ، وهو كتاب :

* ناصر الدين على القوم الكافرين :

نشير أولا إلى أن هذا الكتاب وضعه الشهاب الحجري كمختصر لكتابه السابق رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب بناء على طلب الشيخ علي الأجهوري بمصر سنة ١٠٤٧ ه‍ / ١٦٣٧ م ، لكننا لا نملك حاليا هذه النسخة ، وتوجد بين أيدينا نسخة كان المؤلف قد أتمها بتونس سنة ١٠٥١ ه‍ / ١٦٤١ م ، وهي بخط المؤلف ، وتوجد بدار الكتب بالقاهرة رقم ١٦٣٤ ت ، وهي بخط مغربي.

وهناك قطعة أخرى من كتاب ناصر الدين ، توجد بالمكتبة الوطنية بباريس تحت رقم Arabe ٤٢٠٧ (٥) ، خالية من اسم الناسخ وتاريخ النسخ ومكانه. غير أن هناك

__________________

(٢) يعد هذا الكتاب في الوقت الحالي مفقودا ، وقد وردت فقرات منه عند م. بن العياشي ، زهر ، ص. ١٠٥ ـ ١٠٧. وعنه نقل مؤرخون لاحقون كالكانوني في الجواهر ، ١ : ٨٧ ـ ٩٣ ، وع. ابن إبراهيم ، في الأعلام ، ٢ : ٢٧٣ ـ ٢٧٦.

(٣) مخطوطاته متعددة ، أحسنها مخطوط خ. ع. بالرباط رقم ٨٧ ج ، وتتميز عن غيرها بكونها تحتوي على خاتمة أورد فيها المعرب ترجمته.

(٤) مخطوط الخزانة الحسنية بالرباط ، عدد ١٤٣٣ ، ضمن مجموع.

(٥) كانت في الأصل ملكا للمستشرق الفرنسي جورج كولان Georges Colin ، قبل أن تنتقل إلى المكتبة الوطنية بباريس.

١٢

إشارة وردت في الصفحة ٥٩ عند الحديث عن العالم المصري الشيخ علي الأجهوري : «الشيخ الفاضل علي الأجهوري رحمه‌الله ورضي عنه» ، مما يدل على أنها كتبت بعد وفاة العالم المصري المذكور (١٠٦٦ ه‍ / ١٦٥٥ م) ، أي بعد نسخة القاهرة.

وتتكون هذه القطعة من ٧٣ صفحة (من الباب العاشر (٦) إلى الباب الثالث عشر) ، كما أنها خالية من الملاحق التي أوردها الشهاب الحجري في آخر الكتاب.

ونثير الانتباه إلى ملاحظات أخرى حول هذه النسخة :

ـ النقص الكبير داخل الأبواب الموجودة ، وقد أثبتنا ذلك في محله من التحقيق.

ـ هناك زيادات في هذه النسخة أشرنا إليها أيضا.

ـ هناك اختلافات يسيرة في بعض المواضع.

وبصفة عامة فإننا لم نستفد كثيرا من هذه القطعة.

وأخيرا نشير إلى رمزنا إلى هذه القطعة في التحقيق بحرف «ب».

منهجنا في التحقيق :

عندما نذكر بأن المخطوط كتب من طرف موريسكي فإننا يجب أن نضع في اعتبارنا تكوين هذا الأخير ، فقد تعلم العربية سرا ببلد كان يتابع فيه من يوجد لديه أية وثيقة عربية ، بل أي تصرف يمكن أن يفهم منه أنه عربي. وتبعا لذلك فإننا نجد المخطوط مليئا بالأخطاء اللغوية ، والألفاظ العامية (٧) ، والصيغ المترجمة. هذا إلى الدرجة التي نجد فيها بعض الكلمات التي يخضعها للنظام الصوتي الإسباني فكلمة (حملة) مثلا تحولت إلى (هملى) ، و (ماهية) إلى (مائية).

غير أننا نثير الانتباه إلى أن هذا النهج لا يقتصر على المخطوط الذي نحن بصدده ،

__________________

(٦) في الحقيقة ليس هناك إلا جزء منه فقط.

(٧) نذكر على سبيل المثال استعمال النون للمتكلم المفرد ، نحو (نمشي) بالنسبة (لأمشي).

١٣

بل يوجد في أغلب المخطوطات الموريسكية الإلخميادية (٨) ، وقد حظيت هذه المخطوطات بدراسات عديدة (٩). وانطلاقا من ذلك فإننا لم نشر إلى الأخطاء اللغوية (١٠) ، وعوضا عن ذلك أشرنا إلى بعض الألفاظ التي قد تخفى عن ذهن القارئ ، وهي إما ألفاظ عامية ، أو مترجمة ، أو ألفاظ أخضعها المؤلف للنظام الصوتي الإسباني. وعلى العموم فإن المخطوط يعطي صورة حية عن تطور اللغة العربية لدى المورسكيين بعد تجربتهم المريرة مع الإسبان.

د. محمد رزّوق

أستاذ بكلية الآداب

في جامعة بنمسيك ـ الدار البيضاء

__________________

(٨) انظر في هذا الصدد : الحسين بو زينب :

ـ تقييم للكتابات الأعجمية الموريسكية ، مقال بمجلة دار النيابة ، السنة ٢ ، العدد السادس ، ربيع ١٩٨٥ ، طنجة ، ص. ٦٤ ـ ٧١.

ـ اللغة المورسكية المسماة بالعجمية ، ضمن أعمال البحث اللساني والسميائي ، الدار البيضاء ، ١٩٨١ ، ص. ١٠٧ ـ ١١٩.

ـ القيمة الحقيقية للرموز الخطية في الأدب الأعجمي ، ضمن أعمال الآداب الإلخاميات ـ المورسكي ، تونس ، ١٩٨٦ ، ص. ٢٩ ـ ٣٧.

ـ الدين واللغة من خلال المكتوبات العجمية المورسكية ، بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي الثاني للدراسات المورسكية ، تونس ، ١٩٨٣ ، ١٣ صفحة.

(٩) انظر :

ـ Actes du II symposium International du C. I. L. M. sur Religion, Identite et sources doc umentaires sur les morisques Andalous, ٢ tomes, Tunis, ٤٨٩١. ـ Actes de la Premiere table ronde du C. I. L. M. sur la litterature Aljamiodo ـ morisque, Tu ـ nis, ٦٨٩١. ـ Les morisques et Leur temps, tabele rond international, Paris, ٣٨٩١.

(١٠) لأن هذه الأخطاء ليست أخطاء عابرة ، فهي تدخل في إطار نهجه العام في الكتابة ، ومن المعلوم أن هذا النهج هو وليد مؤثرات عدة ليصلنا في الأخير على الشكل الذي نراه به اليوم.

١٤

١٥

١٦

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا

محمد وعلى آله وسلم تسليما

كتاب ناصر الدين على القوم الكافرين

وهو السيف الأشهر على كل من كفر

تأليف

الشيخ الفقير

أحمد بن قاسم بن أحمد ابن الفقيه

قاسم ابن الشيخ الحجري الأندلسي

١٧
١٨

ديباجة المؤلف

بسم الله الرحمان الرحيم وبه نستعين ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وءاله وصحبه وسلم تسليما.

الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله ورضي الله تعالى عنءاله وأصحابه وعن التابعين له في دينه.

وبعد ، فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى ـ الراجي عفوه وغفرانه ورحمته ، بشفاعة نبيه المذكور في كتبه ، وأفضلها كلامه العزيز في قرءانه ـ : أحمد بن قاسم بن أحمد ابن الفقيه قاسم بن الشيخ الحجري الأندلسي : من نعم الله تعالى أن جعلني مسلما في بلاد الكفار منذ أعرف نفسي ، ببركة الوالدين ـ رحمهما‌الله تعالى ـ ... (١١) إرشادهما ، وقد جعل الله في قلبي محبة للخروج [من بلا](١٢) د الأندلس مهاجرا إلى الله تعالى ورسوله ، والقدوم [ل](١٣) بلاد المسلمين ، وقضى الله تعالى الغرض والمراد ، وبلغنا إلى

__________________

(١١) بياض بالأصل.

(١٢) بياض بالأصل ، وما بين المعقوفتين إضافة من المحقق.

(١٣) بياض بالأصل ، وما بين المعقوفتين إضافة من المحقق.

١٩

مدينة مراكش بالمغرب. وبعد ذلك باثنتي عشرة سنة فرج الله تعالى على الأندلس المسلمين الذين كانوا فيها تحت قهر النصا [رى وظله] هم فأمر (١٤) عليهم سلطان البلاد المسمى بفلب الثالث من اسمه بالخروج جميعا من بلاده. واتفق لكثير من المسلمين الأندلس عند خروجهم أن نهبهم في البحر النصارى وأكثرهم الفرنج البحرية الذين اكتروهم ودفعوا لهم أجرتهم على أن يبلغوهم في عافية وأمان إلى بلاد المسلمين ، وخانوهم كل واحد من الرياس في سفينته. وبعد أخذ كل ما كان لهم أخرجوهم في بعض الجزر من بلاد المسلمين ، وأربع من تلك السفن المنهوبة خرجت بالمغرب الأقصى ، فأحسن المسلمون البربر بالأندلس ، وجاءوا إلى مدينة مراكش ، وهي دار سلاطين المغرب ، وطلبوا من السلطان مولاي زيدان ابن السلطان مولاي أحمد ابن السلطان مولاي محمد الشيخ الشريف الحسني أن يأذن لهم في إرسال بعض من أصحابهم مع رجل [من](١٥) الأندلس الذين كانوا قبلهم بتلك المدينة ، واتفق نظرهم أن نمشي بأصحابهم ، وأعطانا للسلطان كتابه وذهبنا إلى أسف : هي مدينة على البحر المحيط ، وفيها ركبنا وبلغنا إلى بلاد الفرنج ، ووقع لي كثير مع علمائهم من القسيسين والرهبان والقضاة في شأن الأديان ، واحتجت أقرا الإنجيل الذي بأيديهم الآن ، ومنه ومن غيره من كتبهم وجدت ما نرد عليهم ، ونبطل حججهم ، ونصرني الله عليهم مرارا عديدة. وذكرت بعد ذلك حين وليت إلى مراكش شيئا من الحكايات والمناظرات والأجوبة مني إليهم لبعض الإخوان. وطلب مني غير واحد من علماء المسلمين أن أعمل تأليفا بذلك ، ولم يتفق العمل ، إلى أن أمرني شيخنا وبركتنا بمصر المحروسة بالله وهو العلامة الشهير علمه وثناؤه في الأقطار والبلدان : الشيخ علي بن محمد المدعو زين ابن العلامة الشيخ عبد الرحمن بن الأجهوري المالكي ... (١٦) بأكثر مما طلبوا ، وجعلت التأليف رحلة سميتها برحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب ،

__________________

(١٤) بياض بالأصل ، وما بين المعقوفتين إضافة من المحقق.

(١٥) بياض في الأصل ، والإضافة من المحقق.

(١٦) بياض في الأصل ، وانظر ترجمة الشيخ عند : م. الإفراني ، صفوة ، ١٢٦ ؛ وم. القادري ، نشر ، ٢ : ٨٠ ـ ٨١ ، وم. المحبي ، خلاصة الأثر ، ٣ : ١٥٧.

٢٠