نهج الدعاء

محمّد الري شهري

نهج الدعاء

المؤلف:

محمّد الري شهري


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-493-221-2
الصفحات: ٧٨٧

الفَصلُ الخامِسُ :

الدّعاء على الآخرين

البابُ الأَوَّلُ :

من لا ينبغي الدّعاء عليه

١ / ١

النَّفسُ وَالأَولادُ وَالأَحِبّاءُ وَالخَدَمُ

١٣٨٢. رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تَدعوا عَلى أولادِكُم فَيُوافِقَ ذلِكَ إجابَةً. ١

١٣٨٣. عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تَدعوا عَلى أنفُسِكُم ، ولا تَدعوا عَلى أولادِكُم ، ولا تَدعوا عَلى خَدَمِكُم ، ولا تَدعوا عَلى أموالِكُم ، لا تُوافِقوا مِنَ اللّه ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ ساعَةً نيلَ فيها عَطاءٌ ، فَيَستَجيبَ لَكُم. ٢

١٣٨٤. عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تَمَنَّوا هَلاكَ شَبابِكُم وإن كانَ فيهِم غَرامٌ ؛ فَإِنَّهُم عَلى ما كانَ فيهِم عَلى خِلالٍ : إمّا أن يَتوبوا فَيَتوبَ اللّه عَلَيهِم ، وإمّا أن تُردِيَهُمُ الآفاتُ ، إمّا عَدُوّا فَيُقاتِلوهُ ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. الفردوس : ج ٥ ص ٥١ ح ٧٤٣٢ ، تاريخ أصبهان : ج ٢ ص ٢٩٦ ح ١٧٨٤ كلاهما عن ابن عمر.

٢. سنن أبي داوود : ج ٢ ص ٨٨ ح ١٥٣٢ عن جابر بن عبد اللّه ، صحيح مسلم : ج ٤ ص ٢٣٠٤ ح ٣٠٠٩ وفيه «يسأل» بدل «نيل» وليس فيه «ولا تدعوا على خدمكم» ، كنز العمّال : ج ٢ ص ٩٣ ح ٣٢٩٢.

٥٤١

وإمّا حَريقا فَيُطفِئوهُ ، وإمّا ماءً فَيَسُدُّوهُ. ١

١٣٨٥. عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : سَأَلتُ اللّه أن لا يَستَجيبَ دُعاءَ حَبيبٍ عَلى حَبيبِهِ. ٢

١٣٨٦. الإمام الصادق عليه‌السلام : أيُّما رَجُلٍ دَعا عَلى وَلَدِهِ أورَثَهُ اللّه الفَقرَ. ٣

راجع : ص ٣٢٦ (من تستجاب دعوته / الوالد).

١ / ٢

مَن لا يَستَحِقُّ ولا سِيَّمَا المُؤمِنِ

١٣٨٧. رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا خَرَجَتِ اللَّعنَةُ مِن في صاحِبِها نَظَرَت ، فَإِن وَجَدَت مَسلَكا فِي الَّذي وُجِّهَت إلَيهِ ، وإلاّ عادَت إلَى الَّذي خَرَجَت مِنهُ. ٤

١٣٨٨. الإمام الباقر عليه‌السلام : إنَّ اللَّعنَةَ إذا خَرَجَت مِن صاحِبِها تَرَدَّدَت بَينَهُ ٥ وبَينَ الَّذي يُلعَنُ ، فَإِن وَجَدَت مَساغا ، وإلاّ عادَت إلى صاحِبِها وكانَ أحَقَّ بِها ، فَاحذَروا أن تَلعَنوا مُؤمِنا فَيَحُلَّ بِكُم. ٦

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. حلية الأولياء : ج ٥ ص ١١٩.

٢. تاريخ بغداد : ج ٢ ص ٢٠٢ ح ٦٣٥ وص ٢٠٣ ، الفردوس : ج ١ ص ٦٥ ح ١٨٦ وفيه «لا يقبل» بدل «لا يستجيب» وكلّها عن ابن عمر.

٣. عدّة الداعي : ص ٨٠.

٤. كنز العمّال : ج ٣ ص ٦١٤ ح ٨١٦٩ نقلاً عن شُعَب الإيمان عن عبد اللّه ، وراجع سنن أبي داوود : ج ٤ ص ٢٧٧ ح ٤٩٠٥ ومسند ابن حنبل : ج ٢ ص ١١١ ح ٤٠٣٦.

٥. في المصدر : «بينها» ، والصواب ما أثبتناه كما في بحار الأنوار ووسائل الشيعة : ج ١٢ ص ٣٠١ ح ١.

٦. قرب الإسناد : ص ١٠ ح ٣١ عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، الكافي : ج ٢ ص ٣٦٠ ح ٧ عن عليّ بن أبي حمزة عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، ثواب الأعمال : ص ٣٢٠ ح ١ عن عليّ بن حمزة عن الإمام الصادق عليه‌السلام وكلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ج ٧٢ ص ٢٠٨ ح ١ و ٢.

٥٤٢

١ / ٣

المُذنِبُ

١٣٨٩. الإمام الصادق عليه‌السلام : لَمّا رَأى إبراهيمُ عليه‌السلام مَلَكوتَ السَّماواتِ وَالأَرضِ ، التَفَتَ فَرَأى رَجُلاً يَزني ، فَدَعا عَلَيهِ فَماتَ ، ثُمَّ رَأى آخَرَ فَدَعا عَلَيهِ فَماتَ ، حَتّى رَأى ثَلاثَةً فَدَعا عَلَيهِم فَماتوا.

فَأَوحَى اللّه ـ عَزَّ ذِكرُهُ ـ إلَيهِ : يا إبراهيمُ ، إنَّ دَعوَتَكَ مُجابَةٌ ، فَلا تَدعُ عَلى عِبادي ؛ فَإِنّي لَو شِئتُ لَم أخلُقهُم ، إنّي خَلَقتُ خَلقي عَلى ثَلاثَةِ أصنافٍ : عَبدا يَعبُدُني لا يُشرِكُ بي شَيئا فَاُثيبُهُ ، وعَبدا يَعبُدُ غَيري فَلَن يَفوتَني ، وعَبدا عَبَدَ غَيري فَاُخرِجُ مِن صُلبِهِ مَن يَعبُدُني. ١

١٣٩٠. السنن الكبرى عن أبي هريرة : إنَّ النَّبِيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اُتِيَ بِشارِبٍ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابَهُ أن يَضرِبوهُ ، فَمِنهُم مَن ضَرَبَهُ بِنَعلِهِ ، ومِنهُم بِيَدِهِ ، ومِنهُم بِثَوبِهِ ، ثُمَّ قالَ : اِرجِعوا. ثُمَّ أمَرَهُم فَبَكَّتوهُ ٢ فَقالوا : ألا تَستَحي ، مَعَ رَسولِ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله تَصنَعُ هذا؟! ثُمَّ أرسَلَهُ ، فَلَمّا أدبَرَ وَقَعَ القَومُ يَدعونَ عَلَيهِ ويَسُبّونَهُ ، يَقولُ القائِلُ : اللّهُمَّ أخزِهِ! اللّهُمَّ العَنهُ! فَقالَ رَسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله :

لا تَقولوا هكَذا ولكِن قولوا : اللّهُمَّ اغفِر لَهُ ، اللّهُمَّ ارحَمهُ. ٣

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. الكافي : ج ٨ ص ٣٠٥ ح ٤٧٣ ، علل الشرائع : ص ٥٨٥ ح ٣١ ، تفسير العيّاشي : ج ١ ص ١٤٢ ح ٤٦٩ وص ٣٦٤ ح ٣٧ ، تفسير القمّي : ج ١ ص ٢٠٦ كلّها عن أبي بصير ، بحار الأنوار : ج ١٢ ص ٦١ ح ٦ ، وراجع الاحتجاج : ج ١ ص ٦٥.

٢. التبكيت : التقريع والتوبيخ. يقال له : يا فاسقُ ، أما اسْتَحيَيتَ ، أما اتقيْتَ اللّه؟! (النهاية : ج ١ ص ١٤٨ «بكت»).

٣. السنن الكبرى : ج ٨ ص ٥٤٢ ح ١٧٤٩٥ ، صحيح البخاري : ج ٦ ص ٢٤٨٨ ح ٦٣٩٥ ، سنن أبي داوود : ج ٤ ص ١٦٢ ح ٤٤٧٧ ، السنن الكبرى للنسائي : ج ٣ ص ٢٥٢ ح ٥٢٨٧ كلّها نحوه ، كنز العمّال : ج ٥ ص ٤٩٦ ح ١٣٧٢٦.

٥٤٣
٥٤٤

البابُ الثّاني :

من ينبغي الدّعاء عليه

الكتاب

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ * تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدِ). ١

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَـتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَـبِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّ ـ عِنُونَ). ٢

(كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيَمَ ـ نِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَـتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّــلِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). ٣

الحديث

١٣٩١. الإمام الصادق عليه‌السلام : إذا قَرَأتُم : (تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ) فَادعوا عَلى أبي لَهَبٍ ؛ فَإِنَّهُ كانَ مِنَ المُكَذِّبينَ الَّذينَ يُكَذِّبونَ بِالنَّبِيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاءَ بِهِ مِن عِندِ اللّه عز وجل. ٤

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. المسد : ١ ـ ٥.

٢. البقرة : ١٥٩.

٣. آل عمران : ٨٦ ـ ٨٧.

٤. ثواب الأعمال : ص ١٥٥ ح ١ ، مجمع البيان : ج ١٠ ص ٨٥٠ ، بحار الأنوار : ج ٨٥ ص ٤٨ ح ٤١.

٥٤٥
٥٤٦

البابُ الثّالِثُ :

دعاء الأنبياء وأتباعهم على المجرمين

٣ / ١

دُعاءُ نوحٍ

الكتاب

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَـقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَقَالَ الْمَلَؤُاْ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَـذَا فِى ءَابَائِنَا الْأَوَّلِينَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّى حِينٍ * قَالَ رَبِّ انصُرْنِى بِمَا كَذَّبُونِ). ١

(إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ * قَالَ رَبِّ انصُرْنِى بِمَا كَذَّبُونِ * قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَـدِمِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَ ـ هُمْ غُثَـاءً فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّــلِمِينَ). ٢

(قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِى وَمَن مَّعِىَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَأَنجَيْنَـهُ وَمَن مَّعَهُ فِى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ). ٣

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. المؤمنون : ٢٣ ـ ٢٦.

٢. المؤمنون : ٣٧ ـ ٤١. والغُثاء : غُثاء السَّيل والقِدر ، وهو ما يطفح ويتفرّق من النبات اليابس ؛ وزَبَدِ القِدْر ، ويُضْربُ به المَثَلُ فيما يضيعُ ويذهبُ (مفردات ألفاظ القرآن : ص ٦٠٢ «غثا»).

٣. الشعراء : ١١٧ ـ ١٢٠.

٥٤٧

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ). ١

(قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى وَاتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا * وَمَكَرُواْ مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيرًا وَلاَ تَزِدِ الظَّــلِمِينَ إِلاَّ ضَلَـلاً * مِّمَّا خَطِيئتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَارًا فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا). ٢

(وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَـفِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا * رَّبِّ اغْفِرْ لِى وَلِوَ لِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّــلِمِينَ إِلاَّ تَبَارَا). ٣

الحديث

١٣٩٢. علل الشرائع عن حنان بن سدير عن أبيه : قُلتُ لأَِبي جَعفَرٍ عليه‌السلام : أرَأَيتَ نوحا عليه‌السلام حينَ دَعا عَلى قَومِهِ فَقالَ : (رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَ ـ فِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا)؟

قالَ عليه‌السلام : عَلِمَ أنَّهُ لا يَنجُبُ مِن بَينِهِم أحَدٌ.

قالَ : قُلتُ : وكَيفَ عَلِمَ ذلِكَ؟

قالَ : أوحَى اللّه إلَيهِ : (أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءَامَنَ) ٤ فَعِندَ هذا دَعا عَلَيهِم بِهذَا الدُّعاءِ. ٥

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. القمر : ٩ و ١٠.

٢. نوح : ٢١ ـ ٢٥.

٣. نوح : ٢٦ ـ ٢٨. والتَّبار : الهلاك (النهاية : ج ١ ص ١٧٩ «تبر»).

٤. هود : ٣٦.

٥. علل الشرائع : ص ٣١ ح ١ ، بحار الأنوار : ج ٥ ص ٢٨٣ ح ٢.

٥٤٨

١٣٩٣. تفسير القمّي ـ في تَفسيرِ قَولِهِ تَعالى : (وَقَالُواْ لا تذرن ءالهتكم ولاتذرنّ ودّاً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) : كانَ قَومٌ مُؤمِنونَ ١ قَبلَ نوحٍ عليه‌السلام ، فَماتوا فَحَزِنَ عَلَيهِمُ النّاسُ ، فَجاءَ إبليسُ فَاتَّخَذَ لَهُم صُوَرَهُم لِيَأنَسوا بِها فَأَنِسوا بِها ، فَلَمّا جاءَهُمُ الشِّتاءُ أدخَلوهَا البُيوتَ ، فَمَضى ذلِكَ القَرنُ وجاءَ القَرنُ الآخَرُ ، فَجاءَهُم إبليسُ فَقالَ لَهُم : إنَّ هؤُلاءِ آلِهَةٌ كانَ ٢ آباؤُكُم يَعبُدونَها ، فَعَبَدوهُم وضَلَّ مِنهُم بَشَرٌ كَثيرٌ ، فَدَعا عَلَيهِم نوحٌ حَتّى أهلَكَهُمُ اللّه. ٣

٣ / ٢

دُعاءُ لوطٍ

الكتاب

(وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَـحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَــلَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـدِقِينَ * قَالَ رَبِّ انصُرْنِى عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ). ٤

٣ / ٣

دُعاءُ شُعَيبٍ

الكتاب

(قَالَ الْمَلأَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَـشُعَيْبُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. في المصدر : «مؤمنين» ، والتصويب من بحار الأنوار.

٢. في المصدر : «كانوا» ، والصواب ما أثبتناه.

٣. تفسير القمّي : ج ٢ ص ٣٨٧ ، بحار الأنوار : ج ٣ ص ٢٤٨ ، وراجع الكافي : ج ٨ ص ٢٨٠ ح ٤٢١.

٤. العنكبوت : ٢٨ ـ ٣٠.

٥٤٩

لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا قَالَ أَوَ لَوْ كُنَّا كَـرِهِينَ * قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّـانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَىْ ءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَـتِحِينَ * وَقَالَ الْمَلأَُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَـسِرُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِى دَارِهِمْ جَـثِمِينَ» ١ .٢

٣ / ٤

دُعاءُ موسى

الكتاب

(وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ ءَاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَ لاً فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَ لِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ). ٣

الحديث

١٣٩٤. الإمام الكاظم عليه‌السلام : كانَ مِن قَولِ موسى عليه‌السلام حينَ دَخَلَ عَلى فِرعَونَ : «اللّهُمَّ إنّي أدرَأُ إلَيكَ في نَحرِهِ ، وأستَجيرُ بِكَ مِن شَرِّهِ ، وأستَعينُ بِكَ» ،

فَحَوَّلَ اللّه ما كانَ في قَلبِ فِرعَونَ مِنَ الأَمنِ خَوفا. ٤

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. جاثِمين : أي صرعى ميّتين ساقطين لا حركة بهم. وقيل : كالرماد الجاثمّ ؛ لأنّهم احترقوا بالصاعقة (مجمع البحرين : ج ١ ص ٢٧٠ «جثم»).

٢. الأعراف : ٨٨ ـ ٩١.

٣. يونس : ٨٨.

٤. قصص الأنبياء : ص ١٥٥ ح ١٦٧ عن محمّد بن مروان ، بحار الأنوار : ج ٩٥ ص ٢١٨ ح ١١ ، وراجع الدرّ المنثور : ج ٦ ص ٤١٤.

٥٥٠

٣ / ٥

النَّوادِرُ

الكتاب

(وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّ قَـتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّـبِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِى أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَـفِرِينَ). ١

(وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَـفِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ). ٢

الحديث

١٣٩٥. الإمام عليّ عليه‌السلام : دَعا نَبِيٌّ مِنَ الأَنبِياءِ عَلى قَومِهِ ، فَقيلَ لَهُ : اُسَلِّطُ عَلَيهِم عَدُوَّهُم؟ فَقالَ : لا. فَقيلَ لَهُ : فَالجوعَ؟ فَقالَ : لا. فَقيلَ لَهُ : ما تُريدُ؟

فَقالَ : مَوتٌ دَفيقٌ ٣ يُحزِنُ القَلبَ ، ويُقِلُّ العَدَدَ. فَاُرسِلَ إلَيهِمُ الطّاعونُ. ٤

١٣٩٦. قصص الأنبياء عن ابن عبّاس : إنَّ يوشَعَ بنَ نونٍ بَوَّأَ ٥ بَني إسرائيلَ الشّامَ بَعدَ موسى عليه‌السلام ، وقَسَّمَها بَينَهُم ، فَصارَ مِنهُم سِبطٌ بِبَعلَبَكَّ بِأَرضِها ، وهُوَ السِّبطُ الَّذي مِنهُ إلياسُ النَّبِيُّ عليه‌السلام ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. آل عمران : ١٤٦ و ١٤٧. والرّبّيُّ كالربّاني ، قيل : هو منسوب إلى الربّ ، أي اللّه تعالى ، فالرَّبّاني كقولهم إلهي (مفردات ألفاظ القرآن : ص ٣٣٧ و ٣٣٦ «ربب»).

٢. البقرة : ٢٥٠ و ٢٥١.

٣. قال المجلسي رحمه‌الله في القاموس : الدَّفُّ ـ بالفتح ـ : نسف الشيء واستئصاله. وأدففته : أجهزت عليه كدففته ، انتهى. وفي بعض النسخ : «دفيق» ـ بالقاف ـ أي مصبوب. والأوّل أظهر (مرآة العقول : ج ١٤ ص ٢٦٥).

٤. الكافي : ج ٣ ص ٢٦١ ح ٤١ ، بحار الأنوار : ج ٦ ص ١٢٢ ح ٧.

٥. يُقال : بوّأه اللّه منزلاً ، أي أسكنهُ إيّاه ، وتبوَّأتُ منزلاً : أي اتّخذتهُ (النهاية : ج ١ ص ١٥٩ «بوأ»).

٥٥١

ثُمَّ أوحَى اللّه تَعالى إلى إلياسَ بَعدَ سَبعِ سِنينَ مِن يَومَ أحيَا اللّه يونُسَ عليه‌السلام : سَلني اُعطِكَ. فَقالَ : تُميتُني فَتُلحِقُني بِآبائي ؛ فَإِنّي قَد مَلِلتُ بَني إسرائيلَ وأبغَضتُهُم فيكَ.

فَقالَ تَعالى جَلَّت قُدرَتُهُ : ما هذا بِاليَومِ الَّذي اُعري مِنكَ الأَرضَ وأهلَها ، وإنَّما قِوامُها بِكَ ، ولكِن سَلني اُعطِكَ. فَقالَ إلياسُ : فَأَعطِني ثاري مِنَ الَّذينَ أبغَضوني فيكَ ، فَلا تُمطِر عَلَيهِم سَبعَ سِنينَ قَطرَةً إلاّ بِشَفاعَتي.

فَاشتَدَّ عَلى بَني إسرائيلَ الجوعُ وألَحَّ عَلَيهِمُ البَلاءُ ، وأسرَعَ المَوتُ فيهِم ، وعَلِموا أنَّ ذلِكَ مِن دَعوَةِ إلياسَ ، فَفَزِعوا إلَيهِ وقالوا : نَحنُ طَوعُ يَدِكَ ، فَهَبَطَ إلياسُ مَعَهُم ومَعَهُ تِلميذٌ لَهُ اليَسَعُ ، وجاءَ إلَى المَلِكِ فَقالَ : أفنَيتَ بني إسرائيلَ بِالقَحطِ! فَقالَ : قَتَلَهُمُ الَّذي أغواهُم ، فَقالَ : اُدعُ رَبَّكَ يُسقِهِم.

فَلَمّا جَنَّ اللَّيلُ قامَ إلياسُ عليه‌السلام ودَعَا اللّه ، ثُمَّ قالَ لِليَسَعِ : اُنظُر في أكنافِ ١ السَّماءِ ماذا تَرى؟

فَنَظَرَ فَقالَ : أرى سَحابَةً. فَقالَ : أبشِروا بِالسِّقاءِ ، فَليُحرِزوا أنفُسَهُم وأمتِعَتَهُم مِنَ الغَرَقِ. فَأَمطَرَ اللّه عَلَيهِمُ السَّماءَ ، وأنبَتَ لَهُمُ الأَرضَ ، فَقامَ إلياسُ بَينَ أظهُرِهِم وهُم صالِحونَ. ٢

١٣٩٧. الإمام الصادق عليه‌السلام : كانَ في زَمانِ بَني إسرائيلَ رَجُلٌ يُسَمّى إليا ، رَئيسٌ عَلى أربَعِمِئَةٍ مِن بَني إسرائيلَ ، وكانَ مَلِكُ بَني إسرائيلَ هَوِيَ امرَأَةً مِن قَومٍ يَعبُدونَ الأَصنامَ مِن غَيرِ بَني إسرائيلَ فَخَطَبَها.

فَقالَت : عَلى أن أحمِلَ الصَّنَمَ فَأَعبُدَهُ في بَلدَتِكَ ، فَأَبى عَلَيها ، ثُمَّ عاوَدَها مَرَّةً بَعدَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. الأكناف : جمع كَنَف؛ وهو الجانب والناحية (النهاية : ج ٤ ص ٢٠٥ «كنف»).

٢. قصص الأنبياء : ص ٢٤٨ ح ٢٩٣ ، بحار الأنوار : ج ١٣ ص ٣٩٣ ح ٢ ، وراجع قصص الأنبياء للثعلبي : ص ٢٥٨ و ٢٦٢.

٥٥٢

مَرَّةٍ حَتّى صارَ إلى ما أرادَت ، فَحَوَّلَها إلَيهِ ومَعَها صَنَمٌ ، وجاءَ مَعَها ثَمانُمِئَةِ رَجُلٍ يَعبُدونَهُ.

فَجاءَ إليا إلَى المَلِكِ فَقالَ : مَلَّكَكَ اللّه ومَدَّ لَكَ فِي العُمُرِ ، فَطَغَيتَ وبَغَيتَ! فَلَم يَلتَفِت إلَيهِ ، فَدَعَا اللّه إليا أن لا يُسقِيَهُم قَطرَةً ، فَنالَهُم قَحطٌ شَديدٌ ثَلاثَ سِنينَ. حَتّى ذَبَحوا دَوابَّهُم ، فَلَم يَبقَ لَهُم مِنَ الدَّوابِّ إلاّ بِرذَونٌ يَركَبُهُ المَلِكُ ، وآخَرُ يَركَبُهُ الوَزيرُ ، وكانَ قَدِ استَتَرَ عِندَ الوَزيرِ أصحابُ إليا يُطعِمُهُم في سَرَبٍ. ١

فَأَوحَى اللّه تَعالى ـ جَلَّ ذِكرُهُ ـ إلى إليا : تَعَرَّض لِلمَلِكِ ، فَإِنّي اُريدُ أن أتوبَ عَلَيهِ. فَأَتاهُ فَقالَ : يا إليا ، ما صَنَعتَ بِنا؟ قَتَلتَ بَني إسرائيلَ!

فَقالَ إليا : تُطيعُني فيما آمُرُكَ بِهِ؟ فَأَخَذَ عَلَيهِ العَهدَ ، فَأَخرَجَ أصحابَهُ وتَقَرَّبوا إلَى اللّه تَعالى بِثَورَينِ ، ثُمَّ دَعا بِالمَرأَةِ فَذَبَحَها وأحرَقَ الصَّنَمَ ، وتابَ المَلِكُ تَوبَةً حَسَنَةً حَتّى لَبِسَ الشَّعرَ ، واُرسِلَ إلَيهِ المَطَرُ وَالخِصبُ. ٢

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. السَّرَبُ : الحفير تحت الأرض (القاموس المحيط : ج ١ ص ٨١ «سرب»).

٢. قصص الأنبياء : ص ٢٤٢ ح ٢٨٥ عن عمّار بن موسى ، بحار الأنوار : ج ١٣ ص ٣٩٩ ح ٦.

٥٥٣
٥٥٤

البابُ الرّابِعُ :

من دعا عليهم رسول اللّه

المدخل

قد يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي من خلال ملاحظة أدعية الأنبياء وأئمّة المسلمين على المجرمين : لماذا أطلق أولياء اللّه الّذين هم رمز صفات اللّه ـ تعالى ـ وأسمائه الحسنى ومظهر رأفته ورحمته ، ألسنتهم بالدعاء على الأشخاص المجرمين؟ أو لم يكن من الأفضل أن يدعوا لهدايتهم وسعادتهم؟ أو لم يكن العقاب الإلهي يكفيهم كي يزيد أولياء اللّه ـ سبحانه ـ من عقوبتهم عبر الدعاء عليهم ولعنهم؟

للإجابة على هذا السؤال نقول : إنّ صفات اللّه وأسماءه الحسنى لا تقتصر على صفات الجمال ، فلله عز وجل صفات الجلال أيضا ، وكما أنّه أرحم الراحمين ، فإنّه قهّار وشديد العقاب أيضا ، والأشخاص الّذين يخرجون من دائرة الرحمة الإلهية الواسعة بسبب سوء استغلالهم للحرّية ، سوف يبتلون بغضبه وعقابه.

إنّ أنبياء اللّه وأولياءه ليسوا مَظهر صفات جماله فقط ، بل هم أيضا مجلى صفات جلاله عز وجل ، وعلى هذا فعندما يكون أرحم الراحمين فإنّه يلعن في نفس الوقت طائفة من المجرمين ويرغّب الآخرين أيضا في لعنهم ، فيقول :

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَـتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَـبِ أُوْلَئِكَ

٥٥٥

يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّـعِنُونَ). ١

ويقول أيضا : (كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيَمَـنِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ الْبَيِّنَـتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّــلِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). ٢ ولا شكّ في أنّ أنبياء اللّه وأولياءه ، يجب أن يتأسّوا به ، ويلعنوا الأشخاص الّذين هم موضع غضب اللّه ولعنته. وتوجد في هذا المجال ملاحظات تسترعي الاهتمام :

١. الحكمة من لعن الأنبياء والأولياء للمجرمين

الملاحظة الاُولى الّتي يجب أن تسترعي الاهتمام فيما يتعلّق بلعن أنبياء اللّه وأوليائه للمجرمين ، هي أنّ لعنهم يقوم على أساس الحكمة ، كما هو الحال بالنسبة إلى دعائهم ، والحِكم الّتي يمكن عدّها للعنهم هي كالتالي :

أ ـ تعزيز العقيدة بأنبياء اللّه وأوصيائه

إنّ الاستجابة لبعض الأدعية على المجرمين تؤدّي إلى تعزيز إيمان المؤمنين وزوال الشكّ من المرتابين ، مثل استجابة دعاء نوح عليه‌السلام على قومه ٣ ، والاستجابة لدعاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على كسرى ٤ وعتيبة بن أبي لهب ٥ ، وإجابة دعاء الإمام عليّ عليه‌السلام فيما يتعلّق ب «العيزار» ٦ والأشخاص الّذين كتموا حديث الولاية ٧ ، وكذلك إجابة دعاء أهل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. البقرة : ١٥٩.

٢. آل عمران : ٨٦ ـ ٨٧.

٣. راجع : ص ٥٤٧.

٤. راجع : ص ٥٦٨.

٥. راجع : ص ٥٦٧.

٦. راجع : ص ٥٩٤.

٧. راجع : ص ٥٩٧.

٥٥٦

البيت عليهم‌السلام على عدد من المعاندين.

ب ـ إظهار المكانة المعنوية لأولياء اللّه

إنّ أولياء اللّه عليهم‌السلام الّذين يخضعون لولاية اللّه الحكيم ورعايته في جميع الاُمور ومنها الحبّ والعداء ، لا يتحرّون في أعمالهم سوى طاعته ورضاه. فكما أنّ اللّه القادر والمتعالي جعل قضاء الكثير من الحاجات والوصول إلى الدرجات متوقّفا على التوسّل والشفاعة ودعاء أوليائه كي يظهر مكانة أولياء الدين للناس ويقودهم باتّجاه إيجاد الروابط وتعزيزها مع القادة المختارين ، كذلك الحال بالنسبة إلى بعض الأشخاص المستحقّين للعقوبة على قسم من ذنوبهم ، فإنّه يجعل ذلك متوقّفا على لعن الأولياء لهم ، كي يلفت أنظار الناس إلى منزلة هؤلاء الأولياء ويحذّرهم من سلوك طريق اللاّمبالاة ، أو مخالفة أولياء اللّه والّتي هي مخالفة اللّه.

ج ـ فضح الشخصيات السياسية الفاسدة

بعض الّذين لُعنوا من قبل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أهل البيت عليهم‌السلام يمثّلون شخصيات سياسية فاسدة ، فدعاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم أدّى إلى فضحهم وتزلزل قاعدتهم السياسية وانتشار الوعي السياسي في المجتمع.

د ـ فضح الشخصيات الدينية المنحرفة

يمثّل عدد من الأشخاص الّذين لعنهم أهل البيت عليهم‌السلام شخصيات دينية منحرفة ، فدعاء أهل البيت عليهم‌السلام عليهم هو في الحقيقة فضح لهم وتعريف بهم للمجتمع المسلم كي لا ينخدع بهم.

ه ـ الحيلولة دون الانحرافات الأخلاقية والاجتماعية

إنّ فضح المعاندين والمنافقين من شأنه أن يحول دون انجراف الأشخاص الّذين يمتلكون الأرضية النفسية للعناد والنفاق ـ أو الّذين ما يزالون في بداية

٥٥٧

طريق الانحراف ، ـ في الانحراف خشية افتضاح أمرهم ، وهذه الحكمة تجري أيضا فيما يتعلّق بلعن اللّه للأشخاص الّذين يكتمون معلوماتهم الدينية أو يكفرون بعد الإيمان.

٢. مَن هم الّذين لعنهم الأنبياء والأولياء؟

يتّضح من خلال التأمّل فيما سبقت الإشارة إليه في حكمة لعن الأنبياء والأولياء للمجرمين أنّهم لم يلعنوا جميع المجرمين ، بل إنّهم كانوا يقتصرون على لعن الأشخاص الّذين تسبّبوا في إضلال الآخرين فضلاً عن أنّهم لم يكونوا يتمتّعون بقابلية الهداية بسبب عنادهم ومكابرتهم ، ولذلك فإنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الرغم من كلّ الأذى الّذي تحمّله من قومه في بدء بعثته لم يلعن قومه ، بل لمّا اقتُرح عليه أن يدعو عليهم بالهلاك كما فعل نوح عليه‌السلام ففي الرواية أنّه قال :

«اللّهُمَّ اهدِ قَومي ؛ فَإِنَّهُم لا يَعلَمونَ ، وَانصُرني عَلَيهِم أن يُجيبوني إلى طاعَتِكَ». ١

وكذلك عندما كُسر سنّه في معركة اُحد وجُرح وجهه وطلب منه أصحابه أن يدعو عليهم ، فإنّه قال :

«إنّي لَم اُبعَث لَعّانا ، ولكِنّي بُعِثتُ داعِيا ورَحمَةً ، اللّهُمَّ اهدِ قَومي ؛ فَإِنَّهُم لا يَعلَمونَ». ٢

وقد كانت هذه الاقتراحات والعروض تتوالى عليه في الحالات والمواضع الاُخرى ، ولكنّه لم يكن يرفض أن يلعنهم وحسب ، بل كان يدعو لهم. ٣

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. راجع : ص ٤٦٣ ح ١٢٦١.

٢. راجع : ص ٤٦٣ ح ١٢٦٣.

٣. راجع : ص ٤٦٢ (دعاء النبيّ لقومه).

٥٥٨

٣. المراد من الدعاء على طائفةٍ ما

لُعنت بعض الطوائف مثل قريش ـ في عدد من الروايات ـ من قبل أهل البيت عليهم‌السلام ، ولا شكّ في أنّ هذا اللعن لا يشمل الجميع بل يقتصر على بعض الأشخاص من تلك الطوائف الّذين كانوا يستحقّون في الحقيقة مثل هذا اللعن ، والشاهد على ذلك هو الروايات الّتي حدّدت الأشخاص الملعونين ، وكذلك الروايات الّتي وردت بشأن سعد الخير ١ وسائر المؤمنين والصلحاء من بني اُميّة.

٤. اللّعن بسبب ذنب خاصّ

قد يرتكب بعض الأشخاص ذنبا خاصّا وتقتضي الحكمة لعنهم بسبب ذلك الذنب نفسه ، مثل كتمان حديث الولاية. ويجب الالتفات إلى أنّ هذا النوع من اللعن لا يدلّ على فساد الأشخاص المُشار إليهم إلاّ إذا لم تثبت توبتهم وصلاحهم ، وعلى هذا فإنّ لعن الشخص بسبب ذنبٍ خاصٍّ سوف لا يكون دالاًّ على فساده دوما.

٥. اللّعن الصوري

كان الحكّام في عهد إمامة عدد من أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام يلاحقون بعض أصحابهم ويقومون بسجنهم أو قتلهم ، ولذلك كان الإمام يلعنهم أحيانا أمام الملأ العام ، أو عند جواسيس النظام الحاكم ؛ حفاظا على أرواحهم كي يظهر عدم ارتباطهم به ويثني العدوّ عن مطاردتهم ، مثل اللعن الّذي صدر بشأن زرارة بن أعين ٢ ، وبريد بن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. راجع : قاموس الرجال : ج ٥ ص ٣٥ والاختصاص : ص ٨٥ والكافي : ج ٨ ص ٥٢ ح ١٦ وص ٥٦ ح ١٧.

٢. اُنظر رواية اللعن في رجال الكشّي : ج ١ ص ٣٥٩ الرقم ٢٣٤ ، وانظر روايات التوثيق : ج ١ ص ٣٤٥ الأرقام ٢٠٨ و ٢١١ و ٢١٠ و ٢١٥ و ٢١٧ و....

٥٥٩

معاوية ١ ، ومحمّد بن مسلم ٢ ، وصفوان بن يحيى ، ومحمّد بن سنان. ٣

وممّا يجدر ذكره أنّ هذا النوع من الحالات لم يُذكر في هذه المجموعة ؛ ذلك لأنّ تعارضها مع الروايات الّتي وردت في مدح هؤلاء الأشخاص يدلّ على صورية وشكلية روايات لعنهم. ٤

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١. اُنظر رواية اللعن في رجال الكشّي : ج ١ ص ٣٦٤ الرقم ٢٣٧ وج ٢ ص ٥٠٩ الرقم ٤٣٦ ، وانظر روايات المدح والتوثيق : ج ١ ص ٣٩٨ الرقم ٢٨٦ و ٢٨٧ وص ٤٢٣ الرقم ٣٢٦.

٢. اُنظر رواية اللعن في رجال الكشّي : ج ١ ص ٣٩٤ الرقم ٢٨٤ ، وانظر روايات المدح والتوثيق : ج ١ ص ٣٨٣ الأرقام ٢٧٣ و ٢٧٧ و ٢٧٨ و....

٣. اُنظر روايات لعن صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان في رجال الكشّي : ج ٢ ص ٧٩٢ الرقم ٩٦٤ ، وانظر روايات المدح والتوثيق : ج ٢ ص ٧٩٢ الأرقام ٩٦١ و ٩٦٢ و ٩٦٣ و ٩٦٦.

٤. كما ذكّر الإمام الصادق عليه‌السلام بهذا الموضوع بصراحة في الرسالة الّتي بعثها إلى زرارة عبر ابنه (أي ابن زرارة) ، انظر : رجال الكشّي : ج ١ ص ٣٤٩ الرقم ٢٢١.

٥٦٠