الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ضحية الإرهاب السياسي

الدكتور محمد حسين علي الصّغير

الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ضحية الإرهاب السياسي

المؤلف:

الدكتور محمد حسين علي الصّغير


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٧

عليه» (١).

وكانت هنالك محاولة سابقة لسم الامام في الرطب في رواية عمر بن واقد ، قال :

ان هارون الرشيد لما ضاق صدره مما كان يظهر له من فضل موسي بن جعفر (عليه‌السلام) ، وما كان يبلغه من قول الشيعة بامامته ، واختلافهم في السر اليه بالليل والنهار خشية علي نفسه وملكه ، ففكر في قتله بالسم ، فدعا برطب فأكل منه ، ثم أخذ صينية فوضع فيها عشرين رطبة ، وأخذ سلكا فعركه في السم ، أدخله في سم الخياط ، وأخذ رطبة من ذلك الرطب ، فأقبل يردد اليها ذلك السم بذلك الخيط ، حتي علم أنه قد حصل السم فيها ، فاستكثر منه ، ثم ردها في ذلك الرطب ، وقال لخادم :

احمل هذه الصينية الي موسي بن جعفر ، وقل له : ان أميرالمؤمنين أكل من هذا الرطب ، وتنغص لك به ، وهو يقسم عليك بحقه لما أكلتها عن آخر رطبة ... فتحاشي الامام هذه الرطبة في حديث طويل ، فباءت المحاولة بالفشل (٢).

ولئن باءت هذه المحاولة بالفشل فما باءت المحاولات الأخري.

ومهما يكن من أمر فان الوثائق التأريخية المعتمدة تشير أن الامام (عليه‌السلام) مات مسموما علي يد السندي بأمر الرشيد (٣).

ومما يؤكد هذا الرأي ما رواه الشيخ المفيد :

__________________

(١) الصدوق / عيون أخبار الرضا ١ / ٨٥ ، البحار ٤٨ / ٢٢٢.

(٢) ظ : المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ٢٢٣ وانظر مصدره.

(٣) ظ : المفيد / الارشاد / ٣٣٩ ، المسعودي / مروج الذهب ٣ / ٢٧٣ ، ابن الطقطقي / الفخري / ١٧٢ ، الطوسي / التهذيب ٦ / ٨١ ، ابن شهر آشوب / المناقب ٣ / ٤٣٧ ، ابن‌خلكان / وفيات الأعيان ٤ / ٣٩٥ ، ابن‌حجر / الصواعق المحرقة / ١٢٢ ، ابن‌الصباغ / الفصول المهمة / ٢٢٢ ، القندوزي / ينابيع المودة / ٣٦٣ ، المجلسي / البحار ٤٨ / ٢٠٧.

٢٨١

ان الامام لما حضرته الوفاة سأل السندي بن شاهك أن يحضر مولي له مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولي غسله وتكفينه ففعل ذلك.

قال السندي : فكنت أسأله في الاذن أن أكفنه فأبي ، وقال : «انا أهل بيت مهور نسائنا ، وحج صرورتنا ، وأكفان موتانا ، من طاهر أموالنا ، وعندي كفني ، وأريد أن يتولي غسلي وجهازي مولاي فلان ، فتولي ذلك منه» (١).

وهكذا تنطوي حياة الامام في ظل الارهاب السياسي.

__________________

(١) الشيخ المفيد / الارشاد / ٣٣٩.

٢٨٢

الاشهاد علي وفاة الامام

وحينما وقعت الجريمة النكراء باغتيال الامام مسموما ، قام الرشيد والسندي كلا علي سبيله ، وفي طريقته الخاصة ، بحملة اعلانية لغرض التعتيم علي الحدث ، والتستر علي الجريمة ، وذلك باستدعاء الشهود ، وايقافهم علي جثمان الامام ليشهدوا أنه مات حتف أنفه.

أورد الصدوق عن محمد بن صدقة العنبري ، قال :

«لما توفي أبوابراهيم موسي بن جعفر (عليه‌السلام) ، جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبية ، وبني العباس ، وسائر أهل المملكة ، والحكام؛ وأحضر أباابراهيم موسي بن جعفر فقال :

هذا موسي بن جعفر قد مات حتف أنفه ، وما كان بيني وبينه ما أستغفر الله منه في أمره ، يعني في قتله ، فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته ، فنظروا الي موسي بن جعفر وليس به أثر جراحة أو خنق» (١).

وقام السندي بدوره عندما أخذ السم يسري في بدن الامام ، وهو في سبيله الي الشهادة ، فقد روي أن السندي جمع ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب الي الخير ، فأدخلهم علي الامام موسي بن جعفر ، وقال :

__________________

(١) ظ : الصدوق / كمال‌الدين واتمام النعمة ١ / ١١٩ ، عيون أخبار الرضا ١ / ١٥.

٢٨٣

يا هؤلاء انظروا الي هذا الرجل هل حدث به حدث؟ فان الناس يزعمون أنه قد فعل مكروه به ، ويكثرون في ذلك ، وهذا منزله وفرشه موسع عليه غير مضيق ، ولم يرد به أميرالمؤمنين سوءا ، وانما ينتظره أن يقدم فيناظره أميرالمؤمنين ، وها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع أمره فاسألوه.

قال الراوي : ونحن ليس لنا هم الا النظر الي الامام ، والي فضله وسمته ، فقال الامام : أما ما ذكر من التوسعة وما أشبه ذلك فهو علي ما ذكر ، غير أني أخبركم أيها النفر :

«أني قد سقيت السم في تسع تمرات ، واني أخضر غدا ، وبعد غد أموت».

قال الراوي : فنظرت الي السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة (١).

وفي رواية عمر بن واقد ، قال : أرسل الي السندي في الليل يستحضرني ... فحضرت ، فقال : أتعرف موسي بن جعفر؟ فقلت : أي والله اني لأعرفه. وبيني وبينه صداقة منذ دهر. فقال : من ههنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله؟ فسميت أقواما ... فبعث وجاء بهم ، وقال : هل تعرفون أقواما يعرفون موسي بن جعفر؟ فسموا له قوما فجاء بهم ، فأصبحنا ونحن في الدار (نيف وخمسون) (٢) رجلا ممن يعرف موسي بن جعفر (عليه‌السلام) وقد صحبه ... فأدخلنا ، فقال لي : يا أباحفص؛ اكشف الثوب عن وجه موسي بن جعفر ، فكشفته فرأيته ميتا فبكيت واسترجعت.

ثم قال للقوم؛ انظروا اليه؛ فدنا واحد بعد واحد فنظروا اليه؛ ثم قال :

__________________

(١) ظ : الكافي ١ / ٢٥٨ ، المناقب ٣ / ٤٤١ ، البحار ٤٨ / ٢١٢.

(٢) كذا في الأصل.

٢٨٤

تشهدون كلكم أن هذا موسي بن جعفر؟ فقلنا نعم نشهد ... فقال : أترون به أثرا تنكرونه؟ فقلنا : ما نري به شيئا ولا نراه الا ميتا (١) وفي ذلك أورد اليعقوبي : أن السندي أحضر القواد والهاشميين والقضاة ، ومن حضر ببغداد من الطالبيين» (٢) لغرض الشهادة أن الامام مات حتف أنفه.

وفي رواية أن السندي أدخل علي الامام الفقهاء ووجوه بغداد ، وفيهم الهيثم بن عدي وغيره ، فنظروا اليه لا أثر به من جراح ولا خنق ، وأشهدهم أنه مات حتف أنفه ، فشهدوا علي ذلك (٣).

وحينما أخرج جثمان الامام ، وضع علي الجسر ببغداد ، ونودي عليه : هذا موسي بن جعفر قد مات ، فانظروا اليه ، فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت؛ وقد كان قوم زعموا في أيام موسي (عليه‌السلام) أنه القائم المنتظر ، وجعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم ، فأمر يحيي بن خالد أن ينادي عليه عند موته :

«هذا موسي بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه هو القائم الذي لا يموت ، فانظروا اليه ، فنظر الناس اليه ميتا» (٤)

واستمر هذا التضليل الاعلامي بالتمويه ، أن الامام مات حتف أنفه حتي نقله الي مثواه الأخير ، ووضعه علي شفير القبر ، فقد أمر السندي بن شاهك خليفته وكان مع الجنازة ، وقد وضعت علي شفير القبر ، أن اكشف وجهه للناس ، قبل أن تدفنه حتي يروه صحيحا لم يحدث به حدث قال : فكشفت عن وجه مولاي حتي رأيته وعرفته ، ثم غطي وجهه ...» (٥).

__________________

(١) ظ : الصدوق / عيون أخبار الرضا ١ / ٩٧ ، المجلسي / البحار ٤٨ / ٢٢٦.

(٢) اليعقوبي / التأريخ ٣ / ١٤٥.

(٣) ظ : ابن‌الطقطقي / الفخري / ١٧٢ ، الشبلنجي / نور الأبصار / ١٣٩.

(٤) الشيخ المفيد / الارشاد / ٣٣٩.

(٥) الطوسي / الغيبة / ٢٠ ، المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ٢٢٩.

٢٨٥

وهكذا تمر هذه المأساة الارهابية في ظل اجراءات ارهابية ، فالشهود ان لم يشهدوا فمصيرهم القتل أو السجن أو التشريد ، والنظام ممعن بالتغطية خوف (صفحه ٢٥٤) الفتنة فيما يزعمون ، والامام تنتهك حرمته دون أن ، يهتز لذلك الضمير العباسي ، والناس لا حول لهم ولا طول ، فالارهاب أفظع ما يدركه التصور قسوة وشدة.

والأعظم مصابا ، والأبلغ وقعا ، أن الامام بقي مسجي في جثمانه الشريف ثلاثة أيام لم يدفن (١).

وكان هذا الاجراء للتحقيق في وفاته ، واستدعاء الشهود ، ووضعه علي الجسر ببغداد ، والمنادي ينادي عليه بذلك النداء الفظيع (٢) بغية اطفاء نور الله تعالي :

(ويأبي الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) (٣) صدق الله العلي العظيم

__________________

(١) ابن‌عنبة / عمدة الطالب / ١٨٥.

(٢) ظ : المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ٢٢٧.

(٣) سورة التوبة / ٣٢.

٢٨٦

تجهيز الامام وتشييعه الي مقره الأخير

وانتخي سليمان بن أبي‌جعفر المنصور ، وهو عم الرشيد ، فتولي بنفسه الاشراف علي تجهيز الامام وتشييعه ، بعد أن استمع الي شرطة الرشيد تنادي علي جثمان الامام بما لا نستطيع ذكره.

سمع سليمان ـ اذن ـ الضوضاء في النداء ، ورأي تجمعا غير معهود علي الجسر ، فقال لولده وغلمانه : ما هذا؟ قالوا :

السندي بن شاهك ينادي علي موسي بن جعفر علي نعش.

فقال لولده وغلمانه : يوشك أن يفعل هذه به في الجانب الغربي ، فاذا عبر به ، فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم ، فان مانعوكم فاضربوهم ، وخرقوا ما عليهم من السواد ...

فامتثل الغلمان ذلك ... ووضعوا الجثمان في مفترق أربعة طرق ، ونادوا : ألا من أراد أن يحضر الطيب ابن الطيب موسي بن جعفر فليخرج ، وحضر الخلق ، فكان التشييع الجماهيري.

وكان هذا الموقف المشرف من سليمان؛ اما بدافع الغيرة والحمية ، واما بدافع الرحم الماسة ، واما بدافع سياسي ، أو بشعور انساني ، أو بذلك بعضه أو كله.

٢٨٧

ومهما يكن من أمر ، فقد كان ذلك بتقدير من الله عزوجل لرفع الظلامة عن الامام في حرمة جثمانه الطاهر ، فأتاح لذلك سليمان ، فقام بما قام.

وجهز الامام علي خير ما يكون غسلا وتحنيطا وكفنه سليمان بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار ، عليها القرآن كله ، ومشي في جنازته مستلبا مشقوق الجيب الي مقابر قريش (١).

وتناهي الاعلام بوفاة الامام الي الناس فتنادوا بذلك ، وسارت المواكب الكبري تشق طريقها في بغداد الي مثواه الأخير في مقابر قريش حيث ضريحه المقدس اليوم في الكاظمية زادها الله شرفا ببركته وبركة حفيده الامام محمد الجواد بن الرضا (عليهما‌السلام).

وكانت وفاة الامام (عليه‌السلام) في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رجب عام ١٨٣ ه كما هو المشهور عند الامامية ، وعليه العمل ، وعند أغلب المؤرخين (٢).

وقيل كان ذلك عام ١٨٦ ه ، وقيل كان ذلك عام ١٨١ ه (٣).

ودفن الامام في «مقابر قريش» غربي بغداد ، بما يسمي اليوم ب «الكاظمية» المقدسة ، وضريحه وضريح حفيده محمد الجواد من المشاهد المنورة في تلك الروضة البهية التي ضمت الجثمانين الطاهرين ، ويعتمر فيه يوميا عشرات الآلاف من الزائرين والوفاد من مختلف الأقاليم ، وعليه قبتان ذهبيتان ، الي جانبهما أربع منائر ذهبية تطلان علي بهوين عظيمين ، يشرفان عليهما وعلي الصحن الشريف ، وداخل الحرم مزين بالكاشاني المعرق ،

__________________

(١) الشيخ الصدوق / كمال‌الدين ١ / ١١٨ ، عيون أخبار الرضا ١ / ٩٩.

(٢) ظ : اليعقوبي / التأريخ ٣ / ١٤٥ ، الطبري / التاريخ ٨ / ٢٧١ ، الكليني / الكافي ١ / ١٨٦ ، المفيد / الارشاد / ٣٣٩ ، الطوسي / التهذيب ٦ / ٨١ ، الخطيب البغدادي / التأريخ ١٣ / ٣٥ ، ابن‌خلكان / الوفيات ٤ / ٣٩٥.

(٣) ظ : الكليني / الكافي ١ / ٤٧٦ ، المفيد / الارشاد / ٣٠٧ ، المناقب ٣ / ٤٣٧.

٢٨٨

والفسيفساء والأحجار الكريمة ، واستنارته تتمثل بمئات الشموع والمصابيح الكهربائية ، وأرضه ذات بلاط مرمري جذاب يرتفع تدريجيا الي الحيطان من كل جوانب الحرم الشريف بما يقارب ثلاثة أذرع ، حيث تتبع ذلك الزخارف والمرايا وقطع الزجاج الملون حتي يتصل بسقف الحرم الشريف ، فاذا أنير بالكهرباء وقناديل الانارة ، التمست الشعاع يصطدم بالشعاع ، والنور يقترن بالنور ، بما يسر الناظر ، وتدخل روعته في الضمائر ، وهذا الحرم الشامخ يحتضن في وسطه مشبكا فضيا دقيق الصنع ، ينتهي في أعلاه الي زخارف فضية وذهبية بأشكال متنوعة ، وفي داخله صندوقان ثمينان صنعا من الخشب الثمين الموصل بالعاج علي شكل مثلثات ومربعات ومخمسات ، هذان الصندوقان وضعا علي قبري الامامين (عليهما‌السلام) وقد وصف هذا المشهد قبل ثمانية قرون ابن‌خلكان فقال : «وعليه مشهد عظيم فيه من قناديل الذهب والفضة ، وأنواع الآلات والفرش ما لا يحد» (١).

وقد فرش الحرم الشريف بأنواع السجاد الايراني المعروف بنفاسته ودقته ، وتحوط بالحرم أربعة أروقة من الجهات الأربع ، تتصل بالشمال بالمسجد الصفوي ، وعلي يمين الداخل لها من الشرق ضريح صغير عليه مشبك فضي للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري اشتمل علي (صفحه ٢٥٧) قبره وقبر أستاذه أبي‌جعفر بن قولويه. وعلي يسار الداخل مما يلي الرأس الشريف ضريح في الرواق الغربي لنصيرالدين الطوسي ، وهنالك في الأروقة حجر صغيرة في بناء هندسي جميل ضمت أضرحة العلماء والأولياء والأسر الكاظمية العريقة.

والمشهد يتوسط الصحن الكاظمي في سعته وروعته وفضائه الرحب ، وتحيط به الغرف والحجر من جوانبه الأربعة ، وهي تتقلص من الجانب

__________________

(١) ابن‌خلكان / وفيات الأعيان ٤ / ٣٩٥.

٢٨٩

الشمالي بحسب هندسة البناء ، وهذه الغرف كانت قد أعدت للزائرين ، ومن ثم كانت لطلاب العلم من الوافدين ، وهي اليوم مقر لقبور العلماء ومشاهير الناس.

وللصحن الشريف أبواب متعددة ، أهمها : ثلاثة أبواب من جهة القبلة ، وبابان من الجهة الشرقية ، وبابان من الغرب. أما الجانب الشمالي فقد التصق بعمارة الحرم الطاهر.

وحسبك في مشهد الكاظمين (عليهما‌السلام) ، أنه ملاذ الأمة ، وكعبة الوفاد ، ومجتمع المبتهلين وأهل الدعاء ، حتي قال شيخ الحنابلة : أبوعلي الحسن الخلال.

«ما همني أمر فقصدت موسي بن جعفر فتوسلت به الا سهل الله تعالي لي ما أحب» (١)

وقال الامام الشافعي : «قبر موسي الكاظم الترياق المجرب» (٢).

وقال عبدالباقي العمري :

لذ واستجر متوسلا

ان ضاق أمرك أو تعسر

 بأبي الرضا ... جد الجوا

د محمد ... موسي بن جعفر (٣).

وقد وصف كاتب هذه السطور ضريح الامام وقبته الذهبية ، كما أبان منزلة الامام وعظمته بقصيدة ستجدها بعد هذا البحث.

وعادة الاستجارة بمشهد الامام موسي بن جعفر (عليه‌السلام) حقيقة روحية لدي المسلمين بعامة ، لا يختلف بعائديتها اثنان مع تعدد المذاهب

__________________

(١) الخطيب البغدادي / تأريخ بغداد ١ / ١٢٠.

(٢) بحرالعلوم / تحفة السالم ٢ / ٢٠.

(٣) عبدالباقي العمري / الديوان / ١٣٣.

٢٩٠

والمشارب حتي قال القائل في مدح يحيي بن جعفر (١).

وفي الجانب الشرقي يحيي بن جعفر

وفي الجانب الغربي موسي بن جعفر

فذاك الي الله الكريم شفيعنا

وهذا الي المولي الامام المطهر

وما هذا الا لتمكن حب الامام من قلوب العباد ، ولتلك الكرامة الباهرة بقضاء حاجة من استجار به في الشدائد والملمات.

والحمد لله أولا وآخرا علي حسن توفيقه في اكمال هذا السفر ، ذاكرا شاكرا مصليا علي النبي المصطفي وآله الطيبين الطاهرين.

__________________

(١) ظ : باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر ١ / ٥٣.

٢٩١

قصيدتان للمؤلف في الامام

نظم المؤلف قصيدتين في الامام موسي بن جعفر (عليه‌السلام) ، كانت الأولي بتأريخ نيسان عام ١٩٧٥ م ، وكانت الثانية في شوال ١٤٢٢ ه.

الامام موسي الكاظم

الشعرعي ... والعواطف ضلع

وأمامك الفكر المحلف يخشع

 وتمر السنة البيان بليغة

فاذا أتتك ثني الزمام المطلع

 ماذا أحدث عنك يابن محمد

ولأنت أسمي ... والمكانة أرفع

 شرف علي شرف يضمك مجده

وحقيقة تبقي ... وذكر أروع

 يستقبل التأريخ منك مواهبا

بالعبقرية تستفيض فيكرع

 العالم العلوي فيها ناطق

والكوكب الأرضي فيها يصدع

٢٩٢

فكأن (عيسي) في تراثك عائد

والشمس قد ردت ... وذاتك (يوشع)

 وعصا (ابن‌عمران) الكليم بكفه

فكأن (موسي) جنب (موسي) يرفع

 ما نار (ابراهيم) الا جذوة

خمدت لنور من جبينك يسطع

 وعليك من نور النبي صباحة

في المشرقين سناؤها يتشعشع

 ومن (الامام المرتضي) آثاره

وبنوه تثري ... والأئمة تتبع

 سر الشهادة من (حسين) رمزه

ألق بسجنك يستطيل فيلمع

 وعصارة (للمجتبي) من سمه

أحشاؤه كحشاك اذ تتقطع

 ذرية من بعضها ... قد أنجبت

بعضا فمن (كسري) هناك و (تبع)

 * * *

يابن النبي المصطفي ... ووصيه

حقا ... ومن في حبه نتذرع ...

 لله من كيد الزمان وغدره

ومن الحساب ... وما به نتوقع

 باب الحوائج والامام المرتجي

في النائبات ... ومن به نستشفع

٢٩٣

موسي بن جعفر ... وهي أعظم نسبة

نفحاتها بطيوبه تتضوع

 ما مر ذكرك في الرؤي الا هفا

مني الفؤاد ... وسال هذا المدمع

 فرحا بحبك ... فالضمير يشدني

حبلا ... ويدفعني الولاء فأدفع

 لله أمر باصطفائك انه

رمز الوجود ... وسره المستودع

 ما سعرت منك الكفاح جوانح

الا وطيفك للطغاة المفزع

 حتي انطوي ذاك الضلال ، وما انطوي

الا وقبرك للهداة المفزع

 تتعفر الجبهات في أعتابه

وقعا ... وتلثمه القلوب فتخشع

 ويزين سدته (الجواد) طلاقة

فيهش مكلوم ... ويوسر مدقع

 نور علي نور ... وتلك مشيئة

لله .. أن طاب الجناب الممرع

 فكأنه النجم المحلق في السما

يعنو له طرف ... ويومي‌ء اصبع

 يتموج الضوء البهي بأفقه

ويفوح مجمره الذكي ويفرع

٢٩٤

وتؤمه غر الملائك سجدا

وتحل ساحته الملوك فتركع

 يا أيها البطل الموحد أمة

والليل داج ... والطريق مروع

 عاصرت جمهرة الطغاة .. فما وني

عزم .. ولا وهن الجهاد الأروع

 تحيا من المحن الصعاب .. وترتمي

غضبا علي المتجبرين يوزع

 وتقيتك الأزمات صلب عقيدة

عصماء .. لا تلوي ولا تتزعزع

 حتي دعاك السجن تعرك قيده

وتعيش وحدته .. ونهجك مهيع

 متلفعا بضراوة من بأسه

صلت الجبين ... ورب تاو يهطع

 قضيت عمرك بالسجون ... وانه

مجد بكل كريمة يتلفع

 حتي سقيت السم تجرع كأسه

غصصا ... وترتقب الخلاص فتكرع

 صبرا علي مضض الحتوف ... وانما

طبع الزمان بكل حر مولع

 ما قيمة الدنيا اذا هي زينت

بالأمنيات .. وطال دهر ممتع

٢٩٥

ابمثل (موسي) تستخف عصابة

وهو الهزبر المستميت المصقع

رجل العقيدة والهدي بنهاره

وبليله قديسها المتورع

 ما مر في خلد ... ولا في مسمع

مثل له ... والوتر أني يشفع

 يتدفق القرآن في نبراته

وهو الامام العبقري الأورع

 دنياه تزخر بالعطاء ... وعمره

خصب .. وعمر ذوي الدخائل بلقع

 ما مرت (الخمسون) الا توجت

بالطيبات .. وفاض ذاك المنبع

 بعلوم آل محمد ... وتراثه

وبما يلذ السامعين ويمتع

 فكأن روح (محمد) في جنبه

وهدي (علي) في يديه مجمع

في رحاب الامام موسي بن جعفر

بضريحه أنخ الركابا

وافتح من البركات بابا

 (موسي بن جعفر) من أشا

د بكل مكرمة قبابا

٢٩٦

هو باب (حطة) للذنو

ب فعنده ازدلفوا اقترابا

 من عنده فصل الخطا

ب .. فليس يبلغه خطابا

 وبه حمي الله (العرا

ق) من المكاره أن يصابا

 وبتلكم الأعتاب فال

تمسوا دعاء مستجابا

 وبظلها ادرئوا العقا

ب .. وعندها اطلبوا الثوابا

 فبها نجاة اللائذيـ

ـن حمي ، وقربي ، وانتجابا

 أنزل بساحته المني

واظفر بأفضلها طلابا

 وأقم بحضرته الزكيـ

ـة مستجيرا أو متابا

 هي بقعة قدسيـ

ـة بالمجد عامرة جنابا

 روح الجنان يفوح من

جنباتها أرجا مذابا

 وشذا الامامة بالكرا

مة .. ينضح الطيب انسيابا

٢٩٧

سبحان ربك ... ما أعز

شموخه ... صقرا ... عقابا

 يجتاح كل طريدة

ويبز ناطحة سحابا (١)

 (باب الحوائج) ما أتا

هُ ـ قاصدا ـ أحد فخابا

 رجل الصلابة والأصا

لة ما استلان ولا استجابا

 يتجرع الغصص العظا

مَ ويصطلي المحن الصعابا

 المستميت بحيث كل

الناس تضطرب اضطرابا

 حتي اذا ضاق (الرشيـ

ـد) به مقاما ... واسترابا

 أحصي له الأنفاس لو

مر النسيم بها لآبا

 ورماه بالحكم الرهيـ

ـب يعيش نفيا ... واغترابا

 متنقلا بين السجو

ن كأن فيهن الرغابا

__________________

(١) قال زكريا بن آدم ، وهو من وجود أصحاب الأئمة للامام الرضا : اني أريد الخروج عن أهل بيتي ، فقد كثر السفهاء فيهم ، فقال الامام الرضا : لا تفعل ، فان أهل (قم) يدفع عنهم بك ، كما يدفع عن أهل بغداد بأبي‌الحسن (عليه‌السلام) ، يعني الامام موسي بن جعفر.

٢٩٨

يحيا حياة الشامخيـ

ن تعض بالقيد الرقابا

 وتكبل الأصفاد والـ

أغلال أطرافا غضابا

 ويطالها بالعسف والار

هاب أعصابا صلابا

 حتي اذا انقلب الزما

ن ... ولا حق الدهر الذئابا

 قلبت موازين الحيا

ة ومست الشمس الضبابا

 فاذا الطغاة بمأزق

يحتر بالذل العذابا

 ولو ارعويت مصيرهم

أثرا ... وعودا ... واختطابا

 لعلمت أن الله بالـ

مرصاد ... أعجزهم غلابا

 حتي تعود ديارهم حتي تعود ديارهم

قفراء موحشة ... يبابا

 وينزل النقمات باللـ

ـلعنات تنصب انصبابا

 من كان يؤخذ بالحنا

ن .. غدا سيأخذه اغتصابا

٢٩٩

حتي يعود كيانه

ظفرا لمنتقم ونابا

 ويصب فوق الرأس من

غصص الحميم لظي مذابا

 كالمهل يغلي في البطو

ن .. وحسبه منه شرابا

 والمتقون بجنة

فيحاء .. ظلا وانجذابا

 تجري بها الأنهار بالـ

ألبان تنساب انسيابا

 والخمر والعسل المصـ

في راق مصطحبا وطابا

 و «الحور» في جنباتهم

أدني من القوسين قابا

 من «قاصرات الطرف عيـ

ن» لا اكتحالا أو خضابا (١).

 وأجل منها ... قطفهم

رضوان ربك والثوابا

 هذا هو الحرم الذي

من حوله طوفوا احتسابا

 والقبة الزهراء فو

ق ضراحه التبر التهابا

__________________

(١) قال تعالي : (وعندهم قاصرات الطرف عين) الصافات / ٤٨.

٣٠٠