الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ضحية الإرهاب السياسي

الدكتور محمد حسين علي الصّغير

الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ضحية الإرهاب السياسي

المؤلف:

الدكتور محمد حسين علي الصّغير


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٧

وفاطمة ، والحسن والحسين ، وكان تأويل قوله عزوجل «أبناءنا» الحسن والحسين ، ونساءنا فاطمة ، وأنفسنا علي بن أبي‌طالب ، ان العلماء قد (صفحه ٢١٨) أجمعوا علي أن جبرئيل قال يوم أحد : يا محمد ان هذه لهي المواساة من علي. قال : لأنه مني وأنا منه ، فقال جبرئيل : وأنا منكما يا رسول الله ، ثم قال : لا سيف الا ذوالفقار ولا فتي الا علي ...» (١).

وكان الرشيد قد جند لقضية البنات ووراثة الأعمام شعراء البلاط العباسي وفقهاء السلاطين ، لاثبات أن قرابتهم للنبي أولي من قرابة أئمة أهل البيت (عليهم‌السلام) ، وقد تولي كبر ذلك مروان بن أبي‌حفصة قائلا :

أني يكون وليس ذاك بكائن

لبني البنات وراثة الأعمام

 فرده جعفر بن عفان الطائي ، وكان يلعن مروان ويقبح قوله ، وأجابه :

لم لا يكون وان ذاك لكائن

لبني البنات وراثة الأعمام

 للبنت نصف كامل من ماله

والعم متروك بغير سهام

 ما للطليق ... وللتراث ...

وانما صلي الطليق مخافة الصمصام (٢).

وهي قضية باءت بالفشل ، ولم تكن لتنطلي علي الشعب المسلم.

وكان الأسلوب الاستفزازي للرشيد الذي يجابه به الامام ، يدعو الامام أن يجيب بصراحة متناهية ، وذلك بسبب من الاحراج الكبير الذي تثيره هذه الأسئلة ، فتجعل الامام مضطرا لبيان الأمر الواقع علي حقيقته المجردة ،

__________________

(١) الصدوق / عيون أخبار الرضا ١ / ٨١ ، البحار ٤٨ / ١٢٨.

(٢) ظ : الأصبهاني / الأغاني ١٠ / ٩٤ وما بعدها.

٢٤١

ولكنه يسنده الي القرآن العظيم الذي هو عدله.

قال الرشيد للامام موسي بن جعفر : أسألك عن العباس وعلي ، بم صار علي أولي بميراث رسول الله (صلي الله عليه وآله) من العباس ، والعباس عم رسول الله ، وصنو أبيه؟

قال الامام : «ان النبي (صلي الله عليه وآله) لم يورث من قدر علي الهجرة فلم يهاجر ، وان عليا (عليه‌السلام) آمن وهاجر ، وقال الله :

(والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شي‌ء حتي يهاجروا)» (١) «فالتمع وجه الرشيد وتغير» (٢).

وأضاف في البحار ، فسأله الرشيد : أسألك يا موسي ، هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا؟ أو أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشي‌ء؟

فقال الامام : «اللهم لا ....» (٣).

وتارة أخري يحرج الرشيد الامام بتنطعه في السؤال ، وقد يستعفيه الامام من ذلك ، ولكن الرشيد يصر اصرارا كبيرا ، ويعطي الامام الأمان ، فكان لابد للامام من الجواب.

قال الرشيد : لم ادعيتم أنكم ورثتم النبي (صلي الله عليه وآله) والعم يحجب ابن العم ، وقبض رسول الله (صلي الله عليه وآله) وقد توفي أبوطالب قبله والعباس حي؟ ...

قال الامام : ان في قول علي بن أبي‌طالب (عليه‌السلام) : اذ ليس مع ولد الصلب ـ ذكرا كان أو أنثي ـ لأحد سهم الا للأبوين والزوج والزوجة ، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث ، ولم ينطق به الكتاب (٤).

وبمثل هذا العنت ، وبمثل هذه الأسئلة ، وبمثل هذه الاجابة ، كان قلب

__________________

(١) سورة الأنفال / ٧٢.

(٢) ابن شعبة / تحف العقول / ٣٠٢.

(٣) المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ١٢٧.

(٤) المصدر نفسه ٤٨ / ١٢٦.

٢٤٢

الرشيد يمتلي‌ء حقدا علي الامام ، والامام يعلم ذلك ، ولا يستطيع الا قول الحق ، اذ ليس مما ليس منه بد ، وهكذا يشكل الامام موقفا حاسما لا تردد فيه ولا اضطراب.

ولم تكن مجابهة الامام (عليه‌السلام) لفقهاء البلاط العباسي بأقل شأوا من مجابهته للسلاطين ، فقد أورد الشيخ المفيد : ان محمد بن الحسن الشيباني سأل الامام موسي بن جعفر بمحضر من الرشيد وهم بمكة؛ قال له : أيجوز للمحرم أن يظلل عليه محمله؟

فقال الامام (عليه‌السلام) : لا يجوز له ذلك مع الاختيار. فقال محمد بن الحسن : أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟

فقال له الامام : نعم ، فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك.

فقال له الامام الكاظم (عليه‌السلام) : أفتعجب من سنة النبي (صلي الله عليه وآله) وتستهزي‌ء بها؟ ان رسول الله (صلي الله عليه وآله) كشف ظلاله في احرامه ، ومشي تحت الظلال وهو محرم ، وان أحكام الله يا محمد لا تقاس ، فمن قاس بعضها علي بعض فقد ضل سواء السبيل. فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا (١).

وقد يفجأ الامام هؤلاء بنوع من علمه لا تصل اليه أحلامهم ، ولا ترقي الي ادراكه عقولهم ، فقد ورد في عدة مصادر :

أن أبايوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني زار الامام في السجن ، وقال أحدهما للآخر : نحن علي أحد أمرين؛ اما أن نساويه أو نشكله ، فجلسا بين يديه ، فجاء رجل كان موكلا بالامام من قبل السندي ، فقل : ان نوبتي قد انقضت وأنا علي الانصراف ، فان كان لك حاجة أمرتني حتي آتيك بها في الوقت الذي تخلفني النوبة؛ فقال : مالي حاجة.

فلما أن خرج ، قال الامام لأبي‌يوسف وصاحبه :

__________________

(١) الشيخ المفيد / الارشاد / ٣٣٤ ـ ٣٣٥.

٢٤٣

ما أعجب هذا؟ يسألني أن أكلفه حاجة من حوائجي ليرجع ، وهو ميت في هذه الليلة!!

فقاما ، وقال أحدهما للآخر : انا جئنا لنسأله عن الفرض والسنة؛ وهو الآن جاء بشي‌ء آخر كأنه من علم الغيب!!

ثم بعثا برجل مع الرجل ، فقالا : اذهب حتي تلزمه ، وتنظر من أمره في هذه الليلة ... فمضي الرجل فنام في مسجد في باب داره ، فلما أصبح سمع الناعية ورأي الناس يدخلون داره ، فقال : ما هذا؟

قالوا : مات فلان في هذه الليلة ... فانصرف الرجل الي أبي‌يوسف ومحمد وأخبرهما الخبر ، فأتيا أباالحسن (عليه‌السلام) ، فقالا : قد علمنا أنك أدركت العلم في الحلال والحرام ، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل بك أنه يموت الليلة؟

قال الامام (عليه‌السلام) : من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله (صلي الله عليه وآله) علي بن أبي‌طالب (عليه‌السلام).

فلما رد عليهما هذا ، بقيا لا يحيران جوابا (١).

وهذا باب ملتئب لدي الامام فيه عشرات الأحداث شواهد علي الاخبار بعلم المنايا وآجال الناس ، وكأنها مرهونة بكلامه ، ولا تخطي‌ء ولا مرة واحدة ، ودلائلها منتشرة في أمهات المصادر ، وقد تقدم قسم كبير منها علم الامام الموهبي ، ومنها :

عن اسحاق بن عمار ، قال : سمعت العبد الصالح أباالحسن (عليه‌السلام) ينعي الي رجل نفسه ، فقلت في نفسي : وانه ليعلم متي يموت الرجل من شيعته؟

فقال الامام شبه المغضب : يا اسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم

__________________

(١) ظ : الراوندي / الخرائج والجرائح / ٢٠٢ ، البحار ٤٨ / ٦٤ ـ ٦٥.

٢٤٤

المنايا والبلايا ، فالامام أولي بذلك (١).

وفي رواية أخري عن اسحاق أيضا قال :

كنت عند أبي‌الحسن (عليه‌السلام) ، ودخل عليه رجل فقال له أبوالحسن : يا فلان انك تموت الي شهر.

قال : فأضمرت في نفسي كأنه يعلم آجال شيعته؟

فقال الامام : «يا اسحاق ، وما تنكرون من ذلك؟ وقد كان رشيد الهجري مستضعفا ، وكان يعلم علم المنايا والبلايا ، فالامام أولي بذلك ، ثم قال ، يا اسحاق تموت الي سنتين ، ويتشتت أهلك وولدك وعيالك ، وأهل بيتك ...» (٢).

ولا نريد الاسترسال في هذا الشأن لئلا نخرج عن صلب الموضوع.

وفي ضوء ما تقدم يبدو لنا أن الامام في اللحظات الحاسمة؛ لا يتردد مطلقا في ابداء الحقائق مجردة حذر التضليل.

__________________

(١) الصفار / بصائر الدرجات ٦ / ٧٣.

(٢) المجلسي / البحار ٤٨ / ٥٤ عن المصدر السابق ٦ / ٧٣.

٢٤٥
٢٤٦

الفصل السابع

الامام في غياهب السجون

١ ـ رؤية مجهرية لأسباب سجن الإمام.

٢ ـ إيديو لوجية تنقل الإمام بين عدة سجون.

٣ ـ حياة الإمام في طوامير السجون.

٤ ـ الإمام يوصي بأموالهو يوقف أراضيه.

٢٤٧
٢٤٨

رؤية مجهرية لأسباب سجن الامام

رأيت فيما سبق بيانه في الفصول المتقدمة ، ما كان عليه الامام من عظيم المنزلة وسمو الذات ، وما احتل من شعبية عند الجماهير ، وما هو عليه من كيان رفيع لدي العلماء وقادة الفكر وحملة القرآن ورجال الحديث ، وما امتاز به من الخلق العظيم وكريم الشمائل ، وما جبل عليه نفسه من كظم الغيظ وضبط النفس وسخاء اليد ، وما عرف به من الحلم والصبر الجميل. وفوق هذا كله توجه النظر العقلي الي قيادته الدينية وامامته الشرعية ، يضاف الي ذلك اندماجه الكلي في ذات الله ، ونفاذ بصيرته بأمر الله ، وتمتعه بتلك القابليات الفذة من العلم الفياض بشقيه الكسبي واللدني ، وكونه الامام الماثل الذي تشخص نحوه الأبصار عند الأزمات والملمات.

وقد رأيت فيما مضي آراء الأساطين والفحول وهي تقوم فضله وتشيد بمكارم أخلاقه وتنص علي خصائصه ومميزاته.

كل أولئك مؤشرات بارزة السمات في حياة الامام ، وقيادة الامام ، ومكونات شخصية الامام.

والرشيد في تركيبه النفسي المعقد ، وفي طبيعة ما جبلت عليه ذاته

٢٤٩

من الأنانية ، وما اشتملت عليه تصرفاته الدالة علي حقده الدفين لأهل البيت (عليهم‌السلام) ، وهو في قرارة نفسه يعلم من هو الامام ، ويقر بما للامام من مثل وقيم لا تتوفر في سواه ، وهو يري تدافع الفقهاء والمحدثين وأهل العلم علي جامعة الامام ، وهو يري مدرسة الامام تشق طريقها في التشريع والحياة والاجتماع ، وهو يري شطر المسلمين يقولون بامامة موسي بن جعفر (عليه‌السلام) ، حتي عاد الامام حديث المجالس والأندية ، وشغل المحافل والدواوين.

وهذا كله من أبرز العوامل المساعدة علي استفزاز الرشيد. والرشيد أحرص الناس علي الحياة ، وأحب الناس للسلطان ، وأشد الناس طلبا للملك ، فقد تسلمه بعد هن وهن ، فهو لهذا لا يتورع عن اقتراف أية جريمة مهما كان نوعها ، للابقاء ـ فيما زعم ـ علي الحكم ، وقد هاله هذا الزخم الهائل من فضائل الامام ، وقد روعه ذلك الرصيد الشعبي للامام ، فهو يحمي ملكه ، ويبقي علي نفسه ، فيما يعتقده عندما يقدم علي اعتقال الامام.

يقول الأستاذ باقر شريف القرشي :

«لقد كان هارون يقظا ، فكان يخرج بغير زيه متنكرا ليسمع أحاديث العامة ، ويقف علي اتجاهاتهم ورغباتهم ، فكان لا يسمع الا الذكر العاطر للامام والثناء عليه ، وحب الناس له ، ورغبتهم في أن يتولي شؤونهم ، فلذلك أقدم علي ارتكاب الموبقة» (١).

وكانت البنية الخلفية للرشيد تتكي‌ء علي تركيب متدهور مريض ، يفيض لؤما وحساسية من أهل هذا البيت الكريم ، وهذا موسي بن جعفر زعيم العلويين وكبير الطالبيين ، وهذا هو موقعه من الأمة وتلك مآثره في الآفاق ، وأولاء شيعته في الحياة ، فلماذا يبقي طليقا؟ وهو مصدر قلق وهلع ، ولماذا

__________________

(١) باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر ٢ / ٤٥٠.

٢٥٠

لا يسجن؟ عسي أن تتفرق الجموع ، وتتلاشي المخاوف ، ويثبت السلطان.

علي حين رأينا الامام في سيرته ومسيرته : صاحب دين لا صاحب دنيا ، ورائد ايمان لا رائد سلطان ، ورجل رسالة لا رجل سلطة. ولم تكن هذه الحقائق لتثني الرشيد عن عزمه في القضاء علي الامام.

وكان للسعاية والوشاية أثرهما في حنق الرشيد علي الامام ، فبعض الأخبار تعزو سبب ذلك ليحيي بن خالد البرمكي ، فقد سعي بالامام لدي الرشيد ، لأن الرشيد جعل ابنه الأمين في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث وهو امامي ، فساء ذلك يحيي ، واعتقد أن دولته ودولة أبنائه ستنتهي لدي تولي الأمين الخلافة ، فهو سيستوزر ابن الأشعث باعتباره أستاذه ، فسعي به الي الرشيد بحجة : أنه لا يصل اليه مال الا أخرج خمسه ووجه به الي موسي بن جعفر ... فبعث الرشيد من يكتشف له أمر هبة أعطاها لابن الاشعث وهي عشرون ألف دينار ، فأدخل عليه بعد الترويع ليلا ... قال له : انك تبعث الي موسي بن جعفر من كل ما يصير اليك بخمسه ، وانك قد فعلت ذلك في العشرين ألفا ، فأمر باحضارها علي حالها.

وجعل يحيي يحتال في اسقاط جعفر ، فأرسل الي علي بن اسماعيل بن جعفر (وقيل محمد بن جعفر) وقال له : أخبرني عن عمك ، وعن شيعته ، وعن المال الذي يحمل اليه ... فقال : ان من كثرة ماله أنه اشتري ضيعة بثلاثين ألف دينار ، فقال البائع : لا أريد هذا المال ، وأريد نقدا آخر ، فأمر بها الامام فصبت ببيت ماله ، وأعطاه ذلك النقد الآخر ... فلما أراد الرشيد الرحلة الي العراق ، بلغ الامام أن عليا ابن أخيه يريد الخروج مع السلطان ، فأرسل اليه : مالك والخروج مع السلطان؟ قال : لأن علي دينا.

قال الامام : دينك علي. قال : وتدبير العيال؟

قال : أنا أكفيهم.

٢٥١

فأبي الا الخروج ، فأرسل اليه الامام بيد أخيه محمد بن جعفر بثلاثمائة دينار ، وأربعة آلاف درهم ، فقال :

اجعل هذا في جهازك ولا توتم ولدي (١).

وفي رواية أخري أن محمد بن جعفر دخل علي الرشيد ثم قال له :

ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتي رأيت أخي موسي بن جعفر يسلم عليه بالخلافة.

وكان ممن سعي بالامام يعقوب بن داود وكان يري رأي الزيدية (٢).

وقيل : ان الواشي بالامام عند الرشيد : محمد بن اسماعيل بن جعفر (٣).

وقد تعتبر هذه الوشاية أو تلك بداية المبررات لسجن الامام من قبل الرشيد ، أو في الأقل من المشجعات عليه.

بينما يري الأستاذ محمدحسن آل‌ياسين أن سبب سجن الامام كان مرتبطا بحج الرشيد أول مرة بعد استخلافه ، وزيارته قبر النبي ، وقوله : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا بن العم.

فتقدم الامام الي القبر ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبه.

فتغير وجه الرشيد ، وتبين الغيظ فيه فكتمه ، وقال : هذا هو الفخر يا أباالحسن.

والمستنبط من مجموع روايات هذه الحادثة ، وقد وردت في عدد غير قليل من المصادر المعتمدة (٤) أن الرشيد قد صدمته هذه المفاخرة الصريحة أو المباهلة الجريئة ، فأفسدت عليه مشاعر التعالي ولذة المباهلة ، وحرمته

__________________

(١) ظ : الصدوق / عيون أخبار الرضا ١ / ٦٩ باختصار.

(٢) المصدر نفسه ١ / ٧٢.

(٣) ابن شهر آشوب / المناقب ٣ / ٤٣٦.

(٤) رويت هذه الحادثة في أكثر من عشرين مصدرا معتمدا.

٢٥٢

من توهم قدرته علي خداع السامعين والمشاهدين بأنه أقرب الناس الي رسول الله (صلي الله عليه وآله) ويكون الأحق بالخلافة بحكم هذه القربي المتصلة الوشائج.

ويبدو أن الامام قد أحس بهدف الرشيد من هذا الاعلان ، فبادر الي اعلام جماهير الحاضرين : بأنه الأقرب رحما ونسبا ، والألصق لحمة وسببا ، وأنه ابن رسول الله (صلي الله عليه وآله) حقا علي رغم زيف المزيفين ، وتضبيب المضببين. وتدلنا الأخبار المعنية بهذا الموضوع أن الرشيد بعد أن كتم غضبه وغيظه ، لم يستطع نسيان ذلك أو اغفال أمره ، بل يظهر بجلاء أن تلك المجابهة العنيفة المؤدبة من الامام موسي بن جعفر ، قد هيمنت علي نفس الخليفة وأفكاره فأصبحت شغله الذهني الشاغل (١).

ومهما يكن من أمر ، فقد يكون هذا هو السبب الرئيسي في اعتقال الامام ، ويضاف اليه : أن لشخصية الامام القيادية أثرا كبيرا في اعتقاله ، لأنه صاحب الكيان المتميز في الشعب المسلم.

ولحقد الرشيد أثره الفاعل في اعتقال الامام ، وللسعايات أثرها في التعجيل باعتقال الامام ، ولحاشية السوء وبطانة الشر الأثر الكبير في تهييج الأحاسيس المضادة للامام ، كما أن للأطماع سبيلها الي ذلك كله ، فقد أجيز علي بن اسماعيل بمائتي ألف درهم ، فجي‌ء بها اليه وهو في النزع الأخير ، اذ زحر زحرة خرجت بها حشوته وأمعاؤه ، فقال : ما أصنع بالمال وأنا في الموت (٢).

وقد اعتبر الأستاذ باقر شريف القرشي أن أهم أسباب اعتقال الرشيد للامام : سمو شخصية الامام ـ حقد هارون علي الامام ـ حرص الرشيد علي الملك ـ بغضه للعلويين ـ الوشاية بالامام ـ احتجاج الامام علي الرشيد ـ

__________________

(١) محمدحسن آل‌ياسين / الامام موسي بن جعفر / ٧٠ ـ ٧١.

(٢) ظ : المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ٢٣٢.

٢٥٣

تعيين الامام لحدود فدك ـ صلابة موقف الامام موسي بن جعفر (١).

وأخيرا أقدم الرشيد علي فعلته النكراء فكان سفيها حقا ، فحج البيت مبتدئا بقبر النبي (صلي الله عليه وآله) مخاطبا له :

«يا رسول الله؛ اني أعتذر اليك من شي‌ء أريد أن أفعله ، أريد أن أحبس موسي بن جعفر ، فانه يريد التشتت بين أمتك وسفك دمائها» (٢).

ولست أدري كيف يقبل عذره؟ أو يقبل رسول الله عذره؟ وهو يريد اعتقال بضعة منه ، ومن ذا الذي يصدق هذا السفه اللا مسؤول الذي أطلقه الرشيد علي عواهنه؟ ومتي أراد الامام تشتيت الأمة وهو الداعي الي وحدتها ، ومتي أراد سفك دمائها؟ والحل والعقد بيد أبناء الطلقاء من العباسيين.

ان هذا الاعتداء السافر علي حرمة رسول الله (صلي الله عليه وآله) كان علي مسمع ومشهد من المسلمين ، وهم يستمعون ذلك ويسخرون منه ، والرشيد ينتهك الحرمة ومقاييس الأدب بحضرة الرسول الأعظم ، والامام تقطع عليه صلاته ولا يمهل لاتمامها ، ويؤخذ مكبلا بالحديد من مسجد جده ، وهناك قبتان ضربت من دونهما الأشعار ، لا يعلم الامام بأيهما هو ، وتؤخذ واحدة بطريقها الي البصرة ، والأخري نحو الكوفة ، ليعمي علي الناس خبره ، وكان الامام في التي مضت الي البصرة (٣). (صفحه ٢٢٩) وهكذا ينتزع الامام جهارا من مدينة جده ، ويتولي شؤونه في مسيرة هذا زمرة من الغلاظ الشداد ، حيث تنتظره معتقلات الطاغية. وكان الامام قد استدعي الي بغداد في عهد المهدي وسجن في بغداد ، فليس السجن علي الامام بجديد (٤).

__________________

(١) ظ : باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر ٢ / ٤٤٣ ـ ٤٦٠.

(٢) المجلسي / البحار ٤٨ / ٢٣٢.

(٣) ظ : تفصيلات ذلك؛ المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ٢٣٢.

(٤) ظ : الخطيب البغدادي / تأريخ بغداد ١٣ / ٢٧ ، ابن كثير / البداية والنهاية ١٠ / ١٥٣ ، القندوزي / ينابيع المودة / ٣٨٢.

٢٥٤

ايديولوجية تنقل الامام بين عدة سجون

كان الهدف الاستراتيجي من عملية سجن الامام ـ فيما يحسب الرشيد ـ هو تضييع خبر الامام ، وايقاف زحفه الهادر ، سي أن يتناساه الناس ، وتمحي صورته عن الذاكرة ، ومن ثم يتم تنفيذ المخطط اللا انساني باغتياله مع سبق الاصرار ، دون أدني ريب.

ولم يكن الامام بالشخص الذي يتجاهل تأثيره الحكام ولا الطغاة ، ولا هو بالرجل الاعتيادي الذي ان حضر لا يعد ، وان غاب لا يفتقد ، فالصورة علي العكس تماما ، فهو في ضمير الناس أمثولة تقتدي ، وهو في حياة الناس الامام البر التقي النقي ، وهو في الميدان العام سيد الموقف ورائد الحق الصريح ، والسجن في مثل هذا الواقع الشاخص لا يغير شيئا من منزلة الامام ، ولا يطوي صفحة لذكر الامام ، ولا يحقق غاية يسعي لها النظام ، فآثار الامام في حياة المجتمع المسلم لا تختفي بحال من الأحوال.

ولم يكن الاستعجال بقتل الامام يمثل خطة سليمة في نظر الرشيد ، فكان السجن هو الاختيار الأمثل عنده ، عسي أن يكون السجن بديلا يستطيع فيه القضاء علي ذيوع شهرته ، وعسي أن يقال : مرض ، واعتل ، أو

__________________

+القندوزي / ينابيع المودّه / ٣٨٢.

٢٥٥

مات حتف أنفه ، ليتخلص من أية مسؤولية.

هكذا أراد الرشيد ، وهكذا خطط الرشيد.

وذهبت مصادر دراسة حياة الامام موسي بن جعفر (عليه‌السلام) الي أن سجونه قد تعددت وتكررت ، وأن مواضعها قد تنوعت وتوزعت ، وأنه سجن في البصرة مرة ، وسجن في بغداد مرات. وكان في البصرة في سجن عيسي بن جعفر بن المنصور الدوانيقي ، وهو والي البصرة من قبل الرشيد ، وقد نظر في شأن الامام وأمره ، فذهل الرجل بعبادته وانابته ، وأعجب بصبره وخلقه الرفيع ، واستمع الي الامام في دعائه ، واذا به يقول :

«اللهم ، انك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك ، اللهم وقد فعلت ، فلك الحمد» (١).

وكان عيسي بن جعفر ـ فيما يبدو ـ عاقلا متأنيا ، فما أراد أن يتورط في شي‌ء من أمر الامام ، ويبدو أن الامام كان عنده موسعا عليه في سجنه ، وقد أتيحت له فيه الحرية بعض الشي‌ء ، اذ تمكن جملة من رواة الحديث من الاتصال بالامام والاستماع اليه ، وكان منهم ياسين الزياتي ، فقد روي عن الامام بعض الأحكام وهو في سجن البصرة.

ومكث الامام في سجن البصرة سنة ، فتململ عيسي بن جعفر بذلك ، ثم كتب الي الرشيد : أن خذه مني ، وسلمه الي من شئت ، والا خليت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة فما أقدر علي ذلك ، حتي اني لأتسمع عليه اذا دعا ، لعله يدعو علي أو عليك ، فما أسمعه يدعو الا لنفسه ، يسأل الرحمة والمغفرة. فوجه الرشيد من تسلمه منه (٢).

ويبدو أن هذه الرسالة من عيسي الي الرشيد قد كتبت بعد أن اضطرب

__________________

(١) ابن شهر آشوب / المناقب ٣ / ٤٣٢ ، البحار ٤٨ / ١٠٧.

(٢) ظ : المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ٢٣٣.

٢٥٦

الوضع بالبصرة احتجاجا علي سجن الامام ، وقد بلغ الرشيد ذلك ، فبادر بالطلب الي عيسي أن يقوم باغتيال الامام (عليه‌السلام) فجمع عيسي مستشاريه وعرض عليهم أمر الرشيد ، فحذروه من قتل الامام فاستجاب لهم ، وقد كان كارها لذلك ، وكتب الي الرشيد يستعفيه من هذه المهمة ، ويدل علي هذا الرسالة المفصلة التي بعث بها عيسي الي الرشيد ، يقول فيها :

يا أميرالمؤمنين ، كتبت الي في هذا المجال ، وقد اختبرته طول مقامه بمن حبسته معه عينا عليه ، لينظروا حيلته وأمره وطويته ممن له المعرفة والدراية ، ويجري من الانسان مجري الدم ، فلم يكن منه سوء قط ، ولم يذكر أميرالمؤمنين الا بخير ، ولم يكن عنده تطلع الي ولاية ، ولا خروج ، ولا شي‌ء من أمر الدنيا ، ولا دعا قط علي أميرالمؤمنين ، ولا علي أحد من الناس ، ولا يدعو الا بالمغفرة والرحمة له ولجميع المسلمين ، مع ملازمته للصيام والصلاة والعبادة ، فان رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني من أمره ، أو ينفذ من يتسلمه مني ، والا سرحت سبيله ، فاني منه في غاية الحرج (١).

ويبدو من عرض هذه الرسالة وأسلوبها الرقيق أن عيسي بن جعفر أراد أن يخفف ما في نفس الرشيد عن الامام ، فأنبأه بأنه في ظل رقابة صارمة ، وأن عينا عليه في السجن يلحظه بدقة متناهية ، ينظر في أمره ويوافيه بأخباره ، وأنه لم يذكر الرشيد الا بخير ، وأنه اختبره فوجده عازفا عن السلطان ، لا يتطلع الي ولاية ، وليس من رأيه الخروج علي الرشيد ، وطلب اليه تخلية سبيله ، واطلاقه من سجنه ، والا أطلق سراحه.

وكان الامام قد قضي سنة كاملة في سجن عيسي ، واستجاب الرشيد لطلب عيسي فنقله الي الفضل بن الربيع في بغداد (٢).

__________________

(١) ظ : الأصبهاني / مقاتل الطالبيين / ٥٠٢ ، الشيخ المفيد / الارشاد / ٣٣٧ ، الاربلي / كشف الغمة ٣ / ٢٥.

(٢) ظ : المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ٢٣٣.

٢٥٧

ولكن الذي يبدو من الأخبار ، ويظهر للبحث أن الرشيد أودع الامام معه في قصره لدي جلبه الي بغداد ، ومن ثم سلمه لمدير شرطته عبدالله بن مالك الخزاعي ، وهو ما رواه المسعودي ، وأكده ابن‌طاووس ، ونقله ابن‌خلكان ، وذكر عند القندوزي ، وابن‌حجر ، وأورده المجلسي ، وفي هذا السجن لدي مدير الشرطة تم اطلاق سراح الامام ، ويبدو أنه الاطلاق ، ثم قبض عليه ، وأودع سجن الفضل بن الربيع.

هذا ما توصل اليه البحث ، فقد حدث عبدالله الخزاعي بسند صحيح قال : دعاني هارون ... فقال امض الي تلك الحجرة وخذ من فيها ، واحتفظ به الي أن أسألك عنه ، فدخلت واذا هو موسي بن جعفر ، فحملته وأدخلته داري ، وكنت أتولي خدمته بنفسي ، ومضت الأيام فلم أشعر الا برسول الرشيد يقول :

أجب أميرالمؤمنين ، فذهبت الي الرشيد ، وأذن لي بالدخول ، فوجدته قاعدا علي فراشه ، فسلمت ، فسكت ساعة ، ثم قال لي :

يا عبدالله أتدري لم طلبتك في هذا الوقت؟ اني رأيت الساعة حبشيا قد أتاني ومعه حربة ، فقال : ان لم تخل عن موسي بن جعفر الساعة ، نحرتك بهذه الحربة.

فاذهب فخل سبيله. فقلت : أطلق موسي بن جعفر؟ ثلاثا ، قال : نعم؛ امض الساعة حتي تطلق موسي بن جعفر ، وأعطه ثلاثين ألف درهم ، وقل له : ان أحببت المقام قبلنا فلك عندي ما تحب. وان أحببت المضي الي المدينة فالأذن في ذلك اليك. قال : فمضيت الي الحبس ... وخليت سبيله (١).

واذا صحت هذه الرواية باطلاق سراح الامام فانه قد أبقي في بغداد

__________________

(١) ظ : المسعودي / مروج الذهب ٣ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ، ابن‌طاووس / مهج الدعوات / ٢٤٥ ، ابن‌خلكان / وفيات الأعيان ٤ / ٩٣٤ ، القندوزي / ينابيع المودة / ٣٦٣ ، ابن‌حجر / الصواعق المحرقة / ١٢٢.

٢٥٨

في ظل اقامة جبرية ، حتي استثني الرشيد من قراره فاعتقله عند الفضل بن الربيع أحد وزرائه ، فصيره في داره ، ويبدو أن الفضل كان متحرجا من سجن الامام ، أو في الأقل كان مرفها عليه في سجنه ، فقد أعجب الفضل بعبادة الامام ، وأطلع علي ذلك عبدالله الشزويني (القروي) وهو علي سطح داره ، وحدثه عنه بقوله : «اني أتفقده الليل والنهار ، فلم أجده الا علي الحال التي أخبرك بها : انه يصلي الفجر ، ويعقب ساعة ، ويسجد سجدة لا يزال بها حتي تزول الشمس ... ثم يثب لصلاة الظهر ... الي أن يفرغ من صلاة العصر ... فاذا غابت الشمس وثب فصلي المغرب ... ولا يزال في صلاته وتعقيبه الي صلاة العتمة ، ثم يفطر علي شوي ... ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر ... فاذا طلع وثب لصلاة الفجر (١)

وأراده الرشيد علي قتل الامام فأبي ذلك (٢).

وقال القروي للفضل : «اتق الله ولا تحدث في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة ... فقال الفضل : قد أرسلوا الي غير مرة يأمرونني بقتله فلم أجبهم لذلك ، وأعلمتهم أني لا أفعل ذلك ، ولو قتلوني ما أجبتهم الي ما سألوني» (٣).

ويبدو أن الفضل بن الربيع أراد من الرشيد اطلاق الامام ، وعاتبه علي التضييق عليه في الحبس ، فأجابه هارون : هيهات لابد من ذلك.

ويبدو أن هارون قد أطلق الامام بما رواه حاجب الفضل بن الربيع عن الفضل نفسه ، اذ دخل عليه مسرور الكبير ، قائلا : أجب الأمير ... فخرج معه الي الرشيد فقال له : تداخلك رعب؟ قلت : نعم ، قال : صر الي حبسنا ، فأخرج موسي بن جعفر بن محمد ... وخيره بين المقام أو الرحيل ، فقلت :

__________________

(١) المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ٢١١.

(٢) ظ : الاربلي / كشف الغمة ٣ / ٢٥.

(٣) الصدوق / الأمالي / ١٤٦ ، البحار ٤٨ / ٢١١.

٢٥٩

تأمر باطلاق موسي بن جعفر ، قال : نعم؛ ويلك تريد أن أنكث بالعهد (١).

وأطلق سراح الامام موقنا ، وقبض عليه ، فسجن عند الفضل بن يحيي. فوسع علي الامام وأكرمه ـ في رواية ـ فاتصل ذلك بالرشيد وهو في الرقة ، فكتب اليه الرشيد ينكر عليه توسيعه علي الامام ، وأمره بقتله ، فتوقف الفضل ، ولم يقدم علي ذلك (٢).

فأنفذ الرشيد مسرورا الخادم الي بغداد علي البريد ، وأمره من فوره أن يدخل الي موسي بن جعفر فيعرف خبره ، فان كان الأمر علي ما بلغه أوصل كتابا منه الي العباس بن محمد وأمره باعتقاله ، وأوصل كتابا آخر الي السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس.

فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيي ، ولا يدري أحد ما يريد ، ثم دخل علي الامام موسي بن جعفر (عليه‌السلام) فوجده علي ما بلغ الرشيد من السعة والرفاهية ، فأوصل لهما الكتابين ، فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض الي الفضل بن يحيي فركب معه ، وخرج مشدوها دهشا حتي دخل علي العباس ، فدعا بسياط وعقابين ، فوجه ذلك الي السندي بالفضل فجرد ، ثم ضربه مائة سوط ، فخرج الفضل متغير اللون خلاف ما دخل ، فأذهبت نخوته ، فجعل يسلم علي الناس يمينا وشمالا.

وكتب مسرور بالخبر الي الرشيد فأمر بتسليم الامام الي السندي بن شاهك ، وجلس مجلسا حافلا سب به الفضل بن يحيي وأمر بلعنه ، حتي تدارك ذلك أبويحيي بن خالد ، فساوي الأمر (٣).

وهذه المرويات تشير أن الفضل بن يحيي قد وسع علي الامام لما رآه من حسن سمته ، ورفيع عبادته ، وانقطاعه الي الله تعالي ، وعزوفه عن الدنيا

__________________

(١) ظ : المسعودي / مروج الذهب ٣ / ٢٦٥.

(٢) ظ : الاربلي / كشف الغمة ٣ / ٢٦.

(٣) ظ : الأصبهاني / مقاتل الطالبيين / ٥٠٣ ، الطوسي / الغيبة / ٢٢.

٢٦٠