الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ضحية الإرهاب السياسي

الدكتور محمد حسين علي الصّغير

الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ضحية الإرهاب السياسي

المؤلف:

الدكتور محمد حسين علي الصّغير


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٢٧

ان هذه الكوكبة اللامعة سلوكا وادراكا ومسؤولية ، لتستحق منا الاجلال والكرامة ، لأنها آثرت المصلحة الاسلامية علي مصالح الذات ، فعانت من الكيد السياسي والتخطيط الارهابي صابرة محتسبة ، لم تنزع الي منصب ، ولم تطمع بسلطان ، ولكنها فضلت ما عند الله مردا ، فزهدت بما عداه من الظواهر.

١٠١

تعليمات الامام لتهذيب الشعب المسلم

في أعالي النصح البشري ، وقمة الوعي الاصلاحي تبدو للامام موسي بن جعفر وصايا وارشادات وحكم قصار ، تمثل عصارة الفكر التجريبي في حياة العقل ، أفاض بها الامام نضرة عطرة تتروح بها القلوب ، وتهفو لها المشاعر والأحاسيس ، وهي جزء لامع من ذلك الاشعاع المتوهج الداعي لتهذيب النفس الانسانية ، وانقاذ الهيكل (صفحه ٩٥) الاجتماعي من التداعي والانهيار ، والأخذ بكيان الشعب المسلم الي التماسك والاستمرار ، وكأنها تلك اليد التي تدفع به الي شواطي‌ء الأمن والدعة والحرية من وراء الغيب.

وهي بعد ألفاظ جارية مجري الأمثال في الذيوع والانتشار ، فيها بلاغة القول ، وفخامة المعني ، وجلاء الصورة ، جاءت برصف بياني عفوي جديد ، لاعنت فيه ولا تكلف به ، فهو حديث النفس للنفس. ونداء الضمير للضمير ، وأي ضمير أنقي وأطهر من ضمير الامام موسي بن جعفر ، وهو يريد للمستوي الأخلاقي أن يتطور ، وللذات أن ترتفع عن صغائر الأمور ، وللنفس أن تمتلي‌ء نورا وثباتا ويقينا ، وأن يلتقي الوجه الخارجي للانسان

١٠٢

بالمحتوي الداخلي ليشكل كلا لا ينفصل في تهذيب الأفكار. وتلك اشارات ورموز وشواخص لا تجد أمثالها في غير مشروع أهل البيت الحضاري ، فهم للبشرية جمعاء ، وهم للناس في كل زمان ومكان.

والامام موسي بن جعفر (عليه‌السلام) قديس أهل البيت في السلوك والانابة ، ورهباني هذه الأمة في الخشوع والسمت العرفاني ، هذا من جانب؛ ومن جانب آخر نجده رمز التصدي للانحلال والتدهور ، وقد نذر نفسه من موقع المسؤولية الرسالية لقيادة الأمة ، ومباشرة مشكلاتها في التربية والتعليم والأخلاق وجها لوجه ، فما استلان عودا ، ولا وهن تبليغا ، ولا ضعف أداء ، كيف لا؟ وهو الناطق الهادر بالابلاغ الرسالي ، لم تثنه عن مهمته العقبات ولا النكبات في أقسي الظروف ضراوة ، وأشد العصور استفزازا ، فكان الشاخص الماثل الذي تستطيل له العيون ، فيغمرها هيبة ووقارا وجلالا.

ان هذه النصائح والوصايا المختارة التي ستقرأها بالامكان ـ لو استثمرت استثمارا عقليا مجردا ـ أن تؤدي الي رحاب الحكمة ورياضة النفس بعيدا عن الأوهام والتعالي ، فهي تصور المبدأ العام للآداب الرفيعة ، وهي تعبد الطريق الي تفاعل الضمير مع الحياة ، وتدعو الي التعامل البشري السليم ، وهي بعد : ليست من قبيل الأصوات التي لا تجد لها صدي في التأثير ، بل هي نهج عالمي نظما وتكوينا وفكرا ، ينطلق من ذات عرفت بترسيخ القيم والمبادي‌ء ، ومن شأنها أن توفر علي الطالب قراءة عشرات الكتب في تهذيب النفس.

ولا يخالجنا أدني شك أن هذه المقتطفات السائرة من تعليمات الامام تعتبر كنزا من كنوز الاسلام ، حاولنا اختيار نماذج منها تعني بالأدب ، والخلق ، والبر ، والايثار ، والتراحم ، والاحسان ، والارتفاع بالانسان الي انسانيته الفاضلة ، وهي من خزائن علم الامام في الدين والاجتماع والحب

١٠٣

وفلسفة الحياة من نوادر الآثار العالمية.

وميزة أخري أنها من السهل الممتنع ، فهي في غاية الوضوح والسماح ، وكان دوري فيها : حسن الاختيار ، وترتيبها علي طريقة «الألفباء» تسهيلا للتداول ، وتنظيما للآخذ.

وكانت مواردها منتشرة ومزدهرة في طائفة من المصادر منها : أصول الكافي للكليني ، والتوحيد والمعاني للصدوق ، والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي / والارشاد للمفيد / وقرب الاسناد للحميري / والمحاسن للبرقي / وتحف العقول لابن شعبة / والاحتجاج للطبرسي / وكشف الغمة للاربلي / وبحارالأنوار للمجلسي ، ووسائل الشيعة للحر العاملي ، وأعيان الشيعة للأمين الحسيني العاملي / وحياة الامام موسي بن جعفر لباقر شريف القرشي / والامام موسي بن جعفر لمحمد حسن آل‌ياسين ، وسواها.

(أ)

١ ـ الله ينزل المعونة علي قدر المؤونة ، وينزل الصبر علي قدر المصيبة.

٢ ـ أداء الأمانة والصدق يجلبان الرزق ، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق.

٣ ـ اتق الله ، وقل الحق وان كان فيه هلاكك فان فيه نجاتك.

٤ ـ اتق الله ، ودع الباطل وان كان فيه نجاتك ، فان فيه هلاكك.

٥ ـ اياك أن تمنع في طاعة الله ، فتنفق مثليه في معصية الله. قال عند قبر حضره :

٦ ـ ان شيئا هذا آخره ، لحقيق أن يزهد في أوله ، وان شيئا هذا أوله ، لحقيق أن يخاف آخره.

٧ ـ اذا كان الجور أغلب من الحق لم يحل لأحد أن يظن بأحد خيرا حتي يعرف ذلك منه.

٨ ـ ان العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره ، ولا يغلب الحرام صبره.

١٠٤

٩ ـ ان كان لا يغنيك ما يكفيك ، فليس شي‌ء من الدنيا يغنيك.

١٠ ـ ان أعظم الناس قدرا الذي لا يري الدنيا لنفسه خطرا.

١١ ـ أما أن أبدانكم ليس لها ثمن الا الجنة ، فلا تبيعوها بغيرها.

١٢ ـ أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم خلقا.

١٣ ـ ان العاقل : لا يحدث من يخاف تكذيبه ، ولا يسأل من يخاف منعه ، ولا يعد ما لا يقدر عليه ، ولا يرجو ما يعنف برجائه ، ولا يتقدم علي ما يخاف العجز عنه.

١٤ ـ ان الرفق والبر وحسن الخلق يعمر الديار ، ويزيد في الرزق.

١٥ ـ اصبر علي طاعة الله ، واصبر عن معاصي الله ... (صفحه ٩٨)

١٦ ـ اياك والكبر ، فانه لا يدخل الجنة من كان في قلبه حبة من كبر.

١٧ ـ اياك ومخالطة الناس والأنس بهم ، الا أن تجد منهم عاقلا ومأمونا فأنس به ، واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية.

١٨ ـ اياك والطمع ، وعليك باليأس من أيدي الناس.

١٩ ـ اياك والكسل والضجر ، فانهما مفتاح كل سوء.

٢٠ ـ اياك والمزاح فانه يذهب بنور ايمانك ، ويستخف بمروءتك.

٢١ ـ اياك والكسل والضجر ، فانهما يمنعانك من حظك في الدنيا والآخرة.

٢٢ ـ اياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها ، واياك أن يفقدك عند طاعة أمرك بها ...

٢٣ ـ أمت الطمع من المخلوقين؛ فان الطمع مفتاح الذل ، واختلاس العقل ، واختلاف المروات ، وتدنيس العرض ، والذهاب بالعلم.

٢٤ ـ ان ضوء الروح العقل ، فان كان العبد عاقلا كان عالما بربه ، واذا كان عالما بربه أبصر دينه.

٢٥ ـ ان كل الناس يبصر النجوم ، ولكن لا يهتدي بها الا من يعرف مجاريها

١٠٥

ومنازلها ، وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ، ولكن لا يهتدي بها منكم الا من عمل بها.

٢٦ ـ ان لله عبادا في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة.

٢٧ ـ أفضل العبادة بعد المعرفة : انتظار الفرج.

٢٨ ـ اذا كان الرجل حاضرا فكنه ، واذا كان غائبا فسمه.

٢٩ ـ اتق المرتقي السهل اذا كان منحدره وعرا.

٣٠ ـ ان قوما يصحبون السلطان يتخذهم المؤمنون كهوفا؛ هم الآمنون يوم القيامة.

٣١ ـ ان أهل الأرض لمرحومون ما تحابوا ، وأدوا الأمانة ، وعملوا بالحق. ٣٢ ـ اذا لم تستح فاعمل ما شئت.

٣٣ ـ ان الصبر علي البلاء أفضل من العافية عند الرخاء.

٣٤ ـ ان الصمت باب من أبواب الحكمة ، وان الصمت يكسب المحبة ، وانه دليل كل خير.

٣٥ ـ أحسن من الصدق قائله ، وخير من الخير فاعله.

٣٦ ـ أما والله؛ لئن عز بالظلم في الدنيا ، ليذلن بالعدل بالآخرة.

(ت)

٣٧ ـ التدبير نصف العيش.

٣٨ ـ التودد الي الناس نصف العقل.

٣٩ ـ تفقهوا في دين الله ، فان الفقه مفتاح البصيرة ، وتمام العبادة ، والسبب الي المنازل الرفيعة والرتب العالية في الدنيا والدين.

(ث)

٤٠ ـ ثلاثة يجلين البصر : النظر الي الخضرة ، والنظر الي الماء الجاري ، والنظر الي الوجه الحسن.

١٠٦

(ر)

٤١ ـ رأس السخاء أداء الأمانة.

(ز)

٤٢ ـ زاحموا العلماء في مجالسهم ولو حبوا علي الركب ، فان الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر. (صفحه ١٠٠)

(ص)

٤٣ ـ الصنيعة لا تكون صنيعة الا عند ذي دين أو حسب.

(ع)

٤٤ ـ العجلة هي الخرق.

٤٥ ـ عليك بالرفق فان الرفق يمن والخرق شؤم.

٤٦ ـ عليك بالاعتصام بربك ، والتوكل عليه ، وجاهد نفسك لتردها عن هواها ، فانه واجب عليك كجهادك عدوك.

٤٧ ـ عونك للضعيف أفضل من الصدقة.

٤٨ ـ العجب كل العجب للمحتمين من الطعام والشراب مخافة الداء ان نزل بهم ، كيف لا يحتمون من الذنوب مخافة النار اذا اشتعلت في أبدانهم.

(غ)

٤٩ ـ الغضب مفتاح الشر.

(ف)

٥٠ ـ فضل الفقيه علي العابد كفضل الشمس علي الكواكب.

(ق)

٥١ ـ قلة العيال أحد اليسارين.

٥٢ ـ قلة الوفاء عيب بالمروءة.

١٠٧

(ك)

٥٣ ـ كثرة الهم تورث الهرم.

٥٤ ـ كفارة عمل السلطان الاحسان الي الاخوان.

٥٥ ـ كلما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون ، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدون.

٥٦ ـ كن بارا واقتصر علي الجنة ، وان كنت عاقا فظا فاقتصر علي النار.

٥٧ ـ كذب سمعك وبصرك عن أخيك ...

٥٨ ـ كفي بالتجارب تأديبا ، وبممر الأيام عظة ، وبأخلاق من عاشرت معرفة ، وبذكر الموت حاجزا عن المعاصي ...

٥٩ ـ الكبر رداء الله ، فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار.

(ل)

٦٠ ـ لا دين لمن لا مروءة له ، ولا مروءة لمن لا عقل له.

٦١ ـ لا تمنحوا الجهال الحكمة فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.

٦٢ ـ ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فان عمل حسنا استزاد منه ، وان عمل سيئا استغفر الله منه ، وتاب اليه.

٦٣ ـ لا تكونن مبتدعا.

٦٤ ـ لا خير في العيش الا لمسمع واع أو عالم ناطق.

٦٥ ـ لا تبذل لاخوانك من نفسك ما ضرره أكثر من منفعته لهم.

٦٦ ـ لو ظهرت الآجال لافتضحت الآمال.

٦٧ ـ لا تضيع حق أخيك اتكالا علي ما بينك وبينه ، فانه ليس بأخ من ضيعت حقه.

٦٨ ـ لا يكونن أخوك أقوي علي قطيعتك منك علي صلته.

٦٩ ـ ليس حسن الجوار كف الأذي ، ولكن حسن الجوار الصبر علي الأذي.

١٠٨

٧٠ ـ لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك ، وابق منها ، فان ذهابها ذهاب الحياء.

٧١ ـ لا تحدثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر ، فان من حدث نفسه بالفقر بخل ، ومن حدثها بطول العمر يحرص.

(م)

٧٢ ـ من أيقن بالخلف جاد بالعطية.

٧٣ ـ ما عال امرؤ اقتصد.

٧٤ ـ من أحزن والديه فقد عقهما.

٧٥ ـ من ضرب بيده علي فخذه ، أو واحدة علي الأخري عند المصيبة ، فقد حبط أجره.

٧٦ ـ من اقتصده وقنع بقيت عليه النعمة.

٧٧ ـ من بذر وأسرف زالت عنه النعمة.

٧٨ ـ المصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها الا بالصبر ، والاسترجاع عند الصدمة.

٧٩ ـ المؤمن كمثل كفتي ميزان ، كلما زيد في ايمانه زيد في بلائه.

٨٠ ـ من لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا.

٨١ ـ المصيبة للصابر واحدة ، وللجازع اثنتان.

٨٢ ـ ما عبد الا وملك آخذ بناصيته ، فلا يتواضع الا رفعه الله ، ولا يتعاظم الا وضعه الله.

٨٣ ـ مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة.

٨٤ ـ محادثة العالم علي المزابل ، خير من محادثة الجاهل علي الزرابي.

٨٥ ـ من نظر برأيه هلك.

٨٦ ـ من ترك أهل بيت نبيه (صلي الله عليه وآله) ضل.

١٠٩

٨٧ ـ مشاركة العاقل يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله ، فاذا أشار عليك العاقل الناصح فاياك والخلاف ، فان في ذلك العطب.

٨٨ ـ من قصد اليه رجل من اخوانه مستجيرا به في بعض أحواله فلم يجره بعد أن يقدر عليه ، فقد قطع ولاية الله عزوجل.

٨٩ ـ من أدخل علي مؤمن سرورا فرح الله قلبه يوم القيامة.

٩٠ ـ المؤمن أعز من الجبل ، الجبل يستغل بالمعاول ، والمؤمن لا يستغل دينه بشي‌ء.

٩١ ـ من تكلف ما ليس من عمله ضاع عمله ، وخاب أمله.

٩٢ ـ ما أهان الدنيا قوم قط الا هنأهم الله اياها ، وبارك لهم فيها ، وما أعزها قوم الا بغضهم الله اياها.

٩٣ ـ من أتي الي أخيه مكروها فبنفسه بدأها.

٩٤ ـ من ولده الفقر أبطره الغني.

٩٥ ـ ما أستب اثنان الا انحط الأعلي منهما الي المرتبة السفلي.

٩٦ ـ المؤمن أخو المؤمن لأمه وأبيه ، وان لم يلده أبوه.

٩٧ ـ المعروف تلو المعروف غل لا يفكه الا مكافأة أو شكر.

٩٨ ـ ملعون من اتهم أخاه.

٩٩ ـ ملعون من لم ينصح لأخيه.

١٠٠ ـ ملعون من احتجب عن أخيه.

١٠١ ـ ملعون من اغتاب أخاه.

١٠٢ ـ من لم يكن له من نفسه واعظ تمكن عدوه منه.

١٠٣ ـ المغبون من غبن من عمره ساعة. (صفحه ١٠٤)

١٠٤ ـ من ترك التماس المعالي لانقطاع رجائه فيها لم ينل جسيما.

١٠٥ ـ من تكلم في الله هلك ، ومن طلب الرئاسة هلك ، ومن دخله العجب

١١٠

هلك.

١٠٦ ـ من قصده رجل من اخوانه مستجيرا في بعض أحواله ، فلم يجره أن يقدر عليه ، فقد قطع ولاية الله عزوجل.

١٠٧ ـ من استشار لا يعدم عند الصواب مادحا ، وعند الخطأ عاذرا.

١٠٨ ـ من اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة ، ومن بذر وأسرف زالت عنه النعمة. ١٠٩ ـ من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فانما هي رحمة من الله تبارك وتعالي ساقها اليه ، فان قبل ذلك فقد وصله بولايتنا ، وهو موصول بولاية الله تبارك وتعالي ، وان رده عن حاجته وهو يقدر علي قضائها ، سلط الله تبارك وتعالي عليه شجاعا من نار ينهشه في قبره الي يوم القيامة ، مغفورا له أو معذبا ، فان عذره الطالب كان أسوأ حالا.

(ي)

١١٠ ـ يعرف شدة الجور من حكم به عليه.

١١١ ـ ينادي مناد يوم القيامة : ألا من كان له علي الله أجر فليقم ، فلا يقوم الا من عفا وأصلح ، فأجره علي الله.

١١٢ ـ ينبغي لمن عقل من الله أن لا يستبطأه في رزقه ، ولا يتهمه في قضائه.

١١١
١١٢

الفصل الثالث

الإمام وظواهر الحياة العقلية المبطوّرة

١ ـ العقل والمناخ العقلي المضطرب.

٢ ـ تعدد الاتجاهات العقائدية.

٣ ـ الانشقاق الداخلي في فرق الشيعة.

٤ ـ الإمام في خضمّ التيار الكلامي.

١١٣
١١٤

العقل والمناخ العقلي المضطرب

قال الامام موسي بن جعفر (عليه‌السلام) : «ان ضوء الروح العقل ، فاذا العبد عاقلا كان عالما بربه ، واذا كان عالما بربه أبصر دينه» (١).

وهذا القول أطروحة فريدة يضعها الامام بين يدي العارفين ، فالعقل عند الامام مدار الحجة علي الانسان ، وهو سبيل الاطراد العلمي بما يزنه من دقائق الأمور ، وهو أيضا منار الهداية في الحياة ، حتي اعتبره الامام عدلا لرسالة السماء وقيادة الأئمة فقال : «ان لله علي الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة ، وأما الباطنة فالعقول» (٢).

وبهذه الرؤية نجد اهتمام الامام بالعقل الانساني المجرد ، وعدة من الأصول التي لا غني عنها في تيسير الحياة وضبط النفس ، وهو يسلط الأضواء علي العقل في رصد منابع الخير كلها ، فيقول :

«من أراد الغني بلا مال ، وراحة القلب من الحسد ، والسلامة في الدين ، فليتضرع الي الله في مسألته بأن يكمل عقله ، فمن عقل قنع بما يكفيه ،

__________________

(١) ابن‌شعبة / تحف العقول / ٢٩٦.

(٢) الكليني / الكافي ١ / ١٦.

١١٥

ومن قنع بما يكفيه استغني ، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبدا» (١).

يقول الأستاذ محمدحسن آل‌ياسين تعقيبا :

«ولما كان المراد من العقل في هذه النصوص هو النضج المثمر والوجود الفاعل المؤثر ـ وليس ما يقابل الجنون الذي يعني فقدان السيطرة علي الشعور المنضبط والاحساس المتزن ـ كان الانسان المجرد من المعرفة والمحروم من التعلم وان كمل عقله؛ محكوما بالنقص الذي لا ينكر ولا يستر ، بسبب جهله المخل بدوره الانساني النافع لنفسه ومجتمعه ، ولذلك أضاف الامام الي ما تقدم منه في تكريم العقل : التنبيه علي أهمية العلم وشأنه الكبير وأثره العظيم في بناء الأفراد والمجتمعات» (٢).

ولما كان العقل المتكامل منحة الهية من وجه ، وتجربة ذاتية من وجه آخر ، وجدنا القلة النادرة في الاجتماع البشري هي التي تتمتع به ادراكا ومعرفة وفلسفة. وحينما تطورت الحياة العلمية في عصر الامام بفضل الجهود المضنية للعلماء والباحثين والمترجمين ، فقد وجدنا في ضوء ذلك تطورا سريعا للحياة العقلية ، وكان هذا التطور مصاحبا لعلم الاحتجاج في أبرز فروعه ، وللفن الجدلي في مظاهره ، ولازدهار حياة المقالات والفرق والاتجاهات. وليس غريبا أن نجد الحياة العقلية قد نشأت في ظل المناخ السياسي ، بيد أننا نجد (صفحه ١٠٧) للامام موسي بن جعفر (عليه‌السلام) وثيقة تأريخية في العقل ، كانت وليدة الشعور بالمسؤولية ، ولم تتأثر بأية عوامل سياسية اطلاقا ، وهي عبارة عن رسالة مهذبة نابضة وجهها الامام الي تلميذه العظيم هشام بن الحكم ، وقد شرحها الفيلسوف المتأله الملا صدرالدين الشيرازي المعروف ب «الملاصدرا» في رسالة خاصة ، وقد تعقبها بالتحليل الموضوعي

__________________

(١) الكليني / الكافي ١ / ١٨ ، ابن‌شعبة / تحف العقول / ٢٨٩.

(٢) محمدحسن آل‌ياسين / الامام موسي بن جعفر / ١٠٦.

١١٦

الأستاذ باقر شريف القرشي (دام علاه) ، فكانت مع الأصل في أربعين صفحة» (١).

ولا أعلم رسالة في العقل قد مهدت للحياة العقلية المتطورة بهذا المستوي الفكري كهذه الرسالة التي ربط بها الامام بين ذوي العقول ومنزلتهم وما بين ما أفاض به القرآن الكريم من الاعتداد الرفيع بهم ، وثمة ظاهرة أخري يشير لها الامام فيما حققه أصحاب العقل السليم من المعرفة بأسرار الهداية والكون بافاضة من الله تعالي عليهم.

وقد أكد الامام أن الله عزوجل قد جعل العقل حجة يستدل بها علي عظيم خلقه في السماوات والأرض ، وما فيهما من الكائنات المرئية وغير المرئية ، والعوامل الحسية والمتصورة المعلومة والمجهولة والمتخيلة ، وما في ذلك من عجائب صنع الله في الخلق والايجاد والتصريف والادارة والابداع ، مما جعله الله برهانا علي معرفته الخارقة ، ودليلا علي عظيم قدرته التي لا تدرك (٢).

وبالامكان الاشارة الي نهج هادي‌ء لنقاط الارتكاز في الرسالة.

١ ـ أبان الامام (عليه‌السلام) أن الله خوف الذين لا يعقلون من عقابه ، وقرن العلم بالعقل ، فقال تعالي :

(وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون) (٣).

ثم ذم الله الذين لا يعقلون في آيات عديدة من قرآنه المجيد ، عرض الامام لها ، وختم ذلك بقوله تعالي :

__________________

(١) ظ : باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر : ١ / ١٨٣ ـ ٢٢٣.

(٢) ظ : نص رسالة الامام / الكليني / الكافي ١ / ١٣ ـ ٢٠ ، ابن‌شعبة / تحف العقل ٣٩٠ ـ ٤٠٠ ، وفيها زيادة علي ما ذكره الكليني.

(٣) سورة العنكبوت / ٤٣.

١١٧

(تحسبهم جميعا وقلوبهم شتي ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) (١).

ومدح الله تعالي القلة لأنهم العقلاء حقا ، فقال عزوجل :

(وقليل من عبادي الشكور) (٢).

وقال تعالي : (وقليل ما هم) (٣).

وقال تعالي : (وما آمن معه الا قليل) (٤).

وأشار الامام أن القرآن ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر ، وحلاهم بأحسن الحلية ، فقال : (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر الا أولوا الألباب) (٥).

وتحدث الامام عما مدح الله به لقمان بايتا الحكمة ، ويعني بذلك الفهم والعقل ، وما أوصي به لقمان ولده بالتواضع للحق ليكون أعقل الناس.

٢ ـ واعتبر الامام أن لكل شي‌ء دليلا «ودليل العقل التفكر ، ودليل التفكر الصمت ، ولكل شي‌ء مطية ، ومطية العقل التواضع». وصرح بأن الله تعالي ما بعث الأنبياء ورسله وعباده الا ليعقلوا عن الله ، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة ، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا ، وأكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة ، واعتبر الامام العقل حجة باطنة. وأن العاقل لا يشغل الحلال شكره ، ولا يغلب الحرام صبره.

وعد الامام طول الأمل ، وفضول الكلام ، وشهوات النفس ، مؤشرات تعين علي هدم العقل. «ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه».

٣ ـ واعتبر الامام : «الصبر علي الوحدة علامة قوة العقل ، فمن عقل من الله

__________________

(١) سورة الحشر / ١٣.

(٢) سورة سبأ / ١٣.

(٣) سورة ص / ٢٤.

(٤) سورة هود / ٤٠.

(٥) سورة البقرة / ٢٦٨.

١١٨

اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها ، ورغب فيما عند الله».

«كما اعتبر نصب الحق لطاعة الله ، ولا نجاة الا بالطاعة ، والطاعة بالعلم ، والعلم بالتعلم ، والتعلم بالعقل يعتقد ، ولا علم الا من عالم رباني ، ومعرفة العلم بالعقل».

٤ ـ ورأي الامام : «ان العاقل قد رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة ، فالعقلاء تركوا فضول الدنيا ، وان العاقل نظر الي الدنيا وأهلها فعلم أنها لا تنال الا بالمشقة ، ونظر الي الآخرة فعلم أنها لا تنال الا بالمشقة ، فطلب بالمشقة أبقاهما».

ورأي الامام أن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة. وأن الله حكي عن قوم صالحين قولهم : (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب) (١).

وانه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه علي معرفة ... وروي عن جده أميرالمؤمنين : «ما عبدالله بشي‌ء أفضل من العقل».

وعقب الامام علي ذلك بافاضات رائعة تخص الموضوع.

٥ ـ ورأي الامام رؤية مجهرية : «أن العاقل لا يكذب ، وان كان فيه هواه» وقال أيضا : «لا دين لمن لا مروة له ، ولا مروة لمن لا عقل له» وروي عن جده أميرالمؤمنين صفة العاقل : «ان من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال :

يجيب اذا سئل ، وينطق اذا عجز القوم عن الكلام ، ويشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله ، فمن لم يكن فيه هذه الخصال الثلاث فهو أحمق». الي آخر فقرات هذه الرسالة الثمينة.

____________________

(١) سورة آل‌عمران / ٨.

١١٩

وكان الامام بذائقته الفطرية الخالصة يدرك دور العقل في الحياة الاجتماعية ، ولديه تصور عريق بتقلبات المناخ الاجتماعي ، ويعرف جيدا توجه السلطان لتسخير الحياة العقلية للسير في ركابه وتلبية رغباته ، فأراد الشعب التمتع بجوهرة العقل ، لتمنعه وتعصمه عن الانزلاق السياسي الذي تجهد السلطات علي احداثه وتوسيع ثغراته ، ومن البديهي أن يفيد قلة من المثقفين والعلماء من هذا الأمداد الطهور ، وتندفع أكثرية القوم نحو السراب.

ومهما يكن من أمر ، فان الاتجاهات السياسية المعقدة قد أذكت شرارة الجذوة الكلامية ، لا حبا بالعلم وتشجيعا له ، بل لتفيد منه في الابقاء علي النفوذ ، واشغال الشعب المسلم عن نفسه بنفسه ، وبمبادئه عن مشكلاته ، وقد مهد هذا التخطيط الي قيام الأشاعرة والمعتزلة والمرجئة والمفوضة ، وساعد علي ظهور الزندقة والمانوية والمزدكية والشعوبية وسواها في افرازات أحدثها البعد السياسي في المناخ العقلي ، وهو ينتقل من دور العلم بالشي‌ء الي دور النقاش ، ومن طور الفهم الي طور المناظرة ، ازاء اثبات هذا الأصل أو دحض ذلك المبدأ ، ومن هنا نشأت الحياة العقلية وهي تتدرج بالتصاعد من البسيط الي المركب ، ومن السهل الي الصعب ، ومن القاعدة الي القمة ، واذا بالأفق الحالم المتزن يتحول الي شعلة نار متلهبة تزيد في حرارة الجو وسعرات الحياة.

ولا أدل علي هذا من نشوء بدعة الارجاء في ظل الحكم الأموي ، واستمراريتها حتي اليوم ، لأن الارجاء قد ابتدع مقالة تعني بمجاراة السلطان ، والابقاء علي عروش الطغاة ، تثبيتا لأنظمة الحكم السائدة ، فالحاكم هو الحاكم المطاع ، ما دام يشهد الشهادتين ليس غير ، لا يغيره فسق ، ولا يعزله اسراف ، وان خاض في دماء المسلمين خوضا ، فأمره الي

١٢٠